ورد اسم العرب في البابلية هكذا: /عَريبو/ و/عَرُوبو/ و/عَرابي/. وأقدم ذكر لعرب الشمال كان في ألواح الملك الآشوري سلمنصر الثالث سنة 853 قبل الميلاد، التي ذكرت فيما ذكرت الأمير العربي"جُندب" الذي تحالف مع ملك دمشق الآرامي، المتحالف بدوره مع "أحاب" ملك إسرائيل ضد الآشوريين. وقام الملك الآشوري سلمنصر الثالث بحملة عسكرية لتأديبهم وانتصر عليهم بالفعل وأسر منهم الكثيرين، وخلد انتصاره عليهم بلوحة فنية رائعة محفوظة حتى اليوم ظهر فيها جُندبُنا هذا راكباً جملَه ... وتشاء الصدفة أن يكون أول ذكر تاريخي لعرب الشمال مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالجمل كما يقول فيليب حتي في كتابه "تاريخ العرب"!
وورد اسم العرب لاحقاً في كتاب العهد القديم (كتاب أشعياء،13:20) وفي كتب المؤرخين اليونان والرومان مثل هيرودوت وغيره. ووردت أسماء الكثير من الشخصيات العربية في كتب العهد القديم مثل سُلاميت وشُعَيب وغيرهما. ولعل أشهر العرب في العهد القديم هو النبي أيّوب الذي يجمع شراح العهد القديم بشأنه بأنه ليس يهودياً. أما سِفر أيوب في العهد القديم فيكتفي بالقول إنه، أي أيوب، من أهل "عُوص" في الشرق. ويرى الكثير من علماء التوراة أن سِفر أيوب في التوراة ربما كان كُتب بالعربية أصلاً وترجم إلى العبرية لاحقاً. والأدلة التي تساق للبرهنة على هذا الاعتقاد هو كثرة الكلمات والتعابير العربية الواردة في سفر أيوب من جهة، وشاعرية النص القريبة من شاعرية العربية والبعيدة من أسلوب سائر أسفار العهد القديم من جهة أخرى، بالإضافة إلى أن السِّفر يجعل موطن أيوب الأصلي في شرق جنوب فلسطين.
دعونا نتأمل الجذر المشتق منه اسم العرب في الساميات: (غ/ع ر ب):
الأكادية: /عِريبو/ "غَرَبَ (الشمس)" العبرية: ערב : عَرَب "غَرَبَ"، الإثيوبية: /عَرْبَ/ "غَرَبَ"، الأوغاريتية: /عرب/ "غَرَبَ"، الآرامية: מערבא: مَعربا* "المغرب" بمعنى المساء والعبرية: ערב :عِرِب "المساء". ويقابل هذا الفعل بالعربية الفعل "غرب".
* ألف المد في نهاية الكلمة الآرامية هو للتعريف. واللغتان الساميتان اللتان يرد التعريف في أواخر الأسماء فيهما هما الآرامية (بلهجاتها الكلدانية والسريانية والتلمودية) والحميرية لغةُ ظفار التي تعرف الأسماء فيها بإضافة حرف النون إلى أواخرها (مثلاً: ذَهْبَنْ = الذهب).
ويلاحظ أيضاً أن الأكاديين سموا جهة الغرب /عِريب شمشِ*/ أي "مغربُ الشمسِ". وترجم الكاتب اليوناني Hesychius هذه التسمية حرفياً إلى لغته بـ: Χώρά τής Δύσεως= Chorā tès Dusèos "مغرب الشمس". لكن ترجمته الحرفية لم تقنع قومه الذين فضلوا استعمال الاسم المضاف في الجملة الأكادية أي /عِريب/ على ترجمته الحرفية، وحولوه ليتجانس مع أوزان لغتهم ويصبح في آخر المطاف Εύρώπη الذي حور قليلاً في اللاتينية ليصبح Europa.
* يلاحظ أن الإضافة في البابلية مثل الإضافة في العربية تماماً وأن الكسرة تحت /شمشِ/ للجر مثل كسرة الجر في العربية تماماً. والفارق الوحيد بينهما هو حذف الحركة من آخر المضاف في البابلية.
ويقابل هذا الفعل في الأكادية الفعل: /آصُو/ "أشرق (الشمس)" وفي العبرية الفعل: יצא /ياصا/ "أشرق". ويقابل هذان الفعلان في العربية الجذر "وضأ*". ومنه اشتق اسم القارة التي تشرق منها الشمس أي /آسيا/.
* هذا الفعل من ذوات الواو في كل الساميات. تنقلب الواو ياءً في العبرية والأكادية وتبقى واواً في العربية. راجع معنى /وضأ/ و/ضوء/ و/وضح/ الذي يستشف منها الضوء والإشراق والنور.
يلاحظ من هذه المقارنة السريعة أن فاء الفعل في الساميات حرف العين وفي العربية حرف الغين. والثابت أن حرف الغين كان موجوداً في اللغة السامية الأم إلا أنه اختفى من البابلية والعبرية والآرامية وغيرها من لغات الشمال، مثله في ذلك مثل اختفاء الثاء والخاء والضاد والظاء والذال منها، والتي لم تحتفظ بكلها أو ببعضها إلا العربية والحميرية والإثيوبية. ويستدل من الترجمة السبعينية لكتاب العهد القديم إلى اليونانية في القرن الثالث أو الثاني قبل الميلاد، وهي أقدم ترجمة لكتاب العهد القديم إلى لغة أخرى، إلى أن الغين كانت تلفظ في العبرية غيناً قبل اختفائها منها وانقلابها عيناً. مثلاً: نُقِل لفظ مدينة עמרה (عُمورا) إلى اليونانية هكذا: Gomorra "غُمورا ـ مدينة قوم لوط (عم)" بالغين، ولو كانت الغين وقتها تلفظ عيناً لكان اليونان كتبوها بحرف الـ O قياساً باستعمالهم حرف الـ O باضطراد للدلالة على حرف العين في الساميات، والأمثلة كثيرة.
ويعرف شراح العهد القديم العرب على أنهم البدو الرحل. والثابت أن هذا التعريف غير صحيح لأن العرب ليسوا كلهم بدواً يرحلون من مكان لآخر بحثاً عن مواطن الكلأ. والثابت أيضاً أنه لا يوجد تعريف واضح لكلمة /عرب/ غير "سكان (الجزيرة) العربية". أما "العربية" فلا يعلم معناها الأصلي إلا الله. وكل حد لها إنما يكون من باب الاجتهاد.
فهل يكون جذر /عرب ـ غرب/ في الساميات كما قدم أعاليه من الأضداد في اللغة السامية الأولى، أي أنه يفيد معنى شروق الشمس وغروبها بحيث يفيد معنى "مشرق الشمس"؟ أي أن تكون "(الجزيرة) العربية" (أو "عرابيا" نزار قباني) تعني "مشرق (الشمس)" بضد "مغرب (الشمس)"؟ هذا اجتهاد شخصي ليس إلا.
ولا شك في أن القول إن اسم /العرب/ يفيد معنى "سكان الصحراء" عموماً هو قول صحيح بمطلق الأحوال لأنهم منها خرجوا وإليها سيعودون أو سيُعادون تمهيداً لوضعهم فيها خارج ذاكرة التاريخ كما كانوا عليه قبل الإسلام ـ إذا لم يتنبهوا ويستفيقوا ...
عبدالرحمن السليمان.
تعليق