درة الغواص في أوهام الخواص

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبدالرحمن السليمان
    عضو مؤسس، أستاذ جامعي
    • May 2006
    • 5732

    درة الغواص في أوهام الخواص

    درة الغواص في أوهام الخواص
    [align=justify]
    هذه الصفحة ــ التي أستعير عنوانها الأنيق عن كتاب شهير للحريري ــ للغوص في أوهام بعض المنسوبين إلى الخاصة، وتبيين الوهن فيها، وتصويب الخطأ الواقع فيها. فلقد قرأت في منتديات كثيرة وفي كتب كثيرة كلاما لا يستقيم أكثره، إما لأنه أصبح من متجاوز العلم، أو لأنه كان نتيجة لقلة المصادر العلمية، أو الفقر المعلوماتي، أو الحماس الأعمى للإيديولوجيا، أو القصور في الرؤية، أو للنيات السيئة الخ. ومهما تكن الأسباب، فهذه الصفحة تتضمن ردودا غير مباشرة على كلام منتشر في منتديات كثيرة أوهامه أكثر من حقيقته .. وما يهمني من ذلك كله هو الحقيقة فقط ..

    وهلا وغلا!

    [/align]
  • عبدالرحمن السليمان
    عضو مؤسس، أستاذ جامعي
    • May 2006
    • 5732

    #2
    مسألة

    [align=justify]جاليليو جاليلي (مات سنة 1642) و"أستاذه" نيقولاس كوبرنيكوس (1543) عالمان غربيان يحتلان مكانة خاصة في الذاكرة الغربية، ويرى فيهما الكثيرون ثائرين كبيرين واجها لاعقلانية الكنيسة الكاثوليكية آنذاك ليؤسسا بذلك لثورة علمية كبيرة في الغرب. هما شخصان مهمان جدا في الحضارة الغربية. ومما زاد في أهميتهما أن أعداء الكنيسة الكاثوليكية التقليديين من لادينيين وأنسنيين ودنيويين ولائيكيين جعلوا منهما رمزين يمثلان انفتاح العقل وإشراقه مقابل تزمت الدين وانغلاقه .. فاستغل العلمانيون واللائيكيون الغربيون جاليليو وكوبرنيكوس استغلالا كبيرا في ثورتهم على الكنيسة الكاثوليكية التي اضطرت سنة 1983 إلى الاعتذار رسميا لجاليليو جاليلي وذلك بعد أكثر من ثلاثة قرون على رحيله ..

    ما أود أن أطرحه في هذه الحاشية هو فيما إذا كانت سمعة جاليليو وكوبرنيكوس الكبيرة اليوم مردها إلى إسهامهما العلمي، أو إلى جرأتيهما في مواجهة الكنيسة الكاثوليكية. وأنا هنا لا أقصد منه النيل من جاليليو جاليلي ومن "أستاذه" نيقولاس كوبرنيكوس، ولا الوقوف إلى جانب الكنيسة الكاثوليكية في ظلمها لجاليليو جاليلي، فهذا كله خارج القول .. ما أريد أن أطرحه الآن هو انعدام وجود أي سبب مقنع لذلك الحماس الذي يدب في أمعاء اللائيكيين العرب الذين يستشهدون على اللالائيكيين العرب بعظمة جاليليو جاليني في مواجته تزمت الدين (اقرأ: الكنيسة الكاثوليكية!)، وشجاعة "أستاذه" كوبيرنيكوس في جرأته على الطعن في صحة رواية العهد القديم التي تذهب إلى أن الرب أوقف الشمس عن الدوران حول الأرض دورة كي يدوم النهار أربعا وعشرين ساعة فيتمكن يشوع من تقتيل أعدائه تقتيلا (انظر سفر يشوع، الإصحاح العاشر) .. والمشكلة تكمن في أن الشمس - علميا - ليست هي التي تدور حتى تتوقف عن الدوران، بل الأرض، مما يثير الريبة فيما جاء في التوراة على أنه معجزة. فكم من لائيكي عربي يستشهد على اللالائيكي العربي بجاليليو وكوبيرنيكوس بحماس منقطع النظير، ويستغل بطولة جاليليو وكوبيرنيكوس للدعوة إلى محاربة الكنيسة الإسلامية ـ أقصد الإسلام ـ وتقليم أظافرها ـ أقصد أظافره ـ مثلما قلمت الثورة الفرنسية أظافر الكنيسة الكاثوليكية .. ويبرر اللائيكيون العرب دعواهم هذه بهدف تحرير العقل العربي وإطلاق المارد العربي من قمقمه!

