الشهداء الأتراك في السلط والأردن وفلسطين
والبلاد العربية الأخرى
قد لا يستطيع الكثيرون منا تخيل حجم التضحيات التي بذلتها الجيوش العثمانية أثناء محاولاتها للدفاع عن الأراضي الشاسعة للدولة العلية العثمانية أمام الهجمة الاستعمارية للدول الغربية العظمى خلال الحرب العالمية الأولى في بداية القرن العشرين. تلك الجيوش التي استطاعت أن تزرع في جنودها كافة المفاهيم النبيلة مثل التضحية بالنفس والإقدام والشجاعة والحماس والتقدم المستمر إلى الأمام باتجاه خطوط الأعداء لكنها لم تستطع كما يبدوا وكما شهد لها الأعداء أن تزرع في جنودها مفاهيم الاستسلام أو الانسحاب خلفا إلى خط الدفاع الثاني وما يليه من خطوط.
فالمتصفح للوثائق التاريخية الغربية يمكنه بسهولة أن يدرك حجم المواجهة وحجم المكابدة التي عانتها الجيوش البريطانية المليونية بقيادة الجنرال اللنبي أثناء المعارك والهجمات التي جرت في معظم المدن والمناطق العربية والمدن والمناطق الفلسطينية والأردنية على وجه الخصوص في مواجهة الجنود العثمانيين الأتراك الذين لم يكونوا يسمحون للعدو بالمرور إلا على أجسادهم بعد أن يصدوه على أعقابه المرة تلو المرة.
وكانت القوات البريطانية المليونية المكونة من البريطانيين والاسكتلنديين والايرلنديين والويلزيين والأنزاك الأستراليين والنيوزيلنديين والهنود بقيادة الجنرال اللنبي تتبع أسلوب القتل الجماعي التطهيري مما أدى إلى استشهاد الغالبية العظمى من الجنود العثمانيين بحيث لم يكن يتبقى منهم من يحدث عنهم أو ينقل الأخبار عن بطولاتهم.
ومن بين هؤلاء الشهداء الأتراك الأبرار كان شهداء هجمات عمان (وادي الرمم وغيره من المناطق) وشهداء هجمات السلط (قلعة السلط وما حولها) حيث استشهدوا جميعا ولم يتبق منهم من يحكي القصص عن بطولتهم وبسالتهم.
أما شهداء السلط الذين كانوا يحمون المدينة ويؤمنون الحماية لممر وادي شعيب الاستراتيجي القريب نظرا لكونه الممر الرئيسي للمسافرين والقوافل بين الأردن وفلسطين فقد كانت توجد بينهم وبين أهل السلط علاقة قوية حميمة. لدرجة أن أهل السلط حفظوا الجميل وساعدوا في دفن الشهداء الأتراك بعضهم في المقبرة المجاورة للقلعة والتي أسموها ولا يزالون "مقبرة الأتراك" وبعضهم في المغارة القريبة التي أصبحت تسمى الآن بـ "مقبرة الشهداء الأتراك" وأضحت بذلك واحدة من المعالم المهمة لمدينة السلط. وهذه المقبرة الجميلة ما كانت لتبنى لولا المساعي والنداءات المتتالية والمستمرة لوجهاء السلط لدى سفارة الجمهورية التركية في عمان التي استجابت في التسعينيات لهذه النداءات وبذلت الجهود المشكورة من أجل مواراة هؤلاء الشهداء العظام (ثلاثماية شهيد أو أكثر) في ضريح يليق بهم وبذكراهم العطرة.
أما قلعة السلط الواقعة على قمة جبل القلعة (رأس الأمير سابقا) فيقول المؤرخون بأنها كانت تشبه قلعة عجلون وكانت محاطة بسور ضخم وخندق عريض وأنها كانت مربوطة بأحد العيون في وسط المدينة من خلال نفق سري.
ونظرا للأهمية الاستراتيجية والتاريخية للقلعة فقد حرص الملوك الأيوبيون والسلاطين والخلفاء العثمانيون في العهود المختلفة على ترميمها وصيانتها باستمرار لكنها تعرضت للتدمير عام 1840 من قبل الجيش المصري بقيادة إبراهيم باشا أثناء ثورة نابلس وفي عام 1918 من قبل جيوش الاحتلال البريطاني أثناء هجمات السلط بحيث وصلت إلى هذه الحالة البائسة التي هي عليها اليوم.
منذر أبو هواش
الجنرال اللنبي يدخل القدس ويقول: "الآن انتهت الحروب الصليبية"
تعليق