من أخماتفا ٳلى ستالين!
ذاقت الشاعرة و الأديبة الروسية المعروفة أنّا أخماتفا في حياتها شتى صنوف المعاناة و الويلات ، وخصوصا فيما يتعلق بزوجيها و ٳبنها الذين اعتقلوا ٳبان الحكم السوفييتي واتهموا بالقيام بأعمال مناهضة للحكم القائم انذاك . أما زوجها الأول فقد اعدم في عام 1921 ، و أعتقل زوجها الثالث ثلاث مرات و لقي حتفه فيما بعد في أحد معسكرات الٳعتقال في عام 1953 . و حياة ٳبنها لا تقل تعاسة ، فقد قضى في السجون أكثر من عشر سنوات. عبرت أخماتفا عن لوعتها و كمدها على زوجيها و ٳبنها (بشكل أساسي) في قصيدتها المشهورة "موسيقى قداس الموتى" والتي تعد ٳحدى أشهر القصائد الروسية. كتبت أخماتفا هذه القصيدة في الفترة من 1935 و حتى 1940 ، ففي عام 1935 اعتقل زوجها و ٳبنها ، وفي عام 1938 اعتقل ٳبنها مرة اخرى. ٳلا أن معظم أجزاء القصيدة و أكثرها ألما كتبت ٳبتداء من عام 1939 . ما يميز هذه القصيدة أن كل حرف فيها كتب بالدموع حزنا على أحبابها المعتقلين و المقتولين. فضلا عن ذلك ، فٳن ما يكسب هذه القصيدة طابعا خاصا هو أنها كانت معبرا حقيقيا عن معاناة الآلاف من من تعرضوا للٳعتقال انذاك. فعندما كانت أخماتفا تزور ٳبنها في السجن، كانت ترى الكثير من أهالي المعتقلين هناك : فتتقاسم معهم الأحزان و الآلام . وفي هذه الظروف العصيبة ولدت هذه القصيدة.
ٳن هذه الأحداث المؤلمة التي وقعت لأعز الناس وأقربهم ٳليها سبب لها جرحا نفسيا غائرا وأمراضا عضوية قاسية كانت تجعلها طريحة الفراش لفترات طويلة. وكانت تعاني أيضا من تضييق السلطات عليها فيما يتعلق بنشر الأعمال الأدبية و طباعتها ، فقد كانت أما و زوجة "لأعداء الشعب" وهو اللقب الذي كان يطلق على كل من يعادي النظام انذاك. فضلا عن ذلك ، لم تكن أخماتفا على وفاق مع السلطة السوفيتية ، فأخذ بعض المتنفذين في السلطة بمضايقتها و استعداء أصحاب القرار في السلطة عليها ، فاتهمت باعتناق أفكار برجوازية و أنها مناهضة للثورة , فمنعت مؤلفاتها وعانت من التضييق الشديد.
ولكن ومع كل هذه المصاعب و النكبات المتواترات ، فقد صمدت أنّا أخماتفا صمود الجبال ، و أبدعت كثيرا من الأعمال الأدبية و الشعرية التي تعد من عيون الأدب و الشعر و الكتابة. وكما يقال : يولد الٳبداع من رحم المعاناة!
عندما اعتقل زوجها و ٳبنها ، قررت أن تتوجه برسالة ٳلى ستالين ، تستعطفه فيها للإفراج عن شريك حياتها و فلذة كبدها.
تقول أنّا أخماتفا في رسالتها:
يوسف فيساريانافيتش المبجل!
وٳني ٳذ أعرف اهتمامكم البالغ بقوى البلاد الثقافية وخصوصا الكتاب ، فقد قررت أن اتوجه ٳليكم بهذه الرسالة. في 23 اكتوبر في مدينة ليننغراد أعتقل زوجي نيكالاي نيكالايفتش (بروفيسور في أكاديمية الفنون) و ٳبني ليف نيكالايفتش غوميليوف (طالب في جامعة ليننغراد الحكومية). يوسف فيساريانافيتش ، ٳنني لا أعرف ماهي التهم الموجه ٳليهم ، ولكنني أقسم لكم أنهما ليسا فاشيين ولا جاسوسين ولا عضوين في جمعيات مناهضة للثورة.
ٳنني أعيش في الٳتحاد السوفييتي منذ بداية الثورة ، ولم أفكر أبدا في ترك البلد الذي أرتبط به بعقلي و قلبي.
على الرغم من أن أشعاري لا تطبع ، و أراء النقاد تسبب لي كثيرا من اللحظات المريرة ، إلا أنني لم أيئس و واصلت العمل في ظروف مادية و معنوية قاسية للغاية ، وقد أنهيت عمل عن بوشكين والأخر في الطباعة.
ٳنني أعيش في ليننغراد وحيدة ، ولهذا دائما ما أمرض. ٳن ٳعتقال الشخصين الوحيدين القريبين مني وجه لي ضربة لم أعد استطع تحملها.
أرجوكم ، يا يوسف فيساريانافيتش ، أن تعيدوا لي زوجي و ٳبني ، و ٳنني على ثقة أنه لن يندم أحدا على هذا الامر أبدا.
انّا اخماتافا - 1 نوفمبر 1935