    في الحقيقة هذا الحديث كله لا يهمني هذه الساعة .. وعسى أن أفرد له فصلا مطولا في المستقبل .. إن ما يهمني الآن أمران هما:

    الأمر الأول: أن كلام جاليليو جاليلي و"أستاذه" نيقولاس كوبرنيكوس قبله موجود كله في رسالة "تذكرة في علم الهيئة" لنصير الدين الطوسي المتوفي سنة 1274؛
    الأمر الثاني: أن جاليليو جاليلي و"أستاذه" نيقولاس كوبرنيكوس درسا في جامعة بودوا في إيطاليا التي أسست سنة 1222؛

    يقول الأستاذ ميشيل ليزينبرغ في كتابه "تاريخ الفلسفة الإسلامية"، عند شرحه لنظام الطوسي الفلكي ومقارنة نظام كوبيرنيكوس الفلكي به:

    "وهكذا نرى أن نظام كوبيرنيكوس الفلكي يتطابق مع نظام الطوسي الفلكي ويلتقي معه حتى في التفاصيل الدقيقة. إن الفرق الوحيد بينهما هو أن كوبيرنيكوس يجعل الشمس وليس الأرض في المركز. ولا يشك منظرو العلم الذين يُعَوَّل عليهم اليوم في أن كوبيرنيكوس عرف نظام الطوسي الفلكي [وانتحله!] .. بل يختلفون فيما بينهم في كيف عرف كوبيرنيكوس نظام الطوسي الفلكي".

    المصدر: Leezenberg Michel (2008), Islamitische Filosofie. Een Geschiedenis. Bulaaq, Amsterdam صفحة 305.

    يقول الكاتب: إن العلماء اليوم لا يختلفون عن انتحال كوبرينيكوس لنظام الطوسي الفلكي .. بل يختلفون في الكيف (وقد كتب الكاتب "الكيف" في الأصل بخط مائل لتوكيدها وكتبتها أنا في الترجمة بخط تحتها) .. وأنا لا أدري كيف فات الكاتب وهؤلاء العلماء أن جاليليو جاليلي و"أستاذه" نيقولاس كوبرنيكوس درسا في جامعة بودوا في إيطاليا التي أسست سنة 1222، وأن جاليليو درّس بها أيضا، وأن العلوم التي كانت تدرس في جامعة بودوا هي العلوم الإسلامية .. وهي العلوم التي كان يدرّسها عرب مسلمون وعرب نصارى ومستعربون .. وكنت قرأت (أنا) في مخطوطة لاتينية قديمة أن بعض العلوم كان يدرس في جامعة بادوا وجامعة بولونيا بالعربية .. والباحث في تاريخ تأسيس جامعتي بولونيا وبادوا في إيطاليا سيجد العجب .. لكني لم أعد أتذكر في أي مخطوطة قرأت، وسأثبت ذلك عندما أعثر على المخطوطة .. وسأذكر ذلك ـ في جميع الأحوال ـ للأستاذ ميشيل ليزينبرغ، يوم الثلاثاء المقبل الواقع في 27 من هذا الشهر، في الصالون الفلسفي (البلجيكي).. حيث سيجمعنا مجلس حوار ثنائي أمام جمهور عام سنتحاور في أثنائه ـ لثلاث ساعات متتالية ـ في العلاقة بين الفلسفة الإغريقية والفلسفة الإسلامية، ثم بين الفلسفة والعلوم الإسلامية من جهة، والفلسفة والنهضة الغربية من جهة أخرى، منذ توماس الأكويني، وحتى عصر التنوير .. ***

