عزلة الكاتب الافتراضية . قراءة فى رواية ليلة فى حياة كاتب لمجدى محمود جعفر
العربى عبدالوهاب
ربما يتعانق الزمان مع المكان لينصهرا فى بوتقة واحدة، ويستخرجهما مؤلف تلك الرواية المكثفة والدالة على معاناة كاتب آخر فى ليلته الأخيرة، يدخل هنا (مجدي جعفر) فى تجربة سردية جديدة، يناقش فيها حياة ومصير كاتب اخترع عزلته الافتراضية بنفسه، ونأى بحياته عن الأضواء، بعدما قدم درسا عبقريا فى الوطنية.
إنسان عصفت به الظروف السياسية فى حقبة السبعينيات عندما قام بالتطبيع الاقتصادى مع إسرائيل، فتحققت الكارثة "هل قلت لك لماذا كرهت السادات؟
كنت ضابطا فى الجيش الذى أقامه عبدالناصر بعد النكسة (ضابط احتياط)
دخلت بيته يا ولدى فى قريته بميت أبوالكوم بالمنوفية، وجلست معه حول طاولة الطعام، أكلت معه الدجاج بالطريقة البلدية، وطالبنى كونى واحدا من المثقفين الوطنيين، بضرورة التطبيع الاقتصادي مع إسرائيل.
كان كل شئ جاهزاً ومعدا سلفاً، ما كان علىَّ إلا التوقيع"ص53
ربما يتبادر السؤال لدى القارئ حول أنه كان ألعوبة النظام؟.
ألعوبة صنعها النظام للتدليل على تفعيله للتطبيع الاقتصادى، إثر انعقاد اتفاقية السلام أو كان كومبارسا فى مسرحية هزلية؟.
كيف وهو الكاتب المثقف عاشق الحرية أن يسقط فى الفخ .."عاش حياة الملوك، وعاش حياة الصعاليك، عاش سنوات فى الأضواء، وسنوات أكثر فى الظل، عرفته قارئا نهما شرها، عقلية موسوعية جبارة، ملما إلماما عميقا بالعلوم والفنون والآداب، وقد استحق عن جدارة منا لقب الأستاذ "ص20
إذن من الصعوبة بمكان أن يسقط إنسان بهذه العقلية فى الفخ، ذلك الفخ الذى تم إعداده بإحكام من جانب قيادته السياسية التى أعدت كل شئ فى الخفاء وطالبته فقط بالتوقيع كمثقف ووطنى، لكنه لن يوافق على الامتثال لدور (خيال مقاته) ، هذا الدور لا يتناسب مع مثقف موسوعي، يتسم بالوطنية مثله، ولذلك لما اكتشف أن الطرف الثانى الذى قام بالتطبيع معه، يخطط ويسعى لتدمير أبناء شعبه.
ماذا فعل.. أقدم على حركة عنترية، يمكن وصفها بالعبقرية أيضا.
(أعلن إفلاسه).
خسر الطرف الثانى أمواله، فضل أن يُحاكم ويدخل السجن، ويمثل دور العبيط فى ذلك العرض المسرحي الهزلى أمام كل العالم، وأمام محكمة بلاده، حتى أنه صار مستهدفا من جانب إسرائيل وطالبت بمحاكمته فى تل أبيب.. ووضعته على أول القوائم السوداء، وبالرغم من كل هذا فضل أن يعلن إفلاسه ويُفشل المشروع من أجل المحافظة على صحة وحياة أبناء شعبه من (الكتاكيت والأعلاف المسرطنة)
• الزمن الروائى
منذ عتبة العنوان، والرواية تركز على الزمن (ليلة فى حياة كاتب ) (1) وتعمل على تكثيفه فى الليلة الأخيرة فى حياة هذا الكاتب، إلا أن الزمن الداخلى، كما عبر عنه (محمود أمين العالم) بخصوص زمن الرواية الداخلي، فى قوله "إنما المقصود زمنها الباطنى المحايث المتخيل الخاص، أى بنيتها الزمنية التى تتحدد بإيقاع ومساحة حركتها والاتجاهات المختلفة أو المتداخلة لهذه الحركة، ما تتشكل بملامح أحداثها وطبيعة شخصياتها ومنطق العلاقات والقيم داخلها، ونسيج سردها اللغوى، ثم أخيرا بدلالتها النابعة من تشابك وتضافر ووحدة هذه العناصر جميعا" (2)
عندما يفقد الكاتب قناعاته بقيم مجتمعه، يستنهض من داخله عالمه الفنى المبنى على قناعاته الخاصة، ويكتب ويسجل، مشاريعه الإبداعية، وبطل الرواية المذكور هنا بصفته (الأستاذ) عاش حياة متخمة بالأحداث الجسام، وطفا على السطح الاجتماعى وصال وجال، نلاحظ أن عالمه الداخلى محتشد، وزاخر بالمواقف والأحداث الكبيرة، يمور بالحركة ويتجادل مع معظم التيارات، ويعيش أيضا هزائمه الخاصة فى عزلته أو سجنه الافتراضى الذى ارتضاه لنفسه.
