حتى لا ننسى اليونان

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد زعل السلوم
    عضو منتسب
    • Oct 2009
    • 746

    حتى لا ننسى اليونان

    حتى لا ننسى اليونان آخر تحديث:الجمعة ,20/08/2010




    رغيد الصلح






    خلال شهر نيسان/إبريل 1967 قام عدد من الكولونيلات اليونانيين بانقلاب ضد الحكومة اليونانية المنتخبة بزعامة أندرياس باباندريو، فعطلوا الدستور وحلوا البرلمان وألقوا بمئات الناشطين السياسيين في السجن . وكان بابارندريو صديقاً للعرب ومؤيداً لحركات التحرر في العالم، فجاء الكولونيلات الإنقلابيون يغيرون هذه السياسة ويبتعدون عن العرب ويسايرون حكومات الحلف الأطلسي وخاصة الولايات المتحدة، ويقفون مواقف متعارضة مع تحرير الأمم والشعوب التي كانت لا تزال ترزح تحت السيطرة الأجنبية .



    وفي اليونان انتشرت روايات كثيرة حول الأسباب التي حدت “بالكولونيلات السود” كما لقبوا، إلى القيام بالانقلاب على الحكومة الشرعية . فمن هذه الروايات أن العسكريين خافوا من نمو الحركة الشعبية التي تزعمها باباندريو لأنها كانت تسعى إلى تقوية سلطة المؤسسات المنتخبة على حساب سلطة الجيش . ومن هذه الروايات أيضاً أن العسكريين سئموا الصراع بين القصر الملكي-وخاصة ملكة اليونان التي كانت ذات شخصية قوية وتتدخل في دقائق الحكم، من جهة، وبين السياسيين من جهة ثانية، فقرروا حسم هذا الصراع الذي كاد أن يهدد الاستقرار . واستمرت سوق هذه الروايات رائجة إلى أن طغت واحدة منها واستقرت في أذهان الكثيرين من اليونانيين .



    فبعد شهرين من الانقلاب العسكري في اليونان، وقعت حرب الخامس من يونيو/حزيران بين “إسرائيل” والدول العربية، ولما خسر العرب وأعلن الزعيم المصري جمال عبد الناصر أن الطائرات “الإسرائيلية” هاجمت مصر من الغرب بدلاً من أن تأتيها من الشرق، توصل الحكم اليوناني السابق الذي انقلب عليه العسكريون إلى الربط بين الحرب التي شنتها “إسرائيل” على مصر ومن بعدها سوريا، من جهة، والانقلاب الذي قام به العسكريون ضد الديمقراطية اليونانية . فالانقلاب كان مقدمة للحرب، وهو الذي أفسح المجال امام “إسرائيل” لكي تفاجئ المصريين بهجمات طيرانها من الغرب بدلاً من الشرق . وهكذا تمكن الأمريكيون و”الإسرائيليون”، كما ردد أنصار الحكم اليوناني السابق، من اصطياد نسرين بحجر واحد: عبد الناصر في المنطقة العربية، وجورج باباندريو في العالم الهيليني .



    انتشرت هذه الرواية في اليونان ولم تجر مناقشتها أو التأكد من صدقيتها حتى بعد سقوط حكومة الكولونيلات في اليونان عام 1974 . ولكن بصرف النظر عن مدى صحة هذه الرواية، فإنها دلت، في الوعي الشعبي اليوناني، على عمق الروابط بين العرب واليونانيين . ولم تكن هذه الرواية الدليل الوحيد على العلاقات العميقة التي ربطت بين العرب واليونانيين . فالموقف تجاه القضية الفلسطينية كان أيضاً من العوامل التي قربت بين الاثنين ورسخت علاقات الصداقة بين العرب واليونانيين . ولقد تبنت اليونان القضية الفلسطينية إلى درجة الجزم، في بعض الأوساط العلمية اليونانية بأن الفسطينيين هم أحفاد اليونانيين، وبأن الأوائل جاؤوا إلى فلسطين من الجزر الإغريقية .



    إضافة إلى هذا التفسير التاريخي لتأييد اليونانيين للقضايا العربية وتضامنهم مع العرب ضد “إسرائيل”، فقد وجد ابوستولو ايناتستوبلس أحد العلماء اليونانيين في بحث وضعه حول اليونان والصراع الفلسطيني-”الإسرائيلي” أربعة أسباب أخرى تفسر هذا الموقف: أولاً، علاقة اليونان الخاصة بالمنطقة خاصة من الناحية الجغرافية . ثانياً، الاعتبارات الجغراسية وذلك في إطار الصراعات الدولية حيث للعرب ولليونان مصالح مشتركة . ثالثاً، الاعتبارات الأمنية إذ كان الصراع العربي-”الإسرائيلي” موازيا-من وجهة نظر يونانية -للصراع التركي -اليوناني، خاصة عندما كانت تركيا تقوم بدور حليف ل”إسرائيل”، وأخيراً الاعتبارات الأخلاقية، حيث كان اليونانيون يعرفون ان “الإسرائيليين” معتدون وأن الفلسطينيين هم المعتدى عليهم .



    تلك الروايات والاعتبارات تبين لمن يتتبع العلاقات اليونانية -العربية عمق الصلات التي تربط الطرفين . بيد أن حكومة بنيامين نتنياهو تسعى إلى طي تلك الصفحة في علاقات اليونان ب”إسرائيل” وإلى إقامة حلف بين البلدين يحل بين الحلف التركي-”الإسرائيلي” . لهذا الغرض قام نتنياهو بزيارة أثينا في مطلع هذا الأسبوع وقدم وعوداً مادية وسياسية سخية لليونانيين .



    فهل تتغاضى أثينا عن الاعتبارات التاريخية والجغراسية والأخلاقية وتدير ظهرها للعرب من أجل التحالف مع “إسرائيل”؟



    رغم أن رئيس حكومة اليونان جورج باباندريو (الحفيد) هو الذي قام أولاً بزيارة “إسرائيل”، فإنه حرص على التأكيد خلال الاتصالات مع “الإسرائيليين” أنه متمسك بالعلاقات مع العرب، وأن اتصاله ب”إسرائيل” سوف يمكنه من المساهمة في تعبيد طريق المفاوضات بين العرب و”الإسرائيليين” . أي بتعبير آخر، أنه يقيم اتصالات مع “الإسرائليين” لمصلحة الأخيرين والعرب واليونان أيضاً . المطلوب الرد على هذا الموقف بالتأكيد على أن مثل هذه الاتصالات والعلاقات “الدافئة”، كما وصفها نتنياهو، تخدم “الإسرائيليين” من دون العرب . كذلك مطلوب، من ناحية أخرى، التأكيد على أن تطوير العلاقات مع تركيا لن يكون على حساب العلاقات العربية-اليونانية . فإن أنقرة نفسها لا تطلب اضعاف علاقات العرب مع الأتراك، بل على العكس ترى أن العلاقات المثلثة العربية-اليونانية-التركية تخدم الأطراف الثلاثة .
يعمل...