إنقاذ الضّاد من الأنقاض

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد زعل السلوم
    عضو منتسب
    • Oct 2009
    • 746

    إنقاذ الضّاد من الأنقاض

    إنقاذ الضّاد من الأنقاض آخر تحديث:الثلاثاء ,31/08/2010




    عبداللطيف الزبيدي


    حديثي أمس عن “أهميّة السير إلى الوراء” كان حرف الألف في أبجديّة ما يجب أن يقال في الهوّة التي حفرتها المناهج بين الجيل الصاعد ولغته، وهذا الجيل هو الذي سيقرّر غداً مصيرالضاد، فإمّا القمّة وإمّا الهاوية . وإذا كانت اللغة مجرّد وسيلة نقل، فكيف نلوم فتى على اختيار السيارة الرياضية، وترك الدابة الكسيحة في مربطها؟



    سأحصر المأساة في منهاج العربية وأدبها، لكي نرى الجرذان العملاقة التي ستبيد المكتبة العربية وتاريخها الطويل . إن السماء لا تمطركم بمجامع لغويّة تنويرية، ومناهج تربويّة تعليميّة عصريّة تحديثية . فعلى الدول العربيّة جمعاء، التي عجزت عن اتخاذ قرار تاريخي بتطوير تدريس لغتها، أن تدرك أنها تسهم في إكراه الضاد على دخول نفق لا يعلم أحد منتهاه، فالكارثة هي أن يجتهد كل بلد في التطوير على هواه، مشوار آخر على طريق “فرّق تسدْ”، وفرّق تسد الباب على الوحدة .



    إذا تمادت المناهج في هذا الغيّ اللغوي، ولم تستحدث أساليب جديدة عصريّة في تدريس الضاد وأدبها، فإن الإنجليزية وما شاكلها ستسود وتوصد أبواب مكتبة الميراث الثقافي العربيّ بالشمع الأحمر، تريدون البرهان؟ خذوا: ثمة مكتبات تراثية ومعاصرة رائعة مصوّرة جاهزة للتحميل مجّاناً، ألقوا نظرات على إحصاءات التحميل: بضع مئات من ثلاثمئة مليون في أحسن الأحوال، تراجيكوميديا . ثم تأملوا إحصاءات تحميل الأغاني ورنات المحمول . من المسؤول؟ من العلة والمعلول؟ من السائر بالجيل إلى المجهول؟ هل من مؤمّل مأمول، وراء هذا اللامعقول؟



    ستصبح مكتبة العلوم الإنسانية العربية متحفاً ومعلماً سياحيّاً، وعندما أسمع الناس يتحدثون بشغف وفخر عن إحياء التراث، أقول في نفسي: ولماذا قتلتموه أو وأدتموه إذا كنتم تريدون اليوم إحياءه؟ وما قيمة التاريخ إذا لم تستوعبوا إيجابياته، وتأخذوا الدروس من سلبيّاته؟



    حين أتأمّل عظمة مكتبة الإنسانيات العربية الإسلامية، أسأل بأسىً: ماذا ستفعل الأجيال المقبلة بهذه الثروات، إذا كان الناس اليوم قد هجروها وأهملوها؟ هل سيحكم عليها الآتون بإعادة التدوير، ليصنعوا منها ورقاً مقوى لصفوف البيض وعلب المناديل الورقية؟ هذا إذا لم تطأها حوافر الغزاة في عالم عربيّ مناعته المكتسبة على كفّ عفريت .



    سأوضح الواضحات فالمجامع اللغويّة وواضعو المناهج يعيشون في ديار الماضي، وأقدامهم ليست على أرضيّة الواقع: تبسيط قواعد اللغة والاقتصار على الضروريّ وتحديث أساليب التدريس، انطلاقاً من حياة العصر ومحيطه وتقنياته وتقاناته وثوراته العلمية، ستقوّي عضلات اللغة، وتجعلها قادرة على المنافسة عالميّاً، وعندما تفرض الضاد وجودها بين أهلها، ستقف الهويّة بقدم راسخة، وهامة شامخة، وقامة شاهقة، وعندئذٍ ستبحث قسراً عن جذورها وأصالتها، وتعيد النظر حتماً في علاقتها بالآخرين، متحرّرة من الاستلاب والتبعيّة .



    abuzzabaed@gmail .com
يعمل...