سوريا تُجيد اللّـعب على التناقضات وجنْـي الأربـاح

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد زعل السلوم
    عضو منتسب
    • Oct 2009
    • 746

    سوريا تُجيد اللّـعب على التناقضات وجنْـي الأربـاح

    سوريا تُجيد اللّـعب على التناقضات وجنْـي الأربـاح".. ولكن إلى متى؟
    "السّوريون رأسماليون مُذهلون وأهل النظام السوري هُـم المفاوضون الأكثر حذاقة في العالم"، هذا ما يراه أندرو تابلر، الباحث في مؤسسة واشنطن لدراسات الشرق الأدنى في دراسة جديدة له بعنوان "نحو سياسة (أمريكية) إزاء سوريا"، ضمّنها نصائح للمسؤولين الأمريكيين حول كيفية التعاطي مع دمشق.


    هذا الإنطباع يتطابق أيضاً مع الرُّؤية التاريخية للمشرقيين العرب حِـيال السوريين، وفي مقدمتهم الدمشقيين، حيث ينعتونهم عادة بـ "الدّهاء الأموي" (نسبة لدهاء الخليفة الأموي الأول معاوية بن أبي سفيان) أو بـ "شطارة التاجر الدمشقي".

    هذه النعوت قد تكون مفيدة للغاية هذه الأيام، بعد أن نجح القادة السوريون في الخروج من أخطر ورطة تعرّض إليها النظام الذي أسّـسه الرئيس الراحل حافظ الأسد في إنقلاب عام 1970 وكاد يزلزل أسُـس البنيان الوطني السوري برمّـته.

    الورطة، كما هو معروف، بدأت عام 2004 حين أبرمت الولايات المتحدة وفرنسا صفقة لإخراج سوريا من لبنان تَـم تتويجها في القرار الدولي رقم 1559، ثم في الخروج الفعلي لهذه القوات بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.

    في تلك المرحلة، كانت القوات الأمريكية في العراق تهدِّد بالزحف على دمشق في أي لحظة لإسقاط النظام، (كما كان يخطط بالفعل المحافظون الجدد الأمريكيون) وكانت سوريا تعيش في عُـزلة عربية ودولية شاملة.

    لكن، وبعد خمس سنوات من هذا الوضع الجيو - إستراتيجي الكابوسي، كانت سوريا تنبعث من تحت الرماد وتتحوّل من دولة صغيرة مُحاصرة ومُهدّدة إلى مركز إقليمي بارز لتحالفات إستراتيجية جديدة في الشرق الأوسط، وهذه، شكّلت مكافأة كبرى للرئيس السوري الشاب بشار الأسد في الذكرى العاشرة لجلوسه على عرش دمشق وأيضاً للفريق الأمني والإعلامي والسياسي والإقتصادي المحيط به، والذي يضم وزير الإعلام د. محسن بلال ووزير الخارجية وليد المعلم ووزير الاقتصاد الدردري ووزير السياحة سعد الله أغا. لكن، كيف فعل السوريون ذلك؟



    العصا من الوسط
    إنه الدّهاء الأموي مجدداً. فقد انتظرت القيادة السورية بصبر نهاية ولاية الرئيس الأمريكي جورج بوش، لعلمها أن شيئاً لن يتغيّر، إقليمياً ودولياً، مع مثل هذه الإدارة أو ما شابهها، ثم أطلقت مع وصول باراك أوباما إلى البيت الأبيض مبادرة دبلوماسية مُعقّـدة جديرة بالتراث الأموي.

    فهي أمسكت العصا الإقليمية من الوسط، فأبقت على تحالفها الإستراتيجي مع إيران، لكنها انفتحت بقوة في الوقت نفسه على الخصم الرئيسي لهذه الأخيرة: السعودية، وهي واصلت تقديم الدعم الكامل لحزب الله في لبنان، فيما تُشرع أبواب دمشق على مصراعيْـها مع منافسه، تيار الحريري، كما أقامت أفضل العلاقات مع العضو في حلف الأطلسي تركيا، من دون أن يؤثّر ذلك على أفضل التحالفات مع إيران. كما أنها تحالفت مع السعودية، لتقاسم النفوذ في العراق عبْـر دعم قائمة إياد علاوي، ولم تقطع في الوقت نفسه علاقاتها مع القوى الشيعية الأخرى الحليفة لطهران وفي مقدمتها التيار الصدري.

    أما العلاقات مع الولايات المتحدة، فقد شهدت قفزة نوعية حين انتقلت هذه الأخيرة من موقع المجابهة معها إلى موقع "الإنخراط الإيجابي"، فباتت زيارات الموفدين الأمريكيين إليها شِـبه دائمة، على رغم أن الرئيس الأسد سخر علـناً من وزيرة الخارجية الأمريكية كلينتون، حين تحدثت عن ضرورة "إعادة تموضُـع سوريا الإستراتيجي إزاء إيران".

    والأمر نفسه تكرّر في العلاقة مع إسرائيل. فعلى رغم أن دمشق أوقفت المفاوضات غيْـر المباشرة التي كانت تجري بإشراف تركيا، حين قامت تل أبيب باجتياح قطاع غزة، إلا أنها حرصت على التأكيد آناء الليل وأطراف النهار أنها مستعدّة لإبرام سلام شامل وعادل في المنطقة.

    وهكذا، تحوّلت سوريا في غضون سنتيْـن إثنتين إلى نقطة تقاطع إستراتيجية لكل القوى في المنطقة، عَـدا مصر، التي لا تزال العلاقات معها تنتظر تغييراً في توجّـهات السياسة الخارجية المصرية الرّاهنة، وربما تغييراً مُـماثلاً من سوريا حيال حركة حماس.



    إلى متى؟
    لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل سيكون في مقدور سوريا مواصلة اللّـعب على هذه التناقضات وجنْـي الأرباح الصافية منها إلى أمد طويل؟ الواقع أن هذا السؤال لا يطرحه النظام السوري على نفسه.

    فهذه الإستراتيجية التي يعتبرها الكثيرون مؤقّـتة، تعتبر بالنسبة إليه إستراتيجية دائمة، بمعنى أن دمشق لا ترى دورها الإقليمي إلا على هذا النحو الأموي الوَسَطي، الذي أرسى دعائمه حافظ الأسد والذي حقّـق لها طيلة 30 عاماً كل هذا النفوذ في الشرق الأوسط.

    وفي اللحظات التي تغيّرت فيها ظروف الإمساك بالعصا من الوسط، على غِـرار ما حدث عام 1991، حين طلب الرئيس بوش الأب من الرئيس الأسد الأب حسْـم موقفه إزاء عِـراق صدام حسين، لم يتردّد الأسد في إرسال وحدات عسكرية للقتال إلى جانب القوات الأمريكية إبّان حرب الكويت، ثم عاد بعد ذلك إلى سياساته "الأموية" المعهودة.

    وتكرر الأمر نفسه مع الرئيس الأسد الإبن، ولكن بشكل معكوس. فقد ردّ على التهديدات الأمريكية له بعد غزْو العراق عام 2003، بتصعيد دعمه للمقاومات العراقية على أنواعها. ثم، وبعد أن غيّـرت واشنطن سياستها نحوه، عمد إلى إغلاق الحدود في وجه المقاتلين العراقيين وفتح أبواب دمشق على مصراعيْـها أمام الموفدين الأمريكيين، العسكريين والسياسيين.

    التطور الوحيد الذي يمكن أن يُغيّـر هذه الإستراتيجية، هو نشوب حرب إقليمية في المشرق العربي، تعمل خلالها إسرائيل على تمديد حربها ضد حزب الله في لبنان إلى سوريا، إذ حينها سيكون محتماً على دمشق طيّ أوراقها الوسطية والإنغماس في لجج معارك، دفاعاً عن وجودها نفسه، لكن هذا لا يبدو وارداً لا في هذه المرحلة ولا في تلك التي تليها. فالكل في الشرق الاوسط يبدو مسروراً من التوجّـهات السورية الراهنة، والكل ضنين بأن لا تغادر دمشق مواقعها الوسطية الراهنة، على رغم كل الضجيج الراهن حول تغيير التموضع الإستراتيجي السوري الحالي.



    سعد محيو – بيروت – swissinfo.ch
  • محمد زعل السلوم
    عضو منتسب
    • Oct 2009
    • 746

    #2
    قرار مجلس الأمن 1701 يتآكل.. فهل اقترب موعد "الحرب الإقليمية"؟

    قرار مجلس الأمن 1701 يتآكل.. فهل اقترب موعد "الحرب الإقليمية"؟
    هل بدأ العدّ العكسي لحرب إقليمية جديدة في منطقة الصراع العربي - الإسلامي مع إسرائيل للمرة الأولى منذ حرب 1973؟ سنأتي إلى مسألة الحرب الإقليمية ومفهومها بعد قليل، لكن، قبل ذلك وقفة أمام التطوّر البارز، بل والخطير، الذي نجم عن الإشتباك الأخير بين الجيشيْـن اللبناني والإسرائيلي في منطقة الحدود.


    إذ أن هذا الحدث، الذي أطلقه حادِث شجرة العدَيسة، رسم لَـوحة جديدة للصِّـراع بين لبنان وإسرائيل قد تُشجّع على الاستنتاج بأن القرار الدولي رقم 1701، الذي أوقف إطلاق النار في صيف 2006، سقط بالفعل جرّاء "سكتة قلبية".

    كيف؟ هذه بعض الدلائل:

    معركة العديسة اندلعت في قلب منطقة قوات حفظ السلام الدولية (اليونيفيل) على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية وخلال الوجود العملي لجنود هذه القوات. ومع ذلك، لم تستطع "اليونيفيل" لا منع حدوث هذا الخرق الكبير للقرار 1701 ولاحتى مدّ يَـد العون الطبّـي للجرحى اللبنانيين الذين سقطوا فيها.

    جاءت هذه المعركة المفاجِـئة بعد احتقان غير مفاجِـئ، حيث كانت "إسرائيل" تُنفّـذ منذ عام 2006 ما يزيد عن سبعة آلاف خرق للقرار 1701، برّاً وجوّاً وبحراً، تحت سمع "اليونيفيل" وبصرها.

    كما جاءت بعد الاجتياح الكبير الذي نفّـذته المخابرات الإسرائيلية للبنان، عبْـر عشرات شبكات الجواسيس التي زرعتها في كل أنحاء البلاد، ما شكّل هو الآخر خرقاً للقرار 1701، الذي نصّ على العمل على حِـفظ سيادة لبنان.

    ثم برزت في موازاة ذلك، المناوشات بين بعض أهالي الجنوب وبين الوحدات الفرنسية في اليونيفيل، لتُـثير أسئلة خطيرة حوْل الدّور والمهامّ الحقيقية للقوات الدولية.

    وفوق هذا وذاك، جاء تصريح وزير خارجية إيران منوشهر متّـكي يوم الخميس 5 أغسطس، الذي شكّـك فيه بجدوى دوْر اليونيفيل في جنوب لبنان، ليزيد الشّـكوك حول قدرة قرار 1701 على البقاء.



    البديل والحرب
    كل هذه المُـعطيات تدفع إلى الاستنتاج بأن أحداً لم يعُـد يريد القرار 1701: لا "إسرائيل"، التي اعتبرته منذ البداية هُـدنة مؤقتة بانتظار استتئناف القتال، بدليل خروقاتها المتكاثرة له وعدم انسحابها من قرية الغجر ومزارع شبعا وكفر شوبا، ولا حزب الله، الذي كان ممتعِـضاً منذ البداية من تواجُـد وحدات من حلف الأطلسي في الجنوب ولا حتى ربّـما الدول المشاركة في اليونيفيل، والتي وضع العديد منها خُـططاً طارئة للإنسحاب من لبنان إلى قُـبرص خلال يومين في حال تجدّد القتال.

    علاوة على ذلك، لفظت الظروف التي أمْـلت القرار 1701 أنفاسها. فتل أبيب، التي اضطرت لقبوله لتجنّـب كوارث عسكرية جديدة لها، انتهت من استخلاص دروس حرب 2006 وباتت مستعدّة لاستئناف الحرب، وحزب الله انهى هو الآخر استعداداته العسكرية ولم يعُـد يَـرَى في القرار أي ضمانة لمنع الخروقات "الإسرائيلية".

    ولكن ما هو بديل 1701؟ قرار آخر، على الأرجح، سيصدره مجلس الآمن استناداً إلى موازين القوى الجديدة التي ستفرزها أي حرب جديدة في لبنان. وفي الإنتظار، سيكون في المقدور من الآن فصاعداً سماع حشرجات موت 1701، أولاَ في لبنان و"إسرائيل"، ثم في باقي العواصم الإقليمية والدولية.



    الحرب الإقليمية
    نعود الآن إلى سؤالنا الأولي: هل تطل الحروب الإقليمية برأسها مجدّداً في منطقة الصِّـراع مع "إسرائيل"؟ للتذكير: هذه المنطقة لم تشهد حرباً إقليمية منذ أن وضعت حرب أكتوبر 1973 أوزارها.

    صحيح أن لبنان وفلسطين شهدتا منذ ذلك الحين سلسلة من الحروب "الإسرائيلية"، لكن هذه لم تتحوّل إلى حرب إقليمية، بل اقتصرت على مواجهات بين تل أبيب ومنظمات مسلّحة فلسطينية ولبنانية.

    وعلى رغم أن هذه المواجهات أدّت إلى اجتياح أول عاصمة عربية (بيروت عام 1982) وسقوط عشرات آلاف القتلى والجرحى في الإنتفاضتيْـن الفلسطينيتيْـن عامي 1987 و2000 وفي اجتياح غزة (موفى 2008 - بداية 2009)، إلا أن مصر والأردن حافظتا على اتفاقات السلام، فيما تمكّـنت سوريا منذ 1973 من النأي بنفسها عن التورّط مباشرة في هذه النِّـزاعات.

    بَـيـْد أن هذا المشهد الذي دام 37 سنة قد يتغيّـر الآن، بعد أن دخلت إيران على خطّ الصراع العربي - الإسرائيلي، فرفعت شعار إزالة إسرائيل واشتبكت مع هذه الأخيرة في حروب بالواسطة في جنوب لبنان. وقد أسفرت هذه الحروب عن نجاح طهران عبْـر حليفها حزب الله في تحرير أول أرض عربية بالقوة (جنوب لبنان عام 2000) وأدت إلى كشف حدود ومحدودية القوة العسكرية الإسرائيلية (حرب 2006).



    لماذا قد يتغيّـر هذا المشهد؟
    لأن الحرب الإيرانية - الإسرائيلية باتت واردة في كل حين، سواء بدأت في لبنان ثم تمدّدت إلى إيران أو العكس، وهي هذه المرة ستكون فعلاً حرباً إقليمية. فهي ستشمل ثلاث دول: إيران وإسرائيل ولبنان، وربما أربع دول في حال جرّت تل أبيب دمشق إليها، وشعاعها سيتمدّد سريعاً إلى العراق وأفغانستان وفلسطين وبعض مناطق الخليج العربي، لا بل يمكن القول أن هذه الحرب العتيدة، وعلى عكس الحروب الإقليمية في 1948 و1967 و1973، ستكون الأولى من نوعها التي ستشعل الحرائق في كل الشرق الأوسط وما بعده، وهذا يعود إلى الخِـبرة المديدة التي اكتسبتها إيران في شنّ العمليات الخاصة الأمنية والتي كبّدت الأمريكيين خسائر بشرية فادحة، على الأخص في بيروت، حين نُفّـذت عمليات انتحارية ضد ثكنات القوات الأمريكية في العاصمة اللبنانية عام 1983.

    يقول جون كولي في كتابه "الحرب غير المقدّسة"، إن إيران "مارست منذ عام 1979 سياسة المجابهة الأمنية مع الغرب، فاحتجزت رهائن أمريكيين في طهران لمدة 444 يوماً وموّلت وسلّحت معظم المنظمات "الإرهابية" في الشرق الأوسط والعالم، وهذا ما مكّنها من مدّ نفوذها الأمني على رقعة جغرافية واسعة، تخطت بكثير قُـدراتها العسكرية التقليدية والمحدودة".

    إيران الآن هي الداعم والمُـموّل الرئيسي لحزب الله وحماس والجهاد ولحركات سياسية عدّة في العراق وأفغانستان وإفريقيا وجنوب شرق آسيا، وبالتالي، فهي قادرة في أي حرب إقليمية على منح هذه الحرب بُـعداً إقليمياً ودولياً غير مسبوق.

    بيد أن المفتاح الرئيسي للنصر والهزيمة في مثل هذه الحرب، سيبقى موقع إسرائيل ودورها كـ "كنز استراتيجي" لأمريكا والغرب في منطقة الشرق الأوسط الكبير، وهو الموقع والدّور اللذان اهتزا بقوة في حرب 2006، الأمر الذي ألقى بظلال كثيفة من الشكّ في الولايات المتحدة حيالهما.



    منجم الذهب
    "إسرائيل" وحلفاؤها الكُـثر في الولايات المتحدة، يدركان هذه الحقيقة، ولذلك ينشطون بدأب الآن، كل من موقعه، للحفاظ على هذا الموقع وذاك الدّور. كيف؟

    في صيف عام 2006 وبعد أن اتّضح أن الهجوم الإسرائيلي على لبنان تعثّـر، كتب تشارلز كروثامر، أحد أبرز المحافظين الجُـدد، مقالاً غاضباً في "واشنطن بوست" تساءل فيه: "كيف سمحت إسرائيل لنفسها بأن ترتكب مثل هذه الأخطاء العسكرية الفادحة؟ ألا تعلم أن ذلك قد يكلّفها خسارة موقعها في الولايات المتحدة ككنز استراتيجي؟".

    وفي صيف عام 2010، كان الجنرال بيترايوس وبعض كبار القادة العسكريين الأمريكيين يتّـهمون تل أبيب بأنها تريد توريط الولايات المتحدة في حرب مع إيران، فيما هي مُنغمسة حتى أذُنيْـها في حربَـيْ العراق وأفغانستان، مُلمحين بذلك إلى أن إسرائيل بدأت تتحوّل من كنز إلى عِـبْـء استراتيجي.

    ومنذ ذلك الحين، نشطت تل أبيب وأنصارها الكثر في الولايات المتحدة للإثبات بأنها لا تزال كنزاً استراتيجياً: هي عبْـر شنّ حرب مُدمّـرة على غزة في موفى ديسمبر 2008 والاستعداد لجولة كُـبرى جديدة من الحرب على لبنان وربّـما على إيران، وهم، من خلال شنّ حملة إعلامية وسياسية واسعة النطاق رفعت الشعار المثير: "إسرائيل ليست كنزاً استراتيجياً لأمريكا وحسب، بل هي منجم ذهب لها أيضاً".

    هذه الحملة دارت حول المحاور التالية:
    - إسرائيل هي التي احتوت النفوذ السوفييتي في الشرق الأوسط خلال الحرب الباردة، عبر إنزال هزيمة مُذلّـة بحلفاء موسكو آنذاك: مصر وسوريا، خلال حرب 1967.

    - عملية السلام التي وفّـرتها تل أبيب لواشنطن بعد حرب 1967، سمحت لهذه الأخيرة بجعل الدول العربية معتمدة عليها وكانت وسيلة فعالة لنشر النفوذ الأمريكي في طول منطقة شرق المتوسط وعرضها.

    - التحالف الاستراتيجي الذي أبرم بين "إسرائيل وأمريكا في المجاليْـن، العسكري والاقتصادي، بعد حرب 1973، غيّـر بشكل درامي المشهد الشرق أوسطي لصالح الولايات المتحدة ومكّنها من منع نشوب أي حرب إقليمية جديدة في منطقة الصراع العربي - الإسرائيلي، ناهيك عن أنه قلّـص هذا الأخير إلى مجرّد صراع فلسطيني - إسرائيلي.

    - وأخيراً، إسرائيل هي أهَـم قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط. فالجيوش الأمريكية تُخزّن جُـلّ عتادها فيها وتستخدم مطاراتها وموانئها، إما لشن الحروب في منطقة الخليج أو لاستعراض عضلاتها العسكرية في مياه المتوسط وبحر العرب.



    الإختبار الكبير
    كل هذه المُـعطيات قد تكون صحيحة، لكنها لا تنفي الحقيقة بأن إسرائيل ستكون هذه المرة أمام اختبار كبير قد يُحدّد مصير دورها ككنز أو منجم ذهب استراتيجييْـن.

    فإذا ما نجحت في الحرب الجديدة وحقّـقت فيها كل أو بعض أهدافها السياسية، سيكون في وُسع أنصارها في الولايات المتحدة تثبيت موقعها بكونها أهم حليف إستراتيجي في الشرق الأوسط.

    أما إذا ما فشلت وبانت مرّة أخرى حدود ومحدودية قوّتها العسكرية، فهذا سيدفع واشنطن إلى إدخال تعديلات جِـذرية على توجّـهاتها الشرق أوسطية، باتّـجاه الاعتماد على قوى إقليمية أخرى، كتركيا ومصر، بدلاً من "إسرائيل"، وهذا لن يكون أمراً جديداً. فطيلة الخمسينيات والستينيات، كانت واشنطن تعتمد على إيران الشاهنشاهية للقِـيام بدور الشّـرطي الإقليمي.



