مسلمو الصين.. العادات والتقاليد التي صاغت هويتهم الإسلامية
بكين - يحيى شراحيلي:
تأثر المسلمون في الصين بالعادات والتقاليد الإسلامية منذ أن وصلتهم الدعوة الإسلامية وبدأوا يتجاهلون العادات التي كانوا عليها فعندما يعرف الصينيون ان أمراً ما هو من العادات الإسلامية فإنهم سرعان ما يبادرون إلى تطبيقه كما ينقل لهم على حساب المصدر الناقل لهم، لذا فإننا نستطيع القول بان المسملين في الصين تأثرت عاداتهم بالإسلام بنحو مباشر وغير مباشر ومن ذلك أن الشؤون الإدارية والقضائية والتجارة والتربية والتعليم في المجتمع الويغوري قبل تأسيس الصين الشعبية كانت خاضعة للشريعة الإسلامية دون استثناء. وليس هذا فقط بل كانت معالجة شؤون التجارة والرهن والاقتراض والزواج والجنازة وانتقال الملكية والوراثة ورفع الدعاوى لا تتم إلا بحضور رجال الدين.
أما تأثير الإسلام في العوامل النفسية المشتركة لدى أبناء قومية (هوي) وأسلوب حياتهم فهو واضح كل الوضوح. والدليل على ذلك ان جرأتهم على الاستثمار والتقدم إلى الأمام، وشدة حماستهم للذود عن قوميتهم ودينهم وامتيازهم بالتقاليد الوطنية، وتفوقهم في التضامن القومي، وبراعتهم في ممارسة النشاطات التجارية، ومحافظتهم على تقاليد حب النظافة والعناية بالصحة وصمودهم للمصاعب والمشقات، ومروءتهم وسعة صدرهم وتفاؤلهم ومرحهم واهتمامهم بالأدب.. إلخ، كل هذا له علاقته بالإسلام، وان كان هناك عوامل أخرى تركت أثرها في تكوين جبلاتهم هذه. وللإسلام تأثير مماثل في حياة القوميات المسلمة الصينية الثمانية الأخرى وعادتها. ان حضارة الإسلام قد تغلغلت حقاً في حياة وعادات جميع المسلمين الصينيين من مختلف القوميات، وأصبحت جزءاً مهماً من حضارتهم القومية.
ويحرص المسلمون في الصين على الأكل الحلال فيذبحون المواشي شأنهم شأن باقي مسلمي العالم ويمتنعون عن المأكولات التي يتناولها باقي القوميات والتي يحرمها الدين الإسلامي على المسلم.
إن المسلمين في الصين يهتمون كثيراً بالأعياد الإسلامية ويحصلون على إجازة من الحكومة تصل إلى يومين لقضاء الأعياد بالإضافة إلى أعياد الصينين في القوميات الأخرى ومنها عيد الاستقلال وعيد الربيع وغيرها.
وفي عيد الفطر الذي أصبح عيداً قومياً للمسلمين الصينيين تراهم يتدفقون إلى المساجد وهم يرتدون أجمل أزيائهم القومية لأداء صلاة العيد وللاستماع إلى المواعظ من الخطباء مصطحبين معهم أبناءهم لتعميق هذه الشعيرة. واثر ذلك يتوجهون إلى المقابر للسلام على موتاهم. ثم يتزاورون ويتعايدون. وقد حددت الحكومة عطلة للمسلمين الصينيين في العيد تتراوح بين يوم و3 أيام.
ويسمي المسلمون الصينيون عيد الأضحى ب «عيد القربان» أو عيد «الإخلاص والإحسان». وقد أصبح هذا العيد عيداً تقليدياً للقوميات المسلمة الصينية. ويقوم الميسورون منهم بذبح الأبقار أو الأغنام أو الجمال، ويهدون من لحومها إلى أقربائهم وأصدقائهم، كما يوزعون على الفقراء والمساكين. ويستغرق عيد الأضحى في الشنجان والمناطق الأخرى في شمال غربي الصين أسبوعاً كاملاً، مما يقدم دليلاً على مدى اهتمامهم بهذا العيد. ومن عادة المسلمين من قومية قازاق والقرغيز والطاجيك أن يقوموا بنشاطات رياضية كاختطاف الخروف على ظهر الحصان وسباق الخيل احتفالاً بهذا العيد المبارك.
وتظهر في الزواج أبهى عاداتهم. وعلى الرغم من أن لجميع القوميات المسلمة مراسمها الخاصة في الزواج، إلا أن لكل منها ميزات خاصة. وقد أصبحت مختلف مراسم الزواج جزءاً من الحضارة الإسلامية الصينية.
