الحجاب في الحكم الإسلامي

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • nizameddin
    نظام الدين إبراهيم أوغلو
    • Sep 2007
    • 135

    الحجاب في الحكم الإسلامي

    الحجاب في الحكم الإسلامي

    نظام الدين إبراهيم أوغلو
    محاضر في جامعة هيتيت ـ تركيا
    nizamettin955@hotmail.com

    مقدمة

    وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة نشاهده ونقرأه ونسمعه بين حين وأخر حول مواضيع المرأة وعلاقتها مع الرّجل وحقوقها وحجابها ونحو ذلك.
    قد يكون إهتمام كل هذه الوسائل لموضوع حجاب المرأة إعتيادية إذا كانت من طرف المسلمين المعنيين أما إذا كانت من أطراف منافقة أو غير مسلمة، ويهدفون من ورائها أهداف سياسية فيجب التفكير بها قليلاً ثم نسأل أنفسنا لماذا أشخاص غير مسلمين أو منافقين يهتمون بعقائد الإسلام وهم بعيدون كل البعد عنه ولا يعنيهم الموضوع لا من بعيد ولا من قريب؟ والأسباب معروفة لدى المسلمين كافة، أنهم يهدفون إلى هدم وتدمير حضارة الأمة الإسلامية من علومها ودينها وإقتصادها كاملة، وشواهد تاريخية كثيرة أنظر إلى الحروب التي وقعت في الجزائر وليبيا ودول أفريقيا كلها، وفلسطين والعراق وأفغانستان والشرق الأوسط كلها، والشيشان وبوسنة هرسك وقره باغ في أذربيجان والدول الإسلامية في كافة أنحاء العالم، الهدف الأساسي كما ترون حروب على المسلمين وعلى الدين الإسلامي.
    وسبب إهتمام المسلمين لموضوع حجاب المرأة كونها طاعة لرب العالمين وإلتزام أمره، وإن تلفظناها بأساليب مختلفة منها أنها شعار ورمز إسلامي أو أنها من عادات وتقليد إسلامية أو أمر إلهي فلايهم الإصطلاحات ولا يغير المفهوم الأساسي الذي نحن بصدده آلا وهي طاعة الله في أمر جعله لنساء المسلمات شعار التقوى والتدين والعفة. وللحجاب تأثيره ومردوده المباشر على نفسية وشخصية وسلوك الإنسان فإذا كان لبسه من قبل المرأة إختيارية وعلى حرية تامة يكون مردوده إيجابي، ولبسه يكون عن طاعة وحب الله تعالى من صميم القلب فيزداد تقوى المسلمة. أما إذا كان لبسه إجباري كما في دولة إيران ـ أو على عكس ذلك إذا كان خلعه إجباري كما في دولة تونس فيكون مردوده سلبي، فتبغض المرأة المسلمة وتنفر من أحكامها إذا كانت من عوام الناس، أما الصالحات المؤمنات القانتات فلا يتأثرن لأنهن يعرفن أن طريق الجنة مليئة بالأشواك وبالمصاعب.
    ويهدف الإسلام من وراء الأوامر ومن ضمنها حجاب المرأة تخلصهم من شرور وبلاء الدنيا وإدخالهم الجنة. أما هدف الغير المعنيين والملحدين هو منافعهم الشخصية والسياسية وإلهاء الشعوب وتفريق صفوفهم ثم السيطرة عليهم وعلى دينهم وثرواتهم. وأن طريق هلاك الشعوب تمر بتدمير الشباب والشابات فكراً وأخلاقاً وإبعادهم عن عبادة الله وجعلهم يتيهون في ملذات الفساد والفحشاء وبالتالي يسهل السيطرة عليهم.
    الغرب وما يسمى بأوروبا والمنافقون لا يهظمون نشر الإسلام وفقد مصالحهم، فنجد هذا وبشكل بارز في العالم الغربي ومنه فرنسا التي تسعى من أجل حفظ الهوية المسيحية المهددة اليوم وتعتبر نفسها في القرون الوسطى حامية المسيحية والكنيسة الكاثوليكية بالخصوص، ويدّعون إذا سقطت المسيحية في فرنسا فتسقط في غيرها من الدول الأخرى بسرعة أكبر وهذا يعني إنتشار الإسلام في أوروبا بلا شك، ولهذا أكبر قوى معارضة لعدم إدخال دولة تركيا المسلمة إلى مجموعة الإتحاد الأوروبي، وهذه الخلفية لا يمكن إغفالها من حيثيات القرار بمنع الحجاب في فرنسا وعميلاتها في تونس وبعض الدول الإسلامية، وحتى أننا بدأنا نرى أن دولاً أوروبية أخرى قد بدأت التفكير جدياً بمنع الحجاب أيضاً كما في بلجيكا والمانيا وتباعاً دول أخرى، وهذا مما يؤكد أن الخلفية لمنع الحجاب هي خلفية دينية وثقافية لا غير، وفي اتخاذهم هذا القرار الذي يراد منه أن يمنع التزام الجاليات الإسلامية فقط بدينها من جهة، ومن جهة أخرى تهديد كافة المسلمين من ممارسة كافة شعائرهم فيحرقون المساجد ويستهزؤن بهم وبدينهم بكتابات وأقوال غير لائقة في أماكن كثيرة وحتى أنهم يحتقرون رسولهم محمد (ص)، وبالتالي تصوير الإسلام أنه دين الإرهاب ودين يأمر بالقتل، لكي ينفر شعوبهم منهم وأن لا يتشوقوا للدخول إلى الإسلام.
    وعند تطلعنا لوسائل الإعلام الغربية بين الحين والأخر بأخبار عن مسألة الحجاب للمرأة المسلمة في العالم الغربي عموماً، وفي أوروبا خصوصاً، حيث نسمع عن منع طالبة محجبة من الدخول إلى المدرسة أو موظفة محجبة من الإلتحاق بعملها وتنفيذ القرارات تخص بالمسلمين فقط دون بقية الأديان.
    لذا نجد نقاش مثل هذه المواضيع تكون في المحافل السياسية للدولة ويستعملونها نوع من الحروب للحضارة الإسلامية.
