فلسفة الزّواج في الإسلام
نظام الدين إبراهيم أوغلو
محاضر في جامعة هيتيت ـ تركيا
nizamettin955@hotmail.com
الزّواج شروطه وحُكمه في الإسلام:
كما نعلم أن الإسلام يشجع على الزواج ويمنع التبتل، ويعتبره سنة إلهية وسنه الأنبياء والرسل والزواج يعني التناسل وتكاثر الذريات وإستمرار الحياة والتفاخر بالأنساب وتحقيق أية من آيات الله تعالى على خلقه كما في قوله تعالى (ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون) . (سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون) . (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) . (ولقد أَرسَلْنَا رُسلاً مِن قبْلكَ وجعَلنا لهُم أَزواجاً وذُريَّةً) . وقال النبي (ص) (أربع من سنن المرسلين: الحناء، والتعطر، والسواك، والنكاح) وقوله (ص) (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج) وقوله (تناكحوا تناسلوا).
أما شروط الزواج في الإسلام كثيرة ومن أهم هذه الشروط، الرضاء بالخُلق والدّين إذ قال الرسول (ص) (إذا جاءكم مَن ترضونَ خُلُقهُ ودينهُ فزوّجوهُ إن لا تفعلوه تكن فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ كبيرٌ). وقوله (ص) (إيّاكم وخضراءَ الدّمن، فقيل له وما ذاك يا رسول الله، فقال المرأة الحسناء في منبت السّوء). وقوله أيضاً (تُنكحُ المرأة لأربع إمّا لمالها أو لجمالها أو لحيبها أو لدينها فأظفر بذات الدّين تربّت يداك). ويجب أن نشير هنا أنّ من البنات أوالبنين وحتى أولياء الأمور بدلاً من أن ييسروا شروط الزواج كما أمره الإسلام يصعبونها ويجعلونها أكثر تعقيداً قد تكون بعضها تعجيزية غير إسلامية منها: غلاء المهر والرسول (ص) يقول (تزوجوا ولو بخاتم من ذهب)، الطلبات الكثيرة لا لأجل زيادة التقوى والأخلاق الفاضلة وزيادة العلم والمعرفة، بل لأجل زيادة متاع الدنيا من جمال ومال وشهرة وشهادة وسيارة فاخرة وفيلل جميلة. لا الفقر ولا الغنى من عيوب الأفراد وإنما عدم صبر الأول وعدم شكر الثاني عيب، والفقير إذا لم يقتنع بما عنده فهو عيب والغني إذا أسرف وتفاخر وتكبر بما عنده فهو عيب.
لذا نرى هؤلاء ينتظرون سنوات ولا يتزوجون إلى أن تتحقق الشروط التي أوجبتها عليهم العادات، وعند عدم تحقق الشروط ييأسون من الحياة وتفوت عليهم الأوان ويصعب عليهم الزواج وحينئذ يبدأون بالبحث عن قسمتهم عن طريق السحرة والعرافين والمنجمين، أو يرون أسباب عدم زواجهم من أقرباهم وأصدقاءهم ظاناً منهم حسدهم لهم وتسببوا في منع قسمة زواجهم، فيعمى بصرهم ولا يرون الذنب من عندهم ولا يفكرون باللوم على أنفسهم ولا يتذكرون قول الله تعالى (وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون).
ومن شروط الزواج المهمة أيضاً النّكاح وعقد الزّواج الشرعي المتعارف عليه عند المسلمين. وليس كما هو المتعارف عليه في الدول الأوروبية ويهدفون من ورائها إطفاء السنّة الإلهيّة بزواج غير شرعي والتعايش الثلاثي التي فيها إهانة لكرامة المرأة والهروب من المسؤوليات الملقات على عاتق الزوجين من حقوق وواجبات، كما نرى فأنهارت عندهم مفهوم العائلة والأخلاق السامية. والمسلمون لايزالون في مثل هذه المواضيع بخير يراعون سنة الله ورسوله بفضله تعالى وسيستمر عندهم هذه السنّة الإلهيّة مادامت السموات والأرض، لأنهم يرون في الزواج الشرعي طاعة لله وغنى وعفة وإنجاب أولاد شرعيين صالحين والله تعالى يقول (وإنكحوا الأيامى منكم والصّالحين من عبادكم وإمائكم) . (وليستعفف الّذين لا يجدون نكاحاً حتى يُغنيهم الله من فضله) . (ولا جناح عليكم أن تنكحوهنّ إذا آتيتموهنّ أجورهنّ) .(وإن أردتم إستبدال زوجٍ مكان زوجٍ) . (ومن أياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً) .(وجعل من أزواجكم بنين وحفدة ) . وأمرنا الرّسول (ص) كذلك (النّكاح سُنّتي فمن رغب عن سُنّتي فليس منّي) حديث صحيح. وقال (ص) (تزوّجوا فإنّي مُكاثرٌ بكم الأممَ يوم القيامة، ولاتكونوا كرهبانية النّصارى) رواه البيهقي والخطيب في تاريخيه. (إذا تزوّج المرء فقد إستكمل نصف الدّين، فليتّق الله في النّصف الباقي) البيهقي عن أنس.
وأما في حكم الزواج في الإسلام فيه إختلاف حسب الظروف، إذا كان الفرد يركن إلى إشباع الرغبة الجنسية ويخاف على نفسه الوقوع في الحرام وعنده القدرة المادية الزواج يكون عليهم واجب، أما إذا كان حالته معتدلة ولا يخاف على نفسه يكون له الزواج سنة مستحبة. وهناك ظروف إستثنائية شخصية كالمرض والفقر الشديد فقد لايتطلب الزواج، أو لظروف تخص ببقاء وإستمرار الأمة ويتوجب عليهم الزواج وحتى الزواج المتعدد بسبب حفظ الذريات وخاصة عند حدوث الأفات والحروب.
هل الزّواج قِسمةٌ أم خيار (مسير أم مخير)؟
الزّواج من أحد المواضيع الفقهية الهامة والحسّاسة التي يتم بإرادة الإنسان الجزئيّة أي أن الإنسان مخير وليس مسير والتمسك بأسباب الزواج واجب، كما نجد في مواضيع الإيمان والهداية والعمل الصالح والطالح وفي كسب الأرزاق والإعتناء بالصّحة ونحو ذلك. وقد يتصوّر بعض النّاس ويُخطئون عندما يدّعون أنّ الزواج يتم بإرادة كُليّة إلهيّة (أي مسير فيها)، ويمكن أن نوضح هذا بما يلي:
1ـ هناك أمور لا دخل للإنسان فيها، فهو مسير فيها رغماً عنه مثل لون بشرته، ونوع جنسه ذكراً أو أنثى، وكجنسيته في أي بلد ولد، وكمولده في التاريخ الذي ولد فيه، وفي وفاته متى وأين سيتوفى ونحو ذلك. في كل هذا لا دخل للإنسان فيها، وبالتالي لا يحاسب عليها.
2ـ وماعدا هذه الأمور، وهي المساحة الواسعة في حياة الإنسان داخلة في إختيار الإنسان وحريته، فالإنسان هو الذي يقرر هل سيلتزم بمنهج الله، أم يتمرد عليه؟ ويقرر: هل يعيش هنا أم هناك؟ وهل يتزوج من أجل المال والشهرة والجمال والنسب أم لأجل الدين؟ وهو الذي يقرر تاريخ ومكان الزواج. وهو الذي يقرر أيضاً على العيش السعيد أو العيش النكد بذكائه وبقراراته الصائبة.
