فن الخط العربي في الصين
يوسف تشن جين هوي
خط يانغ جينغ من منطقة منغوليا الداخلية
خط أبو باك ما وي وي ويانغ تشن مين من بكين
خط تشن كون من مقاطعة قانسو
خط يانغ دونغ ون من بكين
قبل أكثر من ألف عام عندما دخل الإسلام الصين في عهد أسرة تانغ الإمبراطورية (618م – 907م) بدأ الصينيون يدينون به وينشرون العقيدة الإسلامية عن طريق تلاوة القرآن الكريم وتعلم الحديث النبوي. وفي الوقت نفسه أخذوا يتعلمون اللغة العربية قراءة وكتابة بطريقتهم الخاصة، وكان ذلك لثلاثة أسباب: الأول، كان المسلمون الصينيون الأوليون يحتاجون بإلحاح إلى نسخ آيات القرآن والأحاديث النبوية باللغة العربية لكي ينشروا الفكر الإسلامي على أوسع نطاق وفي أسرع وقت عن طريق تعلم أمهات الكتب الإسلامية التي ينسخونها بأنفسهم؛ والثاني، أنهم كانوا بحاجة إلى كتابة بعض العبارات الدينية بالعربية على واجهات المساجد والمطاعم وعلى أدواتهم المنزلية، وأيضا نقش عبارات التأبين على شواهد قبورهم إظهارا لعقيدتهم الدينية؛ والثالث، أن تعلم فن الخط وإجادته كان عادة شائعة بين المثقفين الصينيين في ذلك العهد الذي شهدت الصين فيه ازدهارا شاملا غير مسبوق، وكان الخط العربي يعجبهم، والمسلمون منهم خاصة، فصمموا على إجادته. وخلال التاريخ الطويل رسخ فن الخط العربي على أرض الصين، واندمج مع فنون الخط الصيني المحلي، وتحول إلى فن خط عربي صيني فريد، وأصبح جزءا من الحضارة الصينية العريقة.
وبفضل سياسة الإصلاح والانفتاح على الخارج تحقق الصين نموا سريعا، وتحقق في جميع المجالات تقدما جديدا، ومن بينها فن الخط العربي للمسلمين، فقد أقاموا معارض ومسابقات خاصة له، وفتحوا له رسميا دروسا متخصصة في المدارس والجامعات التي يوجد فيها التعليم الديني الإسلامي أو تخصص اللغة العربية، كما أخذ بعض العلماء والمتخصصين في الشؤون الدينية يولون اهتماما أكبر لدراسة نظرياته، وكل ذلك ساهم في ازدهار فن الخط العربي في الصين.
المعارض والمسابقات الهامة لفن الخط العربي في الصين
ابتداء من ثمانينيات القرن الماضي أقامت الدوائر الحكومية المعنية والجمعيات الإسلامية على مختلف المستويات وكذلك مشاهير الخطاطين والرسامين المسلمين سلسلة من المعارض والمسابقات حول فن الخط العربي من أجل تنشيط هذا الفن العريق ونشر الثقافة الإسلامية. ومن أهمها:
- "الدورة الأولى للمعرض الوطني لفن الخط العربي في المناطق الذاتية الحكم لقومية هوي المسلمة" التي أقيمت في مدينة تسانغتشو بمقاطعة خبي، إبريل عام 1985
- "معرض الأعمال الفنية للمسلمين في بكين"، نوفمبر عام 1989
- "مسابقات كأس هوانغخه (الكركي الأصفر) لخط لغة قومية هان (اللغة الصينية الرسمية) وخطوط لغات الأقليات القومية" التي أقيمت في مدينة ينتشوان عاصمة منطقة نينغشيا الذاتية الحكم لقومية هوي، ديسمبر عام 1990
- "الدورة الثانية للمعرض الثقافي للأقليات القومية الصينية" في بكين، أكتوبر عام 1992
- "المعرض الوطني لفن الخط العربي" في منطقة نينغشيا الذاتية الحكم لقومية هوي، سبتمبر عام 1994
- "المعرض الوطني الأول للفنون الدينية للرسم والخط"، في تيانجين، ديسمبر عام 1995
- "الدورة الثانية للمعرض الوطني للخط والرسم لقومية هوي" في منطقة نينغشيا الذاتية الحكم لقومية هوي، أكتوبر عام 1998