    فيجب على المسلمين الحذر كل الحذر من الهجمات الشرسة للأوروبيين والأمريكيين واليهود والإنكليز ونحوهم وأن يكونوا أقوياء أمام ظلمهم وأن لا يتزعزع إيمانهم. وسبب تجرئهم في ظلم الشعوب الإسلامية، ناتج عن ضعف إرادة الحكماء والعلماء وضعف الشعوب الإسلامية وخاصة بعد سقوط الخلافة العثمانية. فأستول هؤلاء الدول الإستعمارية على خيرات الشعوب المسلمة، وأصبحوا هم أثرياء وسعداء وأقوياء إقتصادياً وعسكرياً وعلمياً وإعلامياً، أما نحن المسلمون على عكس ذلك نعيش في فقر وتفريق وذل. وقد إستعملوا أساليب كثيرة لأجل إذلالنا منها إعلامهم وأفلامهم الغير الأخلاقية والمحرمة دولياً في التلفزيون والإنترنيت والمجلات والجرائد ونحو ذلك. فنشروا الفساد بين الشباب والشابات، وأباحوا على المسلمين كل محرم عندهم بفضل أعوانهم من الطغاة والمنافقين ويظهرون كأنهم مصلحون ومنقذوا العالم من الظلم والفساد. ولهم الصلاحيات والإمتيازات الكبرى من أجل كتابة وتأليف ومناقشة هذه المواضيع الحسّاسة والخطرة ومن ضمنها موضوع المرأة وحقوقها وتعلمها وتسترها وبصورة مستمرة وفي أزمان وظروف حساسة دون أن يعطوا هذه الصلاحية للمعنييين والمختصين من المؤمنين لهذه المواضيع، كعملهم في باقي المواضيع التي تمس بالإسلام. ويطرحونها على المسلمين في نقاشاتهم بعقلانية ومن قبل عقول مثقفة سواء من المسلمين المنافقين والإنتهازيين أو من المستشرقين، والتي لا تمت بهم أية صلة لا من قريب ولا من بعيد في إعطاء رأي أو فتوى بإسم الإسلام كما ذكرت كأنهم حماة الإسلام.
    مع الأسف الشديد السذاج من عوام المسلمين والضّعفاء نفسياً وعديمي الإدراك يتأثرون أمام هذه الإدعاءات الخادعة بسبب إزدهار وقوة هؤلاء في العلوم والتكنولوجيا ظاناً منهم أن الأوروبيين هم القدوة لهم لأنهم أصحاب الرأي الأول بسبب تقدمهم من النواحي العلمية والتكنولوجية والعسكرية والإقتصادية، وهؤلاء البسطاء لا يدركون ولا يعقلون أن التقدم العلمي لا يعني التقدم الديني والعقائدي، ولكن يمكن أن نقول أن التقدم الديني يعني التقدم العلمي لأنه من أساس مواضيعيه. وهؤلاء البسطاء من الناس ينخدعون لهم وخاصة عندما تطرح مثل هذه المواضيع من قبل المستشرقين المثقفين في جامعات دول أوروبا سواء بمؤلّفاتهم أو إعلامهم أو في أماكن كثيرة.
    لقد كان الحجاب نعمة وسعادة لعصور عديدة، والآن بعد مداخلة هؤلاء المنافقين والطغاة وبظلم اعوانهم وعساكرهم أصبحت نقمة وفتنة كبيرة على المسلمين.
    ويمكن إضافة ما يلي : أنه لا مشاكل للحجاب لمنتسبي أديان دول الغرب بل كنا لم نجد حتى للجاليات المسلمة ولا للمسلمات من بلدهم بشكل علني ولكن في الأونة الأخيرة بدأنا نجد بمنع حجاب المرأة المسلمة أيضاً في الدول الأوربية وخاصة بعد حادثة 11 أيلول/ سبتمبر سنة 2001 ميلادية، وبلا شك كانوا يهدفون منع الحجاب في دولهم وفي الدول المسلمة، وبدأت تظهر نواياهم السيئة بعد الحادث فوقفوا ضد المسلمين بكافة الأساليب ومن بينها إستخدامهم الحجاب الإسلامي كسلاح ضدّ المسلمين.
    فعلى العلماء والمثقفين المسلمين الغيارى أن يفتحوا عيونهم وآذانهم وأن لا يحققوا نوايا الدول الشريرة وأن لا ينخدعوا على كلامهم المعسولة أبداً، والله تعالى يقول (ولن ترض عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) .
    والبوطي يقول: "ويقولون أن أفضل ساحة للتحرير من الكيد للإسلام والبلوغ به إلى الهدف المرسوم هي عنصر المرأة، أمضى سلاح لغرض التّربية المطلوبة وإحلالها محل التّربية الإسلامية الرّاشدة . فعند ذلك تتحوّل المرأة المسلمة إلى عنصر مُعارضة للإسلام، وتصبح في الوقت ذاتهِ أداة طّيعة في يد الغرب ورسول دعوة إلى مبادئه وأفكاره. ونظراً إلى أن المرأة أينما كانت هي المصدر الأول لتربية أولادها، وبإمكانهم بواسطتهن تدمير كيان العوائل والمجتمعات القوية وبذلك يسهل إستعمار هذه الدّول، وكتب التاريخ شاهد على ذلك. " فعلى المسلمين أن يفهموا دينهم من المراجع والمصادر الإسلامية الموثوقة ومن الأشخاص الموثوقين الذين يتوفر عندهم مقاييس وشروط الإجتهاد والتّفقه في الدّين كما في أصول الفقه، كما نعلم لقد طُبق الإسلام فعلاً أكثر من ثلاثة عشر قرناً وكانت مصدرها ودستورها القُرآن والسّنة، ثم الإجماع والقياس، وكانت أغلبية المسلمين سعداء على وضعهم، أما المسلمون ما بعد القرن الثامن عشر، وبالتّحديد بعد الحرب العالميّة الأولى وسقوط الدّولة العُثمانيّة وإنهيار الحضارة الإسلاميّة، بمساعدة المنافقين والجهلة من المسلمين، وبعد إرتقاء الحضارة الأوروبيّة وإحلال الثّورة الصّناعيّة في فرنسا، أصبحنا أسير وعبدة لهذه الدّول المتطورة المستعمرة، وهكذا ذُقنا وسنذوقوا ما دُمنا على هذا الحال السيء كافة أنواع الشّقاء والبلاء وعدم الرّاحة والإطمئنان في كافّة حياتنا. لأننا جهلنا ديننا وإبتعدنا عن الإسلام وتركنا السعي والعمل والإبداع والتطور بسبب أنفسنا أولاً وبسبب تشويق المتطرفين والمتتشدقين والحكام الظالمين والعلماء الفاسقين ثانياً، وتوجهنا إلى متاع الدّنيا والتوكل على الغير، وأفرطنا في كل شيء حتى المأكل والمشرب والملبس وفي اللهو واللعب من الرّحلات إلى أماكن اللّهو والأنس والقمار والذّهاب إلى أماكن الطّرب والغناء والتي تكثر فيها البذخ والفحش ومشاهدة التّلفزيونات الخلاعية وإستعمال الإنترنت البيعدة عن آداب الإسلام ونحو ذلك. وهكذا تركنا الأخلاق الفاضلة وتركنا حجاب نساءنا ولم ندافع عنها جماعة. فخسرنا الدنيا والأخرة.