3ـ لكن هذه الأمور التي يقررها الإنسان قد سبق في علم الله تعالى على أي وجه ستكون، فالإنسان لا يعلم بمَنْ سيتزوج في دنياه قبل الزواج، ولكن الله يعلم من قبل أن يخلق الإنسان مَن ستكون زوجته، فعلم الله يحيط بهذا كله، وقد أودع الله في كتابه المحفوظ كل أفعال العباد واختياراتهم وآمالهم وآلامهم وديانتهم وغير ذلك، والعلم بالغيب عند الله ليس معناه أنه أجبرهم على هذه الأمور، ولكنه علم بعلمه المحيط دقائق هذه الأمور قبل أن تقع، يقول تعالى: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) .
4ـ فهذا هو معنى أن الزواج إختيار ومقدور: معناه أن الله يعلم ذلك، وقد كتبه قبل وقوعه، ولم يجبر الناس على اختياره، والناس لا يعلمون شيئاً عن هذا المكتوب إلاّ بعد وقوعه، ولم يخبر ربنا الناس بهذه الأمور، وترك لهم الحرية الكاملة فيما يختارون.
5ـ ولو أن الله أطلع عبداً على ما كتبه الله عنه، فإن العبد لن يملك أن يفعل إلاّ ما هو مكتوب، مع أنه يفعله باختياره وإرادته، وقد حدث أن أظهر الله تعالى للناس بعضاً من هذه الأمور فلم يملك أصحابها أن يغيروها.
6ـ أُخبر أن أبا لهب سيموت كافراً هو وزوجه، فلم يملك أبو لهب أن يسلم ولو زوراً وبهتاناً، واختار الكفر .
7ـ أُخبر بأن اليهود سيقولون للمسلمين إذا حول الله قبلتهم: ما ولاهم عن قبلتهم، فقالوها حينما تغيرت قبلة المسلمين، وكأنه مشهد متفق عليه يقول تعالى: (سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) .
8ـ والسبب في أن العبد لا يستطيع تغيير ما هو مسطور حتى لو أظهره الله عليه أن العبد يحب أن يصنع هذا الذي يصنعه، ويختاره ويريده، ولو أن أهل الخبرة جميعاً حاولوا أن يردوه فلن يستجيب .
9ـ ولنفترض أنك اطلعت على اللوح المحفوظ فرأيت أيها الزوج أنكَ ستتزوج أو يا أيتها الزوجة أنكِ ستتزوجين فلاناً، وستعيشون معاً حياة مليئة بالحزن وآلام، وسترون الويلات، وسترون المر والشقاء بسبب أحد الطرفين فقد تقولون :لو اطلعت على ذلك فلن تتزوج ابداً. ولكن الحقيقة حتى وإن إطلعت إلى كل شيء ستتزوج للأسباب التالية:
قد تكون حباً له، والمحب لا يرى في الحبيب عيباً، ولا يبصر منه سوء، لكنه يرى منه ما يحب أن يراه فقط. وقد يكون أن تكره لكن يضطرك أسباب من صنع البشر"لم يجبر الله أحداً عليها" على الزواج به، فقد يضطرك أبوك، أو تضرك عادات أو تقاليد، أو بعض المصالح، وهذه كلها أمور لم يجبر الله الناس عليها، ولكنهم إما أنهم وضعوها بأنفسهم، أو استسلموا فيها لغيرهم .
الزّواج السّعيد يكون بإستعمال العقل والإرادة الصائبة كما أمره الله:
على كل إنسانٍ أن يتمسك بأسباب إختيار الزوج الصالح ويكون هذا بالسّعي والبحث وإستعمال الإرادة والعقل السليم، وإن كانت عملية البحث والتحقيق والإختيار وإعطاء القرار الأنسب لزوج يلائمهم من كل النواحي صعب جداً، ولكن لأجل تحقيق الزواج السعيد والأنسب ديناً وأخلاقاً، هذا ممكن إذا توفر الوفاء والإخلاص والنية السليمة، وتكون نهاية هذا الزواج آمان وإطمئنان وبركة وسعادة في الدنيا والأخرة إن شاء الله. ولأجل تحقيق أمنية السعادة الزوجية علينا بما يلي:
1ـ الإلتزام بأوامر الله تعالى وسنّة رسول الله في كافة أعمالنا وتصرفاتنا من آداب السلام والكلام وإحترام حقوق الزوج والزوجة والأولاد، بجانب الإلتزام بفرائض وأركان الإسلام، لأن العبادات درع المؤمن في إرتكاب الأخطاء فقال تعالى (إنّ الصلاة تنهى عن الفشحاء والمنكر) وقال (ص).(الصوم جنة).
2ـ أن يكون الطرفان في أقوالهما وأفعلهما جادين وصادقين وفي تصرفاتهما متسامحين وغير متشددين تجاه بعضهما. والهروب من الكذب حتى عن الكذب الأبيض والمزاحي منها مهما كان السبب لأن الإنسان يتعود على قول الأكاذيب بإستمرار، والكذب يكشف دائماً مما يؤدي إلى زول الثقة بين الطرفين ويكثر الظنون ويكثر النقاش وينتهي إلى الشقاق والإفتراق.
3ـ وبعد الزّواج يقع على عاتق كل منهما المسؤوليات والواجبات الكثيرة، قد لا يتحمل ولا يصبر أحدهم ويفقد أعصابه ويتصرف بتصرفات مؤذية، ففي هذه الحالة الإستثنائية من الأفضل الصّبر وإستعمال العقل بدلاً من العاطفة، فالغضب ليس من صفات الدين ولا من صفات الشخص المتمدن والمتحضر. والرسول (ص) يوصي الغاضب بشرب الماء، وبوضع ما بيده إلى الأرض أو بتغير وضعه الذي هو فيه إذا كان واقفاً يجلس أو بالعكس، ووصى بالوضوء وبوضع الرأس تحت الماء وأخيراً بالسكوت وترك المكان الذي هو فيه. ويمكن القول أن أكثر المشاكل العائلية تظهر لأسباب بسيطة أي لأمور فرعية تمس بالنفس اللّوامة، دون أن تمس الأمور العقائدية المهمة. لذا فمن الأولى أن لانكبر هذه المواضيع البسيطة ونجعلها كأنها من أصل حياتنا. ونقع في تصرف خاطيء لا يرضاه الله تعالى.
وهناك واقع وحقيقة يجب أن يدركا المعنيان، وهو أنهما جاءا من أوساط غير أوساطهما ومن ثقافة غير ثقافتهما فالعادات والسّلوك وحتى نوعيّة الملابس والطّعام قد تكون مختلفة، ولأجل أن تأخذ أمور الزواج حالتها الإعتيادية تحتاج إلى فترة من الزّمن سنة أو سنوات. وعلينا أن لا ننسى أنّ الصّبر على البلاء معناه إرضاء الله تعالى ونيل السعادة في دارين والخلود في الجنّة.
