عن الرابط
الشاعرة البولندية فيسوافا شيمبورسكا
ولدت الشاعرة فيسوافا شيمبورسكا وهي ايضا كاتبة لمقالات نقدية ادبية ومترجمة للادب الفرنسي عام 1923 في "بنيني" قرب مدينة بوزنان (الجزء الشمالي الغربي من بولندا). وفي عام 1931 رحلت عائلتها الى مدينة كراكوف في جنوب بولندا. وكما تقول الشاعرة وهي تصف موهبتها الادبية فانها كانت مهتمة بالشعر منذ طفولتها:
- اتذكر انني كنت اكتب الشعر منذ طفولتي كما انني كنت من وراء هذه الموهبة أحصل على النقود، حيث كان ابي عندما يراني اكتب قصيدة قصيرة وتنال اعجابه كان يخرج محفظته و يعطيني نقودا حوالي 20غروش لا اتذكر بالتحديد وكأنه يشتريها مني ولكن على شرط ان تكون القصيدة فكاهية ومرحة فيمكنني ان اقول ان ذلك كان مصدر رزقي وانا عمري خمسة سنوات.
وخلال الحرب العالمية الثانية استمرت الشاعرة البولندية في دراستها حيث كانت تحضر لقاءات تعليمية سرية ثم بدأت العمل كموظفة في السكك الحديدية في بولندا لتتهرب من ترحيلها الى معسكر العمل في المانيا.
درست شيمبورسكا اللغة البولندية وعلم الاجتماع في الأعوام 1945-1948 في جامعة كراكوف فحياتها الفنية والادبية مرتبطة بهذه المدينة منذ سنين طويلة حيث ان الكاتبة في العديد من المرات اكدت تعلقها بكراكوف . لم تنتهي الشاعرة من الدراسة في الجامعة بسبب ظروفها المادية القاسية ولكنها كانت نشيطة جدا في الوسط الادبي ومهتمة بما يحدث في مجال الادب البولندي ومن الشخصيات التي تاثرت بها الشاعر البولندي المعروف الحاصل على جائزة نوبل تشيسواف ميووش.
اول ظهور للشاعرة كان من خلال قصيدتها "أبحث عن الكلمة" عام 1945 المنشورة في الملحق الادبي لجريدة يومية بولندية لكن عندما قدمت اول ديوانها بعنوان "قصائد" للنشر لم تحصل على موافقة السلطات البولندية حيث لم يتوافق شعرها مع متطلبات الواقع الاشتراكي – كما بررت السلطات قرارها في ذلك الوقت، واخيرا ظهر ديوان اخر لفيسوافا شيمبورسكا عام 1952 وعنوانه "ولهذا السبب نعيش"(Dlatego żyjemy) والذي وجد فيه شعر يؤيد النظام الاشتراكي والفكر الماركسي واللينيني مثل القصيدة تحت عنوان "لينين"، وبعد صدور الديوان الاول تم الموفقة على قبول الشاعرة في صفوف اتحاد الادباء البولنديين كما اصبحت الكاتبة في عام 1966 عضوا في حزب العمال البولندي الحاكم في ذلك الوقت في بولندا لكن من الجدير بالذكر ان رغم كل هذا كانت الشاعرة على اتصال بالمعارضة البولندية فمنذ عام 1957 كانت تتعاون مع مجلة المعارضة البولندية الصادرة في باريس "الثقافة".((Kultura
رئست فيسوافوا شيمبورسكا مجلس تحرير مجلة "الحياة الادبية" خلال الاعوام 1953-1981 وكانت ايضا مسؤلة عن العمود اليومي في المجلة بعنوان " المنهج الادبي الغير مقرر" والذى تم تجميعه واصداره في كتاب واحد. ومن عام 1981 اصبحت الشاعرة عضو لمجلس تحرير مجلة "المنشور" (Pismo) التي كانت خاصة بالوسط الادبي في مدينة كراكوف.
