الأستاذ الدكتور موفق الدين يصف صلاح الدين!
السماء لا تمطر-عادة- ذهبا ولا فضة ... والنصر لا يأتي رخيصا أو مصادفة، بل أمرنا الله تعالى بالعدة ما استطعنا، ووعدنا سبحانه بالتأييد حينئذ ... إسلام صحيح (على نهج النبي صلى الله عليه وسلم من الوحيين النقيين، بفهم الصحب الكرام)، وأخذ بالأسباب قدر الوسع بلا شك ...
لم يكن صلاح الدين طفرة ولا فلتة، بل كان كوكبا من مجموعة منيرة، ربيت بعناية ميزت أبناء الإسلام، وهو أسوة ليعرف الحالمون كيف كان السادة الحقيقيون
ولم يكن نصر حطين فرصة مفاجئة اغتنمها، ولا فورة حماسة، بل كان نتيجة توفيق الله تعالى له للسير على خطوات دامت سنوات، بعد خطوات أخرى مهدها له سلفه نور الدين
فعلى الأمة قادة ومقودين أن يدرسوا ذلك ليعرفوا كيف كان ما كان..
إن أرادوا عودة للقمة ورفعا للغمة
لقد كانت هناك برامج تعليمية وإعلامية وعلمية ورؤية شرعية وروح عامة تبث للنهضة لفترة، وعمل خالص دؤوب ..
فلم نكون الضعفاء؟ ولم نكون الأدنى عدة وعمقا ؟ من يتحمل وزر ذلك اليوم الذي صرنا فيه لا شيء ؟ وأعلنا عجزنا عن حماية أعراضنا وشرفنا ..
من هم أصدقاء صلاح الدين ؟
هذا هو وصف دكتور معاصر لصلاح الدين، وهو العالم البروفيسير الفذ :
موفق الدين عبد اللطيف البغدادي
وهو أستاذ دكتور في الطب والنحو، وكلامه أحلى من الشهد، ونقلت تهذيب ترجمته وسيرته الذاتية - بقلمه وقلم ابن أبي أصيبعة - مع التعقيب في كتابي: روائع تاريخ الطب والأطباء المسلمين، دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان
انظروا للتربية وهو يحكي عن نفسه، وقارنوا ... :
وتربيت في حجر أبي النجيب، لا أعرف اللعب واللهو، وأكثر زماني مصروف في سماع الحديث، وأخذت لي إجازات من شيوخ بغداد وخراسان والشام ومصر!
وقال لي والدي يوما ً قد سمعتك جميع عوالي بغداد، وألحقتك في الرواية بالشيوخ، وكنت في أثناء ذلك أتعلم الخط، وأتحفظ القرآن والفصيح والمقامات وديوان المتنبي ونحو ذلك، ومختصراً في الفقه ومختصراً في النحو !
وأقبلت على الإشتغال وشمرت ذيل الجد والاجتهاد وهجرت النوم واللذات!
إنما الأيام والعيش كتاب *** كل يوم فيه للعبرة باب
إن رزقت العلم زنه بالبيان *** ما يفيد العقل إن عي اللسان
وسافرت إلى مصر.......
