جريدة الدستور المصرية 23-7-2010
بحلول عام 1900، اتفق الجميع أن هناك شيئا ما خاصا بالألمان. فلسفتهم كانت أكثر عمقا وكذلك موسيقاهم. أما علماؤهم ومهندسوهم فكانوا الأفضل. جنودهم لم يكن لهم مثيل. هل هذا التفوق والسيادة الألمانية كانت تبشر بالخير أم بالسوء بالنسبة للقرن الجديد؟، البعض ساعد في انتشار التحذير منها إلا أن البعض الآخر كانوا من كبار المعجبين بها. الإنجليزي هيوتسن ستيوارت تشامبرلين زوج ابنة ريتشارد فاجنر-الموسيقار الألماني الشهير- كتب مثلا يجادل بأن الألمان هم الورثة الحقيقيون الوحيدون لروما القديمة واليونان القديمة، وكثير من الألمان سعدوا بهذا.
يستعرض «براين لاد» في النيويورك تايمز كتاب بيتر واطسون «العبقرية الألمانية» موضحا أنه بعد اندلاع الحرب العالمية في عام 1914 زاد المثقفون الألمان في دفاعهم عن سيادة ثقافتهم مبدين استياءهم من محاصرتها من قبل البرابرة. بالتأكيد كان النازيون هم الذين جعلوا الأمر صعبا علي الجميع لتقدير ما اسماه بيتر واطسون بـ«العبقرية الألمانية». ولقد أفسد جوبلز الأمر حين قدم «هتلر» باعتباره مثلا أعلي للثقافة الألمانية. كثير من الألمان والأجانب لأسباب متباينة اتفقوا مع ما قاله جوبلز. واطسون الصحفي البريطاني ومؤلف هذا الكتاب يريد منا أن نترك النازي جانبا وأن نقدّر أن عالمنا المعاصر -أو علي الأٌقل عالم الأفكار- هو -إلي حد كبير- إبداع ألماني.
«العبقرية الألمانية» هو عبارة عن تجميعات مطولة لمساهمات ألمانية ضرورية في الفلسفة واللاهوت والرياضيات والطبيعة والعلوم الاجتماعية والفنون منذ عام 1750، ويدين واطسون بالفضل في هذا لمفكرين مبدعين معتبرا أن الألمان قادوا الطريق نحو بلوغ أعماق العقل البشري والجسم في رحلة البحث عن الحقيقة والمعني.
ويذكرنا واطسون بأن عصر كانط- الفيلسوف الألماني الذي بزغ نجمه في القرن الـ 18- أنتج -ضمن أشياء أخري كثيرة- سيمفونيات هايدن وشعر جوته واكتشاف هيردر للتاريخ الوطني واكتشافات وينكلمان في علم الآثار الخاص بالفن القديم وهو ما يسميه واطسون بـ «النهضة الثالثة» بعد النهضة في القرنين «12» و«15» قبل دارون بفترة طويلة، أظهر الألمان أن العالم الطبيعي مكان لا يهدأ للتغيير وكذلك المجتمع البشري. لذا فإننا ندين لهم بشعورنا بالتاريخ. الرومانسية الألمانية وضعت الحقيقة والإبداع بقوة داخل العقل البشري. وفي وقت لاحق فإن هيجيل وماركس ونيتشه وفرويد سعوا لإحداث فارق في عالم متقلب.
«العبقرية الألمانية» يضم مجموعة من الموضوعات المثيرة للإعجاب، من الرسامين إلي علماء الفيزياء ويتضمن الكثير من الأسماء المهمة التي لا يعرف معظمنا منها سوي كونها جزءاًِ من وحدات القياس مثل: هيرتز، ماخ، رونتجن.
