نظرات في "قواعد الإملاء"
بقلم د. يحيى مير علم
توطئة:
يشتمل هذا البحث على مراجعة علمية نقدية لكتاب (قواعد الإملاء) الذي صدر عن مجمع اللغة العربية بدمشق ضمن مطبوعات سنة 1425هـ - 2004م، وجاء في (39) صفحة مصدّراً بتقديمٍ، تضمّن جُملةً من القضايا العلمية والمنهجية، يحسن إيرادُها موزّعةً على موضوعاتها لدواعٍ يقتضيها البحثُ لاحقاً في النقد والمعالجة، توخّيت فيها أن تجيءَ أقربَ ما تكون إلى الأصل الذي وردت فيه[1]:
أ - بيان أسباب النهوض بوضع هذه القواعد، فقد عاين أعضاء المجمع كثرةَ ما يقع فيه الكاتبون من الأخطاء الإملائية، وتعدّدَ طرق الكتابة في البلدان العربية، وذلك لاعتماد بعض مَنْ وضعوا قواعدَ الإملاء من المحدثين على طرائق السلف، واتّباع آخرين طرائقَ بلدانهم، وذلك لعدم وجود قواعد إملائية واضحة متفق عليها، وما يلقاه الكاتبون من عُسْرها، فضلاً عن اختلاف الأقدمين في تلك القواعد.
ب - إيراد أمثلة تشير إلى أصول الأقدمين التي فرضها عليهم خُلُوُّ كتابتهم من الشكل والإعجام كزيادة الألف في (مائة) والواو في (عَمْرو) وحذف الألف في مواضع من الأسماء.
جـ - بيان الدافع إلى وضع (قواعد الإملاء) والغاية المتوخّاة منها، فقد وجد المجمع أن من المفيد وضعَ قواعد إملائيةٍ تتحقق فيها شروط الوضوح والضبط والدقّة والإقلال من القواعد الشاذة مع توخّي التيسير على الكاتبين في كتابة ما تقع فيه الهمزة والألف الليّنة.
د - النصّ على أن لهم مآخذ على كتب قواعد الإملاء التي وضعها المحدثون، تتجلّى في وقوع اختلاف كبير فيما بينها، وذلك لأخذ بعضهم بقواعد السلف مع تعديل يسير، وتنكّب بعضهم لتلك القواعد، وأخذه بقواعد جديدة غير مألوفة، فضلاً عما تُكَلِّف الآخذين بها من العُسْر، وما ينتج عنها من قطع الصلة بالتراث العربي، وجنوح بعضهم إلى كتابة الكلمة كما يُنطق بها، وإلغاء كلّ الاستثناءات التي تخرج عن القاعدة، وعدم مراعاة الأحوال الخاصّة التي تقتضيها.
هـ - تقديرهم لجميع الطرائق والمحاولات التي قام بها الباحثون المحدثون في وضع قواعد الإملاء، غير أنهم لم يجدوا بينها طريقةً واحدةً صالحةً لأن يقع عليها الإجماعُ بين جميع الكاتبين وبين مختلف الأقطار.
و - إجماع رأي أعضاء المجمع على ضرورة وضع قواعد للإملاء العربي تتحقق فيها الشروط المتوخّاة، وهي: تحقيقُ التوافق ما أمكن بين نطق الكلمة وصورة كتابتها بغية التيسير على الكاتبين والقارئين، ومحاولة عدم قطع الصلة بين كتابتنا وكتابة أسلافنا ما أمكن ذلك، ومراعاة خصوصية اللغة العربية في أصول نحوها وصرفها، وكذلك في قيامها على اتصال حروفها في الكتابة والطباعة، وتوخّي القواعد المطردة وتجنب حالات الشذوذ ما وسعنا ذلك. وخُتم ذلك التقديم بأملهم أن تلقى القواعد التي انتهوا إليها رضا الكاتبين عنها، والأخذ بها، ونشرها في أقطار عربية أخرى، تحظى لديها بمثل ذلك.
لا ريب أن هناك حاجّةً ماسّة إلى قواعدَ معيارية وموحّدةٍ للإملاء العربي ؛ وذلك لأن موضوعَ قواعد الإملاء أو قواعد الكتابة العربية يُعَدُّ من القضايا اللغوية المُلِحّة التي تعاني منها اللغةُ العربية، فقد طال الخُلْف بين المصنّفين في كثيرٍ من قواعدها قديماً وحديثاً، ولا تزال الأصواتُ تجأرُ بالشكوى من عُسْرها، ومن كثرة الاختلاف في قواعدها، لذلك حظي الموضوعُ باهتمام المؤسسات التعليمية والعلمية والمجامع اللغوية عامّةً، وباهتمام مجمع اللغة العربية بالقاهرة خاصّةً[2]، وما فَتِئَت محاولاتُ الباحثين منذ منتصف القرن الماضي تتوالى في تقديم الاقتراحات وصولاً إلى تيسيرها على الكاتبين وتوحيد صورها، كما تنامى عددُ الكتب المعاصرة التي وقفها أصحابُها على قواعد الكتابة حتى جاوزت العشرات، على ما بينها من تفاوتٍ في: المنهج، والمادّة، والشرح، والتوثيق، والتفصيل، ومَبْلَغ حظّها من الدقّة والصواب، والزيادة والنقص، والملاحظ التي تتّجه عليها[3].
ولمّا كان بابُ الاجتهاد في هذا الموضوع لا يزال مُشْرعاً حتى تُقالَ كلمةُ الفصل فيه، وكنتُ - إلى ذلك - معنياً بموضوع قواعد الكتابة العربية أو الإملاء، فقد نهضت بتدريسها ثلاثة عشر عاماً (1993- 2006م) لطلبة وطالبات قسمي اللغة العربية وآدابها والدراسات الإسلامية في كلية التربية الأساسية بدولة الكويت، وبعد معاودة النظر في (قواعد الإملاء) المتقدّمة التي أصدرها المجمع والتي غدت في أيدي القراء والمختصين، يفيدون منها، ويحتكمون إليها تصحيحاً وتخطئةً = رأيت لزاماً عليّ أن أنهض بواجب العلم أولاً، وبحقّ هذه اللغة الشريفة عليّ ثانياً، فدوّنت ملاحظاتٍ متنوعةً على (قواعد الإملاء) بياناً لوجه الحقّ، وتصحيحاً لما شابها من ملاحظ مختلفة.
وتجدر الإشارةُ إلى أن الملاحظ التي سأتناولها في هذا المقال لن تكون من مواضع الخُلْف التي يتسعُ فيها باب القولُ، ويحقّ فيها لكلّ باحثٍ وراسخٍ أن يجتهد، ويأخذ بما يراه صواباً من الآراء، بل ستقتصر على ما يجب إعادةُ النظر فيه، وتصحيحُه، إلا ما اقتضت الضرورةُ الإشارةَ إليه لداعٍ ما، وعلى الجُمْلة فالملاحظُ علمية متنوّعة، تصحّح خطأً، أو تنفي شائبةً، أو تستدركُ نقصاً؛ أو تنبّه على زيادة لا وجه لإيرادها، أو على تنكّبٍ للدقّة؛ أو عدولٍ عن المصطلحات العلمية إلى غيرها؛ فضلاً عن ملاحظ أخرى منهجية، تدلّ على خلاف المنهج الصحيح المعتمد في كتب قواعد الكتابة، أو تشير إلى مواضع الاختلاف بين المنهج المرسوم في التقديم والمادة العلمية فيها.
إن النهوض بتصحيح ما جاء من أخطاء متنوّعة في كتاب المجمع (قواعد الإملاء) يكتسب أهمية كبيرة، لأنه صدر عن أعلى الهيئات العلمية المعنية بالحفاظ على اللغة العربية، وصونِها مما يتهددها، ومعالجةِ قضاياها المعاصرة، والنهوضِ بها، وتيسيرِها في التعلّم والتعليم، وتنميتِها لتواكب التطوّرَ التقني في جميع ميادين العلوم والفنون، إذ كان ما يصدر عنها من مطبوعات موضعَ ثقةٍ وتقدير من الخاصّة والعامّة، ومرجعاً يُحتكم إليه تصحيحاً وتخطئةً، وقدوةً يُؤتمّ بها في السلامة اللغوية، والدّقّة العلمية، وعلوّ الأساليب وبيانها، فضلاً عن الأمانة العلمية. ولا ريب أن هذا القدر الكبير من الأخطاء المختلفة التي شابت (قواعد الإملاء) تلك، لو وقعت في أيّ كتاب آخر من كتب قواعد الكتابة التي تصدرها دور النشر، على كثرتها، لما كان لها مثلُ هذا الشأن والأهمية. والنهوضُ بهذا الأمر يصبح ألزم وآكد إذا علمنا أن إنجاز (قواعد الإملاء) تلك استغرق نحو سنتين من عمل لجنة اللغة العربية وأصول النحو في المجمع، عقدت خلالها ستاً وعشرين جلسة في عام 2003م مستعينةً بملاحظات بعض أعضاء المجمع وغيرهم وبالتقرير المقدّم من لجنة وزارة التربية، لتطبعَ من بعدُ وترسلَ إلى وزارات: الإعلام، والتربية، والتعليم العالي، وغيرها من الجهات المعنية لاعتمادها والتزامها وتطبيقها[4].
على أنه قبل إيراد تلك الملاحظات يحسن بيانُ الأسس التي يجب أن تُراعى في وضع قواعد موحّدة للإملاء العربي، أهمّها:
أ - الأصل في الإملاء أن يطابق الرسمُ الإملائيُّ (المكتوبُ) المنطوقَ به، ولكن هذا غيرُ متحققٍ في جميع اللغات المكتوبة، لذا كان من المعلوم لدى المختصّين أنه كلّما كان الاختلافُ بين المنطوق والمكتوب قليلاً ومضبوطاً ومقنّناً كانت اللغةُ مثاليةً في التعلّم والتعليم والمعالجة الحاسوبية. وكان مما تتميز به اللغةُ العربيةُ أن هذه الفروقَ جِدُّ قليلةٍ، وهي محصورةٌ في حالاتٍ معدودة، أو في بضعةِ قوانينَ تنتظمها، مما يجعل إتقانها ومعالجتها أمراً ميسوراً بخلاف ما في اللغات الأخرى.
ب - التقليل من القواعد ما أمكن، وجعلها مطّردةً شاملةً، وحصر حالات الاستثناء أو الشذوذ أو الخروج عن القاعدة في أضيق الحدود. وقد أثبتت المعالجةُ الحاسوبيةُ للغة العربية أنها من أمثل اللغات وأكثرها طواعيةً لتلك المعالجة، وذلك لغلبة المعيارية والاطّراد في قواعدها: الصرف، وقواعد الإملاء أو الكتابة، والنحو، والمعاجم. على ما في بعضها من اختلافٍ أو شذوذ، ولا يخرج عن ذلك إلا موضوعُ الدلالة، لخصوصية اللغة العربية، وتعقّد العلاقات الدلالية فيها، والتداخل الكبير بين الحقيقة والمجاز.
جـ - عدم الخروج عن الصور المألوفة في الطباعة والكتابة ما أمكن ذلك تحقيقاً لاستمرار الصلة بين القديم والحديث، وتيسيراً لقراءة التراث المطبوع والإفادة منه.
د - الحرص على الربط بين قواعد الإملاء والقواعد النحوية والصرفية تحقيقاً لأهدافٍ تربويةٍ وجيهة، وذلك لارتباط معارف المنظومة اللغوية.
هـ - لا يمكن الوصولُ إلى قواعد إملاء أو كتابة دقيقة وصحيحة وموحّدة (معيارية) تتجاوز ما أُخذ على ما سبقها من محاولات، سواء أكانت بحوثاً أم كتباً أو مشاريع، ويتحقّق لها الذيوعُ والانتشار، وتُعتمد في جميع مطبوعات أقطار الوطن العربي وخارجه = ما لم يَجْرِ تخليصُها من الخلافات، والزيادات المقحمة، وتعدّد الوجوه، فضلاً عن الأخطاء العلمية والمنهجية والمصطلحية، مما نجد أمثلتَه واضحةً في كتبٍ غير قليلة من قواعد الكتابة، على ما بينها من تفاوت في المناهج والغايات؛ إذ يتسم غيرُ قليلٍ منها بالنقل والتكرار والمتابعة في الصواب والخطأ، وبإقحام موضوعات صرفية أو نحوية أو لغوية أو سواها، دون أيّ مسوّغ؛ لذا، كان من غير الصواب أخذُ جميع ما ورد فيها بالتسليم أو القبول دونَ تدقيقٍ أو تمحيص، لأن قدراً مما جاء فيها لا يعدو أن يكونَ خلافاتٍ، لا تنطوي على كبيرِ قيمةٍ، أو زياداتٍ من علوم مختلفة، لا وجهَ لإثباتها. على أنه يجب التنبيه إلى أن ما يجوز إيرادُه في بعضها، مما وُضع مرجعاً للخاصّة والأساتذة، وتغيّا أصحابُه الجمعَ والاستقصاءَ لكلّ ما يقع تحت أيديهم، والتوثيقَ لكلّ شاردةٍ وواردةٍ، بالإحالة على آراء المتقدمين ومقالاتهم وخلافاتهم ونقلها = لا يجوزُ فِعْلُ مثله لِمَنْ تغيّا الإيجازَ والاقتصادَ والإحكامَ والتقريبَ والتيسيَر وتخليصَ قواعد الإملاء أو الكتابة مما شابها من خلافات، وتعدّد في صور الرسم كما في جاء في " تقديم " المجمع لـ(قواعد الإملاء).
الفصل الأول
الملاحظات العامّة
أولاً: ملاحظات عامّة على الأبواب والموضوعات:
جاء ترتيبُ مادةِ (قواعد الإملاء) وتوزيعُها على الأبواب، وتقسيماتُها فيها، والتصرفُ في موضوعاتها، بزيادة ما ليس منها، وحذفِ ما هو منها = مغايراً لما هو مألوفٌ في أغلب كتب قواعد الكتابة، وقد نتج عنه خللٌ منهجي من جهة، وزيادةٌ ونقصٌ من جهة أخرى، ويظهر ذلك جلياً في الفهرس، فقد اشتملت (قواعدُ الإملاء) المتقدمة على أربعة أبواب، أولها: باب الهمزة بأنواعها الثلاثة: في أول الكلمة، وفي وسط الكلمة، والمتطرفة، وبعدها ورد تنوين الأسماء، وخُتم بهمزة الوصل! وثانيها: باب الألف اللينة موزّعةً على ثلاثة أقسام، الأول منها للمتوسطة، والثاني للمتطرفة، والثالث للألف اللينة في الأسماء الأعجمية! وثالثها: باب الزيادة والحذف في الحروف، جاء في قسمين، الأول للزيادة: زيادة الألف، وألف الإطلاق، والواو، والثاني للحذف: حذف الألف، والواو. والباب الرابع للفصل والوصل والتاء المبسوطة والتاء المربوطة! وخُتمت بالفهرس.
ويتجه على ما سبق بيانه وترتيبه في الأبواب وعناوينها وموضوعاتها جملةُ ملاحظ، هي:
1 - أُقحم موضوعُ تنوين الأسماء (ص18) في الباب الأول المخصّص للهمزة، وظاهر أنه لا وجهَ لهذا الإقحام. وأما زيادةُ الألف لتنوين النصب وحده فموضعُه البابُ الثالث في مواضع زيادة الألف طرفاً. ومعلوم أن الهمزة على تعدّد صورها هي حرفٌ صامت غير الألف المدّيّة، وليس لتنوين النصب علاقةٌ برسم الهمزة إلا إنْ كانت متطرفةً مفردةً على السطر، فإنها ترسم شاذةً على نبرة إذا وليها تنوينُ النصب، أو ألفُ الاثنين، وسبقها حرفُ اتصال مثل: عبئاً وعبئانِ، شيئاً وشيئانِ. وهذا ما لم يَرِدْ في الكلام على تنوين الأسماء ثمّة.
وفي الباب الأول أيضاً جرى تأخيرُ الحديث عن همزة الوصل إلى نهاية باب الهمزة بعد تنوين النصب (19 – 20) وهذا ليس صائباً، لأن موضعَها في الهمزة التي تقع أول الكلمة، وهي - كما هو معلوم - على نوعين: همزة وصل، وهمزة قطع، على ما بين الهمزتين من التباين في الصورة والماهية والمواضع، وعلى هذا كتبُ قواعد الكتابة، وسيرد لاحقاً في الملاحظات التفصيلية فضلُ بيانٍ لما شاب الكلامَ على الهمزتين من نقصٍ وخلل.
2 - وفي الباب الثاني اقْتُطِعَت الألفُ الليّنةُ في الأسماء الأعجمية (ص26) من القسم الثاني الخاص بالألف الليّنة آخر الكلمة، وذلك في مقابل القسم الأول الألف الليّنة في وسط الكلمة، وجُعلت قسماً ثالثاً برأسه. وهذا لا يجوز، ولا سابقةَ له في كتب قواعد الكتابة، لأن الألفَ الليّنة لا ترد إلا متوسطةً، أو متطرفةً في مواضعَ أو أنواعٍ من الكلمات، أحدها الأسماء الأعجمية.
3 - سقطت الألفُ التي تُزاد آخر الاسم المنصوب المنوّن من الباب الثالث الخاصّ بالحذف والزيادة في الحروف دون مسوّغ، على أهميتها وكثرة دورانها في العربية. كما أُفردت ألفُ الإطلاق (ص29) بعنوان مستقلّ بعد زيادة الألف في الباب نفسه، ولا داعي لذلك، لأنها إحدى ثلاثِ ألفات تُزاد طرفاً، أولُها الألفُ التي بعد واو ضمير الجمع في الأفعال، وثانيها ألفُ الإطلاق، وثالثها ألفُ تنوين النصب السابقة.
4 - وفي الباب الرابع الخاصّ بالفصل والوصل أُقحمت فيه التاءُ المبسوطة والتاءُ المربوطة، وهي باب مفردٌ في كتب قواعد الكتابة، والموضوعان مختلفان، ولا رابطَ يجمع بينهما، ولا سابقة لهذا فيما أعلم.
5 - أغفلت (قواعدُ الإملاء) بابَ علامات الترقيم، على أهميته البالغة في تعيين مواضع الفصل، والوقف، والابتداء، وتحديد أغراض الكلام، وأنواع النبرات الصوتية في القراءة. ولا شكّ أن التزام علامات الترقيم على نحوٍ دقيق يعينُ على دقّة إدراك المعاني، وفهم العبارات، عندما تكون تقاسيمُها وأجزاؤها مفصولةً أو موصولةً بعلامات تبيّن أغراضَها، وتوضّح مراميها. لذلك كان بابُ الترقيم وعلاماته في العربية على قدرٍ كبير من الأهمية، وهو ما جعل كُتُبَ قواعد الكتابة لا تستغني عنه، بل حملت أهمّيّتُه بعضَهم على إفراده بكتاب، كما صنع أديبُ العربية وشيخُها أحمد زكي باشا، ومَنْ حذا حذوه من المعاصرين[5] على أن موضعَه جاء في أغلبها آخِرَ الأبواب المتقدمة.
6 - عدم التزامِ منهجٍ علميّ محدّدٍ في معظم (قواعد الإملاء) وذلك يستغرق: عرضَ المادة العلمية، ومعالجتَها، وشرحَها، وتفصيلاتها، وأمثلتَها، وإيرادَ القواعد العامّة، والتعاريف، والملاحظات. وهذا يتجلّى بعقد موازنة بين ما جاء في أيِّ باب منها وبين نظيرها في كتب قواعد الكتابة المعتمدة التي تقتصرُ على موضوعات هذا العلم، والتي عُرف أصحابها بالدّقّة ورسوخ القدم. ولعلّ خير مثال لذلك الإشارةُ إلى ما أصاب باب الهمزة من ضروب الخلل المنهجي والعلمي. وفي الملاحظ المتقدّمة وفيما سيأتي من ملاحظات مفصّلة موزّعة على الأبواب = غُنيةٌ عن الإطالة، وتحاشٍ للتكرار، وتوخٍّ للاختصار.
7 – جاء كتابُ (قواعد الإملاء) على كبيرِ أهميّته، وخطورةِ موضوعه، وعظيمِ الحاجة إلى مثله، وطويلِ انتظاره، دونَ المأمول منه في المادّةِ والمعالجةِ والمنهج، يشهد لذلك جميعُ ما في البحث. على أن ملاحظةً عامّة تتصل بالمنهج، تجلّت في خُلُوِّه من ذكر أسماء المصادر والمراجع التي جرى الاعتماد عليها، فلم يُشَر إلى أيٍّ منها في أيِّ موضع من الكتاب، على مسيس الحاجة إلى مثلها توثيقاً للمادّة، وتمكيناً للقارئ من التحقق والتثبت في كلّ ما يستوقفه، وبخاصّة الاجتهادات والآراء التي جاءت مسبوقةً دون أيّ إشارة إلى ذلك، خلافاً لما تقتضيه الأمانةُ العلمية التي يحرص عليها المجمعُ، ويلتزمها في مطبوعاته ومجلّته، ويُلزم بها المؤلّفينَ فيما ينشره لهم من كتب أو مقالات.