إلى أن قال :
وشاع أن صلاح الدين عاد إلى القدس، فقادتني الضرورة إلى التوجه إليه، فأخذت من كتب القدماء ما أمكنني وتوجهت إلى القدس فرأيته عظيماً يملأ العين روعة والقلوب محبة، قريباً بعيدا،ً سهلاً محببا،ً وأصحابه يتشبهون به يتسابقون إلى المعروف كما قال تعالى "ونزعنا ما في صدورهم من غل " وأول ليل حضرته وجدت مجلساً حفلاً بأهل العلم يتذاكرون في أصناف العلوم، وهو يحسن الاستماع والمشاركة، ويأخذ في كيفية بناء الأسوار وحفر الخنادق ويتفقه في ذلك... يحمل الحجارة على عاتقه، ويتأسى به جميع الناس الفقراء والأغنياء، والأقوياء والضعفاء، حتى العماد الكاتب والقاضي الفاضل، ويركب لذلك قبل طلوع الشمس إلى وقت الظهر، ويأتي داره ويمد الطعام ثم يستريح ويركب العصر، ويرجع في المساء ويصرف أكثر الليل في تدبير ما يعمل نهاراً، فكتب لي صلاح الدين بثلاثين ديناراً في كل شهر على ديوان الجامع، وأطلق أولاده رواتب حتى تقرر لي في كل شهر مائة دينار. ورجعت إلى دمشق وأكببت على الاشتغال وإقراء الناس بالجامع، وكلما أمعنت في كتب القدماء ازددت فيها رغبة وفي كتب فلسفة ابن سينا زهادة...."
ومن كلامه:
" ينبغي أن تحاسب نفسك كل ليلة إذا آويت إلى منامك، وتنظر ما اكتسبت في يومك من حسنة فتشكر اللّه عليها، وما اكتسبت من سيئة فتستغفر اللّه منها، وتقلع عنها وترتب في نفسك مما تعمله في غدك من الحسنات، وتسأل اللّه الإعانة على ذلك. وإذا قرأت كتاباً فاحرص كل الحرص على أن تستظهره وتملك معناه، وتوهم أن الكتاب قد عدم، وأنك مستغن عنه لا تحزن لفقده. وإذا كنت مكباً على دراسة كتاب وتفهمه فإياك أن تشتغل بآخر معه، ولصرف الزمان الذي تريد صرفه في غيره إليه.
وإياك أن تشتغل بعلمين دفعة واحدة، وواظب على العلم الواحد سنة أو سنتين أو ما شاء اللّه، فإذا قضيت منه وطرك فانتقل إلى علم آخر، ولا تظن أنك إذا حصلت علماً فقد اكتفيت! بل تحتاج إلى مراعاته لينمو ولا ينقص ومراعاته تكون بالمذاكرة والتفكر، واشتغال المبتدئ بالتلفظ والتعلم ومباحثة الأقران واشتغال العالم بالتعليم والتصنيف...
وينبغي للإنسان أن يقرأ التواريخ وأن يطلع على السّير وتجارب الأمم فيصير بذلك كأنه في عمره القصير قد أدرك الأمم الخالية وعاصرهم وعاشرهم وعرف خيرهم وشرهم."
قال "وينبغي أن تكون سيرتك سيرة الصدر الأول فاقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وتتبع أفعاله وأحواله واقتف آثاره، وتشبه به ما أمكنك وبقدر طاقتك، وإذا وقفت على سيرته في مطعمه ومشربه وملبسه ومنامه ويقظته وتمرضه وتطببه وتمتعه وتطيبه، ومعاملته مع ربه ومع أزواجه وأصحابه وأعدائه وفعلت اليسير من ذلك فأنت السعيد كل السعيد."