هل كان يعاقب الأستاذ / الكاتب نفسه؟ ، بعدما خانه الجميع، وأولهم زوجته الأولى، أم ولده الوحيد، ولده الذى لم يُجب نداء واحداً من نداءات والده، ولم يحضر جنازته، أو يقوم يزيارة قبره.
ورغم غياب الابن وابتعاده عن والده، إلا أننا نشعر بحضوره فى غالبية صفحات الراوية، فى نداءات الكاتب/ الأستاذ ودعمه لولده فى الانتخابات، وفى ذكرياته الأولى قبل أن يغيب فى السجن وتنفصل عنه زوجته.
الضياع هنا بمثابة ضياع مشروع وطنى كبير، مجتمع انفتح على كل شئ، فصار لا يفرق بين العدو والصديق، ولا بين اللص الوصولى وبين رجل الاقتصاد الوطنى، غامت الصور، وانخرط المجتمع فى رقصة مجنونة، لم يزل طنين ضجيجها مسموعا حتى الآن.
منذ أشار رئيس التحرير على الراوى (ماجد النهري) بعمل تحقيق صحفى مع الأستاذ صاحب عمره/ الكاتب، ذكر له أنه شيوعي، ولكن فى اللقاء الأول للراوى بالبطل، وجده يصلى بخشوع، هذه المفارقة الواضحة فى الصفحات الأولى تكشف للقارئ وللراوى أنه أمام شخصية غير عادية، شخصية تم الافتراء عليها، شخصية مقروءة بشكل مغلوط حتى من أقرب الأصدقاء.
لعب الزمن الخارجى على (الأستاذ) لعبته القذرة حين وضعه فى البداية داخل سجن صغير هو المدرسة، وكان عليه أن يقوم بتدريس التاريخ للأولاد داخل تلك الجدران الضيقة، فقرر، القفز من فوق السور، حيث البراح فى الخارج، وحتى لا يسجن أفكاره ووعيه، ووعى طلابه بداخل أطر محدودة للغاية، لمن يسجلون تاريخا مغلوطا وزائفا.. الرفض هنا يتضافر، وينسجم تماما مع رفضه لبيع الكتاكيت والأعلاف المسرطنة، هو داخل السجن أصبح بطلا قوميا وخارجه أصبح خائنا، ومطبعاً مع العدو، بل استكمل ذلك الفصل المرير من حياته أمام المحكمة بادعائه أنه (العبيط).
" ـ أنت أخذت الفلوس من إسرائيل؟
ـ هكذب يا بيه؟ الكذب خيبة! أيوه أخذت الفلوس، أنا أخذت الفلوس .. وهم أخذوا الأرض، سيناء، الضفة، الجولان، جنوب لبنان، فلسطين خدوها يا بيه .. يرجعوا الأرض وأنا أرجع لهم الفلوس، غلطان أنا يا بيه؟!" ص55
ورغم أن الزمن السردي ليلة واحدة، إلا أن الزمن الروائى يمتد منذ تفتح وعى الكاتب الذى أوقعته شقاوته فى محاولة اخفاء كوز الذرة لبيعه تحقيقا لشقاوة ونزق الأولاد، فما ناله من عقاب، من جانب أخيه/ العمدة، كان عنيفا ورادعا، شخصية بتلك المواصفات ، لا يمكن أن تسرق صحة وعافية أبناء الوطن، يفضل إفشال مشروعه الاقتصادى عن تدمير البنية الصحية للوطن.
• تضارب الأبعاد السياسية بالاقتصادية وبالاجتماعية
يفترض سلفا أن تجتمع الرؤى والأهداف السياسية لأى مجتمع من أجل غاية أساسية، هى تدعيم القيم الاجتماعية السليمة والراسخة للمجتمع، والارتقاء بها، لو أمكن، كما تدعم الخطط الاقتصادية الاتجاهين السابقين، حتى ينهض المجتمع، ولا يتعرض لأى كبوة.
بينما نلاحظ أن الفترة الساداتية، بانفتاحها فى العلاقات والاتفاقيات عملت على تفعيل بنود المعاهدة، دونما محاسبة، أو رعاية لمصالح المواطنين "ولكنه بعد أن تأكد وتيقن بأن إسرائيل تريد من خلال الكتاكيت والأعلاف المسرطنة أن تدمر صحة المصريين، استيقظ فى داخله الفلاح الناصري، الكاتب الفنان، المسلم. وكان أول من ضحك على إسرائيل وكبَّدها خسارة فادحة تقدر بمئات الملايين"ص54
منظومة العلاقة مع الآخر العدو الخارجى تجلت فى أكثر من موضع لتوضح سلامة موقف بطل الرواية، من قبوله بالتطبيع مع العدو الإسرائيلى، وبدلا من اعتباره بطلا على المستوى الاجتماعى، تم ايداعه السجن، ربما يكون هذا التصرف من جانب السلطة السياسية حماية له من وصول يد العدو اليه والغدر به، ولكننا أيضا لا يفوتنا ما صنعته بنا الرواية من خلق مفارقة مريرة بين الاحتفاء به فى عالم السجن، وبين نبذ المجتمع له أمام الجميع.. وهو صنيعة القرارات العليا، والاتفاقيات الدولية.