8 – يتصل بالملاحظة السابقة صدورُ (قواعد الإملاء) أيضاً غُفْلاً من اسم مَنْ نهض بإعدادها، أو شارك فيها، أو أشرف عليها، أو راجعها، أو نظر فيها، أو كتب ملاحظات عليها، وذلك خلاف ما جاء في التقرير السنوي عن أعمال المجمع في دورة عام 2003م الذي نُشر في مجلة المجمع، فقد عُزيت فيه تلك القواعدُ إلى لجنة اللغة العربية وأصول النحو التي "عقدت ستاً وعشرين جلسة أثناء العام 2003 تمّ فيها ما يلي: أ - وضع (قواعد الإملاء) بالاستعانة بملاحظات بعض أعضاء المجمع، وملاحظات الأستاذ عاصم البيطار، والدكتور مازن المبارك، والتقرير المقدّم من لجنة وزارة التربية، وإحالتها لتعرض على مجلس المجمع للموافقة على طبعها، ثم إرسالها إلى وزارة الإعلام ووزارة التربية ووزارة التعليم العالي وسائر الجهات المعنية"[6]. على أنني سمعت من الأستاذ الدكتور مازن المبارك خلاف ذلك، فقد قرأ عليه الأستاذ المرحوم عاصم البيطار قدراً ضئيلاً منها في نحو صفحتين من قواعد رسم الهمزة، وتحفّظ على ما ورد فيهما من أخطاء[7]. وتكرّر هذا العزو إلى اللجنة نفسها في التقرير السنوي عن أعمال المجمع في دورة عام 2004م، واللفظ ثمّة "كان أهمُّ ما قامت به من أعمال: وضعَ قواعد الإملاء وإحالتها على مجلس المجمع (الذي أقرها في جلسته العاشرة) والاقتراح على المكتب طباعتها في كتيّب وتوزيعه"[8]. على أن آخرَ ما وقفت عليه كان جوابَ الأستاذ الدكتور إحسان النصّ عن سؤالٍ وجّهه إليه الأستاذ عادل أبو شنب في لقاء علميّ موثّق: "ما الذي تعدّه الآن؟" قال: "أعددت كتاب (قواعد الإملاء) وأعمل في تصحيح الأخطاء الشائعة وما أكثرها"[9]. ولا يخفى أن صدورها غُفلاً من الاسم جاء خلاف المألوف في الأعمال العلمية الجادّة التي تقتضي تحديدَ المسؤولية العلمية. ولا يغني عنه صدورُها تحت اسم المجمع وشارته، إذْ لو صحّ ذلك لوجدنا نظيراً لها في مطبوعات المجمع السابقة، على كثرة عددها، وجليل قيمتها، وقِدَم العهد بها، وشهرة هذا الأمر تغني عن نصب الأدلة عليه، لأنها تطالع القارئَ في كلّ ما يصدر عن المجامع اللغوية والمؤسسات العلمية والجامعات وجهات النشر المسؤولة الجادّة، ولا يُلتفت إلى ما قد يخرج عن ذلك لخصوصية فيه، كأن يكون الكتابُ سجلاً لقرارات أو قوانين أو لبحوث قُدّمت في ندوات علمية أو مواسم ثقافية أو ما أشبهها. وكذلك لا يغني عنه ما ورد في (قواعد الإملاء) من الحديث بصيغة الجمع في مواضع من تقديمها، أو بصيغة الإجماع في الرأي على ضرورة وضع قواعدَ للإملاء العربي، تتحقق فيها الشروطُ المتوخّاة، أو في أنْ تلقى القواعدُ التي انتُهي إليها رضا الكاتبين عنها، أو ما أشبه ذلك؛ لأن جُلّ أعضاء المجمع ليسوا من ذوي الاختصاص في علوم العربية. ومعلوم أن إجماعَهم على (قواعد الإملاء) تلك، إن تحقّق، قد ينجح في جعل بعض أهل العلم يتهيبون نقدها أو تصحيحها تقديراً لمكانة المجمع العريقة، ولكنه لا يضفي الصوابَ عليها، ولا يرفع من شأنها، ولا يمنحها الشرعيةَ، ولا يكتب لها السيرورةَ في التطبيق أو الاستعمال، إذ لا يجدي في مثل هذا إلا إجماعُ ذوي الاختصاص.
ثانياً: ملاحظات عامّة مختلفة
1 – عدم التمييز بين الحالاتِ الشاذة التي لا تنطبق عليها القاعدةُ، والحالاتِ المعيارية التي تستغرقها القاعدةُ المطردة، وأوضح ما ظهر ذلك في قواعدِ رسم الهمزة وسطاً وطرفاً من الباب الأول، وفي قواعدِ رسم الألف الليّنة طرفاً من الباب الثاني. وسيأتي في الملاحظات التفصيلية الموزّعة على الأبواب فضلُ بيانٍ وتوثيق.
2 – إيراد السماعي غُفلاً من النصّ أو من التنبيه عليه، إذ كان قليلاً يُحفظ ولا يُقاس عليه، كما في الأسماء السماعية المعدودة المبدوءة بهمزة الوصل (ص19) فقد ذُكرت بعد مواضع همزة الوصل دون أيّ تنبيه أو إشارة إلى ذلك، واللفظ ثمّة " ووقعت هذه الألف في طائفة من الأسماء منها: اسم، اسمان، اثنان، اثنين، اثنتان، اثنتين، ابن، ابنة، امرؤ [امرأً وامرئٍ] امرأة، امرأتان، ايمُن الله [ألف هذه الكلمة ألف وصل عند النحاة، وهمزة قطع عند آخرين، أما أيم الله فهمزتها همزة قطع]".
3 – مضت الإشارةُ إلى سقوط باب علامات الترقيم من (قواعد الإملاء) وقد لوحظ قلّةُ التزامها أحياناً، أو عدم الدّقّة في التزامها، على أهمّيّتها الكبيرة التي سلف بيانها[10]، وفي غير قليلٍ ممّا نقلته عن (قواعد الإملاء) ما يشيرُ إلى صحّة ذلك، لأنني حافظت فيه على صورته التي ورد بها مطبوعاً، لبيان ما فيه من ملاحظ.
4 – العدول أحياناً عن المصطلحات العلمية الدقيقة المعتمدة في كتب قواعد الكتابة إلى عباراتٍ عامّة، أو مصطلحاتٍ خاصّة، جاءت غيرَ دقيقة، أو مجانبةً للصواب، وأحياناً لا سابقَ لها، ومن أمثلته:
أ - تسمية الألف الزائدة طرفاً لتنوين النصب بأنها ألف مدّ (ص17) والنصّ بتمامه "إذا لم تتصل الهمزة المتطرفة بما قبلها أو وقع قبلها واو المدّ أو واو ساكنة وكان الاسم منصوباً رُسمت الهمزة منفردة وألحقت ألف المدّ بآخر الاسم". وهذا غير صحيح، فهي ألف زائدة رسماً، ولا تنطق إلاّ عند الوقف، وتسقط من النطق وصلاً، وسيرد في الكلام على الهمزة المتطرفة زيادةُ بيان.
ب - استعمال مصطلحات ذاتية أو تعبيرات غير دقيقة، لا تقرّها العربيةُ، ولا أصل لها في كتب الأقدمين، ولا في المعتمد من كتب المعاصرين. وهذا بيّنٌ فيما ورد تحت عنوان (ملاحظة) من تسمية همزة الوصل عند الابتداء بها "ألفاً مهموزة" بدل (تنطق همزة) وجعل رسمها "ألفاً غير مهموزة" بدل (ترسم ألفاً) واللفظ ثمّة (ص19): "إذا ابتُدِئ بألف الوصل نُطِقت ألفاً مهموزة، ولكنها تُرسم ألفاً غير مهموزة، وإذا سُبقت بحرف أو اسم أو فعل (في الدرج) رُسمت ولم تُهمز". وظاهر أن الحديث عن نطقها ورسمها بدءاً ووصلاً كان غير دقيق، بل لا سابقة له، ومن المعلوم والمشهور أن في العربية حرفين: الهمزة والألف، وليس فيها ألف مهموزة، ولا ألف أخرى غير مهموزة، وهذا إنْ لم يكنْ خطأً فهو تجوّزٌ في العبارة غير مقبول.
ج - استعمال مصطلح "رسمت على ياء غير منقوطة" (ص16و23) وذلك في بيان صورة رسم الهمزة المتطرفة المكسور ما قبلها بدل: رسمت على صورة الياء، أو رُسمت ياءً، أو رسمت ياءً مُرْسَلةً، أو مُهْمَلَةً، على حدِّ تعبير بعضهم. وهذا مصطلح مبتدعٌ لا أصل له، إذ ليس في العربية إلاّ الياءُ والألفُ الليّنة التي ترسم على صورة الياء، إذا وقعت طرفاً في الأسماء والأفعال في الثلاثي، إن كانت منقلبةً عن ياء، وفيما فوق الثلاثي، أيّاً كان أصلُها، ما لم تُسبق بياء، نحو (هُدى - قضى - أعطى - انتهى - استغنى) على تفصيلٍ موضعُه في قواعدِ رسمِ الألف الليّنة طرفاً، وفي الأسماءِ المقصورة والأفعالِ المعتلة الناقصة في الصرف. وإن جاز في مثله أنْ يُقال للشُّداة من المتعلمين تيسيراً وتوضيحاً فلا يجوز إيرادُه في كتاب يصدر عن المجمع، يقتدي به الناس. ومن فضول القول الإشارةُ إلى أنه لا يُلتفت إلى ورود مثله في مصنَّفات المحدثين التي حفل بعضُها بإيراد الغثّ والسمين، والصواب والخطأ، مما لا سبيل إلى حصره، ولا فائدة في تتبعه. وسيتكرّر نظيرُه في مواضع مختلفة، تغني الإشارةُ إليها هنا عن تكرار الحديث عنها.
د - استعمال تعبيرات غير قائمة، تجافي الدقّة المتوخّاة في كتاب مثله، يعلّم أصول الكتابة الصحيحة، مثل قولهم (ص16): "خضعت لقواعد الهمزة المتوسطة أو فتخضع كتابة الهمزة لقواعد الهمزة المتوسطة". ومعلوم أن استعمال الخضوع للدلالة على رسم الهمزة وفق القاعدة هو خطأٌ شائعٌ، وغيرُ دقيقٍ، ولو قيل: عُومِلَت معاملة الهمزة المتوسطة، لكان أولى. ومثله عبارة(ص17): "وُضِعَت على نبرة". وظاهر ما في مصطلح الوضع من عموم يجافي الدّقّة، ومن عدولٍ غيرِ مسوّغٍ عن المصطلح الشائع والدقيق: رُسِمَت أو كُتِبَت.
هـ - هناك أمثلةٌ لظاهرة عدمِ إحكام الصياغة، وعدمِ الدّقّة أحياناً، والحشوِ والزيادة، بلا داعٍ أو مسوّغٍ، وأمثلتُه ظاهرةٌ في كثير من الفقرات حتى في القواعد العامة، على تفاوتٍ فيما بينها، ومن أمثلة ذلك ما ورد في همزة الوصل (ص19) تحت عنوان (ملاحظة) لدى تفصيل ما قد يسبق همزةَ الوصل من اسم أو حرف أو فعل، ثم إتباعها بالنص على أنها (في الدَّرْج) رُسمت، ولم تُهمز في النطق، مع أن مصطلح الدَّرْج المعتمد مُغْنٍ عن جميع ذلك.
و - اشتملت (قواعدُ الإملاء) على اجتهادات شخصية، وردت في مواضع مختلفة من بابي الهمزة، والزيادة والحذف، جاءت مصدرةً برأي القدماء غالباً، ومتبوعةً أحياناً بـ"والرأي" خلافاً لما ذهبوا إليه، وهي على الجُملة: حذف الألف وسطاً من (مئة)، وحذف الواو من (عَمْرو)، ورسم الهمزة المتوسطة المفردة بين واوين على واو (وَؤُول)، ورسم الهمزة المتوسطة بعد واو ساكنة أو بعد واو مضمومة مشدّدة على واو (ضَوْؤُكَ - تَبَوُّؤُكَ)، وإثبات الألف المحذوفة وسطاً في أسماء الأعلام (الرحمان - ياسين - الحارث - مالك - إسماعيل - إبراهيم - إسحاق - هارون - وغيرها) ما عدا (الله - طه)، وإثبات ألف (يا) الندائية إذا اتصلت بالأعلام وبعض الأسماء المبدوءة بهمزة (يا أسعد - يا أهل - يا أيّها - يا أيّتها)، وإثبات الواو المحذوفة وسطاً إذا سبقت بواو (داوود - طاووس - راووق - ناووس). وهذه الاجتهاداتُ أو الآراءُ - وإن وافقت الصوابَ أحياناً – هي مسبوقةٌ بما ورد في بعض كتب قواعد الكتابة التي صدرت في النصف الثاني من القرن الماضي، دون أيّ إشارة إلى هذا في أيّ موضع منها[11].
الفصل الثاني
الملاحظات التفصيلية
ملاحظات على الباب الأول:
تضمّن هذا البابُ الموسومُ بـ(الهمزة) قواعدَ رسمِ الهمزة موزّعةً على ثلاثة أقسام، أولها: الهمزة في أول الكلمة، وثانيها: الهمزة في وسط الكلمة، وثالثها: الهمزة المتطرفة، تلاها تنوينُ الأسماء، ثم همزةُ الوصل (ص7-20). ويتّجه على ما سبق ملاحظُ مختلفة سترد موزّعةً على الموضوعات السابقة.
أولاً: الهمزة في أول الكلمة
هناك جملةُ ملاحظَ على ما ورد في الحديث عن الهمزة أولَ الكلمة، وهي النوع الأول من باب الهمزة (ص7-11):
1 - جاء بناءُ الكلام ثمّةَ خلاف المألوف الذي جرت عليه كتبُ قواعد الكتابة من: بيان حقيقة الهمزة التي تقع في أول الكلمة، وأنها على نوعين، الأول: همزة الوصل (تعريفها، مواضعها، القياسية في الأفعال والأسماء والحروف، والسماعية في بضع كلمات، حركتها، حذفها). والثاني: همزة القطع (تعريفها، مواضعها في الأسماء والأفعال والحروف). وأما في (قواعد الإملاء) فلم يكن حظُّ همزتي الوصل والقطع فيها إلا بضعةَ أسطرٍ من أصل خمس صفحات، جاءت على نحوٍ غير دقيق متداخلةً ومتقطعةً، والباقي تفصيلاتٌ وأمثلةٌ كثيرةٌ مقحمة، ليست من أصل الموضوع، من مثل: اجتماع همزة الوصل مع همزة القطع التي تقع فاءً في الثلاثي المهموز مجرداً، ومزيداً في الخماسي والسداسي، وفي مصادر تلك الأفعال. وموضع هذا كما هو معلوم الهمزة المتوسطة حكماً، لأن همزة فاء الكلمة تُعاملُ معاملةَ الهمزةِ المتوسطة (ائْتِ - ائْتَزَرَ - ائْتِلاف). ومن مثل: اجتماع همزتي قطع في أنواعٍ من الكلمات، الأولى مفتوحة والثانية ساكنة، وما ينتج عنهما من إبدالهما ألفاً ممدودة (آمُرُ - آنَسَهُ - آداب - آنِيَة - آكِل - آزَرَهُ). وظاهر أن هذه التفصيلات وأمثلتها لا وجه لإيرادها هنا، ولذلك لم ترد في جُلّ كتب قواعد الكتابة، إذ كان موضعُها كتبَ الصرف.
2 - جرى تأخيرُ الكلام المفصّل عن (همزة الوصل) وموضوعاتها إلى آخر باب الهمزة (ص 19-20) أي بعد تنوين الأسماء، وما سبقه من الهمزة المتطرفة، وقبلها المتوسطة. وهذا خلافُ المنطق في الترتيب، وما استقرّ عليه الأمرُ في كتب هذا العلم، وقد نتج عنه تجزئةُ أوصال الموضوع الواحد. على أن تفصيل الحديث عن همزة الوصل ثمّة جاء غيرَ منهجي ولا منظّم، وتعوزه الدّقّة والتمام، خلاف ما تورده كتبُ قواعد الكتابة من موضوعات، تقدّمت الإشارةُ إليها آنفاً.
فقد اشتمل الحديثُ عنها على كلامٍ عامّ في أربعةِ أسطرٍ عن علةِّ مجيء همزة الوصل، ووقوعِها في أمر الثلاثي وما فوق الرباعي في الأفعال والمصادر، ثم أُتبعتْ بالأمثلة موزّعةً على هذه المواضع الثلاثة، وخُتمتْ بوقوع هذه الهمزة في طائفة من الأسماء، والنصّ في نهايتها على أنها تقعُ أيضاً في (أل) التعريف، وبعد ذلك ملاحظة عن نطقها بدءاً ووصلاً متبوعةً بأمثلةٍ توضّحها، تلتها ثلاثةُ أسطرٍ فقط عن همزة القطع مع أمثلةٍ عليها. ويتّجه على ذلك ملاحظُ، منها:
أ - كان العدولُ عن تعريف همزة الوصل إلى كلام عامّ يعلّل مجيئها، دون أن يُحدّد طبيعتَها بما يميزها عن همزة القطع، غيرَ صائبٍ وخلافَ المألوفِ والمشهور فضلاً عن المنهج العلمي.
ب - إيجازُ الإشارة إلى المواضع ثم إيرادُها مفصلةً تحت الأمثلة، جاء غيرَ سديد، فقد كان الصوابُ إيرادَها موزَّعةً على مواضعها في نوعين: القياسي في الأفعال والأسماء والحروف، ثم السماعي في الكلمات المعروفة.
جـ - إهمالُ النصِّ على أن ورودها في طائفة من الأسماء هو أمرٌ سماعيٌّ، ولو كان تركُ النصِّ عليه مُغنياً عن التصريح به، إذ قد يُفهم استنتاجاً، لما نصّت عليه كتبُ قواعد الكتابة.
3 - جاء الحديثُ عن همزة القطع غايةً في الإيجاز، وعلى نحوٍ مُخِلٍّ(ص20) فقد سقطت من العنوان المتقدّم "همزة الوصل" وكان حظُّها ثلاثةَ أسطرٍ في نهاية الحديث عن همزة الوصل متبوعةً ببضعةِ أمثلةٍ اكتفاءً بما ورد في همزة الوصل، لأن الهمزةَ في غير تلك المواضع تكون همزةَ قطع، ومع ذلك جاءت غيرَ دقيقة، واقتُصِرَ فيها على الإشارة إلى أنها ترد "في جميع الحروف باستثناء (أل) التعريف، وفي جميع الأسماء باستثناء الأسماء المذكورة آنفاً". والوجه أن تُذكرَ همزةُ القطع في العنوان مقرونةً بقسيمتها همزة الوصل، وأن يُذكرَ تعريفُها بما يكشفُ عن ماهيتها وصورتها، وأن تُذكرَ مواضعُها موزّعةً على الأسماء والأفعال والحروف، كما جرى عليه الأمرُ في كتب قواعد الكتابة، وهذا أولى من إقحام ما لا علاقة له بالموضوع. على أن فيها إلى ذلك نقصاً، يبدو جلياً في سقوط الإشارةِ هنا إلى موضعها في الأفعال في كلٍّ من: الثلاثي المهموز الفاء، والثلاثي المزيد بالهمزة في أوله في الماضي والأمر والمصدر (الرباعي): (أمَرَ - أكْرَمَ - أكْرِمْ - إكْرام). وأما عدمُ الدّقّة فمرده إلى النصّ على أنها تكون في جميع الحروف باستثناء (أل) التعريف، والأولى أن يقال في التعبير عنها: تكون في جميع حروف المعاني المبدوءة بهمزة ما عدا (أل) التعريف.
ثانياً: الهمزة التي في وسط الكلمة
ثمّة ملاحظُ على النوع الثاني، وهو (الهمزة التي في وسط الكلمة) فقد استغرق الحديثُ عنها أربع صفحات (12- 15) من (قواعد الإملاء):
1 - استُهلّ بعنوان "القاعدة العامّة" وردت تحته ثلاثةُ أسطر جاءت أقربَ إلى الشرح والتفصيل منها إلى القاعدة أو القانون، إذ اقتُصِرَ فيها على النظر إلى حركة الهمزة وحركة ما قبلها، ثم رسمها في صورة أقوى الحركتين، ثم بيان ترتيب الحركات، تلتها تطبيقاتٌ على القاعدة العامّة في ثلاثة فروع، بينهما ملاحظتان. ويتّجه على ما سُمّي بالقاعدة العامّة نقصٌ وقدرٌ من عدم الدقّة والإحكام، فقد أُهملت الإشارةُ إلى التوسط العارض للهمزة، وهو ما يسميه بعضهم بالهمزة شبه المتوسطة، وجاء الحديثُ عنها في الهمزة المتطرفة (ص16) ونُصّ عليه ثمّة أنها تخضعُ لقواعد الهمزة المتوسطة. والوجهُ النصُّ على التوسّط العارض في موضعه من قاعدة الهمزة المتوسطة، وإيرادُ أمثلته فيها، كما يجب إعادةُ النظر في القاعدة العامة لتكونَ محكمةً موجزةً، نحو قولنا: تُرسمُ الهمزةُ المتوسطة على حرف يناسبُ أقوى الحركتين سواء أكان توسّطُها أصلياً أم عارضاً.
2 – وردت ملاحظةٌ في نحو ثلاثةِ أسطرٍ عن زيادة القدماء الألفَ في لفظ (مائة) لدواعٍ زالت بإعجام العربية، تلاها اقتراح كتابتها بحذف الألف وفقَ القاعدة العامة خلافاً للقدماء، وذلك آخر "تطبيقات على القاعدة العامة" للهمزة المتوسطة إن كانت مكسورةً أو كان ما قبلها مكسوراً (ص13). وظاهر أن موضوعَ الملاحظة من قضايا باب الزيادة والحذف في الحروف لدى الحديث عن زيادة الألف وسطاً (ص28) ولكنه اقتصر ثمّة على زيادة الألف طرفاً، وأُغفِلت زيادتها أولاً ووسطاً، وذلك خلاف ما في كتب قواعد الكتابة.
3 - خُتم الكلامُ على الهمزة المتوسطة بـ(ملاحظات) خمسٍ، تضمنت ثلاثٌ منها أرقامها (3و4و5) الحالاتِ الشاذّةَ المشهورةَ في الهمزة المتوسطة، دون أيِّ إشارةٍ إلى أنها تخرج عن القاعدة أو شاذّة، على ملاحظ فيها سترد قريباً.
أ - خُصّصت الملاحظةُ الأولى منها للهمزة المتوسطة التي تُرسم مفردةً لوقوعها بين واوين كراهيةَ توالي الأمثال على رأي القدماء مثل (وَؤُول) وكان الرأيُ كتابتها على واو وفقَ القاعدة. وهذا اجتهادٌ يخالف المألوفَ والمشهورَ قديماً وحديثاً من قواعد الكتابة والشروطَ المتوخّاةَ التي مضت في التقديم من الحرص على إبقاء الصلة بين كتابتنا وكتابة الأقدمين. أعتقد أن منهجَ الأقدمين أولى بالاتباع، لأن استكراههم رسمَ ثلاثِ واواتٍ له ما يسوّغه، وهذا يبدو جلياً بالموازنة بين الصورتين في نحو (مَوْؤُوْدة - مَوْءُوْدة).
ب - وكانت الملاحظةُ الثانيةُ خاصّةً باجتماع الهمزة المتوسطة المفتوحة المسبوقة بفتح مع ألف المدّ، وإبدالهما مدّة فوق الألف (شآم - مآل). وهذه لا بأس في إيرادها هنا، وإن كان موضعُها كتبَ الصرف في أحكام التقاء الهمزة والألف.