وإذا خلوت من التعلم والتفكر فحرّك لسانك بذكر اللّه وبتسابيحه، وخاصة عند النوم فيتشربه لبك ويتعجن في خيالك وتكلم به في منامك، وإذا حدث لك فرح وسرور ببعض أمور الدنيا فاذكر الموت وسرعة الزوال وأصناف المنغصات، وإذا أحزنك أمر فاسترجع، وإذا اعترتك غفلة فاستغفر، واجعل الموت نصب عينك والعلم والتقى زادك إلى الآخرة، وإذا أردت أن تعصي اللّه فاطلب مكاناً لا يراك فيه! واعلم أن الناس عيون اللّه على العبد يريهم خيره وإن أخفاه وشره وإن ستره، فباطنه مكشوف للّه واللّه يكشفه لعباده، فعليك أن تجعل باطنك خيراً من ظاهرك وسرك أصبح من علانيتك، ولا تتألم إذا أعرضت عنك الدنيا فلو عرضت لك لشغلتك عن كسب الفضائل، وقلما يتعمق في العلم ذو الثروة إلا أن يكون شريف الهمة جداً، أو أن يثري بعد تحصيل العلم وإني لا أقول إن الدنيا تعرض عن طالب العلم بل هو الذي يعرض عنها، لأن همته مصروفة إلى العلم فلا يبقى له التفات إلى الدنيا، والدنيا إنما تحصل بحرص وفكر في وجوهها، فإذا غفل عن أسبابها لم تأته وأيضاً فإن طالب العلم تشرف نفسه عن الصنائع الرذلة والمكاسب الدنية وعن أصناف التجارات وعن التذلل لأرباب الدنيا والوقوف على أبوابهم، وجميع طرق مكاسب الدنيا تحتاج إلى فراغ لها، وحذق فيها وصرف الزمان إليها، والمشتغل بالعلم لا يسعه شيء من ذلك، وإنما ينتظر أن تأتيه الدنيا بلا سبب وتطلبه من غير أن يطلبها.. وهذا ظلم منه وعدوان ولكن إذا تمكن الرجل في العلم وشهر به خطب من كل جهة وعرضت عليه المناصب وجاءته الدنيا صاغرة وأخذها وماء وجهه موفور وعرضه ودينه مصون، واعلم أن للعلم عقبة وعرفاً ينادي على صاحبه ونوراً وضياء يشرق عليه ويدل عليه كتاجر المسك لا يخفى مكانه ولا تجهل بضاعته وكمن يمشي بمشعل في ليل مدلهم، والعالم مع هذا محبوب أينما كان وكيفما كان لا يجد إلا من يميل إليه ويؤثر قربه ويأنس به ويرتاح بمداناته، واعلم أن العلوم تغور ثم تفور في زمان بمنزلة النبات أو عيون المياه وتنتقل من قوم إلى قوم ومن صقع إلى صقع."
ومن كلامه أيضاً:
"اجعل كلامك في الغالب بصفات أن يكون وجيزاً فصيحاً في معنى مهم"
وقال "إياك والهذر والكلام فيما لا يعني، وإياك والسكوت في محل الحاجة ورجوع النوبة إليك إما لاستخراج حق أو اجتلاب مودة أو تنبيه على فضيلة، وإياك والضحك مع كلامك وكثرة الكلام وتبتيرالكلام، بل اجعل كلامك سرداً بسكون بحيث يستشعر منك أن وراءه أكثر منه، وأنه عن خميرة سابقة ونظر متقدم"
وقال" إياك والغلظة في الخطاب والجفاء في المناظرة فإن ذلك يذهب ببهجة الكلام ويسقط فائدته ويعدم حلاوته ويجلب الضغائن ويمحق المودات"
وقال "انتزح عن عادات الصبا وتجرد عن مألوفات الطبيعة، واجعل كلامك في الغالب لا ينفك من خبر أو قرآن أو قول حكيم، أو بيت نادر أو مثل سائر".
وقال: "تجنب الوقيعة في الناس والغلظة على المعاشر وكثرة الغضب وتجاوز الحد فيه".
وقال "استكثر من حفظ الأشعار الأمثالية والنوادر الحكمية والمعاني المستغربة"
ومن دعائه رحمه اللّه :
قال اللهم أسلس لنا مقاد التوفيق، وخذ بنا في سواء الطريق، يا هادي العمي يا مرشد الضلال، يا محيي القلوب الميتة بالإيمان، يا منير ظلمة الضلالة بنور الإتقان، خذ بأيدينا من مهواة الهلكة، طهرنا من درن الدنيا الدنية بالإخلاص لك والتقوى، إنك مالك الآخرة والدنيا.......
سبحان من عم بحكمته الوجود واستحق بكل وجه أن يكون هو المعبود، تلألأت بنور جلالك الآفاق، وأشرقت شمس معرفتك على النفوس إشراقاً وأي إشراق.
