ترجمة كمال أحمد خوجة
كلشن خلفاfficeffice" /><O></O>
(ص 38 أ)<O></O>
وفي رمضان سنة خمس وخمسين وستمائة قرر هولاكو مغادرة همدان وأرسل مقدارا من العساكر وبدأ هو يستعد للقتال. وانتشر الخبر في بغداد، وأبلغ المقربون المستعصم لكن الوزير أبلغه بخلاف ذلك ، فلم يفق الخليفة من غفلته حتى ظهرت قوات هولاكو في أطراف بغداد كالسيل، عندئذ أرسل فتح الدين ومجاهد الدين مع عشرة آلاف من الرجال للدفاع وتصادمت القوتان عند الجبل واشتعل القتال ، وانتهى اليوم الأول بلا غالب ولا مغلوب. ولم ينتظر التتار الوقت المناسب لعبور نهر الفرات فغرقوا جميعا ولم يصل إلى بر السلامة إلا ثلاثة رجال ويقول أكثر المؤرخين بأن هولاكو عسكر بقواته على طريق بعقوبة ، وأدرك الخليفة بأنه لا قبل لقواته في الخروج ولقاء العدو فتحصن بالقلعة وقتل في هذه الفترة التي استمرت شهرين الكثير من الناس عند أشار الوزير الخائن ابن العلقمي بأنه لا قبل للجنود بقوات هولاكو ومن المصلحة فتح أبواب دار السلام وهذا أصلح لانتظام الملك والأمة، فأظهر الصلاح وأضمر العداوة. فتوجه المستعصم يوم الإثنين الرابع من صفر سنة ستة وخمسين وستمائة صوب هولاكو ومعه ولداه أبو بكر وعبد الرحمن وكبار مستشاريه ولدى وصوله وجد الخليفة وولداه وثلاثة من خدمه المجال لدخول مجلس هولاكو وبقي السادات والأشراف خارج الخيمة ، وقوبل الخليفة قبولا حسنا في البداية ، ثم طلب منه أن يرسل إلى بغداد أمرا بإلقاء السلاح، فجاء عساكر العباسيين أفواجا بعد إلقاء السلاح مطمئنين لكن طائفة التتار حملت السلاح وأعملته في رقاب المسلمين وقتلوهم ثم توجهوا إلى بغداد فنهبوها . ودخل هولاكو بغداد يوم الجمعة فاعتبر نفسه ضيفا على المستعصم حتى فتح له الخزائن ، ثم أمر هولاكو بحفر جميع أنحاء القصر كي يستخرج ما قد يكون مدفونا من الأموال واستشار هولاكو حول قتل الخليفة فلم يرض حسام الدين المنجم بقتله لكن الشيخ نصير كان موافقا للمغول بقتل الخليفة الأسير فتم فصل أعضائه عن بعض حتى مات. وقد قتل هولاكو في بغداد ثمانين ألفا. ويروى أنه جيء ببردة وقضيب النبي وهما زينة العباسيين فأمر هولاكو بإحراقهما وإلقاء رمادهما في دجلة.(39) وبذلك دالت دولة العباسيين في العراق وانتقل ملكهم إلى المغول. إلا أن اسم الخلافة بقي لدى العباسيين الذين بويعوا في مصر فقد بويع أحمد الملقب بالمستنصر بالله سنة ثمان وخمسين وستمائة بعد أن أثبت بأنه ابن محمد الظاهر بأمر الله العباسي ولقي الدعم من الملك الظاهر بيبرس . ولما توفي بويع أحمد الحاكم بأمر الله وهو من أحفاد الراشد بالله من الدرجة السابعة. وجاء من بعده ابنه المستكفي بالله سليمان وفي سنة سبع وثلاثين وسبعمائة نفي إلى قوصه حيث توفي هناك ، وجاء الملك الناصر بابن أخيه الواثق بالله إبراهيم ، وفي سنة اثنين وأربعين وسبعمائة أزيل من سدة الخلافة وعين مكانه ابن عمه الحاكم بأمر الله أحمد ابن المستكفي ولما توفي عام تسعة وأربعين وسبعمائة جيء بأخيه المعتضد بالله أبو بكر. وفي سنة خمس وثمانين وسبعمائة اتهم المتوكل بطلب السلطنة فعزل . (ص 39) وبويع مكانه ابن عمه الواثق بالله عمر. وفي سنة اربع عشرة وثمانمائة أعلن الشيخ محمود العصيان فساق إليه فرج سلطان مصر قواته وكان معه الخليفة المستعين بالله، لكنه انهزم، فجعل الشيخ محمود السلطنة في الخليفة لكنه في نهاية الشهر صعد الشيخ محمود إلى سدة السلطنة كما طرد المستعين من سدة الخلافة وجاء بأخيه المعتضد بالله داود ولما توفي عام خمسة وأربعين وثمانمائة جيء بأخيه المستكفي بالله سليمان ، ولما توفي المستكفي صار أخوه القائم بالله حمزة خليفة لكنه ما لبث أن عزل وجاء بعده أخوه المستنجد يوسف ، ولما توفي المستنجد عام أربعة وثمانين وثمانمائة جاء ابن أخيه المتوكل على الله عبد العزيز بن يعقوب ، ولما توفي المتوكل سنة اثنين وتسعمائة في مصر جاء ابنه المستمسك بالله يعقوب وفي عام ثلاث وعشرين وتسعمائة فتح السلطان العثماني سليم خان مصر وعاد كان المستمسك بالله قد بلغ أرذل العمر فلم يطلب منه مرافقته لكنه أخذ ابنه المتوكل على الله محمد إلى ديار الروم وحبسه بعض الوقت في المحل المعروف بـ "يدى قله" ثم أطلقه وعينه في وظيفة في مصر وكان لكل من ابنيه عمر وعثمان حصة في الخزينة العامرة. وبوفاتهما طويت صفحة الخلفاء العباسيين <O></O>
ص 39 فصل حدوث واقعة بغداد<O></O>
كانت مدينة السلام في عهد دولة بني العباس مصونة من الرياح ومغبوطة من كافة السلاطين قصورها مرتفعة وأطرافها روضة الرضوان وتطير الطيور في فضائها في أمن وسلام ، وتحتار العقول في تعداد ألوان النعم والراحة وأصناف التنعمات والنزهات فيها والفردوس توأمان ومحصولها السنوي بمئات الألوف ، وما من مدينة أو بلد مثلها في كثرة العمائر والقصور، وفي الخصوبة والرخص والراحة عديل فردوس عدن ومجامع أنس لا حزن فيها ولا غبن. وامتازت في عهد الخليفة المستعصم بالله بمزيد التنعم والترفه وكثرة الأموال ونفائس الذخائر . وشرفات وغرف وإيوان دار الخلافة تطاول زحل ، وفيها أربعمائة خادم ولا يجد أحد من ملوك الأنام والأشراف والصناديد طريقا للدخول على أمير المؤمنين ، بل كان في الطريق حجر يشبه الحجر الأسود وضع عليه أطلس أسود فمن جاء من الملوك والسلاطين إلى عتبة الخلافة العلية قبل ذلك الحجر الأسود . وكان المستعصم في يوم العيد يركب فرسا يشبه البراق وسار في ركابه كبار العلماء والمشايخ ، وكان الناس من الخواص والعوام يستأجرون البيوت الواقعة على طريق موكب الخليفة كي يشاهدوا موكبه حتى بلغ إيجار البيت الواحد ثلاثة آلاف دينار.<O></O>
(ص 40آ) وكان في خدمة المستعصم ستون ألف من الفرسان وقائد جيشه سليمان شاه . ومدبر أمور الجمهور لديه الوزير مؤيد الدين محمد بن محمد عبد الملك العلقمي وكان شاعرا وناثرا ومشهورا بالكرم والسخاء . وكان المستعصم يألف اللهو وشغوفا بالراحة والصفاء ولذلك فقد صار العلقمي صاحب الحل والعقد ، وكان ذلك سببا في عدم احترام المقربين للخليفة فقام ابن الخليفة واسمه أبو بكر مع عدد من الجنود بنهب محلة الكرخ وأسروا بعض سادات بني هاشم الساكنين في ذلك الحي ،وقام الرعاع من العربان بإخراج أبنائهم وبناتهم من الحي مما جعل الوزير المذكور يتشيع ويتكدر صفاؤه وإخلاصه للخليفة. وتتغير نيته وعقيدته وفي التاريخ المذكور أرسل رسالة إلى رئيس النجباء بقصبة الحلة سيد تاج الدين محمد بن نصر وشرح له بالتفصيل ما تعرض له الأشرار والسادات من الإهانة، مضيفا بأنه كلما حذر من العاقبة ونصح بالامتناع عن مثل هذا الأعمال أجيب بأنه لا بد من قتل جميع الشيعة، وانه في نهاية الأمر لابد وان يثور على ذلك، وطلب منه كتم رسالته والترقب، كي يجد الحيلة في التخلص من الخليفة وأتباعه وانتزاع بغداد من يده . وفي هذه الأيام أي في عام ستمائة وأربعة وخمسين فرغ كان هولاكو خان ملك ممالك تركستان من فتح قلاع الملحدين وأزال الدولة الصباحية التي بقيت مائة وسبعين عاما وأزال خطرهم عن ديار المسلمين. وفي هذه الفترة كان نصير الطوسي محبوسا في قهستان بسبب وشاية من ابن العلقمي لناصر الدين محتشم حاكم قهستان ادعى فيه بأن نصير الطوسي يدبر أمرا مع الخليفة ضده.(ص 40 ) ولما دارت الأيام وظهر هولاكو وانقرضت دولة الملاحدة نجا نصير وسافر للقاء هولاكو فحظي بتكريمه ورفع منزلته ، وبعد ذلك توجه هولاكو إلى قهستان واستولى عليها وبعث الرعب في قلوب الملوك والسلاطين ببأسه وبطشه، فانتهز ابن العلقمي الفرصة ، وأرسل رسولا إلى هولاكو لتقديم ولائه وطاعته وزين بغداد في خاطره ووصف الخليفة بأبشع الأوصاف، وبين له بأنه إذا سار نحو بغداد فسيأخذها بلا قتال لكن هولاكو لم يثق برسالته لأنه كان على علم بما جرى لأتلخان عندما حاول الاستيلاء على بغداد. وأعاد رسوله إلى بغداد طالبا منه مزيدا من العهود والمواثيق ، وبعد تأكيدات ابن العلقمي ، استشار هولاكو نصير الطوسي كما سأل المنجمين (ص 41 أ ) ولما أكدوا له سهولة فتح بغداد ، أمر بتحرك الجيش، ولما وصل إلى همدان أرسل رسولا إلى المستعصم طالبا منه أن يرسل إليه الوزير سليمان لكن الخليفة أرسل إليه محي الدين ابن الجوزي فغضب هولاكو ، وأرسل جيشا جرارا بقيادة الأمير سوغرنجاق من جهة أربيل فعبر شط دجلة، كما أرسل جيشا آخر بقيادة الأمير بايانجو فعبر الشط من الجهة الغربية لبغداد ، ثم تحرك هولاكو نفسه . لما تأكد ابن العلقمي من توجه هولاكو نحو بغداد ، جاء إلى المستعصم واستطاع إقناعه بإرسال قادة الجيش في مهام مختلفة توفيرا للمال ، فوافقه المستعصم على رأيه وبقي منغمسا في ملذاته ، (ص 41 )كما عمل ابن العلقمي على تنفير قلوب الجنود وتفريق كلمتهم ، وسمع الناس بقدوم جيش التتار وأدركوا أنه لا قبل لهم به . ومع ذلك فقد حاول أهل الغيرة والحمية جمع القوات واتخاذ أسباب المقاومة محذرين من الإصغاء لما يقوله ابن العلقمي لأنه يعمل على تشتيت الشمل وانقراض الدولة، لكن الخليفة لم يسمع لنصائحهم <O></O>