    في أثناء ذلك، أدعو الجماعة اللائيكية العربية إلى ألا تكون ملكية أكثر من الملك (أو، كما يقال في الهولندية: ألا تكون "كاثوليكية أكثر من البابا!")، فلا يستشهد لائيكيوها علينا بقول كوبرنيكوس في الشمس والأرض واختلاف دورانهما .. فهذا حديث سبقه إليه أحد علماء المسلمين ـ وهو نصير الدين الطوسي ـ بثلاثة قرون على الأقل .. وحسب علمي لم تخوزق "الكنيسة الإسلامية" ــ التي يريد اللائيكيون العرب منا أن نفترض وجودها افتراضا ونتخيل وجودها تخيلا بله الإقرار بوجودها إقرارا! ــ نصير الدين الطوسي لاكتشافه العلمي هذا، مثلما خوزقت الكنيسة الكاثوليكية جاليليو .. ولا بد من وضع حد للمزايدة على المسلمين والعرب بتاريخ كوبرنيكوس وجاليليو بإبعاد هذه الخوازيق عنا أولا ..، ثم دراسة التراث العلمي العربي الإسلامي تمهيدا لتأسيس نهضة حقيقة بناء عليه ثانيا .. ولا شيء يحول، في أثناء ذلك كله، دون الاستفادة استفادة حقيقية من تجارب الأمم الغنية، وفي مقدمتها الأمم الغربية، فأنا من دعاة الاستفادة من التجربة الغربية إلى أبعد الحدود .. لكن الاستفادة من تجارب الآخر الغنية شيء، وإقرار خوازيقه شيء آخر! إن ترجمة فكر الآخر للاستفادة من تجاربه شيء، ودهن خوازيقه بالبوزلين ليسهل بلعها شيء آخر!

    ــــــــــــــــــــــــــــــــ

    *** رابط الصالون الفلسفي: http://blog.villanella.be/het-filosofisch-salon/


    [/align]

    تعليق

    • ahmed_allaithy
      رئيس الجمعية
      • May 2006
      • 4027

      #3
      أخي الدكتور عبد الرحمن
      بغض النظر عن صياغة النص الوارد فيما يعرف اصطلاحاً بالعهد القديم، فإن السمة التي لا تنفصم عن "المعجزة" هي أنها تخرق القوانين الطبيعية؛ فإن لم تكن كذلك، لم يصح أن تسمى معجزة.
      والقصد أنه ليس هناك ما يمنع من صحة الرواية بأن الله منع الشمس من الغروب حتى يطول النهار ساعة ينتهي فيها يوشع من قتاله لأعدائه. أما كيف تم هذا المنع، بأن توقفت الأرض، أو الشمس، أو كلاهما ... إلخ، فهذا من التفاصيل التابعة للمعجزة الأصلية.
      وروايات أهل الكتاب عموماً تحتمل الصدق والكذب. ولذا فإن المسلمين يتبعون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تصدقوهم ولا تكذبوهم". أما جاليليو وكوبرنيكوس فمسلكهم علمي بحت. والعلم يقول باستحالة توقف الأرض عن الدوران، بله توقف الشمس. فالطريقان مختلفتان: العلم والدين. وسبب الاختلاف هو حدوث أمر لا يمكن للعلم تفسيره منطقياً. ومن ثم فالأمر "معجزة".
      د. أحـمـد اللَّيثـي
      رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
      تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.

      فَعِشْ لِلْخَيْرِ، إِنَّ الْخَيْرَ أَبْقَى ... وَذِكْرُ اللهِ أَدْعَى بِانْشِغَالِـي

      تعليق

      • حامد السحلي
        إعراب e3rab.com
        • Nov 2006
        • 1374

        #4
        شكرا لأستاذي الكريمين
        ولكنني أختلف قليلا معك دكتور أحمد ليس بالضرورة ولا دليل عقدي على أن المعجزة يجب أن تكون خرقا للقوانين الطبيعية (سنن الله في الكون)
        المعجزة قد تكون تأييدا وقد تكون منحة أو كلاهما معا
        ولا يشء يفرض كونها خرقا للسنن التي وضعها الله في الكون بل فقط المطلوب أن تكون في إطارها الزماني والمكاني دليلا لا يقبل الجدل على ما جاءت لتدلل عليه
        هذا لا يعني أنني أعتبر أن كل المعجزات ليست خرقا للسنن الإلهية فبعضها خرق لهذه السنن قطعا كأفعى موسى وإحياء عيسى للأموات والطين والقرآن الذي بعث به محمدا عليهم السلام جميعا
        ولكن بعضها قد يكون مجرد تزامن أو ظاهرة ممكنة استخدمها النبي بأمر الله للتدليل على نبوته أو أمر آخر وقد يكون جزء كبير من المعجزات هو هكذا وما جعلها معجزة تزامنها مع دعوى النبي وهي دليل معجز على علم الله المطلق
        إعراب نحو حوسبة العربية
        http://e3rab.com/moodle
        المهتمين بحوسبة العربية
        http://e3rab.com/moodle/mod/data/view.php?id=11
        المدونات العربية الحرة
        http://aracorpus.e3rab.com

