جمعية اللهجات والتراث الشعبي في المملكة العربية السعودية
بعد عقدين من الغياب عودة جمعية اللهجات والتراث الشعبي
الحجيلان: سنجمع لهجات السعوديين ونكاتهم وأزياءهم ورقصاتهم
بعد توقف لأكثر من 20 عاماً، شهد الشهر الماضي عودة جمعية اللهجات والتراث الشعبي التابعة لقسم اللغة العربية وآدابها في كلية الآداب في جامعة الملك سعود في الرياض، من خلال عقد جمعيتها العامة وانتخاب مجلس الإدارة، وقد أقر المجلس أخيرا افتتاح ثلاثة فروع للجمعية في الباحة وحائل ونجران.
"الاقتصادية" التقت الدكتور ناصر الحجيلان، نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية، للتعريف بالجمعية ومناقشة جملة من القضايا المتعلقة بها.
عندما بحثت عن تاريخ تأسيس جمعية اللهجات والتراث الشعبي لأول مرة، وجدتني أمام أكثر من تاريخ، فهل تملك تاريخا دقيقاً لنشأة الجمعية؟
لا توجد وثائق تحدد تاريخاً دقيقاً، غير أن الجمعية بدأت في وقت مبكر، ومن هنا كان ثمة تقديرات شائعة بأن الجمعية بدأت بين عامي 1399هـ، و1401هـ، إلا أننا عثرنا على وثيقتين أثبتتا أن الجمعية ولدت في وقت أبكر من ذلك، الأولى مقال للشيخ حمد الجاسر في مجلة العرب في جمادى الأولى من عام 1388هـ بعنوان "جامعة الرياض تهتم بتراثنا الشعبي"، أشار فيه إلى الجمعية، والثانية هي نشر أهداف الجمعية في مجلة المنهل في المحرم من عام 1388هـ، كما أخبرني الدكتور محمد آل زلفة أن عضويته في الجمعية تعود إلى عام 1389هـ عندما كان طالباً في الجامعة، وبناء على هذا فإن الأقرب للدقة أن الجمعية أنشئت في عام 1388هـ.
متى توقفت الجمعية بالتحديد؟
لا يوجد تاريخ محدد للتوقف، إذ إن الجمعية لم تلغ، ولكن نشاطاتها تراجعت، فلم يبقَ منها إلا معمل اللهجات، ومتحف التراث الشعبي، وكان للجمعية نشاط كبير، ومن ذلك أنها قامت بتنظيم مهرجان تراثي ثقافي كان هذا في عام 1404 هـ على أرض فضاء ضمن مبنى جامعة الملك سعود الحالي قبل افتتاحها، فأقيمت مخيمات خاصة له، ونظم فيها أمسيات للشعر العامي، و"المراد"، والأغاني الشعبية، والرقصات الفولكلورية، ولكن في العام التالي انطلق مهرجان الجنادرية الذي ينظمه الحرس الوطني، فتوقف مهرجان الجمعية وانصرف أعضاؤها للعمل الأكاديمي والإداري في الجامعة.
بمناسبة الجنادرية، هل فكرتم في التعاون مع الحرس الوطني من خلال المهرجان الوطني للتراث والثقافة؟
عند إعادة تأسيس الجمعية حاولنا الاتصال بكل الجهات التي لديها اهتمام بمجال اهتمامنا، ولقينا تجاوباً من الجميع، ونحن في المرحلة الحالية بصدد وضع آليات تكفل تعاوناً مثمراً مع جميع الجهات. وبالنسبة للجنادرية فنحن نهتم بتقديم الدراسات العلمية، أكثر من الجانب الميداني، ونطمح إلى أن نقوم بجهد تكميلي مع الجنادرية، بحيث تقدم الجمعية دراسات، وتنظم ندوات ومحاضرات تتناول التراث، ونطمح أن يساهم الحرس الوطني في تبني بعض مشروعات الجمعية.