(ص 42) ولما شاع خبر وصول جيش التتار إلى بغداد أرسل الخليفة حوالي ألف من الفرسان بقيادة فتح الدين ومجاهد الدين دواتي ومع أن هذه القوات قاتلت وصبرت ونجا منهم القليل . وفي شهر ذي الحجة من سنة أربع وخمسين وستمائة تحركت قوات المغول بطريق بعقوبة ونزلت في ضفاف دجلة ، (ص 43أ) عندئذ أمر الخليفة بسد سد الطرق المؤدية إلى بغداد ، وعين الدواتيان وسليمان شاه على العساكر فقاموا بتسليح أهالي بغداد لمقاتلة الأعداء. واحتدم القتال وقتل من الجانبين خلق كثير ، فقرر المغول التوقف عن القتال والقيام بمحاصرة بغداد واستمر الحصار أربعين يوما، وقام بدك الحصون والقصور بالمنجنيق وأدرك الناس ألا طاقة لهم بهذا العدو . وفي هذه الأثناء أرسل بعض سادات الحلة رسالة إلى هولاكو يعلنون فيها الطاعة ، ويشكون جور الخليفة فابتهج هولاكو بذلك وأمر بإحضارهم وبذلك نجا أهل الحلة . وبعد ذلك استشار الخليفة أركان الدولة فتحدث الوزير الخائن فأكد كثرة عساكر المغول وعجز الناس عن مقاومتهم <O></O>
(ص 43) وأن مقتضى الحكمة والعقل أن يترك الحرب والقتال ومداراة العدو وتحصيل رضاه ، وأن يبادر دون تردد وبرغبة النفس بالتوجه إلى هولاكو بنفسه، وأن طمع هولاكو أصلا في اخزائن والأموال فإذا حصل عليها كان الاستئناس ، وتحققت المظاهرة والمصاهرة ، وبعد ذلك يبادر إلى تزويج بنته وتوثيق العلاقات معه ومشاركته في الدولة والسلطنة ويحفظ بذلك دماء الكثير من المسلمين . وباستماعه إلى مثل هذا الكلام زاد خوف السلطان وضاق مجال عقله وتفكيره فلم يعد يميز بين الحق والباطل والصدق والكذب، فوافق على رأي هذا الوزير. وفي يوم الإثنين الرابع من صفر سنة خمس وخمسين وستمائة توجه الخليفة مع ولديه أبي بكر وعبد الرحمن وكبار الوزراء والمستشارين ورجال الدولة المقربين إلى هولاكو ، ودخل خيمة هولاكو هو وولداه وثلاثة من الخدم ولم يسمح للآخرين بالدخول . وفي اليوم التالي توجه جيش المغول إلى بغداد بأمر هولاكو وقام بتسوية الخنادق لتسهيل المرور ثم أشعلوا النار في المدينة وقاموا بالسلب والنهب وقتل المسلمين حتى جرت دماؤهم أنهارا كما نهبوا الخزائن العامة والخاصة ودفئن حرم دار الخلافة ودمروا القصور والأواوين والشرفات ، والخلاصة فقد أصبحت المدينة التي كانت دار الخلافة منذ خمسمائة عام وحكمت شرقا وغربا ، وكذلك أموال الوزراء والمشايخ والعلماء وأرباب القوت وأصحاب القدرة ويبوتهم طعما للأعداء ، ونهبت قصور الخليفة والوزراء وسائر أركان الدولة . ويروى عن الثقاة بأنه نقلت نفائس بغداد وغنائمها إلى هولاكو بأربعة آلاف من الدواب. وقد أدى الخليفة صلاة الفجر فقرأ " قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير " ثم صار يتضرع إلى الله ولما عليم هولاكو بالأمر أمر بمنع الطعام والشراب عنه. ولما اشتد الجوع وطلب الطعام أرسل إليه طبقا مليئا ولسان حال الخليفة يقول:" أيها المغرور بمالك فقد صار العدو مالك مالك . ثم قالوا له بأن الملك يأمرك أن تأكل الطبق بما فيه . فلما أجاب بأنه لا يمكنه ذلك . واستشار هولاكو في مصير الخليفة فأشاروا إليه بقتله، فقتله وكان مدة خلافة المستعصم سبعة عشر عاما. وفي الرابع من صفر سنة خمس وخمسين وستمائة دالت دولة بني العباس. وكان أمل ابن العلقمي أن يوليه هولاكو على بغداد لكنه طرد لأن من أضاع حقوق ولي نعمته وخانه ليس جديرا بالولاية . وعين علي بهادر الذي كان على رأس الجيش عند أول الهجوم صاحبا للشرطة (ص 45آ)كما عين ابن عمران الذي كان كاتبا لدى عامل بعقوبة حاكما لبغداد، وأمر ابن العلقمي ان يكون في خدمته . وصار الناس جميعا يلعنون ابن العلقمي. (ص45) وجاء في تاريخ جواهرالأنام باللغة الفارسية أن هوكلاكو جاء بعد ابن عمران بعلاء الدين عطاء الملك وهو أخو شمس الدين بن محمد صاحبا للديوان . فأعاد بناء بغداد وتحسنت أحوال الناس وتطورت المعارف في عهده . وفي سنة ثلاث وستين وستمائة مات هولاكو وخلفه ابنه إيقا خان فأبقى شمس الدين محمد في مقام الوزارة ، لكن الوشايات جعلت الملك يقوم بعزله، ثم توجه إلى عراق العرب (ص46آ) وصدق أقوال أرباب الغرض بوجود علاقات سرية بين عطاء الملك وبين أهل مصر فأمر بتقييده بالسلاسل وأخذه أسيرا إلى ديار المغول وصادر جميع أمواله وأملاكه. ولما وصل إلى همدان جاء الخبر بموت إبقا خان ، فانتقل الملك إلى أحمد بن هولاكو سنة إحدى وثمانين وستمائة وكان اسمه قبل الإسلام نكودار فأعاد شمس الدين للوزارة كما أعيد عطاء الملك إلى حكم بغداد ، وقد توفي سنة أحدى وثمانين وستمائة. وأما أمراء المغول فإنهم عندما أسلم السلطان أحمد اجتمعوا حول أرغون ابن ابقا خان حاولوا الإيقاع بينه وبين أرغون خان، فحاول أحمد خان مصالحته لكنه غفل عن كيد العدو ، فلما غادر الجيش وتوجه إلى زوجاته في أذربيجان (ص 46 ) وجد الأمراء الفرصة فاتفقوا على خلعه وجاءوا بأرغون خان ، وقتلوا أحمد خان ويروى أيضا بأن ورثة رجل اسمه قيقر اقتصوا من الملك المرحوم، وكانت مدة حكمه سنتان ونصف. ولما ولى أرغون خان أخاه بايدو ، وسلم أمر الوزارة للأمير بوقا الحقود الذي اغتاب شمس الدين بن محمد أمام أرغون واتهمه بوضع السم لابقا خان فأمر أرغون بقتله . وفي عهد أرغون أيضا عهد إلى طبيب يهودي اسمه سعد الدولة بالوزارة ، الذي كان يسعى لأن يعبد المسلمون الأصنام لكنه لم يوفق وهلك بعد مدة. وفي سنة تسعين وستمائة رحل أرغون إلى دار البوار ، وتخلص أهل الشريعة الغراء البيضاء من ظلمه ، وتولى الحكم كيخاتو خان ابن ابقا خان بن هولاكو ، ومع كرمه وجوده كان مولعا بالخمر (ص 47آ) كما هتك أعراض كثير من ذوات العصمة من النساء من غير تفريق بين حلال وحرام مما أزعج الأمراء ، فأرسل طغاجار تومان وكان في منصب أمير الأمراء رجلا إلى بغداد يحمل رسالة سرية إلى بايدو خان لكن كيخاتو خان علم بالأمر ففر من بغداد ، وقام أحد الأمراء بقتله في الناحية التي فر إليها. وفي سنة أربع وتسعين وستمائة صار بايدو خان ابن هولاكو ملكا . وكان أول عمل قام به استئصال محمد سكرجي الذي كان عاملا على بغداد وصادر أموال الأغنياء ، وعين عاملا جديدا على بغداد وتوجه إلى أذربيجان. وأزعج خبر تنكيله بأكثر الأمراء بسبب مقتل كيخاتو خان حاكم خراسان غازان ابن أرغون ، فسلم خاتم الوزارة إلى الأمير نوروز الذي كان حاكما سابقا لخراسان وطلب منه معاونته ومظاهرته للانتقام من مقتل كيخاتو خان ، فوافقه على ذلك بشرط أن يعلن إسلامه. فأعلن عن إسلامه امام مائتي ألف من الناس وباتفاق عامة أمراء المغول ونطق الشهادتين بحضور الشيخ صدر الدين إبراهيم ابن الشيخ سعد الدين الحموي. وسمي محمودا. ثم قرر السفر ونصب خيامه قرب بلدة ري. عندئذ أرسل بايدو خان سفراءه طالبا الصلح على أن يترك له حكم عراق العجم وفارس وخزستان ولرستان لغازان ويبقى على حكم عراق العرب وديار بكر وأذربيجان وأرمينيا وجرجستان وبلاد الروم، في محاولة منه لكسب الوقت ، لكن غازان علم بما بيته بايدو خان من الغدر فبادره بالقتال ، واضطر بايدو خان إلى الفرار إلى جهة نخجوان ، واستطاع الأمير نوروز القبض عليه ، فصار طعما لسيف غازان. واستقل غازان بالملك فطهر البلاد من ذيول الكفر والضلال وأشاع العدل وضبط أحوال البلاد ، ولكن وقعت بينه وبين الملك ناصر المصري منازعات (ص 47) فكان يقود الجيش بنفسه أحيانا ويرسل قائد جيشه أحيانا . وكان وحيد دهره وأفلاطون عصره في علم الهيئات والنجوم . ورأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه ، كما كان كثير الاحترام والتقدير للسادات والأشراف ، فأجرى الماء من نهر الفرات إلى كربلاء . وفي سنة سبعمائة قرر القيام بحملة على مصر فعسكر بقواته في حلب واستعد للحملة لكن ورود ما يفيد الطاعة والصلاح من جانب مصر جعله يعدل عن قراره . إلا أنه استشاط غضبا من ورود بعض الكلام السيء من جهة مصر فأرسل بعض القوات ، وتوجه هو إلى جهات تبريز، وبعد فترة قصيرة علم بفرار القائد الذي أرسله لمصر فأورثه ذلك غما ، فعين محمد خان بن أرغون وليا للعهد وفي سنة سبعمائة وثلاث انتقل إلى رحمة الله وعمره ثلاثة وثلاثون عاما. وتولى السلطان محمد خان ملك العرب والعجم فبسط العدل وطوى الظلم والبدع ورفع راية الإسلام وطبق أحكام الشرع وفرض الجزية على أهل الذمة وأجبرهم على استعمال علامات مميزة. (ص 48آ) ومات السلطان محمد خان في وقعة نويسان سنة ست عشر وسبعمائة، وكان عمره ستة وثلاثين عاما. وولي عرش السلطنة ابنه أبو سعيد بهادر. وقد قسم الممالك المحروسة والأقاليم السبعة بين أبناء أمير الأمراء جويان ، وقد وقع نار الغرام في قلب الملك على بغداد بنت الأمير جويان زوجة الشيخ حسن ايلخانى التي كانت بمدينة دلم بجهات دمشق. ولما توجه الملك إلى بغداد لقضاء فصل الشتاء زادت نار عشقه وبينما هو يترقب حلا لألمه ظهر الوزير الملقب بنصر الدين ونسب إلى الأمير جويان بحضور الملك أقبح النعوت وكاد الملك يصدق ما ادعاه الوزير ، وبلغ الخبر الأمير جويان فدبر له مكيدة للانتقام منه ، فاتهمه بوصف السلطان بالخذلان