وأمّا حالاتُ الشذوذ في الهمزة التي في وسط الكلمة فهي مشهورةٌ، وترتبطُ بحروف المدّ الثلاثة التي تسبقها، الأولى: الهمزة المتوسطة المفتوحة بعد ألف ترسم مفردةً مثل (براءَة - تساءل). والثانية: الهمزة المتوسطة المفتوحة أو المضمومة بعد واو ساكنة ترسم مفردةً مثل (مروْءَة - ضَوْءُه). وهذا خلافُ ما ورد في (قواعد الإملاء) فقد جُعلت الشاذّةُ، وهي المتوسطةُ المضمومةُ بعد واو ساكنة مع القياسية، وهي المضمومةُ بعد واو مضمومة مشدّدة، ونُصّ على أنهما ترسمان على واو (ضَوْؤُك - تَنُوْؤُونَ - تَبَوُّؤُكَ) ونُصّ على أنه خلافُ ما جرى عليه القدماءُ من رسم الهمزة مفردةً. أرى أن الفصلَ بين حالتي الشذوذ في الهمزة المتوسطة المفتوحة والمضمومة بعد واو ساكنة اجتهادٌ غيرُ صائب، وإن وافق بعضَ ما ورد في الكتب. وأما كراهية توالي الأمثال فقد مضى الحديثُ عن مثله في الملاحظة الأولى بما يغني عن الإعادة. والثالثة: الهمزة المتوسطة المفتوحة أو المضمومة بعد ياء ساكنة تُرسم على نبرة مثل (بِيْئَة - فَيْئُه).
ثالثاً: الهمزة المتطرفة
كذلك يتّجه على النوع الثالث المخصّص لـ(الهمزة المتطرفة) (ص16-17) بعضُ الملاحظات:
- أولها: يتعلق بلفظ القاعدة العامّة، فقد جاء أقربَ إلى الشرح منه إلى القاعدة المُحْكَمة الموجزة، إذ نصّ على أنها " ترسم بحسب حركة ما قبلها، سواء أكان ما قبلها حرفاً صحيحاً أم معتلاً ". وفي هذا إغفالٌ لجوهر القاعدة، وهو الرسمُ على صورة حرف يناسب حركةَ ما قبلها، فضلاً عن الحشو عند النص على طبيعة الحرف الذي قبلها، إن كان صحيحاً أو معتلاً، لأن القاعدة التي تحكمها هي حركةُ الحرف الذي قبلها، لا طبيعته صحّةً واعتلالاً.
- ثانيها: يتصل بالفقرة (أ) التي تضمّنت شرحاً للقاعدة العامّة والأمثلة عليها، إذ جاء في آخرها ما لفظه " فإن كان ما قبل الهمزة المتطرفة ساكناً كتبت مفردةً مهما تكن حركتها، سواء في الاسم أو في الفعل ". وهذا مثالٌ على زيادة ما لا داعي له من الاحتراز في الحركة أو في نوع الكلمة اسماً كانت أو فعلاً، إذ يكفي أن يقال في القاعدة: فإن كان ما قبلها ساكناً كُتبت مفردةً. وأمّا التعبير عن سابقتها بلفظ " وإن كان ما قبلها مكسوراً رسمت على ياء غير منقوطة ". فقد مضى الحديثُ عنه.
- اشتملت الفقرةُ (ب) من الهمزة المتطرفة على الهمزة المتوسطة حُكماً، أو المتوسطة توسطاً عارضاً، أو شِبْهَ المتوسطة، مع أمثلتها، وقد مضت الإشارةُ إلى سقوطها من موضعها في الهمزة المتوسطة في التعريف والشرح في الفقرة (أ) من (3). ويتّجه عليها ملاحظتان، الأولى: علميةٌ، وذلك في التعبير عنها بلغة أقربَ إلى الشرح والتفصيل منها إلى القاعدة المحكمة، والثانية: منهجية، لإيرادها في الهمزة المتطرفة خلافاً للقاعدة والمشهور والمعتمد في قواعد الكتابة، ثم النصّ عليها بآن واحد أنها تخضع لقواعد الهمزة المتوسطة، واللفظ ثمّة " إذا وقع بعد الهمزة المتطرفة ضمير نصب أو ضمير جر أو ياء المتكلم أو واو الجماعة خضعت لقواعد الهمزة المتوسطة ". وهذا التفصيلُ حشوٌ يغني عنه كلمةٌ واحدةٌ آخرَ تعريف الهمزة المتوسطة بأنها " ترسم على حرف يناسب أقوى الحركتين سواء أكان توسُّطُها أصلياً أم عارضاً ". وأما استعمال كلمة (خضعت) فقد مضى بيان ما فيها.
- تضمنت الفقرةُ (ج) الحالةَ الشاذّةَ الوحيدة في الهمزة المتطرفة عندما تكون مفردةً قبل تنوين النصب، وقبلها حرفٌ يقبل الوصل بما بعده، فإنها ترسم خلافَ القاعدة على نبرة، مثل (عِبْئاً - شَيْئاً). وقد جاء لفظُ القاعدة غيرَ محكم، ولم يُنصّ فيه على شذوذِها، ولفظها ثمّة " إذا سبقت الهمزة المتطرفة بياء المدّ أو ياء أصلية، وكان الاسم منصوباً وُضِعَت على نبرة وألحقت بها الألف ". والملاحظ أن غياب التفريق بين ما تنطبقُ عليه القاعدةُ وما يشذُّ عنها كان سمةً عامةً في (قواعد الإملاء) وكأن المنهج المتبع هو جمع كلّ التفصيلات والشروح والأمثلة تحت القاعدة موزعةً على فقراتٍ كثيرةٍ بلا منهج ينتظمُها، أو يسوِّغُ تعددها وموضوعاتها، وقد مضى نظيرُه فيما شذَّ عن الهمزة المتوسطة، وسيأتي لاحقاً ما يؤكّده. وأما استعمال كلمة (وضعت) في التعريف المتقدّم موضعَ المصطلح الشائع المعتمد في كتب قواعد الكتابة (رُسمت أو كُتبت) = فقد سبقت الإشارة إليه بما يغني عن تكراره.
- وأمّا الفقرة (د) فقد جاءت في تسعة أسطر، وتضمنت أمرين، لا وجه لإيرادهما:
أولهما: يتناولُ صورةَ الهمزة المتطرفة التي ترسم مفردةً لسكون ما قبلها، صحيحاً كان أو مدّاً، متبوعةً بتنوين النصب، أو غيرَ متبوعة، مثل (جُزْءاً - هُدُوءاً - ضَوْءاً). وهذه حالةٌ تستغرقها القاعدةُ، لا تحتاج إلى إفرادها بنوع مستقلّ. وأمّا صياغتها فلم تكن محكمة، فضلاً عما فيها من خطأ في المصطلح واللغة، واللفظُ ثمّة " إذا لم تتصل الهمزة المتطرفة بما قبلها أو وقع قبلها واو المدّ أو واو ساكنة وكان الاسم منصوباً رسمت الهمزة منفردةً وألحقت ألف المدّ بآخر الاسم ". وظاهر أن تسمية الألف الزائدة لتنوين النصب بأنها (ألف المدّ) كلام غير دقيق، مضت الإشارة إليه.
وثانيهما: كان تكراراً لما سبق في الفقرة السابقة (ج) إذا اتصلت الهمزة بما قبلها، مثل (بُطْئاً - شَيْئاً).
- كذلك جاءت الفقرةُ الأخيرة (هـ) مقحمةً، وهي تخصّ إحدى الحالات الأربعِ المستثناةِ من زيادة الألف طرفاً لتنوين النصب، وذلك إذا كانت الكلمةُ منتهيةً بهمزة بعد ألف، مثل (قضاءً). ومعلوم أن هذه الحالاتِ موضعُها بابُ الزيادة والحذف في الحروف (28) وهي في زيادة الألف طرفاً. ولا يسوغُ إيرادُها هنا لمجرد التنبيه على أن تنوين النصب يكون فوق الهمزة دونَ زيادةِ الألف، ولو صحَّ ذلك لكان الواجبُ الاستقصاءَ بإيراد الحالة الثانية الشبيهة بها، وهي الهمزةُ المتطرفة فوق ألف، إذا نُوّنت تنوينَ النصب، فإن التنوين يرسم فوق الهمزة، ولا تُزاد فيها الألفُ، مثل (ملجأً - نبأً).
لقد سبقت الإشارةُ في صدر الملاحظات العامّة إلى أن إيراد (تنوين الأسماء) في الباب الأول المخصص للهمزة عقب الهمزة المتطرفة(ص 18) مقحمٌ لا وجه له، ولا يسوّغه وروده في بعض المصنفات. وأمّا وجودُ علاقةٍ بين تنوينِ النصب ورسمِ الهمزة المتطرفة المفردة، سواء أكان ما قبلها حرفاً مفصولاً أو موصولاً = فقد جرى عرضه مفصّلاً مع أمثلته في صفحة كاملة (ص17).
ملاحظات على الباب الثاني:
اشتمل البابُ الثاني الموسومُ بـ(الألف اللينة) على قواعد رسم الألف الليّنة موزّعةً على أقسامٍ ثلاثةٍ، أولها: الألفُ الليّنة في وسط الكلمة، وثانيها: الألفُ الليّنة في آخر الكلمة، وثالثها: الألفُ الليّنة في الأسماء الأعجمية ص (21- 25). ويتّجه على ما ورد في هذا الباب جملةُ ملاحظ، يمكن إيجازها بما يلي:
1 – جاءت القاعدةُ العامّةُ للألف الليّنة في وسط الكلمة غيرَ دقيقة، وشابها نقصٌ وزيادةٌ، إذ أُغفل مصطلحُ التوسُّطِ العارضِ، وأُقحم فيها مصطلحُ المحوَّلة عن الأصل، ومصطلحُ المزيدة، ولذلك وردت الأمثلةُ ناقصةً، لأنها خلت من أمثلةِ أنواعِ التوسُّطِ العارض في الأفعال والأسماء والحروف، ولفظها " ترسم الألف اللينة التي تقع في وسط الكلمة ألفاً في جميع الأحوال سواء أكان توسطها من حيث الأصل أم كانت محوّلة عن أصل أم مزيدة، وسواء أوقعت في اسم أم في فعل ". وقد كان يغني عن هذه القاعدة المطولّة القول: تُرسم الألفُ اللينة في وسط الكلمة ألفاً سواء أكان توسُّطُها أصلياً أم عارضاً. وأمّا إقحامُ " المحوّلة عن أصل " في مقابل الألف اللينة المتوسطة توسطاً عارضاً، فلا وجه له، ولا سابقة له في كتاب معتمد من كتب هذا العلم. وبنحوه إقحامُ مصطلح " المزيدة " مقابل التوسط الأصلي والعارض للألف اللينة، ويصحّ فيه ما سبق آنفاً، ولا مسوّغ لذكرها أيضاً، لأن ألف الزيادة في مثل " مُتمايز - سابَقَ " صورتها واحدة، ولا أصل لها انقلبت عنه من واو أو ياء، كما في أنواع الألفاتِ الليّنةِ المتوسطةِ توسطاً أصلياً أو عارضاً في الأسماء والأفعال. وأمّا الأمثلةُ التي أعقبتها فقد زيد فيها أمثلةُ الألف المزيدة المتقدّمة التي لا داعي لها، وأُسقط منها أمثلةُ أنواع الكلمات التي يقع فيها التوسُّطُ العارض، وهي: الأسماءُ المقصورةُ المضافة إلى الضمائر، مثل (فتاك - هُداي - رضاك) والأفعالُ المعتلةُ الناقصةُ المتصلةُ بضمائر النصب، مثل (يرضاه - يخشاك - هداني) وبعضُ حروف الجرّ متصلةً بـ(ما) الاستفهامية، مثل: إلامَ؟ عَلامَ؟ حَتَّامَ؟ وهذه الحروفُ سقطت أيضاً الإشارةُ إليها في آخر القاعدة التي اقتصرت على وقوع الألف الليّنة المتوسطة في الاسم أو الفعل.
2 – اختص النوعُ الثاني من هذا الباب بالألف الليّنة في آخر الكلمة(ص22-25) وقد صُدّر بأن رسمها يخضع للقواعد الآتية، جرى توزيعُها على خمسةِ أقسامٍ أو أحرفٍ بترتيب أبجد، تخللتها ملاحظتان. ويتّجه على تلك القواعدِ والتفريعاتِ والملاحظاتِ جُملةُ أمور، أظهرها: أن صياغة تلك القواعد جاءت غيرَ محكمة، فقد اعتورها قَدْرٌ من: الحشو، والزيادة في التفريع والتقسيم بلا مسوّغ، والنقص، ومجافاة الدّقّة، والتباين في المنهج، والتداخل في الموضوعات، وتقطيع أجزاء الموضوع الواحد:
أ - مثالُ الحشو القاعدتان، الأولى وهي (أ) المعقودة لحروف المعاني المنتهية بألف ليّنة، والثانيةُ وهي (ب) الخاصّة بالألف الليّنة في الأسماء المبنيّة، حيث أُقحم فيهما النصُّ على عدد الأحرف التي يمكنُ أن تسبقَ الألفَ الليّنة. وهو ما لا داعي له، ولا فائدةَ منه، ولا يترتبُ عليه شيءٌ يغيّر من رسمها، ولذلك لم تذكره كتبُ قواعد الكتابة، ثم ما نتج عنه من طول القاعدة بلا مسوّغ، ولفظه(ص22): " أ – ترسم ألفاً في الحروف مطلقاً سواء أوقعت بعد حرف أم حرفين أم ثلاثة أحرف ". ومثله أيضاً: " ب – ترسم ألفاً في الأسماء المبنيّة سواء وقعت بعد حرف أو حرفين أو ثلاثة أحرف أو أربعة أحرف ". وقد كان يغني في الأولى القولُ: ترسم الألفُ اللينة في حروف المعاني ألفاً. وفي الثانية القولُ: ترسم الألفُ اللينة في الأسماء المبنية ألفاً.
ب - ومثالُ الزيادة في التفريع والتقسيم بلا مسوّغٍ إقحامُ القاعدة الثالثة (ج) المتعلقة بألف التثنية بأنها " ترسم ألفاً سواء وقعت في ضمير أو اسم أو فعل ". وهذا، على ما فيه من تزيّد في التفريع بلا طائل، موضعُ نظر، فالضمائرُ البارزةُ المنتهية بألف نحو (أنتما – هما) تدخل في جُملة الأسماء المبنيّة التي تقدم بيانُ قاعدتها، وألفُ التثنية أيّاً كانت علامة ً أم ضميراً ليست منقلبةً عن أصلٍ كما في أصل الألف الليّنة المتطرفة في الأسماء والأفعال، فضلاً عن أنها لا تُرسم إلاّ بصورةٍ واحدةٍ، ولذلك خلت من ذِكْرها كتبُ قواعد الكتابة إلا ما ندر وشذّ.
وظاهرٌ ما في العبارة أيضاً من تجوّزٍ بدا جليّاً في سقوط همزة التسوية قبل (وقعت) وفي استعمال (أو) بدل (أم) المعادِلَة لهمزة التسوية، وقد تكرّر نظيرُه في عِدّة مواضع. وهذا - وإن أجازه مجمع اللغة العربية بالقاهرة - هو خلافُ المشهور والأفصح وما عليه التنْزيلُ الحكيمُ وجمهورُ كلام العرب، وإن اغتُفِرَ مِثْلُه للطلبة وغير المختصين وعامّة المثقفين فلا يُغتَفَرُ لذوي الاختصاص ومَنْ فوقهم من النخبة، ولا شكّ أن المأمولَ من الهيئات العلمية المعنية بالحفاظ على اللغة العربية كالمجامع اللغوية وغيرها أن يجيء ما يصدر عنها موافقاً لأعلى الأساليب وأفصحها، إذ كانت قدوةً للناس في جميع ما يصدرُ عنها.
ج - ومثالُ التزيّد وعدمِ الدّقّة ما جاء في القاعدة (د) (ص23) المتعلقة بالألف الليّنة في الثلاثي من الأسماء والأفعال التي ترسم بحسب أصلها، فقد زيد فيها " أو مصدر " بعد النصّ على الاسم والفعل، وكأنه قسم ثالث، ولا يخفى أن المصدر يندرج في الاسم، وهو من أقسامه، يدلّ على ذلك الأمثلة الكثيرة التي وردت موزعّةً على الأصلين الواوي واليائي في الأفعال والأسماء دون المصدر.
د - ومثالُ التداخل مع عدم الدّقّة والنقصِ إتباعُ القاعدة السابقة ببيان طرق كيفية معرفة الأصل في الفعل، وذلك بإسناده إلى ضمائر الرفع، أو معرفة صيغة مضارعه، أو مصدره، ثم إيراد تطبيق عليها، وإتباعها ببيان معرفة الأصل في الاسم بتثنيته أو بجمعه، ثم ختمه بملاحظة تتعلق برسم الألف الليّنة في الأفعال الواوية واليائية. ومعلوم أن هذا موضوعٌ مستقلٌّ عن قواعدِ رسم الألف الليّنة طرفاً، ومثلُه يحتاج إلى عنوانٍ مفردِ عقبَ تلك القواعد، وإن كان مرتبطاً بواحدة منها، وعلى ذلك كثيرٌ من المصنّفين في قواعد الكتابة. وبنحوه إقحامُ التنبيهِ على الأفعال المشتركة بالواو والياء، والتدليلُ عليها بأمثلةٍ مختارةٍ في آخر القاعدة تحت عنوان ملاحظة(ص24) فقد كان الأولى أن تفردَ بعنوان جديدٍ مستقلّ بعد تلك القواعد، فضلاً عما وقع في العبارة من ترخّص في استعمال (أو) التي لأحد الشيئين موضعَ الواو التي للعطف، وذلك في قوله " ثمّة أفعال تكون واوية ويائية، فتكتب بالألف أو بالياء " لأن استعمال (أو) هنا يدلّ على أنها ترسم بأحد الوجهين لا بكليهما، كما تفيده الواو، يؤكّد ذلك إيرادُ أمثلةِ أربعةِ أفعالٍ بالوجهين معطوفةً بالواو. وأما النقصُ فظهر جلياً في قصر معرفة الأصل في الاسم على التثنية والجمع، وإغفال الردّ إلى المفرد، إن كانت الكلمة جمعاً، نحو (قُرى وقرية). ولا يخفى ما في عبارة الأصل من تجوّز " ولمعرفة الأصل في الفعل " بدل قولهم: ولمعرفة أصل الألف الليّنة في الأفعال المعتلة الناقصة. وفي نظيرها: " ولمعرفة الأصل في الاسم " في موضع قولهم: ولمعرفة أصل الألف اللينة في الأسماء المقصورة.
هـ - ومثالُ التباينِ في المنهج ما تلا القاعدة (د) بعد أمثلة الأصل الواوي واليائي في الثلاثي من الأسماء والأفعال، ثم تفصيل كيفية معرفة أصل الألف اللينة فيهما، فقد خُتم بالتنبيه على أنه " إذا كان الاسمُ اسمَ جنس أو مصدراً يرجع إلى فعله ". فقد ورد غُفلاً من التدليل عليه بأمثلة مع مسيس الحاجة إليه في اسم الجنس خصوصاً، وعدمِ الحاجة إليه في (الاسم المصدر) لما سبق من أن معرفةَ المصدر واحدةٌ من ثلاثِ طرقٍ، يُعرف بها أصلُ الألف الليّنة في الأفعال نحو (سعى: السعي).
و – ومثالُ عدمِ الإحكام والدّقّة والحشو والزيادة ما جاء في القاعدة (هـ) (ص24) الخاصّة برسمها فيما فوق الثلاثي من الأسماء والأفعال، فقد ورد لفظها " إذا وقعت الألف الليّنة في نهاية كلمة تجاوز ثلاثة أحرف فعلاً كانت أو اسماً رسمت في صورة الياء ". وقد كان في الوسع التعبيرُ عنها بأوجز من ذلك وأدقّ، كأن يقال في الألف الليّنة طرفاً أنها: ترسم ياءً أو على صورة الياء فيما فوق الثلاثي في الأسماء والأفعال. وليس " في صورة الياء " كما ورد. وبنحوه أيضاً ختمُ القاعدة وأمثلتها(ص25) بأن هذه الألف تقلب ياءً في المثنى وفيما يجمع بألف وتاء مزيدتين على صيغة جمع المؤنث السالم ". ولا يخفى أن هذا الكلام مقحمٌ بلا مسوّغٍ يقتضيه، وموضعُه معلومٌ في كتب الصرف والنحو، كما أنه ليس مقصوراً على الألف الليّنة فيما فوق الثلاثي في الأسماء والأفعال، بل ينطبق أيضاً على الثلاثي، فضلاً عمّا فيه من تكثّرٍ وإطالةٍ بدت واضحةً في النصّ على اسمين لمسمّى واحد، بما لا لبس فيه، وهو" فيما يجمع بألف وتاء مزيدتين على صيغة جمع المؤنث السالم " وكأنهما متغايران، أو كأن الثاني صيغةٌ من الصيغ التي يرد عليها الأول.
ز - ومثالُ القطعِ لأجزاء الموضوع الواحد مع عدم الدّقّة ما ورد في ختم قواعد رسم الألف الليّنة تحت عنوان (ملاحظة)(ص25) ولفظه: " استثناء من القاعدة السابقة ترسم الألف اللينة ألفاً إذا وقع قبل نهاية الفعل ياء " وإتباعها بالأمثلة. وحقّ هذا الاستثناءِ أن يجيء في موضعه من قاعدة رسم الألف الليّنة ياءً في الثلاثي، إن كانت منقلبةً عن ياء، وفيما فوق الثلاثي، في الأسماء والأفعال معاً، لا في الأفعال وحدها كما ورد في القواعد والأمثلة التي تلتها، نحو(دنيا - ثُريّا - يعيا - حيّا - استحيا).ولهذا نظائر وردت في مواضع أخرى، جرى فيها فصلُ الاستثناءِ عن القاعدة، وإفرادُه متأخراً بملاحظة.
ح - ومن أمثلةِ تباينِ المنهج إيرادُ بعض استثناءات تلك القواعد عقبَ القاعدةِ وأمثلتها، كما في رسم الألف الليّنة في الحروف وفي الأسماء المبنية، وإفرادها تحت عنوان (ملاحظة) في رسمها فيما فوق الثلاثي من الأسماء والأفعال. ومعلوم ما يقتضيه المنهجُ من وجوب أن يجري الأمرُ على سَنَنٍ واحدٍ في الاستثناءات.
3 - أما النوعُ الثالثُ من الباب الثاني فقد اختصّ بالألف الليّنة في الأسماء الأعجمية(ص26-27) حيث استُهلّ بالقاعدة العامّة وما تلاها من أمثلة، جاءت موزّعةً على الحروف الأبجدية: (أ) الثلاثي وما فوقه. (ب) أسماء المدن والقرى في بلاد الشام والعراق. (ج) أسماء القارات والدول والمدن والأعلام الأجنبية. (د) الأسماء المستثناة من ذلك قديمةً وحديثةً. (هـ) استبدال القدماء التاء المربوطة بالألف في الأسماء الأعجمية في الأندلس وغيرها. ويتّجه على ما سبق الملاحظُ الآتية:
أ – تقدمت الإشارةُ في الملاحظات العامة (2) إلى خطأ اقتطاع الألف الليّنة في آخر الأسماء الأعجمية من القسم الثاني الخاص بالألف الليّنة آخر الكلمة، وجعلها قسماً ثالثاً مفرداً، مع إسقاط الإشارة إلى موضعها، وهي كلمة (آخر) من العنوان، ممّا نتج عنه تقطيعُ أوصال الموضوع الواحد بلا وجهٍ مسوّغ، وذلك في مقابل القسم الأول (الألف الليّنة في وسط الكلمة).