    سيناريوهات
    ماذا الآن عن السيناريوهات المُحتملة للحرب الإقليمية؟ أكبر دليل على أن الحرب الإقليمية القادمة في الشرق الأوسط ستكون إقليمية لا محلية، هي أن محورها ونقطة البداية والنهاية فيها ستكون إيران.

    كيف؟ لندقق معاً أولاً في سيناريوهات "حرب لبنان الثالثة" التي وضعها المحلّـل الاستراتيجي الأمريكي دانييل كيرتزر قبل أيام، والتي حدّد فيها سيناريوهان اثنان:

    الأول، يبادر فيه حزب الله إلى إشعال فتيل الحرب لتجنّب فتنة داخلية في البلاد من جرّاء المحكمة الدولية وما قد يُسببّه رحيل السيد محمد حسين فضل الله من انقسامات أيديولوجية وسياسية أو يمكن أن تدفع إيران حزب الله إلى مهاجمة إسرائيل كوسيلة لتخفيف الضغوطات الدولية الهائلة عليها. وفي كلا الحاليْـن، سيحاجج حزب الله بأنه يرد على الخروقات الجوية أو استفزازات إسرائيلية على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، تؤدّي إلى وقوع خسائر بشرية لبنانية. حتى الآن، أبدى حزب الله ضبطاً كبيراً للنفس إزاء الخروقات الإسرائيلية، لكن هذا قد لا يدوم طويلا وقد يحسب حزب الله أو إيران في لحظة ما بأن من مصلحتهما في هذه المرحلة إيقاد أتون الحرب.

    في السيناريو الثاني، تبادر إسرائيل إلى استدراج حزب الله إلى الحرب لتدمير قدراته التي تهدّد أمنها، وهي قد تُقَـرر خفض قدرات الحرب العسكرية، بهدف حرمان طهران من فرص توجيه "الضربة الثانية" إليها، إذا ما حزمت أمرها حيال قصف المفاعلات النووية الإيرانية، كما في وسع تل أبيب استخدام نزاعها مع حزب الله كغطاء لهجوم جوّي على المفاعلات الإيرانية.

    كما هو ملاحظ، إيران ستكون مِـحوَر أي حرب جديدة في المشرق العربي، سواء بادرت إسرائيل إليها أو مهّـد لها حزب الله، لكن السؤال الكبير هنا هو: أين ستبدأ الحرب الإقليمية: في لبنان أم إيران؟

    السؤال هام للغاية، على رغم أن الجبهتيْـن، الإيرانية واللبنانية، متَـصلتان إتصالاًَ وثيقاً، لأنه يتعلّق بموقع سوريا (أو لا موقعها) في الحرب. فالبدء بضرب إيران أولاً عبْـر هجمات تبدأ إسرائيلية وتنتهي أمريكية، قد يدفع سوريا إلى الوقوف على الحياد بانتظار جلاء غُـبار المعركة، لمعرفة ما إذا كان الإيرانيون سيصمدون أم لا. أما إذا ما انطلقت الحرب من لبنان، فثمّـة احتمال لا يجب الاستهانة به، بأن تقوم إسرائيل بجرّ سوريا إلى الحرب بهدف جعلها طرفاً رئيسياً في عملية نزع سلاح حزب الله.

    مبرّر جرّ سوريا متوافر: ما يقال عن وجود معسكرات تدريب لحزب الله على الأراضي السورية على صواريخ من طراز أم-600 (التي تستطيع حمل رأس مع جهاز توجيه وزنه 500 رطل لمسافة 155 ميلاً) وصواريخ سكود (التي تستطيع ضرب أهداف إسرائيلية من مخابئ بعيدة في شمال لبنان). كما أن المبرر الاستراتيجي متوافر أيضاً: قطع دابِـر التحالف السوري - الإيراني بشكل حاسم عبْـر تهديد أمن النظام السوري.

    لمن ستكون اليَـد العُـليا في هكذا حرب؟ البدايات ستكون حتْـماً لصالح "إسرائيل" وأمريكا، لكن، وكما أثبتت تجارب حربَـي العراق وأفغانستان، العِـبرة في النهايات لا البدايات، وهنا، سيعتمد الكثير على إذا ما كانت إيران ستصمد في هذه الحرب أو ما إذا كانت ستترك حزب الله يواجه وحيداً القوة الإسرائيلية إذا ما بدأت الحرب في لبنان، وهذا "الكثير" لا يزال كمّـاً مجهولاً حتى الآن.



    سعد محيو – بيروت – swissinfo.ch

    تعليق

    • محمد زعل السلوم
      عضو منتسب
      • Oct 2009
      • 746

      #3
      عين الطير.. وعين الحلزون.. والحرب الإسرائيلية القادمة؟

      عين الطير.. وعين الحلزون.. والحرب الإسرائيلية القادمة؟

      هل قـدر لبنان أن يكون في حالة "حرب تحرير" دائمة؟"، هذا السؤال أطـلّ برأسه بقُـوّة مع العيد العاشر لذكرى المقاومة والتحرير، الذي احتفى به لبنان يوم الثلاثاء 25 مايو 2010، وهو سؤال في محلِّـه وعلى كل المستويات.


      فعشية العيد، كانت الدولة العِـبرية تقوم بأضخَـم مناورات دِفاع مدني فيها منذ عام 1948، كانت هي نفسها أيضاً أضخم مُـناورات دبلوماسية. فنتانياهو وبقية السّـرب العسكري والمدني الإسرائيلي، كانوا حريصِـين على إبلاغ كل لبنان وسوريا بأن هذه المناورات ليست تمهيداً لعمل عسكري وشيك، بل هي مجرّد إجراء سنوي "روتيني مُقرّرْ سلفاً"، لكن، هل يمكن حقاًَ أن تتكبّـد تل أبيب كل الأكلاف الباهظة المُتضمّـنة في تمارين تشّـل كل النشاطات المدنية والاقتصادية طيلة خمسة أيام كاملة لمجرّد السّـير في رِكاب "الرّوتين"؟

      وفي اليوم التالي لبدء المناورات، كان زعيم حزب الله يتوّعد بضرب كل السّـفن الإسرائيلية العسكرية والمدنية، في حال شنّـت الدولة العبرية حرباً جديدة وحاصرت مرّة اخرى السواحل اللبنانية، وهذا بالطبع سيقرع العديد من أجْـراس الإنذار في إسرائيل.

      لقد حاول الجنرال غادي أيشنكوت، قائد الجبهة الشمالية التطمين بأن تل أبيب "تُـريد الحفاظ على الهدوء الذي ليس له مثيل في منطقة الجليل منذ تأسيس الدولة"، لكن هذا التطمين لم يُطمئِـن أحداً، خاصة وأن هذا الأخير أردف قائلا: "السؤال الآن، هو متى سيندلِـع النزاع الجديد وما طبيعة الحدَث الذي سيُشعِـل هذا النزاع؟".

      بالطبع، حزب الله لا يُـعوّل لا على التّـطمينات ولا على البيانات العامة الإسرائيلية، لا بل هو يعتبِـر أن هذه التطمينات ربّـما تكون جزءً من عملية تمْـويه إستراتيجي، تسبق عادة الهجوم العسكري، وهذا أمر يصحّ أكثر ما يصح على إسرائيل، التي تُطبّـق منذ أمَـد طويل مبدأيْ الحروب الاستباقية والوِقائية.

      تبرير إسرائيل لشنّ الحرب الجديدة، هو التهديد الذي تشكّـله صواريخ حزب الله على أمنها"، لكن، حتى ولو لم تكُـن هذه الصواريخ موجودة، ستجِـد تل أبيب مُـبرّراً للحرب طالما أنها لم تدمج هذه الأخيرة في بِـنية إمبراطوريتها الصغيرة في المشرق العربي، وهذا أمر خَبره مَـن تَـعاطى مع إسرائيل في لبنان.

      فغداة غزو عام 1982، اختبر سياسيون لبنانيون النَّـوايا الإسرائيلية على الطبيعة واكتشفوا أنها لا تقل عن كونها خطّـة مُحكمة وطويلة الأمد، لتحويل لبنان إلى مُستعمَرَة حقيقية، سياسياً واقتصادياً وأمنياً، مقطوعة الصِّـلة بعُـمقها العربي وتابعة بشكل مباشر لـ "المركز" الإسرائيلي، وهذا ما جعل هؤلاء السّـاسة يرفضون هذه الصِّـيغة، فكان هذا أحد أسباب نِـقْـمة تل أبيب على كلّ مسيحيي لبنان. ثم هناك دافع آخر لتل أبيب: مِـياه الليطاني وبقية الأنهار اللبنانية.

      فإسرائيل، كما هو معروف، تُـعاني من شُـحٍّ كبير في المياه، ولولا الجولان، الذي يمدّها برُبع احتياجاتها والضفة الغربية التي توفّر نِـصف هذه الإحتياجات، لكانت فلسطين 48 قد أصبحت الآن قاعاً صفصفا، وهي على أي حال ستصبح كذلك في وقت لاحق، مع ازدياد عدد سكانها والتوسّـع الكبير في اقتصادها، ما سيجعل حاجتها إلى مياه الليطاني في حُـكم المؤكد.

      ولأن لبنان يحتاج هو الآخر إلى كل قَـطرة ماء في أرضه (البقاع الشمالي يُـعاني من القحْـط)، فهو سيرفض تضمين أي اتفاقية سلام، بنداً يتعلّـق بالماء، الأمر سيعني أن الحرب ستكون خِـيار تل أبيب الوحيد للسيْـطرة على المياه.



      الحزب وإيران
      هذه نقطة. وثمة نقطتان أخريان تجعلان من الحرب الإسرائيلية، ومن ثَـمَّ حرب التحرير مجدّداً، أمراً حتمياً: الأولى، هي طبيعة وأهداف ومتطلّـبات الإستراتيجية التي ينتهِـجها حزب الله. والثانية، طبيعة وأهداف وإيديولوجية إسرائيل نفسها. النقطة الأولى باتت واضحة للعِـيان: إستراتيجية حزب الله ترتبِـط ارتباطاً وثيقاً بالإستراتيجية الأوسَـع للقوة الإقليمية الصاعدة في الشرق الاوسط العربي.

      فالأولى جزء لا يتجزّأ من الثانية، على رغم الاستقلالية النِّـسبية التي يتمتّـع بها الحزب في القضايا التي لا تمسّ الأمن القومي الإيراني المباشر، والتي تتعلّق بمصالح الحزب، بكونه الممثّل السياسي الأول للطائفة الشيعية اللبنانية.

      بالطبع، حزب الله، وعلى رغم انتمائه العَـلني للولي الفقيه الإيراني الإمام خامنئي، بوصفه مرجعه الأول والأخير في أي قرار يتّـخذه، لا يستطيع أن يقول لجمهوره الشيعي بأنه جُـزء من منظومة الدفاع والهجوم الإيرانية، لأنه لو فعل، سيفقد فوراً حظوته لدى هذا الجمهور. ما يستطيع أن يقوله الحزب في هذا المضمار، هو الحديث العام عن المشاركة العامة لإيران، كما لسوريا، في عملية الممانعة ضدّ الهيمـنة الأمريكية والإسرائيلية على المنطقة، لكن هذا التوجّه لا يلغي الإطلالة الأمريكية والإسرائيلية على الحزب، بوصفه حلقة رئيسية من حلقات الصِّـراع الغربي مع إيران.

      وهنا، قد يكون كافياً الإشارة إلى ما أوردته صحيفة فاينانشال تايمز الرزينة حيال هذا الأمر قبل أيام (25 مايو 2010)، جاء فيه: "يقول المحللون والمسؤولون في بيروت بأنه، على رغم أن الحرب لا تبدو وشيكة بين إسرائيل وحزب الله (على الأقل خلال هذا الصيف)، إلا أن الأزمة الأوسع في المنطقة حول برنامج إيران النووي والحقيقة بأن حزب الله هو أهم حليف لإيران في الشرق الأوسط، قد يتسبّـبان في اندلاع حرب جديدة في لبنان". واضح؟ يفترض ذلك. نأتي الآن إلى النقطة الثانية: طبيعة إسرائيل وطبائعها.



      مزيد من التطرف
      المجتمع الإسرائيلي، وبسبب الطبيعة العسكرية - الأمنية لنشأته والمُـعطيات العنصرية - الأصولية لتركيبته، بات التطرّف الدائم أشبه بطبيعة ثانية فيه، ثم أن اليهودية نفسها قد تكون أكثر حركة دِينية في التاريخ، مُـنتِـجة للأصوليات المتطرِّفة.

      ونحن هنا، لا نتحدث فقط عن عُـقدة الإنتحار الجماعي (الماسادا)، التي قادها أصوليون يهود ولا عن حركات عُـنصرية مثل "غوش إيمونيم"، التي اختارت من بين الـ 613 ميتزفاه (أو واجب توراتي) واحداً فقط، هو تشريع القتال في بعض الأحيان ورفعته فوق الأخريات لتبرِّر استيطان "كل أرض إسرائيل" وإبادة كل الفلسطينيين، بل أيضاًَ عن الأصولية العِـلمانية الصهيونية التي كانت مَـزيجاً فريداً من الأساطير الدِّينية التلمودية ومن التاريخانية العِـلمانية القومية.

      كتب ماكسيم غيلان، الكاتب والصحفي والشاعر الإسرائيلي المعروف: "ثمة أنظمة مجنونة كثيرة في العالم، لكن ليس كما النظام الإسرائيلي. فهذا الأخير يَـعتبِـر "العالم كلّه ضدنا" ويعلّم أطفاله أغنية تقول هذا الشيء بالذات. ليس ثمّـة دولة أخرى كإسرائيل تهدّد بتدمير العالم من خلال حرب نووية أو من خلال ارتكاب انتحار جماعي (عقدة الماسادا). نعم، الإسرائيليون يستطيعون تدمير العالم أو إشعال حرب عالمية تدمّـره، والمؤسسة العسكرية الإسرائيلية تمتلك الوسائل الضرورية لذلك".

      علاوة على ذلك، تُـشير كلّ المُـعطيات الرّاهنة، إلى أن المناخات الأيديولوجية - النفسية الإسرائيلية، غير مؤهلة لإخضاع محظورات الأيديولوجيا اليهودية - الصهيونية إلى ضرورات الإستراتيجيا الأمريكية في الشرق الأوسط. هذه المحظورات لا تزال تتمسّـك بفكرة "الحرب الدائمة" أو "الصراع الأزلي" مع الغوييم (أي غير اليهود)، وهي بقيادة نُـخبة من أبرز حاخامات اليهود الذين يكبر نفوذهم الحربي، كلَّـما اقتربت مشاريع السلام.

      الحاخام شنيرسون على سبيل المثال، كان على رأس هؤلاء. ففي عام 1974 عارض بشدّة السلام مع مصر والإنسحاب من منطقة السويس ووعد الإسرائيليين بـ "معاملة الهية خاصة"، إذا ما واصلوا احتلال الأرض. وبعد وفاته، لعِـب آلاف من مؤيِّـديه دوراً مهمّـا في النصر الانتخابي الذي حقّـقه بنيامين نتانياهو، وشكّـلوا جماعة "شباب حاسيد"، أكثر الجماعات تطرّفا، التي كان باروخ غولدشتاين، قاتل الفلسطينيين في الخليل، من أعضائها.

      ويعلَق إسرائيل شاحاك ونورتون مزفينسكي على مواقف شنيرسون بالقول: "إذا ما استبدلْـنا كلمة "يهودي" بـ "ألماني" أو "آري" وكلمة "غير يهودي" بـ "يهودي"، فإن موقفه يصبح هو ذاته العقيدة التي جعلت أوشوفيتز (المُـعسكر النازي لإبادة اليهود) مُـمكناً في الماضي. العرب بالنسبة لـ "اليهود الرسوليين"، هم ما كان اليهود بالنسبة للنّـازيين".

      ويقول أعضاء جماعة غوش ايمونيم "إن ما يبدو على أنه مصادرة لأراضٍ يملِـكها العرب من أجل استيطان اليهود، ليس سرقة، بل عملاً مُـقدّساً. فالارض بالنسبة إليهم تُنقَـذ (عندما تنتقل من أيدٍ شيطانية إلى الدائرة الإلهية)".

      ويؤكِّـد حاخامو غوش ايمونيم، أنه يتعيّـن على هذه الفرقة الرسولية أن تقود اليهود الذين أفسدتهم الثقافة الغربية بعقلانيتها وديمقراطيتها، والذين يرفضون التخلّـي عن عاداتهم الحيوانية لاعتناق الإيمان الصحيح. وبالإمكان استِـخدام القوة حتى ضدّ اليهود أنفسهم، متى كانت ضرورية، للمُـضي قُـدُما في هذا المشروع.

      الأصوليون اليهود يؤمنون أن الله أعطى كل أرض إسرائيل (بما فيها لبنان الحالي ومناطق اخرى) إلى اليهود، أما العرب الذين يعيشون في إسرائيل، فإنهم لُـصوص. وقد نشَـر القائد الأصولي الحاخام إسرائيل ارييل أطلساً يعين فيه الأراضي التي يوجد فيها يهود، والتي تحتاج إلى " تحرير"، وهي تتضمّـن كل المناطق غرب وجنوب نهر الفُـرات، وتمتدّ إلى غالبية الأراضي السورية والعراقية وحتى الكويت.

      حاخام آخر، هو شلومو افينير يقول: "يجب أن نعيش في هذه الأرض حتى لو كان الثمن حرباَ. وأكثر من ذلك، حتى لو كان هُـناك سلام، يجب أن ندفع باتِّـجاه حروب تحرير بهدَف الإستيلاء على الأرض".

      أما فيما يتعلّـق بباروخ غولدشتاين وقتلِـه لـ 29 مُـصَـلياً عربياً، فإن الأصوليين اليهود يرفُـضون اعتبار عمله جريمة، لأنه طِـبقا للحالاشا "قتل يهودي لغير يهودي في أي ظرف كان، ليس جريمة. قد يكون ممنوعاً لأسباب أخرى، خاصة إذا كانت تلك الأسباب تتعلّـق بخطَـر على اليهود". وعند سؤاله ما إذا كان آسِـفا لمقتل العرب، قال الحاخام النشِـط موشي ليفنغر: "أنا آسف، ليس فقط على الموتى العرب، بل أيضا على الذّباب الميِّـت".



      أين يهود العالم؟
      رُبَّ قائلٍ هنا: صحيح أن هذه الجماعات الأصولية اليهودية المتطرِّفة عالية الصّـوت، لكنها مثلها مثل الأصوليين المتطرِّفين الإسلاميين، عاجزة عن فرْض برامجها ورُؤاها، إنها جُـمَـل إعتراضية عابِـرة، أكثر منها جُـمل مُـفيدة ثابتة.

      ربما كان ذلك صحيحاً، لكن، حين تمتزِج مناخات التكفيريين اليهود بمناهِـج التعليم الإسرائيلية التي يستنِـد بعضها إلى التّـلمود، وحين يكون رفض قيام دولة فلسطينية حقيقية هي نقطة الإجماع الكُـبرى بين كل ألوان الطّـيف الإسرائيلي، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، فأي سلام مع العرب يُـمكن أن يتحقّـق في مثل هذه الأجواء؟ ألَـن يكون حينذاك الحَـرث في البحر الميِّـت أسهَـل من زرع نبتة سلام على ضفاف نهر الأردن المحتلّ؟

      ورُبّ قائلٍ أيضاً أن يهود إسرائيل ليسوا كل يهود العالم وأن هؤلاء الأخيرين، كما دلّ على ذلك بيان المجموعة الأوروبية اليسارية "جاي كول" Jcall والمجموعة اليهودية الأمريكية "جاي ستريت" Jstreet، اللذان دعيا إلى إنهاء الاحتلال والتوسّع الإسرائيلييْـن في الضفة الغربية وشرق القدس، يسيرون في خطٍّ معاكِـس لسياسات يهود إسرائيل. وهذه وجهة نظر تبدو لوَهلة سليمة.

      فاليهود العالميون، إذا ما جاز التّـعبير، يروْن العالم عبْـر عينَـيْ طيْـر محلق، بسبب وجودهم في معظم مراكز القرار المالي والمصرفي والإعلامي والأمني الدولي، فيما اليهود الإسرائيليون مضطرّون للبقاء قريباً من مستوى سطح أرض الشرق الأوسط الوعْـرة.

      الأوائل يتحكّـمون بمُـعظم مال العالم وإعلامه من وراء مكاتبهم، وهم يرتدون أكثر الملابس أناقة، فيما الأخيرين ينشطون وهُـم يرتدون الخاكي، فيشنّـون الحروب تِـلْـو الحروب وينفقون الأموال الطائلة على الأجهِـزة الأمنية والعسكرية، التي هي السّـلطة الفعلية في إسرائيل.