وعدم الاهتمام بالرعية كي يعزله ويأخذه معه إلى خراسان ويجد الفرصة لقتله. ولما غادر الملك بغداد إلى جهة السلطانية قتل الأمير دمشق ابن الأمير جوبان لبعض التهم التي ألصقها به بعض أرباب الغرض فحزن عليه الأمير جوبان فبدأ بوزيره ركن الدين فقتله ثم هاجم جيش الملك مع رجل شهير بقتله سبعين ألفا من الأسود اسمه جوسوار ، كما توجه إلى الشيخ علاء الدولة وشرح له حاله وطلب التوسط لدى الملك لتحقيق العدل والقصاص من قتلة ابنه . فذهب الشيخ إلى السلطان وبذل له النصح ولكن دون جدوى، ولما يئس الأمير جوبان بادر بالحرب وأخذ الثأر لكن أكثر الأمراء مالوا إلى جانب السلطان أبي سعيد فندم جوبان وعاد إلى خراسان ، ثم لجأ إلى الملك غياث الدين في هراة وكانت بينهما حقوق سابقة، لكن غياث الدين نفذ حكم السلطان فيه فقتله ونقل نعش الأمير جوبان إلى المدينة المنورة تنفيذا لوصيته. وبعد مقتله أرسل السلطان القاضي مبارك شاه إلى حسن إيلخانى ليطلب منه طلاق زوجته بغداد فطلقها ثلاثا خوفا على نفسه، فتزوجها السلطان بعد انقضاء عدتها ، وبعد ذلك مالت دولة أبي سعيد للأفول ولم يكن له والد أو أخ ، فعين بناء على نصيحة الوزير غياث الدين محمد أربا خان وهو ومن أولاد جنكيز خان وليا للعهد. وفي سنة ست وثلاثين وسبعمائة حيث بلغ أبو سعيد الثالثة والثلاثين من العمر واعتراه الضعف والمرض وأصيب بالصرع وأودع التيمارخانة (ص 49آ) واستطاع أربا خان أن يستقل بالعرش بعد محاربته بعض أمراء المغول، وبتدبير من زوجة أبي سعيد الثانية واتفاق مع والي بغداد تم نصب موسى خان وهو من سلالة جنكيز، وبعد قتال شديد قتل واستقل موسى خان بالملك وتعاقب الملوك بعد ذلك إلى أن دالت دولة آل جنكيز وهولاكو في بغداد سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة ، كما انقرضت دولتهم في إيران وأذربيجان سنة أربعين وسبعمائة <O></O>
(ص 49) ذكر حكومة الإيلخانيين في بغداد: <O></O>
يعتبر أق بغا ابن ايلخان ابن جلاير أول حكامهم ، فقد كان أميرا للأمراء في عهد كيخاتو خان عندما قتل في فتنة بايدو خان ، أما ابنه الأمير حسن فقد تزوج ابنة أرغون خان وصار أميرا على خراسان في عهد أبي سعيد، حيث توفي هناك ، وكان ابنه الشيخ حسن إيلخاني حاكما على بلاد الروم ، وقد جاء عدة مرات إلى العراق واشترك في كثير من المعارك . وكانت دلشاد خاتون زوجة أبي سعيد خان قد أنجبت منه السلطان أويس بهادر الذي حكم سبعة عشر عاما وفي عهده طغا نهر دجلة على بغداد ، كما تمرد عليه الأمير مرجان فتغلب عليه وعفا عنه بشفاعة أهل بغداد. توفي سنة سبع وخمسين وسبعمائة. <O></O>
(ص 50آ) فخلفه ابنه وولي عهده السلطان حسين الذي كان ميلا للهو وغافلا عن أمور الدولة ، وتمرد عليه رجاله عندما سافر إلى جهات تبريز ، فقتلوا نائبه وسلم أهل الحل والعقد حكومة بغداد للشيخ علي ، لكن السلطان حسين عاد إلى بغداد بعد أن انتصر على الشيخ علي بدعم من عادل آغا الذي كان حاكما على عراق العجم. لكن ظلمه للرعية جعل أهل الحل والعقد يعيدون الشيخ علي ، فلجأ إلى عادل آغا مرة أخرى وانتهت مدة سلطنته التي استمرت ثمانية أعوام، وتوفي عام أربعة وثمانين وسبعمائة. وفي التاريخ المذكور حكم مصر خاتمة سلاطين الأتراك الملك الصالح حاجي بن الملك الاشرف شعبان عاما ونصف وعزل لحداثة سنه ، فجاء بعده برقوق الأتابكي الشركسي فانتقل حكم مصر والشام وحلب إلى الشراكسة ، وكان على حكم بغداد الشيخ علي الذي أراد القضاء على السلطان أحمد فلما علم بذلك لجا إلى قره محمد بن قره يوسف التركماني (ص 50) فأمده المذكور بالجيش فاستطاع التغلب على قوات الشيخ علي ودخل بغداد وقضى على طورسون آغا الذي عينه عادل آغا ، واستقل بالحكم ، لكن عادل صمم على الانتقام فتحالف مع شاه شجاع خان حاكم شيراز، لكن شاه شجاع خان مال أخيرا إلى طرف السلطان أحمد خان. <O></O>
ذكر فتح تيمور لبغداد:<O></O>
بعد ان استولى تيمور على العراقين أرسل أمراءه لتسخير بغداد ، فأدرك السلطان أحمد أنه لا قبل له بهم ففر مع ألفين من فرسانه ولجأ إلى برقوق سلطان مصر. وفي سنة سبع وتسعين وسبعمائة عاد السلطان أحمد بجيش جرار ، فلم يقدر الأمير مسعود الذي كان واليا على بغداد من قبل تيمور ففر منها وعرج السلطان أحمد على ديار بكر ثم تقدم نحو بغداد يرافقه قره يوسف التركماني، واستقر في الحكم مرة أخرى. وعين الأمير فرج قائمقاما على بغداد وتوجه إلى الموصل حيث لقي قره يوسف وعقد معه اتفاقا لمقابلة تيمور ودخلا في حماية المرحوم بايزيد الصاعقة. (ص 51 آ) ونزل بلاء تيمور في قلعة بغداد، وأعمل القتل في عامة أهل البلد، وامتلأت مياه دجلة بجثث الشهداء الأبرياء كما خربت الجوامع والمدارس التي أنشأها العباسيون. وأرسل تيمور رسالة مع سفرائه إلى سلطان الروم بايزيد خان وطلب منه تسليم السلطان أحمد وقره يوسف ، وكان رفض طلبه سببا في توجهه إلى الروم وفتح أبواب الخصومة مع السلطان. ففي عام اثنين وثمانمائة أحكم تيمور سيطرته على بغداد وألحق بها الجزائر وعهد بحكمها إلى ابنه ميرزا بكر وتوجه إلى جهات الروم ، وفي هذه الأثناء عاد قره يوسف وعسكر عند حافة نهر العلقمي قرب بلدة الحلة ، لكن ميرزا أبو بكر والأمراء الآخرون سدوا الطريقين فأصبحت عراق العرب بكامله تحت تصرف تيمور. وبعد وقعة با يزيد الصاعقة لجأ السلطان أحمد وقره يوسف إلى مصر. ولما كانت بين تيمور وسلطان مصر معاهدة صلح قبض عليهما وأودعهما السجن. ولما ترك تيمور العرش ، تخلص الإثنان من السجن وجمعا الجمع وتوجها إلى بغداد للانتقام ، وبعد قتال مرير تمكنا من إخراج ميرزا أبي بكر من بغداد واستقر السلطان احمد في حكمه مرة أخرى، وفي هذه المرة بنى سور بغداد <O></O>
(ص 51) كما اتفق السلطان أحمد وقره يوسف على طرد أخي تيمور الأكبر ميرزا عمر وأباه أميرانشاه من أذربيجان ، وفي ميدان المعركة قتل أميرانشاه وفر الميرزا عمر . وكان لتيمور أربعة أبناء وهم : معين الدين شاه رخ وجلال الدين أميرانشاه ومعز الدين شيخ عمر وغياث الدين جهانكير حيث حكم أبناء وأحفاد كل واحد منهم جهة من جهات بلاد المسلمين ثم دالت دولهم بطرق مختلفة. أما العلاقات بين السلطان أحمد وقره يوسف فقد ساءت ، ووقعت الحرب بينهما في تبريز وقتل السلطان أحمد على يد المحاربين التركمان سنة ثلاث عشرة وثمانمائة ، وانتهت دولة الإيلخانيين <O></O>
ذكر حكومة قره يوسف الشهير بقره قيونلى. ذكرت كتب أخبار الملوك بان قره يوسف من القبائل واشتهر بتربية السلطان أحمد جلايري وبعد السلطان أحمد صار سلطانا على بغداد والبلاد التي كانت تتبع السلطان أحمد وعهد إلى ابنه الأمير شاه محمود بحكم بغداد فبقي حاكما عليها ثلاثة وعشرين عاما لكن أخاه الأمير أسبان خرج عليه ، فخاف على نفسه فلجأ إلى الموصل ، وعزم بعد ذلك على العودة إلى بغداد بجيش كثيف لكنه تقابل مع الأمير حاجي همداني فقتل، وصار أخوه الأمير شاه محمد متصرفا على بغداد ، لكن الأمير اسبان أخرجه من بغداد ، فصار هو حاكمها مدة اثني عشر عاما وتوفي فيها ودفن في برج الأولياء. ومات قره يوسف فجأة في بلدة أوجان ونهبت خزينته من قبل جيشه وبقيت جثته عارية في خيمته إلى أن دفن وكانت مدة حكومته عشر سنوات. وورثه ابنه الأكبر اسكندر ( ص 52) واتفق مع أخيه جهانشاه على مقاتلة شاه رخ ابن تيمور وتقابل الجيشان في الموضع المعروف بأرجيش وكان النصر حليف شاه رخ ، ثم انفصل الميرزا جهانشاه عن أخيه ودخل في خدمة شاه رخ ، فوعده شاه رخ بحكم ديار بكر وأذربيجان شرط أن يقتل أخاه الأمير اسكندر فامتثل لأمره فقتله سنة إحدى وأربعين وثمانمائة. وكانت مدة سلطنته عشر سنوات. وصار جهانشاه نائبا لشاه رخ في أذربيجان وديار بكر اثني عشر عاما، وبعد موت شاه رخ صار الحاكم الوحيد لبغداد والبصرة وفارس وكرمان بالإضافة إلى أذربيجان وديار بكر وبقي في الحكم اثنين وثلاثين عاما. ولما توفي باي سنقر بن شاهرخ ملك خراسان نشب الخلاف بين أبنائه فاستغل جهانشاه الفرصة فجمع جيشا جرارا وتوجه به نحو هراة فسمع بذلك أبو سعيد ميرزا محمد بن أميرانشاه بن تيمور فجمع الأوزبك والتتار وسار صوب خراسان (ص 53آ) فلم يقدر جهانشاه على المقاومة فتحصن في قلعة قريبة ، وطلب النجدة من ابنه بير بوداق حاكم شيراز. فأنجده خلال أسبوع باثني عشر ألف من الرجال ولما التقت بجيش أبي سعيد ، فأدرك جهانشاه ضعفه ، كما علم أن ابنه الآخر ميرزا حسن وجد تبريز خاليا من اسبان فدخلها واعلن الاستقلال بالملك عندئذ اضطر جهانشاه إلى عقد المصالحة مع السلطان أبي سعيد وتوجه نحو تبريز فحبس الميرزا حسن وعهد إلى ابنه بير بوداق بحكم عراق العرب، لكنه ابنه كان عاقا لأبيه فأرسل أبوه القوات فدخل بغداد وقتل ابنه بير بوداق. كما حارب جهانشاه خصمه حسن الطويل فقاد جيشا قوامه خمسين ألفا وهزمه. لكن حسن الطويل تحين الفرصة وقضى عليه سنة اثنين وسبعين وثمانمائة وانتقل الملك إلى حسن الطويل ودالت دولة القره قيون .<O></O>
ذكر سلطنة أق قيونلى أبو النصر حسن بك بن علي بك ابن قره عثمان.<O></O>
