قراءة في قصة ( شعاع العيون ) لخالد جودة بقلم / مجدي جعفر

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • مجدي جعفر
    عضو منتسب
    • Jun 2021
    • 33

    قراءة في قصة ( شعاع العيون ) لخالد جودة بقلم / مجدي جعفر

    قراءة في قصة ( شعاع العيون ) لخالد جودة
    بقلم / مجدي جعفر
    .................................................. ....
    قصة ( شعاع العيون ) للكاتب خالد جودة أحمد الفائزة بالمركز الأول مكرر في مسابقة صلاح هلال الأدبية ( 2022م ) تستحق أن نحتفي بها وبكاتبها، فالقصة تنتمي إلى أدب الخيال العلمي الذي لم يصل بعد حد الاكتمال الفني في بيئتنا العربية، ربما لأنها بيئة غير علمية، وربما أيضا لأنها تفتقد إلى الخيال، والأحلام فيها مجهضة، وقلما تدفع لنا المطابع بقصة أو رواية من أدب الخيال العلمي تساهم في إثراء هذا اللون، وتضيف بل تتجاوز ماكتبه مصطفى محمود ونهاد شريف وأحمد خالد توفيق وغيرهم.
    وكاتب هذا اللون يجب أن يكون مُلما إلماما تاما بالعلوم العلمية وخاصة الرياضيات والفيزياء والكيمياء والأحياء والتخصصات العلمية الدقيقة، وأن يكون دارسا النظريات العلمية الكبرى التي أحدثت إنقلابا وثورة علمية هائلة، غيرت وقلبت المفاهيم التي كانت سائدة مثل نظريتي النسبية والكم وغيرهما، وأن يملك الخيال الخصب المحلق، وخالد جودة على دراية كبيرة بالعلم، ويملك الخيال الخصب المحلق، ويعي القواعد والأصول التي يقف عليها العمل القصصي دون عثرات، وتشي قصته بخبرة وتمرس كبيرين في كتابة هذا الفن القصصي المخاتل، والمراوغ الجميل، فهو يتكأ على دراسته وثقافته ومعارفة العلمية وقراءته وتحليله للواقع المصري والدولي، فجاءت القصة خليطا ومزيجا بديعا من العلم والواقع والخيال، فيها الاستشراف والتنبؤ، وبعد كل البُعد عن الخيالات المجنحة والتي لا تستند في انطلاقها على علم أو نظرية علمية ولا تمت بصلة ولو كانت ضعيفة للواقع، فتأتي أقرب إلى الفنتازيا، ويحسب لكاتبنا أن لديه رؤية للإنسان والواقع والوطن والعالم، رؤية استشرافية مستقبلية قد تتحقق أو يتحقق بعضها فالكاتب :
    1 – يتصور ويتخيل شكل العالم في العام 2060م ومابعده، فإذا كنا نعاني من هيمنة القطب الواحد بعد انهيار الإتحاد السوفيتي، فإنه يتصور أن العالم بعد العام 2060م سيهيمن عليه ثلاثة أقطاب، وبدلا من أن ينعم الإنسان في ظلهم بالأمن والأمان، يصبح أكثر تشظيا وتشرذما وانسحاقا وضياعا، ونجحت هذه القوى العظمى في تفكيك معظم دول العالم، وتقسيمها إلى دويلات وإمارات صغيرة، واشتعلت الحروب على الماء والغذاء.
    2 – وإذا كان هذا شكل العالم الجديد المتخيل فيما بعد العام 2060م، فأين مصر من كل هذا؟.
    انحسر النيل، وقل الماء، وصارت مصر بحيرة صغيرة من الماء العذب، ولم تسلم من جارة أفعى من صنف الكبرى طمعت في هذا الماء، فغارت على البحيرة، وشنت حربا ضروسا من أجل الماء والغذاء.
