مصطلح "استعمار" أم "استخراب"

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد زعل السلوم
    عضو منتسب
    • Oct 2009
    • 746

    مصطلح "استعمار" أم "استخراب"

    في قلب الظلام
    بقلم :محمد الخولي



    لا ندري من هو العبقري الجهبذ الذي اختار كلمة «استعمار» لترجمة ذلك المد الأوروبي الشرير الذي بدأ منذ عدة قرون وقصد إلى غزو أقطار شتى في جنوب الكرة الأرضية بالذات وإلى استغلال مواردها وقهر شعوبها بل وامتد هذا الاتجاه الخبيث حتى العقد السابع من القرن العشرين؟!


    والأكيد أن ذلك الجهبذ العربي كان يستقرئ القواميس اللغوية الصماء ولا يقرأ صفحات الواقع الذي كان أشبه بكتاب مفتوح صاغت سطوره عهود وعقود من الاضطهاد والظلم والنهب المنظم لمقدرات الأمم وثروات الشعوب وكان الأجدى والادق، ولا يزال كذلك، أن يصطلح القوم على استخدام لفظة«استخراب» التي تفيد بداهة معنى الدمار والفساد بدلاً من «استعمار» حيث لم يكن ثمة علاقة بين الوافدين من أوروبا ابتداء بالبرتغال وأسبانيا وليس انتهاء بدول أوروبا


    وعلى رأسها بريطانيا التي حملت لقب العظمى بعد أن مهدت لها شركة الهند الشرقية ـ الاستعمارية طبعا طريق التجارة الإمبراطوري من البحر المتوسط إلى الهند درة التاج ومسقط رأس واحد من أشهر وأخبث أعلام الأدب الانجليزي الحديث وهو الشاعر الإمبريالي طبعا رديارد كبلنغ (1865 ـ 1936) الذي اشتهرت عنه أبياته التي خاطب فيها الامبراطورية قائلا «ألا فاحكمي بريطانيا وسودي على جميع الآفاق»، ورغم هذه النزعة الإمبريالية المتأصلة لم يتورعوا عن منحه جائزة نوبل عام 1908 وهي تحمل ـ كما لا يخفى عليك ـ شعار السلام.


    الاستعمار ميراث تاريخي


    صحيح أن ظاهرة غزو واحتلال أراضي الآخرين ظاهرة عرفها وكابدها النزوع البشري على مدار حقب شتى من مسار التاريخ إلا أن هذه الظاهرة المقيتة ما لبثت أن اكتسبت أساليب المنهجية أو هياكلها المؤسسية المنظمة في إطار من التوازي مع مراحل شتى من المنجزات العلمية والابتكارات التكنولوجية والكشوف الجغرافية التي حققتها البشرية ولاسيما في القرون الثلاثة الأخيرة من العصر الحديث..


    زمان كان ماركو بولو الإيطالي يزور الصين ويعود إلى بني قومه ليحكي لهم حكايات أقرب إلى الأساطير عن بلاد العيون الضيقة فيما وراء البحار.. لكن مع تنامي التطور الرأسمالي وبعد اكتشاف طاقة البخار ومن ثم تحويل أساليب الإنتاج من النمط اليدوي والحرفي (بكسر الحاء) إلى النمط الجمعي أو شبه الجمعي المتعارف عليه في الصناعات التحويلية التي تستخدم الآلات..


    وفيما كان «الصنايعية» اليدويون ينتجون على أساس كفافي بمعنى إشباع الاحتياجات المحلية لمستهلكين في أسواق محددة بالقرى المحلية والمراكز الحضرية التي كانت بازغة وليدة في ذلك الحين.. بدأ «الصناع» في مواقع الإنتاج المميكنة يحتاجون إلى الأسواق واسعة النطاق تستوعب منتوجاتهم الكثيفة المتنوعة، فضلا عن الحاجة إلى مواد أولية خام بأرخص الأسعار.


    حركة جديدة في أوروبا


    كل هذه المعاني تداعت إلى خواطرنا ونحن نتابع مفردات ومعطيات الحركة التي بدأ يشهدها مؤخراً عدد من أقطار غرب أوروبا، ذات الماضي الاستعماري.. فقد صدرت في إنجلترا ربيع العام الحالي أكثر من دراسة، أقرب إلى المراجعة التاريخية المستندة إلى وثائق مكتشفة مؤخرا للأهوال التي تسبب فيها الاستعمار البريطاني لشعب كينيا ومواردها على يد مؤسسة إمبريالية أخرى هي شركة شرق إفريقيا البريطانية فكان أن استغرق الحكم البريطاني فيها حقبة امتدت من أواخر القرن التاسع عشر وحتى عام 1961.


    وفي سبتمبر الماضي، جاء الدور على بلجيكا التي صدر فيها بالفرنسية كتاب مصور بالغ الأهمية يحمل العنوان التالي «ذكريات الكونغو.. الحقبة الكولونيالية».والكتاب يحوي بين دفتيه مشاهد ومحتويات المعرض الملكي عن منطقة وسط إفريقيا المقام في تورفورين في بلجيكا ومن المقرر أن يغلق أبوابه في الساعات القليلة المقبلة (9 أكتوبر الجاري) بعد أن ظل مفتوحا للزائرين والدارسين والناقدين منذ الرابع من فبراير عام 2005.