    الحجاب شعار إسلامي وعفة المرأة:

    أنّ خالق البشرية وغرائزها أعلم من الخلق في كيفية تربية هذه الغرائز وفي كيفية إستعمالها في الزمن والمكان الشرعي المطلوب. فالله تعالى الذي خلق الغرائز يعرف أيضاً كيف يمكن أن يقي الرّجل من عورة المرأة من بدنها وصوتها وعند البقاء معها في معزل عن الناس ونحو ذلك. وعكسها حماية المرأة من الرجل والتي من أحد شروط الوقاية الحجاب، ويأمرنا ويحذرنا من عدم وقوع المسلمين في مثل هذه الأخطاء أو السّيئات لأنه يعلم ضعف الإنسان ولا يريد أن يعذبه. وإستعمال الغرائز أعطيت لأجل هدف سامي كإحتفاظ نسل الإنسان وإدامة الحياة البشرية إلى يوم القيامة لا لأجل الشهوة.
    وموضوع الحجاب وعدم إختلاط المرأة والرجل وحرمة تعايش المرأة مع الرجل الغريب، فلا يحتاج إثبات صحة هذه الآراء لأنّ أكثر علماء النفس والتربويين من الشّرق والغرب يقرّون على صحة ذلك وحتى أنهم ينبّهون ويوقظون الدّولة وأولياء الأمور على التستر والحشمة في الملابس وعدم إختلاط الطلاب بالطالبات في المدارس وفي خارج المدارس.
    <<بالإضافة إلى كون الحجاب أمر إلهي فهو من مظاهر الحشمة والعفة والجمال الحقيقي للمرأة مما يبرز شخصيّتها الإنسانية التي تشكّل قاسماً مشتركاً مع الرّجل ويخفي مظاهر الفتنة والإغراء المعبّرة عن اُنوثتها، والإسلام يشدّد في عورة المرأة، وقال المرأة كلّها عورة إلاّ الوجه والكفّين، وحتى كشفها للنساء لايجوز وخاصة للذمية وغير المسلمة، وكذلك في الصّلاة وفي قراءة القرأن يوجب تستّر المرأة>> . عمل أعداء محاربة كافة شعائر الإسلام ومن ضمنها الحجاب وحقوق المرأة الزّائفة لأجل تدمير مفهوم الأسرة الجيّدة، وبما أنّ المرأة الفاسدة حبائل الشّيطان إستعمالهن الأعداء في الخيانات ضدّ العائلة والمجتمع والدولة. بسبب ضعفها أمام الأحداث والظّروف، إستعملوها في الخلاعة والدّعارة والدّعايات وفي أمكان الطّرب واللّهو والزّنا من أجل كسب مادي من ورائهم . فالمرأة الصّالحة منزّهة من كلّ هذه الأحداث لأنها تخاف وتستحي من الله، وهُنّ تشكّلن العدد الأقل من النسّاء السّيئات. إن المرأة ريحانة وجوهرة وياقوتة يجب المحافظة عليها من الخائنين والفاسدين، ويجب حفظها في شيء يسترها عن عيون الخائنين والمجرمين، كما يُحفظ اللؤلؤ في الصّدف والذّهب في الزّجاجة المقفولة. وهناك آيات تبين صحة ذلك: قوله تعالى ( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) . (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) . وهناك أحدايث للرسول (ص) (كان نساء النّبي يتكلّمن الضّيوف من وراء حجاب) رواه الشّيخان وأبو داود. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المرأة عورة " صحيح ، يعني أنه يجب سترها.(يا معشر الشّباب من استطاع منكم الباءة فليتزوّج، فإنه أغضُّ للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطيع فعليه بالصّوم فإنّه له وجاءٌ).

    أهمية الحجاب وتفسير آيات الحجاب:

    أوجب الله تعالى طاعته وطاعةَ رسولِه صلى الله عليه وسلم فقال: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاً مُّبِينًا) . والحجاب طاعة لله عزَّ وجلَّ وطاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتقوى وإيمان وحياء وغيرة وعفة.
    قبل تفسير آيات الحجاب يجب أن نوضح هنا أن أية الخمار وغطاء الرأس لم تكن مسألة نقاش علماء المسلمين وإنما اختلفوا في موضوع الجلباب وفي سبب نزوله، وإنتهاء دواعي السبب ونحو ذلك.
    (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمورهن على جيوبهن) .
    ـ معنى الآية أن تسدل المؤمنات الخمر على فتحة الصدر كي يغطينها، لا أن يسدلن الخمار حتى يصل إلى أسفل الوسط كما هو حادث الآن. الآية تقصد تغطية الصدر والعنق بالإضافة إلى غطاء الرأس.
    ـ سبب نزول الآية أن النساء في عصر النبي كن يغطين رؤوسهن بالأخمرة ويسدلنها من وراء الظهر، فتبقى فتحة الصدر والعنق لا ستر لهما، فأمرت الآية بإسدال الخمار، الذي كان مستعملاً بالفعل لكن ملقى وراء الظهر كما نرى عند بعض البدو والفلاحين الآن، حتى الصدر ليغطيه.

