غوته والمرأة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد زعل السلوم
    عضو منتسب
    • Oct 2009
    • 746

    غوته والمرأة

    ولد يوهان وولفغانغ فون غوته عام 1749 و تميز بتنوع إنتاجه الأدبي حيث أبدع في مجالات الشعر والرواية والقصة والأنشودة الغنائية والمسرحية وبعض فروع العلم ,و كان غوته ناقدا و رساما و فيلسوفا وصحفيا و مديرا للمسرح ووزيرا للثقافة, فضلا عن اهتماماته بالكشف العلمي وبالتالي في كثير من مجالات العلم لدرجة أن كتاباته في العلم فقط تشغل 14 مجلدا, كما نشرت أعماله المختلفة في أكثر من 40 مجلدا.

    عاش غوته 82 عاما فقد توفي في 22/آذار/1832 0 لعبت المرأة دورا كبيرا في حياة غوته ,وانعكس ذلك في إنتاجه الأدبي ,وكثير من النسوة ظهرن في أعماله بشكل أو بآخر فعلاقاته العاطفية عكست صورة الروابط التي ربطته بالمرأة ,فضلا عن الاختلافات الواسعة بين –

    شخصيات النساء اللاتي كان يرتبط بهن وأسلوب ترجمته لعواطفه تجاههن في الأعمال الكبرى التي أبدعها خلال حياته حيث انتزعت (غريتشن) حق الأسبقية

    كفتاة أحلامه التي أحبها وهو لا يزال في الخامسة عشرة من عمره فتركت في نفسه آثارا عميقة باقية لم تفلح السنون في محوها فقد ذكرها في سيرة حياته وأعاد بعض الذكريات التي ارتبطت بذهنه حيث يقول عنها :" عندما كنت أرى هذه الفتاة يبرز أمامي عالم جديد من الجمال والكمال" وقد أطلق أسمها على بطلة مسرحية (فاوست),ثم كانت هناك " فريدريكا " الريفية المتحفظة التي أوحت إليه بكتابة مجموعة كبيرة من أهازيج الحب والأشعار الغنائية التي يتغنى فيها بالفتاة ولكنه لم يلبث مع ذلك أن قطع علاقته بها حين أدرك عدم جدوى مثل هذه العلاقة التي لن تحقق أي هدف, ثم ظهرت في حياته ( شارلوتا ) خطيبة احد معارفه ومع انه تعلق بها تعلقا شديدا فانه لم يشعر بالتعاسة لارتباطها برجل آخر لآن ذلك سيعفيه من ارتباط الزواج وحين شعر أن خطيبها قد يتخلى عنها ويتركها نتيجة لهذه العلاقة,تخلى عنها لكنه لم ينسى أن يجعل منها بطلة روايته الشهيرة ( آلام فيرتر) التي تسجل في الحقيقة جانبا من قصتهما معا ,بعد ذلك أحب غوته (ليلي شاتمان) في عام 1774 وكانت ابنه احد رجال البنوك ولا تزال في 16من عمرها فهي الفتاة الثرية والمدللة وقد اعترفت له بأنها أرادت أن تجعله يعجب بها كما كانت الفتاة الوحيدة التي أقدم على خطبتها نظرا لكونها تلائمه من حيث المركز و قوة الشخصية فضلا عن تقارب السن إذ كان لايزال في الخامسة والعشرين ولكنه عدل عن هذا الزواج كي يقع في غرام (ماكسميلنا برناتي)التي شجعته بدورها على إتمام روايته(آلام فيرتر)لكن الحب لم يدم طويلا.

    مما لا شك فيه أن المرأة لعبت دورا كبيرا في توجيه خطا غوته ومساعدته على الحركة في الأوساط الراقية كما فتحت ذهنه على كثير من مجالات الفكر وكانت (شارلوتا فون شتاين)زوجة البارون فون شتاين احد رجالات بلاط فايمار وقد التقاها غوته عام1776 وكان عمره آنذاك 26 بينما عمرها 33 وكانت تتمتع بدرجة عالية من الذكاء والثقافة والقدرة الفكرية كما كانت أكثر نضجا من الناحية الاجتماعية وقد كتب لها غوته مايزيد على1500 رسالة يعبر فيها عن عواطفه ويضمنها الكثير من أفكاره لكن رسائله إليها لم تصل إلينا وكما يبدو انه تم إحراقها عن آخرها لذلك من الصعب الحكم على نوع العاطفة التي كانت تكنها له لكنها على الأغلب أنها حافظت على طهارة العلاقة بينهما مما كان يسبب له الكثير من الآلام التي انعكست في مسرحية (ايفغيني)التي كتبت لكي تمثل في بلاط فايمار لكنه حين جاءت ممثلة شبه مشهورة تدعى (كورونا)لكي تقوم بدور (ايفغيني)في المسرحية وقام غوته بنفسه بتمثيل دور(اوريست)فوقع في غرامها ونشا عن ذلك الكثير من المشاكل في البلاط وهي مشاكل ناتجة في المقام الأول عن غيرة (شارلوتا فون شتاين) التي رفضت حضور حفل الافتتاح ولكن ما لبث غوته أن نسي كل شئ عن كورونا بعد أن انقضت مهمتها التمثيلية ورحلت عن فايمار,ظهرت في حياة غوته ابنة حبيبته القديمة(ماكسميلنا)وكانت تتمتع بحاسة أدبية ناضجة وتركت كتابا عن غوته تنقصه الدقة في بعض المعلومات لكنه لايزال من عيون الأدب حتى يومنا هذا وقد أفاد غوته نفسه من حكايتها وثرثرتها وتضمن الكثير منها سيرة حياته في مؤلف الشعر ولكنه عمليا عاملها بكثير من الحرص.