    لم يكن المعرض مجرد تظاهرة ثقافية ولا مناسبة يطالع فيها المرتادون صورا أو مقتنيات أو تذكارات أو مستندات أو أيقونات.كان المعرض أقرب إلى ساحة لمعركة حقيقية اندلعت في بلجيكا بوصفها قوة استعمارية واتسعت من حيث الدرجة والنطاق لتعيد إلى العقلية الجمعية في ذلك البلد ذكريات ماضيه الكولونيالي، وكان ماضيا بغيضا إلى درجة تقارب الوحشية وسفك الدماء وخاصة عندما يتطرق الحديث إلى أفاعيل بلجيكا في بلد شاسع الأرجاء عظيم الثروات هو الكونغو..


    في هذا الصدد يقول البروفيسور آدم هو شيلد الأستاذ بجامعة كاليفورنيا: جاءت بلجيكا متأخرة نسبيا في صفوف القوى الاستعمارية، ولكن ما أن وضعت أيديها لتسيطر على الكونغو حتى ظلت تمارس هذه السيطرة بوصف الكونغو إحدى الممتلكات الخاصة كأنها ضيعة..


    عزبة أو قصر مخصوص للملك ليوبولد الثاني الذي كان يتصف بطموح غاية في الشراسة والحدة إذ رأى نفسه في عام 1865 عاهلا لبلد أوروبي محدود المساحة فما كان منه إلا أن « استأجر» خدمات المكتشف الجغرافي الشهير «هنري مورتون ستانلي» الذي ارتاد الكونغو وعمل على ضمها إلى ممتلكات ( هل نقول مقتنيات ) ليوبولد الخاصة تحت اسم دولة الكونغو.... الحرة ! مجلة «نيويورك ريفيو» المتخصصة في عروض الكتب عدد 6/10/2005.


    عالم الرواية


    ويجدر القول إنه عندما تعوزنا المعلومات من كتب التاريخ وخاصة أنها مكتوبة بانحياز استعماري لا يخفى عما لقيه سكان ذلك البلد الإفريقي وغيره من عذابات ومعاناة واستغلال.. فإن أهل الاختصاص يحيلون الباحث إلى مجال الأدب العالمي.. وفي هذا المضمار يفيد كثيرا مطالعة رواية «في قلب الظلام» الصادرة عام 1902 بقلم جوزيف كونراد البولندي الأصل وكان من أعلام الأدب الانجليزي في صدر القرن العشرين ( في عام1923 ) بطل الرواية اسمه المستر كورتز


    وقد اتخذه مؤلفها رمزا لكل أوروبي استعماري متحجر القلب معدوم الضمير.. كيف لا وقد كان بيته الفخم الذي اتخذه في أحراش الكونغو مزين الجدران بالرؤوس المحنطة التي أفلح كورتز في اصطيادها.. ولم تكن رؤوس الحيوانات بل كانت رؤوس الأفارقة الذين سولت لهم أنفسهم أن يتمردوا على سطوة السيد الأبيض القادم من بلدان الشمال.


    مازالت المعارض والكتابات والدراسات تتوالى في أوروبا وفي أميركا.. ومعظمها يجسد ما يمكن أن نسميه الخطاب التكفيري أو الخطاب التطهيري.. هو أقرب ما يكون إلى منطق الندم على ما سبقت أوروبا الامبريالية إلى اقترافه على مدى عقود شتى بحق الشعوب.


    ولعل أشهر مفردات ذلك المنطق هو الاعتذار الشهير الذي أعلنه الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون في زيارته لإفريقيا عند منتصف عقد التسعينات.. وكان اعتذارا عن جريمة العبودية أو تجارة الرقيق التي بدأت من أدغال إفريقيا الغربية مع منتصف القرن التاسع عشر وانتهت رسميا مع اشتداد حركة الحقوق المدنية في أميركا مع انتهاء عقد الستينات من القرن العشرين.


    نضع خطوطا ظاهرة ومخيفة تحت تعبير «رسمياً».. بعد أن شاهد العالم وعايش مؤخرا رواسب المعاناة التي تعرض لها السود في أميركا خلال كارثة كاترينا هم أحفاد العبيد الذين اقتلعوهم من جذورهم ونقلوهم - عنوة - من ديارهم خلال عصر الاستعمار أو بالأحرى «الاستخراب» البغيض.


    كاتب مصري ـ خبير في الإعلام الدولي
  • Hatmi
    عضو منتسب
    • Aug 2010
    • 11

    #2
    حياك الله أخي العزيز محمد زعل سلوم،

    "الإستعمار" مصطلح أُضيف إلى معجم "القتلة واللصوص وقطاع الطرق" بغرض تسويق الموت والخراب ونهب الثروات لأوطان "المُسْتَحْمَرِين" على أنه صورة من صور التعاون الدولي بما تبذله دول "العالم المتحضر" من دماء وجماجم أبنائها في سبيل إزدهار وتقدم وإعمار تلك الأوطان. وبعد قرون، لا تزال "نخب" المستحمرين تستخدم ذات التعريف ويؤكدون بأن "الإستعمار" أرحم.

    والأَمَر من ذلك، أن المستحمرين اليوم يحتفلون بإضافة مصطلح آخر متميز إلى المعجم ذاته الذي آلت ملكيته الفكرية لهم بفضل "العالم المتحضر" المحب المنقذ، وهو مصطلح "الإرهاب" الذي يعرف بأنه "المقاومة" (غير المشروعة) لجهود "الإستعمار" الخيرية للإنشاء والتعمير ونقل المستحمرين من وضع الإنحطاط والديكتاتورية التي تملأ أوطانهم إلى وضع "الديمقراطية الإستحمارية".

    ومن نصر إلى نصر.

    تحياتي

    تعليق

    يعمل...