- "الدورة الأولى للمعرض الوطني لفن الخط العربي"، في مدينة لانتشو عاصمة مقاطعة قانسو، أكتوبر عام 2000
وقد أقيمت هذه المعارض والمسابقات بجهود حكومية أو جماعية أو فردية، وبعضها على المستوى الوطني، والآخر على المستوى المحلي، وبعضها جمع بين فنون الرسم والخط والنحت والتشكيل وغيرها، وبعضها الآخر لفن الخط العربي فقط. ولكنها جميعا عكست على درجات متفاوتة اتجاه تطور فن الخط العربي الذي يدفعه المسلمون الصينيون بعنايتهم وجهودهم، وما حققوه من منجزات في هذا الصدد. ومثلت الأعمال المعروضة فيها روح أصحابها في الاجتهاد والجرأة على الاكتشاف والسعي إلى التقدم، وكذلك نهجهم الحميد في احترام الحضارة الإسلامية العريقة، وبالتالي تركت انطباعا عميقا لمشاهديها حول جهود المسلمين الصينيين في إظهار ميزات فن الخط العربي ودمجها مع خصائص الحضارة الصينية الأصلية، وأيضا في عرض الثقافة الإسلامية والفضائل التقليدية للأمة الصينية. ويمكن القول إن هذه المعارض والمسابقات قدمت مساهمة إيجابية في التوفيق بين الإسلام والاشتراكية وتعزيز التضامن بين أبناء مختلف القوميات وبناء مجتمع متناغم في الصين.
فن الخط العربي في المنهج التعليمي الرسمي
على الرغم من انتشار فن الخط العربي بين المسلمين الصينيين منذ أكثر من ألف سنة، وظهور خطاطين كثيرين للغة العربية في كافة الأماكن في مراحل التاريخ المختلفة، ظل تعليم هذا الفن الرائع مقصورا على المساجد أو الدوائر التعليمية الأهلية، ولم يجد فرصة لدخول المدارس الرسمية لكي يتعلمه الطلاب المسلمون وفقا للمناهج التعليمية المقررة. كما أنه لم تكن هناك قواعد محددة أو نظرية مقنعة لهذا الخط فراح كل خطاط يكتب اللغة العربية كما يشاء، وكان من نتيجة ذلك أن بقي فن الخط العربي في الصين على مستوى منخفض دون اتجاه واضح للتطور.
من أجل دفع ازدهار الثقافة الإسلامية وتطوير فن الخط العربي في الصين قرر معهد العلوم الإسلامية الصيني – أعلى هيئة تعليمية إسلامية في شرق العالم – فتح مادة تعليمية خاصة للخط العربي وإدراجها في منهجه التعليمي الرسمي في عام 1990، وبذلك فتح صفحة جديدة في تاريخ التعليم الإسلامي الصيني.
بكل شرف وفخر كلفني المعهد بتولي مهمة تدريس الخط العربي لجميع الطلاب الجدد الذين التحقوا بالمعهد في العام الدراسي الجديد لسنة 1990، وهم طلاب الدورة التدريبية للأئمة والدارسون في الفصول على المستوى فوق المتوسط وعلى المستوى الجامعي. وقد بدأت عملي من الصفر، من تأليف المواد الدراسية والاهتداء إلى الطريق الصحيح في التعليم واستخلاص الخبرات المفيدة من التجارب التطبيقية. وبعد أكثر من عشر سنوات من الجهود مع زملائي في المعهد توصلنا إلى سلسلة متكاملة من الطرق التعليمية القائمة على المواد الدراسية المنتظمة والنظرية العلمية الخاصة لفن الخط العربي، وصار "فن الخط العربي" مادة مفضلة لطلاب المعهد. وفي الوقت نفسه قدمنا مساعدات وإرشادات إلى المعاهد الإسلامية المحلية في مقاطعات خنان وقانسو وخبي وغيرها لتفتح فيها دروس فن الخط العربي، وفضلا عن ذلك سافرت إلى مختلف الجامعات والمعاهد خارج بكين لألقي محاضرات حول فن الخط العربي هناك، وهكذا ارتقى انتشار فن الخط العربي وتعليمه إلى مرحلة جديدة من التطور في الصين.