      عيْـن الطير اليهودية العالمية إذن، ترى غيْـر ما تراه العيْـن اليهودية الإسرائيلية، وبالتالي، برامجها السياسية والإستراتيجية أضخَـم بكثير من برامج الحركة الصهيونية الإسرائيلية. صحيح أن هدف الطرفيْـن واحد في النهاية، وهو الإمساك بالعالم من خِـناقه، إلا أن تبايُـن المواقع يؤدّي أحياناً إلى تبايُـن الاجتهادات، ولدينا هنا عيِّـنة على هذه الفرضية.

      كلنا نعرف بالطبع جيمس ولفينسون، إنه أشهر من نارٍ على عَـلَـم: رئيس البنك الدولي لعشر سنوات وبعدها مندوب اللجنة الرّباعية الدولية (أمريكا وأوروبا والأمم المتحدة وروسيا) لأحد عشر شهراً، ثم إنه كذلك يهودي أسترالي أصبح أمريكياً عام 1980. صعد إلى مناصب السلطة العالمية بسُـرعة قد تبدو عجيبة في البداية، من كونه موظّـفاً صغيراً في قسم الإستثمارات المصرفية في سيدني إلى رئيس البنك الدولي في نيويورك، لكن العجب يزُول حين نعرف أنه كان ( ولا يزال) من أشدّ المتحمِّـسين للفِـكرة الصهيونية.

      ويلفينسون هذا نطق أخيراًً بعد صمْـت طويل وأدلى لصحيفته المفضلة "هآرتس" بحديث مطوّل عن تجربته كممثل للَّـجنة الرّباعية في الشرق الأوسط، فلندقِّـق معاً بأهَـم منطوقاته:

      1- النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، ليس مركزياً بالنسبة لمستقبل العالم. ففي النهاية، سيكون على الإسرائيليين والفلسطنيين الاعتراف بأن عددهم معاً لا يتعدّى الـ 11 مليون نسمة وسط بحر من 350 مليون عربي، وهذا العدد الأخير، سيتضاعَـف خلال 10 إلى 15 سنة. الوقت لا يعمل لصالح الطرفيْـن (لاحظ هنا أن ويلفينسون يفصِـل بين العرب والفلسطينيين).

      2- سيأتي وقت يُـدرك فيه الإسرائيليون والفلسطينيون أنهم جزء من مسرحية هامشية، وأن السياسات العالمية الحقيقية تتمحوَر حول سياسة الحرب وسياسة الأسلحة النووية ووزن العامل الديموغرافي (السكاني).

      3- يتجنَّـب ويلفينسون الردّ على سؤال حول ما إذا كان تدهْـور وضع إسرائيل سيؤدّي إلى قيام نظام عُـنصري كامل فيها، لكنه يُـلفت إلى وجود نزيف أدمِـغة في الدولة العبرية وأيضاً إلى النفقات الهائلة للجيش وأجهزة الاستخبارات، وإلى إستنزاف حيوية الخلق والإبداع لدى الشباب الإسرائيلي في الخدمة العسكرية الطويلة.

      4- وهل غيّرت تجربته في إسرائيل رَأيه في الصهيونية والدولة العبرية؟ يردّ ويلفنسون بالنفي، لكنه يُـعاود التشديد مرّة أخرى على أن الصِّـراع الإسرائيلي – الفلسطيني مجرّد مشهَـد هامشي في مسرحية عالمية أوسع. إنه، برأيه، مشهَـد في قرية صغيرة، وليس مسرحية في برودواي.

      هل دقّـقنا تماماً في كل كلمة قالها وليفنسون؟ إنه يقول إن الكرة الأرضية كلّـها يجب أن تكون ساحة الفِـعل لليهود، لا فقط الرّقعة الجغرافية الصغيرة التي إسمها فلسطين والتي ستُـحاصَـر عمّـا قريب بأمواج من نحو 700 مليون عربي، وهذا بالطبع منطِـق يتناقَـض حرفاً بحرف مع المنطِـق الإسرائيلي.

      ومع ذلك، يتمسّك ويلفينسون بإستمرار دعْـمه للمشروع الصهيوني، كما يفعل باقي قادة النُّـخبة اليهودية التي تحكُـم العالم، من آل روتشيلد إلى آل روكفيلر ومورغان. لماذا؟ العادة سبَـب. العواطف سبب آخر. مصالح المافيات والمصرفيين العالميين والإستخبارات الإسرائيلية والغربية، سبب ثالث، لكن، وفي وقت ما قد يصل اليهود العالميون إلى الإستنتاج بإنه ربّـما يتعَيّـن عليهم إعادة النظر في دوْر إسرائيل في الشرق الأوسط والعالم، بدلاً من أن يكون يهود العالم في خِـدمة إسرائيل، يعمل يهود إسرائيل لخِـدمة السلطة العالمية اليهودية.

      متى يمكن أن يحدُث ذلك؟ ليس على الأرجح قبل أن تتخبّـط إسرائيل في حربيْـن أو ثلاثة أخرى، إذ حينها قد يرى رفْـض ويلفينسون هدْر "طاقة الإبداع" الإسرائيلية في المدفع (الشؤون العسكرية)، بدل الزبدة (الشأن المالي)، بعض تطبيقاته العملية.



      فكّـكوا إسرائيل
      وعلى أي حال، هذا المنطِـق الذي يطرحه ويلفنسون و"جاي كول" و"جاي ستريت"، يتناقض حرفاً بحرْف مع المنطِـق الصهيوني الذي يحرِص هؤلاء "العالميون" على عدم إغضابه. ولذا، نراهُـم يتوقّـفون أمام خطٍّ أحمر لا يتجاوزونه، فيكتفون بتوجيه النصائح الخجولة ليهود إسرائيل بدون محاولة إدانة الصهيونية أو حتى نقْـدها.

      لكن أحد "اليهود العالميين" عبَـر مؤخّـراً هذا الخط وأعلنها بصراحة: لا حلّ حقيقي ليهود إسرائيل ولإسرائيل نفسها، سوى بتفكيك الصهيونية وإلغاء الدولة العبرية وإقامة دولة فلسطينية - إسرائيلية ديمقراطية مشتركة. هذا اليهودي، هو اليساري الأمريكي جويل كوفل، ودعوته هذه جاءت في كتاب مُـثير بعنوان "التغلّـب على الصهيونية"، أحدث منذ صدوره قبْـل أشهر وما يزال، ضجّـة كبرى في الولايات المتحدة والغرب.

      كوفل ينطلِـق من الأسئلة الآتية: كيف تَـوَرَّط اليهود الذين ارتبط تاريخهم منذ القِـدَم بالعذاب والأهداف الأخلاقية العليا، بدولة-أمة (إسرائيل) مكروهة في كل العالم لقمعها وإخضاعها شعباً أصلياً (الفلسطينيون)؟ لماذا اختارت أغلبية مهمّـة من اليهود أن تُـعادي الرأي العام العالمي بهدف دعْـم دولة حوّلَت أراضيها المحتلة إلى معسكر اعتقال ضخم ودفعت سكان هذه الأراضي إلى العنف الانتحاري؟ لماذا تنسى الصهيونية في خِـضمِّ حملتها على الإرهاب، أن ثلاثاً من رؤساء حكوماتها خلال السنوات الأخيرة كانوا إرهابيين موصوفين (بيغن وشامير وشارون)؟

      ومن هذه الأسئلة الأولية، تتدفّـق الإجابات: خلق دولة إسرائيل عام 1948 كمُـستعمرة للمستوطنين الذين أقاموا دولة يهودية نقِـية، كان كارثة متعدّدة الأوجه. كان خطأً قاتلاً يجب تصحيحه سريعاً عبْـر نزع الطابع الصهيوني عن إسرائيل ودمْـجها في الشرق الأوسط.

      كوفل لا ينفي يهوديته، بل هو يفاخِـر بها. يقول: "أي يهودي أنا؟ هل أنا يهودي سيّء للغاية وأكْـره نفسي كما يقول عنّـي الصهيونيون؟ كلاّ. أنا أنتمي إلى ما وصفه إسحاق دويتشر بنادي "اليهودي اللايهودي"، وهو نادٍ يضمّ أيضاً كارل ماركس وإسبينوزا وفرويد وبراوست وأينشتاين وكافكا وروزا لوكسمبورغ. ومن هذا الموقع، يرفض كوفل أن تكون إسرائيل يهودية كما تريدها الصهيونية. كما يرفض أصلاً أن يبقى اليهود في إسرائيل أسْـرى جدران دولة عنصرية منهمِـكة في سلسلة حروب لن تنتهي ضدّ جيرانها.

      وكتب يقول: "لا نستطيع إلا أن نصِـل إلى الإستنتاج الواضح بأنه يتعيّـن إعادة التفكير بالإستثنائية اليهودية كما تتجلّـى في إسرائيل وأن تكون إعادة التفكير هذه أساس أيّ سلام دائم وعادِل في الشرق الأوسط. حان الوقت للشعب اليهودي كي يستأنِـف نِـضاله من أجل الوصول إلى العالمية".

      الوصول إلى العالمية؟ أليْـس هذا أيضاً ما يدعو إليه اليهودي العالمي الآخر جيمس ويلفونسون؟ كيف يمكن لكوفل الماركسي وويلفونسون الرأسمالي أن يتوصّـلا إلى النتيجة نفسها؟

      لا نريد هنا أن نستدْعِـي روح "نظرية المؤامرة"، لكن، حتى ولو فعلْـنا، لن نجانِـب جادّة الصّـواب، إذا ما إستنتجنا بأن اليهود العالميين، على اختلاف أجنداتهم الأيديولوجية، ينظرون إلى الصهيونية على أنها مشروع فاشِـل أو حتى تافِـه. وكيف لا يكون ذلك، إذا ما كان اليهود قادرون (كما يريد كوفل) على تزعم الحركة الإنسانية والديمقراطية العالمية أو إقامة "النظام العالمي الرأسمالي الجديد" ( ما يطمح إليه ويلفينسون)، فيما يهود إسرائيل يستثيرون بعُـنفهم واستعماريتهم ومحدوديتهم الجغرافية، كراهية العالم ولاساميته؟

      إنها مجدّداً مقاربة عيْـن الطير اليهودية العالمية، في مقابل مقاربة عيْـن الحلزون اليهودية الصهيونية. وبالطبع، الفرق شاسع بين ما يراه الطير وما يختبره الحلزون! وهذا الحلزون يستعدّ حسبما يبدو لحرب جديدة في لبنان أي أن على الجمهور أن يستعد بدوره لحرب تحرير جديدة!



      سعد محيو – بيروت – swissinfo.ch

      تعليق

      • محمد زعل السلوم
        عضو منتسب
        • Oct 2009
        • 746

        #4
        سوريا وتركيا: انقلاب تاريخي؟

        سوريا وتركيا: انقلاب تاريخي؟

        ماذا بعد إزالة "الحدود المُـصطنعة" (على حدّ تعبير وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو) بين سوريا وتركيا؟ السؤال يبدو كبيرا، لأن ما حدث في منتصف شهر أكتوبر بين الأتراك والسوريين، كان كبيراً حقاً.


        وهنا، ليس المقصود فقط إلغاء التأشيرات على الحدود بين البلدين، رغم الأهمية الفائقة لهذه الخطوة، بل ثلاثة أمور دُفعة واحدة: القفز فوق معضِـلة لواء الاسكندرون السوري المُـحتل، والاتفاق على إجراء مناورات عسكرية كبيرة بين البلدين على الحدود السورية – التركية - العراقية، وإبرام اتفاق استراتيجي تضمّـن 40 بروتوكولاً، غطّـى تقريباً كل مجالات التعاون بين البلدين.



        إسرائيل شطْـران
        الدّلائل العميقة لهذه التطورات برزت في ردود الفعل الإسرائيلية، حيث كانت المفاجأة شِـبه تامّـة بالفعل.

        فبدلاً من المناورات العسكرية الإسرائيلية - التركية المشتركة في إطار تدريبات حِـلف شمال الأطلسي، التي تحمِـل إسم "نسر الأناضول"، سيتِـم إجراء مناورات عسكرية سورية – تركية، وأين؟ على الحدود السورية والعراقية والتركية، التي تقع على مرمى حجر من العُـمق الإسرائيلي.

        وبدلاً من تعزيز التعاون الإستراتيجي التركي - الإسرائيلي، يتِـم ترقية التعاون الإستراتيجي السوري – التركي، ليس هذا وحسب، بل يجري أيضاً فتح الحدود من دون تأشيرات بين البلدين، بصفتها "حدوداً مصطنعة"، على حدّ تعبير وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو.

        وبعد هذه المفاجأة، التي ربّـما تُـوازي في أهميتها مفاجأة حرب أكتوبر 1973، جاء دور الأسئلة الخطيرة في تل أبيب: هل هذه بداية نهاية التحالف الإستراتيجي التاريخي بين تركيا وإسرائيل والذي استمر بلا انقطاع نيفاً و60 عاماً؟ وهل الجيش التركي، الذي كان المُـستفيد الأول من هذا التحالف، عسكرياً ولوجستياً، موافق على هذا الانقلاب؟ ثم: أين الولايات المتحدة من كل هذه التطورات الدرامية في الشرق الأوسط؟

        المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة انشطرت قِـسمين إزاء هذه الأسئلة القلقة. ففي ضفّـة وقْـف وزير الدفاع إيهود باراك ليحذّر الإسرائيليين من مغبّـة تصعيد الموقف مع أنقرة، قائلاً خلال اجتماع مُـغلق للقيادات العسكرية والمدنية الإسرائيلية، إن "العلاقات بين تركيا وإسرائيل استراتيجية وقد تمّ الحفاظ عليها لعشرات السنين. ورغم كل عمليات الصعود والهبوط الراهنة، إلا أن تركيا لا تزال لاعِـباً مركزياً في المنطقة، وبالتالي، ليس من المناسب الانجِـرار إلى انتقادها".

        بعض جنرالات إسرائيل يوافِـقون على هذا الرأي، ويقولون إن قرار تركيا منْـع إسرائيل من المشاركة في مناورات "نسر الأناضول" الجوية الأطلسية في مدينة قونيا التركية، في وسط الأناضول (والتي انسحبت منها الدول الغربية احتجاجاً على استبعاد إسرائيل)، لم يصدر عن رئيس الحكومة التركية أردوغان، بل عن قيادة الجيش التركي. لماذا؟ لأن المؤسسة العسكرية التركية، برأيِـهم، كانت غاضِـبة من تأخّـر تل أبيب في تسليمها طائرات تجسّـس من دون طيار، كانت أنقرة اشترتها قبل أكثر من سنتين.

        وبالتالي، فإن خطوة استبعاد إسرائيل من المناورات، لم يكن لها أبعاد سياسية، سببها الممارسات الإسرائيلية في قطاع غزة، بل تتعلق بالأمن العسكري التركي، خاصة وأن الجيش يحتاج إلى هذه الطائرات بشدّة لمواصلة حربه ضد حزب العمّـال الكردستاني.

        على الضفة الثانية من الجدل، تمترس الصقور الإسرائيليون الذين يروْن إلى التغيّـرات التركية على أنها جزء من برنامج إسلامي طوّره حزب العدالة والتنمية التركي، ذو الجذور الإسلامية، وهو برنامج يتناقض بنداً ببند مع التحالف الإستراتيجي مع إسرائيل.

        ولكي يوضح هؤلاء وجهة نظرهم، يقولون إن السياسة التركية قبل وصول حزب العدالة إلى الحكم عام 2002، كانت تحبِّـذ إلى حدٍّ كبير العلاقات الوثيقة بين أنقرة وتل أبيب، والتي كانت تترجم نفسها في التعاون الكامل في المجالات الاستخبارية والعسكرية والسياسية والاقتصادية، لكن، بعد عام 2002 تجمّـدت هذه العلاقات وتوتّـرت، في حين كانت أنقرة تتصالح مع إيران وسوريا، وحتى مع أرمينيا وروسيا.

        ويتوقّـف الصقور، كدليل على ذلك، أمام البيانات المتلاحِـقة لأردوغان، التي أعلن فيها بعد حرب غزة أن "الله سيُـعاقب إسرائيل على أعمالها، بعد أن حوّلت القطاع إلى معسكر اعتقال دموي"، ثم بعد المشادّة الكبرى التي حدثت بينه وبين الرئيس الإسرائيلي بيريز في مؤتمر منتدى دافوس، والتي خاطب خلالها الأخير بقوله:" أنتم تعرِفون تماماً كيف تقتلون".

        ويرى الصقور الإسرائيليون، ومعهم المحافظون الأمريكيون اليمينيون، كما الجُـدد، أن مواقف تركيا الأردوغانية نابعة أساساً من المنظور الإسلامي الذي تُطل من خلاله على العالم، وهو بالضرورة منظور معادٍ للغرب وعلى رأسه إسرائيل، وبالتالي، يدعو هذا الجناح إلى فتح النار على تركيا وعلى كل الجبهات، خاصة منها جبهات الكونغرس وهيئات الضغط الكُـبرى الأخرى في الولايات المتحدة.



        العثمانية الجديدة
        هل تحليل الصقور الإسرائيليين في محلِّـه؟ كلا. فتركيا لا تطمح لا إلى إحياء الخلافة الإسلامية العثمانية ولا استئناف الحروب مع الغرب ومعاودة مُـحاصرة فيينا أو احتلال أوروبا الشرقية. صحيح أنها تتبنّـى هذه الأيام شِـعار "العثمانية الجديدة"، لكن الوزير داود أوغلو أكّـد مِـراراً وتِـكرارا رفضه لهذه التعبير، إذا ما كان يُـوحي بأن أنقرة تريد وصل ما انقطع من دور اسطنبول الإمبراطورية.

        كل ما تريده تركيا هو ممارسة دور "القوة الليِّـنة"، بوصفها الدولة السادسة عشرة الأكبر اقتصاداً في العالم (والسادسة في أوروبا) وهمزة الوصل في قارة أوراسيا والجسر بين الحضارتين، الإسلامية والغربية، والأهم: الأنموذج الجديد الذي يعقِـد قراناً سعيداً بين الإسلام وبين الليبرالية والعَـلمانية.

        هذه التوجهات ضمّنها البروفوسور أوغلو في كُـتب عديدة منها "الأنموذج البديل: تأثير الإسلام والغرب على النظرية السياسية" و"التحوّل الحضاري والعالم الإسلامي" و"الأزمة العالمية"، لكن أهم هذه الكُـتب الذي كان له التأثير الأكبر على السياسة الخارجية التركية الراهنة كان "العمق الإستراتيجي"، الذي وضع فيه أوغلو الخطوط العريضة لهذه السياسة.

        المبادئ الرئيسية لمقاربة أوغلو الجديدة، هي ما يمكن تسميته "سياسة اللامشكلة" حِـيال الدول المجاورة، وهذا على عكس ما كان عليه الأمر في التسعينيات، حين كانت أنقرة تُـقيم علاقات مُلتهِـبة مع العديد من جيرانها.

        أيضاً، في الماضي، كانت تركيا تُـحاول أن تضمن سلامة أراضيها عبْـر السّـعي إلى الدفاع عن نفسها ضدّ الأخطار الإقليمية المُـحيطة، لكنها مع داود باتت تركيا تعرف أن الدول التي تمارس نفوذاً عبْـر حدودها مُـستخدمة "القوة الليِّـنة"، هي وحدها القادرة حقاً على حِـماية نفسها، كما يقول في "العمق الإستراتيجي".

        ويرى البروفسور، الذي يُـطلق عليه وصف "كسينجر تركيا"، أن التغييرات في منطقة الشرق – الأوسط - آسيا الوسطى – قزوين، تتطلب إستراتيجية ديناميكية جديدة، وهذه بدورها تتطلّـب نمطاً جديداً (أنموذجاً
        PARADIGM) من التفكير".

        ويقول: "تركيا كلاعب دولي، كان يُنظر إليها سابقاً على أن لديها عضلات قوية ومعِـدَة ضعيفة ومشاكل في القلب وقوة دِماغ متوسِّـطة. بكلمات أخرى، هي جيش قوي واقتصاد ضعيف، وتفتقد إلى الثقة بالنفس وليست جيِّـدة في التفكير الإستراتيجي. أما الآن، فتركيا موجودة في مُـستويات عدّة من السياسات الدولية وتوّسطت في العديد من النِّزاعات في البلقان والشرق الأوسط والقوقاز، فحوّلت بذلك أعداء سابقين، كروسيا وسوريا،إلى حلفاء حميمين".

        كان أوغلو هو الذي لعِـب دور الوسيط السرّي في كل هذه الوساطات، بما فيها إنهاء الحرب بين روسيا وجورجيا، والمحادثات غير المباشرة بين سوريا وإسرائيل عام 2008، والتقارب بين تركيا وكلّ من أكراد العراق وأرمينيا، وكل هذا يجب أن يجعل أوروبا، برأيه، محتاجة إلى تركيا لتهدِئة منطقة شاسِـعة، تمتد من الشرق الأوسط إلى البلقان، مروراً بآسيا الوسطى.