(ص 53) يروى أن قره عثمان كان في خدمة الأمير تيمور وحاكما لبعض المناطق بديار بكر وتوفي في عهد شاهرخ فخلفه ابنه علي بك ، وبعد مدة توفي فخلفه ابنه الأمير حسن. وكانت العداوة بينهم وبين قره قيونلى لا تنتهي. وكان حسن الطويل يداري بير بوداق ابن جهانشاه ، وبعد بير بوداق ظهرت العداوة . فعلى اثر مقتل جهانشاه من قبل حسن الطويل وخلافة حسن علي لأبيه، قصد سلطان ما وراء النهر أبا سعيد تيمور لبيان حاله ونية حسن الطويل تجاهه فأمده أبو سعيد بسبعة وعشرين ألف مقاتل ، عندئذ اضطر حسن الطويل إلى تحسين معاملته ومجاملته وأرسل إليه الكثير من الهدايا لكن أبا سعيد رفض قبول هداياه ، عندئذ عرض أن يتنازل له عن بغداد والبصرة وفارس وكرمان وتبقى له أذربيجان وأن تقرأ الخطب باسم أبي سعيد. لكنه أبو سعيد رفض هذا العرض أيضا عندئذ جمع حسن الطويل اثني عشر ألف من رجال عشرته الأشداء فتغلب على أبي سعيد . (ص54آ) وقتل أبو سعيد بعد ذلك قصاصا على يد حسن الطويل لقتله أم رجل اسمه يادكار محمد وكان القصاص سنة أربع وسبعين وثمانمائة. وبعد ذلك تمكن حسن الطويل من حكم العراقين وما وراء النهر وكرمان، وقد انهزم سنة سبع وسبعين وثمانمائة أمام أبي الفتح السلطان محمد خان ورجع إلى تبريز ، وتوفي سنة اثنين وثمانين وثمانمائة، بعد أن حكم اثني عشر عاما. فخلفه ابنه الأكبر الميرزا خليل ، كما أصبح ابنه الأصغر الميرزا يعقوب واليا على ديار بكر ـ لكن الميرزا خليل كان سيء الطباع ، مما دعا أخاه الميرزا يعقوب لأن يقاتله ويستولي على ملكه سنة ثلاثة وثلاثين وثمانمائة. ويقال أن أمه دست له السم كما تناولته هي فماتا معا ، وبايع بعض أتباعه ابنه الميرزا باي سنقر وآخرون أخاه الميرزا مسيح ، فاحتكما للسيف، فقتل الميرزا مسيح واستقر باي سنقر على الملك. وفي القتال الذي حدث بينه وبين ابن عمه الميرزا رستم ابن مقصود ابن حسن الطويل تمكن رستم من السيطرة على أذربيجان وهرب بايسنقر( ص 54) وأخيرا قتل بايسنقر في معركة نشبت قرب قلعة اصطخر. وكان الملك أحمد ابن اوغورلى بعد موت عمه الميرزا يعقوب قد لجأ إلى السلطان بايزيد خان ملك الروم في قرمان فلقي التكريم ، وبعد ست سنوات توجه سرا إلى جهات أذربيجان، وخيم عند ماء أرس ، عندئذ أجمع أمراء العراق وأذربيجان على تسليم رستم إلى الملك أحمد فقتله واستقل بالملك، لكنه في الشهر السادس قتل على يد السلطان آينه سنة ثلاث وتسعمائة وخلفه السلطان مراد بن يعقوب، لكن ابن عمه الميرزا محمدي ابن يوسف زاحمه على الحكم ، فتوجه السلطان مراد إلى جهة شيراز واستقر الميرزا محمدي على عرش تيريز لكنه لم يمض وقت طويل حتى انتزع أخوه الميرزا ألوند تبريز أذربيجان منه ثم تصالحا على أن ألوند على ديار بكر وأذربيجان والسلطان مراد على العراقين وفارس.<O></O>
ظهور الشاه إسماعيل بن حيدر. صفي الدين أردبيلي الجد الأعلى للشاه إسماعيل كان شيخا لزاوية ، تلقى آداب الطريقة والسلوك بالواسطة من حجة الإسلام الغزالي وخلفه بعد موته ابنه صدر الدين مكين ، وبعد وفاته خلفه ابنه الشيخ علي وبعده الشيخ إبراهيم . ولما توفي الشيخ إبراهيم خلفه ابنه الشيخ جنيد ، وزاد عدد مريديه يوما فيوما ، وفي ذلك التاريخ عندما دانت بلاد العجم (ص 55آ) للأمير جهانشاه بن قره يوسف القره قيونلى خشي من خروجهم عليه فأخرج المرشد وأتباعه من أردبيل وأجلاهم عن المنطقة، فلما وصلوا إلى ديار بكر لقوا التكريم من حسن الطويل نكاية بالأمير جهانشاه فزوج أخته خديجة بيكم بجنيد وكريمته حليمه بيكم من حيدر . وبعد مدة ساق الحنين إلى الوطن الشيخ جنيد للعودة إلى أردبيل، وفي سنة تسعين وثمانمائة أنجبت له زوجته حليمة ولده إسماعيل ، ولما توفي الشيخ جنيد صار الشيخ حيدر مرشدا. ولتمميز أتباعه عن الآخرين ألبس مريديه تاجا بلون أحمر له اثنا عشر ضلعا تعبيرا عن محبتهم الأئمة الإثنا عشر. واشتهرت تلك الطائفة بعد ذلك بالقزلباش(ذوي الرؤوس الحمر) . وبعد أمد غزا أتباعه جرجستان وفي القتال بينهم وبين حاكم جرجستان وجيشه بطبرستان قتل الشيخ حيدر ، وعاد مريدوه إلى أردبيل وبايعوا ابنه الشيخ علي وحرضوه على الثأر لأبيه، ولما علم الميرزا يعقوب بن حسن الطويل بذلك أمر بحبس الشيخ علي وأخاه إبراهيم وأخاه الآخر إسماعيل وكان عمره حوالي أربع سنوات وأمهم خديجة بيكم بقلعة اصطخر ، وقد أطلق سراحهم رستم وحظي بتكريم حسن الطويل . وفي سنة ثمان وتسعين وثمانمائة زالت المحبة بينهم واستحكم الخلاف فقتل الشيخ علي وفر إسماعيل وإبراهيم إلى كيلان وأقاما في بلدة لاهجان بحماية حاكم البلدة الميرزا علي . وبعد عام ضاق صدرهم من إقامة إبراهيم في لاهجان . فترك لا هجان بعد أن سلم تاج أبيه لإسماعيل. وتذكر كتب التاريخ بأن إسماعيل تعلم مذهب الشيعة خلال إقامته في لاهجان ، وبعد أن صار شيخ الفن وهو صغير السن غادر لاهجان متوجها إلى أردبيل ، وأقام مدة في أردبيل وأذربيجان ريثما يعد مريدو أبيه وجده الجيش (ص 55) وفي حوالي سنة خمس وتسعمائة جمع جيشه وتوجه إلى صوب شيروان(جرجستان) وقتل ملك شيروان الذي قتل الشيخ حيدر ، ولما سمع الميرزا ألوند بما قام به إسماعيل استعد لمقاتلته في نخجوان، ولم علم إسماعيل بذلك توجه إلى هناك ، وانكسر الميرزا ألوند وفر إلى جهة أذربيجان ، وحاول جمع الجيش هناك لكنه فر إلى بغداد لما سمع بقدوم إسماعيل ومن هناك توجه إلى ديار بكر حيث مات فيها . وبعد أن انتهى إسماعيل من مشكلة الميرزا ألوند وجه جيشه نحو السلطان مراد بن يعقوب ، وانتصر عليه وقتله قرب همدان ، وبذلك دانت له بلاد فارس ، ثم سيطر على كاشان وعين حكاما على أكثر بلدان عراق العجم ، وفي سنة ثمان وتسعمائة تمكن من فتح كيلان ، كما انتصر على جيش علاء الدولة ذي القدر في ديار بكر الذي لجأ إليه السلطان مراد ، وبعد مقتل علاء الدولة من قبل السلطان سليم لجأ السلطان مراد إلى السلطان سليم خان الذي أكرم وفادته. وبعد أن تغلب الشاه إسماعيل على جيش ذي القدرية استولى على ديار بكر ، وعهد بحكمها إلى محمد خان . وكانت بغداد تحت حكم برناك عندما أرسل الشاه إسماعيل جيشا بقيادة لالا حسين للاستيلاء عليها (ص 56آ) ففر برناك إلى جهات حلب ودخل لالا حسين بغداد ، وعقب ذلك قدم الشاه إسماعيل وخرب مهاد كثير من أئمة الدين ومراقد المشايخ المعتبرين وقال كثرا من أهل السنة وأتقياء الأمة ثم توجه إلى النجف وكربلاء ، وأعاد إجراء ماء النهر في النجف وسماه بنهر الشاه ووقفه على خدام المشهدين الشريفين ، وفي التاريخ المذكور أمر بمباشرة بناء قبر الإمام موسى الكاظم رضي الله عنه ، وعهد إلى خادم بك أمير الديوان بحكم بغداد وعاد إلى جهات إيران . هذا إجمال ما جاء في كتاب جامع السير عن الشاه إسماعيل، أنه عندما قضى حسن الطويل على جهانشاه واستقل بالملك ، أرسل إلى بغداد جيشا لمقاتلة ألوند بك الذي كان واليا عليها من قبل جهانشاه ، لكن هذا الجيش انكسر أمام مقاومة ألوند بك مما اضطر حسن الطويل إلى التوجه بنفسه إلى بغداد وتمكن من القضاء على ألوند بك والاستيلاء على بغداد . وفي هذه الأثناء ظهر رجل من أقارب جهانشاه في جهات قره باغ الذي هاجم تبريز ونهب أموال وأرزاق حسن الطويل في تبريز ونكح أخته ، فلما سمع حسن الطويل بذلك أخذته الغيرة والحمية فتوجه إلى تلك الجهة وقتل ذلك الرجل وأراد قتل كريمته لكن أخت حسن الطويل منعته من ذلك لأنها لم تفعل ذلك برضاها ، وبعد مدة زوجها من الشيخ حيدر بن جنيد فأنجبت منه إسماعيل سنة اثنين وتسعين وثمانمائة. ولما مالت حياة حسن الطويل للأفول والغروب ، وخلفه ابنه يعقوب. عندئذ جمع الشيخ حيدر في أردبيل أعدادا وفيرة من مريديه بنية غزو جرجستان فأبلغ شيرانشاه حاكم جرجستان السلطان يعقوب بالأمر ، فعين السلطان يعقوب حفيده سليمان بك لدفع الشيخ حيدر، لكن حيدر قطع رأسه وأرسله إلى السلطان يعقوب عندئذ أمر يعقوب بقتل أولاد حيدر لكن اخت حسن الطويل منعته من ذلك ، فاكتفى بحبسهم في قلعة قهقهة، وبعد مدة أخرجوا من الحبس بتوسط بعض الناس فسكنوا جهات كيلان. ولما مات السلطان يعقوب وقع الخلاف بين أبنيه الميرزا ألوند والميرزا مراد وبتوسط من المصلحين فوض أمر المناطق الواقعة بين أذربيجان وديار بكر إلى الميرزا ألوند والعراق وفارس إلى الميرزا مراد. كما جمع الشاه اسماعيل بجمع مريده أبيه وجده وحوالي خمسة آلاف من العسكر وتوجه نحو الميرزا ألوند ولما سمع ألوند بذلك قابله بعشرين ألف مبارز ، وقتل الميرزا ألوند وسيطر الشاه اسماعيل على تبريز سنة ثمان وتسعمائة ثم تحرك نحو السلطان مراد فتقابلا في جهات همدان، ففر مراد ودخل في حماية حاكم بغداد فلما علم حاكم بغداد بقدوم الشاه اسماعيل فر ومعه مراد إلى جهات الشام وسيطر الشاه إسماعيل على بغداد ثم عاد إلى جهات إيران وفي سنة تسع عشر وتسعمائة ولد طهماس بن الشاه إسماعيل. ولما علم السلطان سليم خان سلطان بلاد الروم بالفظائع التي ارتكبها الشاه إسماعيل قررالقيام بحملة لرفع الظلم ودفعه سنة عشرين وتسعمائة فوصل إلى أرض إيران ومعه حوالي مائة ألف مقاتل. وبعد أن اختفى الشاه إسماعيل مدة شهر ظهر مرة أخرى ووقعت بينهما معركة جالدران وقتل في هذه المعركة كثير من رجال الشاه بينهم جكام ديار بكر وكردستان وفر الشاه إسماعيل حتى وصل تبريز ومن هناك إلى دركزين ، وتوجه السلطان سليم بعد ذلك إلى تبريز ففتحها ونصب خيامه هناك وأرسل حوالي ألف من أرباب الصناعات والفنون إلى ديار الروم وقرر قضاء فصل الشتاء في قره باغ لكن النفاق ظهر بتدبير من أرباب الحل والعقد (ص 57 آ) واتفق الانكشارية على العودة إلى ديار الروم فعاد السلطان إلى طرف الروم وبعد ذلك قام السلطان بفتح ديار بكر وحلب والشام ومصر وتشرف بلقب خادم الحرمين الشريفين. وفي سنة ست وعشرين وتسعمائة توفي السلطان سليم وخلفه ابنه الأكبر السلطان سليمان وفي سنة ثلاثين وتسعمائة توفي الشاه إسماعيل فخلفه ابنه الشاه طهماس . <O></O>