ويمكن تلخيص تجاربي في تعليم فن الخط العربي في النقاط التالية:
1. لا بد من رفع وعي الطلاب حول أهمية تعلم فن الخط العربي، وتوضيح هدف التعلم لهم.
2. الاهتمام بالتعليم والممارسة معا، ودمج النظرية مع التطبيق؛
3. تصحيح سلوكيات الطلاب في الدراسة، وحثهم على التواضع والاجتهاد في استيعاب الجوهر الأساسي لفن الخط العربي؛
4. التمسك بروح المثابرة والعزيمة القوية والتغلب على الفتور والكسل حتى يمكن إجادة الخط العربي بعد التمرينات الشاقة الطويلة ؛
5. إعداد الأدوات اللازمة في الكتابة، واستيعاب القدرة الكافية لصنعها واستخدامها.
اهتمام متزايد بنظرية فن الخط العربي
خلال أكثر من الألف عام المنصرمة، ومع انتشار الإسلام، تشكلت في الصين تدريجيا أنواع عديدة من فن الخط العربي ذي الخصائص الصينية، ويمكن تسميتها بشكل عام - "الخط الصيني" للغة العربية. غير أن "الخط الصيني" هذا له أشكال وطرق كتابة تختلف من جنوب الصين إلى شمالها، ولم تظهر قواعد موحدة ومعايير مقررة له حتى الآن، وهذه الحالة تعوق تطور فن الخط العربي على نطاق واسع في الصين، فلا بد من إيجاد حل مناسب لهذا.
مع ازدهار الثقافة الإسلامية في السنوات الأخيرة أدرك العلماء والمثقفون المسلمون على نحو متزايد أن الاهتمام بالدراسات حول نظرية فن الخط العربي هو الضمان الأساسي لوجود الخط الصيني القياسي. وهذه النظرية تحدد القواعد والمبادئ التي ينبغي على الخطاطين أن يلتزموا بها عند كتابة الخطوط العربية، سواء كانوا صينيين أو أجانب. وبدونها ستحدث حتما انحرافات وتشوهات في أعمال الخط، لهذا نجد دائما أعمالا رديئة الجودة تظهر في المعارض والمسابقات الخاصة للخط العربي. وللتغلب على هذا العيب يجب على جميع محبي الخط العربي أن يبذلوا جهدا كبيرا في فهم القواعد الأساسية والمتطلبات الضرورية للخطوط العربية قبل أن يباشروا ابتكاراتهم في أعمال فن الخط. وينبغي عليهم أيضا أن ينبذوا فكرة جنى ثمار جهودهم خلال فترة وجيزة في ترقية مستواهم الفني للخط العربي، بل عليهم أن يستعدوا لقضاء زمن طويل وبذل قصارى قوتهم لاستيعاب جوهر فن الخط العربي وقواعده الأصيلة، ثم يمكنهم أن يطلقوا العنان في سبيل إبداع الأعمال الخطية الرائعة بالمعنى الصحيح.