ب - استغرقت قاعدةُ هذا النوع وأمثلتُه وتفريعاتُها نحواً من صفحتين، وقد كان في الوسع تقديمُ ذلك في بضعةِ أسطرٍ تتضمن القاعدةَ والأمثلةَ المنضبطةَ والشاذّة في موضعها من النوع الثاني الخاصّ بأنواع الكلمات التي تقع فيها الألفُ الليّنة طرفاً، وذلك بعد حذف ما ورد حشواً أو زيادةً في المادة أو في التفريع والتقسيم بلا داعٍ، مما لا نجد نظيراً له في الكتب المعتمدة، فلا حاجة إلى التنبيه على ما جرى عليه القدماءُ في رسم الأعلام الأجنبية بالتاء المربوطة في الأندلس والمشرق والمغرب، والحديث عن قاعدة رسم الألف الليّنة طرفاً في الأسماء الأجنبية.
ملاحظات على الباب الثالث:
استغرق هذا البابُ (الزيادة والحذف في الحروف) ستَّ صفحات (ص28-33). ومعلوم أنه من الأبوابِ المهمةِ في قواعد الإملاء، وذلك لأن الكتابة العربية تحوي حروفاً تُزاد رسماً (كتابةً) ولا يُنطق بها، وحروفاً تحذفُ رسماً ويُنطق بها، وهي بنوعيها قليلةٌ جداً، تحكمُها قواعدُ مطردةٌ أو معياريةٌ خلافاً لكثيرٍ من اللغاتِ المعاصرة التي تتسعُ فيها وجوهُ التباين بين المكتوب والمنطوق به،كما سلفت الإشارةُ إلى هذا في صدر المقال. وطبيعي أن يجيء هذا البابُ في نوعين:
- النوع الأول: (الزيادة في الحروف)(ص28-29) واقتُصر فيه على مواضعِ زيادةِ حرفي: الألف والواو، وجاءت بينهما ألفُ الإطلاق(ص29) بعنوان مفرد. ويتّجه على ما ورد ثمّة جُملةُ ملاحظ:
1 – نُصّ في مستهلّ الحديث عن الزيادة في الحروف على أنه " لا يزاد في الكتابة العربية إلاّ حرفان هما الألف والواو ". وهذا غير دقيق، لأن هاء السكت تزاد على أواخر الكلمات المنتهية بحركة بناء لازمة وجوباً أو جوازاً، وهي تٌنطق وقفاًً، وتسقط لفظاً في درج الكلام، وهذا هو الاختيار عند النحويين، وأجاز بعضهم لفظها وَقْفاً ودَرْجاً[12] نحو (فِهْ - رَهْ - مالِيَهْ - سلطانِيَهْ - لم يَرْمِهْ أو لم يرمِ). فإن اعتُذر عن إسقاطها باختلافها عن الألف والواو في الزيادة، فالجواب عنه أن ألف الإطلاق التي لا وجه لإيرادها أصلاً، لأنها تُزاد رسماً ولفظاً، قد وردت في (قواعد الإملاء) كما مضى قريباً، وهي بهذا أولى بالإسقاط من هاء السكت.
2 – اقتُصر في زيادة الألف في الفقرة (أ) على وقوعها طرفاً نهايةَ الكلمةِ في موضعين، أولهما: ألفُ التفريق بعد واو ضمير الجمع في الماضي والأمر والمضارع منصوباً ومجزوماً، وثانيهما: ألفُ الإطلاقِ نهايةَ البيتِ المنصوب الرويّ، مع الأمثلة لكلٍّ منهما. وهذا أيضاً غيرُ دقيق، ويشوبه نقصٌ غيرُ قليل، آيةُ ذلك أن هناك ثلاثةَ أنواعٍ من الألفات المزيدة لم ترد هنا في موضعها، وهي:
- الأولى: الألفُ التي تُزاد أولاً في جميع مواضع ألف الوصل (همزة الوصل) في الأفعال والأسماء و(أل) التعريف، لأنها في حقيقتها ألفٌ زائدةٌ يُتوصّلُ بها إلى النطق بالساكن بعدها، تنطقُ همزةً في البدء، وتسقطُ في الدَّرْج، وعلى هذا كثيرٌ من كتب قواعد الكتابة.
- والثانية: الألفُ التي تُزاد وسطاً في كلمة (مائة) لعلّةٍ معروفة، والعجيبُ أنها سقطت من موضعها هنا، وأُدرجت في الكلام على الهمزة المتوسطة تحت عنوان (ملاحظة)(ص13) نصّها " كتب القدماء لفظ (مئة) بزيادة ألف قبل الهمزة (مائة) ولم يبق ثمّة ضرورة لزيادة الألف لالتزام النقط في كتابتنا اليوم خلافاً للقدماء فتكتب وفق القاعدة العامة ". وظاهر أن موضعَها في زيادة الألف وسطاً، ولا يُسوِّغُ نقلَ الحديثِ عنها إلى قواعد رسم الهمزةِ المتوسطةِ الاجتهادُ المسبوقُ بحذف الألف، وأنها تكتبُ لذلك وفق القاعدة العامّة.
- والثالثة: الألفُ التي تُزاد طرفاً لتنوين النصب، وهي على شهرتها، وكثرةِ دورانها في الكلام، وورودِها في كتب قواعد الكتابة المعتمدة في هذا الموضع، كان حظُّها الإغفالَ هنا، مع أنها أُقحمت في نهاية الكلام على الهمزة المتطرفة (ص18). يدلُّ على ذلك أنه نُصّ فيها ثمّة على زيادتها، بلفظ " ويقتضي التنوين زيادة ألف على أواخر الأسماء المنصوبة غير الممنوعة من الصرف نكرةً كانت أو عَلَماً يقبل التنوين ". وهذا الكلام - على وروده في غير موضعه – تعوزُه الدّقّةُ والإحكام، إذ لا داعي لتفسير المراد من " الأسماء المنصوبة " بـ " غير الممنوعة من الصرف نكرة كانت أو علماً يقبل التنوين " فهو حشو، إذ تغني عنه كلمٌة واحدةٌ هي (المنوّنة) وصفاً للأسماء المنصوبة، فالنصُّ على التنوين كما هو معلوم يغني عن تقييدها بـ(غير الممنوعة من الصرف) وعن النصّ على النكرة والعلم، لأن الأصل فيهما التنوين الذي لا يكون حيث الإضافةُ والتعريفُ بـ(أل). ولا يخفى أن الإشارةَ إلى مثله تُعَدُّ من نافلة القول وفضوله، كما أن شهرتُها تغني عن التوثيق.
3 – وكذلك اقتُصر في زيادة الواو (ب) على كلمة (أُولى) وممدودها (أُولاء - أُولئك) وعلى كلمة (عَمْرو). والكلامُ في الموضعين غيرُ قائم، يشوبُه نقصٌ، وتعوزُه الدّقّة، كما أن ما صُدِّرَ بأنه " الرأي " في حذف واو (عَمْرو) يحتاج إلى إعادة نظر. دليلُ ذلك أن الواو تُزاد وسطاً في ثلاثِ كلمات، اقتصرت (قواعد الإملاء) على واحدةٍ منها (أُولى - أُولاء) وأسقطت (أُولو/ أُولي) بمعنى أصحاب، و(أُولات) بمعنى صاحبات، دونما مسوّغ، على شهرتهما في كتب هذا العلم، وكثرةِ ورودهما في القرآن الكريم. وأمّا زيادةُ الواو في آخر (عَمْرو) فقد كان التعبيرُ عن قاعدتها غيرَ دقيق، فضلاً عمّا صاحَبَه من اجتهاد غير صائب، واللفظُ ثمّة(ص29):" زاد القدماء الواو بعد راء اسم (عَمْرو) تفريقاً بين (عُمَر) و(عَمْرو). والرأي حذف هذه الواو والاكتفاء بوضع إشارة فتح فوق العين فنكتب (عَمْر) ". وذلك لأن زيادةَ الواو في كلمة (عَمْرو) مقيّدةٌ بحالتي الرفعِ والجرِّ دونَ النصبِ مع التنوين بضوابطَ معروفةٍ مشهورة، وجميعُ ذلك لم يُشَرْ إليه، مما جعل حكايةَ قاعدتها مسرفةً في التعميم، وبعيدةً عن الدقّة العلمية ولغةِ التخصص.
ونحوه الاجتهادُ الذي تصدّر بـ " والرأي " الذي يدلّ مُعَرَّفاً بأل على أنه الصواب، مستبعداً غيرَه من آراء، على ما فيه من مخالفةٍ للمشهورِ والشائعِ من قواعد الكتابة وأصولِ الأقدمين التي نصّت (قواعد الإملاء) في التقديم على شديدِ حرصها عليها، فضلاً عمّا فيه من تضحيةٍ بميزةٍ جليلةٍ تختصُّ بها العربيةُ دونَ كثيرٍ من اللغات الأخرى، وهي ميزةُ الاقتصاد في الكتابة العربية، إذْ تقتصرُ لغتُنا في الأصل والأعمِّ الأغلب على كتابة حروف المدّ (المصوّتات الطويلة) دون الحركات (المصوّتات القصيرة) إلا لداعٍ يقتضي الضبطَ بالشكل كُلّيّاً أو جُزْئيّاً. أحسب أن الاجتهادَ بحذف الواو والضبطِ بإثبات حركتين: فتح العين وسكون الميم (عَمْر) لا يحلّ مشكلةً، ولا ييسّر صعباً، كما أنه لن يُغري أحداً بالأخذ به، والعدولِ عما جرت به الأقلامُ، وألِفَه العامُّ والخاصُّ، وذلك لأمور، أظهرها ما في لغة هذا " الرأي " من مجافاةٍ للدّقّة العلمية وعدولٍ عن المصطلحات المشهورة إلى كلام عامّ، ينأى عن لغة التخصص، تجلى في التعبير عن الضبط بالشكل بفتح العين وسكون الميم في (عَمْر) باللفظ " والاكتفاء بوضع إشارة فتح فوق العين". أعتقد أن استعمالَ مصطلح (إشارة فتح) في موضع (حركة الفتح) مبتدعٌ وغير مسبوق.
4 – جرى إفرادُ " ألف الإطلاق " بعنوان بالحرف الأسود الفاحم وسط السطر(ص29) ما بين الحديث عن زيادة الألف وزيادة الواو، وكأنها موضوعٌ مستقلّ، دون أيّ مسوّغ لهذا الإفراد، لأنها فرعٌ عن زيادة الألف التي اقتُصر فيها على موضعين: الألف التي تلي واو ضمير الجمع، وألف الإطلاق.
- النوع الثاني: اختصّ هذا النوعُ بالحروف التي تُحذف في الكتابة، غير أن العنوان ثمّة اقتصر على كلمة " الحذف " واستغرق نحوَ أربعِ صفحات(ص30-33). ويتّجه عليها جُملةُ ملاحظَ، تؤولُ إلى عدمِ الدّقّة، والنقصِ، والحشوِ، والأخطاءِ العلمية والمنهجية، يمكن إيجازُها فيما يلي:
1 - استُهلّ الحديث عن (الحذف) بأنه " يقع الحذف في مذاهب القدماء في حرفين فقط، هما الألف والواو ". وهذا القطعُ بقصر الحذف على حرفين منسوباً إلى مذاهب القدماء لا يُسلّم به، فهناك حروفٌ أخرى يقع فيها الحذفُ لدى القدماء والمحدثين، أشهرُها حرفان، هما:
- (أل) التعريف: وذلك في نوعين من الكلمات، أولاهما: الأسماءُ المبدوءة باللام إذا دخلت عليها (أل) ثم دخل عليها لامٌ مكسورة أو مفتوحة، نحو: لَلَّبَنُ - لِلَّبَنِ، لَلَّحْمُ - لِلَّحْمِ، لَلَّيْلُ - لِلَّيْلِ. وثانيهما: الأسماءُ الموصولة التي تكتب بلامين إذا دخلت عليها لامٌ مكسورة أو مفتوحة، نحو: لَلّذانِ - لِلَّذَيْنِ - لَلَّتانِ - لِلَّتَيْنِ - لَِلَّائي...
- النون: تُحذف كتابةً أو رسماً في مواضع، أشهرها وأصحّها[13]:
* من حرفي الجرّ (مِنْ) و(عَنْ) إذا دخلتا على (ما) و(مَنْ) مثل: مِمّا وعَمّا ومِمّنْ وعَمّنْ.
* من (إنْ) الشرطية إذا اتصلت بـ(لا) النافية، أو (ما) الزائدة، مثل: (إلاّ تَنْصُروه فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ)[الأنفال73] و(إمّا يبلغَنَّ عِنْدَكَ الكِبَرَ أحدُهما أو كلاهما)[الإسراء23].
* من (أنْ) المصدرية إذا جاءت بعدها (لا) زائدةً أو نافيةً، مثل: (قالَ ما مَنَعَكَ ألاَّ تَسْجُدَ إذْ أمَرْتُكَ)[الأعراف12]. ويجب ألاّ تتأخَّرَ.
2 – اشتمل الحذف الأول " حذف الألف "(ص30-33) على جمع للمواضع التي تُحذف فيها الألفُ موزعّةً على أرقامٍ تسعةٍ، تخللتها بعضُ الاجتهادات، الثلاثةُ الأولى منها لمواضع مشهورة تُحذف فيها همزةُ الوصل، ولذلك توردها بعضُ كتب قواعد الكتابة في الحديث عن أحكام حذف همزة الوصل، واثنتان (الرابعة والتاسعة) لحذف الألف وسطاً، والأربعة الباقية (الخامسة والسادسة والسابعة والثامنة) لحذف الألف طرفاً. ويتّجه على ما ورد ثمّة ملاحظُ مختلفةٌ من عدم الدّقّة، والنقصِ، وعدمِ التفريق بين مواضع حذف الألف أولاً ووسطاً وطرفاً، وكذلك بين مواضع الحذف الواجب والجائز، ومن الخلطِ بين الرسم القرآني والرسم الكتابي المعاصر، والتجوّزِ في التعبير عن بعض تلك المواضع. بيانها فيما يأتي:
أ – جاء التعبيرُ عن قاعدة حذف الألف من كلمة (ابن) غيرَ دقيق، فقد عُزي الحذفُ فيها إلى القدماء والمحدثين، وتضمّن بعضَ شروطها، ثم تلتها الأمثلةُ متبوعةً بشرطٍ آخر(ص30) واللفظ ثمّة " تحذف في الكتابة لدى القدماء والمحدثين ألفُ (ابن) إذا وقعت هذه الكلمة مفردة بين علمين على ألاّ يفصل بينهما فاصل ". أرى إعادةَ النظر في تحرير القاعدة، وذلك بحذف النصّ على نسبة هذا الحذف إلى القدماء والمحدثين، لأنه لا يضيفُ جديداً، إذ كان معظمُ قواعد الكتابة يوافق منهجَ الأقدمين أو أصولهم، ومثلُه يصحُّ إثباتُه عندما تتفرد القاعدةُ بوقوع الاتفاق فيها بين القدماء والمحدثين، وهذا ما دعا كتبَ العلم إلى عدم الإشارة إليه إلاّ لداعٍ يقتضيه؛ وكذلك بحذف شرط عدم الفصل بينهما، كيلا يُتوهّم أن التعريفَ استغرق الشروطَ، كأن يقال مثلاً: تُحذف الألفُ من كلمة (ابن) إذا وقعت بين علمين صفةً مفردةً. ويمكن أن يُشار بعد الأمثلة إلى شروطٍ أو إلى ضوابطَ أخرى لحذفها، كما يُشارُ إلى أن ما يقال فيها ينطبق على مؤنثها (ابنة).
ب – ومن أمثلة عدم الدّقّة والحشو بلا داعٍ ما ورد في نهاية قاعدة حذف الألف من (أل) التعريف إذا سبقت باللام مفتوحةً أو مجرورةً(ص31)، فقد خُتم بالنصّ على ما يندرج في القاعدة، مع خلطٍ بحذفٍ آخرَ ذي قاعدةٍ أخرى، ولفظه ثمّة " وتحذف كذلك من أسماء الموصول المبدوءة باللام إذا سُبقت بلام، فنكتب: هذا الكتاب لِلّذي أتاك. لِلّذَيْنِ أتياك. الثواب لِلّذِيْنَ آمنوا ". وظاهر أن هذا الكلامَ لا حاجةَ إلى إيراده، وذلك لأن القاعدةَ السابقة له تستغرقُ حذفَ الألف من (أل) التعريف في كلّ اسم دخلت عليه، أو يبدأ بها، أو جاء مُحلّى بها، أيّاً كان نوعُ هذا الاسم، موصولاً أو غيرَ موصول. ومعلوم أن جميعَ الموصولات الخاصّة (الذي والتي وفروعهما) تلزمها (أل) التعريف فلا تحتاج إلى تقييد الأسماء الموصولة بـ(المبدوءة باللام). وأما الخلطُ فيظهر في إيرادِ دخول اللام على الاسم الموصول المثنّى الذي يكتب بلامين هنا " لِلّذَيْنِ أتياك " لأنه من بابةٍ أخرى، ولا يصحُّ إثباتُه هنا، فقد حُذف منه حرفان هما: الألف واللام، يعني (أل) كاملة، وبقيت اللام الثانية واللام الداخلة عليها، وقد مضى التنبيهُ على سقوطه من قسم الحذف قريباً.
ج – وكذلك جاء التعبيرُ عن الموضع الثالث لحذف الألف غيرَ دقيق، ولفظه (ص31): " تحذف الألف من كلمة (اسم) في البسملة فقط: بسم الله الرحمان الرحيم، وتثبت في الأحوال الأخرى، فنكتب: باسمك اللهم. الرئيس يتحدث باسم مرؤوسيه ". وذلك لأن النصّ على أن موضعها في البسملة، يعني نفي ما سواها، بما يغني عن الحصر بـ(فقط)، ولو وُصِفت البسملة بـ(التامّة) لكان أولى. وبنحوه التعبيرُ عن ثبوتها في غير البسملة بـ " الأحوال الأخرى " فهي ليست أحوالاً، بل هي صيغٌ للبسملة غير التامّة وغيرها.ومما يلتحق بما سبق ما جاء من مخالفة المتقدمين والمحدثين في كتابة كلمة " الرحمن " في البسملة التامّة بإثبات الألف، فهذا غير جائز، وإن وافق اجتهادُ (قواعد الإملاء) إثباتَ الألف في (الرحمن) وأشباهها، فهو مقصورٌ على الأعلام، أمّا رسمها في البسملة التامّة فله حكمٌ خاصٌّ.
د – وكذلك شاب التعبيرَ عن الموضع الرابع لحذف الألف غيرُ قليلٍ من مجافاةِ الدّقّة، وتنكُّبِ الصواب، والخلطِ بين قضايا من موضوعات مختلفة، ولفظه ثمّة (ص31): " في الكتابة الموروثة عن القدماء وفي رسم القرآن حُذفت الألف المتوسطة في طائفة من أسماء الأعلام وفي الأحرف التي تقع في أوائل السور القرآنية، واستعملت فيما بعد أسماء للأشخاص، ومنها: الله، الرحمن، طه، يس، الحرث (الحارث)، ملك (مالك)، إسمعيل، إبرهيم، إسحق، هرون، وغيرها. والرأي إثبات هذه الألف في جميع هذه الأسماء، باستثناء لفظ الجلالة، وفي لفظ (طه) لشيوع كتابتهما بهذه الصورة: الرحمان، ياسين، الحارث، مالك، إسماعيل، إبراهيم، إسحاق، هارون، وغيرها ". ويتّجه على ذلك ملاحظُ، منها:
- معلوم أن الرسمَ القرآنيّ أو خطّ المصحف لا يُقاس عليه، وهو أحد أنواعٍ ثلاثةٍ للكتابة العربية، ثانيها الكتابةُ العروضية التي تُصَوّرُ المنطوق به، وهذان الخطّان - كما هو مشهور - لا يُقاس عليهما، وثالثها الكتابةُ العادية أو المعاصرة التي هي موضوع البحث وقواعد الكتابة أو الإملاء، لذا لم يكن صائباً النصُّ على حذف الألف المتوسطة في الرسم القرآني في طائفةٍ من أسماء الأعلام، وفي الأحرفِ التي تقع في أوائل السور القرآنية، وأنها استُعملت فيما بعد أسماءً للأشخاص. ولو اقتُصر على ما صُدِّر به الحذفُ الرابع " في الكتابة الموروثة عن القدماء " لكان أولى، على ما في هذا التعبير من خروجٍ عن المألوف، ونأيٍ عن الدّقّة، لأن التعبيرَ عن مذاهب الأقدمين أو مقالاتهم أو مناهجهم أو طرائق الكتابة لديهم بـ " الموروث عن القدماء " غيرُ مناسبٍ من وجوه، يقدُمها أن الموروثَ يشمل الغثَّ والسمينَ، والرديءَ والجيدَ خلافاً للمذاهب أو المقالات أو المناهج التي تحوي صواباً يحتملُ الخطأ.
- يتصل بما سبق من عدم الدّقّة ما سلف من تصدير أمثلة أسماء الأعلام بـ " الله، الرحمن " بعد النصّ على أنها " استُعملت فيما بعد أسماءً للأشخاص، ومنها:.. " وظاهر أن في العبارة سهواً، لأن لفظ الجلالة - كما هو معلوم – خاصّ به سبحانه وتعالى، والأصل في حذف الألف من (الرحمن) أن تكون معرفة بـ(أل).
- تشترك الأمثلةُ المتقدّمةُ في حذف الألف منها وسطاً، بيد أنها ليست جميعاً على درجةٍ واحدة، كما أن حذفَها ليس موضعَ اتفاقٍ لدى المصنّفين، إذ كان أغلبُها لا يُثبت حذفَ الألف وسطاً في أكثر الأمثلة، لأن مَنْ أوردها منهم تابع فيها الرسمَ القرآني الذي لا يُقاس عليه فيما خالف فيه قواعدَ الكتابة، وإن كان موافقاً لها في معظمه. وأكثر كتب قواعد الكتابة تقتصرُ على إيراد بضع كلماتٍ مشهورة، وقع فيها حذفُ الألف وسطاً وجوباً، هي (الله - إله - الرحمن - السموات - لكنّْ - أولئك - طه). أما الأعلامُ الأخرى التي ذُكر بعضُها وغيرُها من الأسماء التي جرى بعضُ الأقدمين على حذف الألف منها وسطاً فهي كثيرة، وثمة اختلافٌ بينهم في حذفها، وقوعاً أو عدماً، ووجوباً أو جوازاً، وفي دواعيه أيضاً[14]. والأمرُ في الكتابة المعاصرة على خلافه.
