مقعد السعودية بمجلس الأمن: الاستراتيجية والتأثير
بقلم: فيصل كريم
يقال أن "صاحبك لا يغشك"، فهو صديق يفترض فيه الصدق بتعامله مع الصديق وتوجيهه نحو ما يحقق له المصلحة، فما بالنا إن كان هذا الصديق يتصف بالخبرة والوعي والدراية. لكن من المؤسف أن من يطلقون على أنفسهم "خبراء استراتيجيون خليجيون" يتعامون عن أبسط البديهيات الواضحة والمتمثلة بالأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبتها الدبلوماسية السعودية وسياساتها طوال العقد الماضي. فالخطأ الاستراتيجي المحوري يتمثل بالموافقة (سواء ضمنيا أو فعليا) على شن أمريكا الحرب على العراق وغزوها عام 2003. فهذه الموافقة الضمنية أو الفعلية من السعودية وبقية بلدان الخليج أدّت إلى نتيجة جليّة لا تخطؤها عين، وهي السماح للغول الإيراني بالتفرد بمنطقة الخليج والعراق والشام والتمدد خارجها، وبغض طرف أمريكي. وعلى هؤلاء الخبراء التفكير بجدية بمسألة حدوث هذا التمدد خلال فترة حكم الصقور بالإدارة الأمريكية لبوش الإبن، فما بالك بالوضع الذي سيكون عليه خلال فترة حكم حمائم واشنطن الحاليين؟ أما آخر الأخطاء -إن لم تكن الخطايا- فهي إطلاق اليد بإحداث فوضى سياسية في مصر عبر التدخل السافر بشؤونها الداخلية، وتغليب العسكر على الخيار والإرادة الشعبية. وسيؤدي هذا الوضع إلى خلق أزمات داخلية متتالية في أرض الكنانة، وهو ما لن يمكنها من تأدية دورها الاستراتيجي الذي يأمله منها العرب. فلو كانت مصر بوضعها الطبيعي، فإنها ستكون صخرة قوية بوجه الأطماع الإيرانية التوسعية، لكن سياسات حكام الخليج ستؤدي إلى وجود مصر منغلقة وضعيفة ومنشغلة بمشاكلها الداخلية، وهي الفرصة السانحة التي تتمناها إيران. وبمعنى آخر، فإن الأخطاء الاستراتيجية لحكام الخليج يستثمرها الإيرانيون لمصلحتهم، من حيث لا يفطن الخليجيون. وتشير الوقائع أن نزيف الأخطاء لا زال مستمرا ولا يلوح بالأفق ما يعالج هذا الخلل الخطير.
ويبدو أن هذه المرونة الاستراتيجية الإيرانية وحسن توظيفها لأخطاء الآخرين قد أعجبت الجانب الأمريكي الذي قد يرى أن هنالك إمكانية بتطويع المارد الإيراني لإعادة تأهيله نحو القيام بدوره المأمول أمريكيا، ألا وهو دور "شرطي المنطقة"، كما كان عليه الحال إبان الحقبة الشاهنشاهية. وإثر اندلاع الفوضى في مصر، فإن الأمريكيين شعروا أن الوضع القائم فيها قد يدوم ربما لعقود قادمة، وهو ما لن يجعل مصر قادرة على أداء أي دور استراتيجي فعال سواء بمنطقة الشرق الأوسط أو في الخليج العربي كعنصر توازن استراتيجي. وهذه الحال، كما يظهر لنا، أدت بالأمريكان إلى محاولة التفاهم مع إيران، على أمل إسقاط ورقة تهديد الكيان الصهيوني المستمرة والتي يلوح بها مسؤولو إيران كلما أرادوا لفت الانتباه لهم. ولو أسقطت إيران هذه الورقة فعلا، لبصم لهم الأمريكيون على كل ما يريدون، بما فيه مسألة النشاط النووي الإيراني. وللتذكرة، فإن تحول إيران كقوة نووية كان قد بدأ بعصر الشاه بموافقة وترحيب أمريكي. ولهذا فإن الورقة الاستعراضية التي تلوح بها إيران بتهديد الكيان الصهيوني هي فقط ما يزعج أمريكا، فمتى ما وصلت للأخيرة إشارات ودلائل حقيقية أنها مجرد شعارات لا أثر لها على الواقع، فستعود سياسة الولايات المتحدة كما كانت لاحتضان إيران من جديد لتجعلها هي الطرف المفضّل بالخليج.