        تعليق

        • عبدالرحمن السليمان
          عضو مؤسس، أستاذ جامعي
          • May 2006
          • 5732

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة ahmed_allaithy
          أخي الدكتور عبد الرحمن
          بغض النظر عن صياغة النص الوارد فيما يعرف اصطلاحاً بالعهد القديم، فإن السمة التي لا تنفصم عن "المعجزة" هي أنها تخرق القوانين الطبيعية؛ فإن لم تكن كذلك، لم يصح أن تسمى معجزة.
          والقصد أنه ليس هناك ما يمنع من صحة الرواية بأن الله منع الشمس من الغروب حتى يطول النهار ساعة ينتهي فيها يوشع من قتاله لأعدائه. أما كيف تم هذا المنع، بأن توقفت الأرض، أو الشمس، أو كلاهما ... إلخ، فهذا من التفاصيل التابعة للمعجزة الأصلية.
          وروايات أهل الكتاب عموماً تحتمل الصدق والكذب. ولذا فإن المسلمين يتبعون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تصدقوهم ولا تكذبوهم". أما جاليليو وكوبرنيكوس فمسلكهم علمي بحت. والعلم يقول باستحالة توقف الأرض عن الدوران، بله توقف الشمس. فالطريقان مختلفتان: العلم والدين. وسبب الاختلاف هو حدوث أمر لا يمكن للعلم تفسيره منطقياً. ومن ثم فالأمر "معجزة".
          [align=justify]
          أجل أخي الدكتور أحمد،

          شكر الله لك. وقد عدّلت في نصي من باب الحيطة في القول.

          بارك الله فيك.[/align]

          تعليق

          • Aratype
            مشرف
            • Jul 2007
            • 1629

            #6
            [align=right]
            العالم المسلم اسمه "نصر الدين الطوسي"، ولكن من يعرف نصر الدين الطوسي وما أدراك من نصر الدين الطوسي !
            هو أيضاً سطَّر صفحات سوداء في تاريخنا...
            [/align]

            تعليق

            • حامد السحلي
              إعراب e3rab.com
              • Nov 2006
              • 1374

              #7
              في نهاية القرن التاسع طالب جلال الدين السيوطي بمنحه رتبة الاجتهاد المطلق بعد أن اجتهد في أن يؤلف في كل العلوم وقد عقدت له جلسات مناظرة كانت أشبه بمحاكمات صورية انتهت برفض طلبه وقبوله كمجتهد في الفروع
              كانت هذه المرحلة النهائية من تعنت البنية الفقهية الإسلامية التي رفضت الاعتراف بأي مجتهد مطلق بعد اسحق بن راهويه واخترعت مفهوم مجتهد في فروع المذهب وبالتالي اعتبر تقليد أحد المذاهب واجبا على الجميع مع قدر بسيط من الحرية لمجتهدي الفروع.. لم يكن بالإمكان عقديا إغلاق الاجتهاد ولكن ذلك تم عمليا
              وفي هذه البيئة تأثرت مختلف فروع المعرفة وكان حتما على أي عالم يريد إضافة شيء أن يكون على شيء من التنافر أو حتى القطيعة مع "مؤسسة التقليد" وهذه قادت في الشرق الإسلامي على الأقل إلى ردود أفعال متباينة وشطحات بعيدة جدا خارج السرب الإسلامي من "المجددين" كنصير الدين الطوسي وابن سينا والخيام
              لست هنا أبرر هذه الشطحات ولكنني أشير إلى أن التعنت والانغلاق يقود إلى عكسه وأحيانا أتصور أن تسييس المذهب الحنفي وفرضه على الأمة الذي اتبعته الدولة العثمانية كان رحمة للأمة لأنه سمح للمذاهب الأخرى بالانفتاح تدريجيا إلى أن انحنى المذهبان الشافعي والحنبلي اعترافا بفضل ومكانة الإمام الزيدي النشأة الشوكاني ورغم أن هذا الانفتاح لم يتوسع إلى انفتاح على العلوم غير الشرعية إلا أنه أسس لتخلي الأمة عن الانغلاق المذهبي والفكري والتقوقع حول الذات
              إعراب نحو حوسبة العربية
              http://e3rab.com/moodle
              المهتمين بحوسبة العربية
              http://e3rab.com/moodle/mod/data/view.php?id=11
              المدونات العربية الحرة
              http://aracorpus.e3rab.com