يتبع...
بقلم د. يحيى مير علم
توطئة:
يشتمل هذا البحث على مراجعة علمية نقدية لكتاب (قواعد الإملاء) الذي صدر عن مجمع اللغة العربية بدمشق ضمن مطبوعات سنة 1425هـ - 2004م، وجاء في (39) صفحة مصدّراً بتقديمٍ، تضمّن جُملةً من القضايا العلمية والمنهجية، يحسن إيرادُها موزّعةً على موضوعاتها لدواعٍ يقتضيها البحثُ لاحقاً في النقد والمعالجة، توخّيت فيها أن تجيءَ أقربَ ما تكون إلى الأصل الذي وردت فيه[1]:
أ - بيان أسباب النهوض بوضع هذه القواعد، فقد عاين أعضاء المجمع كثرةَ ما يقع فيه الكاتبون من الأخطاء الإملائية، وتعدّدَ طرق الكتابة في البلدان العربية، وذلك لاعتماد بعض مَنْ وضعوا قواعدَ الإملاء من المحدثين على طرائق السلف، واتّباع آخرين طرائقَ بلدانهم، وذلك لعدم وجود قواعد إملائية واضحة متفق عليها، وما يلقاه الكاتبون من عُسْرها، فضلاً عن اختلاف الأقدمين في تلك القواعد.
ب - إيراد أمثلة تشير إلى أصول الأقدمين التي فرضها عليهم خُلُوُّ كتابتهم من الشكل والإعجام كزيادة الألف في (مائة) والواو في (عَمْرو) وحذف الألف في مواضع من الأسماء.
جـ - بيان الدافع إلى وضع (قواعد الإملاء) والغاية المتوخّاة منها، فقد وجد المجمع أن من المفيد وضعَ قواعد إملائيةٍ تتحقق فيها شروط الوضوح والضبط والدقّة والإقلال من القواعد الشاذة مع توخّي التيسير على الكاتبين في كتابة ما تقع فيه الهمزة والألف الليّنة.
د - النصّ على أن لهم مآخذ على كتب قواعد الإملاء التي وضعها المحدثون، تتجلّى في وقوع اختلاف كبير فيما بينها، وذلك لأخذ بعضهم بقواعد السلف مع تعديل يسير، وتنكّب بعضهم لتلك القواعد، وأخذه بقواعد جديدة غير مألوفة، فضلاً عما تُكَلِّف الآخذين بها من العُسْر، وما ينتج عنها من قطع الصلة بالتراث العربي، وجنوح بعضهم إلى كتابة الكلمة كما يُنطق بها، وإلغاء كلّ الاستثناءات التي تخرج عن القاعدة، وعدم مراعاة الأحوال الخاصّة التي تقتضيها.
هـ - تقديرهم لجميع الطرائق والمحاولات التي قام بها الباحثون المحدثون في وضع قواعد الإملاء، غير أنهم لم يجدوا بينها طريقةً واحدةً صالحةً لأن يقع عليها الإجماعُ بين جميع الكاتبين وبين مختلف الأقطار.
و - إجماع رأي أعضاء المجمع على ضرورة وضع قواعد للإملاء العربي تتحقق فيها الشروط المتوخّاة، وهي: تحقيقُ التوافق ما أمكن بين نطق الكلمة وصورة كتابتها بغية التيسير على الكاتبين والقارئين، ومحاولة عدم قطع الصلة بين كتابتنا وكتابة أسلافنا ما أمكن ذلك، ومراعاة خصوصية اللغة العربية في أصول نحوها وصرفها، وكذلك في قيامها على اتصال حروفها في الكتابة والطباعة، وتوخّي القواعد المطردة وتجنب حالات الشذوذ ما وسعنا ذلك. وخُتم ذلك التقديم بأملهم أن تلقى القواعد التي انتهوا إليها رضا الكاتبين عنها، والأخذ بها، ونشرها في أقطار عربية أخرى، تحظى لديها بمثل ذلك.
لا ريب أن هناك حاجّةً ماسّة إلى قواعدَ معيارية وموحّدةٍ للإملاء العربي ؛ وذلك لأن موضوعَ قواعد الإملاء أو قواعد الكتابة العربية يُعَدُّ من القضايا اللغوية المُلِحّة التي تعاني منها اللغةُ العربية، فقد طال الخُلْف بين المصنّفين في كثيرٍ من قواعدها قديماً وحديثاً، ولا تزال الأصواتُ تجأرُ بالشكوى من عُسْرها، ومن كثرة الاختلاف في قواعدها، لذلك حظي الموضوعُ باهتمام المؤسسات التعليمية والعلمية والمجامع اللغوية عامّةً، وباهتمام مجمع اللغة العربية بالقاهرة خاصّةً[2]، وما فَتِئَت محاولاتُ الباحثين منذ منتصف القرن الماضي تتوالى في تقديم الاقتراحات وصولاً إلى تيسيرها على الكاتبين وتوحيد صورها، كما تنامى عددُ الكتب المعاصرة التي وقفها أصحابُها على قواعد الكتابة حتى جاوزت العشرات، على ما بينها من تفاوتٍ في: المنهج، والمادّة، والشرح، والتوثيق، والتفصيل، ومَبْلَغ حظّها من الدقّة والصواب، والزيادة والنقص، والملاحظ التي تتّجه عليها[3].
ولمّا كان بابُ الاجتهاد في هذا الموضوع لا يزال مُشْرعاً حتى تُقالَ كلمةُ الفصل فيه، وكنتُ - إلى ذلك - معنياً بموضوع قواعد الكتابة العربية أو الإملاء، فقد نهضت بتدريسها ثلاثة عشر عاماً (1993- 2006م) لطلبة وطالبات قسمي اللغة العربية وآدابها والدراسات الإسلامية في كلية التربية الأساسية بدولة الكويت، وبعد معاودة النظر في (قواعد الإملاء) المتقدّمة التي أصدرها المجمع والتي غدت في أيدي القراء والمختصين، يفيدون منها، ويحتكمون إليها تصحيحاً وتخطئةً = رأيت لزاماً عليّ أن أنهض بواجب العلم أولاً، وبحقّ هذه اللغة الشريفة عليّ ثانياً، فدوّنت ملاحظاتٍ متنوعةً على (قواعد الإملاء) بياناً لوجه الحقّ، وتصحيحاً لما شابها من ملاحظ مختلفة.
وتجدر الإشارةُ إلى أن الملاحظ التي سأتناولها في هذا المقال لن تكون من مواضع الخُلْف التي يتسعُ فيها باب القولُ، ويحقّ فيها لكلّ باحثٍ وراسخٍ أن يجتهد، ويأخذ بما يراه صواباً من الآراء، بل ستقتصر على ما يجب إعادةُ النظر فيه، وتصحيحُه، إلا ما اقتضت الضرورةُ الإشارةَ إليه لداعٍ ما، وعلى الجُمْلة فالملاحظُ علمية متنوّعة، تصحّح خطأً، أو تنفي شائبةً، أو تستدركُ نقصاً؛ أو تنبّه على زيادة لا وجه لإيرادها، أو على تنكّبٍ للدقّة؛ أو عدولٍ عن المصطلحات العلمية إلى غيرها؛ فضلاً عن ملاحظ أخرى منهجية، تدلّ على خلاف المنهج الصحيح المعتمد في كتب قواعد الكتابة، أو تشير إلى مواضع الاختلاف بين المنهج المرسوم في التقديم والمادة العلمية فيها.
إن النهوض بتصحيح ما جاء من أخطاء متنوّعة في كتاب المجمع (قواعد الإملاء) يكتسب أهمية كبيرة، لأنه صدر عن أعلى الهيئات العلمية المعنية بالحفاظ على اللغة العربية، وصونِها مما يتهددها، ومعالجةِ قضاياها المعاصرة، والنهوضِ بها، وتيسيرِها في التعلّم والتعليم، وتنميتِها لتواكب التطوّرَ التقني في جميع ميادين العلوم والفنون، إذ كان ما يصدر عنها من مطبوعات موضعَ ثقةٍ وتقدير من الخاصّة والعامّة، ومرجعاً يُحتكم إليه تصحيحاً وتخطئةً، وقدوةً يُؤتمّ بها في السلامة اللغوية، والدّقّة العلمية، وعلوّ الأساليب وبيانها، فضلاً عن الأمانة العلمية. ولا ريب أن هذا القدر الكبير من الأخطاء المختلفة التي شابت (قواعد الإملاء) تلك، لو وقعت في أيّ كتاب آخر من كتب قواعد الكتابة التي تصدرها دور النشر، على كثرتها، لما كان لها مثلُ هذا الشأن والأهمية. والنهوضُ بهذا الأمر يصبح ألزم وآكد إذا علمنا أن إنجاز (قواعد الإملاء) تلك استغرق نحو سنتين من عمل لجنة اللغة العربية وأصول النحو في المجمع، عقدت خلالها ستاً وعشرين جلسة في عام 2003م مستعينةً بملاحظات بعض أعضاء المجمع وغيرهم وبالتقرير المقدّم من لجنة وزارة التربية، لتطبعَ من بعدُ وترسلَ إلى وزارات: الإعلام، والتربية، والتعليم العالي، وغيرها من الجهات المعنية لاعتمادها والتزامها وتطبيقها[4].
على أنه قبل إيراد تلك الملاحظات يحسن بيانُ الأسس التي يجب أن تُراعى في وضع قواعد موحّدة للإملاء العربي، أهمّها:
أ - الأصل في الإملاء أن يطابق الرسمُ الإملائيُّ (المكتوبُ) المنطوقَ به، ولكن هذا غيرُ متحققٍ في جميع اللغات المكتوبة، لذا كان من المعلوم لدى المختصّين أنه كلّما كان الاختلافُ بين المنطوق والمكتوب قليلاً ومضبوطاً ومقنّناً كانت اللغةُ مثاليةً في التعلّم والتعليم والمعالجة الحاسوبية. وكان مما تتميز به اللغةُ العربيةُ أن هذه الفروقَ جِدُّ قليلةٍ، وهي محصورةٌ في حالاتٍ معدودة، أو في بضعةِ قوانينَ تنتظمها، مما يجعل إتقانها ومعالجتها أمراً ميسوراً بخلاف ما في اللغات الأخرى.
ب - التقليل من القواعد ما أمكن، وجعلها مطّردةً شاملةً، وحصر حالات الاستثناء أو الشذوذ أو الخروج عن القاعدة في أضيق الحدود. وقد أثبتت المعالجةُ الحاسوبيةُ للغة العربية أنها من أمثل اللغات وأكثرها طواعيةً لتلك المعالجة، وذلك لغلبة المعيارية والاطّراد في قواعدها: الصرف، وقواعد الإملاء أو الكتابة، والنحو، والمعاجم. على ما في بعضها من اختلافٍ أو شذوذ، ولا يخرج عن ذلك إلا موضوعُ الدلالة، لخصوصية اللغة العربية، وتعقّد العلاقات الدلالية فيها، والتداخل الكبير بين الحقيقة والمجاز.
جـ - عدم الخروج عن الصور المألوفة في الطباعة والكتابة ما أمكن ذلك تحقيقاً لاستمرار الصلة بين القديم والحديث، وتيسيراً لقراءة التراث المطبوع والإفادة منه.
د - الحرص على الربط بين قواعد الإملاء والقواعد النحوية والصرفية تحقيقاً لأهدافٍ تربويةٍ وجيهة، وذلك لارتباط معارف المنظومة اللغوية.
هـ - لا يمكن الوصولُ إلى قواعد إملاء أو كتابة دقيقة وصحيحة وموحّدة (معيارية) تتجاوز ما أُخذ على ما سبقها من محاولات، سواء أكانت بحوثاً أم كتباً أو مشاريع، ويتحقّق لها الذيوعُ والانتشار، وتُعتمد في جميع مطبوعات أقطار الوطن العربي وخارجه = ما لم يَجْرِ تخليصُها من الخلافات، والزيادات المقحمة، وتعدّد الوجوه، فضلاً عن الأخطاء العلمية والمنهجية والمصطلحية، مما نجد أمثلتَه واضحةً في كتبٍ غير قليلة من قواعد الكتابة، على ما بينها من تفاوت في المناهج والغايات؛ إذ يتسم غيرُ قليلٍ منها بالنقل والتكرار والمتابعة في الصواب والخطأ، وبإقحام موضوعات صرفية أو نحوية أو لغوية أو سواها، دون أيّ مسوّغ؛ لذا، كان من غير الصواب أخذُ جميع ما ورد فيها بالتسليم أو القبول دونَ تدقيقٍ أو تمحيص، لأن قدراً مما جاء فيها لا يعدو أن يكونَ خلافاتٍ، لا تنطوي على كبيرِ قيمةٍ، أو زياداتٍ من علوم مختلفة، لا وجهَ لإثباتها. على أنه يجب التنبيه إلى أن ما يجوز إيرادُه في بعضها، مما وُضع مرجعاً للخاصّة والأساتذة، وتغيّا أصحابُه الجمعَ والاستقصاءَ لكلّ ما يقع تحت أيديهم، والتوثيقَ لكلّ شاردةٍ وواردةٍ، بالإحالة على آراء المتقدمين ومقالاتهم وخلافاتهم ونقلها = لا يجوزُ فِعْلُ مثله لِمَنْ تغيّا الإيجازَ والاقتصادَ والإحكامَ والتقريبَ والتيسيَر وتخليصَ قواعد الإملاء أو الكتابة مما شابها من خلافات، وتعدّد في صور الرسم كما في جاء في " تقديم " المجمع لـ(قواعد الإملاء).
الفصل الأول
الملاحظات العامّة
أولاً: ملاحظات عامّة على الأبواب والموضوعات:
جاء ترتيبُ مادةِ (قواعد الإملاء) وتوزيعُها على الأبواب، وتقسيماتُها فيها، والتصرفُ في موضوعاتها، بزيادة ما ليس منها، وحذفِ ما هو منها = مغايراً لما هو مألوفٌ في أغلب كتب قواعد الكتابة، وقد نتج عنه خللٌ منهجي من جهة، وزيادةٌ ونقصٌ من جهة أخرى، ويظهر ذلك جلياً في الفهرس، فقد اشتملت (قواعدُ الإملاء) المتقدمة على أربعة أبواب، أولها: باب الهمزة بأنواعها الثلاثة: في أول الكلمة، وفي وسط الكلمة، والمتطرفة، وبعدها ورد تنوين الأسماء، وخُتم بهمزة الوصل! وثانيها: باب الألف اللينة موزّعةً على ثلاثة أقسام، الأول منها للمتوسطة، والثاني للمتطرفة، والثالث للألف اللينة في الأسماء الأعجمية! وثالثها: باب الزيادة والحذف في الحروف، جاء في قسمين، الأول للزيادة: زيادة الألف، وألف الإطلاق، والواو، والثاني للحذف: حذف الألف، والواو. والباب الرابع للفصل والوصل والتاء المبسوطة والتاء المربوطة! وخُتمت بالفهرس.
ويتجه على ما سبق بيانه وترتيبه في الأبواب وعناوينها وموضوعاتها جملةُ ملاحظ، هي:
1 - أُقحم موضوعُ تنوين الأسماء (ص18) في الباب الأول المخصّص للهمزة، وظاهر أنه لا وجهَ لهذا الإقحام. وأما زيادةُ الألف لتنوين النصب وحده فموضعُه البابُ الثالث في مواضع زيادة الألف طرفاً. ومعلوم أن الهمزة على تعدّد صورها هي حرفٌ صامت غير الألف المدّيّة، وليس لتنوين النصب علاقةٌ برسم الهمزة إلا إنْ كانت متطرفةً مفردةً على السطر، فإنها ترسم شاذةً على نبرة إذا وليها تنوينُ النصب، أو ألفُ الاثنين، وسبقها حرفُ اتصال مثل: عبئاً وعبئانِ، شيئاً وشيئانِ. وهذا ما لم يَرِدْ في الكلام على تنوين الأسماء ثمّة.
وفي الباب الأول أيضاً جرى تأخيرُ الحديث عن همزة الوصل إلى نهاية باب الهمزة بعد تنوين النصب (19 – 20) وهذا ليس صائباً، لأن موضعَها في الهمزة التي تقع أول الكلمة، وهي - كما هو معلوم - على نوعين: همزة وصل، وهمزة قطع، على ما بين الهمزتين من التباين في الصورة والماهية والمواضع، وعلى هذا كتبُ قواعد الكتابة، وسيرد لاحقاً في الملاحظات التفصيلية فضلُ بيانٍ لما شاب الكلامَ على الهمزتين من نقصٍ وخلل.
2 - وفي الباب الثاني اقْتُطِعَت الألفُ الليّنةُ في الأسماء الأعجمية (ص26) من القسم الثاني الخاص بالألف الليّنة آخر الكلمة، وذلك في مقابل القسم الأول الألف الليّنة في وسط الكلمة، وجُعلت قسماً ثالثاً برأسه. وهذا لا يجوز، ولا سابقةَ له في كتب قواعد الكتابة، لأن الألفَ الليّنة لا ترد إلا متوسطةً، أو متطرفةً في مواضعَ أو أنواعٍ من الكلمات، أحدها الأسماء الأعجمية.
3 - سقطت الألفُ التي تُزاد آخر الاسم المنصوب المنوّن من الباب الثالث الخاصّ بالحذف والزيادة في الحروف دون مسوّغ، على أهميتها وكثرة دورانها في العربية. كما أُفردت ألفُ الإطلاق (ص29) بعنوان مستقلّ بعد زيادة الألف في الباب نفسه، ولا داعي لذلك، لأنها إحدى ثلاثِ ألفات تُزاد طرفاً، أولُها الألفُ التي بعد واو ضمير الجمع في الأفعال، وثانيها ألفُ الإطلاق، وثالثها ألفُ تنوين النصب السابقة.
4 - وفي الباب الرابع الخاصّ بالفصل والوصل أُقحمت فيه التاءُ المبسوطة والتاءُ المربوطة، وهي باب مفردٌ في كتب قواعد الكتابة، والموضوعان مختلفان، ولا رابطَ يجمع بينهما، ولا سابقة لهذا فيما أعلم.
5 - أغفلت (قواعدُ الإملاء) بابَ علامات الترقيم، على أهميته البالغة في تعيين مواضع الفصل، والوقف، والابتداء، وتحديد أغراض الكلام، وأنواع النبرات الصوتية في القراءة. ولا شكّ أن التزام علامات الترقيم على نحوٍ دقيق يعينُ على دقّة إدراك المعاني، وفهم العبارات، عندما تكون تقاسيمُها وأجزاؤها مفصولةً أو موصولةً بعلامات تبيّن أغراضَها، وتوضّح مراميها. لذلك كان بابُ الترقيم وعلاماته في العربية على قدرٍ كبير من الأهمية، وهو ما جعل كُتُبَ قواعد الكتابة لا تستغني عنه، بل حملت أهمّيّتُه بعضَهم على إفراده بكتاب، كما صنع أديبُ العربية وشيخُها أحمد زكي باشا، ومَنْ حذا حذوه من المعاصرين[5] على أن موضعَه جاء في أغلبها آخِرَ الأبواب المتقدمة.
6 - عدم التزامِ منهجٍ علميّ محدّدٍ في معظم (قواعد الإملاء) وذلك يستغرق: عرضَ المادة العلمية، ومعالجتَها، وشرحَها، وتفصيلاتها، وأمثلتَها، وإيرادَ القواعد العامّة، والتعاريف، والملاحظات. وهذا يتجلّى بعقد موازنة بين ما جاء في أيِّ باب منها وبين نظيرها في كتب قواعد الكتابة المعتمدة التي تقتصرُ على موضوعات هذا العلم، والتي عُرف أصحابها بالدّقّة ورسوخ القدم. ولعلّ خير مثال لذلك الإشارةُ إلى ما أصاب باب الهمزة من ضروب الخلل المنهجي والعلمي. وفي الملاحظ المتقدّمة وفيما سيأتي من ملاحظات مفصّلة موزّعة على الأبواب = غُنيةٌ عن الإطالة، وتحاشٍ للتكرار، وتوخٍّ للاختصار.
7 – جاء كتابُ (قواعد الإملاء) على كبيرِ أهميّته، وخطورةِ موضوعه، وعظيمِ الحاجة إلى مثله، وطويلِ انتظاره، دونَ المأمول منه في المادّةِ والمعالجةِ والمنهج، يشهد لذلك جميعُ ما في البحث. على أن ملاحظةً عامّة تتصل بالمنهج، تجلّت في خُلُوِّه من ذكر أسماء المصادر والمراجع التي جرى الاعتماد عليها، فلم يُشَر إلى أيٍّ منها في أيِّ موضع من الكتاب، على مسيس الحاجة إلى مثلها توثيقاً للمادّة، وتمكيناً للقارئ من التحقق والتثبت في كلّ ما يستوقفه، وبخاصّة الاجتهادات والآراء التي جاءت مسبوقةً دون أيّ إشارة إلى ذلك، خلافاً لما تقتضيه الأمانةُ العلمية التي يحرص عليها المجمعُ، ويلتزمها في مطبوعاته ومجلّته، ويُلزم بها المؤلّفينَ فيما ينشره لهم من كتب أو مقالات.