ومما يدعوني إلى السرور والارتياح أن مجموعة كبيرة من الشباب النوابغ قد ترعرعت في مجال فن الخط العربي في الصين. وهم يمتازون بروح إبداعية جريئة وقدرة قوية على ضم مزيج من الأفكار والاتجاهات في فن الخط، ونجحوا في دمج قواعد الخط العربي الأصلي مع مميزات فن خطوط اللغة الصينية، فتمكنوا من إبداع أعمال خط عربي تحمل الروح العصرية والنضارة الحيوية. وقد اشتركوا في معارض ومسابقات لفن الخط العربي داخل البلاد وخارجها، وفازوا بجوائز عديدة من درجات متفاوتة، ونشروا أعمالهم في الصحف والمجلات، وحصلوا على تقديرات عاطرة لكثير من القراء، ومن هؤلاء: أبو باك ما وي وي ويانغ تشي مين ويانغ دونغ ون من بكين، وإلياس وما جيون من منطقة شينجيانغ، وتشن كون وما شي تو من مقاطعة قانسو، ويانغ جينغ وما لي جيون من منغوليا الداخلية وغيرهم. وبعضهم معلمون أو طلاب في معاهد العلوم الإسلامية أو أقسام اللغة العربية في الجامعات، والآخرون أئمة في المساجد أو موظفون في الجمعيات الإسلامية المحلية على مختلف المستويات.
"الخط الصيني" في العالم
لقد ارتبط نمو فن الخط العربي وتنوعه مع انتشار الإسلام في أنحاء العالم، لذلك نجد تفرع فن الخط العربي وتكاثره في مختلف دول العالم بعد أن وصلها الدين الحنيف، واندمجت الثقافة الإسلامية مع الثقافات المحلية هناك، حتى بلغ عدد فروع الخط العربي أكثر من مائة نوع في الوقت الحاضر، وكل خط يعتمد على قواعد الكتابة الأساسية للغة العربية، ولكنه في الوقت ذاته يحمل ألوانا من الثقافة المحلية. وعلى سبيل المثال، ظهر الخط الفارسي في بلاد الفرس، والخط المغربي في بلاد المغرب.
واليوم نجد الخط العربي في الصين قد أصبح نوعا من الفنون الجميلة الصينية يمارسه الخطاطون المسلمون، وهم يكتبون كلمات اللغة العربية على ورق "شيوان" (ورق صيني فريد يستخدم خاصة للرسم والخط)، ويستخدمون "موه تشي" (حبر صيني خاص)، ثم يصنعون أعمالهم في شكل لفائف حسب مقاسات محددة، ويطبعون عادة على أسفل كل عمل صورة حمراء لختمهم الخاص، وكل هذا يتفق تماما مع ممارسات الرسامين والخطاطين. أما ترتيب الكلمات أو العبارات العربية المكتوبة على الورق فهو يمثل توزيع الكلمات العربية الأساسي في الكتابة، ولكنه يحمل أيضا ألوانا من الأسلوب الصيني التقليدي في كتابة الكلمات الصينية، وبالتالي تمتاز أعمال الخط للخطاطين المسلمين الصينيين بقوة تعبيرية جديدة تختلف في أسلوب التعبير عن أعمال الخط للخطاطين العرب.
وعندما تعرض أعمال الخط العربي للخطاطين الصينيين أمام الاخوة المسلمين في الدول العربية والدول الإسلامية الأخرى، يدهشون للمستوى الجيد الذي بلغه الخطاطون الصينيون في فن الخط العربي، ويبدون إعجابهم بتقدم المسلمين الصينيين السريع في هذا المجال. وبالفعل حقق الخطاطون الصينيون نتائج لا بأس بها في المعارض والمسابقات الدولية لفن الخط العربي التي أقيمت في العراق وباكستان والكويت والإمارات العربية المتحدة وماليزيا وغيرها، وفازوا بجوائز من الدرجة الأولى والثانية إضافة إلى شهادات تقدير متنوعة. وعلى الرغم من التقدم الذي أحرزه الخطاطون الصينيون في فن الخط العربي، إلا أن الفجوة بين مستواهم والمستوى العالمي لا تزال واضحة، وعليهم أن يتعلموا بتواضع من زملائهم الأجانب، وأن يعززوا التبادلات الثقافية معهم، حتى يقدموا مساهمات جديدة لازدهار الثقافة الإسلامية في الصين والعالم.
