سوق الصين العظيم
د. عبدالعزيز حمد العويشق ٭
ألقيت يوم الخميس (23 أبريل 2006) محاضرة في أبوظبي بدعوة كريمة من معهد الدراسات الاقتصادية التابع لصندوق النقد العربي في ندوة حضرها خبراء من معظم الدول العربية. وقد لفت نظري في النقاش الذي تلا المحاضرة عدة تساؤلات عن الصين، مثل: ألا يشكل «العملاق الصيني» تحدياً للأسواق العربية بنموه السريع وسلعه التي تصعب منافستها نظراً لانخفاض أسعارها؟ وكيف يمكن «تحجيم المارد الصيني»؟
وقد أدهشني بعض تلك الأسئلة عن الصين كما أدهشتني اللهجة التي طُرحت بها، إذ تعودنا على مثل هذه اللهجة من جانب الولايات المتحدة وأوروبا في الحديث عن الصين، التي يعتبرانها منافساً كبيراً لهما اقتصادياً وسياسياً، فحسب تقارير الصحافة الامريكية عن زيارة الرئيس الصيني هو جنتاو إلى الولايات المتحدة منذ أيام، فإن مما يقلق المسؤولين الأمريكيين في علاقة البلدين الاقتصادية عدة أمور، منها:
-ازدياد حجم الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة ونجاحها على زيادة حصتها من السوق الامريكية على حساب المنتجات الأمريكية.
-نقل كثير من الشركات الأمريكية أجزاء كبيرة من أنشطتها إلى الصين للاستفادة من انخفاض التكلفة فيها.
-محاولات الشركات الصينية شراء شركات أمريكية،أحياناً بنجاح، في صناعات استراتيجية مثل تقنية المعلومات والبترول.
-توثق علاقة الصين مع الدول المنتجة للبترول على حساب الغرب، خاصة دخول الصين في عقود طويلة الأجل لشراء البترول مما تسبب (في رأي بعض أولئك المسؤولين) في الضغط على سعر البترول صعوداً.
فمن المفهوم إذن قلق الولايات المتحدة من الصين، أما أن يكون التعبير عن القلق صادراً عن خبراء عرب فهو أمر آخر نظراً لأننا لسنا في مجال منافسة مع الصين، بل إن هناك عناصر كثيرة تجعلنا أقرب إلى الشراكة من التنافس مع الصين. وقد بدأت ملامح نوع من الشراكة الاقتصادية بين مجلس التعاون والصين تأخذ جذورها في السنوات الأخيرة، من خلال التبادل التجاري المتزايد، وازدياد حجم الاستثمارات من الجانبين، بالإضافة إلى توقيع اتفاقية إطارية للتعاون الاقتصادي والاستثماري والفني بين الجانبين في عام 2004، والمفاوضات الجارية حالياً للتوصل إلى اتفاقية للتجارة الحرة بينهما، والتي يأمل الطرفان أن يتم التوقيع عليها خلال وقت قريب. وتأتي زيارة الرئيس الصيني هو جنتاو إلى المملكة العربية السعودية هذا الأسبوع في سياق هذه الشراكة المتنامية بين الجانبين.
ففي مجال التبادل التجاري بين دول المجلس والصين ارتفع حجم التجارة بشكل مدهش، من 12 بليون دولار في عام 2002 إلى أكثر من 30 بليون دولار في عام 2005، أي بمعدل زيادة سنوي يبلغ نحو 50٪، وهو أمر غير معهود في معدلات نمو التجارة بين أي شريكين تجاريين. وهي تجارة متوازنة إلى حد كبير، إذ إن سوق مجلس التعاون سوق كبيرة ومنفتحة للواردات الصينية على جميع انواعها، وتشكل واردا ت دول المجلس من الصين نحو 10٪ من إجمالي وارداتها. وبالمقابل فإن الصين سوق متعطشة إلى النفط والبتروكيماويات، حيث استوردت في العام الماضي نحو ثلث احتياجاتها النفطية من دول المجلس.
ومايمكن أن يُسمّى بالمعجزة الصينية هو حقيقة واقعة لا مبالغة فيها، ومن الممكن لدول المجلس الاستفادة منها. فحجم الاقتصاد الصيني قد تضاعف خلال خمس السنوات الأخيرة، متعدياً في العام الماضي 2 تريليون دولار، وتضاعف دخل الفرد خلال نفس الفترة أيضاً، وهذا تطور نادراً ما يتحقق لأي اقتصاد. وفي حين تعاني كثير من الدول الصناعية من عجز في ميزان مدفوعاتها، تضاعف فائض ميزان المدفوعات نحو خمس مرات خلال تلك الفترة، كل ذلك في ظل سياسة نقدية حافظت على معدل تضخم في حدود المعقول (2,2٪ في عام 2005). ومع أن معدل البطالة مرتفع نسبياً (9,3٪ في عام 2005)، إلا أنه في تناقص مستمر خلال السنوات الثلاث الماضية.
ولهذا فإن السوق الصينية سوق صاعدة تنمو بشكل سريع وتستطيع استيعاب الكثير من الاستثمارات الخليجية، وفي المقابل فإن دول المجلس وهي تعيش طفرتها الاقتصادية الثانية في حاجة إلى المستثمرين الصينيين سواء في تنفيذ مشاريع البنية التحتية أو في المشاريع ذات البعد الإنتاجي في الطاقة والنفط والصناعات التحويلية. ويتميز المستثمر الصيني بتوفر التمويل الذاتي والعمالة المدربة والمنضبطة، وانخفاض التكاليف.وتتقاطع مصالح الجانبين فيما يتعلق بالبترول، إذ إن الطلب المتزايد على البترول في الصين يجعلها ثاني أكبر مستهلك بعد الولايات المتحدة، مما يجعل من مصلحتها الدخول في شراكة طويلة المدى مع الدول المصدرة للبترول، وفي المقابل فإن سياسة دول المجلس في مجال البترول هي سياسات تنظر إلى المدى الزمني البعيد، لا المكاسب الآنية، وتحرص على إيجاد علاقات تنسيق وحوار مع الدول المنتجة الأخرى والدول المستهلكة، وتحقيق الاستقرار في الأسواق، واستمرار الإمدادات إلى الدول المستهلكة. وفي ضوء ذلك لا يظهر أن عدم رضا الولايات المتحدة عن مثل هذه الترتيبات طويلة المدى بين الصين والدول المنتجة للبترول مبعثه الحرص على استقرار أسواق البترول، أو مصالح الدول المنتجة، أو مصلحة الصين، بل يعبر عن المصالح الخاصة للولايات المتحدة نفسها.
٭ خبير اقتصادي
المصدر: جريدة الرياض (السعودية)