وتتجلى المزايا المشتركة لمراسم الزواج لدى هذه القوميات في تأثرها بنظام الزواج الإسلامي. ويتم الزواج على سنة النبي عليه الصلاة والسلام. وعلى الرغم من أن المسلمين يطبقون النظام الأحادي الزوجة حسب القانون الصيني إلا أنهم لا يجدون مانعاً من تعدد الزوجات ويرى المسلمون الصينيون أنه على الزوجين أن يتحابا في حياتهما المشتركة. ولا يتم الزواج إلا بعد اجراء سلسلة من العمليات والمراسم تشتمل الخطبة وعقد الزواج وكتابة شهادة الزواج وقراءة الخطبة وتوزيع المأكولات (الجوز والتمر) على المهنئين واحضار العروس وإقامة وليمة العرس. وعادة ما تقام مراسم القران في بيت العروس أو في المسجد شريطة أن يرأسها الإمام ويشهدها. وخلال ذلك لا بد للإمام أن يسأل العروسين عما إذا كانا راضيين بالقران بينهما أم لا. فإذا كان جوابهما «نعم» صح الزواج. ومن عادة المسلمين الصينيين أن يختاروا يوم الجمعة لطلب اليد للزواج وعقد الخطبة والزواج تبركا به وألا يختاروا الأيام التي يراها الصينيون من غير المسلمين مباركة. وما يفضلونه هو أن يتعايش الزوج والزوجة في محبة وألفة مدى حياتهما.
ولكل قومية من القوميات المسلمة الصينية عادات خاصة بها في الزواج، ومنها على سبيل المثال قومية (هوي) المسلمة حيث تقام حفلة الزفاف لدى قومية (هوي) عادة في بيت العريس أو في المسجد يوم الجمعة، ويمنع فيها العزف على آلات الطرب والغناء. وأشكال الحفلة متشابهة برغم بعض الفروق البسيطة، وتتميز ببساطتها واتباعها المراسم الدينية. كان من عادة أبناء القومية في بعض المناطق تقديم مهور تضم القماش والخبز المشوي بالزيت والنقود ولحم البقر أو الغنم، بينما تقدم أسرة العروس جهازها من الحلي والأغطية وغير ذلك. وفي بعض المدن مثل تشيوانتشو (مدينة الزيتون) ويانغتشو يعتبر القرآن الكريم أغلى جهاز عروس. وكان هناك من يقدم مخطوطة القرآن الكريم جهاز عروس في أوائل القرن العشرين. ومن عادات الزفاف لدى قومية (هوي) نشر «حبات الفول الذهبية» للجماهير الحاشدة. لقد كان أسلاف أبناء قومية هوي في تشيواتشو في الزمن القديم ينشرون الحبات الذهبية الحقيقية الشبيهة بشكل حبات الفول في هذه المناسبة، ثم تحولت هذه العادة إلى نشر الثمار الأربع: الجوز والعناب والفستق والحنكة، وذلك تعبيرا عن الشكر لله على إتاحة هذه الزواج السعيد ورجاء للإنجاب.
وعادة ينشر الإمام الثمار الأربع بعد تلاوته آية النكاح ليتلقاها العروسان الراكعان. وفي شمال غربي الصين تقام حفلة الزفاف في بيت العروس، ولمقاطعة قانسو من هذه المنطقة عادة استقبال العريس إلى بيت العروس ليعيش مع أسرتها، وذلك بتأثير من عادة قومية (هان) وفي منطقة تشانغ من منطقة شينغ يانغ تشيع عادة المزاح مع الحموين، فعندما تجيء العروس
يتعين على والد العريس أن يلبس بالمقلوب معطفاً مبطناً بالفرو، أما أمه فعليها أن تعلق على اذنيها ثمار الفلفل الأحمر، وتمسح وجهها بالرماد بحيث يداعبها الضيوف. وفي صباح اليوم التالي على أسرة العروس أن تقدم طبقاً من الخبز المحشو باللحم تهنئة للعروسين بحياة سعيدة.
وللويغوريين مزاياهم في الزواج. فعادة ما يتخذ الشباب والشابات منهم الأغاني وسيلة للتعبير عن الحب المتبادل بينهم، أما العرائس من هذه القومية فيغنين بصوت شجي تعبيراً عن رفضهن مغادرة آبائهم وأمهاتهن ومواطنهن، بينما تغني قريباتهن وصديقاتهن أغاني «الدعوة إلى الزواج» الغنية بالمعاني الفلسفية لاقناعهن. وليس هذا فقط بل يرفع الشباب من أهل العريس، إثر ذلك، أصواتهم بأغاني «الحث على الزواج»، ملحين عليها بمغادرة بيتها بأسرع ما يمكن. ثم يجلسون العروس المستور وجهها بحجاب أحمر على سجادة، ثم يمسكون بأطراف السجادة ويسيرون وراء العريس المزدان بثياب الحرير، باتجاه جواد معد لهما مسبقاً. وبعد ركوب العروسين على الجواد يبدأ موكب الزفاف بشق طريقه إلى بيت العريس وسط المهنئين الذين يرقصون على الألحان الموسيقية الجميلة، وعلى امتداد طريق الموكب حواجز متتالية من الأحزمة والأشرطة الحريرية والحبال تعترض الموكب. وهذه الحواجز تعكس رغبة أهل العروس في استبقاء ابنتهم، كما أنها محك لمدى حب العريس للعروس. وفي هذه الحالة تجده يحيى أهل العروس مراراً وتكراراً، ويضع مع كل تحية يده اليمنى على صدره تعبيراً عن احترامه للحاضرين، كما يوزع الحلويات عليهم بسخاء. ومهما يكن من أمر فإنهم لا يسمحون للموكب بمواصلة السير إلى الأمام إلا بعد تقديمه برنامجاً فنياً مرضياً لهم. وبعد أن تصبح العروس أمام بيت العريس يجب أن تقفز بجرأة من جانب مشعلة ملتهبة بجوارها، وهذا يرمز إلى أنها تستطيع اجتياز البحار النارية من أجل زوجها عند الضرورة. وعندما يرفع أحد الحاضرين الحجاب عن وجه العروس، فيشرع المحتشدون يغنون ويرقصون بحماسة كبيرة متمنين للعروسين السعادة في حياتهما الزوجية، ويشارك العروسان في هذا الغناء والرقص بسرور وابتهاج.