ذكر حكومة ذو الفقار: ذو الفقار بن نخود سلطان أخي أمير خان وإبراهيم خان كان معروفا بالشجاعة والسخاء قتل عمه حاكم بغداد وأولاد عمه واستقل بحكم بغداد ، أعلن ولاءه لسلطان الروم سليمان خان وضرب السكة وقرأ الخطبة باسمه ولما وصل الخبر إلى الشاه طهماس توجه إلى بغداد وقاومه ذو الفقار بشجاعة لكن أخواه علي بك وأحمد بك خاناه (ص 57) بعد أن وعدهما الشاه المنحوس بالإحسان فقتلا أخاهما غدرا. <O></O>
ذكر نسل السلطان سليمان خان: هو من نسب عثمان بك الغازي وينتهي نسب آل عثمان إلى يافث بن نوح . وجاء في تاريخ صولاق زاده أن ضبط نسب عثمان خان على النحو التالي: عثمان خان ابن أرطغرل غازي ابن سليمان شاه ابن قبا ألب ابن قزل بوغا ابن باي تيمور ابن قتلغ ابن طغرا ابن قراتلو بن ساقور … وينتهي نسبه إلى يافث بن نوح عليه السلام. ويروى أن قبيلة قاي خان الجد الأعلى للسلسلة العثمانية رحلت من بلاد ما وراء النهر بسبب عدم الأمان ونزلت قرب مرو في إقليم خراسان لكنهم لم يجدو الأمن الذي ينشدونه(ص 58آ) فرحلوا إلى المنطقة المعروفة بأخلاط على حدود أرمينية ولما وصلت فتنة جنكيز خان إلى تلك الجهات توجهت القبيلة مع قائدهم سليمان شاه بن قبا ألب إلى ديار الروم وبينما كانوا يعبرون من معبر جعبر غرق سليمان شاه في نهر الفرات فدفن قبالة قلعة جعبر ورجع اثنان من أبنائه الأربعة إلى وطنهما الأصلي بينما سار دوندار المعروف بأرطغرل وديندار مع القوم في بلاد الروم ونزلوا في المحل المعروف بسورملى جقور فأرسل أرطغرل أكبر أبنائه إلى السلطان السلجوقي علاء الدين لتقديم الولاء وطلب المأوى والمسكن. فرحب السلطان علاء الدين بقدومهم فعين لهم قرجه طاغ قرب أنقرة وبلدة سكوت مشتى وجبال طومالج لتكون مرعى. ولما كان الغازي أرطغرل متوجها إلى تلك الأماكن مع خمسمائة من رجاله وجد السلطان علاء الدين في مقاتلة التتار وقد بدا على جيش علاء الدين الضعف والانكسار فظاهره أرطغرل فانهزم العدو، وبذلك حصل القرب بينه وبين علاء الدين .<O></O>
وهناك رواية أخرى بأن جد العثمانيين قايى خان هاجر مع فرقة من القبائل التركية إلى إيران ومنها إلى أرمينية وجهات أخلاط وبعد حط الرحال في تلك الديار مدة مائة وسبعين عاما. ولما ظهرت فتنة جنكيز خان عام ست عشرة وستمائة جمع سليمان شاه وهو من أولاد قايى خان قبيلته وغادر أرزنجان في طريق عودته إلى وطنه الأصلي لكنه غرق في الفرات عند معبر قلعة جعبر فدفن قرب القلعة فعاد ابنه الغازي أرطغرل مع خمسمائة من قبيلته إلى ديار الروم ، ودخل في خدمة السلطان علاء الدين حاكم ديار الروم وفي تلك الأثناء ساعد السلطان علاء الدين في حربه ضد التتار ، فمنحه السلطان علاء الدين أرضا في نواحي أنقرة وعين له مشتى ومرعى ، ولما توفي أرطغرل خلفه ابنه عثمان الغازي. وفي سنة ثمان وثمانين وستمائة كرمه السلطان علاء الدين بإعطائه اللواء (ص 58) ولما تسلط الأعداء على ممالك السلاجقة عام سبعة وتسعين وستمائة أذن السلطان علاء الدين للغازي عثمان بتخليص المسلمين من قهر وظلم الأعداء فاستطاع بسط سلطنته على البلاد التي خلصها وأول ما ضربت السكة وقرئت الخطبة باسمه في قره حصار. وذكرت كتب التاريخ أنه تمكن من فتح كثير من القلاع وفي سنة ست وعشرين وسبعمائة توفي الغازي عثمان ودفن في بروسه. ودامت سلطنته سبع سنوات وعاش سبعين عاما.<O></O>
<FONT face="Simplified Arabic">وخلفه ابنه الأكبر الغازي اورخان الذي استأنف الفتوحات وتمكن من فتح كثير من القلاع وبنى كثيرا من الجوامع ودور العجزة والفقراء، وتوفي سنة إحدى وستين وسبعمائة. وكان عمره واحدا وثمانين عاما وحكم خمسة وثلاثين عاما. وخلفه ابنه السلطان الغزي مراد خداوندكار الذي فتح كثيرا من القلاع والمدن وقتل غدرا . عاش خمسة وستين عاما وحكم واحدا وثلاثين عاما، وخلفه ابنه بايزيد الصاعقة الذي فتح أيضا كثيرا من الممالك (ص59). وحدث أن لجأ إليه السلطان أحمد جلايرى حاكم بغداد وتبريز وقره يوسف حاكم أذربيجان هربا من تيمور مما تسببا في العداوة بينهما واحتدم القتال بين الجيشين قرب أنقرة ووقع با يزيد الصاعقة أسيرا في يد العدو وتوفي با يزيد الصاعقة حزينا عام خمسة وثمانمائة وخلفه ابنه السلطان محمد خان جلبي الذي اتخذ من أدرنه مقرار لسلطنته وفتح كثيرا من المدن والقلاع وبنى كثيرا من الجوامع والمدارس والأوقاف. (ص 60آ)ومن أعماله البدء بإرسال الصرة إلى فقراء الحرمين الشريفين. توفي في أدرنة عن عمر يناهز اثنين وثلاثين عاما وحكم ثمانية أعوام . وخافه ابنه السلطان مراد الذي استأنف الفتوحات وفي سنة سبع وأربعين وثمانمائة أجلس ابنه السلطان محمد مكانه واختلى مع عدد من مقربيه في مغنيسا ، لكن طمع الأعداء في ملكه جعله يعود إلى الملك ويقاتل الأعداء حتى أجلاهم. توفي سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة بعد أن بلغ تسعة وأربعين عاما ، وحكم ثلاثين عاما. وعاد ابنه السلطان أبو الفتح محمد خان إلى الحكم للمرة الثانية وكل همه وفكره منصب على فتح استنبول وبدأ اعتبارا من سنة ست وخمسين وثمانمائة بجمع الجيوش لفتح البلدان. (ص 60) توفي سنة ست وثمانين وثمانمائة عن عمر يناهز ثلاثة وخمسين عاما بعد أن حكم ستة وثلاثين عاما . وخلفه في الحكم السلطان با يزيد الثاني الذي قضى على فتنة الانكشارية ثم تنازل عن العرش لابنه السلطان أحمد لكن الخلاف ظهر بين أبناء بايزيد فاضطر للتدخل وسلم الحكم للسلطان سليم. وتوجه إلى ديمتوقه وفي الطريق مات مسموما(ص 61آ) عام ثمانية عشرة وتسعمائة عن عمر يناهز سبعة وسبعين عاما وكانت مدة حكمه اثنين وثلاثين عاما. أما السلطان سليم خان فقد توجه بعد أن أدب الشاه إسماعيل إلى ديار مصر حيث تقابل مع قانصو الغوري آخر ملوك الشراكسة في مصر سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة في موقعة دابق وهي من أعمال حلب فقتل قانصو الغوري ودانت للسلطان سليم حلب والشام ومصر وتشرف بلقب خادم الحرمين الشريفين كما فتح كثيرا من القلاع والحصون في ديار الشام والأناضول ومصر وضبط مكة المكرمة والمدينة المنورة شرفهما الله . توفي سنة ست وعشرين وتسعمائة عن عمر يناهز واحدا وخمسين عاما وكانت مدة حكمه تسعة أعوام، وخلفه السلطان سليمان خان الذي أكمل فتوحات كثير من القلاع والمدن (ص 61)ووسع حدود بلاد الإسلام، كما دعاه تكلو اولامه بك حاكم أذربيجان للقيام بحملة على ديار العجم بالإضافة إلى بلوغه خبر قيام الشاه طهماس بالاستيلاء على بغداد وقتل حاكمها الأمير ذو الفقار الذي كان قد أعلن ولائه للسلطان سليمان خان. وفي ربيع الآخر من سنة أربعين وتسعمائة أرسل الوزير الأعظم إبراهيم باشا إلى حلب للقيام باستعدادات الحملة وفي ربيع ذلك العام تحرك السردار الأكرم نحو تبريز، وفتح في طريقه بعض القلاع وقاتل الروافض ، وبعد ذلك توجه السلطان بجيوشه نحو ديار العجم حتى وصل أذربيجان وبعد لقاء السردار الأكرم بالسلطان لم يستطع شاه العجم المقاومة فهرب أمام جيوش السلطان . عندئذ قرر السلطان التوجه نحو بغداد ، فوقع الرعب في قلب تكلو محمد خان . وأرسل أولامه بك رسائل النصح إلى محمد خان بتسليم بغداد إلى السلطان فيها الترغيب والترهيب لكن الخان المذكور رفض النصح واستعد للحرب وبينما هو على هذه الحالة وصل ابن تكلو غزالي إلى بغداد وأخبر الخان بقدوم السلطان وسلمه رسالة من الشاه يطلب فيها تخليص نفسه بالفرار إلى إيران ، لكن أكثر الناس في قبيلة تكلو رفضوا الفرار إلى إيران، وظهر خلاف شديد بينهم، فقرر الخان الفرار مع ألف من أتباعه. وفي هذه الأثناء وصل رجب ده ده نديم الشاه إلى بغداد ومعه رسالة من الشاه يطلب فيها محمد خان .