ومن هنا، فإن على الخليجيين أن يدركوا أن معظم أوراق اللعبة الاستراتيجية ليست في أيديهم، وأنهم قد يتحولون إلى طرف مفعول به بوقت قياسي. وعليهم ألا يخدعوا أنفسهم بأنهم قادرون على إحداث تأثير فعلي على الجانب الأمريكي. فهذه القدرة تحتاج إلى خبرات عميقة وعمل متراكم داخل الفسيفساء الأمريكي منذ عشرات السنين، وهو ما لم يؤسسه الخليجيون ولا العرب. ويجدر بالذكر أن الخليجيين حرّموا على أنفسهم وعلى العرب استخدام النفط كسلاح استراتيجي مؤثّر على الغرب، وهم بذات الوقت لا يمتلكون أسلحة أو أوراق ضغط أخرى بخلاف النفط، وهذا الأمر ينطبق على الودائع الخليجية والصناديق السيادية والاستثمارية، فهل حكومات الخليج قادرة على نقلها من المصارف الأمريكية وبيوتها المالية مثلا؟ لا أظن ذلك. فما هو وزن أو تأثير أن ترفض السعودية أخذ مقعد غير دائم بمجلس الأمن على الولايات المتحدة، وإحداث ضجة إعلامية مفتعلة حول ذلك؟ وكيف لنا أن نرى تأثير هذا الوعيد الذي أرعد بها بعض المسؤولين السعوديين كالأمير بندر بن سلطان على الواقع السياسي الأمريكي؟ علينا أن نتحلى بالواقعية والمنطقية، وعلينا، بما هو أكثر أهمية، أن نقلل من الأخطاء السياسية ناهيك عن الوقوع بالكوارث الاستراتيجية. فدول الخليج فشلت حتى الآن في تفعيل اتحادها الكونفيدرالي الخليجي رغم عدم وجود ما يمنع ذلك، فكيف لها أن تواجه المخططات الأمريكية الغامضة لمنطقة الخليج في السنوات القليلة القادمة؟ الأيام المقبلة حبلى بالأنباء والأخبار.
ويبدو أن هذه المرونة الاستراتيجية الإيرانية وحسن توظيفها لأخطاء الآخرين قد أعجبت الجانب الأمريكي الذي قد يرى أن هنالك إمكانية بتطويع المارد الإيراني لإعادة تأهيله نحو القيام بدوره المأمول أمريكيا، ألا وهو دور "شرطي المنطقة"، كما كان عليه الحال إبان الحقبة الشاهنشاهية. وإثر اندلاع الفوضى في مصر، فإن الأمريكيين شعروا أن الوضع القائم فيها قد يدوم ربما لعقود قادمة، وهو ما لن يجعل مصر قادرة على أداء أي دور استراتيجي فعال سواء بمنطقة الشرق الأوسط أو في الخليج العربي كعنصر توازن استراتيجي. وهذه الحال، كما يظهر لنا، أدت بالأمريكان إلى محاولة التفاهم مع إيران، على أمل إسقاط ورقة تهديد الكيان الصهيوني المستمرة والتي يلوح بها مسؤولو إيران كلما أرادوا لفت الانتباه لهم. ولو أسقطت إيران هذه الورقة فعلا، لبصم لهم الأمريكيون على كل ما يريدون، بما فيه مسألة النشاط النووي الإيراني. وللتذكرة، فإن تحول إيران كقوة نووية كان قد بدأ بعصر الشاه بموافقة وترحيب أمريكي. ولهذا فإن الورقة الاستعراضية التي تلوح بها إيران بتهديد الكيان الصهيوني هي فقط ما يزعج أمريكا، فمتى ما وصلت للأخيرة إشارات ودلائل حقيقية أنها مجرد شعارات لا أثر لها على الواقع، فستعود سياسة الولايات المتحدة كما كانت لاحتضان إيران من جديد لتجعلها هي الطرف المفضّل بالخليج.
ومن هنا، فإن على الخليجيين أن يدركوا أن معظم أوراق اللعبة الاستراتيجية ليست في أيديهم، وأنهم قد يتحولون إلى طرف مفعول به بوقت قياسي. وعليهم ألا يخدعوا أنفسهم بأنهم قادرون على إحداث تأثير فعلي على الجانب الأمريكي. فهذه القدرة تحتاج إلى خبرات عميقة وعمل متراكم داخل الفسيفساء الأمريكي منذ عشرات السنين، وهو ما لم يؤسسه الخليجيون ولا العرب. ويجدر بالذكر أن الخليجيين حرّموا على أنفسهم وعلى العرب استخدام النفط كسلاح استراتيجي مؤثّر على الغرب، وهم بذات الوقت لا يمتلكون أسلحة أو أوراق ضغط أخرى بخلاف النفط، وهذا الأمر ينطبق على الودائع الخليجية والصناديق السيادية والاستثمارية، فهل حكومات الخليج قادرة على نقلها من المصارف الأمريكية وبيوتها المالية مثلا؟ لا أظن ذلك. فما هو وزن أو تأثير أن ترفض السعودية أخذ مقعد غير دائم بمجلس الأمن على الولايات المتحدة، وإحداث ضجة إعلامية مفتعلة حول ذلك؟ وكيف لنا أن نرى تأثير هذا الوعيد الذي أرعد بها بعض المسؤولين السعوديين كالأمير بندر بن سلطان على الواقع السياسي الأمريكي؟ علينا أن نتحلى بالواقعية والمنطقية، وعلينا، بما هو أكثر أهمية، أن نقلل من الأخطاء السياسية ناهيك عن الوقوع بالكوارث الاستراتيجية. فدول الخليج فشلت حتى الآن في تفعيل اتحادها الكونفيدرالي الخليجي رغم عدم وجود ما يمنع ذلك، فكيف لها أن تواجه المخططات الأمريكية الغامضة لمنطقة الخليج في السنوات القليلة القادمة؟ الأيام المقبلة حبلى بالأنباء والأخبار.
تعليق