هل لأنه خرج عن المسار؟.
أم خرج برضا وموافقة المسئولين وتم الموافقة الضمنية على إخراج هذه المسرحية الهزلية للمجتمع الدولى والمجتمع المصرى، وبطل الرواية أبدع فى أداء دوره،
لكن حدث ما لا يُحمد عقباه، إذ تحول عنه الأصدقاء، والزوجة والولد، الجميع لم يتفهم قضيته، بدءاً من زميل أيام العز، الكاتب الكبير الذى تناول الراوية من الراوى بوعد نشرها، لكنه لم يف أو لم يتمكن من ذلك .. أو ربما لأن مساحة الحرية التى كانت متاحة فى (الفترة المباركية) لم تكن كافية لخروج هذه الرواية إلى النور، لأنها بالقطع كانت ستفضح مسئولين وأصحاب نفوذ كبار.
• النادى الرياضي الوطني
تنهض الرواية على حدثين غير متلازمين، أحدهما يسبق الآخر ويؤثر عليه.
تجربة الانتخابات العامة وانتخابات نادى الكورة الوطنى.
فى الانتخابات العامة، خلال حقبة السبعينات، كانت الانتخابات يتم توجيهها بشكل أو بآخر، وقد تصل الأمور إلى فرض حظر التجول على قرى بعينها ترجح كفتها الانتخابية مرشح لا ترضى به السلطة، مثلا، تلك اليد القابضة على سير العمليات الانتخابية، كانت تتم بالاتفاق مع العمدة، وعندما ينفلت منه الزمام يبلغ السلطات، لتتخذ بنفسها احتياطها، خشية نجاح مرشح ينتمى لعضو سابق، صار غير مرغوب فيه، أو ينتمى للتيارات الدينية المنبوذة وخلافه.
ويورد الكاتب فى الرواية أكثر من مثال على قدرة الأنظمة على التحكم فى سير العمليات ونجاح التابع، فى مقابل رسوب صاحب الشعبية، بسبب الشغب ـ المفتعل ـ الذى نشب فى دائرته.
و يتبادر السؤال هنا لماذا يعرج ويطوّف بنا على سلبيات مرحلة تاريخية ما؟
فى الغالب كى يقيم جدلا فنيا ودراميا داخل الرواية بين تلك الانتخابات السياسية وبين نظريتها الرياضية بداخل النادى الوطنى الكبير، الذى يقرر فيه أعضاءه مصير ناديهم بأنفسهم ولا يتمكن أحد من تحييدهم، أو السيطرة على توجهاتهم، .." انتخابات الدولة انتخابات سياسية لها تسمية أخرى عند الأكثر جرأة منى ...
أما هذه، ففيها أصحاب النادى، الجمعية العمومية، رسم اشتراك العضو فيها (60) ألفا من الجنيهات.
الحرية تبحث لنفسها دائما عن مكان تبزغ منه، هل تبزغ من النادى الكبير؟"ص66
اعتماد الكاتب هنا على تيمة أخرى تشغل غالبية أبناء الشعب الواحد، وتحمل فى جنباتها حالة من الوضوح السافر، عكس الآعيب السياسة الغامضة، ومن ثم فاتخاذ الكاتب من النادي الرياضى الوطنى للكتابة عنه بموجب أن (نجل الأستاذ) كان مرشحا لعضوية مجلس الإدارة فيه، وفى تلك الليلة التى يجب أن تظهر فيها نتيجة الانتخابات، وهى نفسها الليلة الأخيرة فى حياة الكاتب، يظل منتظرا الخبر، مطالعا بوسترات وصور الدعاية لنجله، دون الحصول على إجابة.
النادى الرياضى الوطنى هو التيمة النقية التى يفترض فيها تحقق الحرية، والأمل المنتظر فى نجاح الابن، ولهفة الأب على النتيجة، تؤكد رغبته العميقة الصادقة فى الحصول على الحرية، وتحققها فى انتخابات ذلك النادى، فالنادى يُعد فى الرواية النموذج المصغر للوطن لذلك نطالع الكاتب وهو يوصى ابنه الحاضر الغائب دائما، تماما كما تنتهى الرواية دون تعريف القارئ هل تحققت الحرية فى انتخابات النادى الكبير، أم لا .. لا يأتى الولد، ولا يجيب على اتصالات الراوى/ ماجد النهرى، الذى يتسلم مهام الانتظار، بعد أستاذه، كأنهما فى انتظار (جودو) بطل صمويل بيكيت فى مسرحيته الشهيرة.
• مناقشة التيارات الدينية وتحليل خطابها التعبوى.
