سمعان بن فهمان
جورج جرداق
الحكومة القيدومة، ماذا فعلت وماذا تركت ، وهي الفاعلة التاركة ؟
لقد فعلت فعلة بديعة، وان زعموا أنها شنيعة, وكررتها مرتين اثنتين ، مرة في العام 1994 إذ مالت إلى اليمين فلجمت وسائل الإعلام المسموعة والمرئية كي لا تستمر في الكشف عما يتردد على ألسنة الناس بشأنها عما يدور في ضمائرهم، ثم مالت الى اليسار فنزعت هذا اللجام ، فعل من يخبط خبط عشواء في مساره ولا يعرف يمينه من يساره ، ومرة ثانية في هذين العامين حيث عادت الى لجم هذه الوسائل ، وبصورة خاصة تلك التي تطل منها وجوه الناس الناقمين على ما يسمعون ويشاهدون ويعرفون، وتسمع من خلالها أصواتهم متحدثين عن سوء أحوالهم ، منكرين هدر أموالهم ، متسائلين عن مآل الوطن ومآلهم ، شاكين فساد الإدارة وانحدار الأخلاق والأذواق، وفجور التجار المتحكمين بالوطن والمواطنين متنكرين بألف اسم مستعار ، متقنعين بأزياء الأحرار والأخيار ،تحت ألف شعار كاذب وشعار!
الحكومة القيدومة ، حياها الله وعافاها وبعث لنا سواها ،كدت وجدت وأغلقت الباب المفتوح ثم فتحت الباب المغلق ورجلها في التراب ورأسها في السحاب !
رأت أن عملا واحدا من أعمالها لم يجود، وأن أملا من آمال الناس في وعودها وعهودها لم يحقق، باستثناء آمال المحاسيب والمزاريب والشركاء والعملاء اللائذين بها، المغمورين بعطفها، المسحورين بلطفها ،المجرورين برعايتها الى خزانة الشعب يغترفون منها ما دخل إليها من جيوب الجياع والعاطلين من العمل الشاكين من الغلاء والبلاء والضرائب السنيورية التي اخترعها وابتدعها أبو الهمة وكاشف الغمة عن الأمة أمين الصندوق في الشركة الاعمارية...
رأت الحكومة ذلك فصالت في التدبير وجالت ثم قالت : سألهي الناس عني، وأصرفهم الى الترجي والتمني ،وأريهم فني ،و حني يا منجيرة حني...وذلك بأن أمنعهم من أن يشيروا الي ويحكوا علي...ثم أعود فأسمح لهم بأن يتكلموا بعد أن يتعلموا...فيأخذوا في مدحي لما سوف يلمسونه من غيرتي على الحرية في بلد التجارة الديمقراطية ، فتبهرهم أعمالي وتسحرهم أفعالي وينسون عنتر والزير وأبا زيد الهلالي ، ويغنون لي : تعالالي يا بوي تعالالي... وهكذا يهدأ النو... ويصفوا الجو...وولو شو بحبك ولو!! ولهذه المناسبة، اليك حكاية سمعان بن فهمان :
كان يا ما كان في حديث الزمان كان هنالك رجل كسلان اسمه سمعان بن فهمان لا يفعل شيئا سوى النوم والقوم ونطح الزاد حتى في شهر الصوم. ولما اشتهر أمره بالكسل وقلة العمل وكثرة الأكل ، استشار عقله الكبير ، فقاده عقله الى حسن التدبير :
في منتصف ليلة الاثنين مضى إلى حائط صغير في حديقة بيته مبني بحجارة رصف بعضها فوق بعض رصفا غير محكم لاتتلاحم فيه الحجارة ولا تتماسك ، فهد الحائط بسهولة ورمى الحجارة في أرض الحديقة. وفي صبيحة اليوم التالي شاهد الجيران سمعان بن فهمان يعمل في جد ونشاط ويرفع الحجارة من أرض الحديقة ويعمر بها الحائط فيعيده كما كان ثم يقف متأملا مبهورا بما صنعت يداه. وفي ليلة الأربعاء عاد وفعل ما فعله ليلة الاثنين، أي أنه هد الحيط ورمى الحجارة في الأرض ، وفي صباح الخميس عاد الجيران ورأوا سمعان بن فهمان ناشطا في تعمير الحيط.
وهكذا واظب على هذا العمل أياما وأسابيع وشهورا حتى شاع في الضيعة وذاع أن سمعان بن فهمان قد طابت نفسه للعمل ونشط نشاطا عظيما وطارت له شهرة في الكد والجد وحسن الصنيع، وفي أنه كادح قائم على ساق لا يدخر جهدا ولا يضيع فرصة، وبات يعرف بسمعان اليقظان عوضا من سمعان الكسلان! كما لقب برجل العمران..وأدلى بأكثر من تصريح في هذا الشأن!
وعلى طريقة سمعان بن فهمان الذي أصبح رجل العمران...مشت الحكومة لتصبح حكومة الحرية والديمقراطية! منعت ما هو مسموح به في الدستور والتقليد ، ثم سمحت بما منعت ، فطارت لها الشهرة في الجميل والإحسان ،كما طارت شهرة سمعان في التعمير والبنيان!!
