حاشية في "الغنوصية"

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • Aratype
    مشرف
    • Jul 2007
    • 1629

    حاشية في "الغنوصية"

    كنت أبحث في مصطلح Pleroma وما أدراك ! فجمعت هذه الحاشية... ومرحباً بالتعقيب طبعاً...

    الغنوصية هي حركة وثنية مسيحية ترجع جذورها إلى ما قبل المسيحية بعدة قرون. وكان أتباعها يخلطون بين الفكر الإغريقي - الهيلينتسي والفكر المصري القديم مع التقاليد الكلدانية والبابلية والفارسية (خاصة الزردشتية التي أسسها الحكيم الفارسي زردشت (630 - 553 ق م)، والتي تعتمد على ثنائية الخير والشر، النور والظلمة، وكذلك اليهودية، خاصة فكر جماعة الأثينيين (الأتقياء) وما جاء في كتابهم «الحرب بين أبناء النور وأبناء الظلام»، والفلسفات والأسرار والديانات الثيو صوفية. وفوق ذلك الفلسفة الأفلاطونية، فلسفة وفكر أفلاطون (427 – 347 ق م)، الذي تأثرت به كثيراً وأخذت عنه أفكارها الجوهرية عن الإله غير المدرك والكون، والتي كانت منتشرة في دول حوض البحر المتوسط في القرن الأول. وكان الفيلسوف اليهودي فيلو من أكثر مناصريها، فقد اعتقد، أفلاطون، أنَّ الله غير مدرك ولا يتصل بالمادة، وأنَّ هناك قوَّة سامية «اللوغوس - λόγος - logos» التي خلقت العالم المادي، وهو «كلمة الله أو عقل الله». وأنَّ البشر يصارعون من أجل التحرر من سجن الجسد، وأنه يمكن إعادة التجسد (التناسُخ - أي عودة الروح في أجساد أخرى أكثر من مرة - Reincarnation) لأولئك الذين لم يتحرروا بالموت. بل ويرى بعض العلماء أن كلَّ أصول الغنوصية موجودة عند أفلاطون لذا يقول العلامة ترتليان «أنا أسِف من كلِّ قلبي لأنَّ أفلاطون صار منطلق كلِّ الهراطقة».

    ومعنى الغنوصية «حب المعرفة»، ومنها «Gnostic - غنوصي - محب المعرفة» من كلمة «ςισωνγ - gnosis» التي تعني «معرفة». وهي عبارة عن مدارس وشِيَع عديدة تؤمن بمجموعات عديدة من الآلهة. وكانت أفكارهم ثيو صوفية سرية. ولمـَّا ظهرت المسيحية خلط قادة هذه الجماعات بين أفكارهم، وبين بعض الأفكار المسيحية التي تتفق معهم ! وتتلخَّص أفكارهم في الآتي :

    (1) الإيمان بإله واحد مطلق غير مدرك ولا معروف وأسمى من أن يعرفه مخلوق ما، فهو روح محض ومطلق، هذا الكائن عرفوه بأسماء كثيرة أهمها «البليروما – πληρωμα – Pleroma» والذي يعني الملء ويشير إلى قدرات هذا الإله الكلية. وقد تُرجمت كلمة بليروما في الرسالة إلى كلوسي «ملء اللاهوت» ؛ «الذي فيه (المسيح) يحلُّ كلُّ ملء اللاهوت جسدياً» (2 : 9)، كما أسموه أيضاً «بيثوس – Βυθος – Bythos»، العُمق.

    (2) هذا الإله، يقولون، أنه انبثق منه، بثق من ذاته، أخرج من ذاته، خرج منه بالانبثاق عدد لا يحصى من الكائنات الإلهية، أو القوات الروحية ذات الأنظمة المختلفة التي أسموها بالأيونات (αιωνος - Aeons) والتي توالت في الانبثاق من ذاتها إلى ما لانهاية. أو كما قالت الكثير من فرقهم أنَّ هذا الإله بثق من ذاته 365 أيوناً وكلُّ أيون بثق من ذاته 365 أيوناً وهكذا كل واحد بثق من ذاته 365 أيوناً إلى ما لا نهاية ! هذه القوات المنبثقة من الإله السامي، والتي انبثقت من الأيونات نفسها، كان لها أنظمة مختلفة وأسماء مختلفة وتصنيفات وأوصاف مختلفة. ومن ثَمَّ فقد آمنوا بمجموعة كبيرة من الآلهة.

    (3) وقالوا بالوجود السابق للمادة، وأن هذا الإله السامي والصالح لم يخلق المادة التي كانت موجودة، بحسب الفكر الأفلاطوني سابقا، بل أخرج، انبثق من ذاته، العالم الروحي المكون من هذه الأيونات، وتكون هذه الأيونات مع الإله السامي (البليروما)، أو الملء الكامل، دائرة الملء الإلهي (الملء اللاهوتي). وأن هذا الإله السامي الذي أخرج العالم الروحي من ذاته لم يخلق شيئاً. فهم يؤمنون بأزلية المادة.

    (4) ومن هذه الأيونات قامت الحكمة، صوفيا (Σoφíα - Sophia)، التي بثقت، أخرجت، من ذاتها كائناً واعياً، هو الذي خلق المادة والعوالم الفيزيقية، وخلقَ كلَّ شيء على صورته، هذا الكائن لم يعرف شيئاً عن أصوله فتصور أنه الإله الوحيد والمطلق، ثم اتخذ الجوهر الإلهي الموجود وشكَّله في أشكال عديدة، لذا يُدعى أيضاً بالديميورج (Demiurge)، أي نصف الخالق. فالخليقة مكونة من نصف روحي لا يعرفه هذا الديميورج، نصف الخالق ولا حكامه.

