صلاح الدين الأيوبي كان كرديا ً وعربيا ً وتركيا ً
مصطفى آرمغان
(مقال نشر في صحيفة زمان التركية بتاريخ 2011.11.5)
ترجمه بتصرف: عامر الهنيني
مصطفى آرمغان
(مقال نشر في صحيفة زمان التركية بتاريخ 2011.11.5)
ترجمه بتصرف: عامر الهنيني
أثناء اجتماع خاص بحزب العدالة والتنمية صرّح رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان بأن "أحفاد صلاح الدين الأيوبي الحقيقيين" يتخذون موقفا ً يناوىء الإرهاب مما دعا البعض للحيرة في مدلول هذا الوصف، وتساءلوا إن كان السيد الرئيس عنى بذلك الأكراد فقط أم سكان البلاد إجمالا ً؟ وعلى صعيد آخر أطلقت وسائل الإعلام تساؤلا ً عن هوية صلاح الدين الكردية كان بمثابة سهم هوى بمداده على الصفحات البيضاء.
شخصيا ً أنا ممن يرون أن الجدل حول الجذور العرقية في تركيا أمر أجوف، لأن فرعا ً من عائلتنا أتى إلى أورفة من الشام وتلاقى فيها بفروع أخرى قدمت من آماسية وحِلوان وغيرها، وبعد ذلك بردح طويل أدهشني أن أعلم أن كثيرا ً من الكلمات في لغة أمي وردت في كتاب " دده قورقود" ! إن تساؤلي حول أصل هويتي إن كنت كرديا ً أوعربيا ً أو تركيا ً لغز مستعص ٍ على الحل على جميع الأحوال كفصل خليط ماء بارد وساخن في دلو واحدة.
إنه مهم جدا ً بالطبع أن يخرج من بين ظهراني الأكراد شخصية تعدّ إحدى أعظم الشخصيات في التاريخ الإسلامي والعالمي، ولكن لا ينبغي أن يتحول ذلك إلى خطأ من خلال اختزال هذه الشخصية في عرق بعينه، لأنها قيمة إسلامية بل قيمة إنسانية مشتركة، ولا يجب ألا ننسى أن الفرنسيين أنفسهم أرادوا احتكار هذه الشخصية بزعمهم أنها فرنسية الأم وكأن موقع صلاح الدين الأيوبي في مركز الجمال الذي ليس بالمقدور تحاصصه.
يدّعي الكرد أن صلاح الدين كردي، ويدعي العرب أنه عربي، ويدعي الترك أنه تركي. و لا يجدر بذلك أن يكون سببا ً للتنازع والاختلاف بل يجب أن نستوقف ونتلمس جمال التنافس في شخصه في سبيل امتلاك قيمة عالمية.
أكان صلاح الدين الأيوبي قوقازيا ً؟
في حوزتنا أربع أو خمس مصادر عربية تقول إن صلاح الدين كرديّ، كما أننا نُعْتبَرُ محظوظين بأن يظهر بعد قرن من عصر صلاح الدين مؤرخ مثل ابن خلكان الذي تحقق من نسبه. أورد المستشرق مينورسكي نقلا ًعن ابن خلكان في دراسته ( Prehistory of Saladin): "اتفق أهل التاريخ على أن أباه وأهله من دُوِين .... وهي بلدة في آخر عمل أذربيجان من جهة أران وبلاد الكرج، وأنهم أكراد رَوَادِيَّة..... والروادية: بطن من الهَذْبانِيَّة .... وهي قبيلة كبيرة من الأكراد..... ومولد أيوب والد صلاح الدين بها، وشاذي أخذ ولديه أسد الدين شيركوه ونجم الدين أيوب وخرج بهما إلى بغداد، ومن هناك نزلوا تكريت، ومات شاذي بها ، وعلى قبره قبة داخل البلد. ولقد تتبعت نسبتهم كثيراً فلم أجد أحداً ذكر بعد شاذي أبا آخر....".
ومما ذكره ابن خلكان نخلص إلى النتائج الآتية:
1. تعود جذور صلاح الدين الأيوبي إلى قرية أَجْدَانَقاَن (Azanakan) قرب دوين إحدى المراكز الإسلامية الرئيسة في القوقاز.
2. إن جذور آل صلاح الدين كردية.
3. ينتسب آل صلاح الدين إلى عشيرة الروادية إحدى فروع الأكراد الهذبانية.
وعلى غرار ابن خلكان يذكر مؤرخون كالكردي شرف الدين البدليسي في كتابه " شرفنامه" والمؤرخ ابن الأثير أن صلاح الدين الأيوبي يعود بأصله إلى الأكراد الرَّوَانْدِيّة (الرواديّة)، ولكن مينورسكي يلفت نظرنا إلى نقطة مهمة: ليس القوقاز الوطن الأم لعشيرة الروادية، بل يحتمل أنهم هاجروا إلى وادي آراس شمال شرق الأناضول كموجات بشرية قبل القرن العاشر الميلادي كما هو معروف من منطقة أربيل، لأن كلمة " هذباني" لها صلة قديمة بأربيل.