وفي فترة التقلبات السياسية في بولندا كانت الشاعرة تحتج مع باقي زملائها من الوسط الفني على بعض القرارات الحكومية حيث كانت من ضمن الموقعين على ما سمي بالخطاب رقم 59 والذي كان رسالة احتجاج على تغييرات في دستور الدولة البولندية الذي كان يهدف الى إبرام اتفاقية ابدية مع الاتحاد السوفيتي واستمرار حزب العمل البولندي في الحكم. كما اشتركت فيسوافا شيمبورسكا في تأسيس اتحاد ادباء للبولنديين معارض للحكومة.
حصلت الشاعرة خلال حياتها الادبية على العديد من الجوائز وفي عام 1996 حصلت على جائزة نوبل.
شعر فيسوافا شيمبورسكا
يعتبر شعر فيسوافا شيمبورسكا فريدا من نوعه وذو عمق خاص كما انه يعد ادب فكري حيث نجد فيه معنى باطني فلسفي. تتميز كتابتها بالكلمة المحددة الدقيقة كما تستخدم الشاعرة اسلوب السخرية ونوع من العناد الادبي او التناقض الظاهري و البعد الفكاهي الذي يساعدها في إبراز المواضيع الهامة والمعاني العميقة. تحاول الشاعرة ان تحلل وجدانية الانسان الذاتية وفي إطار مكانه في المجتمع .
وبالرغم من بساطة اسلوبها في الكتابة فان شعرها يعد ادب فكري جاد حيث بطل قصائدها انسان يعيش حياته ولذلك يخطيء. تركز فيسوافا شيمبورسكا شعرها حول المواضيع الانسانية كما تتسائل كثيراعن مدى تأثير التاريخ والسياسة والبيولوجية حتى على مصيره وتحلل هذه التأثيرات على مستوى حياته اليومية. شيمبورسكا لاتعترف باي انتماء لنظام فلسفي ادبي محدد وشعرها ليس تحت تأثير فكر شعري محدد.
توصف شخصية شيمبورسكا الادبية كلغز فهي إنسانة متواضعة منغلقة هادئة تكهرب القارء بكلماتها الحادة والمحددة فاسلوبها البسيط يصل االى اذواق القراء العاديين بشكل مباشر ولايحتاج الى تحليلات ادبية معقدة. علاقة الشاعرة البولندية بقرائها علاقة فريدة من نوعها حيث انها تصل لهم بشكل مباشر فوق رؤوس النقاد ودون مساعدة الاعلام، فدواوين شعرها تنشر باعداد القصص الادبية المشهورة وتختفي من الاسواق بنفس السرعة.
اهم دواوين فيسوافا شيمبورسكا
(1952) ولهذا السبب نعيش (Dlatego żyjemy)،(1954) الاسئلة التى اوجها لنفسي (Pytania zadawane sobie) ، (1957) النداء الى ييتي ( Wołanie do Yeti) ، (1962) ملح ( Sól) ، (1966) مئة قصيدة وقصيدة ( 101 wierszy) ، (1967) مئة فرحة (Sto pociech)، (1967) القصائد المختارة (Wiersze wybrane) (1967) الشعر المختار (Poezje wybrane) ،(1972) كل الصدف (Wszelki wypadek)، (1976) الرقم العملاق ( Wielka liczba) ، (1986)الناس فوق الجسر (Ludzie na moście)، (1989) القصائد : Poems (صدر الديوان باللغتين الانجبلبزية والبولندية)، (1992) المنهج الادبي الغير مقرر (Lektury nadobowiązkowe)، (1993) النهاية والبداية (Koniec i początek)، (1996) منظر مع حبة رمل (Widok z ziarnkiem piasku)، (1997) مئة قصيدة – مئة فرحة (Sto wierszy - sto pociech)، (2002)اللحظة (Chwila) ، (2003) قوافي للكبار (Rymowanki dla dużych dzieci)
القصائد المختارة
القصائد المختارة ادناه هي من أشهر قصائد فيسوافا شيمبورسكا وتعد مثالا جيدا للمواضيع الاوجودية التي تهتم بها الشاعرة.