    ومن هنا فقد آمنوا أنَّ الإنسان مكوَّن من عنصرين عنصر إلهي منبثق من الجوهر الإلهي للإله السامي ويشيرون إليه رمزياً بالشرارة الإلهية، وعنصر مادي طبيعي فانٍ. ويقولون أنَّ البشرية بصفة عامة تجهل الشرارة الإلهية التي بداخلها بسبب الإله الخالق الشرير وأرخوناته (حُكَّامه). وعند الموت تتحرر الشرارة الإلهية بالمعرفة، ولكن إن لم يكن هناك عمل جوهري من المعرفة تندفع الروح، أو هذه الشرارة الإلهية، عائدة في أجساد أخرى داخل الآلام وعبودية العالم.

    وأعتقد بعضهم بالثنوية (Dualism) الإلهية، أي بوجود إلهين متساويين في القوة في الكون، إله الخير، الذي خلق كلَّ الكائنات الروحية السمائية، وإله الشر الذي خلق العالم وكل الأشياء المادية ! وربطوا بين إله الشر وإله العهد القديم ! وقالوا إنَّ المعركة بين الخير والشر هي معركة بين مملكة النور ضد مملكة الظلمة !

    واعتقد بعضهم أنَّ إله الخير خلق الروح وقد وضعها إله الشر في مستوى أدنى في سجن الجسد المادي الشرير. وهكذا فإنَّ هدف البشرية هو الهروب من سجن الجسد المادي الشرير والعودة إلى اللاهوت أو التوحُّد مع إله الخير ! وقد فهموا خطأ قول القديس بولص بالروح : «إذا إن كنتم قد مُتُّم مع المسيح عن أركان العالم فلماذا كأنكم عائشون في العالم تفرض عليكم فرائض لا تمسُّ ولا تذوق ولا تجسُّ، التي هي جميعها للفناء في الاستعمال حسب وصايا وتعاليم الناس. التي لها حكاية حكمة بعبادة نافلة وتواضع وقهر الجسد ليس بقيمة ما من جهة إشباع البشرية» (كو20:2-23).

    وآمن بعضهم بوجود مستويات روحية مختلفة للكائنات البشرية، وقالوا بالاختيار السابق وزعموا أنَّ أصحاب المستوى الروحي الأعلى ضامنون الخلاص مستخدمين قول القِدِّيس بولص بالروح «لأنَّ الذين سبق فعرفهم سبق فعيَّنهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه ليكون هو بكراً بين إخوة كثيرين. والذين سبق فعيَّنهم فهؤلاء دعاهم أيضاً. والذين دعاهم فهؤلاء برَّرهم أيضاً. والذين برَّرهم فهؤلاء مجَّدهم أيضاً» (رو 29:8 - 30). وأنَّ أصحاب المستوى الروحي المنخفض ليس لهم خلاص، أمَّا الذين في المنتصف فعليهم أن يجاهدوا للخلاص !

    وآمنوا أنه يوجد حقٌ مُعلنٌ في جميع الأديان. والخلاص بالنسبة لهم ليس من الخطيئة بل من جهل الحقائق الروحية التي يمكن الوصول إليها بالمعرفة التي جاءت عن طريق رسل، خاصة المسيح كلمة (اللوجوس - λογος - Logos) الإله الحق. وليس بآلامه وتقديم ذاته للموت بل بتعليمه وكشفه للأسرار ومفهوم الخلاص. فالخلاص، من وجهة نظرهم، يتم فقط من خلال المعرفة (gnosis)، ومن ثم خلطوا بين أفكارهم القديمة وفهمهم الخاطئ لقول القديس يوحنَّا بالروح «وتعرفون الحقَّ والحقُّ يحرِّركم» (يوحنَّا 32:8) وأيضاً «كان إنسان مُرسلٌ من الله اسمه يوحنَّا. هذا جاء للشهادة ليشهد للنور لكي يؤمن الكلُّ بواسطته. لم يكن هو النور بل ليشهد للنور. كان النور الحقيقي الذي ينير كلَّ إنسان آتياً إلى العالم. كان في العالم وكُوِّن العالم به ولم يعرفه العالم. إلى خاصَّته جاء وخاصَّته لم تقبله. وأمَّا كلَّ الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه. الذين وُلدوا ليس من دمٍ ولا من مشيئة جسدٍ ولا من مشيئة رجلٍ بل من الله» (يوحنَّا 6:1-13).
    التعديل الأخير تم بواسطة Aratype; الساعة 10-12-2009, 07:56 PM.
  • عبدالرحمن السليمان
    عضو مؤسس، أستاذ جامعي
    • May 2006
    • 5732

    #2
    [align=justify]حاشية رائع وجهد موفق أخي الدكتور أسامة.

    يرجى أيضا النظر في هذا الرابط:

    ΠΤΟΛΕΜΑΙΟΥ ΠΡΟΣ ΦΛΩΡΑΝ من بطليموس إلى فلورة الأصل اليوناني المصدر: Tesaurus Linguae Graecae "ذخيرة اللغة اليونانية"، قرص صلب يحتوي على أكثر النصوص اليونانية، يطلب من الموقع التالي: http://www.tlg.uci.edu/ .*


    وقد بدأت مقالة تالية لرسالة بطليموس، لشرح عالمه الغنوصي وتصوره الميتافيزقي، لكنها لم تنته بعد ..

    ولي عودة إن شاء الله.
    [/align]

    تعليق

    يعمل...