(ص62آ)ولما بلغ الروافض خبر وصول حضرة السلطان مع جيشه إلى حدود قله وخانقين كرروا النصح لجماعة تكلو بالخروج من المدينة ولكن دون جدوى. وقرر حوالي ثلاثة آلاف من الرجال الأشداء من طائفة تكلو المقاومة فتحصنوا في المدرسة الستنصرية عند الجسر ، وعندما أراد الخان التوجه لتحويل بيوت هذه الطائفة إلى بيوت الحزن وتخريبها منعه سيد محمد كمونه ، وأخيرا اضطر الخان للميل إلى جهة السلطان بعد أن أعلن ندمه على الميل إلى جهة الشاه. وقرر إرسال مفاتيح بغداد إلى السلطان مع عدد من رجال تكلو ولما علم السلطان بذلك أرسل القائد إبراهيم باشا إلى بغداد وقرر المسير بنفسه بعد يومين ، وهكذا دانت له قلعة بغداد، كان ذلك عام 941 . وقد أقام في بغداد حوالي ستة شهور، وقدمت الحلة وشهربان وغيرهما من القلاع عروض الطاعة وكذلك لرستان وواسط والجزائر والبصرة وقطيفة ، كما قدم راشد حاكم البصرة والأمير مانع حاكم المشعشع فروض الطاعة . وفي سنة خمس وأربعين وتسعمائة وصل كل من الوزيران راشد مانع بين مغامس حاكم البصرة ومير محمد إلى سدة السعادة وقدما مفاتيح القلاع الواقعة في ولايتيهما إلى الركاب الهمايوني فلقيا التكريم. وصارت بغداد محسودة من المدن الأخرى على إقامة السلطان فيها. واحتفى الأهالي بالسلطان احتفاء عظيما، أما الجيش الهمايوني فقد أقام في ظاهر الأعظمية ومنعوا من دخول المدينة وإيقاع الضرر بأي واحد من الأهالي. واطمأن الناس وأخلدوا إلى الراحة . وقد نظم الشاعر فضولي البغدادي قصائد في مدح السلطان. وقام السلطان بزيارة مرقد الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان ووقف له الأوقاف وعين له الخدام. كما زار مرقد كل من الإمامين موسى الكاظم ومحمد الجواد وخصص من خزينة بغداد رواتب للقائمين عليهما كما أمر بإتمام الجامع الذي باشر ببنائه الشاه إسماعيل ولم يتمه. وفي يوم الثامن والعشرين من جمادى الأولى من العام المذكور توجه السلطان إلى كربلاء والنجف لزيارة العتبات العليا. فزار مرقد سيد الشهداء ، ثم أمر بجر مياه الفرات إلى كربلاء لتأمين مياه الشرب للأهالي. كما جعل أطراف ضريح الإمام حدائق وجنات. ثم توجه إلى النجف الأشرف لزيارة قبر الإمام علي ووزع العطايا لأهل البلدة (ص 63آ) ثم عاد إلى بغداد وعين سليمان باشا حاكما على بغداد وفي اليوم الثاني من رمضان من السنة المذكورة تحرك باتجاه أذربيجان، فلجأ طهماس إلى الجبال، وفتح السلطان تبريز صلحا، ثم توجه إلى طرف الروم. ولما علم السلطان بنقض راشد حاكم البصرة العهد بعد أن قدم الولاء والطاعة له خلال إقامته في بغداد كلف الوزير إلياس باشا والي بغداد بالتنكيل به فجمع الرجال وأدوات الحرب وخلال سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة سار باتجاه البصرة . وفي الطريق زار روضة فاتح خيبر ، ثم قضى على شيخ آل قشعم الذي سار نحو طريق البغي وأكمل طريقه نحو البصرة ، ولما أدرك حاكم البصرة عدم قدرته على المقاومة فر من هناك دخل القائد الولاية المذكورة حامدا لله على ألطافه وانشغل بضبط الأمور، كما أدخل لواء واسط ونواحي الجزائر في ربقة الطاعة .وبعد ذلك انفصل الباشا المذكور من منصب ولاية بغداد، فتم تعيين صولاق فرحاد باشا مكانه الذي خلفه ابنه محمد باشا من بعده . وفي سنة أربع وخمسين وتسعمائة قدم الميرزا القاص أخو الشاه طهماس إلى السلطان سليمان فلقي منه التكريم ، وتوجهت قوات السلطان إلى بلاد إيران مرة أخرى ، وكان داب الشاه أن يتوارى إلى التلال والجبال ونزل السلطان في تبريز، وهناك علم السلطان بأن قلعة وان التي تعتبر مفتاح ملك إيران أصبحت تحت تصرف الروافض فتوجه إلى هناك (ص 63) وحاصر القلعة وأدرك الروافض ألا قبل له بجنود السلطان فألقوا السلاح وطلبوا الأمان وتم ضبط الأمور في القلعة المذكورة ثم عاد السلطان إلى مقر السلطنة . واستأذن الميرزا القاص الذي مر ذكره لقضاء أيام الشتاء في بغداد فوصلها بإذن السلطان وبعد عدة أيام انحرف عن الطريق المستقيم ولجأ إلى جبال الأكراد فوقع في فخ أخيه الشاه طهماس. وفي سنة ست وخمسين وتسعمائة من الهجرة وصل خبر تمرد الأعراب في ولاية البصرة وجزائر البصرة إلى الآستانة ، عين تمرد علي باشا محافظ بغداد قائدا للجيش وعين محمد باشا بالتجي والي سيواس مع مقدار من عساكر الإنكشارية لمحافظة بغداد وتحرك القائد مع قواته برا وبحرا حتى وصل إلى صحراء واسط حيث ضرب خيامه وكان في استقباله أمير اللواء علي كمال بك ثم انضم إلى قواته وتوجهت القوات مع السفن الحربية نحو قلعة المدينة التي هي ملجأ ابن عليان حاكم الجزائر، فخرج الأعراب وعلت قعقعة السيوف والخناجر وتفوقت السفن السلطانية على سفن العربان . وفي تلك الليلة حاول العربان إنهاك الجيش مستغلين ظلام الليل لكنهم حرموا من ذلك وفي الصباح عاد القتال وشن أسود سلطان ديار الروم الهجوم فاضطر الأمير المحصور في القلعة إلى الفرار وعادت مقاليد الأمور في القلعة إلى الباشا سنة سبع وخمسين وتسعمائة ، وبقي بعض العربان في الأطراف على التمرد والبغي فأمر القائد ببناء القلاع والحصون في بعض الأماكن وعاد إلى بغداد. وبعد ذلك انفصل الباشا المشار إليه من حكم بغداد فخلفه بهرام باشا ويقال بأنه كان متبعا لأهواء نفسه وآكلا للرشوة ، وبعد مدة أعيد علي باشا الذي كان على النقيض منه إلى حكم بغداد . وكان السلطان سليمان عندما وصل إلى شهر زور وهو في طريقه لفتح بغداد قدم بكه حاكم القلعة المذكورة الطاعة للسلطان ، وعربونا لذلك أدخل ابنه الأكبر مأمون في خدمة السلطان ، وعندما سلمت بغداد لواليها سليمان باشا صار مأمون أميرا للعديد من الألوية ثم تقاعد بعد أن صار أميرا على الحلة فكانت شهر زور من الممالك المحروسة ،وكانت القلعة المذكورة تسمى بقلعة الظالم فهي قوية ومحاطة بالجبال وصعبة المنال وكان الأكراد فيها في عداد البهائم وفي سنة تسع وخمسين وتسعمائة وصلت إلى السلطان رسالة من علي باشا والي بغداد بأن الروافض والأكراد استولوا على القلعة وساموا الرعايا والبرايا الذين يعيشون تحت حماية السلطان العذاب ، فعين محمد باشا أمير أمراء سيواس السابق على بغداد ، كما عين عثمان باشا أمير أمراء حلب قائدا على رجال القوة الانكشارية وعساكر العديد من الولايات ليتوجه إلى شهر زور بجيش جرار ولما أصبح محمد باشا حاكما على بغداد جمع أنواع المدافع وسائر آلات الحرب وتوجه صوب عثمان باشا ولما لحق به قرب شهر زور تحركت قوات بغداد مع أمراء الأكراد وضربوا الخيام حول القلعة ولما طال الأمر ولم تفتح القلعة (ص 63)قرر القائد بناء قلعة مقابلها وباشر البناء لكن المنية عاجلته فعاد الجيش مع نعش القائد إلى بغداد ولما وصلت رسالة والي بغداد محمد باشا بهذا الخبر عين السلطان الباشا المشار إليه قائدا وأمره بالاستيلاء على القلعة المذكورة وعين سهيل بك أمير لواء رماحية قائمقاما لبغداد ، وتوجهت القوات نحو تلك القلعة وضربت الخيام قرب الموقع المعروف بالدفلة المقطوعة وبعد انتظار عدة أيام أرسل رسائل نصح إلى حاكم شهرزور الرافضي مع بكر بك من أمراء الأكراد مع مساعد القائد وكان حرم هذا الحاكم قد وقعت أسيرة في وقعة عثمان باشا ، فأعاد له حرمه ، وعرفانا بالجميل قرر الدخول في طاعة السلطان وصالح القائد وأخرج أمواله وأرزاقه من القلعة وسلمها سنة إحدى وستين وتسعمائة. فصارت شهر زور من مضافات الممالك المحروسة وتبعا لذلك فتحت قلعة نقود وقلعة باسكة وقلعة شميران وقلعة فرنجة وأعلن أوغورلو بك والأمير السابق مع ألفين من الأسر الرافضة تبعيتهم للدولة العلية وسلمت أيضا عدد من مفاتيح القلاع إلى السلطان . وبعد أن عين لشهر زور مقدارا من العساكر والمستحفظين توجه الباشا صوب همدان . وفي هذه الأثناء قرر السلطان الذي كان في صحراء نخجوان العودة إلى دار السلطنة . ولما بلغه خبر عزم الشاه طهماس على التوجه إلى بغداد أمر الباشا المشار إليه بالعودة على جناح السرعة إلى بغداد، فوصلها. وخلفه بعد ذلك خضر باشا وكان إنسانا نظيفا ومعتدلا. ثم خلفه اسكندر باشا الذين عيت أيضا قائدا للجيش في جهات البصرة الذي كانت له خدمات مستحسنة في تلك الجهات. وبالرغم من الشيخوخة لدى السلطان سليمان فقد اقتضى الأمر أن يقوم بنفسه بغزو المجر .وفي ليلة فتح قلعة سكتوار توفي السلطان عن عمر يناهز أربعة وسبعين عاما ودام حكمه ثمانية وأربعين عاما . وقد أخفى الصدر الأعظم محمد باشا خبر الوفاة كيلا يكون له أثر سيء في النفوس . ولما وصل الخبر الأليم إلى السلطان سليم خان توجه إلى المعسكر ولم يكن السلطان سليمان قد دفن بعد عندما وصل السلطان سليم، حيث حضر صلاة الجنازة كل من كان هناك ثم أرسل الجثمان إلى استنبول حيث أقيمت صلاة الجنازة مرة أخرى . وعلى النحو الذي ذكر سابقا فإن ابن عليان الذي دخل في الطاعة رغما عنه لم يستطع تحمل التكاليف الشاقة التي حملها له ولعشائره في جهات البصرة ولاة بغداد والبصرة ، وجاءت الأخبار بأنه خرج عن الطاعة سنة خمس وسبعين وتسعمائة وصار يوقع مع عشائره أضرارا بالممالك المحروسة. فتم تجنيد ألفين من انكشارية السلطان وعدد كاف من عناصر المدفعية والعربات وعين اسكندر باشا والي بغداد قائدا وكلف ولاة شهر زور والبصرة وبعض من أمراء الأكراد بإعادته إلى عصا الطاعة وقد كان. وبعد ذلك عين مراد باشا واليا على بغداد ، فبنى في ميدان بغداد جامعا كتب الشاعر الفضلي ابن فضولي شعرا في تأريخ بنائه. (ص65) ثم جاء بعده علي باشا الصوفي ، ثم حسين باشا البتور ويذكر أنه رافع البدعة وجامع الطرفين ، وجاء بعده عبد الرحمن باشا المعروف بتصلته وخشونته وسمي بين الناس بعدو الرحمن ، وخلفه علي باشا الدرويش الذي كان واليا على البصرة والحسا قبل أن يولى بغداد. ومرض السلطان وتوفي عن عمر يناهز اثنين وخمسين عاما ودام حكمه ثمانية أعوام ، وخلفه على عرش السلطنة السلطان مراد خان . وفي سنة أربع وثمانين وتسعمائة مات طهماس شاه العجم مسموما ، فخلفه الميرزا اسماعيل الذي كان رهين قلعة ألموت . وفي أيام الخير هذه عين السلطان علي باشا ألوند زاده واليا على بغداد ، فقام بأمر السلطان ببناء قبة فوق ضريح شهيد كربلاء حسين رضي الله عنه سنة 99وبنى عددا آخر من الجوامع (ص 66آ) وفي سنة خمس وتسعين وتسعمائة صار الوزير المكرم يوسف باشا و