    وفي تفسير قوله تعالى (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) . يدنين أي يلبسن. الجلباب جمع جلابيب الملاحق أو القميص والثوب الواسع والكشاف يقول خمار تلوي الرأس. فقد جعل الله تعالى التزام الحجاب عنوان العفة، فقال تعالى: ( فَلَا يُؤْذَيْنَ )، فلا يتعرض لهن الفُساق بالأذى، وفي قوله سبحانه: ( فَلا يُؤْذَيْنَ) إشارة إلى أن في معرفة محاسن المرأة إيذاءً لها، ولذويها بالفتنة والشر. وقد رخَّصَ تبارك وتعالى للنساء العجائز اللائي لم يبق فيهن موضع فتنة في وضع الجلابيب أي فقط الجلابيب لا وضع الخمار، مع كشف الوجه والكفين، فقال عزَّ وجلَّ: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ..) ، وفي دوام الأية أي إثم (أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ)، ثم عَقَّبه ببيان المستحب والأكمل، فقال عز وجل في نهاية الأية: (وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ) باستبقاء الجلابيب (خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، فوصف الحجاب بأنه عفة، وخير في حق العجائز فكيف بالشابات؟
    ـ سبب نزول الآية أن عادة العربيات وقت التنـزيل كانت التبذل، أي الكشف عن الوجه كما يفعل الجواري. وإذ كن يتبرزن في الصحراء قبل أن تخترع دورات المياه في المنازل، فقد كان بعض الفجار يتعرضون (يتحرشون جنسياً) للمؤمنات على مظنة منهم أنهن من الجواري أو من غيرالعفيفات. وقد شكون ذلك للنبي ومن ثم نزلت الآية لتضع فارقاً وتمييزاً بين الحرائر من المؤمنات والجواري وغير العفيفات وهو إدناء المؤمنات لجلابيبهن، حتى يعرفن فلا يؤذين.
    ـ الدليل على أن الجلباب كان علامة مميزة لحرائر المسلمين أن عمر بن الخطاب كان إذا رأى أمة (جارية) قد تقنعت أو أدنت جلبابها عليها، ضربها بالدرة لأنها بذلك تتشبه بالحرائر وهو ما كان محظوراً على الجواري، ومحافظة على زي الحرائر خاصا بهن وحدهن. (ابن تيمية: حجاب المرأة ولباسها في الصلاة. تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، ص 37.
    ـ ويقال أن نزول الآية كانت لدواع أمنية تهدف الحفاظ على أمن وسلامة الجماعة الإسلامية الأولى من الفجار والفساق ومن محيط معاد لها، وحجة الحجاب زالت في الوقت الحاضر. ونحن نقول لهم وفي هذا العصر أيضاً نهدف الحفاظ من الملحدين والطاغين والمنافقين الفاسقين لأنه لم تزل الفتنة. ويقولون كذلك لماذا يصرّ العلماء على غطاء عبارة عن متر مربع القماش؟ ونحن نقول ولماذا أنتم تصرون على شيء لا يعنيكم؟ ولو رضينا بقولهم هذا فسيقولون لنا لماذا يصرّوا العلماء المسلمون على الصلاة وهي عبارة عن حركات رياضية من ركوع وسجود؟ وهكذا لا يأتي نهاية خدع هؤلاء الماكرين. فللمسلمين أصول فقه متفق عليه لعصور عديدة فإذا كان لهؤلاء أصول فقه جديدة فليعرضوا عليهم ويقنعوهم حتى يسيروا على منهج أصول فقهم الجديد وتنحل المشكلة بالأساس؟

    وتفسير آية قوله تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) . لقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم دعوى الجاهلية بأنها منتنة أي خبيثة، وأَمَرَنَا بنبذها. وقرن أي السكن والإستقرار. تتبرجن أي التبختر في المشي، وهنا إظهار زينتها ومحاسنها للأجانب. الجاهلية أي الوثنية، وفي الوقت الحاضر جاهلية الإستعمار الأمريكي والروسي والإنكليزي وأمثالهم ولا يختلفون عن الوثنية الجاهلية في إباحة أعراض النساء المسلمات.
    وتفسير قوله سبحانهوَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) ، فوصف الحجاب بأنه طهارة لقلوب المؤمنين والمؤمنات، لأن العين إذا لم تَرَ لم يَشْتَهِ القلبُ، أما إذا رأت العين: فقد يشتهي القلب، وقد لا يشتهي، ومن هنا كان القلب عند عدم الرؤية أطهر، وعدم الفتنة حينئذ أظهر، لأن الحجاب يقطع أطماع مرضى القلوب (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ) . وقال الله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ) .
    والله سبحانه وتعالى لم يخاطب بالحجاب إلاّ المؤمنات، فقد قال سبحانه: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ) ، وقال عز وجل: ( وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ ) ، ولما دخل نسوة من بني تميم على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، عليهن ثياب رِقاق، قالت: (إن كنتن مؤمنات فليس هذا بلباس المؤمنات، وإن كنتن غير مؤمناتٍ، فتمتعن به).
    وذكر أيضاً الأستاذ الدكتور محمد عمارة: وإذا كانت هناك حاجة لمزيد من البراهين فإن حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم لأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما كان عن زي المرأة في المنزل فلقد دخلت عليه صلي الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها وقال لها: "يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يري منها إلا هذا وهذا" وأشار إلي وجهه وكفيه رواه أبو داود .. فأسماء بنت أبي بكر قد دخلت علي الرسول بالمنزل.. والحديث تشريع عام.. ولم يقل الرسول لها: يا أسماء عندما تذهبين إلي المرحاض فلا يري منك إلا الوجه والكفين، إنه تشريع لكل من وصلت إلي مرحلة النضج والبلوغ بصرف النظر عن الزمان والمكان .
    وقد قال صلى الله عليه وسلم : (إن لكل دين خُلُقًا، وخُلُقُ الإسلام الحياء) صحيح. وقال صلى الله عليه وسلم: (الحياءُ من الإيمان، والإيمان في الجنة) صحيح. وقال صلى الله عليه وسلم: (الحياء والإيمان قُرِنا جميعاً ، فإذا رُفِعَ أحدُهما، رُفِعَ الآخرُ) صحيح. وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: " كنت أدخل البيت الذي دُفِنَ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي رضي الله عنه واضعةً ثوبي، وأقول: ( إنما هو زوجي وأبي )، فلما دُفن عمر رضي الله عنه، والله ما دخلته إلا مشدودة عليَّ ثيابي، حياءً من عمر رضي الله عنه. (صححه الحاكم على شرط الشيخين ).
    ومن هنا فإن الحجاب يتناسب مع الحياء الذي جُبِلت عله المرأة. ويتاسب الحجاب أيضاً مع الغَيرة التي جُبل عليها الرجلُ السَّوِيُّ ، الذي يأنف أن تمتد النظراتُ الخائنة إلى زوجته وبناته ، وكم من حروب نشبت في الجاهلية والإسلام غيرةً على النساء ، وحَمِيَّةً لحرمتهن ، قال عليٌّ رضي الله عنه : (بلغني أن نسائكم يزاحمن العُلُوجَ ـ أي الرجال الكفار من العَجَم ـ في الأسواق، ألا تَغارون ؟ إنه لا خير فيمن لا يَغار).