        هذه إذن، هي أهداف السياسة التركية الجديدة: ضمان الأمن القومي التركي، ليس عبْـر التقوقع والعُـزلة، بل عبْـر الانفتاح وممارسة سياسة القوة الليِّـآنة، وهذا الدور بالتحديد، لا يروق البتّـة للدولة العِـبرية التي كانت تخطِّـط منذ أمَـد بعيد لاستخدام تركيا كقوة دعم لها (مجرّد قوة دعم)، في مشروعها، لإقامة نظام "الشرق الاوسط الجديد".

        بيد أن الرياح الأردوغونية جرَت بِـما لا تشتهي سُـفن إسرائيل، فشبّت أنقرة عن الطّـوق الإسرائيلية وبدأت تشق لنفسها طريقاً "إستراتيجياً" مستقلاً في الهلال الخصيب والشرق الأوسط ككل، كما في القوقاز والبلقان، كما حتى مع الدبّ الروسي.



        البداية كانت العام الماضي في العراق
        ففي 11 يوليو 2008، وقّـعت تركيا والعراق "الاعلان السياسي المشترك لتأسيس المجلس الأعلى للتعاون الاستراتيجي بين حكومتَـيْ العراق وتركيا"، وتعهّـدتا بـ "تطوير شراكة إستراتيجية طويلة الأمد، تهدف إلى تعزيز التضامن بين شعبَـيْ العراق وتركيا"، وهذه البنود نفسها وردَت في الاتِّـفاق الإستراتيجي السوري- التركي، الذي تضمّـن 40 بروتوكولاً، لكن مع إضافتيْـن أخرييْـن بالِـغتَـيْ الأهمية.

        الأولى، أن الطرفيْـن اتفقا على إجراء مناورات عسكرية "أكثر شُـمولاً وأكبر حجْـماً" من تلك التي أجراها البلدان في الربيع الماضي. والثانية، الاتفاق على إلغاء تأشيرات الدخول بين البلدين.

        وعلى أي حال، التصريحات التي تلَـت توقيع الاتفاق في مدينة حلَـب "ملِـكة الشرق" (كما وصفها داود أوغلو)، أبرزت الدلائل التاريخية العميقة لهذا التطور.

        فقد صرّح وزير الخارجية السوري وليد المعلّـم خلال مؤتمر صحفي مُـشترك مع نظيره التركي: "إن مجلس التعاون الإستراتيجي المُـشترك السوري – التركي، الذي أعلن بين البلدين قيامه خلال زيارة الرئيس (السوري بشار) الأسد لاسطنبول قبل شهر تقريباً، يشكِّـل في هذا اليوم حدثاً تاريخياً، حيث سنحتفل بعد قليل بعبُـور الحدود المُـشتركة إيذاناً بالتوقيع الرسمي لإلغاء سِـمات الدخول بين البلدين. هذا اليوم، كما سماه الوزير داود أوغلو، هو عيد للشعبيْـن الشقيقين، السوري والتركي، وهو نموذج نقدِّمه لكل الأشقّـاء في المنطقة". وأمل أن "يحذو البلدان حِـذوه في علاقات إستراتيجية، تشمل مختلف المجالات".

        واعتبر داود أوغلو "هذا اليوم عيداً للشعبيْـن اللذين يحتفِـلان كل عام بعيديْـن، لكن هذه السنة سيحتفلان بثلاثة أعياد، والعيد الثالث هو مُـصادفة إلغاء التأشيرات بين العيديْـن الفطر والأضحى. واليوم، نخطو الخطوة الأولى لهذا العمل الاستراتيجي".

        وبالنسبة إلى تعليق سوريا على قرار أنقرة إلغاء المشاركة الإسرائيلية في مناورات "نسر الأناضول"، قال المعلّـم: "سوريا كدولة جارة لتركيا، يقلقها كثيراً أمنِـياً مثل هذه المناورات وإلغاؤها من الطبيعي أن يسـر سوريا، لأن إسرائيل برهنت أنها ما زالت تعتدي على شعبنا الفلسطيني وعلى المسجد الأقصى وتُـواصل حِـصار غزة وترفض كل جُـهد باتجاه استئناف محادثات السلام".

        بالطبع، هذا الانفراج الكبير لا يعني أن كل المشاكِـل قد حُـلّت بين البلدين. فمسألة لِـواء الاسكندرون المُـحتل لا تزال عالِـقة ولم يرِد ذِكرها في البيان، لكن يبدو أن مشكلة المِـياه العويصة في طريقها إلى الحلّ بعد أن اتّـفق الطّـرفان على العمل لإقامة "مشروع سدّ الصداقة المشترك" على نهر الفُـرات.

        ماذا الآن عن موقِـف الولايات المتحدة من كل هذه الانقلابات التركية؟ ثمة تحليلان هنا. الأول، أورده مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، الذي لم يرَ في كل ما تفعل تركيا الآن خطراً على المصالح الأمريكية.

        لماذا؟ برأيه للأسباب التالية:

        كل ما تقوم به تركيا هذه الأيام يندرج في إطار لعبة الحياد والتوازن الدقيق التي تنتهجها في المناطق الجغرافية المحيطة بها والتي توفِّـر لها (على سبيل المثال) ضمان إمدادات الطاقة من كل مِـن روسيا وإيران والعراق.

        إذا ما أصبح البحر الأسود منطقة نزاع رئيسية بين روسيا وأمريكا، فهذا سيفرض تحدِّيات جسيمة على تركيا، أو بالأحرى على الحِـياد التركي. بيد أن تركيا ستنحاز دَوْماً في النهاية إلى الولايات المتحدة، إذا ما خُيـِّرت بين واشنطن وموسكو.

        ثم أن تركيا لا تستطيع أن تتخلّـى عن تحالُـفها المكين مع واشنطن، بسبب اعتمادها الكلّـي على التسليح الأمريكي وعلى دعم واشنطن لجهودها الهادِفة إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى أن أمريكا بطاقة تأمين لها ضدّ الدبّ الروسي، في حال واصل ما انقطع من طموحات جيو - استراتيجية.

        لكل هذه الأسباب، إضافة إلى رغبة الولايات المتحدة في تحويل تركيا إلى نموذج ديمقراطي في العالم الإسلامي، لا تشعر واشنطن بكبير قلق من التغيّـرات التركية الراهنة.

        التحليل الثاني يسير تماماً في عكس الأول. فهو يرى أنه ليست هناك سياسة خارجية أمريكية في الشرق الأوسط الكبير، بل مجرّد سياسة إسرائيلية ترتدي حلّة أمريكية، ولذا، لا ينتظر أن تكون واشنطن مسرورة بما يجري، لأن تل أبيب غير مسرورة.

        أما لماذا تسكت واشنطن عن توجّـهات أنقرة الجديدة، فهذا عائد فقط إلى تضاؤل نفوذها في المنطقة بفعل ورطاتها الكُـبرى في كل من العراق وأفغانستان، علاوة على الأزمة الاقتصادية العالمية، الأمر الذي خلق فراغاً تحرّكت أنقرة للإفادة منه.



        أي التحليليْـن الأقرب إلى الصحّـة؟
        الجواب لم يعُـد هاماً كثيراً الآن. الأهم أن تركيا تواصِـل تطبيق إستراتيجيتها الجديدة في الشرق الأوسط – القوقاز – البلقان، وهي تبدو مُوحّدة في الداخل (الجيش والحكومة المدنية)، وغير عابئة بالصّـراخ الإسرائيلي في الخارج، وهذا ما يجعل إسرائيل المتفاجـئة تعيش حالة غير مريحة من القلق والتوتّـر والانزعاج.



        سعد محيو – بيروت – swissinfo.ch

        تعليق

        • محمد زعل السلوم
          عضو منتسب
          • Oct 2009
          • 746

          #5
          العلاقات التركية - السورية: مرتكز"نظام إقليمي" جديد؟

          العلاقات التركية - السورية: مرتكز"نظام إقليمي" جديد؟

          تشهَـد منطقة الشرق الأوسط منذ فترة، ما يُـمكن أن يُـسمى أياما أو أسابيع تركية. فكيفما تلفّـتت عين المراقب من القوقاز إلى الشرق الأوسط إلى البلقان، وجد حِـراكا تركيا لافِـتا لا يهدأ، بحيث بدت الدبلوماسية التركية، كما لو أنها تقطُـن في طائرة مُـقيمة في الفضاء، وليس في أحد أحياء العاصمة أنقرة.


          وفي الواقع، كان هذا هو دأب الحركة الدبلوماسية التركية منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002. فالنهج الذي رسمه وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو منذ كان مستشارا لرئيس الحكومة، كان يتطلّـب "عدّة أشغال" مُـختلفة عن السابق.

          لقد وضع داود أوغلو منذ سنوات رُؤيته لمكانة تركيا ودورها في التحوّل من بلد – جِـسر يمرّ عليه الآخرون، إلى بلد مركز يقصِـده الآخرون، وهذه إستراتيجية تتطلّـب فريق عملٍ كبير ونشِـط في أربع رياح الجِـوار الإقليمي لتركيا وما يليها من جِـوارات أبعد فأبعد.

          وعنما أصبح داود أوغلو وزيرا للخارجية، تكثّـفت الحركة التركية بصورة غير مسبوقة. ولا شكّ أن التحرّك التركي في القوقاز لفتح أبواب الحلّ أمام المشكلة الأرمنية المُـستعصية، ومن ثَـمّ الوساطة التركية المفاجئة بين سوريا والعراق في أعقاب التوتّـر الذي طرأ بين دمشق وبغداد بسبب التفجيرات التي حصلت يوم 19 أغسطس في بغداد، كانا من مظاهِـر الحركة الدبلوماسية التركية النشِـطة.



          حدث غير مسبوق
          لكن ما جرى في الأسبوع الأخير من شهر رمضان بين سوريا وتركيا، كان حدَثا غير مسبُـوق، ويُـمكن وصفه خارج أي مبالغة، بأنه غير مسبوق في علاقة بلد عربي بآخر، فكيف بين بلد عربي وآخر غير عربي؟

          كانت زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى إسطنبول يومَـيْ الأربعاء والخميس 16 و17 سبتمبر 2009، محطّـة بارزة وذروة خيَـالية في علاقات بين بلدٍ عربي وتركيا، وبين بلديْـن كانت سِـمتهما الأساسية على امتداد عقود القرن العشرين وإلى ما قبل سنوات خلَـت، توتُّـرات وصلت إلى حافة الحرب أكثر من مرّة.

          لقد كان من أبرز نتائج هذه الزيارة، تأسيس مجلسٍ للتعاون الإستراتيجي بين البلديْـن، يتألّـف من رئيسَـيْ حكومتَـيْ البلديْـن والوزراء الأساسيين في الحكومتيْـن، ويجتمع مرّتين في العام.

          لكن خطوة إلغاء تأشيرات الدّخول أمام مواطِـني البلديْـن، كانت ذِروة في رمزِية نادِرة وتاريخية، في وقتٍ لم تصِـل العلاقات بين العراق وسوريا مثلا وفي عهْـد حُـكم حزب البعث فيهما، إلى هذا المستوى من العلاقات والانفتاح.

          ويُـمكن القول أن مثل هذه الخُـطوة، ليست فقط مجرّد خُـطوة عادِية أو رمزية، بل ستترك آثارا عملية ملموسة على الواقِـعيْـن، التركي والسوري.



          قرار سيكون له مابعده
          فحتى اليوم، كانت بيروت ولبنان عُـموما، يشكِّـلان بوابة سوريا على الغرب وعلى الأسواق الاقتصادية المفتوحة ومراكِـز التّـرفيه والثقافة المختلفة. ومع أن لبنان لن يفقِـد هذه المكانة، نظرا لوِحدة اللّـغة مع سوريا وللقُـرب الجغرافي بين دمشق وبيروت، غير أنه لن يستمر باحتِـكار دورِ النّـافذة الوحيدة على الغرب.

          فتركيا تمتاز بأسواقها الأكثر رخصا وجَـودة من السوق اللبنانية، كما بوجود روابِـط عائلية واسعة بين سكّـانها الحدوديين وأولئك على الجانب الآخر من الحدود مع سوريا، فضلا عن وجود أكثر من مليون سوري من أصل كُـردي، وجميعهم يعيشون على امتداد الشريط الحدودي مع تركيا.

          كل ذلك، يجعل من فتْـح الحدود بين مُـواطني البلدين، ليس أمرا عابرا، بل ستكون له نتائج عميقة بعيدة المدى وسيُـعيد تشكيل المشهَـد التجاري والاجتماعي لسوريا في اتِّـجاهات لم تكُـن معروفة من قبل وسيرفع من حجْـم التجارة بين البلديْـن وسيضع المناطِـق المُـحاذِية للحدود في البلديْـن، أمام حال طوارئ جديدة، مع توقّـع الإقبال على استكشاف آفاق هذه العلاقة الجديدة، وهو ما عبّر عنه مُـعظم المسؤولين المحليِّـين في مُـدن غازي عينتاب والإسكندرون وانطاكية، على الجانب التركي.



          حاجة متبادلة
          وفي الجانب السياسي، وقعت زيارة الأسد إلى تركيا في الإطار الطبيعي، لتحسّـن العلاقات منذ عدّة سنوات. وقد كان الرئيس السوري واضحا في القول بأن الثقة هي العُـنصر الأساسي لتطوير هذه العلاقات، وهو ما تيقّـنت منه سوريا من خلال موقِـف تركيا من القضايا العربية، ولاسيما القضية الفلسطينية، فضلا عن السيادية الكامِـلة لاتخاذ قراراتها الإستراتيجية، خارج أي تأثير أمريكي أو غربي، ما جعله يصِـف القرارات التركية بأنها "صنع في تركيا".

          وما كان مُـمكنا أن تنجح تركيا أيضا في مسْـعاها التوسّـط بين سوريا وإسرائيل، لو لم تكن دمشق تثِـق بالجانب التركي وبنزاهته، وهو الأمر الذي يفتقِـده الجانب الأمريكي، على الأقل في المرحلة غير المُـباشرة من المفاوضات بين سوريا وإسرائيل.

          يحتاج البلدان الواحد للآخر في الكثير من الملفّـات الثُّـنائِـية المباشرة، سواء الأمنية أو الاقتصادية أو الاجتماعية. لكن ملفا جديدا طرأ على جدْول أعمال البلديْـن الثُّـنائي، وهو ما يتعلّـق بما يُـوصف في تركيا بخطّـة "الإنفتاح على الأكراد" أو خطة الانفتاح الديمقراطي.



          مساهمة دمشق في حل الأزمة الكردية
          ومن عناصِـر هذه الخطّـة، كيفية إيجاد حلٍّ لمسألة تواجُـد أكثر من خمسة آلاف مُـقاتل من حزب العمّـال الكردستاني المُـعادي لتركيا، في منطقة جبال قنديل في شمال العراق.

          ومع أن خطّـة الحكومة التركية تُـجاه الأكراد، غير واضحة المعالِـم بعدُ ويسودها الغُـموض، لكن ما يتداوَل في وسائِـل الاعلام التركية، يُشير إلى أن حكومة أردوغان في صَـدَد ما يُـطلق عليه في تركيا "إنزال" المُـقاتلين من الجبال، أي تسليم عناصِـر الكردستاني أسلحتهم والاندماج في المجتمع، وهذا يتطلّـب عفوا عامّـا أو شِـبه عامٍّ، يَـطال أولئك الذين يوجدون في الدّاخل التركي والذين يتحصنون في جبال قنديل.

          وبما أنه يوجد بين هؤلاء أكثر من 1500 مقاتِـل من أصل سوري، فإن أنقرة تريد لسوريا أن تكون شريكا مساعِـدا في الحلّ. فهؤلاء في حال صُـدور عفْـو عامٍّ، لن يعودوا إلى تركيا، بل إلى موطنهم الأصلي، سوريا.

          ولقد كان واضحا أن سوريا مستعدّة لاستقبال هؤلاء في حال أعلنوا تخلِّـيهم عن "الإرهاب"، لأن الدولة لا تنتقِـم من مواطنيها، بل تحتضِـنهم، كما صرّح الرئيس بشّـار الأسد إلى الإعلام التركي في رسالة واضحة وتشجيعية إلى الرأي العام التركي، تفيد بأن سوريا تريد استقرار تُـركيا من خلال مساهمتها (سوريا) في حلِّ المشكلة الكُـردية.

          لقد كانت هذ القضية مركزية في محادثات الأسد مع رئيس الحكومة التركية رجب طيِّـب أردوغان، وستكون لها - حسب المراقبين - تأثيراتها الإيجابية، خصوصا أن خطّـة الإنفتاح على الأكراد، هي الشغل الشاغِـل لأنقرة منذ عدّة أشهر.



          الرقم الأصعب؟
          ويبقى بُعدٌ آخر لتطوير العلاقات بين دِمشق وأنقرة إلى مستويات غير مسبوقة، وهو المشهَـد الإقليمي وخِـشية أنقرة من احتمال دخول المنطقة في مرحلة جديدة سلبِـية، في حال فشل الجُـهود الحالية لحلّ المشكلات.

          فالتهديدات الإسرائيلية لإيران والتّـسريبات عن مُـواجهة في الملف النووي الإيراني مع الغرب وفرض عقوبات جديدة على طهران، تثير هواجِـس تركيا من انفِـجار الوضع في المنطقة. لكن انفجار الأزمة بين دمشق وبغداد، كان الأكثر إثارة لاهتمام أنقرة، نظرا لأنه حصل في جِـوارها الجغرافي المباشِـر، ولأن زعزعة خُـطط استقرار العراق وبين جاريْـن مجاوريْـن لتركيا، يعرّض الخُـطط التركية لحلِّ مشكلتها الكُـردية بأبعادها العراقية، للخطر.

          كما أن تركيا تريد أن يكون نفط العراق والغاز الطبيعي فيه، أحد مصادر الضخّ في خطوط الأنابيب التي تمُـر في تركيا وتجعل من تركيا بلدا مركزِيا في سياسات الطّـاقة العالمية، لذا، كان التحرّك التركي على صعيديْـن: الأول، خط طهران - الغرب في الملف النووي، وستكون تركيا مكانا للمفاوضات بين إيران والغرب. والثاني، الوساطة التركية بين بغداد ودمشق واستضافتها اجتماعا رُباعيا لوزراء خارجية البلدين، إضافة لتركيا وجامعة الدول العربية.

          إن زيارة الرئيس الأسد والتوقيع على الإتفاقيات، التي أشرنا إليهما، يصُـبّ في السياق نفسه، الذي تسعى إليه الدبلوماسية التركية، وهو أنه بقدر ما تتعزّز العلاقات بين البلدين، تزداد الثقة المُـتبادَلة والاستعداد للمُـساهمة في إيجاد الحلول للمشكلات، خصوصا أن سوريا رقْـم حسّـاس في التوازنات الإقليمية، من إيران إلى العراق وفلسطين ولبنان.

          كل هذا يلتقي عند نُـقطة، أن تركيا بهذه التحرّكات تشكِّـل علامة أساسية وفارقة تتمثل في أنها الجهة الوحيدة القادِرة على التّـواصل مع الجميع، بل لعلّـها العاصمة الوحيدة التي تملِـك رُؤية لنظام إقليمي جديد يحرّك جهودها ودأبها لحلّ المشكلات أو استباق انفجارها.

          ومجموع كل هذه الظروف، تُـحوّل تركيا إلى رقم صعْـب إن لم يكُـن الأصْـعب في خريطة المنطقة المستقبلية، لتعود تركيا إليها على حصان أبيض من حيث وحيث لم يكن أحد يتوقّـع ذلك، قبل سبع سنوات فقط.



          محمد نورالدين – بيروت – swissinfo.ch

          تعليق

          • محمد زعل السلوم
            عضو منتسب
            • Oct 2009
            • 746

            #6
            سوريا والسعودية: أيْـن حزب الله؟

            سوريا والسعودية: أيْـن حزب الله؟

            هل انتهت القمّـة السورية - السعودية الأخيرة في دمشق إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات بين هذين البلدين، يُـمكن أن تُحيي التحالف التاريخي بينهما، الذي سيْـطر (مع مصر) على السياسات العربية طيلة نيْـف وثلاثة عقود (1970 - 2005)؟


            الصفحة الجديدة واردة بالفعل، وهذا على أي حال، ما أكّـد عليه البيان المُـشترك الذي صدر عن قمّـة الملك السعودي عبد الله والرئيس السوري بشار الأسد، التي لم تستغرِق أكثر من 24 ساعة.

            فهو (البيان) شدّد على ضرورة انعِـقاد اللجنة العُـليا المشتركة السورية – السعودية في أقرب وقت، وعلى تفعيل التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين وعلى حلول مُـشتركة لأزمات لبنان والعراق واليمن.