نتيجة للزخم الشديد، فى حياة (الأستاذ) يعرج بنا الكاتب على محاورات البطل مع (حماه)، وحماه أحد المؤسسين الأوائل للتيارات الدينية، ولذلك فالمدة التى قضاها فى السجن أكثر من التى قضاها خارجه، يدعو للبطل دائما بالهداية، والأستاذ يدعو ابنه للحذر .." واحذر من تسلل الذين يتخذون الدين شعارا، احذر أن يكونوا خطابهم الديني والأيديولوجي فى غفلة منكم، وتكتشفوا فى الوقت بدل الضائع ـ بلغة معلقي الماتشات ـ أنكم وهم مثل شخصيات (بيكيت) أو (يونسكو)" ص66
ويقول فى الصفحة التالية .. " رئيس النادي الوطنى فى السنوات المقبلة سيكون بسبب شعبيته الجارفة خطرا على السلطة السياسية" ص67
إن هذا البناء الفنى المتجسد فى النادى الرياضى، وممارسة اللعبة، وذكره للكورنر، والتسلل، وخلافه، ثم الصعود بالحوارات إلى قمة الهرم كما يقولون، وإعلان الأمر بوضوح سافر، بأنه لا محالة سوف تتدخل السلطة السياسية فى النادى الرياضى الكبير خشية على نفسها من شعبية رئيس النادى المحبوب.
المنحنيات التى يتوقف أمامها السرد فى جنبات الملعب والنادي، كافية للتدليل على اتخاذ هذه التيمة كمعادل موضوعى/ رمزى ودال على المجتمع، وعلى ممارسة الحرية، والنجاح فى الانتخابات بمحض حرية ورغبة الأعضاء.
هذه التيمة الرمزية فى الرواية تتزاوج مع تيمة أخرى تبين فى الثلث الأخير من الرواية.
• تيمة حكايات الأطفال وأبعادها الدلالية.
لعله بات واضحا لدى القارئ سر أزمة البطل (الأستاذ) هى البحث عن الحرية، والكتابة عنها وعدم قدرته على استكمال مشاريعه يتوافق تماما مع مسيرة حياته، حيث يستكمل سجن نفسه بنفسه، بعد خروجه من السجن، يفرض على نفسه العزلة ويعيش رفقة ابن أخت له، يمارس حياته ببساطة فلاح بسيط، وآلمته جراح روحه، فقرر أن يحولها إلى حكايات يكتبها ويحكيها لأطفال العزبة التى يعتبرهم أحفاده ولا ينادوه إلا بـ (الجد)
ماذا حكى لهم الجد؟
حكى لهم بشكل بسيط ورمزى كيف تم التغرير بأسد الغابة الحكيم العادل، بدءاً من خيانة زوجته اللبؤة التى لافت على الحمار، وتزوجت منه ثم أكلته فى النهاية، وتقرب الفأر من الأسد طالبا مساعدته، ثم تصديقه لأفلام والت ديزني، وتصور أنه تمكن من الوصول لمكانة الأسد، ثم حيلة القرد للايقاع بالأسد فى الفخ.
الأسد الحكيم العادل لما سقط فى فخ الخديعة، وتجرأ عليه الفأر والكلب هجر مملكته وأسلم قيادتها لابن أخته، فضل أن يعيش بداخل عزلته الافتراضية وحيدا، يناجى فى الليل ولدا بعيدا، حالت ظروف حياته أن يقوم بتربيته، حرمته زوجته اللبؤة من ولده، كما حرمته الأنظمة من حريته.. فعاش البقية المتبقية من أيام حياته يحكى للأولاد فى العزبة حكاياته الرمزية على ألسنة الحيوانات والطيور حكايات قريبة من (كليلة ودمنة) تتماس مع التراث وتستنهضه، يعيش تواريخ سابقة متخمة بعصير الذكريات ولا يتحقق له اللقاء بولده، وبمعرفة نتيجة الانتخابات،
لكنه يترك للقارئ طرفا من حياة انسان مثقف ووطنى طفا على سطح المجتمع، بنى وشيَّد، وهو نفسه من هدم ، وأعلن إفلاسه .. ربما يكون سقوطه كفرد واحد، هو بمثابة نجاح ووقاية لأبناء وطنه من الأمراض .
ليلة فى حياة كاتب رواية ممتعة تتقاطع فيها الأزمنة الداخلية مع الزمن الخارجى فى حقبة تاريخية كانت مشحونة بالأحداث الجسام، خروجا من واقع الهزيمة للنصر، ثم وصولا للسلام والانفتاح والتطبيع.
رواية تتعرض بجسارة لموضوع التطبيع، وتأخذ طرفا من حياة إنسان ظلمه المجتمع وحكم عليه بالسجن، بينما انتصر هو حين فضل الحياة الكريمة للوطن، ورضي بدوره المرسوم له سلفا، ولم يسع للحصول على قيمة التأمين على مصنعه، حتى يحرم الفسدة والطامعين من التمتع بأمواله، خانه الجميع ولم يخن نفسه.
