ومكانة الأدب الإسلامي
دراسة الأديب والشاعر التركي علي نار
ترجمة كمال أحمد خوجة
بدأ الأدب الإسلامي باللغة التركية بعد اعتناق الأتراك الإسلام. ويقال بأن ملحمة ماناس (26000 بيت) هي أول إنتاج أدبي. ثم تطور الأدب يوما بعد يوم؛ استمر مع علي شيرنوائي وأحمد يسوي ومولانا جلال الدين الرومي ويونس أمره، حتى وصل إلى خط فضولي والشيخ غالب ومحمد عاكف... لكن حركة الإصلاحات خلطت كل شيء بما فيها اللغة والأدب.
أرادوا توثيق الصلة مع الغرب والغرب رغب في ذلك فكان من الطبيعي أن تكون اللغة والأدب أداتهم.
الأسلوب اللاتيني الذي يستمد جذوره من التاريخ، بالإضافة إلى الأسلوب التقليدي والواقعية والطبيعية والسوريالية والرمزية وغيرها بدأت تطل برأسها في اللغة التركية. ومن الطبيعي أيضا أن يظهر بعض الأدباء المشهورين ، لكن " أدبنا الأصل " واصل طريقه.
ولكن مع العهد الجمهوري سادت سخافة "انس القديم واسلك الطريق الجديد"
-في البداية أزيل الإحساس الإسلامي؛ وكثرت المفاهيم اللادينية، فعرفوا ذلك بـ" الشعر المطلق"
- ثم كان التخلي عن الكلمات الأصلية، وتناسي المضامين وقواعد وأصول البلاغة،
- غيروا الأوزان " ، اعتمدوا "مقياس التهجي" وأهملت القافية، ثم كانت صرعة الشعر الخالي من الوزن والقافية( الشعر الحر)
-أعقب ذلك اللامعنى. ولعل الصحيح أن المعنى المقصود كان في بطن الشاعر(!).
وبذلك:
زالت قاعدة " إن من الشعر لحكمة" وبات " الإبهام" الذي هو الخلل والقصور الأساسي في أدبنا روح الفن الغامض، وتلاشت الفصاحة.
كان التعقيد اللفظي عيبا أدبيا ، فصرنا نجد ما هو أكثر تعقيدا وعيبا.
ولما كان "الشعر لب الأدب" فإننا نتناوله دائما في معرض الشعر...
لقد جعلونا نقول ما قاله شاعر الهجاء أشرف:
"كنا نبحث في شعرنا القديم عن المعنى بالمنظار، ولا حاجة للبحث عن معنى في الشعر الحالي"
فبعد المعنى والحكمة والمحتوى المعنوي، والنسق والمقياس ، فقد الأدب الحياء والجانب الأخلاقي، وكثر الكلمات القبيحة والرذيلة التي عرفت بـ" الاستهجان الأدبي"
ووصل الأمر إلى انتفاء وانتهاء العلاقة بين الكلمات من قريب أو بعيد. ذهب التناسب وبات الكلام غير المتناسب والجمل التائهة وسلاسل الهذيان شعرا وفنا.
هذا الوضع لازال قائما. ولكن نجيب فاضل اعتبارا من الأربعينيات من خلال مجلته "الشرق الكبير" وسزائي قراقوج اعتبارا من عام 1965 من خلال مجلة ديريليش" البعث" ومجلة ماورا وطاقمها اعتبارا من الثمانينيات، والأقاليم السبعة والأدب الإسلامي تبنت ودافعت عن أشياء :
الأستاذ نجيب فاضل قيصا كوره ك أعاد تأسيس الشعر الأصيل في طراز حديث في الشكل واللغة والمضمون. أما سزائي قراقوج فضحى بالوزن وبالنسق بعض الشيء لكنه حافظ على المضمون الإسلامي... وبدا على الذين جاءوا بعد ذلك التزامهم وتبنيهم هاتين المدرستين.
أما الأدب الإسلامي فبموقف احتضن فيه القديم والجديد؛ أعطى مكانا للحسن ولما هو مفعم بالحس الإسلامي. ومجلة الأدب الإسلامي التي بلغت العدد الحادي والأربعين خلال عشرين سنة ونيف، بدأت بدعوة الجميع، وقد مرت من هنا مواهب كثيرة خاصة الشابة منها. ثم كان له اسمه، وكتب في المجلات الأخرى أو أصدر المجلة الخاصة به.