            لكن إحياء الحِـلف الثلاثي السوري – السعودي – المصري، لا يزال موضِـع تساؤلات وشُـكوك، لأنه مُـرتبط تمام الارتِـباط بمصير كلٍّ من العلاقات السورية - الأمريكية وبالتحالف السوري - الإيراني؟ لماذا؟



            "جابي الضرائب"
            الأسباب عديدة. فسوريا، على حدِّ قول دبلوماسي غربي مؤخراً، في مقابلة مع صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور"، "تُـمارس سياسة ذكية جداً في الشرق الأوسط. إنها تستخدِم الهَـوَس الغربي بإيران لصالحها على أكمل وجه". والدبلوماسي على حق.

            فدمشق تبدو هذه الأيام أشبه بـ "جابي ضرائب" الشرق الأوسط، حيث تجبي "الرسوم" من كل الأطراف من دون أن تتكلّف شيئاً أو هي كفتاة حسناء يتنافَـس الجميع في المنطقة على كسب ودِّها، لكنها تتدلّل على الكلّ.

            الحِـقبة التي عادت إليها سوريا خلال السنوات الأربع الأخيرة، هي نفسها التي بلور استراتيجيتها الرئيس الراحل حافظ الأسد، والقائمة على منطق التاجر الدمشقي البراغماتي الشهير: جعل سوريا "بيضة القبان" في كل/وأي صفقة تجري في المنطقة، وهذا ما سمح لسوريا في السابق وعلى مدى ثلاثة عقود عاصفة، أن تكون في آن في كلّ محاور المنطقة المُـتصارعة (إيران والسعودية ومصر.. الخ) وأن تُـجبِـر الجميع على دفع الفواتير لها.

            "ليالي زمان" رجعت الآن. وعلى رغم أن العديد من حُـلفاء دمشق لن يُـعجبهم هذا المنحى الجديد - القديم، إلا أنه سيعجب حتْـماً مُـعاوية بين أبي سفيان، الذي حوّلت "شَـعرته" دمشق، ليس إلى بيضة قبان وحسب، بل إلى عاصمة إمبراطورية شاسعة أيضاً.

            آثار أقدام هذه البراعة الدبلوماسية السورية مُـبعثرة في كل مكان تقريباً، لكن أهم هذه الآثار يقود فوراً إلى واشنطن، التي تُشكّل "رأس النبع" الذي تستقي منه مُـعظم دول المنطقة توجُّـهاتها ونِـقاط ارتكازها.

            وفي هذا المجال، تتمظهر دمشق في أبهى أيام الربيع، رغم اقتراب موسم الخريف. فـ "البُـعبُـع" البوشي، الذي قضّ مضاجِـعها وكان يخطِّـط بالفعل للقفْـز إليها من بغداد عام 2003 لتغيير نظامها، رحَـل مصحوباً بلعنات الأمريكيين وأحذية بعض العرب، وحلّ مكانه في البيت الأبيض "بابا نويل" أسمر يحمل في جُـعبته الكثير من الوعود والأماني لها، وهذا ما دفع الرئيس بشار الأسد قبل شهرين، إلى تخطّـي البروتوكولات الرئاسية بين الدول، ليوجِّـه عبْـر محطة تلفزيونية دعوةً إلى الرئيس أوباما لزيارة دمشق. كما أن هذا ما شجّع دمشق على إدخال تغييرات على مُـجمل سياساتها الإقليمية، لم يتردّد بعض المحلِّـلين في وصفها بأنها "جذرية":

            1 - فهي، وربما للمرّة الأولى منذ ثلاثين سنة، لم تتدخّـل في الإنتخابات اللبنانية، على رغم أن القاصي والدّاني يعرِف أنها لو استخدَمت نفوذها ورمت بثِـقلها فيها، لتغيّرت الكثير من المُـعطيات.

            2 - وهي قطعت، على ما يبدو، شأواً بعيداً في نيْـل الاعتراف الدولي بدورها الرئيسي في العراق، على رغم الأزمة الرّاهنة مع حكومة المالكي. صحيح أن طبيعة النفوذ السوري الجديد في بلاد الرافديْـن لم تتّـضح بعدُ، إلا أنه من المؤكّـد أنها ستُـرضي دمشق إلى حدٍّ كبير، على المستوييْـن السياسي والاقتصادي. ففي المستوى الأول، سيُـشكِّـل ذلك اعترافاً أمريكياً كبيراً بالدّور الإقليمي السوري في منطقة المشرق العربي، بعد أن كانت إدارة بوش السابقة قد اتّـخذت قراراً بإعدام هذا الدّور. وعلى المستوى الاقتصادي، قد تقطف دمشق ثِـماراً يانِـعة في العراق بسبب ثراء هذا البلد وفُـرص الأموال الطائلة، التي ستُـصرف هناك في مجاليْ الأمن وإعادة الإعمار.

            3 - وفي الشأن الفلسطيني، بات واضحاً أن التّـغيرات التي طرأت على مواقِـف حركة حماس حِـيال الحوار مع فتح وما رافقه من تجاوُب مع المبادرات المصرية المدعومة من إدارة أوباما، كانت حصيلة النّـفوذ الذي مارسته سوريا على الجناح الدِّمشقي لهذه الحركة، وهذا ما منح هذه الأخيرة "bonus" (علاوة إضافية)، جولية جديدة لها قد تُـترجم نفسها قريباً في شكل تشجيع واشنطن للرئيس محمود عباس على منْـح السوريين نفوذاً أكبر في الشأن الفلسطيني، لكن هذه المرّة كوسيط، لا كطرف في الصِّـراع على السلطة بين فتح وحماس.



            انطلاق قطار الحوار الأمريكي السوري
            على أي حال، قِـطار الحوار الأمريكي مع سوريا، حليفة إيران الوحيدة في الشرق الأوسط، إنطلق وبسُـرعة فائقة أيضاً. فقبل أيام، وصل نائب وزير الخارجية السوري فيصل المُـقداد إلى واشنطن والتقى جيفري فيلتمان، مساعد وزيرة الخارجية الأمريكي. وقبل ذلك، كانت هيلاري كلينتون قد "طبّعت" علَـناً علاقاتها مع وزير الخارجية السوري وليد المعلّـم، والدبلوماسيون السوريون بات لهم حُـضور شِـبه دائم لدى مراكز القرار في واشنطن، والوفد الأمريكي عالي المستوى الذي وطأ أرض دمشق مؤخراً برئاسة دان شابيرو، العُـضو البارز في مجلس الأمن القومي ومعه فيلدمان، نجح على الأرجُـح، في بلْـورة جدول أعمال الحوار وأولوياته.

            لكن علاَمَ الحوار السوري - الأمريكي وما آفاقه المُـحتملة بعد تِـسع سنوات عِـجاف من علاقات، وصلت أحياناً إلى شفير الحرب العسكرية (2003 و2004) ثم تدهورت إلى الحضيض عام 2005 مع مغادرة القوات السورية للبنان؟

            واشنطن الأوبامية تعرف ماذا تُـريد: مواصلة التعاون السوري معها في العراق، وهذا بات أسهل بكثير الآن بعد تحديد موعِـد سحب القوات الأمريكية "المُـقاتلة" منه وتغيير سلوك سوريا من كوْنها حليفة لإيران إلى وسيط معها والحدّ من دعم حزب الله وحماس، على الأقل عسكرياً، إضافة بالطبع إلى مواصلة التعاون الأمني ضدّ الإرهاب والبحث إلى تحويل المفاوضات غير المباشرة بين دمشق وتل أبيب إلى خواتيم سِـلمية.

            ودمشق الأسدية تعرف ما تريد: إلغاء بند "تغيير النظام" نهائياً من جدول الأعمال الأمريكي، المتجسّد في قانون محاسبة سوريا ورفع العقوبات وشطْـب الفيتو الذي تضعه واشنطن على اتِّـفاقية الشراكة السورية - الأوروبية والإعتراف بدوْر سوريا الإقليمي، جنباً إلى جنب مع احترام قراراتها الخاصة بعلاقاتها مع الدول الأخرى، خاصة إيران وروسيا.

            التوصل إلى اتفاقات أو قواسم مُـشتركة حِـيال هذه المطالب لم يعُـد صعباً، فإدارة أوباما لم تعُـد تريد أن تكون سوريا أردُناً جديداً، كما كان الأمر مع إدارة بوش، والحكومة السورية تُـدْرك في المقابل، أن أمريكا - أوباما لن تكون، حتى في أفضل العوالِـم، حليفة لها كما إيران. ثمّـة منطقة وُسطى من بين الأردنة (من أردن) والأرينة (من إيران)، كما ثمة مصالح مُـشتركة عدّة يُـمكن تحقيقها في إطار أقلّ إستراتيجية لكن أكثر نجاعة تكتيكياً، على غِـرار الأمن والإستقرار في العراق ولبنان، ومنع الوضع الفلسطيني من الإنفجار وتطويع المتشدِّدين الأصوليين الإسلاميين، سواء بجزَرة الإقناع أو بالعصا الأمنية.

            بالطبع، لن يكون هذا حواراً بين ملائكة، فكلّ طرف سيستخدم ما يملِـك من أسلحة: واشنطن المحكمة الدولية في لايشندام (هولندا) والتسهيلات الاقتصادية الدولية (والخليجية)، التي تحتاجها سوريا لمواجهة أزمة الجَـفاف وفتح الاقتصاد السوري على الاقتصاد العالمي والضغط العسكري الإسرائيلي.

            وفي المقابل، تمسِـك سوريا بأوراق قوية، مثل تحالفها مع إيران ووجود قادة حماس على أراضيها ونفوذها على حزب الله ودورها الكبير والمُـعترف به دولياً في مجال مكافحة الإرهاب، وبالتالي، كل ورقة ستُـقابلها ورقة وكل ضغط سيكون في موازاته ضغْـط، إلى حين الوصول إلى تسوِيات أو صفقات حلول وسَـط.



            اعترافات سعودية
            ماذا تعني كل هذه التغييرات الكاسحة؟ أمراً واحداً: نهاية حِـقبة وبداية حِـقبة جديدة.

            الحِـقبة التي انتهت والتي تميّزت بالخوف والتشنّـج والتصعيد، أملَـتْـها أولاً وأخيراً سياسات بوش "الثورية"، التي هدفت إلى (وفشلت في) تغيير النِّـظام السوري (أو على الأقل تغيير سلوكياته) وإعادة رسْـم خريطة الشرق الأوسط برمّـتها بعد ذلك. والحقبة التي بدأت ستشهد تحوّل سوريا إلى ما قد يكون "آستانة" القرن الحادي والعشرين، على الأقل على المستوى الدبلوماسي، حيث ستكون نُـقطة تقاطع مُـعظم المشاريع والتحالفات والإصطفافات في المنطقة.

            هذه النقطة الأخيرة، أدركتها أخيراً على ما يبدو المملكة السعودية، خاصة بعد أن رحل بوش وجاء أوباما، حيث بدأت المملكة تُـعيد تكييف سياساتها معها، وإن ببُـطء شديد، ربما يعود إلى عدم تحوّل وزارة الخارجية السعودية إلى مؤسسة، الأمر الذي أفقد التوجّـهات السعودية القُـدرة على متابعة الأمور أو استكمال ما بدأت العمل به.

            الإدراك السعودي هذا، ترجَـم نفسه في دعوة الرئيس السوري إلى جدّة في 23 سبتمبر الماضي، ثم ترجَـم نفسه أكثر وأفصَـح في الزيارة التي قام بها العاهل السعودي عبد الله إلى دمشق، إذ كرّست هذه التطوّرات، الاعتراف السعودي بأمريْـن هامّـيْـن إثنين:

            الأول، فشل كلّ السياسات التي مارستها المملكة منذ عام 2005-2006 في عزْل سوريا أو استلحاقها، فيما كانت هذه الأخيرة تتعرّض إلى مخاطِـر مُـميتة بعد الغزو الأمريكي للعراق.

            والثاني، الفشل الآخر للرياض في ممارسة سياسة مستقِـلة في الشرق الأوسط عن المِـحور السوري – المصري - السعودي الشهير، الذي حكَـم المنطقة طيلة ثلاثة قرون متّـصلة.

            والآن، ثمّـة ما يوحي بأن الظروف الموضوعية والذاتية مؤهّـلة لتقارُب سوري - سعودي جديد، يستنِـد أساساً إلى حاجة السعودِيين إلى السوريين.

            فهناك حالياً مواقِـف متقاربة للطرفيْـن حِـيال العراق، الذي بدأت التنافُـسات الإقليمية على النفوذ فيه تتّـضح فور انسحاب القوات الأمريكية من المُـدن العراقية، إذ أن دمشق والرياض منزعِـجتان من سياسة المالكي، ولكل منهما حسابات سياسية غيْـر متطابقة معه ومع مصالح إيران في العراق.

            صحيح أن دمشق لا تقِـف على خطِّ المُـجابهة مع طهران في بلاد الرّافدين، كما تفعل الرياض، وتُفضّل البقاء في مُـنتصف الطريق بينهما، إلا أن موقفها هذا كافٍ لتسهيل فُـرص التقارُب مع السعودية.

            وفي لبنان، وعلى رغم الصِّـراع على "نِسَبْ النفوذ" بين دمشق والرياض، دلّت الانتخابات النيابية الأخيرة (كما ألمحنا)، إلى أن الطرفيْـن قادران على التوصّل إلى حلول وسط، وإن بـ "التقسيط"، الذي يكون غيْـر مُـريح أحياناً للسعودية!

            وفي مجال مكافحة الإرهاب تبدو إمكانيات التعاون والتنسيق بلا حدود. بيد أن هذه المعطيات، على أهميّـتها، لا تعني أنه سيكون من السّـهل العوْدة إلى صيغة المِـحور السوري - السعودي – المصري، كما كانت في السبعينيات والثمانينيات.

            فالظروف الإقليمية تغيرّت كثيراً والإهتمامات السورية تغيّـرت معها بالقَـدر نفسه، إن لم يكن أكثر. والواقع، أن دمشق باتت تمتلِـك الآن أوراقاً عديدة تتفوّق بها على مملكة السعوديين في مجالات عدّة، عدا المال بالطبع، الذي تحتاجه دمشق هذه الأيام بقوّة بسبب الجَـفاف الذي يضربها.

            فالانفتاح الأمريكي والأوروبي عليها، تم بسبب الحاجة الماسّـة إليها، وهذا ما وفّر لها فوراً حيِّـز حرية مُـناورة لم تمتلكها حتى إبّـان عهد الرئيس حافظ الأسد.

            وعلاقاتها الجديدة مع تركيا، والتي تُوِّجت الشهر الماضي بتوقيع اتفاقية شراكة إستراتيجية بين البلدين، تتضمّـن توسيع التنسيق بينهما ليشمل كل الشرق الأوسط، منحَـها ميزة استراتيجية فائقة، في الوقت نفسه، الذي أثارت فيه قلَـق السعودية الفائق التي تُكِنّ خشية شديدة من الطّـبعة التركية للإسلام (العثمانية الجديدة)، القائمة على عقد قِـران هذا الأخير على الديمقراطية والليبرالية وحقوق الإنسان.

            ثم إن علاقاتها مع إيران، والتي لن تتخلّـى دمشق عن ورقتها الثمينة، لا الآن ولا غداً، كانت ولا تزال العامِـل الرئيسي الذي يجعل كلّ الدول تتدافع إلى أبوابها لخَـطب ودِّها وجذبِـها إلى مداراتها الخاصة.

            خلاصة القول: هذه المزايا الجديدة لموقِـع دمشق الجيو – إستراتيجي الجديد، كانت واضحة وحاضرة في اقتراح الرئيس السوري بشار الأسد خلال زيارته الأخيرة إلى طهران، الخاص بإقامة تحالف رُباعي بين سوريا وتركيا وإيران والعراق.



            حزب الله.. ماذا يعني كل ذلك؟
            إنه يعني أن آمال السعوديين والأمريكيين بأن سياسة الانفتاح على دمشق ستؤدّي إلى فكّ عُـرى تحالفها مع طهران، لن تحقّـق بسهولة، إذ دونها حساسات التاجر الدمشقي المعقّـدة والبراعة الدبلوماسية العريقة التي ورثها السوريون عن أجدادهم الأقدمين.

            لكن، وإذا ما شعر السوريون بالفعل بأنه بات من مصلحتهم العليا أن ينتقلوا من المُـعسكر الإيراني إلى المعسكر السعودي - المصري، فإن الدليل الحسّـي على ذلك لن يكون في القِـمم والبيانات المشتركة والخُـطب اللغوية، ولا حتى بإمدادات المال، بل في إندلاع الصِّـدام أو على الأقل الخلافات العلنية بين سوريا وحزب الله، الذي يعتبر منطقة النفوذ الحقيقية الوحيدة لإيران في المشرق العربي، والذي من دُونه ستتعرّض الإستراتيجية الإيرانية في الشرق الأوسط العربي إلى انكفاء خطير.

            وطالما أن هذا التطوّر لم يحدُث، سيكون فتح صفحة جديدة في العلاقات السورية - السعودية مُـمكناً، لكن من دون تحوّلات إستراتيجية حقيقية أو هامة.



            سعد محيو – بيروت – swissinfo.ch

            تعليق

            • محمد زعل السلوم
              عضو منتسب
              • Oct 2009
              • 746

              #7
              توتّـر سوري عراقي.. والحلّ إقليمي

              توتّـر سوري عراقي.. والحلّ إقليمي

              احتواء التوتّـر السوري العراقي في أروقة الجامعة العربية وبحضور وزير خارجية تركيا النشيط، صاحب الرؤية الإستراتيجية لدور بلاده في عموم الإقليم، مليء بالدّلالات.


              أولها، أن قضايا العرب لم تعُـد محصورة عليهم وحدهم ونظامهم الرّسمي بات مُـنفتحا لأدوار إقليمية، كلّـما كانت سِـلمية وكلما كانت موضِـع تِـرحاب. وثانيها، أن الطامحين في إعادة تشكيل المُـعادلات الإقليمية الكلية، كُـثر، بعضهم عبْـر العنف والتدخّـلات غير الحميدة، وآخرون، كما هو حال تركيا، عبْـر وسائل حميدة، تدعم الإستقرار وبناء المصالح بعيدة المدى.
              وفي واقع الأمر، فإن التوتّـر السوري العراقي نفسه مليء بالدلالات والرّموز السياسية والتفسيرات، وهنا نظرة كلية.

              البداية؛ "إنه موقف لا أخلاقي"، .. "وإن كُـنا نسلم السياسيين المُـقيمين لدينا لبلدانهم، لَـما كان المالكي وزيرا".. هذه بعض التصريحات السورية، أولها منسوب للرئيس بشار، والثاني لقيادة سورية كبيرة، أقِـيلت بعد اتِّـهامات العراق بتورّط سوري في تفجيرات يوم 19 أغسطس الماضي، الأربعاء الدامي.

              الردّ السوري العنيف، عكَـس قلقا من أن تكون هذه الاتهامات بداية سياسة عراقية، ربما بتنسيق أمريكي كما قالت بعض التفسيرات، لممارسة مزيد من الضغوط على سوريا.

              القلق السوري صاحبه في حقيقة الأمر قلق عراقي في أن تكون هذه التفجيرات بداية إستراتيجية سورية جديدة، لتعكير الأجواء الأمنية الهشّـة أصلا في العراق.

              القلق متبادل ومشروع أيضا من كِـلا الطرفين، غير أن المُـفارقة أن هذه التفجيرات، التي جرت في داخل ما يُـعرف بالمنطقة الخضراء الحصينة، التي تضم كل الوزارات والسفارات الأجنبية، جاءت بعد أيام قليلة من زيارة رئيس الوزراء العراقي نورى المالكي لدمشق، حين تقابل مع الرئيس بشار، واتّـفقا سوِيا على تفاهُـم استراتيجي لتعميق العلاقات وآلية لحلّ الخلافات التي تطرأ بشأن الأمن على الحدود.

              وجوهر المفارقة، هو أن التفجيرات هي نقيض التّـفاهم الاستراتيجي وحالة الانفتاح المُـتبادل بين البلدين البازغة، وهو الأمر الذي كان الطّـرفان قد أظهرا حِـرصا كبيرا على إنجاحه وتطويره.

              ولذا، يبدو أي تفسير بتورّط سوري رسمي، مسألة غير مُـقنعة ولا دليل عليها، لأن لا عائد سياسي أو أمني لمثل هذه التفجيرات، وإن كان ذلك لا يعني أن سوريا في مرحلة سابقة، كانت بالفعل المصدر الرئيسي لعناصر مسلّـحة انطلقت من أراضيها إلى الأراضي العراقية لغرض مقاتلة الأمريكيين ومناهضة العملية السياسية، التي حاكها المحافظون الجُـدد في واشنطن، وتضمن بشكل ما تهديدات لسوريا نفسها هذا التدخّـل المُـسبق، وهو ما يعطي حجّـة للذين يتّـهمون سوريا بأنها وراء تفجيرات الأربعاء الدامي.

              وفي الوقت نفسه، فإن احتمال تورّط عناصر عراقية مُـقيمة على الأراضي السورية، مناهضة للحُـكم العراقي، يبدو احتمالا منطِـقيا إلى حدٍّ كبير وربّـما لغرض رئيسي، وهو إفشال العلاقة المُـتنامية بين دمشق وبغداد، حتى لا تتضمّـن لاحِـقا أي تضييق على حركة الناشطين العراقيين داخل سوريا، سواء كانوا بعثِـيين أو من انتماءات سياسية أخرى.