رواية ليلة فى حياة كاتب إضافة جديدة للمكتبة العربية ولمشروع الكاتب (مجدي محمود جعفر ) السردي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
• هوامش
1 ـ مجدي محمود جعفر ـ رواية ليلة فى حياة كاتب ـ دار أوراق للنشر والتوزيع ـ 2022
2 ـ محمود أمين العالم ـ أربعون عاما من النقد التطبيقى ـ دار المستقبل العربى ـ 1994م
العربى عبدالوهاب
ربما يتعانق الزمان مع المكان لينصهرا فى بوتقة واحدة، ويستخرجهما مؤلف تلك الرواية المكثفة والدالة على معاناة كاتب آخر فى ليلته الأخيرة، يدخل هنا (مجدي جعفر) فى تجربة سردية جديدة، يناقش فيها حياة ومصير كاتب اخترع عزلته الافتراضية بنفسه، ونأى بحياته عن الأضواء، بعدما قدم درسا عبقريا فى الوطنية.
إنسان عصفت به الظروف السياسية فى حقبة السبعينيات عندما قام بالتطبيع الاقتصادى مع إسرائيل، فتحققت الكارثة "هل قلت لك لماذا كرهت السادات؟
كنت ضابطا فى الجيش الذى أقامه عبدالناصر بعد النكسة (ضابط احتياط)
دخلت بيته يا ولدى فى قريته بميت أبوالكوم بالمنوفية، وجلست معه حول طاولة الطعام، أكلت معه الدجاج بالطريقة البلدية، وطالبنى كونى واحدا من المثقفين الوطنيين، بضرورة التطبيع الاقتصادي مع إسرائيل.
كان كل شئ جاهزاً ومعدا سلفاً، ما كان علىَّ إلا التوقيع"ص53
ربما يتبادر السؤال لدى القارئ حول أنه كان ألعوبة النظام؟.
ألعوبة صنعها النظام للتدليل على تفعيله للتطبيع الاقتصادى، إثر انعقاد اتفاقية السلام أو كان كومبارسا فى مسرحية هزلية؟.
كيف وهو الكاتب المثقف عاشق الحرية أن يسقط فى الفخ .."عاش حياة الملوك، وعاش حياة الصعاليك، عاش سنوات فى الأضواء، وسنوات أكثر فى الظل، عرفته قارئا نهما شرها، عقلية موسوعية جبارة، ملما إلماما عميقا بالعلوم والفنون والآداب، وقد استحق عن جدارة منا لقب الأستاذ "ص20
إذن من الصعوبة بمكان أن يسقط إنسان بهذه العقلية فى الفخ، ذلك الفخ الذى تم إعداده بإحكام من جانب قيادته السياسية التى أعدت كل شئ فى الخفاء وطالبته فقط بالتوقيع كمثقف ووطنى، لكنه لن يوافق على الامتثال لدور (خيال مقاته) ، هذا الدور لا يتناسب مع مثقف موسوعي، يتسم بالوطنية مثله، ولذلك لما اكتشف أن الطرف الثانى الذى قام بالتطبيع معه، يخطط ويسعى لتدمير أبناء شعبه.
ماذا فعل.. أقدم على حركة عنترية، يمكن وصفها بالعبقرية أيضا.
(أعلن إفلاسه).
خسر الطرف الثانى أمواله، فضل أن يُحاكم ويدخل السجن، ويمثل دور العبيط فى ذلك العرض المسرحي الهزلى أمام كل العالم، وأمام محكمة بلاده، حتى أنه صار مستهدفا من جانب إسرائيل وطالبت بمحاكمته فى تل أبيب.. ووضعته على أول القوائم السوداء، وبالرغم من كل هذا فضل أن يعلن إفلاسه ويُفشل المشروع من أجل المحافظة على صحة وحياة أبناء شعبه من (الكتاكيت والأعلاف المسرطنة)
• الزمن الروائى
منذ عتبة العنوان، والرواية تركز على الزمن (ليلة فى حياة كاتب ) (1) وتعمل على تكثيفه فى الليلة الأخيرة فى حياة هذا الكاتب، إلا أن الزمن الداخلى، كما عبر عنه (محمود أمين العالم) بخصوص زمن الرواية الداخلي، فى قوله "إنما المقصود زمنها الباطنى المحايث المتخيل الخاص، أى بنيتها الزمنية التى تتحدد بإيقاع ومساحة حركتها والاتجاهات المختلفة أو المتداخلة لهذه الحركة، ما تتشكل بملامح أحداثها وطبيعة شخصياتها ومنطق العلاقات والقيم داخلها، ونسيج سردها اللغوى، ثم أخيرا بدلالتها النابعة من تشابك وتضافر ووحدة هذه العناصر جميعا" (2)
عندما يفقد الكاتب قناعاته بقيم مجتمعه، يستنهض من داخله عالمه الفنى المبنى على قناعاته الخاصة، ويكتب ويسجل، مشاريعه الإبداعية، وبطل الرواية المذكور هنا بصفته (الأستاذ) عاش حياة متخمة بالأحداث الجسام، وطفا على السطح الاجتماعى وصال وجال، نلاحظ أن عالمه الداخلى محتشد، وزاخر بالمواقف والأحداث الكبيرة، يمور بالحركة ويتجادل مع معظم التيارات، ويعيش أيضا هزائمه الخاصة فى عزلته أو سجنه الافتراضى الذى ارتضاه لنفسه.