8 – يتصل بالملاحظة السابقة صدورُ (قواعد الإملاء) أيضاً غُفْلاً من اسم مَنْ نهض بإعدادها، أو شارك فيها، أو أشرف عليها، أو راجعها، أو نظر فيها، أو كتب ملاحظات عليها، وذلك خلاف ما جاء في التقرير السنوي عن أعمال المجمع في دورة عام 2003م الذي نُشر في مجلة المجمع، فقد عُزيت فيه تلك القواعدُ إلى لجنة اللغة العربية وأصول النحو التي "عقدت ستاً وعشرين جلسة أثناء العام 2003 تمّ فيها ما يلي: أ - وضع (قواعد الإملاء) بالاستعانة بملاحظات بعض أعضاء المجمع، وملاحظات الأستاذ عاصم البيطار، والدكتور مازن المبارك، والتقرير المقدّم من لجنة وزارة التربية، وإحالتها لتعرض على مجلس المجمع للموافقة على طبعها، ثم إرسالها إلى وزارة الإعلام ووزارة التربية ووزارة التعليم العالي وسائر الجهات المعنية"[6]. على أنني سمعت من الأستاذ الدكتور مازن المبارك خلاف ذلك، فقد قرأ عليه الأستاذ المرحوم عاصم البيطار قدراً ضئيلاً منها في نحو صفحتين من قواعد رسم الهمزة، وتحفّظ على ما ورد فيهما من أخطاء[7]. وتكرّر هذا العزو إلى اللجنة نفسها في التقرير السنوي عن أعمال المجمع في دورة عام 2004م، واللفظ ثمّة "كان أهمُّ ما قامت به من أعمال: وضعَ قواعد الإملاء وإحالتها على مجلس المجمع (الذي أقرها في جلسته العاشرة) والاقتراح على المكتب طباعتها في كتيّب وتوزيعه"[8]. على أن آخرَ ما وقفت عليه كان جوابَ الأستاذ الدكتور إحسان النصّ عن سؤالٍ وجّهه إليه الأستاذ عادل أبو شنب في لقاء علميّ موثّق: "ما الذي تعدّه الآن؟" قال: "أعددت كتاب (قواعد الإملاء) وأعمل في تصحيح الأخطاء الشائعة وما أكثرها"[9]. ولا يخفى أن صدورها غُفلاً من الاسم جاء خلاف المألوف في الأعمال العلمية الجادّة التي تقتضي تحديدَ المسؤولية العلمية. ولا يغني عنه صدورُها تحت اسم المجمع وشارته، إذْ لو صحّ ذلك لوجدنا نظيراً لها في مطبوعات المجمع السابقة، على كثرة عددها، وجليل قيمتها، وقِدَم العهد بها، وشهرة هذا الأمر تغني عن نصب الأدلة عليه، لأنها تطالع القارئَ في كلّ ما يصدر عن المجامع اللغوية والمؤسسات العلمية والجامعات وجهات النشر المسؤولة الجادّة، ولا يُلتفت إلى ما قد يخرج عن ذلك لخصوصية فيه، كأن يكون الكتابُ سجلاً لقرارات أو قوانين أو لبحوث قُدّمت في ندوات علمية أو مواسم ثقافية أو ما أشبهها. وكذلك لا يغني عنه ما ورد في (قواعد الإملاء) من الحديث بصيغة الجمع في مواضع من تقديمها، أو بصيغة الإجماع في الرأي على ضرورة وضع قواعدَ للإملاء العربي، تتحقق فيها الشروطُ المتوخّاة، أو في أنْ تلقى القواعدُ التي انتُهي إليها رضا الكاتبين عنها، أو ما أشبه ذلك؛ لأن جُلّ أعضاء المجمع ليسوا من ذوي الاختصاص في علوم العربية. ومعلوم أن إجماعَهم على (قواعد الإملاء) تلك، إن تحقّق، قد ينجح في جعل بعض أهل العلم يتهيبون نقدها أو تصحيحها تقديراً لمكانة المجمع العريقة، ولكنه لا يضفي الصوابَ عليها، ولا يرفع من شأنها، ولا يمنحها الشرعيةَ، ولا يكتب لها السيرورةَ في التطبيق أو الاستعمال، إذ لا يجدي في مثل هذا إلا إجماعُ ذوي الاختصاص.
ثانياً: ملاحظات عامّة مختلفة
1 – عدم التمييز بين الحالاتِ الشاذة التي لا تنطبق عليها القاعدةُ، والحالاتِ المعيارية التي تستغرقها القاعدةُ المطردة، وأوضح ما ظهر ذلك في قواعدِ رسم الهمزة وسطاً وطرفاً من الباب الأول، وفي قواعدِ رسم الألف الليّنة طرفاً من الباب الثاني. وسيأتي في الملاحظات التفصيلية الموزّعة على الأبواب فضلُ بيانٍ وتوثيق.
2 – إيراد السماعي غُفلاً من النصّ أو من التنبيه عليه، إذ كان قليلاً يُحفظ ولا يُقاس عليه، كما في الأسماء السماعية المعدودة المبدوءة بهمزة الوصل (ص19) فقد ذُكرت بعد مواضع همزة الوصل دون أيّ تنبيه أو إشارة إلى ذلك، واللفظ ثمّة " ووقعت هذه الألف في طائفة من الأسماء منها: اسم، اسمان، اثنان، اثنين، اثنتان، اثنتين، ابن، ابنة، امرؤ [امرأً وامرئٍ] امرأة، امرأتان، ايمُن الله [ألف هذه الكلمة ألف وصل عند النحاة، وهمزة قطع عند آخرين، أما أيم الله فهمزتها همزة قطع]".
3 – مضت الإشارةُ إلى سقوط باب علامات الترقيم من (قواعد الإملاء) وقد لوحظ قلّةُ التزامها أحياناً، أو عدم الدّقّة في التزامها، على أهمّيّتها الكبيرة التي سلف بيانها[10]، وفي غير قليلٍ ممّا نقلته عن (قواعد الإملاء) ما يشيرُ إلى صحّة ذلك، لأنني حافظت فيه على صورته التي ورد بها مطبوعاً، لبيان ما فيه من ملاحظ.
4 – العدول أحياناً عن المصطلحات العلمية الدقيقة المعتمدة في كتب قواعد الكتابة إلى عباراتٍ عامّة، أو مصطلحاتٍ خاصّة، جاءت غيرَ دقيقة، أو مجانبةً للصواب، وأحياناً لا سابقَ لها، ومن أمثلته:
أ - تسمية الألف الزائدة طرفاً لتنوين النصب بأنها ألف مدّ (ص17) والنصّ بتمامه "إذا لم تتصل الهمزة المتطرفة بما قبلها أو وقع قبلها واو المدّ أو واو ساكنة وكان الاسم منصوباً رُسمت الهمزة منفردة وألحقت ألف المدّ بآخر الاسم". وهذا غير صحيح، فهي ألف زائدة رسماً، ولا تنطق إلاّ عند الوقف، وتسقط من النطق وصلاً، وسيرد في الكلام على الهمزة المتطرفة زيادةُ بيان.
ب - استعمال مصطلحات ذاتية أو تعبيرات غير دقيقة، لا تقرّها العربيةُ، ولا أصل لها في كتب الأقدمين، ولا في المعتمد من كتب المعاصرين. وهذا بيّنٌ فيما ورد تحت عنوان (ملاحظة) من تسمية همزة الوصل عند الابتداء بها "ألفاً مهموزة" بدل (تنطق همزة) وجعل رسمها "ألفاً غير مهموزة" بدل (ترسم ألفاً) واللفظ ثمّة (ص19): "إذا ابتُدِئ بألف الوصل نُطِقت ألفاً مهموزة، ولكنها تُرسم ألفاً غير مهموزة، وإذا سُبقت بحرف أو اسم أو فعل (في الدرج) رُسمت ولم تُهمز". وظاهر أن الحديث عن نطقها ورسمها بدءاً ووصلاً كان غير دقيق، بل لا سابقة له، ومن المعلوم والمشهور أن في العربية حرفين: الهمزة والألف، وليس فيها ألف مهموزة، ولا ألف أخرى غير مهموزة، وهذا إنْ لم يكنْ خطأً فهو تجوّزٌ في العبارة غير مقبول.
ج - استعمال مصطلح "رسمت على ياء غير منقوطة" (ص16و23) وذلك في بيان صورة رسم الهمزة المتطرفة المكسور ما قبلها بدل: رسمت على صورة الياء، أو رُسمت ياءً، أو رسمت ياءً مُرْسَلةً، أو مُهْمَلَةً، على حدِّ تعبير بعضهم. وهذا مصطلح مبتدعٌ لا أصل له، إذ ليس في العربية إلاّ الياءُ والألفُ الليّنة التي ترسم على صورة الياء، إذا وقعت طرفاً في الأسماء والأفعال في الثلاثي، إن كانت منقلبةً عن ياء، وفيما فوق الثلاثي، أيّاً كان أصلُها، ما لم تُسبق بياء، نحو (هُدى - قضى - أعطى - انتهى - استغنى) على تفصيلٍ موضعُه في قواعدِ رسمِ الألف الليّنة طرفاً، وفي الأسماءِ المقصورة والأفعالِ المعتلة الناقصة في الصرف. وإن جاز في مثله أنْ يُقال للشُّداة من المتعلمين تيسيراً وتوضيحاً فلا يجوز إيرادُه في كتاب يصدر عن المجمع، يقتدي به الناس. ومن فضول القول الإشارةُ إلى أنه لا يُلتفت إلى ورود مثله في مصنَّفات المحدثين التي حفل بعضُها بإيراد الغثّ والسمين، والصواب والخطأ، مما لا سبيل إلى حصره، ولا فائدة في تتبعه. وسيتكرّر نظيرُه في مواضع مختلفة، تغني الإشارةُ إليها هنا عن تكرار الحديث عنها.
د - استعمال تعبيرات غير قائمة، تجافي الدقّة المتوخّاة في كتاب مثله، يعلّم أصول الكتابة الصحيحة، مثل قولهم (ص16): "خضعت لقواعد الهمزة المتوسطة أو فتخضع كتابة الهمزة لقواعد الهمزة المتوسطة". ومعلوم أن استعمال الخضوع للدلالة على رسم الهمزة وفق القاعدة هو خطأٌ شائعٌ، وغيرُ دقيقٍ، ولو قيل: عُومِلَت معاملة الهمزة المتوسطة، لكان أولى. ومثله عبارة(ص17): "وُضِعَت على نبرة". وظاهر ما في مصطلح الوضع من عموم يجافي الدّقّة، ومن عدولٍ غيرِ مسوّغٍ عن المصطلح الشائع والدقيق: رُسِمَت أو كُتِبَت.
هـ - هناك أمثلةٌ لظاهرة عدمِ إحكام الصياغة، وعدمِ الدّقّة أحياناً، والحشوِ والزيادة، بلا داعٍ أو مسوّغٍ، وأمثلتُه ظاهرةٌ في كثير من الفقرات حتى في القواعد العامة، على تفاوتٍ فيما بينها، ومن أمثلة ذلك ما ورد في همزة الوصل (ص19) تحت عنوان (ملاحظة) لدى تفصيل ما قد يسبق همزةَ الوصل من اسم أو حرف أو فعل، ثم إتباعها بالنص على أنها (في الدَّرْج) رُسمت، ولم تُهمز في النطق، مع أن مصطلح الدَّرْج المعتمد مُغْنٍ عن جميع ذلك.
و - اشتملت (قواعدُ الإملاء) على اجتهادات شخصية، وردت في مواضع مختلفة من بابي الهمزة، والزيادة والحذف، جاءت مصدرةً برأي القدماء غالباً، ومتبوعةً أحياناً بـ"والرأي" خلافاً لما ذهبوا إليه، وهي على الجُملة: حذف الألف وسطاً من (مئة)، وحذف الواو من (عَمْرو)، ورسم الهمزة المتوسطة المفردة بين واوين على واو (وَؤُول)، ورسم الهمزة المتوسطة بعد واو ساكنة أو بعد واو مضمومة مشدّدة على واو (ضَوْؤُكَ - تَبَوُّؤُكَ)، وإثبات الألف المحذوفة وسطاً في أسماء الأعلام (الرحمان - ياسين - الحارث - مالك - إسماعيل - إبراهيم - إسحاق - هارون - وغيرها) ما عدا (الله - طه)، وإثبات ألف (يا) الندائية إذا اتصلت بالأعلام وبعض الأسماء المبدوءة بهمزة (يا أسعد - يا أهل - يا أيّها - يا أيّتها)، وإثبات الواو المحذوفة وسطاً إذا سبقت بواو (داوود - طاووس - راووق - ناووس). وهذه الاجتهاداتُ أو الآراءُ - وإن وافقت الصوابَ أحياناً – هي مسبوقةٌ بما ورد في بعض كتب قواعد الكتابة التي صدرت في النصف الثاني من القرن الماضي، دون أيّ إشارة إلى هذا في أيّ موضع منها[11].
الفصل الثاني
الملاحظات التفصيلية
ملاحظات على الباب الأول:
تضمّن هذا البابُ الموسومُ بـ(الهمزة) قواعدَ رسمِ الهمزة موزّعةً على ثلاثة أقسام، أولها: الهمزة في أول الكلمة، وثانيها: الهمزة في وسط الكلمة، وثالثها: الهمزة المتطرفة، تلاها تنوينُ الأسماء، ثم همزةُ الوصل (ص7-20). ويتّجه على ما سبق ملاحظُ مختلفة سترد موزّعةً على الموضوعات السابقة.
أولاً: الهمزة في أول الكلمة
هناك جملةُ ملاحظَ على ما ورد في الحديث عن الهمزة أولَ الكلمة، وهي النوع الأول من باب الهمزة (ص7-11):
1 - جاء بناءُ الكلام ثمّةَ خلاف المألوف الذي جرت عليه كتبُ قواعد الكتابة من: بيان حقيقة الهمزة التي تقع في أول الكلمة، وأنها على نوعين، الأول: همزة الوصل (تعريفها، مواضعها، القياسية في الأفعال والأسماء والحروف، والسماعية في بضع كلمات، حركتها، حذفها). والثاني: همزة القطع (تعريفها، مواضعها في الأسماء والأفعال والحروف). وأما في (قواعد الإملاء) فلم يكن حظُّ همزتي الوصل والقطع فيها إلا بضعةَ أسطرٍ من أصل خمس صفحات، جاءت على نحوٍ غير دقيق متداخلةً ومتقطعةً، والباقي تفصيلاتٌ وأمثلةٌ كثيرةٌ مقحمة، ليست من أصل الموضوع، من مثل: اجتماع همزة الوصل مع همزة القطع التي تقع فاءً في الثلاثي المهموز مجرداً، ومزيداً في الخماسي والسداسي، وفي مصادر تلك الأفعال. وموضع هذا كما هو معلوم الهمزة المتوسطة حكماً، لأن همزة فاء الكلمة تُعاملُ معاملةَ الهمزةِ المتوسطة (ائْتِ - ائْتَزَرَ - ائْتِلاف). ومن مثل: اجتماع همزتي قطع في أنواعٍ من الكلمات، الأولى مفتوحة والثانية ساكنة، وما ينتج عنهما من إبدالهما ألفاً ممدودة (آمُرُ - آنَسَهُ - آداب - آنِيَة - آكِل - آزَرَهُ). وظاهر أن هذه التفصيلات وأمثلتها لا وجه لإيرادها هنا، ولذلك لم ترد في جُلّ كتب قواعد الكتابة، إذ كان موضعُها كتبَ الصرف.
2 - جرى تأخيرُ الكلام المفصّل عن (همزة الوصل) وموضوعاتها إلى آخر باب الهمزة (ص 19-20) أي بعد تنوين الأسماء، وما سبقه من الهمزة المتطرفة، وقبلها المتوسطة. وهذا خلافُ المنطق في الترتيب، وما استقرّ عليه الأمرُ في كتب هذا العلم، وقد نتج عنه تجزئةُ أوصال الموضوع الواحد. على أن تفصيل الحديث عن همزة الوصل ثمّة جاء غيرَ منهجي ولا منظّم، وتعوزه الدّقّة والتمام، خلاف ما تورده كتبُ قواعد الكتابة من موضوعات، تقدّمت الإشارةُ إليها آنفاً.
فقد اشتمل الحديثُ عنها على كلامٍ عامّ في أربعةِ أسطرٍ عن علةِّ مجيء همزة الوصل، ووقوعِها في أمر الثلاثي وما فوق الرباعي في الأفعال والمصادر، ثم أُتبعتْ بالأمثلة موزّعةً على هذه المواضع الثلاثة، وخُتمتْ بوقوع هذه الهمزة في طائفة من الأسماء، والنصّ في نهايتها على أنها تقعُ أيضاً في (أل) التعريف، وبعد ذلك ملاحظة عن نطقها بدءاً ووصلاً متبوعةً بأمثلةٍ توضّحها، تلتها ثلاثةُ أسطرٍ فقط عن همزة القطع مع أمثلةٍ عليها. ويتّجه على ذلك ملاحظُ، منها:
أ - كان العدولُ عن تعريف همزة الوصل إلى كلام عامّ يعلّل مجيئها، دون أن يُحدّد طبيعتَها بما يميزها عن همزة القطع، غيرَ صائبٍ وخلافَ المألوفِ والمشهور فضلاً عن المنهج العلمي.
ب - إيجازُ الإشارة إلى المواضع ثم إيرادُها مفصلةً تحت الأمثلة، جاء غيرَ سديد، فقد كان الصوابُ إيرادَها موزَّعةً على مواضعها في نوعين: القياسي في الأفعال والأسماء والحروف، ثم السماعي في الكلمات المعروفة.
جـ - إهمالُ النصِّ على أن ورودها في طائفة من الأسماء هو أمرٌ سماعيٌّ، ولو كان تركُ النصِّ عليه مُغنياً عن التصريح به، إذ قد يُفهم استنتاجاً، لما نصّت عليه كتبُ قواعد الكتابة.
3 - جاء الحديثُ عن همزة القطع غايةً في الإيجاز، وعلى نحوٍ مُخِلٍّ(ص20) فقد سقطت من العنوان المتقدّم "همزة الوصل" وكان حظُّها ثلاثةَ أسطرٍ في نهاية الحديث عن همزة الوصل متبوعةً ببضعةِ أمثلةٍ اكتفاءً بما ورد في همزة الوصل، لأن الهمزةَ في غير تلك المواضع تكون همزةَ قطع، ومع ذلك جاءت غيرَ دقيقة، واقتُصِرَ فيها على الإشارة إلى أنها ترد "في جميع الحروف باستثناء (أل) التعريف، وفي جميع الأسماء باستثناء الأسماء المذكورة آنفاً". والوجه أن تُذكرَ همزةُ القطع في العنوان مقرونةً بقسيمتها همزة الوصل، وأن يُذكرَ تعريفُها بما يكشفُ عن ماهيتها وصورتها، وأن تُذكرَ مواضعُها موزّعةً على الأسماء والأفعال والحروف، كما جرى عليه الأمرُ في كتب قواعد الكتابة، وهذا أولى من إقحام ما لا علاقة له بالموضوع. على أن فيها إلى ذلك نقصاً، يبدو جلياً في سقوط الإشارةِ هنا إلى موضعها في الأفعال في كلٍّ من: الثلاثي المهموز الفاء، والثلاثي المزيد بالهمزة في أوله في الماضي والأمر والمصدر (الرباعي): (أمَرَ - أكْرَمَ - أكْرِمْ - إكْرام). وأما عدمُ الدّقّة فمرده إلى النصّ على أنها تكون في جميع الحروف باستثناء (أل) التعريف، والأولى أن يقال في التعبير عنها: تكون في جميع حروف المعاني المبدوءة بهمزة ما عدا (أل) التعريف.
ثانياً: الهمزة التي في وسط الكلمة
ثمّة ملاحظُ على النوع الثاني، وهو (الهمزة التي في وسط الكلمة) فقد استغرق الحديثُ عنها أربع صفحات (12- 15) من (قواعد الإملاء):
1 - استُهلّ بعنوان "القاعدة العامّة" وردت تحته ثلاثةُ أسطر جاءت أقربَ إلى الشرح والتفصيل منها إلى القاعدة أو القانون، إذ اقتُصِرَ فيها على النظر إلى حركة الهمزة وحركة ما قبلها، ثم رسمها في صورة أقوى الحركتين، ثم بيان ترتيب الحركات، تلتها تطبيقاتٌ على القاعدة العامّة في ثلاثة فروع، بينهما ملاحظتان. ويتّجه على ما سُمّي بالقاعدة العامّة نقصٌ وقدرٌ من عدم الدقّة والإحكام، فقد أُهملت الإشارةُ إلى التوسط العارض للهمزة، وهو ما يسميه بعضهم بالهمزة شبه المتوسطة، وجاء الحديثُ عنها في الهمزة المتطرفة (ص16) ونُصّ عليه ثمّة أنها تخضعُ لقواعد الهمزة المتوسطة. والوجهُ النصُّ على التوسّط العارض في موضعه من قاعدة الهمزة المتوسطة، وإيرادُ أمثلته فيها، كما يجب إعادةُ النظر في القاعدة العامة لتكونَ محكمةً موجزةً، نحو قولنا: تُرسمُ الهمزةُ المتوسطة على حرف يناسبُ أقوى الحركتين سواء أكان توسّطُها أصلياً أم عارضاً.
2 – وردت ملاحظةٌ في نحو ثلاثةِ أسطرٍ عن زيادة القدماء الألفَ في لفظ (مائة) لدواعٍ زالت بإعجام العربية، تلاها اقتراح كتابتها بحذف الألف وفقَ القاعدة العامة خلافاً للقدماء، وذلك آخر "تطبيقات على القاعدة العامة" للهمزة المتوسطة إن كانت مكسورةً أو كان ما قبلها مكسوراً (ص13). وظاهر أن موضوعَ الملاحظة من قضايا باب الزيادة والحذف في الحروف لدى الحديث عن زيادة الألف وسطاً (ص28) ولكنه اقتصر ثمّة على زيادة الألف طرفاً، وأُغفِلت زيادتها أولاً ووسطاً، وذلك خلاف ما في كتب قواعد الكتابة.
3 - خُتم الكلامُ على الهمزة المتوسطة بـ(ملاحظات) خمسٍ، تضمنت ثلاثٌ منها أرقامها (3و4و5) الحالاتِ الشاذّةَ المشهورةَ في الهمزة المتوسطة، دون أيِّ إشارةٍ إلى أنها تخرج عن القاعدة أو شاذّة، على ملاحظ فيها سترد قريباً.
أ - خُصّصت الملاحظةُ الأولى منها للهمزة المتوسطة التي تُرسم مفردةً لوقوعها بين واوين كراهيةَ توالي الأمثال على رأي القدماء مثل (وَؤُول) وكان الرأيُ كتابتها على واو وفقَ القاعدة. وهذا اجتهادٌ يخالف المألوفَ والمشهورَ قديماً وحديثاً من قواعد الكتابة والشروطَ المتوخّاةَ التي مضت في التقديم من الحرص على إبقاء الصلة بين كتابتنا وكتابة الأقدمين. أعتقد أن منهجَ الأقدمين أولى بالاتباع، لأن استكراههم رسمَ ثلاثِ واواتٍ له ما يسوّغه، وهذا يبدو جلياً بالموازنة بين الصورتين في نحو (مَوْؤُوْدة - مَوْءُوْدة).
ب - وكانت الملاحظةُ الثانيةُ خاصّةً باجتماع الهمزة المتوسطة المفتوحة المسبوقة بفتح مع ألف المدّ، وإبدالهما مدّة فوق الألف (شآم - مآل). وهذه لا بأس في إيرادها هنا، وإن كان موضعُها كتبَ الصرف في أحكام التقاء الهمزة والألف.
وأمّا حالاتُ الشذوذ في الهمزة التي في وسط الكلمة فهي مشهورةٌ، وترتبطُ بحروف المدّ الثلاثة التي تسبقها، الأولى: الهمزة المتوسطة المفتوحة بعد ألف ترسم مفردةً مثل (براءَة - تساءل). والثانية: الهمزة المتوسطة المفتوحة أو المضمومة بعد واو ساكنة ترسم مفردةً مثل (مروْءَة - ضَوْءُه). وهذا خلافُ ما ورد في (قواعد الإملاء) فقد جُعلت الشاذّةُ، وهي المتوسطةُ المضمومةُ بعد واو ساكنة مع القياسية، وهي المضمومةُ بعد واو مضمومة مشدّدة، ونُصّ على أنهما ترسمان على واو (ضَوْؤُك - تَنُوْؤُونَ - تَبَوُّؤُكَ) ونُصّ على أنه خلافُ ما جرى عليه القدماءُ من رسم الهمزة مفردةً. أرى أن الفصلَ بين حالتي الشذوذ في الهمزة المتوسطة المفتوحة والمضمومة بعد واو ساكنة اجتهادٌ غيرُ صائب، وإن وافق بعضَ ما ورد في الكتب. وأما كراهية توالي الأمثال فقد مضى الحديثُ عن مثله في الملاحظة الأولى بما يغني عن الإعادة. والثالثة: الهمزة المتوسطة المفتوحة أو المضمومة بعد ياء ساكنة تُرسم على نبرة مثل (بِيْئَة - فَيْئُه).