وبناء على هذا التحليل الوجبز لمينورسكي ندرك أن أذربيجان ليست الموطن الأصلي لآل الأيوبي، فمن أين جاؤوا إلى هناك إذا ً؟ أمن أربيل؟
في تركيا يعيش أحد أدرى وأخبر المؤرخين المتخصصين في تاريخ صلاح الدين على الصعيد العالمي؛ إنه " د. رمضان ششان Ramazan Şeşen" ؛ اسم متواضع يبقى مجهولا ً على كل حال ما عدا بين زمرة المؤرخين الأتراك. وقد سلط د. ششان الضوء على الأصول العرقية لصلاح الدين الأيوبي مستهلا ً البحث الذي تناول شخصه في كتابين رائعين فاتحا ً بذلك نافذة مزوية لم تخطر على بال أحد من المؤرخين الآخرين.
ووفقا ً لهذه الدراسة اصطنعت شجرات أنساب عديدة إثر وفاة صلاح الدين الأيوبي لكونه يحظى بشهرة وصيت عظيمين، بل إن بعضها امتدت سلسلة النسب فيها إلى قريش وبعضها إلى بني أمية.
من اليمن إلى آذربيجان
ولكن يرى المؤرخ " اليعقوبي " في أحد مصنفاته أن الأكراد الروادية تعود إلى رَوّاد بن المثنى الأزديّ وهو من العرب اليمانيّة التي هاجرت من البصرة واستقر بها المطاف في آذربيجان سنة 758م، وقبل ذلك أقامت عشيرة الروادية في جوار تبريز، وحينما قويت شوكتها وعظم أمرها تولت أمر تبريز ثم اعتبر أبناؤها أنفسهم أكرادا ً بعد أن تمازجوا مع الزمان بالأكراد الهذبانية الذين استوطنوا تلك المنطقة منذ القرن العاشر الميلادي، ولهذا يعتبر أسلاف صلاح الدين الأيوبي عربا ً ثم استكردوا بمرور الزمن.
والآن نعرج على الشق التركي في مسألة النسب الأيوبي..
إن " طورانشاه" اسم الأخ الأكبر لصلاح الدين وهذا يقدم لنا مثالا ً صغيرا ً على اختلاط العائلة الأيوبية بالأتراك، كما أن أحد إخوته الأصغر سنا ً يدعى " طوغتكين " وآخر يدعى " بوري " – أي الذئب – فهل كان وجود ثلاثة إخوة له يحملون أسماء تركية من قبيل المصادفة؟
لقد أضاف د. رمضان ششان إلى ما ذكره كون " مظفر الدين كوكبري Gökböri " أحد أصهار صلاح الدين الأيوبي تركيا ً أيضا ً، وتوصل د. ششان كذلك إلى أن صلاح الدين تركي من جهة والدته لأن اسم خاله " تكش Tüküş/ Tokuş "، فضلا ًعن أن النساء اللاتي عرفناهن من عائلته أيضا ً كن يحملن أسماء تركية (وكان د. رضا نور في كتابه "التاريخ التركي " قد استدل على أن صلاح الدين تركي بأنه قبل أن توافيه المنية أوصى بتقاسم أبنائه أراضي دولته فيما بينهم وهذا هو نظام " أُلُش ülüş " المعمول به في الدول التركية).
وهنا جاءت كلمات د. رمضان ششان بهذا الصدد معبرة للغاية: " لقد تحرك الجنس الكردي بمعية الترك أثناء إرساء دعائم حكمهم في الشام ومصر والأناضول وغيرها من أمصار الشرق الأوسط، فهذا الشاه إسماعيل وعدد جمّ من الترك في إيران تشيعوا وقدموا خدماتهم للهوية الإيرانية، بينما بقي أكراد شرق الأناضول أوفياء للعثمانيين على النقيض من الكثير من القبائل التركية، وأسدوا خدماتهم لصالح الهوية التركية ".
ولهذا السبب ينتمي صلاح الدين الأيوبي لعائلة مختلطة الأعراق، وهذا ينعكس إيجابا ً على المسلمين في تركيا وباقي أنحاء المعمورة. أجل، كان آباؤه وأجداده عربا ً تكرّدوا بمرور الزمن وعدّوا أنفسهم أكرادا ً ثم دخل الأيوبيون في مرحلة التأثر المتبادل مع الترك في دولة نور الدين زنكي التي عملوا على تشكيل بنيتها ثم آلت في النهاية أمورها إليهم، فحصل التتريك فيهم لأن إدارة الدولة والجيش في الدولة الزنكية والأيوبية والمملوكية كانت بيد الترك، وكانت إدارة الدواوين بيد العرب، فضلا ً عن أن نسبة معتبرة من الجند في جيوشها كانوا من الكرد.
في الختام أقول إن صلاح الدين الأيوبي كان عربيا ً وكرديا ً وتركيا ً أيضا ً، وأدعو للتحرر من ربقة التصنع والدعايات التي ستعمل على فصم عرى وحدتنا. لقد عمل صلاح الدين على تكريس نفسه لتوحيد العالم الإسلامي تحت راية واحدة، وهو من رأى أن داءه الرئيس كان يتمثل في الانحلال الأخلاقي السياسي آنذاك، وهو كما عبر عنه المستشرق جيب كان قد مهد مجددا ً سبيل الوحدة في إطار مبادىء أخلاقية مخرجا ً الإسلام من أوحال الخناعة السياسية. وأتساءل: لمَ تعجز ذكراه العزيزة أن ترى اليوم نفس صنيعه؟
الرابط الإلكتروني للمصدر: http://www.tumkoseyazilari.com/yazar...de-turktu.html