هل كان يعاقب الأستاذ / الكاتب نفسه؟ ، بعدما خانه الجميع، وأولهم زوجته الأولى، أم ولده الوحيد، ولده الذى لم يُجب نداء واحداً من نداءات والده، ولم يحضر جنازته، أو يقوم يزيارة قبره.
ورغم غياب الابن وابتعاده عن والده، إلا أننا نشعر بحضوره فى غالبية صفحات الراوية، فى نداءات الكاتب/ الأستاذ ودعمه لولده فى الانتخابات، وفى ذكرياته الأولى قبل أن يغيب فى السجن وتنفصل عنه زوجته.
الضياع هنا بمثابة ضياع مشروع وطنى كبير، مجتمع انفتح على كل شئ، فصار لا يفرق بين العدو والصديق، ولا بين اللص الوصولى وبين رجل الاقتصاد الوطنى، غامت الصور، وانخرط المجتمع فى رقصة مجنونة، لم يزل طنين ضجيجها مسموعا حتى الآن.
منذ أشار رئيس التحرير على الراوى (ماجد النهري) بعمل تحقيق صحفى مع الأستاذ صاحب عمره/ الكاتب، ذكر له أنه شيوعي، ولكن فى اللقاء الأول للراوى بالبطل، وجده يصلى بخشوع، هذه المفارقة الواضحة فى الصفحات الأولى تكشف للقارئ وللراوى أنه أمام شخصية غير عادية، شخصية تم الافتراء عليها، شخصية مقروءة بشكل مغلوط حتى من أقرب الأصدقاء.
لعب الزمن الخارجى على (الأستاذ) لعبته القذرة حين وضعه فى البداية داخل سجن صغير هو المدرسة، وكان عليه أن يقوم بتدريس التاريخ للأولاد داخل تلك الجدران الضيقة، فقرر، القفز من فوق السور، حيث البراح فى الخارج، وحتى لا يسجن أفكاره ووعيه، ووعى طلابه بداخل أطر محدودة للغاية، لمن يسجلون تاريخا مغلوطا وزائفا.. الرفض هنا يتضافر، وينسجم تماما مع رفضه لبيع الكتاكيت والأعلاف المسرطنة، هو داخل السجن أصبح بطلا قوميا وخارجه أصبح خائنا، ومطبعاً مع العدو، بل استكمل ذلك الفصل المرير من حياته أمام المحكمة بادعائه أنه (العبيط).
" ـ أنت أخذت الفلوس من إسرائيل؟
ـ هكذب يا بيه؟ الكذب خيبة! أيوه أخذت الفلوس، أنا أخذت الفلوس .. وهم أخذوا الأرض، سيناء، الضفة، الجولان، جنوب لبنان، فلسطين خدوها يا بيه .. يرجعوا الأرض وأنا أرجع لهم الفلوس، غلطان أنا يا بيه؟!" ص55
ورغم أن الزمن السردي ليلة واحدة، إلا أن الزمن الروائى يمتد منذ تفتح وعى الكاتب الذى أوقعته شقاوته فى محاولة اخفاء كوز الذرة لبيعه تحقيقا لشقاوة ونزق الأولاد، فما ناله من عقاب، من جانب أخيه/ العمدة، كان عنيفا ورادعا، شخصية بتلك المواصفات ، لا يمكن أن تسرق صحة وعافية أبناء الوطن، يفضل إفشال مشروعه الاقتصادى عن تدمير البنية الصحية للوطن.
• تضارب الأبعاد السياسية بالاقتصادية وبالاجتماعية
يفترض سلفا أن تجتمع الرؤى والأهداف السياسية لأى مجتمع من أجل غاية أساسية، هى تدعيم القيم الاجتماعية السليمة والراسخة للمجتمع، والارتقاء بها، لو أمكن، كما تدعم الخطط الاقتصادية الاتجاهين السابقين، حتى ينهض المجتمع، ولا يتعرض لأى كبوة.
بينما نلاحظ أن الفترة الساداتية، بانفتاحها فى العلاقات والاتفاقيات عملت على تفعيل بنود المعاهدة، دونما محاسبة، أو رعاية لمصالح المواطنين "ولكنه بعد أن تأكد وتيقن بأن إسرائيل تريد من خلال الكتاكيت والأعلاف المسرطنة أن تدمر صحة المصريين، استيقظ فى داخله الفلاح الناصري، الكاتب الفنان، المسلم. وكان أول من ضحك على إسرائيل وكبَّدها خسارة فادحة تقدر بمئات الملايين"ص54
منظومة العلاقة مع الآخر العدو الخارجى تجلت فى أكثر من موضع لتوضح سلامة موقف بطل الرواية، من قبوله بالتطبيع مع العدو الإسرائيلى، وبدلا من اعتباره بطلا على المستوى الاجتماعى، تم ايداعه السجن، ربما يكون هذا التصرف من جانب السلطة السياسية حماية له من وصول يد العدو اليه والغدر به، ولكننا أيضا لا يفوتنا ما صنعته بنا الرواية من خلق مفارقة مريرة بين الاحتفاء به فى عالم السجن، وبين نبذ المجتمع له أمام الجميع.. وهو صنيعة القرارات العليا، والاتفاقيات الدولية.