هذا عن التوقف، ماذا عن العودة؟
هناك عدة أسباب، أهمها نمذجة السعودي في الغرب بعد أحداث أيلول (سبتمبر)، وشخصياً شهدت أمثلة عديدة مؤلمة لذلك، فمثلاً كانت هناك محاضرة في جامعة "أنديانا" في أواخر عام 2004م عرض فيها المتحدث تسجيلاً لإحدى الرقصات الشعبية، وادعى المحاضر أن هذا أسلوب لتدريب الأطفال في السعودية على القتل بالسكاكين، وقام بربط هذا بجرائم الزرقاوي، وكانت هناك جهود متميزة لتصحيح الصورة على المستوى الرسمي من السفارة السعودية بواشنطن، ولكن هناك حاجة إلى الاتجاه إلى الشعب وإقناعهم بأننا لسنا نمطاً واحداً، وأحد سبل ذلك العودة إلى التراث المتعدد للمناطق المختلفة في السعودية للتأكيد على التنوع.
وعملياً بدأنا في كانون الأول (ديسمبر) 2005م اجتماعات في القسم، وتم وضع الخطط، واتخاذ الإجراءات النظامية، حتى صدر في صيف 2006م قرار مجلس الجامعة بتشكيل اللجنة التأسيسية، ثم عقدت الجمعية العمومية في نهاية 2006م، وتشكل مجلس الإدارة الجديد.
هناك أكثر من جهة في السعودية معنية بالتعاطي مع التراث المحلي، فماذا يمكن أن تضيف جمعية اللهجات والتراث الشعبي؟
صحيح أننا نشترك مع أكثر من جهة في مجال الاهتمام، لكن لكل جهة تميزها الخاص في طريقة تناولها للتراث، ولا بد من التأكيد على أن تعدد القنوات التي تخدم التراث هو أمر مفيد وضروري، خصوصاً ونحن نتعامل مع تراث عريق لبلاد مترامية الأطراف.
الاهتمام باللهجات والتراث الشعبي مسألة تتداخل فيها تخصصات اللغة العربية مع الإعلام وعلم الاجتماع والتاريخ، فهل من العدل أن تنشأ الجمعية في قسم اللغة العربية؟
الجميل أن الجمعية اشترك فيها أعضاء من تخصصات غير اللغة العربية، مثل الدكتور سعد الصويان من قسم الاجتماع، والدكتور محمد آل زلفة من قسم التاريخ، والدكتور سعيد بن فايز السعيد عميد كلية السياحة والآثار، فالجمعية تفتح الباب أمام الجميع، وسوف نستعين بفرق علمية من مختلف الأقسام العلمية مثل الاجتماع والتاريخ والآثار والجغرافيا وحتى الطب والصيدلة وعلم الحيوان وعلم النبات والفيزياء، فقضيتنا في الجمعية تتعلق بثقافة الإنسان وسلوكه، وتحليل وفهم تلك الثقافة وذلك السلوك غير ممكن بدون الإلمام بتفاصيل عديدة من متخصصين في علوم عديدة.
كيف ستتمكنون من أداء مهامكم في ظل الاتساع الجغرافي للسعودية؟
الواقع لدينا خطة لفتح جمعيات فرعية في سبع مناطق، وهي: مكة المكرمة، المنطقة الشرقية، تبوك، حائل، الباحة، جازان، ونجران، وقد أقر مجلس إدارة الجمعية في اجتماعه الأسبوع الماضي ثلاثة فروع منها، ونأمل أن تكون هذه مرحلة أولى، تتلوها إن شاء الله مراحل أخرى.
ما الشروط المطلوبة لمن يريد افتتاح فرع للجمعية في أي منطقة؟
أهم شرط أن يكون المتقدم معنياً بالتراث الشفهي والفولكلور، ونفضل أن يكون للشخص إصدارات، أو متحف، أو على الأقل أن يكون معروفا باهتمامه، وألا يكون لديه التزامات تعوقه عن متابعة أعمال الجمعية، وكذلك يهمنا أن يكون قادراً على بناء علاقات إيجابية مع الهيئات الحكومية والخاصة والأفراد في منطقته.
ما الآلية التي تستخدمونها في جمع التراث الشفهي والفولكلور؟
الواقع أن كل معطى له آلياته الخاصة في جمعه وتصنيفه، فبالنسبة للهجات نبدأ بتسجيلها صوتياً من المصدر الأصلي، والمصادر تنقسم إلى ثلاثة، المصدر النقيّ وهو الشخص الذي لم يغادر منطقته أبداً، والمصدر الأساسي ونقصد به الشخص الذي غادر المنطقة لفترات قليلة ومحدودة، والمصدر الثانوي هو الشخص الذي غادر منطقته لفترات طويلة وهو مصدر لا يستخدم إلا من أجل اختبار صحة الاستنتاجات، كما أننا نعتبر أن غير المتعلم مصدر أكثر أهمية، والمرأة كذلك مصدر أهم من الرجل بحكم قلة اختلاطها.