يوسف تشن جين هوي
خط يانغ جينغ من منطقة منغوليا الداخلية
خط أبو باك ما وي وي ويانغ تشن مين من بكين
خط تشن كون من مقاطعة قانسو
خط يانغ دونغ ون من بكين
قبل أكثر من ألف عام عندما دخل الإسلام الصين في عهد أسرة تانغ الإمبراطورية (618م – 907م) بدأ الصينيون يدينون به وينشرون العقيدة الإسلامية عن طريق تلاوة القرآن الكريم وتعلم الحديث النبوي. وفي الوقت نفسه أخذوا يتعلمون اللغة العربية قراءة وكتابة بطريقتهم الخاصة، وكان ذلك لثلاثة أسباب: الأول، كان المسلمون الصينيون الأوليون يحتاجون بإلحاح إلى نسخ آيات القرآن والأحاديث النبوية باللغة العربية لكي ينشروا الفكر الإسلامي على أوسع نطاق وفي أسرع وقت عن طريق تعلم أمهات الكتب الإسلامية التي ينسخونها بأنفسهم؛ والثاني، أنهم كانوا بحاجة إلى كتابة بعض العبارات الدينية بالعربية على واجهات المساجد والمطاعم وعلى أدواتهم المنزلية، وأيضا نقش عبارات التأبين على شواهد قبورهم إظهارا لعقيدتهم الدينية؛ والثالث، أن تعلم فن الخط وإجادته كان عادة شائعة بين المثقفين الصينيين في ذلك العهد الذي شهدت الصين فيه ازدهارا شاملا غير مسبوق، وكان الخط العربي يعجبهم، والمسلمون منهم خاصة، فصمموا على إجادته. وخلال التاريخ الطويل رسخ فن الخط العربي على أرض الصين، واندمج مع فنون الخط الصيني المحلي، وتحول إلى فن خط عربي صيني فريد، وأصبح جزءا من الحضارة الصينية العريقة.
وبفضل سياسة الإصلاح والانفتاح على الخارج تحقق الصين نموا سريعا، وتحقق في جميع المجالات تقدما جديدا، ومن بينها فن الخط العربي للمسلمين، فقد أقاموا معارض ومسابقات خاصة له، وفتحوا له رسميا دروسا متخصصة في المدارس والجامعات التي يوجد فيها التعليم الديني الإسلامي أو تخصص اللغة العربية، كما أخذ بعض العلماء والمتخصصين في الشؤون الدينية يولون اهتماما أكبر لدراسة نظرياته، وكل ذلك ساهم في ازدهار فن الخط العربي في الصين.
المعارض والمسابقات الهامة لفن الخط العربي في الصين
ابتداء من ثمانينيات القرن الماضي أقامت الدوائر الحكومية المعنية والجمعيات الإسلامية على مختلف المستويات وكذلك مشاهير الخطاطين والرسامين المسلمين سلسلة من المعارض والمسابقات حول فن الخط العربي من أجل تنشيط هذا الفن العريق ونشر الثقافة الإسلامية. ومن أهمها:
- "الدورة الأولى للمعرض الوطني لفن الخط العربي في المناطق الذاتية الحكم لقومية هوي المسلمة" التي أقيمت في مدينة تسانغتشو بمقاطعة خبي، إبريل عام 1985
- "معرض الأعمال الفنية للمسلمين في بكين"، نوفمبر عام 1989
- "مسابقات كأس هوانغخه (الكركي الأصفر) لخط لغة قومية هان (اللغة الصينية الرسمية) وخطوط لغات الأقليات القومية" التي أقيمت في مدينة ينتشوان عاصمة منطقة نينغشيا الذاتية الحكم لقومية هوي، ديسمبر عام 1990
- "الدورة الثانية للمعرض الثقافي للأقليات القومية الصينية" في بكين، أكتوبر عام 1992
- "المعرض الوطني لفن الخط العربي" في منطقة نينغشيا الذاتية الحكم لقومية هوي، سبتمبر عام 1994
- "المعرض الوطني الأول للفنون الدينية للرسم والخط"، في تيانجين، ديسمبر عام 1995
- "الدورة الثانية للمعرض الوطني للخط والرسم لقومية هوي" في منطقة نينغشيا الذاتية الحكم لقومية هوي، أكتوبر عام 1998