ثالثاً: الهمزة المتطرفة
كذلك يتّجه على النوع الثالث المخصّص لـ(الهمزة المتطرفة) (ص16-17) بعضُ الملاحظات:
- أولها: يتعلق بلفظ القاعدة العامّة، فقد جاء أقربَ إلى الشرح منه إلى القاعدة المُحْكَمة الموجزة، إذ نصّ على أنها " ترسم بحسب حركة ما قبلها، سواء أكان ما قبلها حرفاً صحيحاً أم معتلاً ". وفي هذا إغفالٌ لجوهر القاعدة، وهو الرسمُ على صورة حرف يناسب حركةَ ما قبلها، فضلاً عن الحشو عند النص على طبيعة الحرف الذي قبلها، إن كان صحيحاً أو معتلاً، لأن القاعدة التي تحكمها هي حركةُ الحرف الذي قبلها، لا طبيعته صحّةً واعتلالاً.
- ثانيها: يتصل بالفقرة (أ) التي تضمّنت شرحاً للقاعدة العامّة والأمثلة عليها، إذ جاء في آخرها ما لفظه " فإن كان ما قبل الهمزة المتطرفة ساكناً كتبت مفردةً مهما تكن حركتها، سواء في الاسم أو في الفعل ". وهذا مثالٌ على زيادة ما لا داعي له من الاحتراز في الحركة أو في نوع الكلمة اسماً كانت أو فعلاً، إذ يكفي أن يقال في القاعدة: فإن كان ما قبلها ساكناً كُتبت مفردةً. وأمّا التعبير عن سابقتها بلفظ " وإن كان ما قبلها مكسوراً رسمت على ياء غير منقوطة ". فقد مضى الحديثُ عنه.
- اشتملت الفقرةُ (ب) من الهمزة المتطرفة على الهمزة المتوسطة حُكماً، أو المتوسطة توسطاً عارضاً، أو شِبْهَ المتوسطة، مع أمثلتها، وقد مضت الإشارةُ إلى سقوطها من موضعها في الهمزة المتوسطة في التعريف والشرح في الفقرة (أ) من (3). ويتّجه عليها ملاحظتان، الأولى: علميةٌ، وذلك في التعبير عنها بلغة أقربَ إلى الشرح والتفصيل منها إلى القاعدة المحكمة، والثانية: منهجية، لإيرادها في الهمزة المتطرفة خلافاً للقاعدة والمشهور والمعتمد في قواعد الكتابة، ثم النصّ عليها بآن واحد أنها تخضع لقواعد الهمزة المتوسطة، واللفظ ثمّة " إذا وقع بعد الهمزة المتطرفة ضمير نصب أو ضمير جر أو ياء المتكلم أو واو الجماعة خضعت لقواعد الهمزة المتوسطة ". وهذا التفصيلُ حشوٌ يغني عنه كلمةٌ واحدةٌ آخرَ تعريف الهمزة المتوسطة بأنها " ترسم على حرف يناسب أقوى الحركتين سواء أكان توسُّطُها أصلياً أم عارضاً ". وأما استعمال كلمة (خضعت) فقد مضى بيان ما فيها.
- تضمنت الفقرةُ (ج) الحالةَ الشاذّةَ الوحيدة في الهمزة المتطرفة عندما تكون مفردةً قبل تنوين النصب، وقبلها حرفٌ يقبل الوصل بما بعده، فإنها ترسم خلافَ القاعدة على نبرة، مثل (عِبْئاً - شَيْئاً). وقد جاء لفظُ القاعدة غيرَ محكم، ولم يُنصّ فيه على شذوذِها، ولفظها ثمّة " إذا سبقت الهمزة المتطرفة بياء المدّ أو ياء أصلية، وكان الاسم منصوباً وُضِعَت على نبرة وألحقت بها الألف ". والملاحظ أن غياب التفريق بين ما تنطبقُ عليه القاعدةُ وما يشذُّ عنها كان سمةً عامةً في (قواعد الإملاء) وكأن المنهج المتبع هو جمع كلّ التفصيلات والشروح والأمثلة تحت القاعدة موزعةً على فقراتٍ كثيرةٍ بلا منهج ينتظمُها، أو يسوِّغُ تعددها وموضوعاتها، وقد مضى نظيرُه فيما شذَّ عن الهمزة المتوسطة، وسيأتي لاحقاً ما يؤكّده. وأما استعمال كلمة (وضعت) في التعريف المتقدّم موضعَ المصطلح الشائع المعتمد في كتب قواعد الكتابة (رُسمت أو كُتبت) = فقد سبقت الإشارة إليه بما يغني عن تكراره.
- وأمّا الفقرة (د) فقد جاءت في تسعة أسطر، وتضمنت أمرين، لا وجه لإيرادهما:
أولهما: يتناولُ صورةَ الهمزة المتطرفة التي ترسم مفردةً لسكون ما قبلها، صحيحاً كان أو مدّاً، متبوعةً بتنوين النصب، أو غيرَ متبوعة، مثل (جُزْءاً - هُدُوءاً - ضَوْءاً). وهذه حالةٌ تستغرقها القاعدةُ، لا تحتاج إلى إفرادها بنوع مستقلّ. وأمّا صياغتها فلم تكن محكمة، فضلاً عما فيها من خطأ في المصطلح واللغة، واللفظُ ثمّة " إذا لم تتصل الهمزة المتطرفة بما قبلها أو وقع قبلها واو المدّ أو واو ساكنة وكان الاسم منصوباً رسمت الهمزة منفردةً وألحقت ألف المدّ بآخر الاسم ". وظاهر أن تسمية الألف الزائدة لتنوين النصب بأنها (ألف المدّ) كلام غير دقيق، مضت الإشارة إليه.
وثانيهما: كان تكراراً لما سبق في الفقرة السابقة (ج) إذا اتصلت الهمزة بما قبلها، مثل (بُطْئاً - شَيْئاً).
- كذلك جاءت الفقرةُ الأخيرة (هـ) مقحمةً، وهي تخصّ إحدى الحالات الأربعِ المستثناةِ من زيادة الألف طرفاً لتنوين النصب، وذلك إذا كانت الكلمةُ منتهيةً بهمزة بعد ألف، مثل (قضاءً). ومعلوم أن هذه الحالاتِ موضعُها بابُ الزيادة والحذف في الحروف (28) وهي في زيادة الألف طرفاً. ولا يسوغُ إيرادُها هنا لمجرد التنبيه على أن تنوين النصب يكون فوق الهمزة دونَ زيادةِ الألف، ولو صحَّ ذلك لكان الواجبُ الاستقصاءَ بإيراد الحالة الثانية الشبيهة بها، وهي الهمزةُ المتطرفة فوق ألف، إذا نُوّنت تنوينَ النصب، فإن التنوين يرسم فوق الهمزة، ولا تُزاد فيها الألفُ، مثل (ملجأً - نبأً).
لقد سبقت الإشارةُ في صدر الملاحظات العامّة إلى أن إيراد (تنوين الأسماء) في الباب الأول المخصص للهمزة عقب الهمزة المتطرفة(ص 18) مقحمٌ لا وجه له، ولا يسوّغه وروده في بعض المصنفات. وأمّا وجودُ علاقةٍ بين تنوينِ النصب ورسمِ الهمزة المتطرفة المفردة، سواء أكان ما قبلها حرفاً مفصولاً أو موصولاً = فقد جرى عرضه مفصّلاً مع أمثلته في صفحة كاملة (ص17).
ملاحظات على الباب الثاني:
اشتمل البابُ الثاني الموسومُ بـ(الألف اللينة) على قواعد رسم الألف الليّنة موزّعةً على أقسامٍ ثلاثةٍ، أولها: الألفُ الليّنة في وسط الكلمة، وثانيها: الألفُ الليّنة في آخر الكلمة، وثالثها: الألفُ الليّنة في الأسماء الأعجمية ص (21- 25). ويتّجه على ما ورد في هذا الباب جملةُ ملاحظ، يمكن إيجازها بما يلي:
1 – جاءت القاعدةُ العامّةُ للألف الليّنة في وسط الكلمة غيرَ دقيقة، وشابها نقصٌ وزيادةٌ، إذ أُغفل مصطلحُ التوسُّطِ العارضِ، وأُقحم فيها مصطلحُ المحوَّلة عن الأصل، ومصطلحُ المزيدة، ولذلك وردت الأمثلةُ ناقصةً، لأنها خلت من أمثلةِ أنواعِ التوسُّطِ العارض في الأفعال والأسماء والحروف، ولفظها " ترسم الألف اللينة التي تقع في وسط الكلمة ألفاً في جميع الأحوال سواء أكان توسطها من حيث الأصل أم كانت محوّلة عن أصل أم مزيدة، وسواء أوقعت في اسم أم في فعل ". وقد كان يغني عن هذه القاعدة المطولّة القول: تُرسم الألفُ اللينة في وسط الكلمة ألفاً سواء أكان توسُّطُها أصلياً أم عارضاً. وأمّا إقحامُ " المحوّلة عن أصل " في مقابل الألف اللينة المتوسطة توسطاً عارضاً، فلا وجه له، ولا سابقة له في كتاب معتمد من كتب هذا العلم. وبنحوه إقحامُ مصطلح " المزيدة " مقابل التوسط الأصلي والعارض للألف اللينة، ويصحّ فيه ما سبق آنفاً، ولا مسوّغ لذكرها أيضاً، لأن ألف الزيادة في مثل " مُتمايز - سابَقَ " صورتها واحدة، ولا أصل لها انقلبت عنه من واو أو ياء، كما في أنواع الألفاتِ الليّنةِ المتوسطةِ توسطاً أصلياً أو عارضاً في الأسماء والأفعال. وأمّا الأمثلةُ التي أعقبتها فقد زيد فيها أمثلةُ الألف المزيدة المتقدّمة التي لا داعي لها، وأُسقط منها أمثلةُ أنواع الكلمات التي يقع فيها التوسُّطُ العارض، وهي: الأسماءُ المقصورةُ المضافة إلى الضمائر، مثل (فتاك - هُداي - رضاك) والأفعالُ المعتلةُ الناقصةُ المتصلةُ بضمائر النصب، مثل (يرضاه - يخشاك - هداني) وبعضُ حروف الجرّ متصلةً بـ(ما) الاستفهامية، مثل: إلامَ؟ عَلامَ؟ حَتَّامَ؟ وهذه الحروفُ سقطت أيضاً الإشارةُ إليها في آخر القاعدة التي اقتصرت على وقوع الألف الليّنة المتوسطة في الاسم أو الفعل.
2 – اختص النوعُ الثاني من هذا الباب بالألف الليّنة في آخر الكلمة(ص22-25) وقد صُدّر بأن رسمها يخضع للقواعد الآتية، جرى توزيعُها على خمسةِ أقسامٍ أو أحرفٍ بترتيب أبجد، تخللتها ملاحظتان. ويتّجه على تلك القواعدِ والتفريعاتِ والملاحظاتِ جُملةُ أمور، أظهرها: أن صياغة تلك القواعد جاءت غيرَ محكمة، فقد اعتورها قَدْرٌ من: الحشو، والزيادة في التفريع والتقسيم بلا مسوّغ، والنقص، ومجافاة الدّقّة، والتباين في المنهج، والتداخل في الموضوعات، وتقطيع أجزاء الموضوع الواحد:
أ - مثالُ الحشو القاعدتان، الأولى وهي (أ) المعقودة لحروف المعاني المنتهية بألف ليّنة، والثانيةُ وهي (ب) الخاصّة بالألف الليّنة في الأسماء المبنيّة، حيث أُقحم فيهما النصُّ على عدد الأحرف التي يمكنُ أن تسبقَ الألفَ الليّنة. وهو ما لا داعي له، ولا فائدةَ منه، ولا يترتبُ عليه شيءٌ يغيّر من رسمها، ولذلك لم تذكره كتبُ قواعد الكتابة، ثم ما نتج عنه من طول القاعدة بلا مسوّغ، ولفظه(ص22): " أ – ترسم ألفاً في الحروف مطلقاً سواء أوقعت بعد حرف أم حرفين أم ثلاثة أحرف ". ومثله أيضاً: " ب – ترسم ألفاً في الأسماء المبنيّة سواء وقعت بعد حرف أو حرفين أو ثلاثة أحرف أو أربعة أحرف ". وقد كان يغني في الأولى القولُ: ترسم الألفُ اللينة في حروف المعاني ألفاً. وفي الثانية القولُ: ترسم الألفُ اللينة في الأسماء المبنية ألفاً.
ب - ومثالُ الزيادة في التفريع والتقسيم بلا مسوّغٍ إقحامُ القاعدة الثالثة (ج) المتعلقة بألف التثنية بأنها " ترسم ألفاً سواء وقعت في ضمير أو اسم أو فعل ". وهذا، على ما فيه من تزيّد في التفريع بلا طائل، موضعُ نظر، فالضمائرُ البارزةُ المنتهية بألف نحو (أنتما – هما) تدخل في جُملة الأسماء المبنيّة التي تقدم بيانُ قاعدتها، وألفُ التثنية أيّاً كانت علامة ً أم ضميراً ليست منقلبةً عن أصلٍ كما في أصل الألف الليّنة المتطرفة في الأسماء والأفعال، فضلاً عن أنها لا تُرسم إلاّ بصورةٍ واحدةٍ، ولذلك خلت من ذِكْرها كتبُ قواعد الكتابة إلا ما ندر وشذّ.
وظاهرٌ ما في العبارة أيضاً من تجوّزٍ بدا جليّاً في سقوط همزة التسوية قبل (وقعت) وفي استعمال (أو) بدل (أم) المعادِلَة لهمزة التسوية، وقد تكرّر نظيرُه في عِدّة مواضع. وهذا - وإن أجازه مجمع اللغة العربية بالقاهرة - هو خلافُ المشهور والأفصح وما عليه التنْزيلُ الحكيمُ وجمهورُ كلام العرب، وإن اغتُفِرَ مِثْلُه للطلبة وغير المختصين وعامّة المثقفين فلا يُغتَفَرُ لذوي الاختصاص ومَنْ فوقهم من النخبة، ولا شكّ أن المأمولَ من الهيئات العلمية المعنية بالحفاظ على اللغة العربية كالمجامع اللغوية وغيرها أن يجيء ما يصدر عنها موافقاً لأعلى الأساليب وأفصحها، إذ كانت قدوةً للناس في جميع ما يصدرُ عنها.
ج - ومثالُ التزيّد وعدمِ الدّقّة ما جاء في القاعدة (د) (ص23) المتعلقة بالألف الليّنة في الثلاثي من الأسماء والأفعال التي ترسم بحسب أصلها، فقد زيد فيها " أو مصدر " بعد النصّ على الاسم والفعل، وكأنه قسم ثالث، ولا يخفى أن المصدر يندرج في الاسم، وهو من أقسامه، يدلّ على ذلك الأمثلة الكثيرة التي وردت موزعّةً على الأصلين الواوي واليائي في الأفعال والأسماء دون المصدر.
د - ومثالُ التداخل مع عدم الدّقّة والنقصِ إتباعُ القاعدة السابقة ببيان طرق كيفية معرفة الأصل في الفعل، وذلك بإسناده إلى ضمائر الرفع، أو معرفة صيغة مضارعه، أو مصدره، ثم إيراد تطبيق عليها، وإتباعها ببيان معرفة الأصل في الاسم بتثنيته أو بجمعه، ثم ختمه بملاحظة تتعلق برسم الألف الليّنة في الأفعال الواوية واليائية. ومعلوم أن هذا موضوعٌ مستقلٌّ عن قواعدِ رسم الألف الليّنة طرفاً، ومثلُه يحتاج إلى عنوانٍ مفردِ عقبَ تلك القواعد، وإن كان مرتبطاً بواحدة منها، وعلى ذلك كثيرٌ من المصنّفين في قواعد الكتابة. وبنحوه إقحامُ التنبيهِ على الأفعال المشتركة بالواو والياء، والتدليلُ عليها بأمثلةٍ مختارةٍ في آخر القاعدة تحت عنوان ملاحظة(ص24) فقد كان الأولى أن تفردَ بعنوان جديدٍ مستقلّ بعد تلك القواعد، فضلاً عما وقع في العبارة من ترخّص في استعمال (أو) التي لأحد الشيئين موضعَ الواو التي للعطف، وذلك في قوله " ثمّة أفعال تكون واوية ويائية، فتكتب بالألف أو بالياء " لأن استعمال (أو) هنا يدلّ على أنها ترسم بأحد الوجهين لا بكليهما، كما تفيده الواو، يؤكّد ذلك إيرادُ أمثلةِ أربعةِ أفعالٍ بالوجهين معطوفةً بالواو. وأما النقصُ فظهر جلياً في قصر معرفة الأصل في الاسم على التثنية والجمع، وإغفال الردّ إلى المفرد، إن كانت الكلمة جمعاً، نحو (قُرى وقرية). ولا يخفى ما في عبارة الأصل من تجوّز " ولمعرفة الأصل في الفعل " بدل قولهم: ولمعرفة أصل الألف الليّنة في الأفعال المعتلة الناقصة. وفي نظيرها: " ولمعرفة الأصل في الاسم " في موضع قولهم: ولمعرفة أصل الألف اللينة في الأسماء المقصورة.
هـ - ومثالُ التباينِ في المنهج ما تلا القاعدة (د) بعد أمثلة الأصل الواوي واليائي في الثلاثي من الأسماء والأفعال، ثم تفصيل كيفية معرفة أصل الألف اللينة فيهما، فقد خُتم بالتنبيه على أنه " إذا كان الاسمُ اسمَ جنس أو مصدراً يرجع إلى فعله ". فقد ورد غُفلاً من التدليل عليه بأمثلة مع مسيس الحاجة إليه في اسم الجنس خصوصاً، وعدمِ الحاجة إليه في (الاسم المصدر) لما سبق من أن معرفةَ المصدر واحدةٌ من ثلاثِ طرقٍ، يُعرف بها أصلُ الألف الليّنة في الأفعال نحو (سعى: السعي).
و – ومثالُ عدمِ الإحكام والدّقّة والحشو والزيادة ما جاء في القاعدة (هـ) (ص24) الخاصّة برسمها فيما فوق الثلاثي من الأسماء والأفعال، فقد ورد لفظها " إذا وقعت الألف الليّنة في نهاية كلمة تجاوز ثلاثة أحرف فعلاً كانت أو اسماً رسمت في صورة الياء ". وقد كان في الوسع التعبيرُ عنها بأوجز من ذلك وأدقّ، كأن يقال في الألف الليّنة طرفاً أنها: ترسم ياءً أو على صورة الياء فيما فوق الثلاثي في الأسماء والأفعال. وليس " في صورة الياء " كما ورد. وبنحوه أيضاً ختمُ القاعدة وأمثلتها(ص25) بأن هذه الألف تقلب ياءً في المثنى وفيما يجمع بألف وتاء مزيدتين على صيغة جمع المؤنث السالم ". ولا يخفى أن هذا الكلام مقحمٌ بلا مسوّغٍ يقتضيه، وموضعُه معلومٌ في كتب الصرف والنحو، كما أنه ليس مقصوراً على الألف الليّنة فيما فوق الثلاثي في الأسماء والأفعال، بل ينطبق أيضاً على الثلاثي، فضلاً عمّا فيه من تكثّرٍ وإطالةٍ بدت واضحةً في النصّ على اسمين لمسمّى واحد، بما لا لبس فيه، وهو" فيما يجمع بألف وتاء مزيدتين على صيغة جمع المؤنث السالم " وكأنهما متغايران، أو كأن الثاني صيغةٌ من الصيغ التي يرد عليها الأول.
ز - ومثالُ القطعِ لأجزاء الموضوع الواحد مع عدم الدّقّة ما ورد في ختم قواعد رسم الألف الليّنة تحت عنوان (ملاحظة)(ص25) ولفظه: " استثناء من القاعدة السابقة ترسم الألف اللينة ألفاً إذا وقع قبل نهاية الفعل ياء " وإتباعها بالأمثلة. وحقّ هذا الاستثناءِ أن يجيء في موضعه من قاعدة رسم الألف الليّنة ياءً في الثلاثي، إن كانت منقلبةً عن ياء، وفيما فوق الثلاثي، في الأسماء والأفعال معاً، لا في الأفعال وحدها كما ورد في القواعد والأمثلة التي تلتها، نحو(دنيا - ثُريّا - يعيا - حيّا - استحيا).ولهذا نظائر وردت في مواضع أخرى، جرى فيها فصلُ الاستثناءِ عن القاعدة، وإفرادُه متأخراً بملاحظة.
ح - ومن أمثلةِ تباينِ المنهج إيرادُ بعض استثناءات تلك القواعد عقبَ القاعدةِ وأمثلتها، كما في رسم الألف الليّنة في الحروف وفي الأسماء المبنية، وإفرادها تحت عنوان (ملاحظة) في رسمها فيما فوق الثلاثي من الأسماء والأفعال. ومعلوم ما يقتضيه المنهجُ من وجوب أن يجري الأمرُ على سَنَنٍ واحدٍ في الاستثناءات.
3 - أما النوعُ الثالثُ من الباب الثاني فقد اختصّ بالألف الليّنة في الأسماء الأعجمية(ص26-27) حيث استُهلّ بالقاعدة العامّة وما تلاها من أمثلة، جاءت موزّعةً على الحروف الأبجدية: (أ) الثلاثي وما فوقه. (ب) أسماء المدن والقرى في بلاد الشام والعراق. (ج) أسماء القارات والدول والمدن والأعلام الأجنبية. (د) الأسماء المستثناة من ذلك قديمةً وحديثةً. (هـ) استبدال القدماء التاء المربوطة بالألف في الأسماء الأعجمية في الأندلس وغيرها. ويتّجه على ما سبق الملاحظُ الآتية:
أ – تقدمت الإشارةُ في الملاحظات العامة (2) إلى خطأ اقتطاع الألف الليّنة في آخر الأسماء الأعجمية من القسم الثاني الخاص بالألف الليّنة آخر الكلمة، وجعلها قسماً ثالثاً مفرداً، مع إسقاط الإشارة إلى موضعها، وهي كلمة (آخر) من العنوان، ممّا نتج عنه تقطيعُ أوصال الموضوع الواحد بلا وجهٍ مسوّغ، وذلك في مقابل القسم الأول (الألف الليّنة في وسط الكلمة).