كم عدد الأشخاص الذين يحتاج الباحث التسجيل معهم لتحديد اللهجة؟
ليس هناك عدد معين، لكن بشكل عام نفضل التسجيل لعدد كبير من الأشخاص وفي مواقف مختلفة، المهم أن نتوصل إلى تغطية جميع الظواهر في اللهجة، بعناصرها الأربعة: وهي الصوت، والمعجم أي الكلمات، والتركيب وهو القواعد النحوية، والدلالة، ونحرص على جمع أكبر قدر من التسجيلات الصوتية، ونفضل القصص والحكايات التي تظهر لهجة المتحدث بعفوية.
وسنقوم بإدخال ما نسجله إلى أجهزة متخصصة في مجال التحليل الصوتي، إذ تقوم هذه الأجهزة بتحليل دقيق يتفوق على التحليل المباشر بالاستماع، وتساعد على اكتشاف الفروق الدقيقة، وكذلك تحديد تردد الصوت وخامته ومخرجه بدقة أعلى، وقد تقدمت الجمعية إلى مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بمشروع في هذا المجال.
جغرافياً أين تبدأ اللهجة وأين تنتهي، هل تعتبرون أن لهجة منطقة القصيم – مثلاً - واحدة، أم أن لبريدة لهجة، ولعنيزة لهجة أخرى؟
من حيث المبدأ هناك فرق بين اللهجة واللكنة، فالأولى تشمل عدة أنواع من الثانية، وطبعاً لا يمكن تقديم إجابة علمية عن الفرض المطروح في السؤال إلا بإجراء دراسة تثبت - أو تنفي- أن لهجة بريدة وعنيزة لهجة واحدة، وأن الاختلاف يمكن التعرف عليه على مستوى اللكنة، لكن من باب التوضيح سنفترض أننا أجرينا دراسة انتهت إلى أن منطقة القصيم لها لهجة ذات صفات لغوية واحدة، فيتقرر أن داخل هذه اللهجة توجد أكثر من لكنة ترتبط بأداء بعض الأصوات، فهناك لكنة لأهل بريدة، وأخرى لأهل عنيزة، وثالثة لأهل الرس، غير أنهم جمعياً يتحدثون لهجة واحدة.
ماذا عن بقية عناصر التراث غير اللهجات؟
بالنسبة للمعطيات الشفهية غير اللهجات، مثل الحكايات والأساطير والخرافات والأمثال والنكات والألغاز، يهمنا الحصول عليها من الناس، ونهتم في هذه المعطيات بأمرين، الأول هو نصها المتواتر عند الناس، والثاني هو طريقة أداء للنص، ونقصد به طريقة الإلقاء، والوقفات، واختلاف درجة الصوت في مواضع معينة، وتأثر الراوي بما يروي.
لكن يا دكتور، ألا تعتقد أن طريقة الأداء هي سلوك فردي؟
تنطلق الجمعية من فكرة أن أي فرد في المجتمع هو عينة ممثلة له، وأنه لا يتصرف بشكل اعتباطي، بل انطلاقاً من قيم اجتماعية. صحيح أن التصرف صادر من فرد، لكن هذا الفرد هو ممثل لجماعة، ونحن بطبيعة الحال لا نأخذ بهذا الفعل الفردي ما لم يكن له تكرار نمطي لدى أفراد آخرين.
وماذا عن الرقصات؟
بالنسبة للرقصات فسيتم تصويرها تلفزيونياً، وسنحرص على إدخالها ضمن برامج حاسوبية للتعرف على تفاصيلها مثل السرعة والدقة، بحيث يتم توثيق كل رقصة بسماتها المأخوذة من نماذج واقعية، بما يوفر لنا دليلا لجميع الرقصات، ثم تحليل سمات هذه الرقصات وربطها بالقيم الثقافية للإنسان في كل منطقة.