- "الدورة الأولى للمعرض الوطني لفن الخط العربي"، في مدينة لانتشو عاصمة مقاطعة قانسو، أكتوبر عام 2000
وقد أقيمت هذه المعارض والمسابقات بجهود حكومية أو جماعية أو فردية، وبعضها على المستوى الوطني، والآخر على المستوى المحلي، وبعضها جمع بين فنون الرسم والخط والنحت والتشكيل وغيرها، وبعضها الآخر لفن الخط العربي فقط. ولكنها جميعا عكست على درجات متفاوتة اتجاه تطور فن الخط العربي الذي يدفعه المسلمون الصينيون بعنايتهم وجهودهم، وما حققوه من منجزات في هذا الصدد. ومثلت الأعمال المعروضة فيها روح أصحابها في الاجتهاد والجرأة على الاكتشاف والسعي إلى التقدم، وكذلك نهجهم الحميد في احترام الحضارة الإسلامية العريقة، وبالتالي تركت انطباعا عميقا لمشاهديها حول جهود المسلمين الصينيين في إظهار ميزات فن الخط العربي ودمجها مع خصائص الحضارة الصينية الأصلية، وأيضا في عرض الثقافة الإسلامية والفضائل التقليدية للأمة الصينية. ويمكن القول إن هذه المعارض والمسابقات قدمت مساهمة إيجابية في التوفيق بين الإسلام والاشتراكية وتعزيز التضامن بين أبناء مختلف القوميات وبناء مجتمع متناغم في الصين.
فن الخط العربي في المنهج التعليمي الرسمي
على الرغم من انتشار فن الخط العربي بين المسلمين الصينيين منذ أكثر من ألف سنة، وظهور خطاطين كثيرين للغة العربية في كافة الأماكن في مراحل التاريخ المختلفة، ظل تعليم هذا الفن الرائع مقصورا على المساجد أو الدوائر التعليمية الأهلية، ولم يجد فرصة لدخول المدارس الرسمية لكي يتعلمه الطلاب المسلمون وفقا للمناهج التعليمية المقررة. كما أنه لم تكن هناك قواعد محددة أو نظرية مقنعة لهذا الخط فراح كل خطاط يكتب اللغة العربية كما يشاء، وكان من نتيجة ذلك أن بقي فن الخط العربي في الصين على مستوى منخفض دون اتجاه واضح للتطور.
من أجل دفع ازدهار الثقافة الإسلامية وتطوير فن الخط العربي في الصين قرر معهد العلوم الإسلامية الصيني – أعلى هيئة تعليمية إسلامية في شرق العالم – فتح مادة تعليمية خاصة للخط العربي وإدراجها في منهجه التعليمي الرسمي في عام 1990، وبذلك فتح صفحة جديدة في تاريخ التعليم الإسلامي الصيني.
بكل شرف وفخر كلفني المعهد بتولي مهمة تدريس الخط العربي لجميع الطلاب الجدد الذين التحقوا بالمعهد في العام الدراسي الجديد لسنة 1990، وهم طلاب الدورة التدريبية للأئمة والدارسون في الفصول على المستوى فوق المتوسط وعلى المستوى الجامعي. وقد بدأت عملي من الصفر، من تأليف المواد الدراسية والاهتداء إلى الطريق الصحيح في التعليم واستخلاص الخبرات المفيدة من التجارب التطبيقية. وبعد أكثر من عشر سنوات من الجهود مع زملائي في المعهد توصلنا إلى سلسلة متكاملة من الطرق التعليمية القائمة على المواد الدراسية المنتظمة والنظرية العلمية الخاصة لفن الخط العربي، وصار "فن الخط العربي" مادة مفضلة لطلاب المعهد. وفي الوقت نفسه قدمنا مساعدات وإرشادات إلى المعاهد الإسلامية المحلية في مقاطعات خنان وقانسو وخبي وغيرها لتفتح فيها دروس فن الخط العربي، وفضلا عن ذلك سافرت إلى مختلف الجامعات والمعاهد خارج بكين لألقي محاضرات حول فن الخط العربي هناك، وهكذا ارتقى انتشار فن الخط العربي وتعليمه إلى مرحلة جديدة من التطور في الصين.