    أضرار التبرج والسفور:

    التبرج معصية لله ورسولهِ صلى الله عليه وسلم والتبرج كبيرةٌ مُهْلِكة والتبرج يجلب اللعن والطرد من رحمة الله والتبرج من صفات أهل النار والتبرج سواد وظلمة يوم القيامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" إن الله تعالى حيِيٌّ سِتِّيرٌ، يحب الحياء والستر" صحيح، وقال صلى الله عليه وسلم (أيما امرأةٍ نزعت ثيابها في غير بيتها، خَرَقَ الله عز وجل عنها سِتْرَهُ) صحيح، والجزاء من جنس العمل .
    ومن يعص الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يَضُرُّ إلا نفسه، ولن يَضُرَّ الله شيئًا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى "، فقالوا : يا رسول الله من يأبى ؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة ، ومن عصاني فقد أبى" . رواه البخاري.
    جاءت أميمة بنت رقيقة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تباعيه على الإسلام، فقال: " أُبايعك على أن لا تُشركي بالله، ولا تسرقي، لا تزني، ولا تقتلي وَلَدَكِ، ولا تأتي ببهتان تفترينه بين يديك ورجليك، ولا تَنُوحي ولا تتبرجي تبرج الجاهلية الأولى " صحيح، فقرن التبرج بأكبر الكبائر المهلكة. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سيكون في آخر أمتي نساءٌ كاسيات عاريات، على رؤوسهن كأسْنِمَةِ البُخْت، العنوهن ، فإنهن ملعونات " حديث صحيح ، والبُخْتُ: نوع من الإبل.
    وقال أيضاً: (صنفان من أهل النار لم أَرَهُمَا: قوم معهم سِياطٌ كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مُمِيلاتٌ مائلات، رؤوسهن كأسنمة البُخْتِ المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) رواه مسلم.
    ورُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَثَلُ الرافلةِ في الزينة في غير ِ أهلِها، كمثل ظُلْمَةٍ يومَ القيامة، لا نورَ لها) حديث ضعيف، يريد أن المتمايلة في مِشيتها وهي تجر ثيابها تأتي يوم القيامة سوداء مظلمة كأنها متجسدة من ظُلْمَةٍ، والحديث وإن كان ضعيفاً، لكن معناه صحيح، وذلك لأن اللذة في المعصية عذاب، والراحة نَصَب، والشِّبَعَ جوع، والبركةَ مَحْقٌ، والطِّيبَ نَتْنٌ، والنورَ ظُلمة، بعكس الطاعات فإن خُلُوفَ فم الصائم، ودم الشهيد أطيبُ عند الله من ريح المِسْكِ .
    فقد قال صلى الله عليه وسلم : (خير نسائكم الودود، الولد، المواتية المواسية، إذا اتقين الل، وشر نسائكم المتبرجات المتخيِّلات، وهن المنافقات، لا يدخلن الجنةَ منهن إلا مثلُ الغراب الأعصم) صحيح، والغراب الأعصم: هو أحمر المنقار والرجلين، وهو كناية عن قلة مَن يدخل الجنة مِن النساء ، لأن هذا الوصف في الغِربان قليل.
    والتبرج نفاق التبرج تهتك وفضيحة والتبرج سنة إبليسية والتبرج طريقة يهودية والتبرج جاهلية منتنة والتبرج تخلف وانحطاط. والمرأة عورة، وكشف العورة فاحشة ومقت، قال تعالى: (وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) ، والشيطان هو الذي يأمر بهذه الفاحشة: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء) . قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) .
    إن قصة آدم وحواء مع إبليس تكشف لنا مدى حرص عَدُوِّ الله إبليسَ على كشف السوءات، وهتك الأستار، وإشاعة الفاحشة، وأن التهتك والتبرج هدف أساسي له، قال الله عز وجل: (يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا) .
    فإبليس هو مؤسس دعوة التبرج والتكشف، وهو زعيم زعماء ما يسمى بتحرير المرأة، وهو إمام كُلِّ مَن أطاعه في معصية الرحمن، خاصة هؤلاء المتبرجات اللائي يؤذين المسلمين، وَيَفْتِنَّ شبابهم، قال صلى الله عليه وسلم: (ما تركتُ بعدي فتنةً هي أَضَرُّ على الرجال من النساء) متفق عليه.
    لليهود باع كبير في مجال تحطيم الأمم عن طريق فتنة المرأة، ولقد كان التبرج من أمضى أسلحة مؤسساتهم المنتشرة، وهم أصحاب خبرة قديمة في هذا المجال، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنةِ بني إسرائيل كانت في النساء" مسلم
    وقد حكت كتبهم أن الله سبحانه عاقب بنات صِهْيَوْنَ على تبرجهن، ففي الإصحاح الثالث من سِفر أشعيا: (إن الله سيعاقب بناتِ صِهْيَوْنَ على تبرجهن، والباهاتِ برنين خلاخيلهن، بأن ينزعَ عنهن زينةَ الخلاخيل، والضفائر، والأهلة، والحِلَقِ، والأساو، والبراق، والعصائب).
    ومع تحذير رسول الله صلى الله عليه وسلم من التشبه بالكفار، وسلوك سبلهم خاصة في مجال المرأة، فإن أغلب المسلمين خالفوا هذا التحذير، وتحققت نبؤة رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لتتبعن سَنَنَ مَن كان قبلكم شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جُحْرَ ضَبٍّ لتبعتموهم"، قيل: اليهود والنصارى؟ قال: ( فمن؟ ). متفق عليه.
    فما أشبه هؤلاء اللاتي أطعن اليهود والنصارى، وَعَصَيْنَ الله ورسوله بهؤلاء اليهود المغضوب عليهم الذين قابلوا أمر الله بقولهم: (سمعنا وعصينا)، وما أبعدَهن عن سبيل المؤمنات اللاتي قلن حين سمعن أمر الله: ( سمعنا وأطعنا ) ! وقال تعالى: (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا) .
    فدعوى الجاهلية شقيقة تبرج الجاهلية، كلامها منتن خبيث، حَرَّمَه علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال صلى الله عليه وسلم: (كل شيء من أمر الجاهلية موضوع تحت قَدَمَيَّ) متفق عليه سواء في ذلك: تبرج الجاهلية، ودعوى الجاهلية، وحكم الجاهلية، وربا الجاهلية. إن التكشف والتعري فطرة حيوانية بهيمية، لا يميل إليها الإنسان إلا وهو ينحدر ويرتكس إلى مرتبة أدنى من مرتبة الإنسان الذي كرمه الله وأنعم عليه بفطرة حُبِّ السِّتر والصيانة، وإن رؤية التبرج والتهتك والفضيحة جمالاً ما هي إلا فساد في الفطرة وانتكاس في الذوق، ومؤشر على التخلف والانحطاط.
    ولقد ارتبط ترقي الإنسان بترقيه في ستر جسده ، فكانت نزعة التستر دوماً وليدة التقدم، وكان ستر المرأة بالحجاب يتناسب مع غريزة الغيرة التي تستمد قوتها من الروح، أما التحرر عن قيود السِّتر فهو غريزة تستمد قوتها من الشهوة التي تغري بالتبرج والاختلاط، وكل من قنع ورضي بالثانية فلابد أن يضحي بالأولى حتى يُسْكِتَ صوت الغيرة في قلبه ، مقابل ما يتمتع به من التبرج والاختلاط بالنساء الأجنبيات عنه ، ومن هنا كان التبرج علامة على فساد الفطرة، وقلة الحياء، وانعدام الغيرة، وتبلد الإحساس، وموت الشعور.