هل من المتوقع أن تقدم الجمعية قراءات تفسيرية لموروثنا المحلي؟
في الواقع إحدى المهام العلمية للجمعية هي مناقشة الفرضيات الشائعة في تحليل التراث الشفهي والفولكلور المحلي؛ فمثلاً هناك مقولة تربط بين سرعة الرقصات في بعض أجزاء المنطقة الجنوبية بكونها منطقة جبلية، مفسرة ذلك بأن من يعيش في منطقة جبلية تتابع أنفاسه بمعدل أسرع من ذلك الذي يعيش على أرض مستوية وهذا ما يقوده إلى أداء الرقصات بإيقاع سريع، في المقابل نجد أن من يعيشون في أرض مستوية يكون تتتابع أنفاسهم بمعدل أقل، وهي مقولة تفسر بطء إيقاع "السامري" مثلاً، وهذه حتى الآن مجرد فرضية، والجمعية تعتزم تقديم الدراسات التي تختبر مثل هذه المقولات.
ولكن أليس وارداً التوصل إلى استنتاجات مثيرة مثل الحكم بارتباط الذكاء بسرعة اللهجة أو بطئها؟
هذه المقولة ضمن مقولات ظهرت في القرن الثامن عشر مع بداية بزوغ علم الفولكلور، وبدأت تتراجع مع بداية القرن التاسع عشر حتى انتهت تماماً، وسبب اختفائها يعود إلى سببين: الأول أنها نتاج مواقف عنصرية، والثاني أنها مقولات معيارية وليست علمية، ونحن في الجمعية نهتم بالوصف والتفسير، ولكن لسنا معنيين بإطلاق أحكام معيارية حول الأفضل والأذكى وما شابه ذلك، وذلك لأننا نقدّر كل تراث يخص مجموعة من الناس.
لديكم الكثير من المشاريع الطموحة لتوثيق ذاكرة أجيال من السعوديين، فهل تملكون الموارد المالية الكافية؟
هذه هي المشكلة الأكبر التي تواجه الجمعية، وهي غياب الموارد المالية الكافية لتنفيذ المشاريع الطموحة للجمعية، وحتى الآن جميع ما بذل يمثل مبادرات تطوعية من أعضاء الجمعية، ونحن نأمل أن تبادر الجهات الحكومية والخاصة والأفراد بعد اطلاعهم على مشاريع الجمعية إلى دعمها.
بعد عقدين من الغياب عودة جمعية اللهجات والتراث الشعبي
الحجيلان: سنجمع لهجات السعوديين ونكاتهم وأزياءهم ورقصاتهم
بعد توقف لأكثر من 20 عاماً، شهد الشهر الماضي عودة جمعية اللهجات والتراث الشعبي التابعة لقسم اللغة العربية وآدابها في كلية الآداب في جامعة الملك سعود في الرياض، من خلال عقد جمعيتها العامة وانتخاب مجلس الإدارة، وقد أقر المجلس أخيرا افتتاح ثلاثة فروع للجمعية في الباحة وحائل ونجران.
"الاقتصادية" التقت الدكتور ناصر الحجيلان، نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية، للتعريف بالجمعية ومناقشة جملة من القضايا المتعلقة بها.
عندما بحثت عن تاريخ تأسيس جمعية اللهجات والتراث الشعبي لأول مرة، وجدتني أمام أكثر من تاريخ، فهل تملك تاريخا دقيقاً لنشأة الجمعية؟
لا توجد وثائق تحدد تاريخاً دقيقاً، غير أن الجمعية بدأت في وقت مبكر، ومن هنا كان ثمة تقديرات شائعة بأن الجمعية بدأت بين عامي 1399هـ، و1401هـ، إلا أننا عثرنا على وثيقتين أثبتتا أن الجمعية ولدت في وقت أبكر من ذلك، الأولى مقال للشيخ حمد الجاسر في مجلة العرب في جمادى الأولى من عام 1388هـ بعنوان "جامعة الرياض تهتم بتراثنا الشعبي"، أشار فيه إلى الجمعية، والثانية هي نشر أهداف الجمعية في مجلة المنهل في المحرم من عام 1388هـ، كما أخبرني الدكتور محمد آل زلفة أن عضويته في الجمعية تعود إلى عام 1389هـ عندما كان طالباً في الجامعة، وبناء على هذا فإن الأقرب للدقة أن الجمعية أنشئت في عام 1388هـ.