هل لأنه خرج عن المسار؟.
أم خرج برضا وموافقة المسئولين وتم الموافقة الضمنية على إخراج هذه المسرحية الهزلية للمجتمع الدولى والمجتمع المصرى، وبطل الرواية أبدع فى أداء دوره،
لكن حدث ما لا يُحمد عقباه، إذ تحول عنه الأصدقاء، والزوجة والولد، الجميع لم يتفهم قضيته، بدءاً من زميل أيام العز، الكاتب الكبير الذى تناول الراوية من الراوى بوعد نشرها، لكنه لم يف أو لم يتمكن من ذلك .. أو ربما لأن مساحة الحرية التى كانت متاحة فى (الفترة المباركية) لم تكن كافية لخروج هذه الرواية إلى النور، لأنها بالقطع كانت ستفضح مسئولين وأصحاب نفوذ كبار.
• النادى الرياضي الوطني
تنهض الرواية على حدثين غير متلازمين، أحدهما يسبق الآخر ويؤثر عليه.
تجربة الانتخابات العامة وانتخابات نادى الكورة الوطنى.
فى الانتخابات العامة، خلال حقبة السبعينات، كانت الانتخابات يتم توجيهها بشكل أو بآخر، وقد تصل الأمور إلى فرض حظر التجول على قرى بعينها ترجح كفتها الانتخابية مرشح لا ترضى به السلطة، مثلا، تلك اليد القابضة على سير العمليات الانتخابية، كانت تتم بالاتفاق مع العمدة، وعندما ينفلت منه الزمام يبلغ السلطات، لتتخذ بنفسها احتياطها، خشية نجاح مرشح ينتمى لعضو سابق، صار غير مرغوب فيه، أو ينتمى للتيارات الدينية المنبوذة وخلافه.
ويورد الكاتب فى الرواية أكثر من مثال على قدرة الأنظمة على التحكم فى سير العمليات ونجاح التابع، فى مقابل رسوب صاحب الشعبية، بسبب الشغب ـ المفتعل ـ الذى نشب فى دائرته.
و يتبادر السؤال هنا لماذا يعرج ويطوّف بنا على سلبيات مرحلة تاريخية ما؟
فى الغالب كى يقيم جدلا فنيا ودراميا داخل الرواية بين تلك الانتخابات السياسية وبين نظريتها الرياضية بداخل النادى الوطنى الكبير، الذى يقرر فيه أعضاءه مصير ناديهم بأنفسهم ولا يتمكن أحد من تحييدهم، أو السيطرة على توجهاتهم، .." انتخابات الدولة انتخابات سياسية لها تسمية أخرى عند الأكثر جرأة منى ...
أما هذه، ففيها أصحاب النادى، الجمعية العمومية، رسم اشتراك العضو فيها (60) ألفا من الجنيهات.
الحرية تبحث لنفسها دائما عن مكان تبزغ منه، هل تبزغ من النادى الكبير؟"ص66
اعتماد الكاتب هنا على تيمة أخرى تشغل غالبية أبناء الشعب الواحد، وتحمل فى جنباتها حالة من الوضوح السافر، عكس الآعيب السياسة الغامضة، ومن ثم فاتخاذ الكاتب من النادي الرياضى الوطنى للكتابة عنه بموجب أن (نجل الأستاذ) كان مرشحا لعضوية مجلس الإدارة فيه، وفى تلك الليلة التى يجب أن تظهر فيها نتيجة الانتخابات، وهى نفسها الليلة الأخيرة فى حياة الكاتب، يظل منتظرا الخبر، مطالعا بوسترات وصور الدعاية لنجله، دون الحصول على إجابة.
النادى الرياضى الوطنى هو التيمة النقية التى يفترض فيها تحقق الحرية، والأمل المنتظر فى نجاح الابن، ولهفة الأب على النتيجة، تؤكد رغبته العميقة الصادقة فى الحصول على الحرية، وتحققها فى انتخابات ذلك النادى، فالنادى يُعد فى الرواية النموذج المصغر للوطن لذلك نطالع الكاتب وهو يوصى ابنه الحاضر الغائب دائما، تماما كما تنتهى الرواية دون تعريف القارئ هل تحققت الحرية فى انتخابات النادى الكبير، أم لا .. لا يأتى الولد، ولا يجيب على اتصالات الراوى/ ماجد النهرى، الذى يتسلم مهام الانتظار، بعد أستاذه، كأنهما فى انتظار (جودو) بطل صمويل بيكيت فى مسرحيته الشهيرة.
• مناقشة التيارات الدينية وتحليل خطابها التعبوى.