    الشروط الواجبة توفرها في الحجاب الشرعي:

    " الأول: ستر جميع بدن المرأة على الراجح :
    لقد أبيح العلماء كشف الوجه والكفين بشرط أمن الفتنة منها وعليها. وأوجز بعض العلماء أيضاً على ظهور بعض الشّعر واليدين بشرط أمن الفتنة منها وعليها أو عند المرأة المسنة أو المرأة القروية.
    الثاني: أن لا يكون الحجابُ في نفسه زينةً:
    لقوله تعالى: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا) 31 سورة النــور، وقوله جل وعلا: (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) 33 سورة الأحزاب، وقد شرع الله الحجاب ليستر زينة المرأة، فلا يُعْقَلُ أن يكونَ هو في نفسه زينة .
    الثالث: أن يكون صفيقاً ثخيناً لا يشف:
    لأن الستر لا يتحقق إلا به، أما الشفاف فهو يجعل المرأة كاسية بالأسم ، عارية في الحقيقة ، قال صلى الله عليه وسلم: كما ذكرنا أعلاه ( سيكون في آخر أمتي نساء كاسيات عاريات...) صحيح.
    وقال أيضاً (ص) في شأنهن: (لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرةِ كذا وكذا) مسلم. وهذا يدل على أن ارتداء المرأة ثوباً شفافًا رقيقًا يصفها، من الكبائر المهلكة.
    الرابع: أن يكون فَضفاضًا واسعًا غير ضيق:
    لأن الغرض من الحجاب منع الفتنة، والضَّيِّقُ يصف حجم جسمها أو بعضه، ويصوره في أعين الرجال، وفي ذلك من الفساد والفتنة ما في. قال أسامة بن زيد رضي الله عنهما : ( كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قُبْطِيَّةً كثيفة مما أهداها له دِحْيَةُ الكلبي ، فكسوتُها امرأتي ، فقال:" ما لك لم تلبس القُبْطِيَّةً ؟ "، قلت: (كسوتُها امرأتي)، فقال:" مُرها، فلتجعل تحتها غُلالة ـ وهي شعار يُلْبَسُ تحت الثوب ـ فإني أخاف أن تَصِفَ حجمَ عِظامِها ") حسن.
    الخامس: أن لا يكون مُبَخَّرًا مُطَّيبًا:
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أَيُّما امرأةٍ استعطرت، فَمَرَّتْ على قومٍ ليجدوا ريحها، فهي زانية) حسن.
    السادس: أن لا يشبه ملابس الرجال :
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ليس منا من تشبه بالرجال من النساء، ولا من تشبه بالنساء من الرجال). صحيح .
    السابع: أن لا يشبه ملابس الملحدات :
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تشبه بقوم فهو منهم) . صحيح . وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : ( رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَيَّ ثوبين معصفرين ، فقال : ( إن هذه من ثياب الكفار فلا تَلْبَسها ). مسلم .
    الثامن: أن لا تَقْصِدَ به الشهرةَ بين الناس :
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ومن لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ في الدنيا، ألبسه الله ثوبَ مَذَلَّةٍ يوم القيامة، ثم ألهب في ناراً) حسن. ولباس الشهرة هو كل ثوب يَقْصِد به صاحبُه الاشتهارَ بين الناس، سواء كان الثوب نفيسًا، يلبسه تفاخراً بالدنيا وزينتها، أو خسيسًا يلبسه إظهارًا للزهد والرياء ."
    هل الحجاب فرض على المرأة مثل فرائض أركان الإسلام الخمسة والتي ثبتت في القرآن؟
    سؤال يتردده المنافقون، نعم لقد ثبتت فرضيتها بمحكم القرآن، وصحيح السنة، وإجماع الأمة بمختلف مذاهبها ومدارسها. لم يشذّ عن ذلك مذهب، ولم يخالف فيه فقيه، واستقر عليه العمل ثلاثة عشر قرنًا، حتى احتل الاستعمار ديار المسلمين، وفرض عليهم في حياتهم مفاهيم دخيلة انحرفت بأفكارهم، وتقاليد غريبة انحرفت بسلوكهم، وفي عصر الصحوة الإسلامية والمد الإسلامي.. بدأ المسلمون يستعيدون الثقة بأنفسهم وبدينهم، ويرجعون مختارين ومختارات إلى الالتزام بالحجاب الشرعي من قبل الفتيات والنساء المسلمات.