متى توقفت الجمعية بالتحديد؟
لا يوجد تاريخ محدد للتوقف، إذ إن الجمعية لم تلغ، ولكن نشاطاتها تراجعت، فلم يبقَ منها إلا معمل اللهجات، ومتحف التراث الشعبي، وكان للجمعية نشاط كبير، ومن ذلك أنها قامت بتنظيم مهرجان تراثي ثقافي كان هذا في عام 1404 هـ على أرض فضاء ضمن مبنى جامعة الملك سعود الحالي قبل افتتاحها، فأقيمت مخيمات خاصة له، ونظم فيها أمسيات للشعر العامي، و"المراد"، والأغاني الشعبية، والرقصات الفولكلورية، ولكن في العام التالي انطلق مهرجان الجنادرية الذي ينظمه الحرس الوطني، فتوقف مهرجان الجمعية وانصرف أعضاؤها للعمل الأكاديمي والإداري في الجامعة.
بمناسبة الجنادرية، هل فكرتم في التعاون مع الحرس الوطني من خلال المهرجان الوطني للتراث والثقافة؟
عند إعادة تأسيس الجمعية حاولنا الاتصال بكل الجهات التي لديها اهتمام بمجال اهتمامنا، ولقينا تجاوباً من الجميع، ونحن في المرحلة الحالية بصدد وضع آليات تكفل تعاوناً مثمراً مع جميع الجهات. وبالنسبة للجنادرية فنحن نهتم بتقديم الدراسات العلمية، أكثر من الجانب الميداني، ونطمح إلى أن نقوم بجهد تكميلي مع الجنادرية، بحيث تقدم الجمعية دراسات، وتنظم ندوات ومحاضرات تتناول التراث، ونطمح أن يساهم الحرس الوطني في تبني بعض مشروعات الجمعية.
هذا عن التوقف، ماذا عن العودة؟
هناك عدة أسباب، أهمها نمذجة السعودي في الغرب بعد أحداث أيلول (سبتمبر)، وشخصياً شهدت أمثلة عديدة مؤلمة لذلك، فمثلاً كانت هناك محاضرة في جامعة "أنديانا" في أواخر عام 2004م عرض فيها المتحدث تسجيلاً لإحدى الرقصات الشعبية، وادعى المحاضر أن هذا أسلوب لتدريب الأطفال في السعودية على القتل بالسكاكين، وقام بربط هذا بجرائم الزرقاوي، وكانت هناك جهود متميزة لتصحيح الصورة على المستوى الرسمي من السفارة السعودية بواشنطن، ولكن هناك حاجة إلى الاتجاه إلى الشعب وإقناعهم بأننا لسنا نمطاً واحداً، وأحد سبل ذلك العودة إلى التراث المتعدد للمناطق المختلفة في السعودية للتأكيد على التنوع.
وعملياً بدأنا في كانون الأول (ديسمبر) 2005م اجتماعات في القسم، وتم وضع الخطط، واتخاذ الإجراءات النظامية، حتى صدر في صيف 2006م قرار مجلس الجامعة بتشكيل اللجنة التأسيسية، ثم عقدت الجمعية العمومية في نهاية 2006م، وتشكل مجلس الإدارة الجديد.
هناك أكثر من جهة في السعودية معنية بالتعاطي مع التراث المحلي، فماذا يمكن أن تضيف جمعية اللهجات والتراث الشعبي؟
صحيح أننا نشترك مع أكثر من جهة في مجال الاهتمام، لكن لكل جهة تميزها الخاص في طريقة تناولها للتراث، ولا بد من التأكيد على أن تعدد القنوات التي تخدم التراث هو أمر مفيد وضروري، خصوصاً ونحن نتعامل مع تراث عريق لبلاد مترامية الأطراف.
الاهتمام باللهجات والتراث الشعبي مسألة تتداخل فيها تخصصات اللغة العربية مع الإعلام وعلم الاجتماع والتاريخ، فهل من العدل أن تنشأ الجمعية في قسم اللغة العربية؟
الجميل أن الجمعية اشترك فيها أعضاء من تخصصات غير اللغة العربية، مثل الدكتور سعد الصويان من قسم الاجتماع، والدكتور محمد آل زلفة من قسم التاريخ، والدكتور سعيد بن فايز السعيد عميد كلية السياحة والآثار، فالجمعية تفتح الباب أمام الجميع، وسوف نستعين بفرق علمية من مختلف الأقسام العلمية مثل الاجتماع والتاريخ والآثار والجغرافيا وحتى الطب والصيدلة وعلم الحيوان وعلم النبات والفيزياء، فقضيتنا في الجمعية تتعلق بثقافة الإنسان وسلوكه، وتحليل وفهم تلك الثقافة وذلك السلوك غير ممكن بدون الإلمام بتفاصيل عديدة من متخصصين في علوم عديدة.