    3 – شكل الحرب :
    تسابقت القوى الثلاث العظمى على التسلح، وتطوير السلاح، مستخدمين أحدث وسائل التقنية، ويبدو أن الكاتب قارئا نهما، ومتابعا جيدا للتطور المذهل في صناعة السلاح، وكأن القوى الثلاث قصرت البحوث العلمية على تطوير هذه الأسلحة، والعلم صار في خدمتها، فيقدم لنا شكلا جديدا للحرب وشكلا جديدا للأسلحة يختلفا تمام الاختلاف عن شكل الحروب وشكل الأسلحة الحالية والسابقة :
    ( فمنذ أيام شن العدو علي موقعنا الظافر علي أعتاب بحيرتنا العذبة نفديها بأرواحنا، عاصفة سبرانية قاسية غير مسبوقة، عطلت معداتنا الإلكترونية والكهربائية جميعا، فدخلنا مرحلة العماء الكامل، فالسترات الطائرة ومعدات الرؤية الليلية الثاقبة، ونظارات الواقع المعزز الذكية لتحليل البيانات وتبادلها، وراسم التكتيكات الآنية ميدانيًا، حتى تلك الحشرات الجاسوسية التى نطلقها بإيدينا لمعرفة ما يحيط بنا، ونحرر بها أهدافنا بدقة، أصبحت قطعا معدنية باردة لا غناء فيها. )
    مانوع هذا السلاح الذي قدمته إحدى القوى العظمى للجارة الأفعى، ليبطل مفعول أسلحتنا، ويصيبها بالعمى؟.
    (كان الخطر الأعظم هو الجيل الحديث من ذخيرة العدو المتسكعة، التي قصدت منطقة العمليات بأعداد كبيرة، تطير بشكل مستقل، وتتسكع في الفضاء فوقنا لساعات بحثا عنا، رابضة تطل بعيون متنمرة نحونا. كان يمكن لأجهزة رصدنا الدفاعي المتطور أن يفتك بها قبل أن تستقر في فلكها فوق رؤوسنا، لولا الخرس الرقمي الذي أسكتها.)
    4 – انحسار الأمن القومي المصري :
    يعتقد البعض أن أمن البلد يتوقف عند الحدود الجغرافية، وهذا اعتقاد خاطئ، فمنذ أجدادنا القدامى ( الفراعين ) وحتى جمال عبدالناصر وأمننا القومي يبدأ من منابع النيل في أثيوبيا إلى شمال شرق الوطن في سوريا، والعبث بماء النيل يهدد الأمن المصري، ونتيجة هذا العبث انحسر ماء النيل، وتحول النيل إلى بحيرة صغيرة عام 2060م، ورغم ذلك لم تسلم مصرنا الحبيبة من الجارة الأفعى التي تطمع في الماء والغذاء، ويتحسر الكاتب على أمننا القومي الذي انحسر ، وخضنا في سبيله حروبا كثيرة :
    (.. مصري أنا نشأت فى ربوع وطني، أحب مصريتي القديمة ذات الملامح الطيبة، حكى له معلمي عن أجدادي القدامى الذين سكبوا دمائهم على ضفاف النيل، وفي أغوار سيناء، وعلي ضفاف الأردن، وأطراف السودان. حكايات معلمي جعلتني أحب قراءة تاريخ بلادي كعاشق يقارب حسنائه، أهتز نشوة حين قراءة لحظات الظفر، وأتمزق أسى في أحقاب الانكسار )
    5 – الاستفادة من حرب أكتوبر 1973م في حرب العام2060م.