والأمر الثاني والأهم؛ كان اتصاله بأدب العالم العربي والإسلامي: ترجم للشعراء الأتراك الإسلاميين حقيقة إلى اللغة العربية وعرفهم إلى العالم الإسلامي كله.
كما ترجم للشعراء المرموقين من هناك إلى اللغة التركية،وأوصلهم إلى الأوساط الأدبية، وعرفهم بالقارئ.... ففي تركيا الآن مفهوم اسمه الأدب الإسلامي، لقد بات معروفا وراسخا. ونعرف الآن أن بعضا من أساتذة الأدب أدخلوا الأشعار المهمة(الأصيلة) إلى المدارس وصاروا يدرسون التحليلات الشعرية والأدبية والمفاهيم والمعلومات، كما بتنا نسمع عبر محطات الإذاعات برامج مما يكتب في هذه المجلة من نوع " النقد الأدبي"
ولعل من آثار (مجلة ومحاضرات) الأدب الإسلامي أن نجد بعض الشعراء المعروفين في مجال الشعر الحر ينشرون أشعارا تحت عناوين" مناجاة و نعت وقصيدة"
حاصل القول بأن الأدب الإسلامي باسمه وأصالته صار حقيقة واقعة في تركيا وفي اللغة التركية. ومع ذلك فمن الطبيعي أن نجد أيضا كثيرا من مجموعة المجلات والشعراء المستقلين من يلتزم وما لا يلتزم بهذا الموقف.
فلليسار والعقيدة الاشتراكية مجلاتها وإصدارتها التي تأسست بدعم وتشجيع من العهد الجمهوري منذ بدايته ولازالت على قدميها. وموقف النظام المعادي للدين كان داعما لفئتين:
فئة الكماليين( ما يسمون بالأتاتوركيين) المفتونين بالغرب
اليساريين والاشتراكيين –الإلحاديين والملتزمين بعض الشيء بالقيم الغربية
ونكاد لا نجد شاعرا تربى على يد الفئة الأولى، فقد كان لهم ضجيجهم في الماضي ثم رحلوا.
أما الفئة الثانية فقد جعلت من ناظم حكمت راية لتنشئ الكثير من الكوادر:
مجلة " وارليق" تواصل طريقها حتى يومنا هذا وهي مجلة الفئتين المذكورتين. أما مجلاتهم الأخرى فقد أصبحت طي النسيان، هناك مجلات ليس لديها أي فكرة إسلامية، تصدر في مدن كبيرة على غرار استنبول نذكر منها على سبيل المثال " أسكي، كوكسوز، طور، يانسيما.. وغيرها."
وهناك قطاع قومي/ تركي . وعلى غرار الفئتين السابقتين كانت لها في البداية بعض الأطروحات في الدفاع عن القيم القومية دون الاهتمام بالجانب الديني، وهم على ذلك
إنهم يهتمون باللغة بصورة خاصة, ولعلهم بتأثير من اليقظة الدينية بعد الخمسينيات، والتفوق الأدبي لنجيب فاضل صاروا ينتجون أدبا يبدو عليه الحس الإسلامي.
كانت لهم مجلات صدرت ثم اندثرت ، والتي بقيت على قدميها هي مجلة الأدب التركي التي أصدرها أحمد قباقلى، وهي لا زالت على احترامها للإسلام ولأخلاق الأمة. وهناك مجلات يغلب عليها الطابع الإسلامي لكنها ليست بعيدة عن أخراها من حيث الشكل والأسلوب.
ودركاه وهجا ومرديوان وكوكلر بعض منها. أما آي وقتي فهي مجلة الشعراء الشباب من أصول كلية الإلهيات . وأكثر منها خبرة مجلة " الأقاليم السبعة" ، وكأنها ممثلات من نوع آخر للأدب الإسلامي.
وهناك أشخاص مستقلون: نوري باكديل وهو ذو أسلوب وموقف خاص به ولغة بالغة التجديد... ولكن نعتقد بأنه صاحب مبدأ إسلامي.