    بالرغم من إختلاف أراء العلماء على كيفية التستر ومقدار ظهور الجسم وما مقدار ظهور الشّعر فالكل متفق على أنّ الحجاب فرض كما ذكرت أعلاه. ولكن القسم اليسير من علماء الدّين في الوقت الحاضر إختلفوا على أسلافهم والسبب معروف لأنّ مصدر الإختلاف آت عن فتاوى حكامهم وأمراءهم من السياسيين لهذا ظهرت هذه الفتاوى المتعددة منها أنها سنة مستحبة وليس بواجب ولا فرض والذي لا تلبس الحجاب فلا إثم عليها، والقسم الأخر قالوا أنها ليست من الدين بل هو من عادات وتقاليد الشعوب السابقة، وآراء أخرى.
    والحجاب أو التستر ليس مقصور على غطاء الشعر فقط وإنّما التستر يكون لكافة عورات المرأة والعورة من الرأس إلى الأقدام، ولا يمكن إظهار زينتها بأي شكل من الأشكال وحتى أنه لا يمكن أن تلبس ملابس ظيقة أو تلبس ملابس شفافة وتبين تقاطع عورات المرأة.
    والحجاب أو التستر بمعنى تغطية جميع البدن سوى الوجه والكفين فريضة محكمة، قررها القرآن، وأكدتها السنة، وتضافرت عليها أقوال فقهاء الأمة، وليس لامرأة مسلمة أن تستهين بفريضة هذا شأنها، ولتضع كل مسلمة نصب عينها قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم (صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا )وعلى ذلك فلا يجوز لك أن تخلعي حجابك، بل استمسكي به، واسألي الله أن يجعل لك من أمرك فرجاً ومخرجاً. واعلمي أنه ليس ضرورياً أن تلبسي الخمار المعهود، ولكن المقصود أن تغطي ما عدا الوجه والكفين بأي ساتر بشرط أن يكون سميكاً لا يشف، فضفاضاً لا يصف، سابغاً لا يظهر سوى الوجه والكفين.
    لقد دخلت نسوة من بني تميم على عائشة رضي الله عنها وعليهن ثياب رقاق فقالت عائشة: "إن كنتن مؤمنات، فليس هذا بثياب المؤمنات". وأدخلت عليها عروس عليها خمار رقيق، شفاف فقالت: "لم تؤمن بسورة النور امرأة تلبس هذا" فكيف لو رأت عائشة ثياب هذا العصر التي كأنها مصنوعة من زجاج؟.
    وأخيرأ أخاطب هؤلاء المنافقين وأقول لهم أصلحكم الله يا أولي الأغبياء وجعل لكم عقلاً سليماً لتتفقهوا في علوم الله. يا هؤلاء أنتم إما لاتفقهون أمر الله أو لا تريدون أن تفقهوه، وقد يصعب على بعضكم فهم لغة وبلاغة القرآن الكريم فعليكم بالرجوع إلى أهلها، فكل مواضيع الفرض في الإسلام لم يذكر بكلمة فرض عليكم وإنّما بكلمات ومترادفات تعني بهذا المعنى أنظر إلى كافة مواضيع الفرائض (كتب عليكم ـ إن الله يأمركم ـ فأجتنبوه وإلخ ..) فهناك من الفراض الموجودة في القرآن على الأقل 54 فرض فهل هذا يعني أيها المنافقون أن نترك كلها لأنها ليست من فرائض أركان الإسلام الخمسة؟ وهناك مواضيع لم يفصلها القرآن الكريم فيفصلها السنة المطهرة مثل فرائض الصّلاة وأوقات وكيفية الوضوء وأدائها وفرائض كافة أنواع الزّكاة وفرائض الصّوم والحج وكيفية أدائها. فهل يحق للإنسان أن يقول أنها غير موجودة في القرآن أو ليس من الفرض؟.
    أيها الملحدون والمنافقون لماذا الإصرار على موضوع الحجاب، ألستم تدعون بالدّيمقراطية والحرية فإعتبروها من باب الدّيمقراطية والحريات المسموحة وإن كنتم تظنون أنها ليست من الدّين ولا فرض إلهي، المسلمون لايأخذون كلامكم ولايثقون بكم لأنكم لستم أولياء الله تعالى. علماً أن المسلمين لا يتدخلون في دينكم ولا يمنعون عليكم أوامر دينكم (لكم دينكم ولي دين) (لا إكراه في الدّين) فلماذا أنتم تتدخلون في دينهم وتمنعون لبس ملابسهم في المدارس والشوارع والدوائر الرسمية؟ ألستم حماة حقوق الإنسان وحماة حقوق المرأة فما هذه الإزدواجية والتخبط المضحك المبكي؟