              إيران.. اختراق وتدخّـلات معروفة
              هذا التفسير ليس الوحيد الذي يُـمكن أن يجد بعض دلائل تمنَـحه شيئا من القوة النِّـسبية، فهناك تفسير يرى أن هذه التفجيرات لم تكن لتتِـم بهذه القوة، لولا اختراق في أجهزة الأمن، عبّـر عنه وزير الخارجية هوشيار زيباري صراحة أكثر من مرة، ولما كانت إيران هي صاحبة اليد الطولى في الشأن العراقي، فإن المنطق يقود أيضا إلى تورّط إيراني، أراد أن يوصل رسالة إلى حكومة المالكي ليذكِّـره بأن أي تحالف أو علاقة إستراتيجية بين العراق الجديد وطَـرف آخر، لابُـد أن تمر عبْـر طهران، حتى ولو كان هذا الطرف هو سوريا، الحليفة للسياسة الإيرانية منذ أكثر من ثلاثة عقود.

              وهناك كثير من السياسيين العراقيين يُـؤمنون بأن التدخلات الإيرانية هي المسؤولة، وهو ما لا يمكن للمالكي أن يقوله أو يُـصرِّح به، وأن هدف إيران هو إبعاد العراق عن مُـحيطه العربي وإبقائه دائما تحت رحْـمة الإستخبارات والسياسة الإيرانية وتوتير العلاقات العراقية مع جيرانه الإقليميين، ليبقى دائما بحاجة إلى التحالف مع إيران.

              مثل هذا التفسير، يستمد قوّته من موقِـف إيران نفسها، التي تقدّمت إلى تركيا بطلبٍ لتشكيل تحالُـف رُباعي يضمّـها مع تركيا وكلاّ من العراق وسوريا، تحت زعم أن ذلك التحالف كفيل بأن يوفِّـر آلية لحلّ الإشكالات التي تطرأ بين هذه البلدان في إطار إقليمي، وأن يثبت رغبة إيران في أن تلعب دورا إقليميا لصالح الاستقرار، من وجهة نظرها.

              ونضيف أن انزعاج إيران من الديناميكة التركية المتصاعِـدة في شؤون الإقليم وقبول العرب لذلك، ولو على مَـضض، هو سبب آخر يدفع إيران إلى بلورة معادلات أمنية في العراق، تدفع إلى إقناع جيرانها بقبول دورٍ إقليمي مباشر لها، يغطّـي على تدخّـلاتها المعروفة في العراق.



              يوم 18 أغسطس 2009، الرئيس السوري بشار الأسد مُرحبا برئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في قصر الشعب الرئاسي بدمشق (AFP)
              معادلات الداخل العراقي
              أيّـاً كان تفسير التفجيرات الدّامية والجهة التي تقِـف وتستفيد منها، فقد جاء الموقِـف الانفعالي من قِـبل حكومة المالكي السريع في توجيه الاتِّـهام إلى سوريا، وكذلك اللّـجوء إلى مجلس الأمن لتشكيل محكمة دولية لمحاسبة منفِّـذي التفجيرات، ليبلور معادلة جديدة، شقّـها الداخلي، يعني وجود أطراف داخل الحكومة العراقية ليست راضية تماما على الانفتاح العراقي على سوريا، التي يرونها كانت سببا رئيسيا في تدهور الأوضاع الأمنية لسنوات خلت، وأنه يجب التريُّـث قليلا في أي انفتاح عراقي على العرب أيضا.

              كذلك، فإن اتهام سوريا قد يسهِـم في اتخاذها سياسة جديدة ضدّ البعثيين المُـقيمين على أراضيها، ومن ثَـمَّ تُـخفِّـف دمشق مطالبها الخاصة بدمْـج البعثيين في المصالحة العراقية، وبالتالي، تقوي حجة المالكي ومؤيِّـديه الرافضين بقوّة توسيع المصالحة، لتشمل البعثيين، نظرا لما ينطوي عليه ذلك من تغيير في معادلات السياسة الداخلية لصالح قِـوى سُـنية، في وقت يقترب فيه العراق من الإنتخابات العامة بعد أشهر قليلة ويرغب فيه التحالف العراقي الشيعي أن يظل مُـهيْـمنا على الحياة السياسية.



              تركيا والقلق من التدويل
              أما الشق الخارجي، فقد طرح احتمال تدويل هذا التوتُّـر وتحويله إلى مسألة لا يمكن السّـيطرة المباشرة عليها، إلا بحسابات دولية كُـبرى، وهو ما يعني مزيدا من الضغوط على الطّـرفين معا، ويعني أن العلاقات العراقية السورية باتت مرشّـحة لأن تكون مصدَرا لتوتُّـر إقليمي طويل المدى.

              القلق من التّـدويل وتداعِـياته المُـربِـكة، دفع بتركيا إلى التحرّك، حيث ذهب وزير خارجيتها أحمد داوود أوغلو إلى البلدين، لمحاولة السيطرة على التوتُّـر الناشِـئ وإيجاد آلية لتفكيك أسبابه.

              مُـنطلق أوغلو في التحرك السريع، يستند إلى نظريته التي تشكِّـل أساس عمل السياسة الخارجية التركية في الإقليم، وهي نظرية العُـمق الإستراتيجي، التي تعني ببساطة أن موقِـع وتاريخ تركيا يضطرانِـها إلى التحرّك في كل اتِّـجاه، للحفاظ على مصالحها وأمنها.

              فتركيا لا تستطيع أن تغيِّـر الجغرافيا ولا يمكنها أن تهرب من تاريخها، حسب قول أوغلو في كتابه الشهير "العمق الاستراتيجي". ومن هنا، فإن استقرارها ونمُـوّها الاقتصادي مرهُـون بمدى الاستقرار في علاقات جيرانها وبعضهم البعض، فإن حدَث حريق في الجوار، أصاب بالقَـطع المصالح التركية، وهذا غير مرغوب ولا مطلوب.

              هذه الحركة التركية تستنِـد أيضا إلى مبدأين آخرين: أولهما، التّـوازن بين الحرية والأمن. وثانيهما، العمل على نزع فتيل أي صِـراع بين تركيا وجيرانها، وبين جيران تركيا وبعضهم البعض، وُصولا إلى حالة صِـفْـر صِـراع ولا نزاع، ومن ثمَّ التفرّغ إلى الإمتداد الاقتصادي وبناء شبكة مصالح عريضة تدعم الاستقرار.

              ومن هنا، تحركت أنقرة من قبل، لكي تكون طرفا في أي مفاوضات بين سوريا وإٍسرائيل، كما تحرّكت أيضا، وبسرعة، للسّـيطرة على التوتر السوري العراقي، ووقف الإنجرار نحو تدويله.

              المُـهم، تحرّك الوزير التركي حمل أدلّـة وقرائن عراقية حول تورّط عناصر بعثية مُـقيمة في العراق في تفجيرات "الأربعاء الدامي"، وهو ما رفضت سوريا قَـبولَـه أو الاعتراف به، ومن ثَـمّ رفَـضت الطّـلب العراقي لتسليم هؤلاء البعثيين، وعلى رأسهم يونس الأحمد.



              تشابك عربي تركي
              التحرك التركي استدعى اهتماما عربيا، وهنا تشابك التحرّك التركي مع التحرّك العربي، ممثلا في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة في دورتهم 132، وهو الاجتماع الذي شهد في بدايته مشادّة واتِّـهامات بين الوزيرين، زيباري والمعلّـم، ولكنه انتهى باتِّـفاق.

              لكن أفكارا مصرية وعربية سهّـلت اجتماعا رُباعيا، بين المعلّـم وزيباري وعمرو موسى وأوغلو، نتَـج عنه اتِّـفاق على احتواء التّـدويل ووقْـف الحملات الإعلامية وإفساح المجال أمام الجهود الدبلوماسية وعودة السفيريْـن إلى مقارِّ عملهما، وتشكيل لِـجان أمنية مشتركة لدراسة الوضع على الحدود المشتركة. ناهيك عن الاتِّـفاق على عقد اجتماعات أخرى في أنقرة وفي نيويورك، على هامش اجتماعات الأمم المتحدة.

              الاتفاق في حدّ ذاته يبدو جيِّـدا، كبداية لاحتواء التوتُّـر ومنع تفاقمه، غير أن ردّ مسؤولي الحكومة العراقية كان حذِرا إلى حدٍّ كبير، مع التأكيد على أن طلب تسليم المطلوبين من سوريا لم يتِـم التنازل عنه، كما أن سحب الطلب من الأمم المتحدة لتشكيل محكمة دولية بشأن محاسبة فاعلي التفجيرات، ما زال موجودا على الطاولة، في إشارة إلى أن وجود الطلب، يمثِّـل ورقة ضغط لن تُـسحب بسهولة، اللّـهمّ إلا إذا أثبتت سوريا تعاوُنا مقدّرا يرضي المطالب العراقية.

              لكن الملاحظة البارزة هنا، هي أن التحرّك العربي جاء مكمّـلا للتحرك التركي، فعمرو موسى في مشاركته للاجتماع الرّباعي، كان يرمُـز للنِّـظام العربي الرسمي، الذي لم يعُـد يستطيع التعامل مع قضايا أعضائه، إلا في ضوء الحسابات الإقليمية الأوسع، أما تركيا، فلم تعُـد مجرّد جارٍ تفرِضه الجغرافيا، بل لاعب قوي ومؤثر وصاحب رُؤية.



              د. حسن أبوطالب - القاهرة - swissinfo.ch

              تعليق

              • محمد زعل السلوم
                عضو منتسب
                • Oct 2009
                • 746

                #8
                من اغتال إيفانوف؟ آخر تحديث:الثلاثاء ,07/09/2010





                سمير سعيد
                مازال الغموض يكتنف حادثة مصرع نائب رئيس الاستخبارات العسكرية الروسية يوري إيفانوف في سوريا، حيث فجر الإعلان الروسي العديد من علامات الاستفهام عن الوفاة أثناء سباحته في أحد شواطئ مدينة اللاذقية، ليجره التيار في ما بعد، وفقاً للرواية الروسية، إلى المياه الإقليمية التركية .

                ويشكل توقيت الإعلان عن الوفاة أولى علامات الاستفهام، وذلك بعد حدوثها بأيام طوال وبعد أن تحللت الجثة إثر العثور عليها في 12 أغسطس/آب الماضي، هذا على افتراض صدق الرواية الرسمية الروسية . وهنا يبدو كأن إيفانوف مجرد شخص عادي وليس شخصية رفيعة المستوى، مع العلم أن مصرعه جاء خلال فترة زيارته الرسمية لسوريا للقيام بمهام عسكرية منها تفقد مبنى قاعدة عسكرية روسية جديدة في مدينة طرطوس الساحلية، والتي يتم توسيعها حتى تصلح لاستخدام أسطول البحر الأسود الروسي .

                النقطة الأخرى تتعلق بتبرير الوفاة بأنها نتجت عن غرق أثناء السباحة أو مشكلة في أدوات السباحة والغوص أدت إلى غرقه، وذلك من دون ذكر ما إذا كانت هناك حراسة شخصية معه في منطقة اللاذقية، مع العلم أن شخصية بهذا الحجم من المعروف أنها تحظى بحراسة ومراقبة شديدة نظراً للأدوار الاستخباراتية الحساسة التي لعبها في السابق في البلقان والقوقاز وخارجهما من عمليات اغتيال وتصفية جسدية ومهام أخرى .

                أيضاً التكتم الروسي يوحي بأن عملية وفاة إيفانوف، الذي ألف كتباً معادية للصهيونية، لم تكن طبيعية بالمرة وأن القصة تدور حول عملية منظمة ومعدة بإحكام لاغتيال هذا المسؤول الرفيع خلال وجوده في سوريا بشأن صفقات سلاح إلى دمشق وأمور أخرى لم تتكشف تفاصيلها بعد، وهو الأمر الذي حرك دوائر مخابراتية أخرى لقنص إيفانوف وتوجيه رسالة لموسكو بوقف دعمها العسكري لدمشق وأن تكف عن اللعب في الساحة العربية التي يعتبرها البعض ملعباً خاصاً به فقط .

                ربما كانت التصريحات الأخيرة بين الجانبي الروسي و”الإسرائيلي” تشكل عاملاً مهماً لتوقع ما حدث وقد يحدث في الفترة المقبلة .

                ففي أواخر أغسطس/آب الماضي نقلت بعض وسائل الإعلام “الإسرائيلية” عن مصدر “إسرائيلي” رفيع المستوى أن الكيان يجري محادثات مع موسكو بهدف الحيلولة دون بيعها دفعة من الأسلحة الحديثة إلى سوريا، ومن ضمنها صواريخ مضادة للسفن، إلى جانب القلق الصهيوني من احتمال بيع صواريخ “ياخونت” التي يبلغ مداها 300 كلم إلى دمشق، ومن ثم تسليمها إلى حزب الله، ما يجعل الشمال والداخل في فلسطين المحتلة في مرمى هذه الصواريخ، خاصة ان الحزب استخدم أسلحة روسية لصد عدوان تموز ،2006 ما زاد القلق الصهيوني من الوجود الروسي في سوريا .

                وفي مستهل الشهر الحالي أعلنت السفيرة “الإسرائيلية” لدى روسيا أنّا أزاري أن بلادها مهتمة بتقليص التعاون العسكري التقني بين روسيا وسوريا، ليزور بعد ذلك وزير الحرب إيهود باراك موسكو هذا الأسبوع للتوقيع على اتفاقية للتعاون العسكري توفر أساساً قانونياً لتطوير التعاون بين وزارتي الدفاع الروسية و”الإسرائيلية” في العديد من المجالات .

                وإذا استحضرنا عمليات الاغتيال التي وقعت في سوريا مؤخراً بدءاً من اغتيال قيادي في حماس عام 2004 وانفجار في مجمع عسكري شمال سوريا ،2007 مروراً باغتيال عماد مغنية والعميد محمد سليمان مسؤول التسليح في الجيش السوري في ،2008 يمكن أن نتيقن بأن وفاة إيفانوف لم تكن إلا حلقة ضمن سلسلة اغتيالات وتخريب تقوم بها “إسرائيل” .

                يبدو أن اغتيال إيفانوف حقق المراد منه، وما زيارة باراك إلا لقطف الثمار مع أول من اعترف بكيانه الغاصب .

                samirqqq@hotmail.com

                تعليق

                • محمد زعل السلوم
                  عضو منتسب
                  • Oct 2009
                  • 746

                  #9
                  سوريا والمقاربة الجديدة آخر تحديث:الأحد ,15/08/2010




                  الحسين الزاوي
                  إن الذي يتأمل المشهدين الإقليمي والدولي الذي تقف على عتباته سوريا بعد سنوات قليلة من محاولة عزلها ووضعها في خانة الاتهام، يمكنه أن يصل إلى قناعة مؤداها أن القيادة السورية تمكنت من تحويل المشاريع العدائية لخصومها إلى نقاط قوة تخدم مصالحها القومية من أجل بلورة استراتيجية إقليمية جديدة، تأخذ بعين الاعتبار مختلف المتغيرات الحاصلة في المنطقة في محاولة من أجل تفادي الفخاخ العديدة التي نصبتها القوى الدولية بالتنسيق مع “إسرائيل”، من أجل فرض شروط تسوية على المنطقة تخدم المصالح الصهيونية العليا . ومن نافلة القول أن نؤكد في هذا السياق أن احتلال العراق مثّل اللبنة الأولى لمشروع أمريكي وغربي، كان يطمح إلى إعادة رسم خريطة شرق أوسط جديد، لكن أحلام المحافظين الجدد في أمريكا تبخرت أمام جدار الصد والممانعة الذي قادته سوريا بالمنطقة . حيث إنه وبعد سنوات قليلة من بداية إحكام الحصار على سوريا بدأت مشاريع الهيمنة الأمريكية تتهاوى تِباعاً، فبعد أن كانت القيادة الأمريكية تريد أن تُدخل المنطقة برمتها في مسلسل تطبيعي شامل، فإنها لم تعد تطمح في هذه المرحلة إلى أكثر من عودة إعلامية باهتة لحملة العلاقات العامة بين السلطة الفلسطينية وحكومة نتنياهو .

                  وهكذا فإن المواقف السياسية السورية تعزَّزت على أكثر من صعيد، فموضوع المحكمة الدولية الذي كان يراد له أن يتحوَّل إلى سيف مسلط على رقبة القيادة السورية، بات قاب قوسين أو أدنى لأن يتحول إلى خنجر مسموم في خاصرة “إسرائيل”، خاصة بعد القرائن الجديدة التي أعلن عنها السيد حسن نصر الله في مؤتمره الصحافي الأخير، لينقلب بذلك السحر على الساحر .يحدث كل ذلك في لحظة أضحت تواجه فيها “إسرائيل” تحقيقاً أممياً، قد يكون الأول من نوعه وتُجهل حتى الآن انعكاساته الكاملة، وذلك إثر هجومها الهمجي الغادر على أسطول الحرية في المياه الدولية .

                  كما أن العلاقات السورية بالقوى الرئيسية والفاعلة بالمنطقة عرفت انطلاقة جديدة خاصة بعد المصالحة السورية السعودية، التي كان من أبرز محطاتها الزيارة التاريخية المشتركة لكل من العاهل السعودي والرئيس السوري إلى لبنان من أجل نزع فتيل الأزمة الداخلية في هذا البلد، ومن غير المستبعد بالتالي أن تُفضي الجهود الحالية المبذولة، إلى تحقيق مصالحة مصرية سورية . خاصة أن الرغبة السياسية الصادقة، متوفرة لدى الجانبين من أجل فتح صفحة جديدة بين هذين البلدين الكبيرين والمهمين على الساحة السياسية العربية .

                  وكانت العلاقات السورية اللبنانية قد شهدت في وقت سابق انطلاقة جديدة وفق أسس راسخة مبنية على الاحترام المشترك، غداة الزيارات المتتالية التي قامت بها القيادات السياسية اللبنانية إلى دمشق، وخاصة زيارة كل من الرئيس اللبناني ميشال سليمان ورئيس حكومة الوحدة الوطنية سعد الحريري، الذي أكد على الطابع الاستراتيجي والحيوي للعلاقات الثنائية بين سوريا ولبنان . ذلك أن هذه الزيارات المتتالية سمحت بضخ دماء جديدة في جسد العلاقات الأخوية بين البلدين الجارين، اللذين تجمع بينهما أواصر التاريخ والدم .

                  وبعد مرحلة المد والجزر التي عرفتها العلاقات بين دمشق وبغداد، فإن سوريا أضحت في الآونة الأخيرة البوابة المفضلة لمختلف السياسيين العراقيين، وقد استطاعت سوريا أن تحقق إنجازاً غير مسبوق على مستوى العلاقات بين الكتل العراقية، حينما تمكنت من إنجاز تقارب تاريخي وهام ما بين التيار الصدري والقائمة العراقية . واستطاعت الدبلوماسية السورية من ناحية أخرى أن تدفع بعلاقاتها مع تركيا إلى مزيد من التطور والتقدم البنّاء، لتصبح بذلك الدولة العربية الرئيسية التي تمكنت من ربط علاقات قوية ومتينة مع دولتين إسلاميتين كبيرتين هما إيران وتركيا، كما أنه لا يمكننا أن نغفل في هذا السياق الدور السوري اللافت في توطيد العلاقات التركية الإيرانية، وتحويلها من علاقات تتسم بالتنافس بين القوتين الإقليميتين إلى علاقات قائمة على التكامل واحترام المصالح المشتركة للبلدين .

                  أما على المستوى الدولي فإن القيادة السياسية السورية استطاعت أن تحقق إنجازات معتبرة على أكثر من صعيد، فعلى مستوى العلاقات الفرنسية السورية، استطاعت دمشق أن تُقنع ساسة باريس أنه لا يمكنهم أن يحلموا بالاضطلاع بأي دور سياسي في المنطقة بعيداً عن البوابة السورية، خاصة وأن سوريا تعتبر من البلدان القليلة في المنطقة التي تمتلك أوراقاً استراتيجية مهمة يمكن استثمارها من أجل منافسة الدور الأمريكي الجارف في الشرق الأوسط، وفضلاً عن ذلك فإن فرنسا لا يمكنها أن تحافظ على علاقاتها المتميزة مع لبنان من دون موافقة مسبقة من حلفاء سوريا في لبنان .

                  وعلى خلاف الفتور الذي اعترى العلاقات الإيرانية الروسية بعد الموقف الروسي المؤيد للعقوبات على إيران بشأن ملفها النووي، فإن العلاقات الروسية السورية بقيت محافظة على وهجها خاصة أن سوريا استطاعت أن تحوِّل العلاقات العسكرية المتينة بين البلدين إلى علاقات منفعة مشتركة يُصبح ممكنا بمقتضاها للأسطول البحري الروسي بالتوقف والانطلاق من الجبهة البحرية السورية المطلة على البحر الأبيض المتوسط .كما استطاعت القيادة السورية أن تستثمر الوقت لصالحها من أجل امتصاص عدوانية واشنطن ضدها، فقد وصلت العلاقات الأمريكية السورية في هذه المرحلة إلى نوع من الاستقرار بعد أن باءت كل المحاولات الأمريكية من أجل عزل سوريا بالفشل .