قط في منزل خال – تصف القصيدة احساس القط ولومه لصاحبه الذي توفى. بطل القصيدة – القط- يتمرد على ظاهرة الموت وبهذه الطريقة يظهر مشاعر انسانية ونرى الموت في عينيه كحادث "فاضح" . والجزء الاخير من القصيدة يعطي الامل في ان الموت ظاهرة بامكاننا ان نتغلب عليها حيث ان الشاعرة بطريقتها المميزة تناقش مشكلة وجودية انسانية. (من ديوان (1993) النهاية والبداية (Koniec i początek))
النهاية والبداية – تحاول الشاعرة في قصيدتها هذه ان تناقش مشكلة الحرب وتحاول ان تظهر للقارء مستعملة السخرية وتلفت انتباه القاريء لوسائل الاعلام الحديثة التي تقدم للمشاهد مناظر العنف والجرائم والقتل وتتركه بكل هذه الرواسب الداخلية ليمارس حياته الطبيعية حيث الاعلام لايتولى مشكلة العمل والجهد اليومي الذي يواجه الانسان العادي (من ديوان (1993) النهاية والبداية (Koniec i początek))
حديث مع الحجر – هذه القصيدة تبين اسلوب الشاعرة المميز في البحث عن الحقيقة عن الانسان والواقع الذي يحيطه وطرح اسئلة فلسفية. تدورالقصيدة حول فكرة حوار الانسان مع حجر اي شيئ غير حي حيث ترسم لنا الكاتبة التعارض بين رجاء الانسان ورغباته ورفض الحجر لكل هذا فنحن كبشر نحاول ان نروض الطبيعة لكن ما يتبين لنا ان هذا مستحيل فليس للحجر باب مثل نقطة الماء فليس بامكاننا معرفة هذه الاشياء فالعالم الذي يحيطنا غير قابل للتعرف عليه لانه لايخترق عالم البشر فالقصيدة نوع من البحث في وحدة الانسان ومناف الحياة. (من ديوان (1962) ملح ( Sól) )
جائزة نوبل للشاعرة البولندية فيسوافا شيمبورسكا
حصلت فيسوافا شيمبورسكا على جائزة نوبل في مجال الادب عام 1996 ونجد في حيثيات قرار لجنة نوبل: تمنح الجائزة لصاحبة الشعر الذي بسخريته الحادة يظهر سياق التاريخ والبيولوجيا في فتات واقع الانسان. وبعد اعلان منح الجائزة لم تخفي الشاعرة تعجبها ودهشهتها بالقرار وظلت من المرشحين الأكثر تواضعا حيث انها قالت في احد الحوارات التي جرت معها بعد اعلان منحها جائزة نوبل: كنت احاول طوال حياتي ان ابقى انسانا عاديا والان يريدون ان يجعلوا مني شخصية عامة وهذا الذي لم اوافق عليه ابدا لاني احس بالفطرة ان هذا شأن خطر .
اما الشاعر البولندي المعروف الكبير تشيسواف ميووش والحاصل على جائزة نوبل ايضا عندما وصله الخبر قال: كنت اتوقع هذه الجائزة لشيمبورسكا حيث ان الشعر البولندي له تقدير في القارة الاوروبية – وبالفعل شعر شيمبورسكا معروف في العديد من الدول الاروبية وخاصة في السويد.
شاركت الشاعرة البولندية بافكارها مع الجمهور خلال خطابها في ستوكهولم قائلة: المعرفة التي لاتظهر اسئلة جديدة تعتبر معرفة متوفية تفقد حرارتها كما نعلم من التاريخ الحديث والقديم ومن الممكن ان تصبح خطرا على مجتمعات باكملها. لذلك اقدر كلمتين صغيرتين هما: لاادري – صغيرتين لكن ذات اجنحة قوية التي تظهر لنا مناطق غير معروفة بداخلنا او حول كوكبنا هذا. (..) والشاعر الحقيقي يجب ان يكرر هاتين الكلمتين: لاادري ومن واجبه ان يرد على هذا السؤال في كل قصيدة يكتبها وعندما يضع النقطة في اخر بيتين من شعره يبدأ يتردد هل الاجابة كافية وحقيقية وسريعة لا يدرك انها مؤقتة وغير كافية فيحاول ويحاول من جديد لكي في النهاية يستطيع المؤرخون والنقاد أن يجمعوا هذا الدليل على عدم ارتياح الشاعر للاجابات ويلقوا عليه اسم ابداعه الادبي.