وقد يقع الإنسان في خطأ ولكن له أدابه كما في قوله (ص) (كل إبن آدم خطّاء وخير الخطائين التوابون). التوبة من صفات الصالحين، وإن أخطأ أحدهما يمكن تجاوزه بالحوار المتمدن وبالرجوع إلى القرآن والسنة، وإن لم يكن نبذ الخلاف فقد يكون بمداخلة حكم من زوج وحكم من زوجة.
ولنفرض أنهما رفضا حل مشاكلهما البسيطة، ونسأل الآن من الذي سيخسر؟ بلا شك الطرفان، وما دمنا بشر ومحاطون بالنفس اللوامة بالإضافة إلى الروح الطيبة فلا محال أن نقع في الأخطاء وحتى الكبيرة منها التي لا يصبر عليها ونستطيع إتلاف الخطأ بالرجوع منها وبالتوبة والإستغفار وطلب العفو من صاحبها.
وخروج المشاكل في داخل الأسرة إعتيادية، وهي نوع من الإبتلاء وعلاجها الصبر والرجوع من الخطأ والتوبة وطلب العفو كما ذكرنا ونهيتها تكون الفوز بالجنة.
لا أدري لماذا هذا الخصام والنزاع علماً أن الزوجان هما رغبا الزواج عن إختيارهما وحبا بعضهما لإرضاء الله تعالى، وهما تزوجا بعد التفكير وسعا وجاهدا وصرفا وقتاً لمعرفة بعضهما وأخيراً إتفقا وقررا على الزواج من أجل تكوين أسرة سعيدة وذرية صالحة؟.
ولا أريد تذكرة الطلاق والتفكر به للأنه ليس الحل الأمثل وأنه أبغض الحلال وأخر ما يتفكر فيه الإنسان، والإنسان لايحب أن يهدم أسرة وخاصة معها أطفال.
4ـ ومن شروط السعادة أيضاً إحترام أقارب وأصدقاء أحدهما الأخر، لأنهما أصبحا أقرباء بعضهما والله يأمر ويقول (والأقربين أولى بالمعروف) ، وأقول العاقل الفطن لايمكن أن يهيء لنفسه العيش النكد وأن يعيش في قلق وأضطراب وآلام وصراع نفسي دائم من أجل الأمور البسيطة.
مما يؤدي إلى مرض نفسي للأطراف المتخاصمة أو لأحدهما ثم إلى مرض جسدي فيحتاجان إلى خدمات كثيرة أوملازمة الفراش فمن الذي سيقوم بالخدمات الصحية والمنزلية لهما؟ وهناك بعض الخدمات قد تكون مملة ولا تطاق أو لا تتم إلاّ من قبل أحد الزوجين.
5ـ وعلينا أيضاً أن نتعلم رعاية الأمور الإنسانية الإسلامية وترك إستعمال القوة وإحتقار المرء لأغراض شخصية لأنّ الإنسان يحمل روحاً طاهراً وأية من آيات الله وخاصة إذا كان الزوجان مؤمنان وصالحان. ثم إن إختلاف وتفاوت بعض الصفات بين الرجل والمرأة لايعني أنهما متضادان أو أحدهما أفضل من الثاني، بل هما متممان لبعضهما من أجل تسهيل مسيرة الحياة الشاقة كقوة بدن الرجل على المرأة وقوة عاطفة المرأة على الرجل، وهما متساويان أمام الله في مواضيع كثيرة مثل الإيمان بالله وأمور العقائد وفي العقوبات والجزاء وفي عمل السيئات والحسنات ونحو ذلك وإن دلّ هذا على شيء فإنما يدل على تساوي العقل والإدراك والشعور.
ولأجل فلاح وضمان سعادة الزوجان يجب عليهما رعاية شروط الزواج ورعاية حقوقهما كما ذكرت في كتب الفقه .
6ـ ومن شروط السعادة أيضاً رعاية أقول الرسول (ص) بخصوص الأفراد مثل قوله (كلّموا الناس على قدر عقولهم) وقوله (لسانك حصانك إن صنته صانك وإن هنته هانك) وقوله أيضاً (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) لو عرف الراعي مسؤوليته والرعية أيضاً. وعرف الناس الحوار والتّفاهم وراعوا تفاوت الصّفات والأمزجة ودرجة الذكاء لأنحلت المشاكل الزوجية وأدت إلى السعادة الزوجية.
المواضيع التي يجب يراعي المتزوج حتى لايقع في الأخطاء:
1ـ الزّواج النّاتج عن ضغوط وإرادة الأبوين أو العادات القسريّة للمجتمع بشكل أو أخر لايكون صحيحاً، وبلا شك لو أُجبرا على الزّواج فلا نجد في هذا الزواج مودة ولا رحمة لعدم رضاء وقبول الطرفان وعموماً تكون نهاية هذا الزواج في بؤس وشقاء ويكون أحدهما ضحيّةَ هذا القرار الخاطيء، والمرأة دائماً الضحية الأولى لكونها ضعيفة وذا حياء. وعند خروج المشاكل في مثل هذا الزّواج فيظنّ الزوجان أنّ هذا قسمته فيجب التّحمل على كافة سلبيات وأعباء هذا الزّواج، طبعاً هذا خطأ نوعاً ما لأن الإنسان هو الذي يُحدد قدره ومصيره بنفسه مع شريكه دون أن يتأثر بإرادة الأخرين. وأمّا الأشخاص الذين تسببوا لهذا الزواج الإجباري سيكونون أيضاً مسؤولون أمام الله تعالى. كما نعلم أنّ الرّسول (ص) كان يُشّوق النّظر والإلتقاء بأدب بين الزوجين لأدامة زواجهما بقوله (فأنظر إليها فإنّها أحرى أن يؤدم بينكم) رواه البخاري.
2ـ وقد يكون الزّواج ناتجاً من خطأ الإنسان بنفسه: بسبب عدم تفكره وتعقله عند تزكيته للزوج الصالح الذي يسعده في الدنيا والأخرة، والزّواج يتم على نية المرء إذا كان نيته لدنيا فيصيبها وإن كان نيته لدينها فيصيبها.
وهناك موضوع أخر عند وقوع السعادة فيما بينهم ينسبونها إلى أنفسهم، أما عند ظهور الشقاء فينسبونها إلى الله وإلى غيرهم. هذا هو حال الإنسان يا سُبحان الله!. فيقول الله (ما أصابك من حسنة فمن الله، وما أصابك من سيئة فمن نفسك) . (وما أصابكم من مصيبة فيما كسبت أيديكم) .
3ـ وقد يكون سبب المشاكل الأشخاص الوسطاء لإخفائهم بعض الحقائق من أجل عدم عرقلة هذا الأمر الخير، ولكنهم لا يعرفون أن إخفاء الحقائق في هذه الأمور من النفاق. وعند خروج المشاكل بين الزوجين فيتحمل هؤلاء المسؤولية الإلهية أمام الله.
4ـ هناك مشاكل ناتجة عن قول مشهور العاشق أعمى حتى يتزوج: كما يقول الرسول (ص) (حبك الشيء يعمي ويصم) رواه الإمام أحمد والترمذي. فالإنسان قبل الزواج يجد نفسه كالطائر الطليق يحلق بين السموات والأرض فيمتليء بالفرح والسعادة ويتلطف بجمال الورود والياسمين ويظن أن كل شيء جميل وحلو والدنيا خلقت لأجلهما، وهذا العمي يجعلهم أن لا يميزوا بين الخطأ والصّواب والخير والشّر وحتى يجهلون منطق الإرادة، وبعد الزواج بشهور تظهر الحقائق للطرفين فيبدأ النقاش.