كلشن خلفاfficeffice" /><O></O>
(ص 38 أ)<O></O>
وفي رمضان سنة خمس وخمسين وستمائة قرر هولاكو مغادرة همدان وأرسل مقدارا من العساكر وبدأ هو يستعد للقتال. وانتشر الخبر في بغداد، وأبلغ المقربون المستعصم لكن الوزير أبلغه بخلاف ذلك ، فلم يفق الخليفة من غفلته حتى ظهرت قوات هولاكو في أطراف بغداد كالسيل، عندئذ أرسل فتح الدين ومجاهد الدين مع عشرة آلاف من الرجال للدفاع وتصادمت القوتان عند الجبل واشتعل القتال ، وانتهى اليوم الأول بلا غالب ولا مغلوب. ولم ينتظر التتار الوقت المناسب لعبور نهر الفرات فغرقوا جميعا ولم يصل إلى بر السلامة إلا ثلاثة رجال ويقول أكثر المؤرخين بأن هولاكو عسكر بقواته على طريق بعقوبة ، وأدرك الخليفة بأنه لا قبل لقواته في الخروج ولقاء العدو فتحصن بالقلعة وقتل في هذه الفترة التي استمرت شهرين الكثير من الناس عند أشار الوزير الخائن ابن العلقمي بأنه لا قبل للجنود بقوات هولاكو ومن المصلحة فتح أبواب دار السلام وهذا أصلح لانتظام الملك والأمة، فأظهر الصلاح وأضمر العداوة. فتوجه المستعصم يوم الإثنين الرابع من صفر سنة ستة وخمسين وستمائة صوب هولاكو ومعه ولداه أبو بكر وعبد الرحمن وكبار مستشاريه ولدى وصوله وجد الخليفة وولداه وثلاثة من خدمه المجال لدخول مجلس هولاكو وبقي السادات والأشراف خارج الخيمة ، وقوبل الخليفة قبولا حسنا في البداية ، ثم طلب منه أن يرسل إلى بغداد أمرا بإلقاء السلاح، فجاء عساكر العباسيين أفواجا بعد إلقاء السلاح مطمئنين لكن طائفة التتار حملت السلاح وأعملته في رقاب المسلمين وقتلوهم ثم توجهوا إلى بغداد فنهبوها . ودخل هولاكو بغداد يوم الجمعة فاعتبر نفسه ضيفا على المستعصم حتى فتح له الخزائن ، ثم أمر هولاكو بحفر جميع أنحاء القصر كي يستخرج ما قد يكون مدفونا من الأموال واستشار هولاكو حول قتل الخليفة فلم يرض حسام الدين المنجم بقتله لكن الشيخ نصير كان موافقا للمغول بقتل الخليفة الأسير فتم فصل أعضائه عن بعض حتى مات. وقد قتل هولاكو في بغداد ثمانين ألفا. ويروى أنه جيء ببردة وقضيب النبي وهما زينة العباسيين فأمر هولاكو بإحراقهما وإلقاء رمادهما في دجلة.(39) وبذلك دالت دولة العباسيين في العراق وانتقل ملكهم إلى المغول. إلا أن اسم الخلافة بقي لدى العباسيين الذين بويعوا في مصر فقد بويع أحمد الملقب بالمستنصر بالله سنة ثمان وخمسين وستمائة بعد أن أثبت بأنه ابن محمد الظاهر بأمر الله العباسي ولقي الدعم من الملك الظاهر بيبرس . ولما توفي بويع أحمد الحاكم بأمر الله وهو من أحفاد الراشد بالله من الدرجة السابعة. وجاء من بعده ابنه المستكفي بالله سليمان وفي سنة سبع وثلاثين وسبعمائة نفي إلى قوصه حيث توفي هناك ، وجاء الملك الناصر بابن أخيه الواثق بالله إبراهيم ، وفي سنة اثنين وأربعين وسبعمائة أزيل من سدة الخلافة وعين مكانه ابن عمه الحاكم بأمر الله أحمد ابن المستكفي ولما توفي عام تسعة وأربعين وسبعمائة جيء بأخيه المعتضد بالله أبو بكر. وفي سنة خمس وثمانين وسبعمائة اتهم المتوكل بطلب السلطنة فعزل . (ص 39) وبويع مكانه ابن عمه الواثق بالله عمر. وفي سنة اربع عشرة وثمانمائة أعلن الشيخ محمود العصيان فساق إليه فرج سلطان مصر قواته وكان معه الخليفة المستعين بالله، لكنه انهزم، فجعل الشيخ محمود السلطنة في الخليفة لكنه في نهاية الشهر صعد الشيخ محمود إلى سدة السلطنة كما طرد المستعين من سدة الخلافة وجاء بأخيه المعتضد بالله داود ولما توفي عام خمسة وأربعين وثمانمائة جيء بأخيه المستكفي بالله سليمان ، ولما توفي المستكفي صار أخوه القائم بالله حمزة خليفة لكنه ما لبث أن عزل وجاء بعده أخوه المستنجد يوسف ، ولما توفي المستنجد عام أربعة وثمانين وثمانمائة جاء ابن أخيه المتوكل على الله عبد العزيز بن يعقوب ، ولما توفي المتوكل سنة اثنين وتسعمائة في مصر جاء ابنه المستمسك بالله يعقوب وفي عام ثلاث وعشرين وتسعمائة فتح السلطان العثماني سليم خان مصر وعاد كان المستمسك بالله قد بلغ أرذل العمر فلم يطلب منه مرافقته لكنه أخذ ابنه المتوكل على الله محمد إلى ديار الروم وحبسه بعض الوقت في المحل المعروف بـ "يدى قله" ثم أطلقه وعينه في وظيفة في مصر وكان لكل من ابنيه عمر وعثمان حصة في الخزينة العامرة. وبوفاتهما طويت صفحة الخلفاء العباسيين <O></O>
ص 39 فصل حدوث واقعة بغداد<O></O>
كانت مدينة السلام في عهد دولة بني العباس مصونة من الرياح ومغبوطة من كافة السلاطين قصورها مرتفعة وأطرافها روضة الرضوان وتطير الطيور في فضائها في أمن وسلام ، وتحتار العقول في تعداد ألوان النعم والراحة وأصناف التنعمات والنزهات فيها والفردوس توأمان ومحصولها السنوي بمئات الألوف ، وما من مدينة أو بلد مثلها في كثرة العمائر والقصور، وفي الخصوبة والرخص والراحة عديل فردوس عدن ومجامع أنس لا حزن فيها ولا غبن. وامتازت في عهد الخليفة المستعصم بالله بمزيد التنعم والترفه وكثرة الأموال ونفائس الذخائر . وشرفات وغرف وإيوان دار الخلافة تطاول زحل ، وفيها أربعمائة خادم ولا يجد أحد من ملوك الأنام والأشراف والصناديد طريقا للدخول على أمير المؤمنين ، بل كان في الطريق حجر يشبه الحجر الأسود وضع عليه أطلس أسود فمن جاء من الملوك والسلاطين إلى عتبة الخلافة العلية قبل ذلك الحجر الأسود . وكان المستعصم في يوم العيد يركب فرسا يشبه البراق وسار في ركابه كبار العلماء والمشايخ ، وكان الناس من الخواص والعوام يستأجرون البيوت الواقعة على طريق موكب الخليفة كي يشاهدوا موكبه حتى بلغ إيجار البيت الواحد ثلاثة آلاف دينار.<O></O>
(ص 40آ) وكان في خدمة المستعصم ستون ألف من الفرسان وقائد جيشه سليمان شاه . ومدبر أمور الجمهور لديه الوزير مؤيد الدين محمد بن محمد عبد الملك العلقمي وكان شاعرا وناثرا ومشهورا بالكرم والسخاء . وكان المستعصم يألف اللهو وشغوفا بالراحة والصفاء ولذلك فقد صار العلقمي صاحب الحل والعقد ، وكان ذلك سببا في عدم احترام المقربين للخليفة فقام ابن الخليفة واسمه أبو بكر مع عدد من الجنود بنهب محلة الكرخ وأسروا بعض سادات بني هاشم الساكنين في ذلك الحي ،وقام الرعاع من العربان بإخراج أبنائهم وبناتهم من الحي مما جعل الوزير المذكور يتشيع ويتكدر صفاؤه وإخلاصه للخليفة. وتتغير نيته وعقيدته وفي التاريخ المذكور أرسل رسالة إلى رئيس النجباء بقصبة الحلة سيد تاج الدين محمد بن نصر وشرح له بالتفصيل ما تعرض له الأشرار والسادات من الإهانة، مضيفا بأنه كلما حذر من العاقبة ونصح بالامتناع عن مثل هذا الأعمال أجيب بأنه لا بد من قتل جميع الشيعة، وانه في نهاية الأمر لابد وان يثور على ذلك، وطلب منه كتم رسالته والترقب، كي يجد الحيلة في التخلص من الخليفة وأتباعه وانتزاع بغداد من يده . وفي هذه الأيام أي في عام ستمائة وأربعة وخمسين فرغ كان هولاكو خان ملك ممالك تركستان من فتح قلاع الملحدين وأزال الدولة الصباحية التي بقيت مائة وسبعين عاما وأزال خطرهم عن ديار المسلمين. وفي هذه الفترة كان نصير الطوسي محبوسا في قهستان بسبب وشاية من ابن العلقمي لناصر الدين محتشم حاكم قهستان ادعى فيه بأن نصير الطوسي يدبر أمرا مع الخليفة ضده.(ص 40 ) ولما دارت الأيام وظهر هولاكو وانقرضت دولة الملاحدة نجا نصير وسافر للقاء هولاكو فحظي بتكريمه ورفع منزلته ، وبعد ذلك توجه هولاكو إلى قهستان واستولى عليها وبعث الرعب في قلوب الملوك والسلاطين ببأسه وبطشه، فانتهز ابن العلقمي الفرصة ، وأرسل رسولا إلى هولاكو لتقديم ولائه وطاعته وزين بغداد في خاطره ووصف الخليفة بأبشع الأوصاف، وبين له بأنه إذا سار نحو بغداد فسيأخذها بلا قتال لكن هولاكو لم يثق برسالته لأنه كان على علم بما جرى لأتلخان عندما حاول الاستيلاء على بغداد. وأعاد رسوله إلى بغداد طالبا منه مزيدا من العهود والمواثيق ، وبعد تأكيدات ابن العلقمي ، استشار هولاكو نصير الطوسي كما سأل المنجمين (ص 41 أ ) ولما أكدوا له سهولة فتح بغداد ، أمر بتحرك الجيش، ولما وصل إلى همدان أرسل رسولا إلى المستعصم طالبا منه أن يرسل إليه الوزير سليمان لكن الخليفة أرسل إليه محي الدين ابن الجوزي فغضب هولاكو ، وأرسل جيشا جرارا بقيادة الأمير سوغرنجاق من جهة أربيل فعبر شط دجلة، كما أرسل جيشا آخر بقيادة الأمير بايانجو فعبر الشط من الجهة الغربية لبغداد ، ثم تحرك هولاكو نفسه . لما تأكد ابن العلقمي من توجه هولاكو نحو بغداد ، جاء إلى المستعصم واستطاع إقناعه بإرسال قادة الجيش في مهام مختلفة توفيرا للمال ، فوافقه المستعصم على رأيه وبقي منغمسا في ملذاته ، (ص 41 )كما عمل ابن العلقمي على تنفير قلوب الجنود وتفريق كلمتهم ، وسمع الناس بقدوم جيش التتار وأدركوا أنه لا قبل لهم به . ومع ذلك فقد حاول أهل الغيرة والحمية جمع القوات واتخاذ أسباب المقاومة محذرين من الإصغاء لما يقوله ابن العلقمي لأنه يعمل على تشتيت الشمل وانقراض الدولة، لكن الخليفة لم يسمع لنصائحهم <O></O>