ولنا أن نقول بأنه لم يبق في تركيا ما يمكن أن نسميه "مدرسة أدبية" أو" تيارا": فالروائية والرمزية أو الواقعية التي ظهرت بعد"الإصلاحات الدستورية" لم يعد لها وجود. كما يمكننا القول بأن هناك مواكبة غير متعقلة للأدب العالمي. والأصح بأنهم صاروا يأخذون شكل ترجمة الأشعار في اللغات الغربية نموذجا لهم... وعلى نحو ما ذكرنا فقد كادت الفوارق بين المضامين كما في الأساليب تزول مع زوال الفوارق بين الإيديولوجيات بين اليمين واليسار وبين القومية والتغريب...
لنفترض أن الفارق الوحيد بين القوميين وبين ما يعرفون بالاشتراكيين هو اللغة أو ادعاء حرص الإبقاء على المفاهيم القديمة، لكن الذين يعدون من القوميين وخاصة خريجو كليات الإلهيات منهم استخدموا تلك اللغة الغريبة لكي يقال عنهم بأنهم عصريون وعقلانيون... فقد اختلط رجل الكلب برجل الذئب.
أما الذين أحبوا الأدب الإسلامي وكتبوا فيه ؛
فعلى نحو ما هو في الشعر تجد لديهم اختلافا بسيطا في الشكل والهيئة في الحكاية والرواية وغيرها. لأنهم جميعا يعتقدون بأن الجيل الجديد لا يفهمهم ، ومن الضروري استخدام اللغة والمفاهيم على هذا الأساس.
لذلك فإن الذين يتناولون مجلتنا بالنقد ينظرون إليها من هذه الناحية. كما أن لهم نقدا خفيا لا يقولونه بصوت عال:" ليست هناك أفكار وكتابات تتناقض مع الإسلام في " الأدب التركي" و" دركاه" و"هجا" و" الأقاليم السبعة" وغيرها فنحن إذا نكتب في الأدب الإسلامي" ويريدون أن يقولوا؛ كل إنتاج أدبي يكتبه الشخص المسلم هو من الأدب الإسلامي. وبالتالي فإنهم يدعون بأنه ليس هناك أي معنى لإصدار مجلة بهذا الاسم بصورة خاصة.
لكن "الأدب الإسلامي" لم تعرف بنفسها بالقدر الكافي، والسبب الأساسي في ذلك هو المال.
لأنه لو كان لدينا المال الكافي؛
1- لاستخدمنا عناصر جيدة ، و لكان لدينا طاقما أحسن.
2- إذا أعطينا الكتاب أجرة الكتابة، زادت الرغبة، و لكانت لدينا مؤلفات بمستويات أعلى.
3- لطبعنا أعدادا أكبر، وكان التوزيع أحسن والانتشار والقراءة أكثر
4- لأعطينا القنوات التلفزيونية والصحف إعلانات للتعريف بإصدارها ومحتوياتها..ولزاد عدد قرائها.
5- وهذا يشجع الأوساط الأدبية.
ومع ذلك لنعلم بأن الأوساط الأخرى لم يستطيعوا أن يجدوا شيئا ضدنا.
ونعرف بأن كل المجلات الأدبية تشاركنا في قدرنا، فلا يتجاوز توزيعها ألف نسخة.
لقد بدأت "الأدب الإسلامي" بالصدور كل ثلاثة شهور( مجلة فصلية) ثم تحولت إلى سنوية وإلى أعداد خاصة.
وخصص العدد الخاص الأول " للأدب العربي المعاصر"
أعقب ذلك إنتاجات مشاهير الشعراء والأدباء الذين عاشوا في القرن العشرين من الدواوين ومجموعات القصص والروايات وغيرها. ثم صدر كتاب" ثلاثة وثلاثون شاعرا عربيا معاصرا"
والعدد الأربعون والعدد الخاص الثاني كان خاصا باللغات التركية وآدابها من بحر الأدرياتيكي وحتى سور الصين. أردنا بهذا العدد الوصول إلى آسيا الوسطى وإلى الأتراك الآخرين ، أعقبت ذلك ترجمة لأعمال ثلاثة وثلاثين شاعرا تركيا إلى اللغة العربية.
ونحن الآن بصدد إعداد العدد الحادي والأربعين
وسيخصص للأدب الإسلامي باللغة الأوردية ، يصدر في أكتوبر 2005
تعليق