5ـ وهناك مشاكل الزواج ناتجة عن الجهل: قد يكون هذا الجهل عن عدم معرفة التفاوت الحاصل بينهما من الناحية العلمية والأخلاقية، أو الجهل الحاصل عن التحقيق والسعي الناقص لأجل الوصول إلى معرفة أخلاق وشخصية الشخص الذي يتزوج معه. وعند ظهور التّفاوت وبعض الفروق بينهما سواء في التقوى والعلم أو التجارب والأخلاق والسلوك فتخرج بعض المشاكل.
6ـ وهناك مشاكل ناتجة عن الزواج المبكر دون سن الرشد: فيخرج مشاكل للطرفين، والدّراسات العلميّة تشير إلى ذلك ولهذا منعت القوانين المدنيّة والأحوال الشخصية وحتى الدّين الإسلامي بمثل هذا الزواج المبكر، لأن الإنسان في هذا السن لايمكن أن يدرك صحة الأمور وأن يفكر للمسقبل البعيد.
7ـ ولأجل إحقاق السعادة في الزواج علينا أيضاً إحقاق التوزان بقدر الإمكان بين الطرفين في كافة النواحي كما ذكرنا حتى من النواحي الإقتصادية والمراحل الدراسية وكذلك عدم تفاوت الفروق الكبيرة في الأعمار، وأما زواج الرسول (ص) مع والدتنا خديجة وعائشة (رضي الله عنهما)، ومع بقية الأزواج حالات إستثنائية جوزها الإسلام فقط ولم يفرضها علينا.
8ـ هناك موضوع مهم في الزواج، قد تتحقق كافة الشروط الموجبة بقدر الإمكان. ولكن نرى مشكلة أخرى ناتجة من قبل الزوجين وهي: أن الطرفان لا يظهران وجههما الحقيقي خلال فترة الخطوبة عموماً، لذا الطرفان يخفيان حقيقة شخصيتهما، ولا يتصرفان كتصرفهما مع عوائلهم وأصدقائهم، لذا قد يقعون في خطأ عند قرارهم على سلوكهم المصطنع، فأمام هذا الوضع ماذا يجب أن يعملا الطرفان عليهما أن يصارح أحدهما للأخر عن كافة تصرفاته ومزياه بقدر الإمكان. قال تعالى (فمن تبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكى) .
9ـ هناك موضوع حساس أيضاً، إستعمال الزوجان القسوة والظلم والإنتقام من أجل سيطرة أحدهما على الأخر لأجل إرضاء هواه بإستثاء الأتقياء طبعاً (إلاّ من رحم ربك) .
وقد يكون أحد الزوجين مصاب بمرض نفسي فيستغل الأخر ويطبق القسوة والحقد على الزوج. علماً أن الرجال يظلمون النساء بإستعمال القوة العضلية أما كثر النساء فيستعملن في ظلم الرجال بحروب نفسية كبيرة لا تطاق حيث قال تعالى فيهن (إن كيدهن عظيم) ، وهذه الحروب بسبب عدم ترك آثار جسدية فلا تشكل دليلاً في المحاكم. وقد تكون آثار هذه الحروب أكثر من إستعمال القوة العضلية. لذا على الزوجان عدم إستعمال الأمور السلبية في حل مشاكلهما بل عليهما بالحلول الإيجابية.
10ـ وبعد أخذ كافة التدابير فيبقى للمؤمن الصالح وللمؤمنة الصالحة لأجل سعادتهما وتسهيل زواجهما عليهم بصلاة الإستخارة والدّعاء الخالص لله تعالى ثمّ التّوكل عليه لأنها من سنن الإسلام. (ما خاب من إستخار وما ندم من إستشار) رواه الطبراني وغيرهم، عن جابر رضي الله عنه قال : كان رسول الله يعلمنا الاستخارةَ في الأمور كلِّها كما يعلمنا السورةَ من القرآن، يقول " إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم يدعو بالدعاء في نهايته، فالإستخارة والمشورة والرأي السديد من التدابير اللازمة في الزواج، والدعاء كما نعلم (نعم سلاح المؤمن الصّبر والدّعاء) رواه الدّيلمي، والتّوكل على الله معناه عون الله معه (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) . وأخيراً الرضاء بما قدره الله والصبر على الإبتلاء في خيره وشره أفضل علاج وحل لكافة المشاكل لأننا لا نعرف هل هو خير أم شر لنا (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم...) . أو هل هو من فعل أعمالنا (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) ، ولا يصيب هذا التغيير إلاّ بإرادة إلهية (قل لن يصيبنا إلاّ ما كتب الله لنا) .
الزّواج السّعيد لا يتم بإستعمال العاطفة ولا بسحر السحرة ونحوهم:
هناك من الجهلة من الناس، أي الجهلة في العلوم الإسلامية يتوكلون على السحرة والعرافين والمنجمين والدجلة من الناس في معظم أمورهم وخاصة في موضوع الزواج من إختيار الزوج المناسب والعمل المناسب والبيت المناسب وإنجاب الأطفال ، وحتى في حل النزعات بين الطرفين أو لتفريق الزوجان ونحو ذلك.
فيصرفون أموالاً طائلة دون فائدة بل بإضرار وخسارة كبيرة في الدنيا والأخرة. وهؤلاء السحرة يدعون بالحلول الأكيدة والجهلة يصدقونهم. ويجب أن نذكر هنا أن موضوع تفريق السّحرة بين الزّوج والزّوجة أو الإصلاح بينهما لا أساس لهما أبداً وإنما هي مسألة نفسية لا علاقة لهما بالسحر، وعند تحقق الموضوع هذا لا يعني أنه حصل بسبب السحرة .
وهناك أيضاً موضوع إبتلاءات الإنسان بأشكاله المتعددة من العداء بين الزّوجين أوبين الإنسان والشّياطين موجودة منذ آدم وإليكم بعض الآيات (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ) . (ولو شَاءَ ربك لجعلَ النّاسَ أمّةً واحدةً ولا يزالون مختلفين، إلاّ من رحِم ربك) . والمناقشات بين الزوجين إعتيادية وموجودة عند أكثر الأنبياء والصحابة والناس أجمعين، لأجل إبتلاء بعضهم على الأخر، وهذا ما نجده أيضاً عند إمرأة لوط مع لوط (ع) وإمرأة نوح مع نوح (ع)، وحتى بين الأولاد كما في حسد قابيل مع هابيل وبين الأباء والأولاد كما في نوح (ع) مع إبنه وبين الإنسان وبني الإنسان كما نرى قتل بني إسرائيل الأنبياء وهكذا، فالذين ينجحون في هذه الإبتلاءات ويسلكون الطريق المستقيم لايمكن أن يوسوسهم الشّيطان.
المشاكل بين الزوجين يمكن أن تخرج ووجود الإختلافات فطرية ولا علاقة لها بالسّحر والتّسحر. والسحرة قد يستغلون الجن بسبب سرعة إنتقالهم عن جلب الأخبار لهم وكأن يخبرون السّحرة عن حادث أثناء وقوعه ويظهرون للساحر كأنهم يخبرونهم بالغيب فهذه النظرية أبطلت بفضل إكتشاف الفضائيات والتلفون النّقال.