ويمكن تلخيص تجاربي في تعليم فن الخط العربي في النقاط التالية:
1. لا بد من رفع وعي الطلاب حول أهمية تعلم فن الخط العربي، وتوضيح هدف التعلم لهم.
2. الاهتمام بالتعليم والممارسة معا، ودمج النظرية مع التطبيق؛
3. تصحيح سلوكيات الطلاب في الدراسة، وحثهم على التواضع والاجتهاد في استيعاب الجوهر الأساسي لفن الخط العربي؛
4. التمسك بروح المثابرة والعزيمة القوية والتغلب على الفتور والكسل حتى يمكن إجادة الخط العربي بعد التمرينات الشاقة الطويلة ؛
5. إعداد الأدوات اللازمة في الكتابة، واستيعاب القدرة الكافية لصنعها واستخدامها.
اهتمام متزايد بنظرية فن الخط العربي
خلال أكثر من الألف عام المنصرمة، ومع انتشار الإسلام، تشكلت في الصين تدريجيا أنواع عديدة من فن الخط العربي ذي الخصائص الصينية، ويمكن تسميتها بشكل عام - "الخط الصيني" للغة العربية. غير أن "الخط الصيني" هذا له أشكال وطرق كتابة تختلف من جنوب الصين إلى شمالها، ولم تظهر قواعد موحدة ومعايير مقررة له حتى الآن، وهذه الحالة تعوق تطور فن الخط العربي على نطاق واسع في الصين، فلا بد من إيجاد حل مناسب لهذا.
مع ازدهار الثقافة الإسلامية في السنوات الأخيرة أدرك العلماء والمثقفون المسلمون على نحو متزايد أن الاهتمام بالدراسات حول نظرية فن الخط العربي هو الضمان الأساسي لوجود الخط الصيني القياسي. وهذه النظرية تحدد القواعد والمبادئ التي ينبغي على الخطاطين أن يلتزموا بها عند كتابة الخطوط العربية، سواء كانوا صينيين أو أجانب. وبدونها ستحدث حتما انحرافات وتشوهات في أعمال الخط، لهذا نجد دائما أعمالا رديئة الجودة تظهر في المعارض والمسابقات الخاصة للخط العربي. وللتغلب على هذا العيب يجب على جميع محبي الخط العربي أن يبذلوا جهدا كبيرا في فهم القواعد الأساسية والمتطلبات الضرورية للخطوط العربية قبل أن يباشروا ابتكاراتهم في أعمال فن الخط. وينبغي عليهم أيضا أن ينبذوا فكرة جنى ثمار جهودهم خلال فترة وجيزة في ترقية مستواهم الفني للخط العربي، بل عليهم أن يستعدوا لقضاء زمن طويل وبذل قصارى قوتهم لاستيعاب جوهر فن الخط العربي وقواعده الأصيلة، ثم يمكنهم أن يطلقوا العنان في سبيل إبداع الأعمال الخطية الرائعة بالمعنى الصحيح.