ب - استغرقت قاعدةُ هذا النوع وأمثلتُه وتفريعاتُها نحواً من صفحتين، وقد كان في الوسع تقديمُ ذلك في بضعةِ أسطرٍ تتضمن القاعدةَ والأمثلةَ المنضبطةَ والشاذّة في موضعها من النوع الثاني الخاصّ بأنواع الكلمات التي تقع فيها الألفُ الليّنة طرفاً، وذلك بعد حذف ما ورد حشواً أو زيادةً في المادة أو في التفريع والتقسيم بلا داعٍ، مما لا نجد نظيراً له في الكتب المعتمدة، فلا حاجة إلى التنبيه على ما جرى عليه القدماءُ في رسم الأعلام الأجنبية بالتاء المربوطة في الأندلس والمشرق والمغرب، والحديث عن قاعدة رسم الألف الليّنة طرفاً في الأسماء الأجنبية.
ملاحظات على الباب الثالث:
استغرق هذا البابُ (الزيادة والحذف في الحروف) ستَّ صفحات (ص28-33). ومعلوم أنه من الأبوابِ المهمةِ في قواعد الإملاء، وذلك لأن الكتابة العربية تحوي حروفاً تُزاد رسماً (كتابةً) ولا يُنطق بها، وحروفاً تحذفُ رسماً ويُنطق بها، وهي بنوعيها قليلةٌ جداً، تحكمُها قواعدُ مطردةٌ أو معياريةٌ خلافاً لكثيرٍ من اللغاتِ المعاصرة التي تتسعُ فيها وجوهُ التباين بين المكتوب والمنطوق به،كما سلفت الإشارةُ إلى هذا في صدر المقال. وطبيعي أن يجيء هذا البابُ في نوعين:
- النوع الأول: (الزيادة في الحروف)(ص28-29) واقتُصر فيه على مواضعِ زيادةِ حرفي: الألف والواو، وجاءت بينهما ألفُ الإطلاق(ص29) بعنوان مفرد. ويتّجه على ما ورد ثمّة جُملةُ ملاحظ:
1 – نُصّ في مستهلّ الحديث عن الزيادة في الحروف على أنه " لا يزاد في الكتابة العربية إلاّ حرفان هما الألف والواو ". وهذا غير دقيق، لأن هاء السكت تزاد على أواخر الكلمات المنتهية بحركة بناء لازمة وجوباً أو جوازاً، وهي تٌنطق وقفاًً، وتسقط لفظاً في درج الكلام، وهذا هو الاختيار عند النحويين، وأجاز بعضهم لفظها وَقْفاً ودَرْجاً[12] نحو (فِهْ - رَهْ - مالِيَهْ - سلطانِيَهْ - لم يَرْمِهْ أو لم يرمِ). فإن اعتُذر عن إسقاطها باختلافها عن الألف والواو في الزيادة، فالجواب عنه أن ألف الإطلاق التي لا وجه لإيرادها أصلاً، لأنها تُزاد رسماً ولفظاً، قد وردت في (قواعد الإملاء) كما مضى قريباً، وهي بهذا أولى بالإسقاط من هاء السكت.
2 – اقتُصر في زيادة الألف في الفقرة (أ) على وقوعها طرفاً نهايةَ الكلمةِ في موضعين، أولهما: ألفُ التفريق بعد واو ضمير الجمع في الماضي والأمر والمضارع منصوباً ومجزوماً، وثانيهما: ألفُ الإطلاقِ نهايةَ البيتِ المنصوب الرويّ، مع الأمثلة لكلٍّ منهما. وهذا أيضاً غيرُ دقيق، ويشوبه نقصٌ غيرُ قليل، آيةُ ذلك أن هناك ثلاثةَ أنواعٍ من الألفات المزيدة لم ترد هنا في موضعها، وهي:
- الأولى: الألفُ التي تُزاد أولاً في جميع مواضع ألف الوصل (همزة الوصل) في الأفعال والأسماء و(أل) التعريف، لأنها في حقيقتها ألفٌ زائدةٌ يُتوصّلُ بها إلى النطق بالساكن بعدها، تنطقُ همزةً في البدء، وتسقطُ في الدَّرْج، وعلى هذا كثيرٌ من كتب قواعد الكتابة.
- والثانية: الألفُ التي تُزاد وسطاً في كلمة (مائة) لعلّةٍ معروفة، والعجيبُ أنها سقطت من موضعها هنا، وأُدرجت في الكلام على الهمزة المتوسطة تحت عنوان (ملاحظة)(ص13) نصّها " كتب القدماء لفظ (مئة) بزيادة ألف قبل الهمزة (مائة) ولم يبق ثمّة ضرورة لزيادة الألف لالتزام النقط في كتابتنا اليوم خلافاً للقدماء فتكتب وفق القاعدة العامة ". وظاهر أن موضعَها في زيادة الألف وسطاً، ولا يُسوِّغُ نقلَ الحديثِ عنها إلى قواعد رسم الهمزةِ المتوسطةِ الاجتهادُ المسبوقُ بحذف الألف، وأنها تكتبُ لذلك وفق القاعدة العامّة.
- والثالثة: الألفُ التي تُزاد طرفاً لتنوين النصب، وهي على شهرتها، وكثرةِ دورانها في الكلام، وورودِها في كتب قواعد الكتابة المعتمدة في هذا الموضع، كان حظُّها الإغفالَ هنا، مع أنها أُقحمت في نهاية الكلام على الهمزة المتطرفة (ص18). يدلُّ على ذلك أنه نُصّ فيها ثمّة على زيادتها، بلفظ " ويقتضي التنوين زيادة ألف على أواخر الأسماء المنصوبة غير الممنوعة من الصرف نكرةً كانت أو عَلَماً يقبل التنوين ". وهذا الكلام - على وروده في غير موضعه – تعوزُه الدّقّةُ والإحكام، إذ لا داعي لتفسير المراد من " الأسماء المنصوبة " بـ " غير الممنوعة من الصرف نكرة كانت أو علماً يقبل التنوين " فهو حشو، إذ تغني عنه كلمٌة واحدةٌ هي (المنوّنة) وصفاً للأسماء المنصوبة، فالنصُّ على التنوين كما هو معلوم يغني عن تقييدها بـ(غير الممنوعة من الصرف) وعن النصّ على النكرة والعلم، لأن الأصل فيهما التنوين الذي لا يكون حيث الإضافةُ والتعريفُ بـ(أل). ولا يخفى أن الإشارةَ إلى مثله تُعَدُّ من نافلة القول وفضوله، كما أن شهرتُها تغني عن التوثيق.
3 – وكذلك اقتُصر في زيادة الواو (ب) على كلمة (أُولى) وممدودها (أُولاء - أُولئك) وعلى كلمة (عَمْرو). والكلامُ في الموضعين غيرُ قائم، يشوبُه نقصٌ، وتعوزُه الدّقّة، كما أن ما صُدِّرَ بأنه " الرأي " في حذف واو (عَمْرو) يحتاج إلى إعادة نظر. دليلُ ذلك أن الواو تُزاد وسطاً في ثلاثِ كلمات، اقتصرت (قواعد الإملاء) على واحدةٍ منها (أُولى - أُولاء) وأسقطت (أُولو/ أُولي) بمعنى أصحاب، و(أُولات) بمعنى صاحبات، دونما مسوّغ، على شهرتهما في كتب هذا العلم، وكثرةِ ورودهما في القرآن الكريم. وأمّا زيادةُ الواو في آخر (عَمْرو) فقد كان التعبيرُ عن قاعدتها غيرَ دقيق، فضلاً عمّا صاحَبَه من اجتهاد غير صائب، واللفظُ ثمّة(ص29):" زاد القدماء الواو بعد راء اسم (عَمْرو) تفريقاً بين (عُمَر) و(عَمْرو). والرأي حذف هذه الواو والاكتفاء بوضع إشارة فتح فوق العين فنكتب (عَمْر) ". وذلك لأن زيادةَ الواو في كلمة (عَمْرو) مقيّدةٌ بحالتي الرفعِ والجرِّ دونَ النصبِ مع التنوين بضوابطَ معروفةٍ مشهورة، وجميعُ ذلك لم يُشَرْ إليه، مما جعل حكايةَ قاعدتها مسرفةً في التعميم، وبعيدةً عن الدقّة العلمية ولغةِ التخصص.
ونحوه الاجتهادُ الذي تصدّر بـ " والرأي " الذي يدلّ مُعَرَّفاً بأل على أنه الصواب، مستبعداً غيرَه من آراء، على ما فيه من مخالفةٍ للمشهورِ والشائعِ من قواعد الكتابة وأصولِ الأقدمين التي نصّت (قواعد الإملاء) في التقديم على شديدِ حرصها عليها، فضلاً عمّا فيه من تضحيةٍ بميزةٍ جليلةٍ تختصُّ بها العربيةُ دونَ كثيرٍ من اللغات الأخرى، وهي ميزةُ الاقتصاد في الكتابة العربية، إذْ تقتصرُ لغتُنا في الأصل والأعمِّ الأغلب على كتابة حروف المدّ (المصوّتات الطويلة) دون الحركات (المصوّتات القصيرة) إلا لداعٍ يقتضي الضبطَ بالشكل كُلّيّاً أو جُزْئيّاً. أحسب أن الاجتهادَ بحذف الواو والضبطِ بإثبات حركتين: فتح العين وسكون الميم (عَمْر) لا يحلّ مشكلةً، ولا ييسّر صعباً، كما أنه لن يُغري أحداً بالأخذ به، والعدولِ عما جرت به الأقلامُ، وألِفَه العامُّ والخاصُّ، وذلك لأمور، أظهرها ما في لغة هذا " الرأي " من مجافاةٍ للدّقّة العلمية وعدولٍ عن المصطلحات المشهورة إلى كلام عامّ، ينأى عن لغة التخصص، تجلى في التعبير عن الضبط بالشكل بفتح العين وسكون الميم في (عَمْر) باللفظ " والاكتفاء بوضع إشارة فتح فوق العين". أعتقد أن استعمالَ مصطلح (إشارة فتح) في موضع (حركة الفتح) مبتدعٌ وغير مسبوق.
4 – جرى إفرادُ " ألف الإطلاق " بعنوان بالحرف الأسود الفاحم وسط السطر(ص29) ما بين الحديث عن زيادة الألف وزيادة الواو، وكأنها موضوعٌ مستقلّ، دون أيّ مسوّغ لهذا الإفراد، لأنها فرعٌ عن زيادة الألف التي اقتُصر فيها على موضعين: الألف التي تلي واو ضمير الجمع، وألف الإطلاق.
- النوع الثاني: اختصّ هذا النوعُ بالحروف التي تُحذف في الكتابة، غير أن العنوان ثمّة اقتصر على كلمة " الحذف " واستغرق نحوَ أربعِ صفحات(ص30-33). ويتّجه عليها جُملةُ ملاحظَ، تؤولُ إلى عدمِ الدّقّة، والنقصِ، والحشوِ، والأخطاءِ العلمية والمنهجية، يمكن إيجازُها فيما يلي:
1 - استُهلّ الحديث عن (الحذف) بأنه " يقع الحذف في مذاهب القدماء في حرفين فقط، هما الألف والواو ". وهذا القطعُ بقصر الحذف على حرفين منسوباً إلى مذاهب القدماء لا يُسلّم به، فهناك حروفٌ أخرى يقع فيها الحذفُ لدى القدماء والمحدثين، أشهرُها حرفان، هما:
- (أل) التعريف: وذلك في نوعين من الكلمات، أولاهما: الأسماءُ المبدوءة باللام إذا دخلت عليها (أل) ثم دخل عليها لامٌ مكسورة أو مفتوحة، نحو: لَلَّبَنُ - لِلَّبَنِ، لَلَّحْمُ - لِلَّحْمِ، لَلَّيْلُ - لِلَّيْلِ. وثانيهما: الأسماءُ الموصولة التي تكتب بلامين إذا دخلت عليها لامٌ مكسورة أو مفتوحة، نحو: لَلّذانِ - لِلَّذَيْنِ - لَلَّتانِ - لِلَّتَيْنِ - لَِلَّائي...
- النون: تُحذف كتابةً أو رسماً في مواضع، أشهرها وأصحّها[13]:
* من حرفي الجرّ (مِنْ) و(عَنْ) إذا دخلتا على (ما) و(مَنْ) مثل: مِمّا وعَمّا ومِمّنْ وعَمّنْ.
* من (إنْ) الشرطية إذا اتصلت بـ(لا) النافية، أو (ما) الزائدة، مثل: (إلاّ تَنْصُروه فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ)[الأنفال73] و(إمّا يبلغَنَّ عِنْدَكَ الكِبَرَ أحدُهما أو كلاهما)[الإسراء23].
* من (أنْ) المصدرية إذا جاءت بعدها (لا) زائدةً أو نافيةً، مثل: (قالَ ما مَنَعَكَ ألاَّ تَسْجُدَ إذْ أمَرْتُكَ)[الأعراف12]. ويجب ألاّ تتأخَّرَ.
2 – اشتمل الحذف الأول " حذف الألف "(ص30-33) على جمع للمواضع التي تُحذف فيها الألفُ موزعّةً على أرقامٍ تسعةٍ، تخللتها بعضُ الاجتهادات، الثلاثةُ الأولى منها لمواضع مشهورة تُحذف فيها همزةُ الوصل، ولذلك توردها بعضُ كتب قواعد الكتابة في الحديث عن أحكام حذف همزة الوصل، واثنتان (الرابعة والتاسعة) لحذف الألف وسطاً، والأربعة الباقية (الخامسة والسادسة والسابعة والثامنة) لحذف الألف طرفاً. ويتّجه على ما ورد ثمّة ملاحظُ مختلفةٌ من عدم الدّقّة، والنقصِ، وعدمِ التفريق بين مواضع حذف الألف أولاً ووسطاً وطرفاً، وكذلك بين مواضع الحذف الواجب والجائز، ومن الخلطِ بين الرسم القرآني والرسم الكتابي المعاصر، والتجوّزِ في التعبير عن بعض تلك المواضع. بيانها فيما يأتي:
أ – جاء التعبيرُ عن قاعدة حذف الألف من كلمة (ابن) غيرَ دقيق، فقد عُزي الحذفُ فيها إلى القدماء والمحدثين، وتضمّن بعضَ شروطها، ثم تلتها الأمثلةُ متبوعةً بشرطٍ آخر(ص30) واللفظ ثمّة " تحذف في الكتابة لدى القدماء والمحدثين ألفُ (ابن) إذا وقعت هذه الكلمة مفردة بين علمين على ألاّ يفصل بينهما فاصل ". أرى إعادةَ النظر في تحرير القاعدة، وذلك بحذف النصّ على نسبة هذا الحذف إلى القدماء والمحدثين، لأنه لا يضيفُ جديداً، إذ كان معظمُ قواعد الكتابة يوافق منهجَ الأقدمين أو أصولهم، ومثلُه يصحُّ إثباتُه عندما تتفرد القاعدةُ بوقوع الاتفاق فيها بين القدماء والمحدثين، وهذا ما دعا كتبَ العلم إلى عدم الإشارة إليه إلاّ لداعٍ يقتضيه؛ وكذلك بحذف شرط عدم الفصل بينهما، كيلا يُتوهّم أن التعريفَ استغرق الشروطَ، كأن يقال مثلاً: تُحذف الألفُ من كلمة (ابن) إذا وقعت بين علمين صفةً مفردةً. ويمكن أن يُشار بعد الأمثلة إلى شروطٍ أو إلى ضوابطَ أخرى لحذفها، كما يُشارُ إلى أن ما يقال فيها ينطبق على مؤنثها (ابنة).
ب – ومن أمثلة عدم الدّقّة والحشو بلا داعٍ ما ورد في نهاية قاعدة حذف الألف من (أل) التعريف إذا سبقت باللام مفتوحةً أو مجرورةً(ص31)، فقد خُتم بالنصّ على ما يندرج في القاعدة، مع خلطٍ بحذفٍ آخرَ ذي قاعدةٍ أخرى، ولفظه ثمّة " وتحذف كذلك من أسماء الموصول المبدوءة باللام إذا سُبقت بلام، فنكتب: هذا الكتاب لِلّذي أتاك. لِلّذَيْنِ أتياك. الثواب لِلّذِيْنَ آمنوا ". وظاهر أن هذا الكلامَ لا حاجةَ إلى إيراده، وذلك لأن القاعدةَ السابقة له تستغرقُ حذفَ الألف من (أل) التعريف في كلّ اسم دخلت عليه، أو يبدأ بها، أو جاء مُحلّى بها، أيّاً كان نوعُ هذا الاسم، موصولاً أو غيرَ موصول. ومعلوم أن جميعَ الموصولات الخاصّة (الذي والتي وفروعهما) تلزمها (أل) التعريف فلا تحتاج إلى تقييد الأسماء الموصولة بـ(المبدوءة باللام). وأما الخلطُ فيظهر في إيرادِ دخول اللام على الاسم الموصول المثنّى الذي يكتب بلامين هنا " لِلّذَيْنِ أتياك " لأنه من بابةٍ أخرى، ولا يصحُّ إثباتُه هنا، فقد حُذف منه حرفان هما: الألف واللام، يعني (أل) كاملة، وبقيت اللام الثانية واللام الداخلة عليها، وقد مضى التنبيهُ على سقوطه من قسم الحذف قريباً.
ج – وكذلك جاء التعبيرُ عن الموضع الثالث لحذف الألف غيرَ دقيق، ولفظه (ص31): " تحذف الألف من كلمة (اسم) في البسملة فقط: بسم الله الرحمان الرحيم، وتثبت في الأحوال الأخرى، فنكتب: باسمك اللهم. الرئيس يتحدث باسم مرؤوسيه ". وذلك لأن النصّ على أن موضعها في البسملة، يعني نفي ما سواها، بما يغني عن الحصر بـ(فقط)، ولو وُصِفت البسملة بـ(التامّة) لكان أولى. وبنحوه التعبيرُ عن ثبوتها في غير البسملة بـ " الأحوال الأخرى " فهي ليست أحوالاً، بل هي صيغٌ للبسملة غير التامّة وغيرها.ومما يلتحق بما سبق ما جاء من مخالفة المتقدمين والمحدثين في كتابة كلمة " الرحمن " في البسملة التامّة بإثبات الألف، فهذا غير جائز، وإن وافق اجتهادُ (قواعد الإملاء) إثباتَ الألف في (الرحمن) وأشباهها، فهو مقصورٌ على الأعلام، أمّا رسمها في البسملة التامّة فله حكمٌ خاصٌّ.
د – وكذلك شاب التعبيرَ عن الموضع الرابع لحذف الألف غيرُ قليلٍ من مجافاةِ الدّقّة، وتنكُّبِ الصواب، والخلطِ بين قضايا من موضوعات مختلفة، ولفظه ثمّة (ص31): " في الكتابة الموروثة عن القدماء وفي رسم القرآن حُذفت الألف المتوسطة في طائفة من أسماء الأعلام وفي الأحرف التي تقع في أوائل السور القرآنية، واستعملت فيما بعد أسماء للأشخاص، ومنها: الله، الرحمن، طه، يس، الحرث (الحارث)، ملك (مالك)، إسمعيل، إبرهيم، إسحق، هرون، وغيرها. والرأي إثبات هذه الألف في جميع هذه الأسماء، باستثناء لفظ الجلالة، وفي لفظ (طه) لشيوع كتابتهما بهذه الصورة: الرحمان، ياسين، الحارث، مالك، إسماعيل، إبراهيم، إسحاق، هارون، وغيرها ". ويتّجه على ذلك ملاحظُ، منها:
- معلوم أن الرسمَ القرآنيّ أو خطّ المصحف لا يُقاس عليه، وهو أحد أنواعٍ ثلاثةٍ للكتابة العربية، ثانيها الكتابةُ العروضية التي تُصَوّرُ المنطوق به، وهذان الخطّان - كما هو مشهور - لا يُقاس عليهما، وثالثها الكتابةُ العادية أو المعاصرة التي هي موضوع البحث وقواعد الكتابة أو الإملاء، لذا لم يكن صائباً النصُّ على حذف الألف المتوسطة في الرسم القرآني في طائفةٍ من أسماء الأعلام، وفي الأحرفِ التي تقع في أوائل السور القرآنية، وأنها استُعملت فيما بعد أسماءً للأشخاص. ولو اقتُصر على ما صُدِّر به الحذفُ الرابع " في الكتابة الموروثة عن القدماء " لكان أولى، على ما في هذا التعبير من خروجٍ عن المألوف، ونأيٍ عن الدّقّة، لأن التعبيرَ عن مذاهب الأقدمين أو مقالاتهم أو مناهجهم أو طرائق الكتابة لديهم بـ " الموروث عن القدماء " غيرُ مناسبٍ من وجوه، يقدُمها أن الموروثَ يشمل الغثَّ والسمينَ، والرديءَ والجيدَ خلافاً للمذاهب أو المقالات أو المناهج التي تحوي صواباً يحتملُ الخطأ.
- يتصل بما سبق من عدم الدّقّة ما سلف من تصدير أمثلة أسماء الأعلام بـ " الله، الرحمن " بعد النصّ على أنها " استُعملت فيما بعد أسماءً للأشخاص، ومنها:.. " وظاهر أن في العبارة سهواً، لأن لفظ الجلالة - كما هو معلوم – خاصّ به سبحانه وتعالى، والأصل في حذف الألف من (الرحمن) أن تكون معرفة بـ(أل).
- تشترك الأمثلةُ المتقدّمةُ في حذف الألف منها وسطاً، بيد أنها ليست جميعاً على درجةٍ واحدة، كما أن حذفَها ليس موضعَ اتفاقٍ لدى المصنّفين، إذ كان أغلبُها لا يُثبت حذفَ الألف وسطاً في أكثر الأمثلة، لأن مَنْ أوردها منهم تابع فيها الرسمَ القرآني الذي لا يُقاس عليه فيما خالف فيه قواعدَ الكتابة، وإن كان موافقاً لها في معظمه. وأكثر كتب قواعد الكتابة تقتصرُ على إيراد بضع كلماتٍ مشهورة، وقع فيها حذفُ الألف وسطاً وجوباً، هي (الله - إله - الرحمن - السموات - لكنّْ - أولئك - طه). أما الأعلامُ الأخرى التي ذُكر بعضُها وغيرُها من الأسماء التي جرى بعضُ الأقدمين على حذف الألف منها وسطاً فهي كثيرة، وثمة اختلافٌ بينهم في حذفها، وقوعاً أو عدماً، ووجوباً أو جوازاً، وفي دواعيه أيضاً[14]. والأمرُ في الكتابة المعاصرة على خلافه.
يتبع...
تعليق