والله ولي التوفيق
نظام الدين إبراهيم أوغلو
محاضر في جامعة هيتيت ـ تركيا
nizamettin955@hotmail.com
الزّواج شروطه وحُكمه في الإسلام:
كما نعلم أن الإسلام يشجع على الزواج ويمنع التبتل، ويعتبره سنة إلهية وسنه الأنبياء والرسل والزواج يعني التناسل وتكاثر الذريات وإستمرار الحياة والتفاخر بالأنساب وتحقيق أية من آيات الله تعالى على خلقه كما في قوله تعالى (ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون) . (سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون) . (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) . (ولقد أَرسَلْنَا رُسلاً مِن قبْلكَ وجعَلنا لهُم أَزواجاً وذُريَّةً) . وقال النبي (ص) (أربع من سنن المرسلين: الحناء، والتعطر، والسواك، والنكاح) وقوله (ص) (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج) وقوله (تناكحوا تناسلوا).
أما شروط الزواج في الإسلام كثيرة ومن أهم هذه الشروط، الرضاء بالخُلق والدّين إذ قال الرسول (ص) (إذا جاءكم مَن ترضونَ خُلُقهُ ودينهُ فزوّجوهُ إن لا تفعلوه تكن فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ كبيرٌ). وقوله (ص) (إيّاكم وخضراءَ الدّمن، فقيل له وما ذاك يا رسول الله، فقال المرأة الحسناء في منبت السّوء). وقوله أيضاً (تُنكحُ المرأة لأربع إمّا لمالها أو لجمالها أو لحيبها أو لدينها فأظفر بذات الدّين تربّت يداك). ويجب أن نشير هنا أنّ من البنات أوالبنين وحتى أولياء الأمور بدلاً من أن ييسروا شروط الزواج كما أمره الإسلام يصعبونها ويجعلونها أكثر تعقيداً قد تكون بعضها تعجيزية غير إسلامية منها: غلاء المهر والرسول (ص) يقول (تزوجوا ولو بخاتم من ذهب)، الطلبات الكثيرة لا لأجل زيادة التقوى والأخلاق الفاضلة وزيادة العلم والمعرفة، بل لأجل زيادة متاع الدنيا من جمال ومال وشهرة وشهادة وسيارة فاخرة وفيلل جميلة. لا الفقر ولا الغنى من عيوب الأفراد وإنما عدم صبر الأول وعدم شكر الثاني عيب، والفقير إذا لم يقتنع بما عنده فهو عيب والغني إذا أسرف وتفاخر وتكبر بما عنده فهو عيب.
لذا نرى هؤلاء ينتظرون سنوات ولا يتزوجون إلى أن تتحقق الشروط التي أوجبتها عليهم العادات، وعند عدم تحقق الشروط ييأسون من الحياة وتفوت عليهم الأوان ويصعب عليهم الزواج وحينئذ يبدأون بالبحث عن قسمتهم عن طريق السحرة والعرافين والمنجمين، أو يرون أسباب عدم زواجهم من أقرباهم وأصدقاءهم ظاناً منهم حسدهم لهم وتسببوا في منع قسمة زواجهم، فيعمى بصرهم ولا يرون الذنب من عندهم ولا يفكرون باللوم على أنفسهم ولا يتذكرون قول الله تعالى (وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون).
ومن شروط الزواج المهمة أيضاً النّكاح وعقد الزّواج الشرعي المتعارف عليه عند المسلمين. وليس كما هو المتعارف عليه في الدول الأوروبية ويهدفون من ورائها إطفاء السنّة الإلهيّة بزواج غير شرعي والتعايش الثلاثي التي فيها إهانة لكرامة المرأة والهروب من المسؤوليات الملقات على عاتق الزوجين من حقوق وواجبات، كما نرى فأنهارت عندهم مفهوم العائلة والأخلاق السامية. والمسلمون لايزالون في مثل هذه المواضيع بخير يراعون سنة الله ورسوله بفضله تعالى وسيستمر عندهم هذه السنّة الإلهيّة مادامت السموات والأرض، لأنهم يرون في الزواج الشرعي طاعة لله وغنى وعفة وإنجاب أولاد شرعيين صالحين والله تعالى يقول (وإنكحوا الأيامى منكم والصّالحين من عبادكم وإمائكم) . (وليستعفف الّذين لا يجدون نكاحاً حتى يُغنيهم الله من فضله) . (ولا جناح عليكم أن تنكحوهنّ إذا آتيتموهنّ أجورهنّ) .(وإن أردتم إستبدال زوجٍ مكان زوجٍ) . (ومن أياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً) .(وجعل من أزواجكم بنين وحفدة ) . وأمرنا الرّسول (ص) كذلك (النّكاح سُنّتي فمن رغب عن سُنّتي فليس منّي) حديث صحيح. وقال (ص) (تزوّجوا فإنّي مُكاثرٌ بكم الأممَ يوم القيامة، ولاتكونوا كرهبانية النّصارى) رواه البيهقي والخطيب في تاريخيه. (إذا تزوّج المرء فقد إستكمل نصف الدّين، فليتّق الله في النّصف الباقي) البيهقي عن أنس.
وأما في حكم الزواج في الإسلام فيه إختلاف حسب الظروف، إذا كان الفرد يركن إلى إشباع الرغبة الجنسية ويخاف على نفسه الوقوع في الحرام وعنده القدرة المادية الزواج يكون عليهم واجب، أما إذا كان حالته معتدلة ولا يخاف على نفسه يكون له الزواج سنة مستحبة. وهناك ظروف إستثنائية شخصية كالمرض والفقر الشديد فقد لايتطلب الزواج، أو لظروف تخص ببقاء وإستمرار الأمة ويتوجب عليهم الزواج وحتى الزواج المتعدد بسبب حفظ الذريات وخاصة عند حدوث الأفات والحروب.
هل الزّواج قِسمةٌ أم خيار (مسير أم مخير)؟
الزّواج من أحد المواضيع الفقهية الهامة والحسّاسة التي يتم بإرادة الإنسان الجزئيّة أي أن الإنسان مخير وليس مسير والتمسك بأسباب الزواج واجب، كما نجد في مواضيع الإيمان والهداية والعمل الصالح والطالح وفي كسب الأرزاق والإعتناء بالصّحة ونحو ذلك. وقد يتصوّر بعض النّاس ويُخطئون عندما يدّعون أنّ الزواج يتم بإرادة كُليّة إلهيّة (أي مسير فيها)، ويمكن أن نوضح هذا بما يلي:
1ـ هناك أمور لا دخل للإنسان فيها، فهو مسير فيها رغماً عنه مثل لون بشرته، ونوع جنسه ذكراً أو أنثى، وكجنسيته في أي بلد ولد، وكمولده في التاريخ الذي ولد فيه، وفي وفاته متى وأين سيتوفى ونحو ذلك. في كل هذا لا دخل للإنسان فيها، وبالتالي لا يحاسب عليها.
2ـ وماعدا هذه الأمور، وهي المساحة الواسعة في حياة الإنسان داخلة في إختيار الإنسان وحريته، فالإنسان هو الذي يقرر هل سيلتزم بمنهج الله، أم يتمرد عليه؟ ويقرر: هل يعيش هنا أم هناك؟ وهل يتزوج من أجل المال والشهرة والجمال والنسب أم لأجل الدين؟ وهو الذي يقرر تاريخ ومكان الزواج. وهو الذي يقرر أيضاً على العيش السعيد أو العيش النكد بذكائه وبقراراته الصائبة.