وللقازاقيين مراسم الزواج الخاصة بهم. فما أن تدخل العروس الى عش الزوجية حتى تغص الغرفة بالفتيان والفتيات الذين يأخذون في مداعبتها بوسادات موجودة هناك لاجبارها على رفع الحجاب عن وجهها وفتح صناديقها، مما يتيح لهم التأمل في ملامحها والنظر إلى جهازها وإبداء ملاحظاتهم لها. ومن عادة القرغيز أن يربطوا كلا من العروسين بصورة محكمة ليتسنى لهم مداعبتهما كما يريدون. أما الفتيات من قومية سالار فمن عاداتهن أن يغنين بصوت حزين قبل زواجهن. وزد على ذلك، أنه لابد لهن من مغادرة بيوتهن بالرجوع إلى الوراء بدلا من التقدم إلى الأمام، ولابد لهن من نثر كميات من الحبوب المختلفة الألوان عند توديع أهلهن لدى الباب. وبعد وصولهن إلى بيوت أزواجهن يتزاحم أهل العروس وأهل العريس تحت البوابة. وأما الشباب والشابات من قومية الطاجيك فيجعلون من الأكياس المطرزة وسيلة لتبادل المشاعر الغرامية بينهم، والطريف أن العريس الذي يأتي إلى موطن العروس لاستقبالها غالبا ما يمنع من دخول بيت العروس مرتين. ومن أجل الاحتفال بالزواج تقام النشاطات الترفيهية مثل اختطاف الخروف على ظهر الحصان وسباق الخيل وغيرها.
ولقومية الأوزبك عادة ما يتباحث أهل العروس مع وسيط الزواج في طلب المهر من أهل العريس قبل كل شيء. وبعد وقت وجيز من مجيء العروس إلى بيت العريس يأتي وفد من أهلها لاستعادتها. وفي هذه الحالة لا يجد العريس بداً من أن يتوجه إلى بيت العروس مقتفياً أثرها وأثر الوفد المرافق لها ليعود بها إلى بيته بعد تقديم الأموال المطلوبة إلى أهلها. ويسمح أهل باوآن لشبابهم في قرية بيت العروس بإثارة البلبلة خلال إقامة ولائم الزفاف، وهم يصبغون وجوه الضيوف بالسناج الأسود ويجردون وسيط الزواج من حذائه وجوربه على سبيل الدعابة. وكلما وصل مرافقو العروس إلى بيت العريس أغلق الباب في وجوههم للدعابة. والغريب أن العروس لا تأكل طعاماً من بيت العريس في الأيام الثلاثة الأولى من مجيئها إليه. وفي حفلات العرس لدى قومية التتار يشرب العروسان كوباً مشتركاً من الماء المحلى. وبعد انتهاء الحفلة ينصرف مرافقو العريس ويتركونه في بيت العروس زمناً طويلاً. وقيل ان بعض العرسان لا يعود إلى بيته إلا بعد أن يرزق بمولوده الأول.
ومن العادات المتبعة في الجنائز عند المسلمين الصينيين ليس فيها اختلاف كبير بين هذه القومية وتلك، ومرد ذلك إلى تأثر هذه القوميات جميعاً بالإسلام، وأبرز الميزات لهذه العادات هي الاسراع في دفن الأموات وعدم تبديد الأموال بهذه المناسبة.
ويبادر أهل المحتضر إلى استدعاء إمام المسجد كي يذكر هذا الإنسان بالتوبة إلى الله تعالى والاستغفار من ذنوبه. وإثر ذلك يأتي مغسل جثمانه ويكفنه، ثم ينقل إلى النعش ليصلي عليه الإمام وعامة المسلمين ويشيعوه إلى مثواه الأخير. وحيث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «من مات غريباً مات شهيدا». فإن المسلمين الصينيين عادة ما يعمدون إلى دفن أموات الغرباء بدلاً من نقلهم إلى مواطنهم. وتستخدم التوابيت فقط في نقل الأموات إلا أن هناك بعض الأمور الدخيلة على بعض القوميات مثل ذكرى الوفاة في أوقات محددة.
المصدر: صحيفة الرياض