    في حرب أكتوبر 1973م تم إمداد العدو بأحدث الأسلحة، ورغم ذلك نجح الجيش المصري في قهره والانتصار عليه، بالعنصر البشري المدرب تدريبا قتاليا جيدا، وبإيمانه العميق بالدفاع عن وطنه، ورغم أننا نعيش في 2060م لم يأمن قادتنا للعدو، فهذا العدو :
    ( لن يتردد لحظة واحدة في خرق الاتفاقية الأممية لحظر الأسلحة المستقلة ذاتية التحكم والموقعة من غالبية دول العالم سنة 2060، بعد مراوغات الدول الكبرى لسنوات طويلة، ووضع العراقيل أمامها، بسبب سباق التسلح المتفوق للقوي الثلاث العظمي عالميا )
    لذلك أصر القائد المصري الفطن على حضور المكون القتالي البشري في رحلة تحرير البحيرة ، كما حدث في أكتوبر العظيم، وبعد أن أصاب العدو أسلحتنا بالعمى في العام 2060م، عرف الجنود الذين كانوا يعتقدون بأنها من مخلفات الماضي أهميتها :
    (. لم يعد بحوزتنا صالحا لمدافعة العدو سوى أسلحة الليزر ذاتية التشغيل بالطاقة الشمسية المختزنة داخلها، وأسلحة الرصاص المرن، التى تتشكل طبقا لجزء الجسد الذي تصيبه، وأيضا تلك الأسلحة العتيقة من بنادق آلية وقاذفات لهب، وصواريخ محمولة، ومدافع ثنائية سريعة الطلقات ).
    ( عرفنا أهميتها الآن في مدافعة برية محمومة حول البحيرة، حتى تصلنا النجدة الرقمية. كانت بالفعل فكرة إبداعية موفقة فطنت لها النخبة الهندسية، بتفعيل نظم تعدد المهام بالاستعمال المزدوج للأسلحة الذكية والتقليدية معا، فمصاب العالم من عطب الإنترنت الذي استمر أياما منذ سنوات قليلة، وسبب كوارث هائلة، جعل العودة إلى وسائل عتيقة ضرورة ملحة، وأعاد للعنصر البشري بعض مهابته المفقودة في شتى الأعمال. )
    6 – البداية والنهاية :
    اتسمت القصة من البداية بالبداية القوية :
    (تململت في حفرتي البرميلية، بدأ شعاع عيني المجهد يمسح أرجاء الظلال من حولي، أحاول بدأب أن أجد خيط إحساس يصلني بزميلي القابع في أكفان الرمال في حفرة مجاورة. )
    ( كيف نظل هكذا أيامًا طويلة مهلكة، دون عون تقني، أو بصيرة إلكترونية هادية، ... )
    تأتي هذه البداية القوية من الكاتب في صور بصرية وحركية، وتصوير دقيق لحال الجندي، وللمكان، ولأزمته الحقيقية، فأسلحته الذكية أصابها العدو بالعمى، والبداية تثير اهتمام القارئ، وتشغل تفكيره، وتحرك خياله، وولج إلى الموضوع مباشرة، وجاءت النهاية هي الأخرى بقوة البداية إن لم تفقها، وهي في جوهرها دعوة إلى السلام، حتى لو عمد الكاتب إلى تركها مفتوحة
    فالمصري يده ممدوده دائما بالسلام، ولكن هل يعرف العدو معنى السلام؟ وهل النظام العالمي الجديد الذي تكون عام 2060م من ثلاث قوى عظمى
    يعرف السلام :
    (. خبأت رأسي المثقلة ببخار اليأس مخلوطا بالرجاء ورائحة الجثث .. لمعان يختال فوق تخوم خواطري: هل لم ترتوي البشرية بعد من كؤوس الدماء التي تحتسيها فوق موائد السنون والأحقاب؟!
    قلبت حروف مفردة "السلام" بين أصابع روحي، تطايرت صفائح الأحزان الرابضة في أركان نفسي، تستريح أنفاسي.
    بدأ الصوت مشرعا يتدفق في دفء قريب، إنه صوت معلمي: أولادي إن الله هو السلام ومنه السلام وإليه السلام. ).
    وبعد :
    الشكر الجزيل للكاتب خالد جودة أحمد على هذه القصة البديعة والماتعة والمائزة، والتي تضيف إلى أدب الخيال العلمي وتثريه، والشكر موصول إلى الكاتب صلاح هلال الحنفي التي أفرزت وقدمت مسابقته في القصة القصيرة أقلاما جادة وموهوبة، قادرة في غضون سنوات قليلة قادمة على الوصول بالفن القصصي إلى آفاق العالمية، وسنواصل القراءة في القصص الفائزة والتي جاءت من أقطار عربية شتى.
يعمل...