جورج جرداق
زاوية جرداقيات
طباعة محمد زعل السلوم
عن صحيفة الكفاح العربي 31/7/1997
جورج جرداق
الحكومة القيدومة، ماذا فعلت وماذا تركت ، وهي الفاعلة التاركة ؟
لقد فعلت فعلة بديعة، وان زعموا أنها شنيعة, وكررتها مرتين اثنتين ، مرة في العام 1994 إذ مالت إلى اليمين فلجمت وسائل الإعلام المسموعة والمرئية كي لا تستمر في الكشف عما يتردد على ألسنة الناس بشأنها عما يدور في ضمائرهم، ثم مالت الى اليسار فنزعت هذا اللجام ، فعل من يخبط خبط عشواء في مساره ولا يعرف يمينه من يساره ، ومرة ثانية في هذين العامين حيث عادت الى لجم هذه الوسائل ، وبصورة خاصة تلك التي تطل منها وجوه الناس الناقمين على ما يسمعون ويشاهدون ويعرفون، وتسمع من خلالها أصواتهم متحدثين عن سوء أحوالهم ، منكرين هدر أموالهم ، متسائلين عن مآل الوطن ومآلهم ، شاكين فساد الإدارة وانحدار الأخلاق والأذواق، وفجور التجار المتحكمين بالوطن والمواطنين متنكرين بألف اسم مستعار ، متقنعين بأزياء الأحرار والأخيار ،تحت ألف شعار كاذب وشعار!
الحكومة القيدومة ، حياها الله وعافاها وبعث لنا سواها ،كدت وجدت وأغلقت الباب المفتوح ثم فتحت الباب المغلق ورجلها في التراب ورأسها في السحاب !
رأت أن عملا واحدا من أعمالها لم يجود، وأن أملا من آمال الناس في وعودها وعهودها لم يحقق، باستثناء آمال المحاسيب والمزاريب والشركاء والعملاء اللائذين بها، المغمورين بعطفها، المسحورين بلطفها ،المجرورين برعايتها الى خزانة الشعب يغترفون منها ما دخل إليها من جيوب الجياع والعاطلين من العمل الشاكين من الغلاء والبلاء والضرائب السنيورية التي اخترعها وابتدعها أبو الهمة وكاشف الغمة عن الأمة أمين الصندوق في الشركة الاعمارية...
رأت الحكومة ذلك فصالت في التدبير وجالت ثم قالت : سألهي الناس عني، وأصرفهم الى الترجي والتمني ،وأريهم فني ،و حني يا منجيرة حني...وذلك بأن أمنعهم من أن يشيروا الي ويحكوا علي...ثم أعود فأسمح لهم بأن يتكلموا بعد أن يتعلموا...فيأخذوا في مدحي لما سوف يلمسونه من غيرتي على الحرية في بلد التجارة الديمقراطية ، فتبهرهم أعمالي وتسحرهم أفعالي وينسون عنتر والزير وأبا زيد الهلالي ، ويغنون لي : تعالالي يا بوي تعالالي... وهكذا يهدأ النو... ويصفوا الجو...وولو شو بحبك ولو!! ولهذه المناسبة، اليك حكاية سمعان بن فهمان :
كان يا ما كان في حديث الزمان كان هنالك رجل كسلان اسمه سمعان بن فهمان لا يفعل شيئا سوى النوم والقوم ونطح الزاد حتى في شهر الصوم. ولما اشتهر أمره بالكسل وقلة العمل وكثرة الأكل ، استشار عقله الكبير ، فقاده عقله الى حسن التدبير :
في منتصف ليلة الاثنين مضى إلى حائط صغير في حديقة بيته مبني بحجارة رصف بعضها فوق بعض رصفا غير محكم لاتتلاحم فيه الحجارة ولا تتماسك ، فهد الحائط بسهولة ورمى الحجارة في أرض الحديقة. وفي صبيحة اليوم التالي شاهد الجيران سمعان بن فهمان يعمل في جد ونشاط ويرفع الحجارة من أرض الحديقة ويعمر بها الحائط فيعيده كما كان ثم يقف متأملا مبهورا بما صنعت يداه. وفي ليلة الأربعاء عاد وفعل ما فعله ليلة الاثنين، أي أنه هد الحيط ورمى الحجارة في الأرض ، وفي صباح الخميس عاد الجيران ورأوا سمعان بن فهمان ناشطا في تعمير الحيط.
وهكذا واظب على هذا العمل أياما وأسابيع وشهورا حتى شاع في الضيعة وذاع أن سمعان بن فهمان قد طابت نفسه للعمل ونشط نشاطا عظيما وطارت له شهرة في الكد والجد وحسن الصنيع، وفي أنه كادح قائم على ساق لا يدخر جهدا ولا يضيع فرصة، وبات يعرف بسمعان اليقظان عوضا من سمعان الكسلان! كما لقب برجل العمران..وأدلى بأكثر من تصريح في هذا الشأن!
وعلى طريقة سمعان بن فهمان الذي أصبح رجل العمران...مشت الحكومة لتصبح حكومة الحرية والديمقراطية! منعت ما هو مسموح به في الدستور والتقليد ، ثم سمحت بما منعت ، فطارت لها الشهرة في الجميل والإحسان ،كما طارت شهرة سمعان في التعمير والبنيان!!
جورج جرداق
زاوية جرداقيات
طباعة محمد زعل السلوم
عن صحيفة الكفاح العربي 31/7/1997