                  ويمكن القول تأسيساً على ما سبق أن التطورات الكثيرة التي أتينا على ذكر بعض عناصرها تؤكد أن سوريا استطاعت أن تبلور مقاربة جديدة لطبيعة العلاقات الإقليمية والدولية في منطقة الشرق الأوسط، مقاربة تقوم على مرونة فائقة في اتخاذ المواقف ورسم السياسات ولكن من دون التفريط في الثوابت القومية والوطنية، وهي معادلة سياسية شديدة الدقة والحساسية استطاعت سوريا أن تصوغها بكثير من الحنكة والاقتدار .

                  تعليق

                  • محمد زعل السلوم
                    عضو منتسب
                    • Oct 2009
                    • 746

                    #10
                    لماذا لم يُعطَ "الحزب" ضوءاً أخضر للمواجهة ؟
                    - 1 -
                    ربما لم يكن "حزب الله" يدرك، يوم نشب الخلاف بينه وبين الأكثرية في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة حول "المحكمة الدولية" ان يدها قد تطاله في يوم ما أو ان التطورات المفاجئة يمكن ان تجعل منه المشتبه الوحيد في ضلوعه في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ولهذا السبب ربما شدد الحزب على مواقفه المبدئية وأبرزها اثنان. الأول، لفت نظر الحكومة الى ان اسرائيل يمكن ان تكون ضالعة في الجريمة المذكورة ومحاولة لفت انتباه "المحكمة الدولية" الى ذلك. أما الموقف الثاني، فكان الدفاع بكل الوسائل المتاحة عن سوريا التي اتهمها الشارع اللبناني الأكثري وقادته في العلن بالاغتيال أو على الأقل بالمسؤولية عنه. وللسبب المذكور ايضاً ترك عملية "المحكمة الدولية" تسير على النحو الذي قررته الأكثرية الحكومية. ولو كان عنده في تلك المرحلة شك ما في امكان اعتباره مشتبهاً فيه لكان تصرف بطريقة مغايرة. وكان قام بما يهدد منذ أشهر بالقيام به دفاعاً عن نفسه وإن كانت تهديداته غير مباشرة الى حد كبير. والمقصود بهذا الكلام هو وضع اليد في صورة كاملة على البلاد بواسطة الآلاف من مقاتليه، وبتأييد ودعم من حلفائه الداخليين والاقليميين، وبصمت مطبق من الجهات الرسمية التي يفترض انها مسؤولة عن حماية الدولة والمؤسسات والارض والناس وحقوقهم. طبعاً لم يكن أحد واثقاً من نجاح خطة كهذه مئة في المئة. وفشلها كان يعني اغراق البلاد في بحر الاقتتال المذهبي وربما الطائفي. لكن في الحالين، أي في حالي النجاح والاخفاق، فإن الوضع اللبناني الذي ينشأ لا بد ان يؤثر سلباً على جهود الجهات الدولية وحتى العربية الراعية للمحكمة الدولية والمنتظرة قرارها الاتهامي ثم احكامها بصبر نافد، إذ يجعلها ذلك غير ذات موضوع.
                    ماذا فعل "حزب الله" عندما ادرك ان "المصيدة" الدولية ربما كانت له اساساً أو ربما صارت له لاحقاً لاسباب متنوعة؟
                    رأى أولاً انه لا يستطيع رفض التجاوب مع طلب المحكمة الاستماع الى اشخاص من عنده وإن بصفة شهود في المرحلة الاولى. وهي صفة قد تتحول بحيث يصبحون متهمين في مراحل لاحقة، اذا ظهر من خلال التحقيقات ما يبرر ذلك. فتجاوب، لكنه قرر ثانياً، وكان ذلك قبل أشهر قليلة، وضع خطة متكاملة لمواجهة المرحلة الحالية والأخرى المقبلة بالتعاون مع حلفاء الداخل والخارج، وهذا هو الخيار المفضل لديه، او منفرداً في حال لاحظ ضعفاً في الحماسة للتعاون معه كي يتجنب الوقوع في "المصيدة" المذكورة. اشتملت الخطة على عناصر قانونية، وأخرى سياسية محلية واقليمية، وعلى خيارات يمكن اللجوء اليها في الداخل، وعلى خطط تنفيذية لها. وأجرى الحزب خلال هذه المرحلة مشاورات واسعة مع الحلفاء في الداخل والخارج، بعضها كان رسمياً ومعلناً وبعضها الآخر لم يدرِ به أحد. وكان الهدف من كل ذلك الحصول في النهاية على ضوء أخضر من الحليف الاقليمي الأقرب وصاحب الوجود الحليف للحزب في لبنان للقيام بما يجب القيام به في حال الاصرار "الدولي" على استهداف الحزب. لكن هذا الضوء الأخضر لم يأتِ. ولم يُشْعِل هذا الحليف الضوء الأحمر في الوقت نفسه. فأبقى ذلك الضوء الأصفر مشتعلاً وحده. وهذا النوع من الضوء يثير الشكوك والحذر والتحفّظ والتحوط وربما الخوف اكثر مما يثير الاطمئنان.
                    عند هذا الحد قرر الحزب على ما يبدو، ومن مراقبة حركته السياسية والاعلامية في تنفيذ خطته الدفاعية، كما يسميها، ولكن على مسؤوليته. فكانت سلسلة "الظهورات" الاعلامية لأمينه العام السيد حسن نصر الله، التي كان الهدف من التصعيد التدريجي الذي مارسته، وضع اللبنانيين على تناقضهم وانقساماتهم والحكومة على انقسامها المعروف أمام خيار من اثنين. الأول، مُرّ على الأكثرية وهو تجنيب البلاد خطوات انقلابية او جولات عنف قد لا تنتهي باتخاذ موقف من المحكمة الدولية يفرغها من مضمونها ويجعلها غير ذات موضوع رغم ان اي قرار في شأنها صار أممياً. والثاني، مُرّ على اللبنانيين كلهم وهو الامساك بالبلاد بالقوة ووضعها على شفير هاوية سحيقة السقوط فيها قاتل. طبعاً لم تستسلم الأكثرية لكل ذلك، "فقاومت" ولكن بالاعلام والمواقف السياسية و"الكلمة الطيبة". وبدا للجميع ان لبنان ذاهب الى معركة كسر عظم معروفة بدايتها ولكن نهايتها مجهولة. اقلق ذلك حلفاء الأكثرية من العرب وفي مقدمهم المملكة العربية السعودية. وقد يكون اقلق سوريا ايضاً لأن نجاح "حزب الله" وإن كان حليفاً لها اساسياً في لبنان من شأنه ارباكها. ذلك انه قد يخلق وضعاً شبيهاً للوضع الذي خلقته ايام الحرب منظمة التحرير الفلسطينية وسائر فصائلها. أي قد يجعل الحزب منافساً لسوريا في النفوذ على لبنان رغم شراكتهما في السياسة، الأمر الذي يقلص دائرة مرونتها السياسية اقليمياً ودولياً وخصوصاً في ظل العلاقة العضوية والايديولوجية القائمة ومنذ التأسيس بين الحزب والجمهورية الاسلامية الايرانية. ففضل "الشقيقان اللدودان" السعودية وسوريا مصالحهما المنطلقة شكلياً من لبنان والتقى زعيماهما في دمشق، ثم انتقل الاثنان الى بيروت والتقيا "رؤساء" لبنان. وقيل ان اتفاقاً على التهدئة قد حصل بعد تعهد السعودية بذل الجهد لارجاء صدور القرار الظني عن المدعي العام في المحكمة الدولية، باعتبار ان اي تعهُّد آخر يتعلق بالمحكمة نفسها مستحيل التنفيذ. ومذذاك لاحظ اللبنانيون، ورغم استمرار الاطلالات الشعبية والتلفزيونية للسيد حسن نصر الله، ان الهدوء مطلوب بقرار اقليمي. وتأكدوا بعد انتهاء حادث برج ابو حيدر رغم استمرار ذيوله السياسية والمذهبية ان هذا القرار جدّي. لكنهم يسألون: الى متى يستمر الهدوء؟ وما هي عوامل التخلي عنه؟ وهل الموقف واحد داخل الحلف الاقليمي الراعي لـ"حزب الله"؟ وهل من صراعات بدأت داخل هذا الحلف في لبنان؟ وهل يمكن ان يتضرر حلف سوريا – ايران الذي صمد حتى الآن قرابة ثلاثين سنة؟
                    سركيس نعوم
                    sarkis.naoum@annahar.com.lb

                    تعليق

                    • محمد زعل السلوم
                      عضو منتسب
                      • Oct 2009
                      • 746

                      #11
                      بشار الأسد يجدد سياسة والده... ويُطبِّقها!
                      -2-
                      قبل الاجابة عن الاسئلة التي وردت في ختام "الموقف" يوم امس لا بد من متابعة دور سوريا في التطورات الجارية حالياً في لبنان ولا سيما في ظل رعايتها والسعودية جهوداً حثيثة، اولاً لمنع الخلافات بين السنّة والشيعة من التحوّل أعمالاً عنفية. وثانياً، لإعادة حد ادنى من العلاقة بين الفئات السياسية اللبنانية كلها وذلك بغية اشاعة استقرار ما، وتمكين اللبنانيين من انتظار "تسويات" الخارج او "حروبه" التي لا بد ان تحدد مصيرهم ومصير بلادهم سلباً او ايجاباً.
                      على ماذا تشتمل المتابعة؟ على موضوعين رئيسيين القاسم المشترك بينهما هو سوريا ودورها اللبناني المستعاد بعد تخليها عنه، وإن مرغمة عام 2005. الموضوع الاول، يتناول اعتقاد حلفاء اساسيين لسوريا في لبنان في مقدمهم "حزب الله" باحتمال ان يكون هناك داخل السلطة جهات ترغب في العودة الى السياسة اللبنانية التي اعتمدها النظام السوري في مراحل سابقة. وتقوم هذه السياسة على اعتماد التوازنات بين الطوائف ثم بين المذاهب والاحزاب والتيارات والشخصيات اساساً لنفوذها في لبنان ولعودتها الى ممارسة السياسة فيه على نحو مباشر. وسياسة كهذه تُربِك حلفاء سوريا الاساسيين لانهم يجدون انفسهم عاجزين عن "الحسم" الذي يعتبرون انه في متناولهم حاليا ويشعرون بالخوف من المستقبل اذ ان تطوراته قد تعيد الآمال المفقودة لأطراف لبنانيين معينين فيعودون الى رهاناتهم السابقة المعادية لسوريا وحلفائها اللبنانيين، وربما يحققون نجاحاً ثابتاً ودائماً لم يتمكنوا من تحقيقه قبل سنوات قليلة. وبذلك يكون هؤلاء استفادوا من غطاء سوريا لحفظ وجودهم اولاً وللاستعداد لاقتناص الفرص المناسبة لعودتهم الى النهج السابق اذا لاحت في افق التطورات الاقليمية والدولية. ويذكر هؤلاء الحلفاء الاساسيون لسوريا اسماء شخصيات وقيادات كثيرة يمكن ان تعود الى سياسة الطعن في الظهر في الظروف الملائمة وبعضها قديم وبعضها الاخر حديث ويمثل كتلة طائفية كبيرة او مذهبية لا تنظر بارتياح كي لا نقول اكثر سواء الى سوريا او الى حلفائها في لبنان، وما يأخذه الحلفاء انفسهم على سوريا هنا هو أنها تتساهل مع اعدائها السابقين من دون حصولها منهم على مقابل يضمن تخليهم عن العودة الى ممارسة العداء لها.
                      اما الموضوع الثاني، فهو اعتقاد حلفاء لسوريا وآخرين متابعين لسياستها اللبنانية ولاوضاع لبنان والمنطقة من زمان ان قيادتها الحالية تنفذ سياسة في لبنان مدروسة بدقة اخذ واضعوها في الاعتبار السياسة التي مارستها القيادة السابقة التي كان على رأسها الرئيس الراحل حافظ الاسد والتي حققت نجاحات مهمة تمثلت في الاستئثار بلبنان نفوذا وسياسة ووصاية بموافقة عربية ودولية. كما اخذوا في الاعتبار ايضا السياسة التي اتبعها خلفه، او بالاحرى اللاسياسة التي اثمرت قرارات بعضها خاطئ وكان له الدور الاكبر في ايقاعها في "المصيدة" الدولية - الاقليمية التي كانت تعدُّ لها نظراً الى انتهاجها سياسات "غير متعاونة" اذا جاز التعبير على هذا النحو.
                      أهم عنصر في السياسة السورية الجديدة او المُجدَّدة هو اقامة التوازنات التي ينتقدها حلفاء لدمشق كما ورد اعلاه. وهو ايضا "الاشتغال" بكل الاطراف اللبنانيين من حلفاء و"اعداء" والإفادة من الظروف اللبنانية الصعبة والاوضاع الاقليمية والدولية الاكثر صعوبة. اولاً، من اجل جعل الحلفاء الذين جعلتهم ظروف خارجية معروفة اقوى مما يجب داخلياً وحتى اقليمياً في حاجة دائمة اليها للصمود في وجه الاستهدافات المتنوعة وعاجزين عن الامساك بالبلاد وحدهم. وثانياً، من اجل جعل الاعداء الخائفين من حلفاء سوريا وايران من جراء ترسانتهم العسكرية الضخمة وعقائديتهم البالغة حد "الاستشهاد" يلجأون اليها للحماية ولكن طبعاً بعد تغيير المواقف والممارسات. ويعني ذلك كله ان أحداً لن يتغلب على احد، وان احداً لن يشعر بالاطمئنان على الاطلاق، وان احدا لن يتوافق وطنيا مع احد، وان احداً لن يشعر يوماً بالقدرة على التخلي عن الحماية السورية.
                      ولعل في العودة الى الماضي الاليم، بداية الحروب الاهلية وغير الاهلية، وما يساعد على تفهّم هذا الامر. فالمسيحيون وصلوا الى درجة الخوف من الهزيمة العسكرية وربما الابادة على ايدي الفلسطينيين وحلفائهم اللبنانيين. فاستنجدوا بسوريا ولبت نداءهم. لكن الحقيقة تفيد انها "اشتغلت" بالجميع في لبنان من لبنانيين وغير لبنانيين كي تبلغ الاوضاع حد المأساة الامر الذي يوجب تدخلها لـ"الانقاذ". علماً انها اشتغلت في الوقت نفسه على اميركا التي اشتغلت على العرب. وأدى ذلك الى حصولها على موافقة لبنانية – عربية – دولية على ادارتها لبنان او على وضعه تحت وصايتها لأن ابناءه عاجزون عن التفاهم وعن اقامة دولة. وما اشبه اليوم بالبارحة. فالذين يتابعون "مسلسل" التطبيع بين زعيم "المستقبل" الرئيس سعد الحريري وسوريا بشار الاسد يرون مشهداً سبق ان رأوه او مشاهد. فالحريري "استأسد" بعد سحوره الدمشقي ورد على ما تعرض له من قائد "حزب الله" السيد حسن نصرالله لكنه احتفظ في الوقت نفسه بدعوته الى الهدوء والتعاون والكلمة الطيبة. ورد الفعل "الحزبي" كان مُقدّراً له موقفه المُهدئ. ثم اتت مواقف الحريري في حديثه الاخير الى "الشرق الاوسط" السعودية لتؤكد ان دمشق بدأت تحصل من زعيم "المستقبل" على ما تريد او بعضه، وإن بالتقسيط. فهو "اعترف بأن شهود الزور ضللوا التحقيق وسيَّسوا الاغتيال" وأكد انه "اجرى مراجعة ذاتية للعلاقة مع سوريا" واعترف "بارتكاب اخطاء وفي مرحلة ما اتهمنا سوريا باغتيال الحريري، اتهاماً سياسياً، وكانت اتهامات سياسية متسرعة".
                      طبعاً نسارع الى القول اننا لسنا ضد التطبيع بين اللبنانيين او بين بعضهم وسوريا بعد مرحلة عداء مستحكم بين الجانبين. لكننا نحاول ان نتفهم ما يجري، على قدر معرفتنا او تحليلاتنا، وتالياً ان نُطلع اللبنانيين على ما نظن انه حصل. وذلك كي لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين. اما بالنسبة الى الاسلحة الواردة في ختام "الموقف" يوم امس فسنعود اليها غداً لأن السياسة اللبنانية لسوريا، المُجددة، قد لا تكون بعيدة عن خلفيات اقليمية وربما دولية.
                      سركيس نعوم
                      sarkis.naoum@annahar.com.lb

                      تعليق

                      • محمد زعل السلوم
                        عضو منتسب
                        • Oct 2009
                        • 746

                        #12
                        لبنان عاجز عن اتخاذ موقف خشية توتر إضافي
                        سوريا تختبر المفاوضات وتخضع لامتحان الغرب
                        هل تشكل المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين واسرائيل عامل توتر في لبنان يضاف الى عوامل التوتر الاخرى التي تثيرها الملفات الداخلية المتعددة؟
                        السؤال يستند الى رد الفعل الذي ابدته ايران على اعلان انطلاق هذه المفاوضات في واشنطن الاسبوع الماضي اذ رأت انها مفاوضات " ولدت ميتة " وهي ايلة الى الفشل. وارفقت هذا الموقف بانتقادات حادة للدول العربية التي تساهم في تغطية انطلاقها مما ادى الى رفض مصر استقبال وزير الخارجية الايراني منوشهر متكي الذي كان مقررا ان يزور القاهرة. وهي العبارات نفسها التي استخدمها الامين العام ل" حزب الله" السيد حسن نصرالله في وصفه لهذه المفاوضات في خطابه في "يوم القدس" في حين ان لبنان الرسمي لم يتخذ اي موقف شأنه في ذلك شأن سوريا التي رغم رعايتها التنظيمات الراديكالية الفلسطينية الرافضة لهذه المفاوضات، لم تبد موقفا علنيا واضحا بعد. كما انه قد يكون صعبا جدا على لبنان اتخاذ اي موقف ما لم يكن موقفا عربيا جامعا، علما ان هذا ليس كذلك على نحو واضح. فضلا عن انه لو وجد هذا الموقف لكان لبنان سيواجه وضعا حرجا ايضا مع ما يعبر عنه الموقف الايراني.
                        لكن الموضوع لا يتعلق عمليا باحتمال ان يتخذ لبنان موقفا بل بموقف سوريا الذي يؤثر على ايران كما على "حزب الله" مما قد يزيد عوامل توتره اضافة الى توتره اصلا بسبب التكهنات المحيطة بالقرار الاتهامي المرتقب صدوره عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.فسوريا الآن راهنا في موقع لا تستطيع فيه ان تقف موقفا مختلفا عن المواقف العربية الاخرى كما عن مواقف الدول الغربية واللجنة الرباعية التي امنت التغطية الدولية لهذه المفاوضات. فهي بعد اعلانها امام زعماء دول العالم مرارا وتكرارا انها تسعى الى السلام ان الكرة هي في ملعب اسرائيل، قد يكون صعبا عليها القفز الى معارضة المفاوضات المباشرة فورا كما فعلت ايران ومعها الحزب والتنظيمات الفلسطينية الراديكالية. فهي على غير ما تذهب اليه ايران تخضع هذه المفاوضات لامتحان في انتظار ان يتضح ما اذا كانت ستنجح ام ستفشل بحيث تتموضع معها او ضدها في حين ان ايران ترى الاسوأ في حال احرزت المفاوضات بعض النجاح. وتقول مصادر مطلعة ان موقف سوريا بدوره هو قيد الامتحان من قبل الدول الغربية وفي مقدمها الولايات المتحدة الاميركية لمعرفة ما اذا كان تكتيكيا ام استراتيجيا في شأن المفاوضات بمعنى اذا كانت تمتحن المفاوضات للدخول فيها في الوقت المناسب ام انها توحي بذلك فقط. فاذا فشلت المفاوضات المباشرة فان المسألة لن تكون لها اي قيمة في حين ان الامور ستكون على المحك في حال احرزت بعض التقدم او بدرجة كافية تسمح باستئنافها على المسار السوري ايضا. اذ ذاك تكون جملة امور في المنطقة على المحك وامام مفصل مهم جدا وخصوصا انه يجب الا يسقط من الاعتبار التواصل الاميركي السوري على هذا الصعيد والذي تفيد المعلومات المتوافرة في شأنه ان هناك كلاما بين الجانبين حول كيفية الدخول السوري في المفاوضات وزمنه وآليته الى جانب بعض المبادىء التي ينبغي اعتمادها في حال استؤنفت المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية بمعنى وجود رابط بين هذه الاخيرة والمسار السوري. والزيارات المتعددة لكل من المبعوث الاميركي جورج ميتشل ونائبه فرديريك هوف الذي كان في سوريا غداة الاعلان عن انطلاق المفاوضات تفيد بجدية واشنطن في تحريك المسار السوري والذي لا يمكن دمشق الا ان تعطي في ضوئه فرصة للمفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية في اسابيعها الاولى على الاقل وربما اكثر من ذلك بقليل. اذ لا تعتقد ان تاريخ 26 ايلول اي التاريخ الذي حددته اسرائيل لوقف تجميد الاستيطان سيكون سببا لوقف المفاوضات وسيتم تخطي ذلك وتبريره على الارجح في اطار بدئها وعدم المخاطرة بنسفها تحت طائل تحمل تبعات ذلك علما ان هذا التاريخ سيشكل محطة مهمة لرصد اي اتجاه ستسير فيه الامور.
                        روزانا بومنصف
                        rosana.boumounsef@annahar.com.lb

                        تعليق

                        • رنا خطيب
                          عضو منتسب
                          • Jul 2010
                          • 42

                          #13
                          الأستاذ الفاضل محمد السلوم

                          متابعة معك لهذا الملف المنقول...