3ـ لكن هذه الأمور التي يقررها الإنسان قد سبق في علم الله تعالى على أي وجه ستكون، فالإنسان لا يعلم بمَنْ سيتزوج في دنياه قبل الزواج، ولكن الله يعلم من قبل أن يخلق الإنسان مَن ستكون زوجته، فعلم الله يحيط بهذا كله، وقد أودع الله في كتابه المحفوظ كل أفعال العباد واختياراتهم وآمالهم وآلامهم وديانتهم وغير ذلك، والعلم بالغيب عند الله ليس معناه أنه أجبرهم على هذه الأمور، ولكنه علم بعلمه المحيط دقائق هذه الأمور قبل أن تقع، يقول تعالى: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) .
4ـ فهذا هو معنى أن الزواج إختيار ومقدور: معناه أن الله يعلم ذلك، وقد كتبه قبل وقوعه، ولم يجبر الناس على اختياره، والناس لا يعلمون شيئاً عن هذا المكتوب إلاّ بعد وقوعه، ولم يخبر ربنا الناس بهذه الأمور، وترك لهم الحرية الكاملة فيما يختارون.
5ـ ولو أن الله أطلع عبداً على ما كتبه الله عنه، فإن العبد لن يملك أن يفعل إلاّ ما هو مكتوب، مع أنه يفعله باختياره وإرادته، وقد حدث أن أظهر الله تعالى للناس بعضاً من هذه الأمور فلم يملك أصحابها أن يغيروها.
6ـ أُخبر أن أبا لهب سيموت كافراً هو وزوجه، فلم يملك أبو لهب أن يسلم ولو زوراً وبهتاناً، واختار الكفر .
7ـ أُخبر بأن اليهود سيقولون للمسلمين إذا حول الله قبلتهم: ما ولاهم عن قبلتهم، فقالوها حينما تغيرت قبلة المسلمين، وكأنه مشهد متفق عليه يقول تعالى: (سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) .
8ـ والسبب في أن العبد لا يستطيع تغيير ما هو مسطور حتى لو أظهره الله عليه أن العبد يحب أن يصنع هذا الذي يصنعه، ويختاره ويريده، ولو أن أهل الخبرة جميعاً حاولوا أن يردوه فلن يستجيب .
9ـ ولنفترض أنك اطلعت على اللوح المحفوظ فرأيت أيها الزوج أنكَ ستتزوج أو يا أيتها الزوجة أنكِ ستتزوجين فلاناً، وستعيشون معاً حياة مليئة بالحزن وآلام، وسترون الويلات، وسترون المر والشقاء بسبب أحد الطرفين فقد تقولون :لو اطلعت على ذلك فلن تتزوج ابداً. ولكن الحقيقة حتى وإن إطلعت إلى كل شيء ستتزوج للأسباب التالية:
قد تكون حباً له، والمحب لا يرى في الحبيب عيباً، ولا يبصر منه سوء، لكنه يرى منه ما يحب أن يراه فقط. وقد يكون أن تكره لكن يضطرك أسباب من صنع البشر"لم يجبر الله أحداً عليها" على الزواج به، فقد يضطرك أبوك، أو تضرك عادات أو تقاليد، أو بعض المصالح، وهذه كلها أمور لم يجبر الله الناس عليها، ولكنهم إما أنهم وضعوها بأنفسهم، أو استسلموا فيها لغيرهم .
الزّواج السّعيد يكون بإستعمال العقل والإرادة الصائبة كما أمره الله:
على كل إنسانٍ أن يتمسك بأسباب إختيار الزوج الصالح ويكون هذا بالسّعي والبحث وإستعمال الإرادة والعقل السليم، وإن كانت عملية البحث والتحقيق والإختيار وإعطاء القرار الأنسب لزوج يلائمهم من كل النواحي صعب جداً، ولكن لأجل تحقيق الزواج السعيد والأنسب ديناً وأخلاقاً، هذا ممكن إذا توفر الوفاء والإخلاص والنية السليمة، وتكون نهاية هذا الزواج آمان وإطمئنان وبركة وسعادة في الدنيا والأخرة إن شاء الله. ولأجل تحقيق أمنية السعادة الزوجية علينا بما يلي:
1ـ الإلتزام بأوامر الله تعالى وسنّة رسول الله في كافة أعمالنا وتصرفاتنا من آداب السلام والكلام وإحترام حقوق الزوج والزوجة والأولاد، بجانب الإلتزام بفرائض وأركان الإسلام، لأن العبادات درع المؤمن في إرتكاب الأخطاء فقال تعالى (إنّ الصلاة تنهى عن الفشحاء والمنكر) وقال (ص).(الصوم جنة).
2ـ أن يكون الطرفان في أقوالهما وأفعلهما جادين وصادقين وفي تصرفاتهما متسامحين وغير متشددين تجاه بعضهما. والهروب من الكذب حتى عن الكذب الأبيض والمزاحي منها مهما كان السبب لأن الإنسان يتعود على قول الأكاذيب بإستمرار، والكذب يكشف دائماً مما يؤدي إلى زول الثقة بين الطرفين ويكثر الظنون ويكثر النقاش وينتهي إلى الشقاق والإفتراق.
3ـ وبعد الزّواج يقع على عاتق كل منهما المسؤوليات والواجبات الكثيرة، قد لا يتحمل ولا يصبر أحدهم ويفقد أعصابه ويتصرف بتصرفات مؤذية، ففي هذه الحالة الإستثنائية من الأفضل الصّبر وإستعمال العقل بدلاً من العاطفة، فالغضب ليس من صفات الدين ولا من صفات الشخص المتمدن والمتحضر. والرسول (ص) يوصي الغاضب بشرب الماء، وبوضع ما بيده إلى الأرض أو بتغير وضعه الذي هو فيه إذا كان واقفاً يجلس أو بالعكس، ووصى بالوضوء وبوضع الرأس تحت الماء وأخيراً بالسكوت وترك المكان الذي هو فيه. ويمكن القول أن أكثر المشاكل العائلية تظهر لأسباب بسيطة أي لأمور فرعية تمس بالنفس اللّوامة، دون أن تمس الأمور العقائدية المهمة. لذا فمن الأولى أن لانكبر هذه المواضيع البسيطة ونجعلها كأنها من أصل حياتنا. ونقع في تصرف خاطيء لا يرضاه الله تعالى.
وهناك واقع وحقيقة يجب أن يدركا المعنيان، وهو أنهما جاءا من أوساط غير أوساطهما ومن ثقافة غير ثقافتهما فالعادات والسّلوك وحتى نوعيّة الملابس والطّعام قد تكون مختلفة، ولأجل أن تأخذ أمور الزواج حالتها الإعتيادية تحتاج إلى فترة من الزّمن سنة أو سنوات. وعلينا أن لا ننسى أنّ الصّبر على البلاء معناه إرضاء الله تعالى ونيل السعادة في دارين والخلود في الجنّة.
وقد يقع الإنسان في خطأ ولكن له أدابه كما في قوله (ص) (كل إبن آدم خطّاء وخير الخطائين التوابون). التوبة من صفات الصالحين، وإن أخطأ أحدهما يمكن تجاوزه بالحوار المتمدن وبالرجوع إلى القرآن والسنة، وإن لم يكن نبذ الخلاف فقد يكون بمداخلة حكم من زوج وحكم من زوجة.