__________________
طلب العلم فريضة
السماء لا تمطر-عادة- ذهبا ولا فضة ... والنصر لا يأتي رخيصا أو مصادفة، بل أمرنا الله تعالى بالعدة ما استطعنا، ووعدنا سبحانه بالتأييد حينئذ ... إسلام صحيح (على نهج النبي صلى الله عليه وسلم من الوحيين النقيين، بفهم الصحب الكرام)، وأخذ بالأسباب قدر الوسع بلا شك ...
لم يكن صلاح الدين طفرة ولا فلتة، بل كان كوكبا من مجموعة منيرة، ربيت بعناية ميزت أبناء الإسلام، وهو أسوة ليعرف الحالمون كيف كان السادة الحقيقيون
ولم يكن نصر حطين فرصة مفاجئة اغتنمها، ولا فورة حماسة، بل كان نتيجة توفيق الله تعالى له للسير على خطوات دامت سنوات، بعد خطوات أخرى مهدها له سلفه نور الدين
فعلى الأمة قادة ومقودين أن يدرسوا ذلك ليعرفوا كيف كان ما كان..
إن أرادوا عودة للقمة ورفعا للغمة
لقد كانت هناك برامج تعليمية وإعلامية وعلمية ورؤية شرعية وروح عامة تبث للنهضة لفترة، وعمل خالص دؤوب ..
فلم نكون الضعفاء؟ ولم نكون الأدنى عدة وعمقا ؟ من يتحمل وزر ذلك اليوم الذي صرنا فيه لا شيء ؟ وأعلنا عجزنا عن حماية أعراضنا وشرفنا ..
من هم أصدقاء صلاح الدين ؟
هذا هو وصف دكتور معاصر لصلاح الدين، وهو العالم البروفيسير الفذ :
موفق الدين عبد اللطيف البغدادي
وهو أستاذ دكتور في الطب والنحو، وكلامه أحلى من الشهد، ونقلت تهذيب ترجمته وسيرته الذاتية - بقلمه وقلم ابن أبي أصيبعة - مع التعقيب في كتابي: روائع تاريخ الطب والأطباء المسلمين، دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان
انظروا للتربية وهو يحكي عن نفسه، وقارنوا ... :
وتربيت في حجر أبي النجيب، لا أعرف اللعب واللهو، وأكثر زماني مصروف في سماع الحديث، وأخذت لي إجازات من شيوخ بغداد وخراسان والشام ومصر!
وقال لي والدي يوما ً قد سمعتك جميع عوالي بغداد، وألحقتك في الرواية بالشيوخ، وكنت في أثناء ذلك أتعلم الخط، وأتحفظ القرآن والفصيح والمقامات وديوان المتنبي ونحو ذلك، ومختصراً في الفقه ومختصراً في النحو !
وأقبلت على الإشتغال وشمرت ذيل الجد والاجتهاد وهجرت النوم واللذات!
إنما الأيام والعيش كتاب *** كل يوم فيه للعبرة باب
إن رزقت العلم زنه بالبيان *** ما يفيد العقل إن عي اللسان
وسافرت إلى مصر.......
إلى أن قال :
وشاع أن صلاح الدين عاد إلى القدس، فقادتني الضرورة إلى التوجه إليه، فأخذت من كتب القدماء ما أمكنني وتوجهت إلى القدس فرأيته عظيماً يملأ العين روعة والقلوب محبة، قريباً بعيدا،ً سهلاً محببا،ً وأصحابه يتشبهون به يتسابقون إلى المعروف كما قال تعالى "ونزعنا ما في صدورهم من غل " وأول ليل حضرته وجدت مجلساً حفلاً بأهل العلم يتذاكرون في أصناف العلوم، وهو يحسن الاستماع والمشاركة، ويأخذ في كيفية بناء الأسوار وحفر الخنادق ويتفقه في ذلك... يحمل الحجارة على عاتقه، ويتأسى به جميع الناس الفقراء والأغنياء، والأقوياء والضعفاء، حتى العماد الكاتب والقاضي الفاضل، ويركب لذلك قبل طلوع الشمس إلى وقت الظهر، ويأتي داره ويمد الطعام ثم يستريح ويركب العصر، ويرجع في المساء ويصرف أكثر الليل في تدبير ما يعمل نهاراً، فكتب لي صلاح الدين بثلاثين ديناراً في كل شهر على ديوان الجامع، وأطلق أولاده رواتب حتى تقرر لي في كل شهر مائة دينار. ورجعت إلى دمشق وأكببت على الاشتغال وإقراء الناس بالجامع، وكلما أمعنت في كتب القدماء ازددت فيها رغبة وفي كتب فلسفة ابن سينا زهادة...."