                          تبقى المقالات تعبر عن وجهة نظر الكتاب و المحللين السياسيين .. و هي قابلة للتأويل و التغير ...

                          رغم قابلية احتراق الأوراق التي تملكها سورية لكن بفضل هذه السياسة أستطاعت أن تبعد عنها كابوس الحرب كل هذه السنوات رغم أن سورية هدف اسرائيل الاستراتيجي ...

                          حاولوا أن يغرقوها عدة مرات لكن كانت في كل مرة تنجو .. و في الحقيقة سورية ليست إلا مجرد بلد عربي مستهدف و الحرب قادمة قادمة كل ما تفعله أنها تبعد نيرانها قدر المستطاع ...

                          و الآن اللعبة السياسية أصبحت تجيد أبجديتها جيدا لذلك أعادت توازنها في المنطقة من جديد . و إيران و تركيا من خلالها تعبر ...

                          و هذا أدى إلى تقوية الوجود الإقليمي ..فالآن إسرائيل عليها أن تحسب ألف حساب عندما تريد أن تشن حربا على سورية..

                          لكن لسياسة سورية خط ثابت لم يتغير منذ زمن لأنها تدرك قوة مصالحها مع تلك الحلفاء و على رأسهم إيران... و هذه سياسة الراحل حافظ الاسد و على نهجها سار الرئيس بشار الأسد .. و قد يخطئ الكثير ممن يطفون على سطح تأويل أحداث السياسة بأن علاقة سورية مع إيران هي علاقة عقائدية .. بل هي علاقة مصالح بالدرجة الأولى...


                          لكن تبقى للسياسة دهاليزا مغلقة على فهم الشعوب... و ما يحدث في النهار قد يتناقض في الليل ...

                          لكن لا اخفيك شعوري بأني معجبة بذكاء هذه السياسة فقط في مرونتها و قابليتها للتمدد و التقلص عند الظروف..

                          و هذه هي السياسية هي لعبة المصالح و لا وجود للمبادئ فيها .. من كان صديقي اليوم سيصبح عدوي غدا بسبب المصالح...
                          مترجمة و كاتبة

                          http://rana-khateeb.blogspot.com/

                          تعليق

                          • محمد زعل السلوم
                            عضو منتسب
                            • Oct 2009
                            • 746

                            #14
                            استراتيجياً لا تزال ايران مطمئنة الى سوريا
                            -3-
                            العارفون المتابعون للاوضاع في لبنان والمنطقة، ربما بسبب تشابكها، وبعضهم قريب من طهران وبعضهم الآخر من دمشق، اجابوا في صورة عامة عن بعض الاسئلة التي وردت في ختام "الموقف" قبل يومين ولا سيما منها تلك المتعلقة بالهدوء الأمني وإمكان استمراره، وبوحدة الموقف داخل المحور الاقليمي الذي يضم سوريا والجمهورية الاسلامية الايرانية، واحتمال تضرر الحلف القائم بين هاتين الدولتين، فقالوا اموراً عدة ابرزها الآتي:
                            1- ان سوريا بشار الاسد لا تستطيع قبول ما يجري في لبنان. وهي لم تخفِ شعورها بالمفاجأة من عدد من المواقف الاخيرة التي اعلنها "حزب الله" بلسان امينه العام السيد حسن نصرالله والتي تعتبرها هي ايرانية الايحاء او ايرانية الاهداف. وقد يكون ما ازعجها عدم التنسيق معها قبل إعلانها. فضلاً عن ان من شأنها ربما اطلاق شرارة الحرب الاهلية في لبنان من جديد، او ربما توفير ظروف ملائمة لاندلاع حرب اقليمية جديدة بعد اربع سنوات من حرب تموز 2006 تبدأ بين اسرائيل و"حزب الله" واستطراداً لبنان، ولكن لا يعلم احد اين تنتهي وكيف، وخصوصاً اذا فشلت محاولات حصرها داخل الاطار اللبناني، او ربما اذا كان الهدف منها اساساً إشعال شرارة الحرب الاقليمية او الاقليمية – الدولية الواسعة. وسوريا لا تريد أيّاً من الحروب المشار اليها لأنها تحرجها وتستدرجها الى حرب قد تكون غير متكافئة وتالياً الى تسويات غير متوازنة هذا فضلاً عن الدمار والخراب اللذين سينجمان عنها.
                            2- اتخذت سوريا بشار الاسد في الاسابيع الاخيرة قرارين اعلنت احدهما ونفذّته ولم تُشِر الى الاخر على الاطلاق رغم ان وسيلة إعلامية لبنانية تحدثت عنه بخبر صغير. الأول، تعلق بـ"النقاب" النسائي طبعاً في الادارات وتضمّن حظراً له. اما الثاني، فقضى باقفال حوزات دينية (شيعية) بعدما تزايد عددها وربما تأثيرها. ولم يكن هذا الخبر ليُصدَّق لو كان مصدره "صحافياً" او اعلامياً فقط. لكن ما جعل نسبة صحته مرتفعة تأكيده من جهات سياسية اساسية في لبنان على اتصال ما بسوريا. وعندما جرت محاولات للاستفسار عن هذا الامر مع سوريين "عارفين" اجابوا على نحو غير مباشر. اذ قالوا ان سياسة النظام في سوريا هي التوازن. وهو لم يكن في استطاعته اتخاذ قرار يطاول في معظمه فريقاً شعبياً سورياً كبيراً والإحجام عن اتخاذ قرار يطاول فريقاً آخر وخصوصاً في ظل الاحتقان المُعلن بين الاثنين في المنطقة والمكتوم في سوريا للأسباب المعروفة.
                            3- اختلفت سوريا وايران الاسلامية في العراق، وظهر خلافهما الى العلن بعد الانتخابات التشريعية الاخيرة فيه، ولا سيما عندما رشحت الاولى اياد علاوي رئيساً للحكومة الجديدة، وعندما رفضت الثانية ترشيحه مصرّة على المالكي في رئاسة الحكومة او اي شيعي آخر. ومعروف ان سوريا ترفض المالكي الذي تهجَّم عليها اكثر من مرة وبعنف. طبعاً يقول البعض ان خلافاً كهذا قابل للتسوية. ويقول البعض الآخر انه سُوِّي. لكن اهميته انه حصل. ولم يكن الخلاف الاول. ولن يكون الاخير.
                            4- الحال في لبنان تعيسة بكل المقاييس المعروفة العلمية وغير العلمية. وجميع الاطراف "يلعبون" على حافة الهاوية، اي يمارسون السياسة على هذه الحافة. واحوال الجميع سيئة وان بنسب مختلفة بما في ذلك "حزب الله". والمشكلة ان احداً من هؤلاء لا يريد ان يدفع الثمن اي ثمن. كما ان المشكلة هي ايضاً انه لا مفر من قيام احد من هؤلاء بدفع الثمن. اي احد. الا ان الحرب الداخلية اي الاهلية الشاملة لا تزال مستبعدة رغم عدم استبعاد "الحرائق المتنقلة".
                            5- ايران وسوريا حليفتان، وقد وقعت بينهما خلافات. لكن خطر انفراط تحالفهما ليس قائماً. فايران لا تزال مطمئنة سورياً في كل ما يتعلق بالموضوع الاستراتيجي. اما الموضوعات الاخرى فالخلاف والاتفاق في شأنها واردان وربما مبرران. جرت محاولات عدة لفصل سوريا عن ايران. وعمل البعض على اقامة تحالف روسي – تركي – سوري. ومرة دار حديث عن تعاون تركي – سوري – لبناني – اردني. وكان الهدف من ذلك ولا يزال إشعار سوريا بالدفء في حال تخلت عن ايران. ذلك ان تخلّيها عنها سيشعرها بالبرد على نحو اكيد.
                            6- استعملت اميركا مع سوريا "سياسة العصا والجزرة" مثلما فعلت ولا تزال تفعل مع ايران. تجاوبت سوريا مع هذه السياسة، فاثمرت "صفقة" تضمنت اموراً عدة ابرزها اثنان. الاول، قبول بقاء سوريا متحالفة مع ايران لأنها تنال منها ما قيمته سبعة مليارات دولار سنوياً مساعدات متنوعة. والثاني، بقاء سوريا خارج اي عمل وخصوصاً عسكرياً عندما يقرر المجتمع الدولي او اميركا اي نهج يُعتمد مع ايران. والمقصود هنا هو الحرب طبعاً. يقال هنا ان ايران تعرف ذلك او عنه وربما تحتاج الى مزيد من التأكيد له. لكنها لا تزال تقول انها مطمئنة وواثقة ان سوريا لن تخطىء معها استراتيجياً. لكن الجميع في الانتظار. واذا خرجت سوريا من الحلف المذكور اعلاه بطريقة مؤذية لايران او تصرفت على نحو مؤذ فان الامور لن تكون سهلة عليها.
                            ما مدى دقة كل ذلك؟
                            مصادره موثوق بها ومجربة. والمتابعة الدقيقة لكل ما يجري في لبنان والمنطقة وبين الحليفتين دمشق وطهران ومع اميركا والمجتمع الدولي تشير الى ان صحة المعطيات المنشورة اعلاه قد لا تكون موضع شك. لكن ربما يعوزها بعض دقة اي تفاصيل. في اختصار يقول المثل "ان المياه تكذّب الغطّاس". ونقول نحن ان التطورات المستقبلية هي التي ستكذّب "العارفين" القريبين بعضهم من طهران وبعضهم من دمشق او تثبت صدقيّتهم.
                            سركيس نعوم
                            sarkis.naoum@annahar.com.lb

                            تعليق

                            • محمد زعل السلوم
                              عضو منتسب
                              • Oct 2009
                              • 746

                              #15
                              موقف الحريري ودوافعه في قراءتين سورية ولبنانية
                              تكريس الثقة مع دمشق يثير مخاوف على المحكمة
                              كثيرة هي الاسئلة التي اثارها الحديث الاخير لرئيس الوزراء سعد الحريري الى صحيفة "الشرق الاوسط" ليس حول حيثياته او خلفياته وهي معروفة وانما لما سيرتبه على المشهد الداخلي والاداء السياسي للحريري والتيار الذي يرئسه في المرحلة المقبلة، ذلك لانه يشكل تحولا مفصليا في المعركة التي يقودها زعيم "المستقبل" والغالبية في ملف المحكمة الخاصة باغتيال والده الرئيس الراحل رفيق الحريري.
                              وقد ربط كثيرون هذا الحديث بنتائج لقاء الحريري والرئيس السوري بشار الاسد اخيرا في دمشق وهو امر صحيح الى حد بعيد وان كان ثمة معطيات اضافية استجدت في الايام الفاصلة بين الزيارة وموعد صدور الحديث (الذي اجري قبل يوم الاحد الماضي وارتؤي نشره يوم الاثنين) عززت الدفع في اتجاه صدوره على ما جاء في حين ان كان ثمة توافق ان يأتي في سياق تدريجي من خلال اكثر من حديث يجريه الحريري ويضمنه موقفه من مختلف القضايا المطروحة التي تتطلب حسما للجدل الذي اخذ بعدا خطيرا بات يهدد الاستقرار الداخلي والسلم الاهلي على حد ما يرى معنيون بهذا الملف.
                              وفي حين احدث موقف الحريري من شهود الزور واسقاطه اتهامه سوريا سياسيا في قضية الاغتيال ذهولا من جمهور 14 آذار والوسط السياسي لرئيس "المستقبل"، ذلك انه لم يفاتح احدا به، فهو كان متوقعا في الاوساط المقابلة كنتيجة "طبيعية" لما اثير بين الاسد والحريري اثناء السحور الدمشقي الاخير على ما ينقل زوار دمشق الذين، خلافا للانطباع الذي خرج به الحريري عن اللقاء بوصفه اياه بانه كان "ايجابيا"، اكدوا انه اتسم بكلام صريح لصديق عاتب" اذ بادر الرئيس السوري وردا على ما اثاره الحريري حول استهدافه شخصيا وسياسيا من قوى الثامن من آذار ولا سيما "حزب الله" ولجوئه الى الاحتكام الى دمشق لوقف الحملات والحفاظ على اجواء الهدوء حرصا على الاستقرار العام والسلم الاهلي، بادر الى تأكيد التمايز بين الموقف الشخصي للاسد من الحريري والموقف السياسي لسوريا من "حزب الله" وحلفائها في لبنان. اذ نقل هؤلاء الزوار ابداء الاسد استعداداه التام للتعاون بين الرجلين على المستوى الشخصي وتعزيز الصداقة المستجدة. ولكن لا يمكن العلاقة على المستوى السياسي على ان تستمر على ما هي عليه. اذ بدا للقيادة السورية "ان الحريري في دمشق غيره في بيروت"، وكان السحور استعادة لمحطات تطور العلاقات بين لبنان وسوريا منذ الزيارة الاولى للحريري لدمشق.
                              واضاف هؤلاء ودائما في معرض نقلهم لما لمسوه من المآخذ السورية ان الانطباعات التي تخرج عن الادارة السياسية للحريري من موقعه كرئيس للحكومة اللبنانية لا تأخذ في الاعتبار هذا الموقع بل تنحو اكثر نحو موقعه كرئيس تيار وفريق سياسي فضلا عن عدم توظيفه الفرصة التي قدمتها القمة الثلاثية في بيروت من اجل ترسيخ الاستقرار وتحصين الجبهة الداخلية في مواجهة الاخطار الخارجية.
                              وبحسب المعلومات المتوافرة فان 3 مسائل اثيرت في السحور الدمشقي وكانت في الوقت عينه مدار نقاش بين مدير مكتب رئيس الحكومة نادر الحريري ومستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان في لقاء جمعهما على هامش لقاء الحريري والاسد.
                              وتمثلت الاولى في الادارة السياسية للملفات الداخلية والعلاقة مع الشركاء في الحكم والتي لم تعكس في راي الاسد مناخ التهدئة الذي ارسته قمة بيروت.وتناولت المسألة الثانية ملف شهود الزور "الذين اساؤوا الى العلاقات اللبنانية – اللبنانية واللبنانية – السورية وحاول من وراءهم ضرب النظام والاستقرار في سوريا" على حد ما نقل الزوار انفسهم مضيفين "انه لم يصدر اي اعتذار الى القيادة السورية والشعب السوري عما قام به فريق من اللبنانيين ولم يلاحق هؤلاء ولم يتحرك القضاء في اتجاههم".
                              اما المسألة الثالثة فتمثلت في مقاربة حادث برج ابي حيدر الذي رأت القيادة السورية انه يمت من زاوية ان مسجداً أحرق بدلاً من التصدي للسبب المباشر للحادث وهو اغتيال مسؤول في "حزب الله" ومعاونه مما جعل التعامل يظهر على انه مع النتائج وليس مع الاسباب وان ذلك كان بمثابة اغتيال للمقاومة الامر الذي يدفع سوريا الى تجديد موقفها من المقاومة وسلاحها والتأكيد ان السياسة المتبعة لا تحمي المقاومة ولا تؤمن الاستقرار والسلم الاهلي.
                              وخلاصة السحور كما فهمها زوار دمشق ان اي مساعدة مطلوبة من سوريا لا يمكن ان تحصل اذا استمر النمط السياسي على حاله وان المطلوب خطوات عملية تعكس التزام الحريري. هذا التوجه الذي ترعاه المملكة العربية السعودية وتكرس مسيرة بناء الثقة بين الحريري وتياره والقيادة السورية بحيث لا يتحوّل كل حادث او مفصل في الحياة السياسية اللبنانية محطة استعادة مواقف او معاتبة على التزامات او وعود لم تنفّذ.
                              هذا في القراءة السورية. ولكن ماذا عن القراءة المحلية للحديث الاخير للحريري وهل يعبّر عن موقف تيار "المستقبل"؟ وماذا سيرتب على مسار الملفات السياسية المرتبطة بشكل وثيق بالملف الاساسي للمحكمة الدولية وما يستتبعها من قرار ظني وشهود زور؟
                              لا شك ان الوسط الداخلي بجناحي 8 آذار و14 آذار في حاجة الى قراءة متأنية لموقف رئيس الحكومة وزعيم "المستقبل" وعدم التسرّع في الحكم عليه سلباً او ايجاباً. "فهو حتماً لديه معطياته التي املت عليه مثل هذا التحوّل وهي معطيات محكومة بحرص دولة الرئيس على الاستقرار السياسي والامني والسلم الاهلي واستعادة اللحمة بين اللبنانيين" على ما يجيب مصدر سياسي "مستقبلي"، مشيراً الى انه سيترك للرئيس الحريري ان يخاطب اللبنانيين في شأن هذا الموقف الذي املته عليه الظروف السياسية المحلية والاقليمية، المحكومة بسقف التفاهم السعودي – السوري، من دون ان يعني ذلك تنازل زعيم "المستقبل" عن ثوابته او مسلماته، وهي بدت واضحة في موقفه من المحكمة عندما فصل بين الاتهام السياسي لسوريا وتراجعه عن ذلك الاتهام، في اطار الصفحة الجديدة المفتوحة مع دمشق، والمحكمة ومسارها "الذي لا علاقة له باتهامات سياسية كانت متسرعة، هناك تحقيق وهناك محكمة والمحكمة لا تنظر الا في الدليل".
                              ولكن هل هذا يعني ان كلام الحريري لن يطاول مسار المحكمة وماذا في حسابات الربح والخسارة من جراء هذا الكلام؟
                              اذا كان رئيس الحكومة ربح في كلامه سوريا ومبدأ تكريس الثقة معها انطلاقاً من المسار الذي بدأه منذ خطا خطواته الاولى نحو دمشق قبل اشهر، وربح بذلك ما كان يحرص دائماً على الاحاطة به، وان كان على حساب رصيده الشخصي، وهو الاستقرار والحفاظ على وحدة حكومته، فهو في المقابل اعطى الفريق الآخر ما يطمئنه وان نسبياً (في ظل تراجع عامل الثقة بين الجانبين) في مرحلة اعادة بناء الثقة الحافلة باستحقاقات وتحديات داخلية واقليمية.
                              وسجلت مصادر سياسية مجموعة من الخلاصات نتيجة كلام الحريري:
                              - أولها ان شهر العسل مع سوريا عبر طي صفحة الماضي من دون الاعتذار عن تراكماتها انتهى وبدأت مرحلة تسديد الفواتير مع قرب موعد الاستحقاقات الاقليمية الداهمة. وان الكلام الاخير للحريري ليس الا بداية لمواقف ستكون أكثرتشدداً وتعكس مسار التحوّل في العلاقات اللبنانية السورية.
                              - عودة سوريا بنفوذها السياسي من الباب العريض بعدما استعادت كل حلفائها وطوت بذلك حقبة سنوات الثورة وشعارات السيادة والاستقلال، وضبطت مجدداً الملف اللبناني وهذا سيترجم في بلورة منحى العلاقة بين الحريري و"حزب الله" قريباً جداً.
                              - ان الاعتراف بملف شهود الزور من جانب الحريري خلافاً لكل المواقف السابقة، شكّل التعويض المعنوي او ربما المقايضة في مقابل طي ملف برج ابي حيدر.
                              ولكن الاهم من كل ذلك وربما الاخطر في رأي المصادر ان الاعتراف بهذا الملف معطوفاً على نزع الاتهام السياسي عن سوريا قد يترك مخاوف على مسار المحكمة في شكل عام.
                              واذا كان الاعتذار من سوريا شكّل الخطوة الاولى على طريق استعادة الثقة معها، فإن ثمة خطوات اخرى متوقعة ستظهر تباعاً لتكريس هذه الثقة علماً ان عارفي السياسة السورية يعلمون ان دمشق لا ترتوي بسهولة، فكيف الحال وقد بات الملف اللبناني ثميناً جداً في الرهان المفتوح على فصل المسار السوري عن الايراني وإلحاقه بمسار المفاوضات المباشرة مع إسرائيل؟
                              سابين عويس
                              sabine.oueiss@annahar.com.lb

                              تعليق

                              يعمل...
                              X