ولنفرض أنهما رفضا حل مشاكلهما البسيطة، ونسأل الآن من الذي سيخسر؟ بلا شك الطرفان، وما دمنا بشر ومحاطون بالنفس اللوامة بالإضافة إلى الروح الطيبة فلا محال أن نقع في الأخطاء وحتى الكبيرة منها التي لا يصبر عليها ونستطيع إتلاف الخطأ بالرجوع منها وبالتوبة والإستغفار وطلب العفو من صاحبها.
وخروج المشاكل في داخل الأسرة إعتيادية، وهي نوع من الإبتلاء وعلاجها الصبر والرجوع من الخطأ والتوبة وطلب العفو كما ذكرنا ونهيتها تكون الفوز بالجنة.
لا أدري لماذا هذا الخصام والنزاع علماً أن الزوجان هما رغبا الزواج عن إختيارهما وحبا بعضهما لإرضاء الله تعالى، وهما تزوجا بعد التفكير وسعا وجاهدا وصرفا وقتاً لمعرفة بعضهما وأخيراً إتفقا وقررا على الزواج من أجل تكوين أسرة سعيدة وذرية صالحة؟.
ولا أريد تذكرة الطلاق والتفكر به للأنه ليس الحل الأمثل وأنه أبغض الحلال وأخر ما يتفكر فيه الإنسان، والإنسان لايحب أن يهدم أسرة وخاصة معها أطفال.
4ـ ومن شروط السعادة أيضاً إحترام أقارب وأصدقاء أحدهما الأخر، لأنهما أصبحا أقرباء بعضهما والله يأمر ويقول (والأقربين أولى بالمعروف) ، وأقول العاقل الفطن لايمكن أن يهيء لنفسه العيش النكد وأن يعيش في قلق وأضطراب وآلام وصراع نفسي دائم من أجل الأمور البسيطة.
مما يؤدي إلى مرض نفسي للأطراف المتخاصمة أو لأحدهما ثم إلى مرض جسدي فيحتاجان إلى خدمات كثيرة أوملازمة الفراش فمن الذي سيقوم بالخدمات الصحية والمنزلية لهما؟ وهناك بعض الخدمات قد تكون مملة ولا تطاق أو لا تتم إلاّ من قبل أحد الزوجين.
5ـ وعلينا أيضاً أن نتعلم رعاية الأمور الإنسانية الإسلامية وترك إستعمال القوة وإحتقار المرء لأغراض شخصية لأنّ الإنسان يحمل روحاً طاهراً وأية من آيات الله وخاصة إذا كان الزوجان مؤمنان وصالحان. ثم إن إختلاف وتفاوت بعض الصفات بين الرجل والمرأة لايعني أنهما متضادان أو أحدهما أفضل من الثاني، بل هما متممان لبعضهما من أجل تسهيل مسيرة الحياة الشاقة كقوة بدن الرجل على المرأة وقوة عاطفة المرأة على الرجل، وهما متساويان أمام الله في مواضيع كثيرة مثل الإيمان بالله وأمور العقائد وفي العقوبات والجزاء وفي عمل السيئات والحسنات ونحو ذلك وإن دلّ هذا على شيء فإنما يدل على تساوي العقل والإدراك والشعور.
ولأجل فلاح وضمان سعادة الزوجان يجب عليهما رعاية شروط الزواج ورعاية حقوقهما كما ذكرت في كتب الفقه .
6ـ ومن شروط السعادة أيضاً رعاية أقول الرسول (ص) بخصوص الأفراد مثل قوله (كلّموا الناس على قدر عقولهم) وقوله (لسانك حصانك إن صنته صانك وإن هنته هانك) وقوله أيضاً (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) لو عرف الراعي مسؤوليته والرعية أيضاً. وعرف الناس الحوار والتّفاهم وراعوا تفاوت الصّفات والأمزجة ودرجة الذكاء لأنحلت المشاكل الزوجية وأدت إلى السعادة الزوجية.
المواضيع التي يجب يراعي المتزوج حتى لايقع في الأخطاء:
1ـ الزّواج النّاتج عن ضغوط وإرادة الأبوين أو العادات القسريّة للمجتمع بشكل أو أخر لايكون صحيحاً، وبلا شك لو أُجبرا على الزّواج فلا نجد في هذا الزواج مودة ولا رحمة لعدم رضاء وقبول الطرفان وعموماً تكون نهاية هذا الزواج في بؤس وشقاء ويكون أحدهما ضحيّةَ هذا القرار الخاطيء، والمرأة دائماً الضحية الأولى لكونها ضعيفة وذا حياء. وعند خروج المشاكل في مثل هذا الزّواج فيظنّ الزوجان أنّ هذا قسمته فيجب التّحمل على كافة سلبيات وأعباء هذا الزّواج، طبعاً هذا خطأ نوعاً ما لأن الإنسان هو الذي يُحدد قدره ومصيره بنفسه مع شريكه دون أن يتأثر بإرادة الأخرين. وأمّا الأشخاص الذين تسببوا لهذا الزواج الإجباري سيكونون أيضاً مسؤولون أمام الله تعالى. كما نعلم أنّ الرّسول (ص) كان يُشّوق النّظر والإلتقاء بأدب بين الزوجين لأدامة زواجهما بقوله (فأنظر إليها فإنّها أحرى أن يؤدم بينكم) رواه البخاري.
2ـ وقد يكون الزّواج ناتجاً من خطأ الإنسان بنفسه: بسبب عدم تفكره وتعقله عند تزكيته للزوج الصالح الذي يسعده في الدنيا والأخرة، والزّواج يتم على نية المرء إذا كان نيته لدنيا فيصيبها وإن كان نيته لدينها فيصيبها.
وهناك موضوع أخر عند وقوع السعادة فيما بينهم ينسبونها إلى أنفسهم، أما عند ظهور الشقاء فينسبونها إلى الله وإلى غيرهم. هذا هو حال الإنسان يا سُبحان الله!. فيقول الله (ما أصابك من حسنة فمن الله، وما أصابك من سيئة فمن نفسك) . (وما أصابكم من مصيبة فيما كسبت أيديكم) .
3ـ وقد يكون سبب المشاكل الأشخاص الوسطاء لإخفائهم بعض الحقائق من أجل عدم عرقلة هذا الأمر الخير، ولكنهم لا يعرفون أن إخفاء الحقائق في هذه الأمور من النفاق. وعند خروج المشاكل بين الزوجين فيتحمل هؤلاء المسؤولية الإلهية أمام الله.
4ـ هناك مشاكل ناتجة عن قول مشهور العاشق أعمى حتى يتزوج: كما يقول الرسول (ص) (حبك الشيء يعمي ويصم) رواه الإمام أحمد والترمذي. فالإنسان قبل الزواج يجد نفسه كالطائر الطليق يحلق بين السموات والأرض فيمتليء بالفرح والسعادة ويتلطف بجمال الورود والياسمين ويظن أن كل شيء جميل وحلو والدنيا خلقت لأجلهما، وهذا العمي يجعلهم أن لا يميزوا بين الخطأ والصّواب والخير والشّر وحتى يجهلون منطق الإرادة، وبعد الزواج بشهور تظهر الحقائق للطرفين فيبدأ النقاش.