              تعليق

              • عبدالرحمن السليمان
                عضو مؤسس، أستاذ جامعي
                • May 2006
                • 5732

                #8
                المشاركة الأصلية بواسطة aratype
                [align=right]
                العالم المسلم اسمه "نصر الدين الطوسي"، ولكن من يعرف نصر الدين الطوسي وما أدراك من نصر الدين الطوسي !
                هو أيضاً سطَّر صفحات سوداء في تاريخنا...
                [/align]
                [align=justify]
                أخي الدكتور أسامة،

                نصير الدين الطوسي متهم بالمشاركة في مجزرة بغداد إبان احتلال المغول لها. ودوره في نهب كتبها مشبوه. وقد يكون في الأمر مبالغة، إلا أنه يبدو من تواتر الروايات أنه متورط والله أعلم.

                وحديثي فيه يتعلق بإسهامه في علم الفلك.

                وتحية عطرة. [/align]

                تعليق

                • عبدالرحمن السليمان
                  عضو مؤسس، أستاذ جامعي
                  • May 2006
                  • 5732

                  #9
                  مسألة
                  [align=justify]
                  يقول فؤاد زكريا (وما بين [] من عندي):

                  "ولا شك في أن الربط بين العلمانية وبين معنى "العالم" أدق من الربط بينها وبين معنى "العِلم". ولو شئنا الدقة الكاملة لقلنا إن الترجمة الصحيحة للكلمة هي "الزمانية"، لأن الكلمة التي تدل عليها في اللغات الأجنبية، أي secular [كذا، والصواب: secularism] في الإنكليزية مثلا مشتقة من كلمة [لاتينية] تعني القرن saeculum". (المصدر: عبدالوهاب المسيري (1423/2002). العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة. دار الشروق. مجلدان. المجلد الأول، الصفحة 61).

                  ويتضح من كلام فؤاد زكريا أنه يعتمد في اقتراحه اعتماد مصطلح "الزمانية" بدلا من العلمانية على المصطلح الإنكليزي اللاتيني الأصل secularism وليس على المصطلح الفرنسي اليوناني الأصل laïcité، ذلك لأن "الزمان" ليس من معاني هذا الأخير. وهذا وهم آخر لن أشغل نفسي به الآن لأني نويت أن أخصص لكل وهم موضوعا واحدا كي لا تتشعب الأمور ويستعجم الأمر على الناس.

                  ويستوقفني في هذا السياق قوله: (ولو شئنا الدقة الكاملة لقلنا إن الترجمة الصحيحة للكلمة هي "الزمانية")، وهو الوهم الذي أريد تبيينه ههنا، ذلك أن معنى saeculum الأصلي الذي اشتق المصطلح secularism منه هو "الدنيا" وليس "الزمان" .. بل إن المعنى الدقيق جدا جدا جدا لـ saeculum في سياق الحديث في العلمانية هو "الحياة الدنيا"، كما يفهم من ذلك في الإسلام وفي النصرانية، وليس غير ذلك، لا من قريب ولا من بعيد.

                  تعني كلمة αἰών/aioon في اليونانية، فيما تعني، "الأزل؛ الجيل؛ الزمان؛ الحقبة الزمنية؛ الدنيا". وما يهمنا هنا معناها الأخير "الدنيا". وقد جاءت في الأناجيل كثيرا بالمعنيين المتضادين: "الزمن الأزلي" (= السرمد) و"الزمن المؤقت" (= الحياة الدنيا)، تماما مثل الكلمة العبرية עלָם: /عُولَم/ التي وردت في العهد القديم بالمعنيين المتضادين "الزمن الأزلي" و"الزمن المؤقت" أو الحياة الدنيا.

                  فنحن نجد עוֹלָם: /عُولَم/ بمعنى "الزمن الأزلي" في المزمور 45 الآية 7: כִּסְאֲךָ אֱלהִים, עוֹלָם וָעֶד "عرشك يا الله إلى الأبد"، ونجدها بمعنى "الزمن المؤقت" أو الحياة الدنيا في سفر الجامعة الإصحاح 3 الآية 11: גַּם אֶת-הָעלָם, נָתַן בְּלִבָּם "وجعل حب الدنيا في قلوبهم"، لأن עוֹלָם: /عُولَم/ ههنا تعني "العالم"، "الحياة الدنيا"، وليس "الأزل".