نتيجة للزخم الشديد، فى حياة (الأستاذ) يعرج بنا الكاتب على محاورات البطل مع (حماه)، وحماه أحد المؤسسين الأوائل للتيارات الدينية، ولذلك فالمدة التى قضاها فى السجن أكثر من التى قضاها خارجه، يدعو للبطل دائما بالهداية، والأستاذ يدعو ابنه للحذر .." واحذر من تسلل الذين يتخذون الدين شعارا، احذر أن يكونوا خطابهم الديني والأيديولوجي فى غفلة منكم، وتكتشفوا فى الوقت بدل الضائع ـ بلغة معلقي الماتشات ـ أنكم وهم مثل شخصيات (بيكيت) أو (يونسكو)" ص66
ويقول فى الصفحة التالية .. " رئيس النادي الوطنى فى السنوات المقبلة سيكون بسبب شعبيته الجارفة خطرا على السلطة السياسية" ص67
إن هذا البناء الفنى المتجسد فى النادى الرياضى، وممارسة اللعبة، وذكره للكورنر، والتسلل، وخلافه، ثم الصعود بالحوارات إلى قمة الهرم كما يقولون، وإعلان الأمر بوضوح سافر، بأنه لا محالة سوف تتدخل السلطة السياسية فى النادى الرياضى الكبير خشية على نفسها من شعبية رئيس النادى المحبوب.
المنحنيات التى يتوقف أمامها السرد فى جنبات الملعب والنادي، كافية للتدليل على اتخاذ هذه التيمة كمعادل موضوعى/ رمزى ودال على المجتمع، وعلى ممارسة الحرية، والنجاح فى الانتخابات بمحض حرية ورغبة الأعضاء.
هذه التيمة الرمزية فى الرواية تتزاوج مع تيمة أخرى تبين فى الثلث الأخير من الرواية.
• تيمة حكايات الأطفال وأبعادها الدلالية.
لعله بات واضحا لدى القارئ سر أزمة البطل (الأستاذ) هى البحث عن الحرية، والكتابة عنها وعدم قدرته على استكمال مشاريعه يتوافق تماما مع مسيرة حياته، حيث يستكمل سجن نفسه بنفسه، بعد خروجه من السجن، يفرض على نفسه العزلة ويعيش رفقة ابن أخت له، يمارس حياته ببساطة فلاح بسيط، وآلمته جراح روحه، فقرر أن يحولها إلى حكايات يكتبها ويحكيها لأطفال العزبة التى يعتبرهم أحفاده ولا ينادوه إلا بـ (الجد)
ماذا حكى لهم الجد؟
حكى لهم بشكل بسيط ورمزى كيف تم التغرير بأسد الغابة الحكيم العادل، بدءاً من خيانة زوجته اللبؤة التى لافت على الحمار، وتزوجت منه ثم أكلته فى النهاية، وتقرب الفأر من الأسد طالبا مساعدته، ثم تصديقه لأفلام والت ديزني، وتصور أنه تمكن من الوصول لمكانة الأسد، ثم حيلة القرد للايقاع بالأسد فى الفخ.
الأسد الحكيم العادل لما سقط فى فخ الخديعة، وتجرأ عليه الفأر والكلب هجر مملكته وأسلم قيادتها لابن أخته، فضل أن يعيش بداخل عزلته الافتراضية وحيدا، يناجى فى الليل ولدا بعيدا، حالت ظروف حياته أن يقوم بتربيته، حرمته زوجته اللبؤة من ولده، كما حرمته الأنظمة من حريته.. فعاش البقية المتبقية من أيام حياته يحكى للأولاد فى العزبة حكاياته الرمزية على ألسنة الحيوانات والطيور حكايات قريبة من (كليلة ودمنة) تتماس مع التراث وتستنهضه، يعيش تواريخ سابقة متخمة بعصير الذكريات ولا يتحقق له اللقاء بولده، وبمعرفة نتيجة الانتخابات،
لكنه يترك للقارئ طرفا من حياة انسان مثقف ووطنى طفا على سطح المجتمع، بنى وشيَّد، وهو نفسه من هدم ، وأعلن إفلاسه .. ربما يكون سقوطه كفرد واحد، هو بمثابة نجاح ووقاية لأبناء وطنه من الأمراض .
ليلة فى حياة كاتب رواية ممتعة تتقاطع فيها الأزمنة الداخلية مع الزمن الخارجى فى حقبة تاريخية كانت مشحونة بالأحداث الجسام، خروجا من واقع الهزيمة للنصر، ثم وصولا للسلام والانفتاح والتطبيع.
رواية تتعرض بجسارة لموضوع التطبيع، وتأخذ طرفا من حياة إنسان ظلمه المجتمع وحكم عليه بالسجن، بينما انتصر هو حين فضل الحياة الكريمة للوطن، ورضي بدوره المرسوم له سلفا، ولم يسع للحصول على قيمة التأمين على مصنعه، حتى يحرم الفسدة والطامعين من التمتع بأمواله، خانه الجميع ولم يخن نفسه.
رواية ليلة فى حياة كاتب إضافة جديدة للمكتبة العربية ولمشروع الكاتب (مجدي محمود جعفر ) السردي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
• هوامش
1 ـ مجدي محمود جعفر ـ رواية ليلة فى حياة كاتب ـ دار أوراق للنشر والتوزيع ـ 2022
2 ـ محمود أمين العالم ـ أربعون عاما من النقد التطبيقى ـ دار المستقبل العربى ـ 1994م