ومما يدعوني إلى السرور والارتياح أن مجموعة كبيرة من الشباب النوابغ قد ترعرعت في مجال فن الخط العربي في الصين. وهم يمتازون بروح إبداعية جريئة وقدرة قوية على ضم مزيج من الأفكار والاتجاهات في فن الخط، ونجحوا في دمج قواعد الخط العربي الأصلي مع مميزات فن خطوط اللغة الصينية، فتمكنوا من إبداع أعمال خط عربي تحمل الروح العصرية والنضارة الحيوية. وقد اشتركوا في معارض ومسابقات لفن الخط العربي داخل البلاد وخارجها، وفازوا بجوائز عديدة من درجات متفاوتة، ونشروا أعمالهم في الصحف والمجلات، وحصلوا على تقديرات عاطرة لكثير من القراء، ومن هؤلاء: أبو باك ما وي وي ويانغ تشي مين ويانغ دونغ ون من بكين، وإلياس وما جيون من منطقة شينجيانغ، وتشن كون وما شي تو من مقاطعة قانسو، ويانغ جينغ وما لي جيون من منغوليا الداخلية وغيرهم. وبعضهم معلمون أو طلاب في معاهد العلوم الإسلامية أو أقسام اللغة العربية في الجامعات، والآخرون أئمة في المساجد أو موظفون في الجمعيات الإسلامية المحلية على مختلف المستويات.
"الخط الصيني" في العالم
لقد ارتبط نمو فن الخط العربي وتنوعه مع انتشار الإسلام في أنحاء العالم، لذلك نجد تفرع فن الخط العربي وتكاثره في مختلف دول العالم بعد أن وصلها الدين الحنيف، واندمجت الثقافة الإسلامية مع الثقافات المحلية هناك، حتى بلغ عدد فروع الخط العربي أكثر من مائة نوع في الوقت الحاضر، وكل خط يعتمد على قواعد الكتابة الأساسية للغة العربية، ولكنه في الوقت ذاته يحمل ألوانا من الثقافة المحلية. وعلى سبيل المثال، ظهر الخط الفارسي في بلاد الفرس، والخط المغربي في بلاد المغرب.
واليوم نجد الخط العربي في الصين قد أصبح نوعا من الفنون الجميلة الصينية يمارسه الخطاطون المسلمون، وهم يكتبون كلمات اللغة العربية على ورق "شيوان" (ورق صيني فريد يستخدم خاصة للرسم والخط)، ويستخدمون "موه تشي" (حبر صيني خاص)، ثم يصنعون أعمالهم في شكل لفائف حسب مقاسات محددة، ويطبعون عادة على أسفل كل عمل صورة حمراء لختمهم الخاص، وكل هذا يتفق تماما مع ممارسات الرسامين والخطاطين. أما ترتيب الكلمات أو العبارات العربية المكتوبة على الورق فهو يمثل توزيع الكلمات العربية الأساسي في الكتابة، ولكنه يحمل أيضا ألوانا من الأسلوب الصيني التقليدي في كتابة الكلمات الصينية، وبالتالي تمتاز أعمال الخط للخطاطين المسلمين الصينيين بقوة تعبيرية جديدة تختلف في أسلوب التعبير عن أعمال الخط للخطاطين العرب.
وعندما تعرض أعمال الخط العربي للخطاطين الصينيين أمام الاخوة المسلمين في الدول العربية والدول الإسلامية الأخرى، يدهشون للمستوى الجيد الذي بلغه الخطاطون الصينيون في فن الخط العربي، ويبدون إعجابهم بتقدم المسلمين الصينيين السريع في هذا المجال. وبالفعل حقق الخطاطون الصينيون نتائج لا بأس بها في المعارض والمسابقات الدولية لفن الخط العربي التي أقيمت في العراق وباكستان والكويت والإمارات العربية المتحدة وماليزيا وغيرها، وفازوا بجوائز من الدرجة الأولى والثانية إضافة إلى شهادات تقدير متنوعة. وعلى الرغم من التقدم الذي أحرزه الخطاطون الصينيون في فن الخط العربي، إلا أن الفجوة بين مستواهم والمستوى العالمي لا تزال واضحة، وعليهم أن يتعلموا بتواضع من زملائهم الأجانب، وأن يعززوا التبادلات الثقافية معهم، حتى يقدموا مساهمات جديدة لازدهار الثقافة الإسلامية في الصين والعالم.