                  (انظر: Klein E. (1987). A Comprehensive Etymologocal Dictionary of the Hebrew Language for the Readers of English. New York. مادة עולם، صفحة 473).

                  وجاءت كلمة αἰών/aioon بمعنى "الحياة الأزلية" في إنجيل متى الإصحاح 25 الآية 46: (فَيَمْضِي هؤُلاَءِ إِلَى عَذَاب أَبَدِيٍّ وَالأَبْرَارُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ). فـ"حياة أبدية" هنا ترجمة لـ (ζωὴν αἰώνιον/zo’i aionion). وقد ترجمها مترجم الفولجاتا إلى اللاتينية بـ (vitam aeternam) أي "حياة أبدية" أيضا. كما جاءت كلمة αἰών/aioon بمعنى "الحياة الدنيا" في إنجيل متى الإصحاح 28 الآية 20: وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْر». فـ (انْقِضَاءِ الدَّهْر) هذه هي ترجمة لـ (συντελείας τοῦ αἰῶνος/sinteleias tou aioonos). وقد ترجمها مترجم الفولجاتا إلى اللاتينية بـ (consummationem saeculi). وكلمة (saeculi) ههنا ـ وهي مضاف إليه في اللاتينية ومرفوعها هكذا: saeculum ـ هي ما يهمنا هنا. فهي لا تحتوي على الاشتراك المعنوي الموجود في كلمة αἰών/aioon اليونانية التي تعني "الحياة الأزلية" و"الحياة الدنيا"، وهو الاشتراك الذي أخذته عن الكلمة العبرية עולם: /عُولمَ وهي من الأضداد في العبرية لأنها حمل معنَيَيْ "الحياة الأزلية" و"الحياة الدنيا" .. فقلد ترجم مترجم الفولجاتا مفهوم "الحياة الأزلية" إلى (vitam aeternam) كما تقدم، بينما ترجم مفهوم "الحياة الفانية" بـ (consummationem saeculi). إذن لا تعني الكلمة اللاتينية "الزمان" و"القرن" فحسب، بل "الحياة الدنيا"، "الحياة الفانية" بالمفهوم الديني لهذا المصطلح كما يفهم منه في النصرانية والإسلام. وهذا باد بوضوح شديد من سياق الأناجيل فأقتصر على المثال التالي:

                  رسالة يوحنا الرسول الأولى، الإصحاح الثاني، الآيات 15-18: 15لاَ تُحِبُّوا الْعَالَمَ وَلاَ الأَشْيَاءَ الَّتِي فِي الْعَالَمِ. إِنْ أَحَبَّ أَحَدٌ الْعَالَمَ فَلَيْسَتْ فِيهِ مَحَبَّةُ الآبِ. 16لأَنَّ كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ: شَهْوَةَ الْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ الْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ الْمَعِيشَةِ، لَيْسَ مِنَ الآبِ بَلْ مِنَ الْعَالَمِ. 17وَالْعَالَمُ يَمْضِي وَشَهْوَتُهُ، وَأَمَّا الَّذِي يَصْنَعُ مَشِيئَةَ اللهِ فَيَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ. 18أَيُّهَا الأَوْلاَدُ هِيَ السَّاعَةُ الأَخِيرَةُ. وَكَمَا سَمِعْتُمْ أَنَّ ضِدَّ الْمَسِيحِ يَأْتِي، قَدْ صَارَ الآنَ أَضْدَادٌ لِلْمَسِيحِ كَثِيرُونَ. مِنْ هُنَا نَعْلَمُ أَنَّهَا السَّاعَةُ الأَخِيرَةُ.

                  فمفهوم الساعة الأخيرة (ἐσχάτη ὥρα/novissima hora) هنا يشير إلى اقتراب عودة عيسى عليه السلام بعد صلبه في المعتقد النصراني من أجل إنشاء "ملكوت السماء"، وهي ما يسمى في اللاهوت النصراني بـ "المجيء الثاني" (من اليونانية Parousia). وقد عبَّر الإنجيل عن المرحلة الزمنية التي تكون بين مجيء عيسى عليه السلام الأول وصلبه في المعتقد النصراني، وبين عودته فيما بعد لإنشاء "ملكوت السماء"، باللفظة اليونانية αἰών/aioon التي ترجمها مترجم الفولجاتا إلى اللاتينية بـ saeculum، وهذه الأخيرة هي التي تهمنا الآن في سياق هذه الحاشية .. فهي تعني المرحلة الزمنية التي تكون بين مجيء عيسى عليه السلام الأول وبين عودته فيما بعد لإنشاء "ملكوت السماء"، أي "الحياة الدنيا"، "الحياة الفانية". إذن تعني saeculum ـ بالضبط ـ "الحياة الدنيا"، "الحياة الفانية"، وليس غير ذلك.