كيف ستتمكنون من أداء مهامكم في ظل الاتساع الجغرافي للسعودية؟
الواقع لدينا خطة لفتح جمعيات فرعية في سبع مناطق، وهي: مكة المكرمة، المنطقة الشرقية، تبوك، حائل، الباحة، جازان، ونجران، وقد أقر مجلس إدارة الجمعية في اجتماعه الأسبوع الماضي ثلاثة فروع منها، ونأمل أن تكون هذه مرحلة أولى، تتلوها إن شاء الله مراحل أخرى.
ما الشروط المطلوبة لمن يريد افتتاح فرع للجمعية في أي منطقة؟
أهم شرط أن يكون المتقدم معنياً بالتراث الشفهي والفولكلور، ونفضل أن يكون للشخص إصدارات، أو متحف، أو على الأقل أن يكون معروفا باهتمامه، وألا يكون لديه التزامات تعوقه عن متابعة أعمال الجمعية، وكذلك يهمنا أن يكون قادراً على بناء علاقات إيجابية مع الهيئات الحكومية والخاصة والأفراد في منطقته.
ما الآلية التي تستخدمونها في جمع التراث الشفهي والفولكلور؟
الواقع أن كل معطى له آلياته الخاصة في جمعه وتصنيفه، فبالنسبة للهجات نبدأ بتسجيلها صوتياً من المصدر الأصلي، والمصادر تنقسم إلى ثلاثة، المصدر النقيّ وهو الشخص الذي لم يغادر منطقته أبداً، والمصدر الأساسي ونقصد به الشخص الذي غادر المنطقة لفترات قليلة ومحدودة، والمصدر الثانوي هو الشخص الذي غادر منطقته لفترات طويلة وهو مصدر لا يستخدم إلا من أجل اختبار صحة الاستنتاجات، كما أننا نعتبر أن غير المتعلم مصدر أكثر أهمية، والمرأة كذلك مصدر أهم من الرجل بحكم قلة اختلاطها.
كم عدد الأشخاص الذين يحتاج الباحث التسجيل معهم لتحديد اللهجة؟
ليس هناك عدد معين، لكن بشكل عام نفضل التسجيل لعدد كبير من الأشخاص وفي مواقف مختلفة، المهم أن نتوصل إلى تغطية جميع الظواهر في اللهجة، بعناصرها الأربعة: وهي الصوت، والمعجم أي الكلمات، والتركيب وهو القواعد النحوية، والدلالة، ونحرص على جمع أكبر قدر من التسجيلات الصوتية، ونفضل القصص والحكايات التي تظهر لهجة المتحدث بعفوية.
وسنقوم بإدخال ما نسجله إلى أجهزة متخصصة في مجال التحليل الصوتي، إذ تقوم هذه الأجهزة بتحليل دقيق يتفوق على التحليل المباشر بالاستماع، وتساعد على اكتشاف الفروق الدقيقة، وكذلك تحديد تردد الصوت وخامته ومخرجه بدقة أعلى، وقد تقدمت الجمعية إلى مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بمشروع في هذا المجال.
جغرافياً أين تبدأ اللهجة وأين تنتهي، هل تعتبرون أن لهجة منطقة القصيم – مثلاً - واحدة، أم أن لبريدة لهجة، ولعنيزة لهجة أخرى؟
من حيث المبدأ هناك فرق بين اللهجة واللكنة، فالأولى تشمل عدة أنواع من الثانية، وطبعاً لا يمكن تقديم إجابة علمية عن الفرض المطروح في السؤال إلا بإجراء دراسة تثبت - أو تنفي- أن لهجة بريدة وعنيزة لهجة واحدة، وأن الاختلاف يمكن التعرف عليه على مستوى اللكنة، لكن من باب التوضيح سنفترض أننا أجرينا دراسة انتهت إلى أن منطقة القصيم لها لهجة ذات صفات لغوية واحدة، فيتقرر أن داخل هذه اللهجة توجد أكثر من لكنة ترتبط بأداء بعض الأصوات، فهناك لكنة لأهل بريدة، وأخرى لأهل عنيزة، وثالثة لأهل الرس، غير أنهم جمعياً يتحدثون لهجة واحدة.