    إرتداء الملابس المختلفة يحميها الدين والدساتير العالمية:
    الملابس من الأشياء الشخصية، يختاره الإنسان بمحض إرادته، ولا سلطان في الغالب لغيره كالدولة أو الحزب أو المؤسسة في تحديده. ومعلوم أن ملابس الناس يتأثر بالعوامل الثقافية الدينية والاقتصادية والمناخية وغيرها. والأصل أن تختار المرأة ما يناسبها من اللباس دون ضغط ولا إكراه في أي من الإتجاهات كان هذا الضغط أو الإكراه.
    فمسألة اللباس مسألة شخصية يحميها الدين سواء لأجل أمر ديني أو سبب مناخي أو عادة جارية لبلد. فإذا كان لا إكراه في اللباس. وحرية إرتداء الملابس من الحريات والحقوق التي تحميها الدساتير العادلة وأمهات المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان عموماً أو تلك المخصصة لحقوق المرأة. فإذا كان من حق المرأة أن تختار لباسها التزاماً بأوامر دينها ونواهيه وفي إطار من التفاعل الإيجابي والمرن مع الأعراف والعادات ـ من جهة ـ وواقع الناس الدائم التحول ـ من جهة ثانيةـ، فإنه على السلطات العامة في الدولة حماية هذا الحق وضمانه لكل مواطني الدولة دون التفريق بينهم على أساس الدين أو العرف أو الطائفة أو اللون أو الإنتماء الفكري أو السياسي. والتحدّي الحقيقي لواجب الدولة في هذا المقام هو وضع التنوع والتعدد في الملبس لا وضع الأشباه والنظائر، إذ بقدر ما تتعدد أنواع الألبسة وأنماطها داخل فضاء الدولة الواحدة بقدر ما يشتد الطلب على الدولة لحماية هذا التعدد، وبقدر ما تتوفق الدولة في حماية فسيفساء اللباس داخل إقليمها بقدر ما يدل ذلك على مرونة السلطات العامة لتلك الدولة وعلى قدرتها على حماية الحقوق والحريات، الفردية والجماعية.
    وفي حملة ليست الأولى من نوعها، غير أنها غير مسبوقة في مدها وحجمها، كما أنها تتجاوز نوعيا الحملة في فرنسا، دشنت السلطات السياسية في تونس حملة منهجية وممأسسة على حرية اللباس من خلال المنع القسري للحجاب. وقد سخّرت الجهات الرسمية التونسية في معركتها ضد حرية اللباس كل مؤسسات الدولة ومؤسسات الحزب الحاكم التي تكاد تتماهى مع مؤسسات الدولة. كما عمدت إلى توظيف أخلاط غريبة من الرخويات والعجائن "الأكاديمية" و" الإعلامية" و"السياسية".
    والحجاب الذي تشذ الجهات الرسمية في تونس وغيرها من الدول في منعه في مفارقة مع سياسات حوالي 190 دولة عضو بمنظمة الأمم المتحدة وأكثر من 50 دولة عضو بمنظمة المؤتمر الإسلامي، هذا الحجاب مسموح به في مشارق الأرض ومغاربها. فحيثما رحلت من بلد إلى بلد أو أنت نقلت نظرك من قناة فضائية إلى أخرى إلا ولاحظت حضور الحجاب. فما بال دولة إسلامية تتخذ بقرارات منافية لدين شعبه وقوانين العالم؟ لا يحتاج إلى جواب بل يحتاج إلى دعاء وتداوي لمتخذي القرار الغير الإنساني، اللهم أصلح هؤلاء وإهديهم إلى طريق الحق وأشفهم من أجل خدمة شعبهم وبلدهم.
    ختام
    الحجاب أو التستر لا يخص بالمسلمين فقط وإنما الحجاب أمر إلهي موجود في كافة الأديان السماوية وحتى في الأديان الغير السماوية يتوجب على النساء البالغات، والعبث والإصرار على أمر الله تعالى لا ينقصه من قدرته شيئاً ولا يؤدي إلى إبطال الأمر، والفتوى في كون الحجاب من تقاليد المجتمعات أو سنة دون فرض أمر لا يخص المنافقون بل أمر يخص الشريعة الإسلامية والمعنيين بها.
    وأن ما عليه بعض اليهود والنصارى من خلاعة وسفور وتبرج ليس هو قطعاً من أحكام أديانهم، وإنما هو مزيج من اهواء وبدع وضلالات ابناء هذه الديانات ومدعيها زوراً، وليس هذا التمرد على الأخلاق والقيم وانتشار الفساد والخلاعة هو خاص بهم كيهود أو نصارى، وإنما هو من صرعات الجاهلية. ويتوهم من يقول ان الحجاب شأن اسلامي تفرد به الاسلام عن غيره من الديانات ولعل هذا التوهم ناشىء من شدة الضجيج والاعلام المعادي للاسلام وللمثل الاسلامية، ولأن علماء غير المسلمين وكنائسهم والمتصدين فيهم للشؤون الدينية تسامحوا بإفراط فاهملوا كثيراً من المثل والأحكام الإلهية حتى ظنّ الناس بأن ذلك هو رأي دينهم وعقيدتهم.
    ومن جانب آخر، إنما اشتدت الحملة على الاسلام والمسلمين، باعتبار أن الاسلام دين متكامل انزله الله رحمة للعالمين، وخاتماً للشرائع والأديان الإلهية، ولأن الاسلام هو الوريث الشرعي لتراث الأديان وأحكامها والمحامي عنها والمحيي لسننها وآدابها.. من الاندثار والتشويه والبدع التي طرأت عليها..
    فالاسلام وحملته يشعرون بالمسؤولية التامة عن صيانة الأخلاق وحماية البشرية جمعاء من كل انحراف وفساد..
    والحجاب واحد من هذه الأحكام المتداخلة في كثير من العبادات والمؤثرة في صحتها وقبولها وبطلانها في الصلاة والحج والطواف والاعتكاف والسفر وغيرها من الفرائص والسنن، وليس هو من واجب النساء فقط بل من واجب كل المجتمع بتنفيذ أحكام الله والحجاب في الاسلام فرض أساسي ثابت باجماع المسلمين ومن كافّة مصادر التشريع الاسلامي، بما لا يدع مجالاً للاجتهاد ومعارضة نصوص أصل الحجاب وتشريعه وآثاره.

    والله ولي التوفيق
    (إنّ الله لا يُغير ما بقوم حتى يُغيّروا ما بأنفس) صدق الله العظيم
يعمل...