العربية في ألمانيا.. لغة أجنبية ولاجئة/ د. زهير سوكاح

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • زهير سوكاح
    مجلس الإدارة
    • Nov 2006
    • 795

    العربية في ألمانيا.. لغة أجنبية ولاجئة/ د. زهير سوكاح

    السلام عليكم، أعيد نشر مقال لي لمن أراد الاطلاع عليه، وهو بعنوان

    العربية في ألمانيا.. لغة أجنبية ولاجئة

    د. زهير سوكاح
    21/8/2017
    المصدر:


    ينما نستبشر خيرا حينما نطالع في الصحف والمواقع الألمانية عن عزم بعض الولايات الألمانية تعميم تدريس اللغة العربية في مدارسها، إلا أن الواقع الراهن يجعلنا غير متفائلين كثيرا بوضعية تدريس اللغة العربية ومدى استفادة الأطفال العرب منها في هذا البلد. فلا توجد نية سياسية جدية لمواكبة هذا التغير الهائل وغير المسبوق في المشهد الديموغرافي بل واللغوي، الذي تعرفه ألمانيا حاليا بوصفها أكبر بلد أوروبي مُستقبل للحركة اللجوئية الراهنة.
    إذ على الرغم من العدد الهائل للأطفال اللاجئين العرب الذين وصلوا إلى ألمانيا، والذي يقدر عددهم على الأقل بـ 300 ألف طفل، يتابع معظمهم تعليمه في مختلف المدارس الألمانية، فلا تُدرّس اللغة العربية في المدارس الحكومية إلا في ثلاث ولايات فقط من أصل ست عشرة ولاية ألمانية؛ وهي ولاية "شمال الراين فيستفاليا" (Nordrhein-Westfalen) في شمال غرب ألمانيا، وولاية "هِسن" (Hessen) في وسط ألمانيا، وولاية "الرينلاند بفالتس" (Rheinland-Pfalz) الواقعة في غرب البلد، وهي ولايات متجاورة كانت تاريخيا سبّاقة إلى إدراج مادة اللغة العربية، أي قبل الحركة اللجوئية الحالية، وتحديدا منذ ثمانينيات القرن الماضي لكن كمادة اختيارية في إطار ما يعرف بـ "درس اللغة الأصل") اختصارا بالألمانية HSU)، وهو درس أسبوعي يهدف إلى دعم الثنائية بل والتعددية اللغوية لأبناء الجاليات الأجنبية، الذين ولدوا وترعرعوا في محيط لغوي ألماني محض عن طريق تعليمهم لغتهم الأصل، والتي لم تعد لدى أغلبيتهم مع مرور السنوات لغتهم الأم، وعلى رأسها اللغة العربية إلى جانب لغات أخرى حاضرة بقوة في المجتمع الألماني، مثل التركية والبولندية وغيرهما.
    غير أن الطبيعة الاختيارية للغة العربية كمادة مدرسية حالت دون تحقيق هذا الهدف المُسطر لها، فرغم الجهود التنظيرية والتنظيمية الكبيرة التي سُخرت منذ عقود لإنجاح هذه التجربة الفريدة التي لا نجد مثيلا لها في معظم دول أوروبا، لم تتمكن مادة اللغة العربية من تطوير وضعيتها، بل كونها مجرد مادة اختيارية جرّ عليها، كمادة مدرسية هامشية ومحصورة ضمن ولايات ألمانية محددة، مشاكل متنوعة تراكمت منذ عقود، لعل من أبرزها: الصورة الانتقاصية لهذه المادة الاختيارية كلغة "الآخر" العربي- المسلم عموما، والنظرة النمطية السلبية عن الضعف المزعوم في مردوديتها بسبب "صعوبتها" المتخيلة على التلاميذ الناطقين بغيرها، خصوصا. وكمثال على هذا أقدمت ولاية "بافاريا" (Bayern) سنة 2004 على إلغاء حصة اللغة الأصل (بما فيها مادة اللغة العربية) من مدارسها بالتدرج إلى نهاية سنة 2008، وتخصيص ميزانيتها لتدعيم مهارات اللغة الألمانية لدى التلاميذ من أصول أجنبية، ومنهم أعداد كبيرة من الأصول العربية، وبالأخص في عاصمة الولاية، ميونخ.
    يضاف إلى هذا، غياب الاهتمام الرسمي بهذه المادة، وعدم وجود رغبة جادة في الإصلاح الجذري لحصة اللغة الأصل عامة ولمادة اللغة العربية خاصة والاكتفاء بالمقابل بالحلول الترقيعية في غياب أي ضغط من طرف الجمعيات الممثلة للجاليات العربية على قلتها، ناهيك عن غياب كتب مدرسية تلبي حاجات تلاميذ مادة اللغة العربية كناطقين بغيرها والاستعاضة عنها بكتب مخصصة في الأصل للتلاميذ الناطقين بالعربية والقادمة في معظمها من الدول العربية.
    يُلاحظ في الآونة الأخيرة استيعاب بعض الولايات والمدن الألمانية لهذا الوضع اللغوي الجديد، مثل العاصمة الاتحادية برلين، وهامبورغ التي سوف تُدرس فيها العربية ابتداء من السنة الدراسية 2017/2018، لكن فقط في مدرستين حكوميتين، غير أن الحل الجذري يكمن )في نظري( في ضرورة إدماج مادة اللغة العربية في الحياة المدرسية كمادة إلزامية ليس فقط في الولايات الثلاث، بل وفي كل المدارس الألمانية التي بها كثافة عربية واضحة؛ فالطابع الإلزامي لهذه المادة سيمكنها، من الناحيتين القانونية والإدارية، من التواجد على نفس المرتبة مع باقي المواد المدرسية الإلزامية من المرحلة الابتدائية مرورا بالإعدادية ووصولا إلى المرحلة الثانوية لتكون بذلك مادة أساسية من مواد امتحان شهادة الثانوية الألمانية للتلاميذ العرب، أو ما يعرف بـ das Abitur.
    وهذه ليست دعوة لعرب ألمانيا وأبنائهم إلى التقوقع اللغوي؛ فالتعلم السليم للغة الأصل والقدرة على التواصل بها شفهيا وكتابيا يُسهم، حسب الدراسات المتخصصة، في تعزيز قدراتهم اللغوية العامة إلى حد كبير، ويُسهل عليهم تعلم اللغة الألمانية بل ولغات إضافية يتلقونها في المحيط المدرسي مثل الإنجليزية وغيرها من اللغات الأوروبية. إضافة إلى هذا، فعن طريق دعم الثروة اللغوية الهائلة التي يجلبها الأطفال العرب معهم إلى المدرسة الألمانية ابتداءً من الصف الأول، والتي لا يملكها أقرانهم من الأطفال الألمان، يحول دون خطر ضياعها بسبب طغيان الاستعمال اللغوي الأحادي مع مرور السنوات الدراسية، خاصة وأنّ النظام التعليمي الألماني، مقارنة مع دول أوروبية أخرى، يتسم بأحاديته اللغوية المفرطة.
    ختاما، إدماج اللغة العربية في المحيط المدرسي بوصفها مادة إلزامية هو بمثابة مقدمة لإدماجها بل وتطبيعها في المجتمع الألماني بوصفه مجتمعا أوروبيا غربيا ينظر إليها في الغالب بنظرة نمطية سلبية في كونها لغة "أجنبية"، و"لاجئة" و"هامشية" لا حضور لها.
يعمل...