الكتاب يقدم ما يشبه القاموس للسير الذاتية الألمانية لكنه أسقط العديد من الأسماء. فهناك الكثير من العباقرة الألمان لكن ما «العبقرية الألمانية»؟، لكي نفهم ما الشيء الخاص في ألمانيا لابد أن يخبرنا واطسون أكثر عن العالم الذي أخرج لنا هؤلاء المفكرين. هو قدم بالفعل بعض التلميحات المهمة موضحا علي سبيل المثال أهمية الإحياء الديني في القرنين 17 و18 والذي تم فيه تشجيع المؤمنين به علي تكريس أنفسهم لتحسين الحياة علي الأرض. والأكثر إفادة هو تأكيده دور الجامعات في خلق المعرفة الجديدة وطبقة جديدة يحددها التعليم. في جوتنجن وهالي في القرن الـ18، وفي برلين وبون في القرن 19، ابتكرت ألمانيا الجامعة الحديثة التي تجمع بين التدريس والبحث العلمي في الإنسانيات والعلوم علي حد سواء في الوقت الذي اتسمت فيه هارفارد وأكسفورد بالاتجاه المحافظ وركزت علي دراسة اللاهوت.
بعض الفلاسفة الألمان منهم مارتن هايدجر طرحوا مبدأ الفردية الحديثة ولكن حتي لو لم يكن هايدجر نازيا فإننا لا نزال نواجه سؤالا مهما: هل كان هتلر عدوا أم أنه ذروة العبقرية الألمانية؟ واطسون يعرف جيدا أن ألمانيا لا يمكن أن تتبرأ من النازيين، إنه يستعير الكثير من النظريات المختلفة والمتناقضة التي توضح أن الطبقة الوسطي المتعلمة كانت ضعيفة جدا حتي تحاول إيقاف هتلر حتي إنها تخلت عن مسئوليتها في القيام بذلك.
ورغم هذا فإنه لا يمكن لتاريخ الأفكار أن يفسر مأساة العبقرية الألمانية. ربما يتصور هتلر نفسه أنه مفكر عظيم فإن نجاحه جاء من عبقريته كمحلل ومخطط سياسي قادر علي وضع تكتيكات مهمة في الأوقات العصيبة، ولهذا أعجب المثقفون به -أو خافوا منه- لقدرته علي إغواء الملايين من الناخبين الذين لم يعرفوا شيئا عن كانط أو هايدجر.
بحلول عام 1900، اتفق الجميع أن هناك شيئا ما خاصا بالألمان. فلسفتهم كانت أكثر عمقا وكذلك موسيقاهم. أما علماؤهم ومهندسوهم فكانوا الأفضل. جنودهم لم يكن لهم مثيل. هل هذا التفوق والسيادة الألمانية كانت تبشر بالخير أم بالسوء بالنسبة للقرن الجديد؟، البعض ساعد في انتشار التحذير منها إلا أن البعض الآخر كانوا من كبار المعجبين بها. الإنجليزي هيوتسن ستيوارت تشامبرلين زوج ابنة ريتشارد فاجنر-الموسيقار الألماني الشهير- كتب مثلا يجادل بأن الألمان هم الورثة الحقيقيون الوحيدون لروما القديمة واليونان القديمة، وكثير من الألمان سعدوا بهذا.
يستعرض «براين لاد» في النيويورك تايمز كتاب بيتر واطسون «العبقرية الألمانية» موضحا أنه بعد اندلاع الحرب العالمية في عام 1914 زاد المثقفون الألمان في دفاعهم عن سيادة ثقافتهم مبدين استياءهم من محاصرتها من قبل البرابرة. بالتأكيد كان النازيون هم الذين جعلوا الأمر صعبا علي الجميع لتقدير ما اسماه بيتر واطسون بـ«العبقرية الألمانية». ولقد أفسد جوبلز الأمر حين قدم «هتلر» باعتباره مثلا أعلي للثقافة الألمانية. كثير من الألمان والأجانب لأسباب متباينة اتفقوا مع ما قاله جوبلز. واطسون الصحفي البريطاني ومؤلف هذا الكتاب يريد منا أن نترك النازي جانبا وأن نقدّر أن عالمنا المعاصر -أو علي الأٌقل عالم الأفكار- هو -إلي حد كبير- إبداع ألماني.