5ـ وهناك مشاكل الزواج ناتجة عن الجهل: قد يكون هذا الجهل عن عدم معرفة التفاوت الحاصل بينهما من الناحية العلمية والأخلاقية، أو الجهل الحاصل عن التحقيق والسعي الناقص لأجل الوصول إلى معرفة أخلاق وشخصية الشخص الذي يتزوج معه. وعند ظهور التّفاوت وبعض الفروق بينهما سواء في التقوى والعلم أو التجارب والأخلاق والسلوك فتخرج بعض المشاكل.
6ـ وهناك مشاكل ناتجة عن الزواج المبكر دون سن الرشد: فيخرج مشاكل للطرفين، والدّراسات العلميّة تشير إلى ذلك ولهذا منعت القوانين المدنيّة والأحوال الشخصية وحتى الدّين الإسلامي بمثل هذا الزواج المبكر، لأن الإنسان في هذا السن لايمكن أن يدرك صحة الأمور وأن يفكر للمسقبل البعيد.
7ـ ولأجل إحقاق السعادة في الزواج علينا أيضاً إحقاق التوزان بقدر الإمكان بين الطرفين في كافة النواحي كما ذكرنا حتى من النواحي الإقتصادية والمراحل الدراسية وكذلك عدم تفاوت الفروق الكبيرة في الأعمار، وأما زواج الرسول (ص) مع والدتنا خديجة وعائشة (رضي الله عنهما)، ومع بقية الأزواج حالات إستثنائية جوزها الإسلام فقط ولم يفرضها علينا.
8ـ هناك موضوع مهم في الزواج، قد تتحقق كافة الشروط الموجبة بقدر الإمكان. ولكن نرى مشكلة أخرى ناتجة من قبل الزوجين وهي: أن الطرفان لا يظهران وجههما الحقيقي خلال فترة الخطوبة عموماً، لذا الطرفان يخفيان حقيقة شخصيتهما، ولا يتصرفان كتصرفهما مع عوائلهم وأصدقائهم، لذا قد يقعون في خطأ عند قرارهم على سلوكهم المصطنع، فأمام هذا الوضع ماذا يجب أن يعملا الطرفان عليهما أن يصارح أحدهما للأخر عن كافة تصرفاته ومزياه بقدر الإمكان. قال تعالى (فمن تبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكى) .
9ـ هناك موضوع حساس أيضاً، إستعمال الزوجان القسوة والظلم والإنتقام من أجل سيطرة أحدهما على الأخر لأجل إرضاء هواه بإستثاء الأتقياء طبعاً (إلاّ من رحم ربك) .
وقد يكون أحد الزوجين مصاب بمرض نفسي فيستغل الأخر ويطبق القسوة والحقد على الزوج. علماً أن الرجال يظلمون النساء بإستعمال القوة العضلية أما كثر النساء فيستعملن في ظلم الرجال بحروب نفسية كبيرة لا تطاق حيث قال تعالى فيهن (إن كيدهن عظيم) ، وهذه الحروب بسبب عدم ترك آثار جسدية فلا تشكل دليلاً في المحاكم. وقد تكون آثار هذه الحروب أكثر من إستعمال القوة العضلية. لذا على الزوجان عدم إستعمال الأمور السلبية في حل مشاكلهما بل عليهما بالحلول الإيجابية.
10ـ وبعد أخذ كافة التدابير فيبقى للمؤمن الصالح وللمؤمنة الصالحة لأجل سعادتهما وتسهيل زواجهما عليهم بصلاة الإستخارة والدّعاء الخالص لله تعالى ثمّ التّوكل عليه لأنها من سنن الإسلام. (ما خاب من إستخار وما ندم من إستشار) رواه الطبراني وغيرهم، عن جابر رضي الله عنه قال : كان رسول الله يعلمنا الاستخارةَ في الأمور كلِّها كما يعلمنا السورةَ من القرآن، يقول " إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم يدعو بالدعاء في نهايته، فالإستخارة والمشورة والرأي السديد من التدابير اللازمة في الزواج، والدعاء كما نعلم (نعم سلاح المؤمن الصّبر والدّعاء) رواه الدّيلمي، والتّوكل على الله معناه عون الله معه (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) . وأخيراً الرضاء بما قدره الله والصبر على الإبتلاء في خيره وشره أفضل علاج وحل لكافة المشاكل لأننا لا نعرف هل هو خير أم شر لنا (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم...) . أو هل هو من فعل أعمالنا (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) ، ولا يصيب هذا التغيير إلاّ بإرادة إلهية (قل لن يصيبنا إلاّ ما كتب الله لنا) .
الزّواج السّعيد لا يتم بإستعمال العاطفة ولا بسحر السحرة ونحوهم:
هناك من الجهلة من الناس، أي الجهلة في العلوم الإسلامية يتوكلون على السحرة والعرافين والمنجمين والدجلة من الناس في معظم أمورهم وخاصة في موضوع الزواج من إختيار الزوج المناسب والعمل المناسب والبيت المناسب وإنجاب الأطفال ، وحتى في حل النزعات بين الطرفين أو لتفريق الزوجان ونحو ذلك.
فيصرفون أموالاً طائلة دون فائدة بل بإضرار وخسارة كبيرة في الدنيا والأخرة. وهؤلاء السحرة يدعون بالحلول الأكيدة والجهلة يصدقونهم. ويجب أن نذكر هنا أن موضوع تفريق السّحرة بين الزّوج والزّوجة أو الإصلاح بينهما لا أساس لهما أبداً وإنما هي مسألة نفسية لا علاقة لهما بالسحر، وعند تحقق الموضوع هذا لا يعني أنه حصل بسبب السحرة .
وهناك أيضاً موضوع إبتلاءات الإنسان بأشكاله المتعددة من العداء بين الزّوجين أوبين الإنسان والشّياطين موجودة منذ آدم وإليكم بعض الآيات (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ) . (ولو شَاءَ ربك لجعلَ النّاسَ أمّةً واحدةً ولا يزالون مختلفين، إلاّ من رحِم ربك) . والمناقشات بين الزوجين إعتيادية وموجودة عند أكثر الأنبياء والصحابة والناس أجمعين، لأجل إبتلاء بعضهم على الأخر، وهذا ما نجده أيضاً عند إمرأة لوط مع لوط (ع) وإمرأة نوح مع نوح (ع)، وحتى بين الأولاد كما في حسد قابيل مع هابيل وبين الأباء والأولاد كما في نوح (ع) مع إبنه وبين الإنسان وبني الإنسان كما نرى قتل بني إسرائيل الأنبياء وهكذا، فالذين ينجحون في هذه الإبتلاءات ويسلكون الطريق المستقيم لايمكن أن يوسوسهم الشّيطان.
المشاكل بين الزوجين يمكن أن تخرج ووجود الإختلافات فطرية ولا علاقة لها بالسّحر والتّسحر. والسحرة قد يستغلون الجن بسبب سرعة إنتقالهم عن جلب الأخبار لهم وكأن يخبرون السّحرة عن حادث أثناء وقوعه ويظهرون للساحر كأنهم يخبرونهم بالغيب فهذه النظرية أبطلت بفضل إكتشاف الفضائيات والتلفون النّقال.
والله ولي التوفيق