ماذا عن بقية عناصر التراث غير اللهجات؟
بالنسبة للمعطيات الشفهية غير اللهجات، مثل الحكايات والأساطير والخرافات والأمثال والنكات والألغاز، يهمنا الحصول عليها من الناس، ونهتم في هذه المعطيات بأمرين، الأول هو نصها المتواتر عند الناس، والثاني هو طريقة أداء للنص، ونقصد به طريقة الإلقاء، والوقفات، واختلاف درجة الصوت في مواضع معينة، وتأثر الراوي بما يروي.
لكن يا دكتور، ألا تعتقد أن طريقة الأداء هي سلوك فردي؟
تنطلق الجمعية من فكرة أن أي فرد في المجتمع هو عينة ممثلة له، وأنه لا يتصرف بشكل اعتباطي، بل انطلاقاً من قيم اجتماعية. صحيح أن التصرف صادر من فرد، لكن هذا الفرد هو ممثل لجماعة، ونحن بطبيعة الحال لا نأخذ بهذا الفعل الفردي ما لم يكن له تكرار نمطي لدى أفراد آخرين.
وماذا عن الرقصات؟
بالنسبة للرقصات فسيتم تصويرها تلفزيونياً، وسنحرص على إدخالها ضمن برامج حاسوبية للتعرف على تفاصيلها مثل السرعة والدقة، بحيث يتم توثيق كل رقصة بسماتها المأخوذة من نماذج واقعية، بما يوفر لنا دليلا لجميع الرقصات، ثم تحليل سمات هذه الرقصات وربطها بالقيم الثقافية للإنسان في كل منطقة.
هل من المتوقع أن تقدم الجمعية قراءات تفسيرية لموروثنا المحلي؟
في الواقع إحدى المهام العلمية للجمعية هي مناقشة الفرضيات الشائعة في تحليل التراث الشفهي والفولكلور المحلي؛ فمثلاً هناك مقولة تربط بين سرعة الرقصات في بعض أجزاء المنطقة الجنوبية بكونها منطقة جبلية، مفسرة ذلك بأن من يعيش في منطقة جبلية تتابع أنفاسه بمعدل أسرع من ذلك الذي يعيش على أرض مستوية وهذا ما يقوده إلى أداء الرقصات بإيقاع سريع، في المقابل نجد أن من يعيشون في أرض مستوية يكون تتتابع أنفاسهم بمعدل أقل، وهي مقولة تفسر بطء إيقاع "السامري" مثلاً، وهذه حتى الآن مجرد فرضية، والجمعية تعتزم تقديم الدراسات التي تختبر مثل هذه المقولات.
ولكن أليس وارداً التوصل إلى استنتاجات مثيرة مثل الحكم بارتباط الذكاء بسرعة اللهجة أو بطئها؟
هذه المقولة ضمن مقولات ظهرت في القرن الثامن عشر مع بداية بزوغ علم الفولكلور، وبدأت تتراجع مع بداية القرن التاسع عشر حتى انتهت تماماً، وسبب اختفائها يعود إلى سببين: الأول أنها نتاج مواقف عنصرية، والثاني أنها مقولات معيارية وليست علمية، ونحن في الجمعية نهتم بالوصف والتفسير، ولكن لسنا معنيين بإطلاق أحكام معيارية حول الأفضل والأذكى وما شابه ذلك، وذلك لأننا نقدّر كل تراث يخص مجموعة من الناس.
لديكم الكثير من المشاريع الطموحة لتوثيق ذاكرة أجيال من السعوديين، فهل تملكون الموارد المالية الكافية؟
هذه هي المشكلة الأكبر التي تواجه الجمعية، وهي غياب الموارد المالية الكافية لتنفيذ المشاريع الطموحة للجمعية، وحتى الآن جميع ما بذل يمثل مبادرات تطوعية من أعضاء الجمعية، ونحن نأمل أن تبادر الجهات الحكومية والخاصة والأفراد بعد اطلاعهم على مشاريع الجمعية إلى دعمها.