ومن كلامه:
" ينبغي أن تحاسب نفسك كل ليلة إذا آويت إلى منامك، وتنظر ما اكتسبت في يومك من حسنة فتشكر اللّه عليها، وما اكتسبت من سيئة فتستغفر اللّه منها، وتقلع عنها وترتب في نفسك مما تعمله في غدك من الحسنات، وتسأل اللّه الإعانة على ذلك. وإذا قرأت كتاباً فاحرص كل الحرص على أن تستظهره وتملك معناه، وتوهم أن الكتاب قد عدم، وأنك مستغن عنه لا تحزن لفقده. وإذا كنت مكباً على دراسة كتاب وتفهمه فإياك أن تشتغل بآخر معه، ولصرف الزمان الذي تريد صرفه في غيره إليه.
وإياك أن تشتغل بعلمين دفعة واحدة، وواظب على العلم الواحد سنة أو سنتين أو ما شاء اللّه، فإذا قضيت منه وطرك فانتقل إلى علم آخر، ولا تظن أنك إذا حصلت علماً فقد اكتفيت! بل تحتاج إلى مراعاته لينمو ولا ينقص ومراعاته تكون بالمذاكرة والتفكر، واشتغال المبتدئ بالتلفظ والتعلم ومباحثة الأقران واشتغال العالم بالتعليم والتصنيف...
وينبغي للإنسان أن يقرأ التواريخ وأن يطلع على السّير وتجارب الأمم فيصير بذلك كأنه في عمره القصير قد أدرك الأمم الخالية وعاصرهم وعاشرهم وعرف خيرهم وشرهم."
قال "وينبغي أن تكون سيرتك سيرة الصدر الأول فاقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وتتبع أفعاله وأحواله واقتف آثاره، وتشبه به ما أمكنك وبقدر طاقتك، وإذا وقفت على سيرته في مطعمه ومشربه وملبسه ومنامه ويقظته وتمرضه وتطببه وتمتعه وتطيبه، ومعاملته مع ربه ومع أزواجه وأصحابه وأعدائه وفعلت اليسير من ذلك فأنت السعيد كل السعيد."