                  ومن saeculum اشتق الفعل saecularisatio للتعدية وأداء معنى "عَوْمَنَ" أي جعل الشيء دنيويا بإخراجه من خاصِّية الكهنوت وملكيته إلى عمومية العامّة وملكيتها. وهو في الأصل مصطلح فني من مصطلحات الشريعة الكنسية الكاثوليكية للتدليل على أملاك الكنيسة التي كان الأمراء والملوك يغتصبونها ويخصصونها لاستعمالهم الخاص أو للاستعمال العام. وتشير المصادر إلى أن أول استعمال لمصطلح (saecularisatio) بهذا المعنى كان سنة 1648 بعد التوقيع على صلح وستفالن (Westphalen). وهذا التاريخ مهم لأنه في الحقيقة كان بداية عملية الحد من سلطة الكنيسة وسلطة البابا وتحدي دعواه في ممارسة "القوة المطلقة" (plenitudo potestatis)، وهي العملية التي استمرت منذ صلح وستفالن (Westphalen) حتى قيام الثورة الفرنسية (1989-1799) التي استكملت عملية الحد من سلطة الكنيسة واغتصاب أملاكها بالكلية تقريبا.

                  خلاصة القول: إن كلام فؤاد زكريا: (ولو شئنا الدقة الكاملة لقلنا إن الترجمة الصحيحة للكلمة هي "الزمانية") غير صحيح .. بل إنه يفتقر إلى "الدقة الكاملة" كليا .. ونحن إن شئنا "الدقة الكاملة" التي ودَّ أخونا بالله فؤاد زكريا أن يتوخاها لترجمنا مصطلح secularism بـ "الدنيوية" صفة لـ "الحياة الدنيا"، "الحياة الفانية"، "دار الفناء" كما يفهم منهما في الإسلام وفي النصرانية، وليس بغير ذلك.
                  [/align]

                  تعليق

                  • ahmed_allaithy
                    رئيس الجمعية
                    • May 2006
                    • 4027

                    #10
                    المشاركة الأصلية بواسطة حامد السحلي
                    شكرا لأستاذي الكريمين
                    ولكنني أختلف قليلا معك دكتور أحمد ليس بالضرورة ولا دليل عقدي على أن المعجزة يجب أن تكون خرقا للقوانين الطبيعية (سنن الله في الكون)
                    المعجزة قد تكون تأييدا وقد تكون منحة أو كلاهما معا
                    ولا شيء يفرض كونها خرقا للسنن التي وضعها الله في الكون بل فقط المطلوب أن تكون في إطارها الزماني والمكاني دليلا لا يقبل الجدل على ما جاءت لتدلل عليه
                    هذا لا يعني أنني أعتبر أن كل المعجزات ليست خرقا للسنن الإلهية فبعضها خرق لهذه السنن قطعا كأفعى موسى وإحياء عيسى للأموات والطين والقرآن الذي بعث به محمدا عليهم السلام جميعا
                    ولكن بعضها قد يكون مجرد تزامن أو ظاهرة ممكنة استخدمها النبي بأمر الله للتدليل على نبوته أو أمر آخر وقد يكون جزءً كبيراً من المعجزات هو هكذا وما جعلها معجزة تزامنها مع دعوة النبي وهي دليل معجز على علم الله المطلق
                    أخي الفاضل الأستاذ حامد
                    شكر الله مداخلتك. هل لك أن تدلل على كلامك بمعجزات ليس فيها خرقاً لما يسمى تجاوزاً بالقوانين الطبيعية؟
                    د. أحـمـد اللَّيثـي
                    رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
                    تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.

                    فَعِشْ لِلْخَيْرِ، إِنَّ الْخَيْرَ أَبْقَى ... وَذِكْرُ اللهِ أَدْعَى بِانْشِغَالِـي

                    تعليق

                    يعمل...