«العبقرية الألمانية» هو عبارة عن تجميعات مطولة لمساهمات ألمانية ضرورية في الفلسفة واللاهوت والرياضيات والطبيعة والعلوم الاجتماعية والفنون منذ عام 1750، ويدين واطسون بالفضل في هذا لمفكرين مبدعين معتبرا أن الألمان قادوا الطريق نحو بلوغ أعماق العقل البشري والجسم في رحلة البحث عن الحقيقة والمعني.
ويذكرنا واطسون بأن عصر كانط- الفيلسوف الألماني الذي بزغ نجمه في القرن الـ 18- أنتج -ضمن أشياء أخري كثيرة- سيمفونيات هايدن وشعر جوته واكتشاف هيردر للتاريخ الوطني واكتشافات وينكلمان في علم الآثار الخاص بالفن القديم وهو ما يسميه واطسون بـ «النهضة الثالثة» بعد النهضة في القرنين «12» و«15» قبل دارون بفترة طويلة، أظهر الألمان أن العالم الطبيعي مكان لا يهدأ للتغيير وكذلك المجتمع البشري. لذا فإننا ندين لهم بشعورنا بالتاريخ. الرومانسية الألمانية وضعت الحقيقة والإبداع بقوة داخل العقل البشري. وفي وقت لاحق فإن هيجيل وماركس ونيتشه وفرويد سعوا لإحداث فارق في عالم متقلب.
«العبقرية الألمانية» يضم مجموعة من الموضوعات المثيرة للإعجاب، من الرسامين إلي علماء الفيزياء ويتضمن الكثير من الأسماء المهمة التي لا يعرف معظمنا منها سوي كونها جزءاًِ من وحدات القياس مثل: هيرتز، ماخ، رونتجن.
الكتاب يقدم ما يشبه القاموس للسير الذاتية الألمانية لكنه أسقط العديد من الأسماء. فهناك الكثير من العباقرة الألمان لكن ما «العبقرية الألمانية»؟، لكي نفهم ما الشيء الخاص في ألمانيا لابد أن يخبرنا واطسون أكثر عن العالم الذي أخرج لنا هؤلاء المفكرين. هو قدم بالفعل بعض التلميحات المهمة موضحا علي سبيل المثال أهمية الإحياء الديني في القرنين 17 و18 والذي تم فيه تشجيع المؤمنين به علي تكريس أنفسهم لتحسين الحياة علي الأرض. والأكثر إفادة هو تأكيده دور الجامعات في خلق المعرفة الجديدة وطبقة جديدة يحددها التعليم. في جوتنجن وهالي في القرن الـ18، وفي برلين وبون في القرن 19، ابتكرت ألمانيا الجامعة الحديثة التي تجمع بين التدريس والبحث العلمي في الإنسانيات والعلوم علي حد سواء في الوقت الذي اتسمت فيه هارفارد وأكسفورد بالاتجاه المحافظ وركزت علي دراسة اللاهوت.
بعض الفلاسفة الألمان منهم مارتن هايدجر طرحوا مبدأ الفردية الحديثة ولكن حتي لو لم يكن هايدجر نازيا فإننا لا نزال نواجه سؤالا مهما: هل كان هتلر عدوا أم أنه ذروة العبقرية الألمانية؟ واطسون يعرف جيدا أن ألمانيا لا يمكن أن تتبرأ من النازيين، إنه يستعير الكثير من النظريات المختلفة والمتناقضة التي توضح أن الطبقة الوسطي المتعلمة كانت ضعيفة جدا حتي تحاول إيقاف هتلر حتي إنها تخلت عن مسئوليتها في القيام بذلك.
ورغم هذا فإنه لا يمكن لتاريخ الأفكار أن يفسر مأساة العبقرية الألمانية. ربما يتصور هتلر نفسه أنه مفكر عظيم فإن نجاحه جاء من عبقريته كمحلل ومخطط سياسي قادر علي وضع تكتيكات مهمة في الأوقات العصيبة، ولهذا أعجب المثقفون به -أو خافوا منه- لقدرته علي إغواء الملايين من الناخبين الذين لم يعرفوا شيئا عن كانط أو هايدجر.
تعليق