وإذا خلوت من التعلم والتفكر فحرّك لسانك بذكر اللّه وبتسابيحه، وخاصة عند النوم فيتشربه لبك ويتعجن في خيالك وتكلم به في منامك، وإذا حدث لك فرح وسرور ببعض أمور الدنيا فاذكر الموت وسرعة الزوال وأصناف المنغصات، وإذا أحزنك أمر فاسترجع، وإذا اعترتك غفلة فاستغفر، واجعل الموت نصب عينك والعلم والتقى زادك إلى الآخرة، وإذا أردت أن تعصي اللّه فاطلب مكاناً لا يراك فيه! واعلم أن الناس عيون اللّه على العبد يريهم خيره وإن أخفاه وشره وإن ستره، فباطنه مكشوف للّه واللّه يكشفه لعباده، فعليك أن تجعل باطنك خيراً من ظاهرك وسرك أصبح من علانيتك، ولا تتألم إذا أعرضت عنك الدنيا فلو عرضت لك لشغلتك عن كسب الفضائل، وقلما يتعمق في العلم ذو الثروة إلا أن يكون شريف الهمة جداً، أو أن يثري بعد تحصيل العلم وإني لا أقول إن الدنيا تعرض عن طالب العلم بل هو الذي يعرض عنها، لأن همته مصروفة إلى العلم فلا يبقى له التفات إلى الدنيا، والدنيا إنما تحصل بحرص وفكر في وجوهها، فإذا غفل عن أسبابها لم تأته وأيضاً فإن طالب العلم تشرف نفسه عن الصنائع الرذلة والمكاسب الدنية وعن أصناف التجارات وعن التذلل لأرباب الدنيا والوقوف على أبوابهم، وجميع طرق مكاسب الدنيا تحتاج إلى فراغ لها، وحذق فيها وصرف الزمان إليها، والمشتغل بالعلم لا يسعه شيء من ذلك، وإنما ينتظر أن تأتيه الدنيا بلا سبب وتطلبه من غير أن يطلبها.. وهذا ظلم منه وعدوان ولكن إذا تمكن الرجل في العلم وشهر به خطب من كل جهة وعرضت عليه المناصب وجاءته الدنيا صاغرة وأخذها وماء وجهه موفور وعرضه ودينه مصون، واعلم أن للعلم عقبة وعرفاً ينادي على صاحبه ونوراً وضياء يشرق عليه ويدل عليه كتاجر المسك لا يخفى مكانه ولا تجهل بضاعته وكمن يمشي بمشعل في ليل مدلهم، والعالم مع هذا محبوب أينما كان وكيفما كان لا يجد إلا من يميل إليه ويؤثر قربه ويأنس به ويرتاح بمداناته، واعلم أن العلوم تغور ثم تفور في زمان بمنزلة النبات أو عيون المياه وتنتقل من قوم إلى قوم ومن صقع إلى صقع."
ومن كلامه أيضاً:
"اجعل كلامك في الغالب بصفات أن يكون وجيزاً فصيحاً في معنى مهم"
وقال "إياك والهذر والكلام فيما لا يعني، وإياك والسكوت في محل الحاجة ورجوع النوبة إليك إما لاستخراج حق أو اجتلاب مودة أو تنبيه على فضيلة، وإياك والضحك مع كلامك وكثرة الكلام وتبتيرالكلام، بل اجعل كلامك سرداً بسكون بحيث يستشعر منك أن وراءه أكثر منه، وأنه عن خميرة سابقة ونظر متقدم"
وقال" إياك والغلظة في الخطاب والجفاء في المناظرة فإن ذلك يذهب ببهجة الكلام ويسقط فائدته ويعدم حلاوته ويجلب الضغائن ويمحق المودات"
وقال "انتزح عن عادات الصبا وتجرد عن مألوفات الطبيعة، واجعل كلامك في الغالب لا ينفك من خبر أو قرآن أو قول حكيم، أو بيت نادر أو مثل سائر".
وقال: "تجنب الوقيعة في الناس والغلظة على المعاشر وكثرة الغضب وتجاوز الحد فيه".
وقال "استكثر من حفظ الأشعار الأمثالية والنوادر الحكمية والمعاني المستغربة"
ومن دعائه رحمه اللّه :
قال اللهم أسلس لنا مقاد التوفيق، وخذ بنا في سواء الطريق، يا هادي العمي يا مرشد الضلال، يا محيي القلوب الميتة بالإيمان، يا منير ظلمة الضلالة بنور الإتقان، خذ بأيدينا من مهواة الهلكة، طهرنا من درن الدنيا الدنية بالإخلاص لك والتقوى، إنك مالك الآخرة والدنيا.......
سبحان من عم بحكمته الوجود واستحق بكل وجه أن يكون هو المعبود، تلألأت بنور جلالك الآفاق، وأشرقت شمس معرفتك على النفوس إشراقاً وأي إشراق.
__________________
طلب العلم فريضة
تعليق