    في عام 1786 اختفى غوته فجأة من فايمار وقام برحلته الشهيرة إلى ايطاليا دون إخبار احد حيث رأى عن كثب روائع الفن واتصل بكبار الفنانين والرسامين واستمرت رحلته حتى حزيران عام 1788,عاد بعدها إلى فايمار حيث استقبل كغريب ,فضلا عن تقلص سلطانه في بلاط فايمار إلى حد كبير ليلتقي في نفس العام وهو يتنزه ب(كريستينا فيلبيوس)العاملة الفقيرة والتي اقتربت منه لترفع له كتابا لتشغيل أخيها وأعجب الشاعر بالفتاة واصطحبها معه إلى بيته حيث عاشت معه سنين طويلة أنجبت له خلالها خمسة أولاد لم يعش منهم إلا ابن وحيد,لكنه لم يتزوجها رسميا إلا حين أصبح ذلك الابن في الثامنة عشرة من عمره فتم الزواج بغير احتفال والطريف هنا أن الابن نفسه كان احد شاهدي زواج والديه ,وكانت علاقة غوته بكريستيانا فيلبيوس ثم الزواج منها قد أثارت الكثير من التندر فلم تتمتع بقدرة عقلية يمكن مقارنتها بما كانت تحظى به النساء الأخريات اللواتي عرفهن وكان أصدقاؤه يشيرون إليها في أحاديثهم الخاصة بأنها النصف الحلو السمين لغوته إشارة إلى امتلاء جسمها ,ولكن في واقع الأمر أفلحت الفتاة نصف المتعلمة ونصف الجميلة فيما اخفق غيرها فأخضعت الشاعر المتمرد على تقاليد الزواج بكل ما تفرضه من قيود والتزامات واستقرار وشعور بالانتماء العائلي, وحين ماتت كريستيانا فيلبيوس عام 1816 أي بعد 28 عاما من المعاشرة والزواج,كتب غوته في يومياته:"إن الشعور بالفراغ وسكون الموت يخيمان على داخل نفسي وخارجها".

    حين أصبح غوته في سن الستين عاما قابل (مينا هرزليب) واوحت إليه بالكثير من أناشيده الغنائية كما أصبحت قصة غرامها موضوع روايته(الأنساب المختارة)حيث يكشف في شخصية (اوديل)بطلة الرواية عن شخصية(مينا)الحقيقية والتي تزوجت فيما بعد من أستاذ جامعي وأنهت حياتها في إحدى المصحات العقلية ,وفي عام 1814 كان غوته قد بلغ ال65 من العمر وقابل أثناء رحلة استشفاء صديقه القديم (فلمار)مع زوجته (ماريانا)ذات ال30 ربيعا فأعجب بها وكتب فيها العديد من القصائد وبادلته حبا بحب والظاهر أن ذلك كان أكثر علاقاته الغرامية إشباعا لمطالبه العاطفية والروحية والعقلية على السواء كما أن ماريانا ملهمته في كثير من القصائد التي ضمنها كتاب( الديوان الشرقي)إذ يتردد فيه اسمها المستعار وهناك من يقول أنها أسهمت في صياغة بعض إشعار الديوان .

    في سن ال73 أحب غوته(اولريكه فون ليفستو)الطالبة في المدرسة الثانوية وذات ال17 ربيعا ليلتقي بها في النزل الذي كان يقيم فيه أثناء استشفائه بالمياه المعدنية في منتجع (ماريانباد)فقد كانت اولريكه حفيدة لأصحاب النزل ولم تكن الفتاة قد قرأت شيئا من أعماله فأهداها نسخة من روايته (عهد التلمذة)ولكن الظاهر أن الفتاة الصغيرة كانت تفضل هداياه من الحلوى والزهور البرية وليس من الكتب وقد فاتح غوته صديقه دوق فايمار في أمر ذلك الحب ,وطلب ان يقوم بخطبتها من أمها نيابة عنه وقد قوبل طلبه بالاعتذار ولكي تتجنب الأم حرج الموقف رحلت مع بناتها الثلاث إلى مدينة(كارلسباد)لكن غوته تبعهن إلى هناك دون أن يحاول الاتصال بهن او يفرض نفسه عليهن وبعد أيام قليلة وبمناسبة عيد ميلاده ال74 ,تلقى الشاعر هدية,وهي عبارة عن كاس محفور عليها تاريخ وأسماء الأخوات الثلاث معا ولم يغب معنى الرسالة عن ذكائه فرحل ذات يوم في الصباح الباكر ولم ير اولريكه بعدها أبدا وكان هذا الحب هو قمة المأساة في حياته, وانسكبت مشاعره الحزينة في أنشودته الغنائية(مرثية ماريانباد)التي كتبها أثناء العودة إلى فايمار وتعتبر هذه المرثية أقوى وأعمق انشوداته الغنائية ومن أكثرها امتلاءا بالعواطف والانفعالات وكانت الوداع الأخير للحب والعاطفة التي أوحت إليه بشعره وأعماله العظيمة
    محمد زعل السلوم
يعمل...
X