(ص 42) ولما شاع خبر وصول جيش التتار إلى بغداد أرسل الخليفة حوالي ألف من الفرسان بقيادة فتح الدين ومجاهد الدين دواتي ومع أن هذه القوات قاتلت وصبرت ونجا منهم القليل . وفي شهر ذي الحجة من سنة أربع وخمسين وستمائة تحركت قوات المغول بطريق بعقوبة ونزلت في ضفاف دجلة ، (ص 43أ) عندئذ أمر الخليفة بسد سد الطرق المؤدية إلى بغداد ، وعين الدواتيان وسليمان شاه على العساكر فقاموا بتسليح أهالي بغداد لمقاتلة الأعداء. واحتدم القتال وقتل من الجانبين خلق كثير ، فقرر المغول التوقف عن القتال والقيام بمحاصرة بغداد واستمر الحصار أربعين يوما، وقام بدك الحصون والقصور بالمنجنيق وأدرك الناس ألا طاقة لهم بهذا العدو . وفي هذه الأثناء أرسل بعض سادات الحلة رسالة إلى هولاكو يعلنون فيها الطاعة ، ويشكون جور الخليفة فابتهج هولاكو بذلك وأمر بإحضارهم وبذلك نجا أهل الحلة . وبعد ذلك استشار الخليفة أركان الدولة فتحدث الوزير الخائن فأكد كثرة عساكر المغول وعجز الناس عن مقاومتهم <O></O>
(ص 43) وأن مقتضى الحكمة والعقل أن يترك الحرب والقتال ومداراة العدو وتحصيل رضاه ، وأن يبادر دون تردد وبرغبة النفس بالتوجه إلى هولاكو بنفسه، وأن طمع هولاكو أصلا في اخزائن والأموال فإذا حصل عليها كان الاستئناس ، وتحققت المظاهرة والمصاهرة ، وبعد ذلك يبادر إلى تزويج بنته وتوثيق العلاقات معه ومشاركته في الدولة والسلطنة ويحفظ بذلك دماء الكثير من المسلمين . وباستماعه إلى مثل هذا الكلام زاد خوف السلطان وضاق مجال عقله وتفكيره فلم يعد يميز بين الحق والباطل والصدق والكذب، فوافق على رأي هذا الوزير. وفي يوم الإثنين الرابع من صفر سنة خمس وخمسين وستمائة توجه الخليفة مع ولديه أبي بكر وعبد الرحمن وكبار الوزراء والمستشارين ورجال الدولة المقربين إلى هولاكو ، ودخل خيمة هولاكو هو وولداه وثلاثة من الخدم ولم يسمح للآخرين بالدخول . وفي اليوم التالي توجه جيش المغول إلى بغداد بأمر هولاكو وقام بتسوية الخنادق لتسهيل المرور ثم أشعلوا النار في المدينة وقاموا بالسلب والنهب وقتل المسلمين حتى جرت دماؤهم أنهارا كما نهبوا الخزائن العامة والخاصة ودفئن حرم دار الخلافة ودمروا القصور والأواوين والشرفات ، والخلاصة فقد أصبحت المدينة التي كانت دار الخلافة منذ خمسمائة عام وحكمت شرقا وغربا ، وكذلك أموال الوزراء والمشايخ والعلماء وأرباب القوت وأصحاب القدرة ويبوتهم طعما للأعداء ، ونهبت قصور الخليفة والوزراء وسائر أركان الدولة . ويروى عن الثقاة بأنه نقلت نفائس بغداد وغنائمها إلى هولاكو بأربعة آلاف من الدواب. وقد أدى الخليفة صلاة الفجر فقرأ " قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير " ثم صار يتضرع إلى الله ولما عليم هولاكو بالأمر أمر بمنع الطعام والشراب عنه. ولما اشتد الجوع وطلب الطعام أرسل إليه طبقا مليئا ولسان حال الخليفة يقول:" أيها المغرور بمالك فقد صار العدو مالك مالك . ثم قالوا له بأن الملك يأمرك أن تأكل الطبق بما فيه . فلما أجاب بأنه لا يمكنه ذلك . واستشار هولاكو في مصير الخليفة فأشاروا إليه بقتله، فقتله وكان مدة خلافة المستعصم سبعة عشر عاما. وفي الرابع من صفر سنة خمس وخمسين وستمائة دالت دولة بني العباس. وكان أمل ابن العلقمي أن يوليه هولاكو على بغداد لكنه طرد لأن من أضاع حقوق ولي نعمته وخانه ليس جديرا بالولاية . وعين علي بهادر الذي كان على رأس الجيش عند أول الهجوم صاحبا للشرطة (ص 45آ)كما عين ابن عمران الذي كان كاتبا لدى عامل بعقوبة حاكما لبغداد، وأمر ابن العلقمي ان يكون في خدمته . وصار الناس جميعا يلعنون ابن العلقمي. (ص45) وجاء في تاريخ جواهرالأنام باللغة الفارسية أن هوكلاكو جاء بعد ابن عمران بعلاء الدين عطاء الملك وهو أخو شمس الدين بن محمد صاحبا للديوان . فأعاد بناء بغداد وتحسنت أحوال الناس وتطورت المعارف في عهده . وفي سنة ثلاث وستين وستمائة مات هولاكو وخلفه ابنه إيقا خان فأبقى شمس الدين محمد في مقام الوزارة ، لكن الوشايات جعلت الملك يقوم بعزله، ثم توجه إلى عراق العرب (ص46آ) وصدق أقوال أرباب الغرض بوجود علاقات سرية بين عطاء الملك وبين أهل مصر فأمر بتقييده بالسلاسل وأخذه أسيرا إلى ديار المغول وصادر جميع أمواله وأملاكه. ولما وصل إلى همدان جاء الخبر بموت إبقا خان ، فانتقل الملك إلى أحمد بن هولاكو سنة إحدى وثمانين وستمائة وكان اسمه قبل الإسلام نكودار فأعاد شمس الدين للوزارة كما أعيد عطاء الملك إلى حكم بغداد ، وقد توفي سنة أحدى وثمانين وستمائة. وأما أمراء المغول فإنهم عندما أسلم السلطان أحمد اجتمعوا حول أرغون ابن ابقا خان حاولوا الإيقاع بينه وبين أرغون خان، فحاول أحمد خان مصالحته لكنه غفل عن كيد العدو ، فلما غادر الجيش وتوجه إلى زوجاته في أذربيجان (ص 46 ) وجد الأمراء الفرصة فاتفقوا على خلعه وجاءوا بأرغون خان ، وقتلوا أحمد خان ويروى أيضا بأن ورثة رجل اسمه قيقر اقتصوا من الملك المرحوم، وكانت مدة حكمه سنتان ونصف. ولما ولى أرغون خان أخاه بايدو ، وسلم أمر الوزارة للأمير بوقا الحقود الذي اغتاب شمس الدين بن محمد أمام أرغون واتهمه بوضع السم لابقا خان فأمر أرغون بقتله . وفي عهد أرغون أيضا عهد إلى طبيب يهودي اسمه سعد الدولة بالوزارة ، الذي كان يسعى لأن يعبد المسلمون الأصنام لكنه لم يوفق وهلك بعد مدة. وفي سنة تسعين وستمائة رحل أرغون إلى دار البوار ، وتخلص أهل الشريعة الغراء البيضاء من ظلمه ، وتولى الحكم كيخاتو خان ابن ابقا خان بن هولاكو ، ومع كرمه وجوده كان مولعا بالخمر (ص 47آ) كما هتك أعراض كثير من ذوات العصمة من النساء من غير تفريق بين حلال وحرام مما أزعج الأمراء ، فأرسل طغاجار تومان وكان في منصب أمير الأمراء رجلا إلى بغداد يحمل رسالة سرية إلى بايدو خان لكن كيخاتو خان علم بالأمر ففر من بغداد ، وقام أحد الأمراء بقتله في الناحية التي فر إليها. وفي سنة أربع وتسعين وستمائة صار بايدو خان ابن هولاكو ملكا . وكان أول عمل قام به استئصال محمد سكرجي الذي كان عاملا على بغداد وصادر أموال الأغنياء ، وعين عاملا جديدا على بغداد وتوجه إلى أذربيجان. وأزعج خبر تنكيله بأكثر الأمراء بسبب مقتل كيخاتو خان حاكم خراسان غازان ابن أرغون ، فسلم خاتم الوزارة إلى الأمير نوروز الذي كان حاكما سابقا لخراسان وطلب منه معاونته ومظاهرته للانتقام من مقتل كيخاتو خان ، فوافقه على ذلك بشرط أن يعلن إسلامه. فأعلن عن إسلامه امام مائتي ألف من الناس وباتفاق عامة أمراء المغول ونطق الشهادتين بحضور الشيخ صدر الدين إبراهيم ابن الشيخ سعد الدين الحموي. وسمي محمودا. ثم قرر السفر ونصب خيامه قرب بلدة ري. عندئذ أرسل بايدو خان سفراءه طالبا الصلح على أن يترك له حكم عراق العجم وفارس وخزستان ولرستان لغازان ويبقى على حكم عراق العرب وديار بكر وأذربيجان وأرمينيا وجرجستان وبلاد الروم، في محاولة منه لكسب الوقت ، لكن غازان علم بما بيته بايدو خان من الغدر فبادره بالقتال ، واضطر بايدو خان إلى الفرار إلى جهة نخجوان ، واستطاع الأمير نوروز القبض عليه ، فصار طعما لسيف غازان. واستقل غازان بالملك فطهر البلاد من ذيول الكفر والضلال وأشاع العدل وضبط أحوال البلاد ، ولكن وقعت بينه وبين الملك ناصر المصري منازعات (ص 47) فكان يقود الجيش بنفسه أحيانا ويرسل قائد جيشه أحيانا . وكان وحيد دهره وأفلاطون عصره في علم الهيئات والنجوم . ورأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه ، كما كان كثير الاحترام والتقدير للسادات والأشراف ، فأجرى الماء من نهر الفرات إلى كربلاء . وفي سنة سبعمائة قرر القيام بحملة على مصر فعسكر بقواته في حلب واستعد للحملة لكن ورود ما يفيد الطاعة والصلاح من جانب مصر جعله يعدل عن قراره . إلا أنه استشاط غضبا من ورود بعض الكلام السيء من جهة مصر فأرسل بعض القوات ، وتوجه هو إلى جهات تبريز، وبعد فترة قصيرة علم بفرار القائد الذي أرسله لمصر فأورثه ذلك غما ، فعين محمد خان بن أرغون وليا للعهد وفي سنة سبعمائة وثلاث انتقل إلى رحمة الله وعمره ثلاثة وثلاثون عاما. وتولى السلطان محمد خان ملك العرب والعجم فبسط العدل وطوى الظلم والبدع ورفع راية الإسلام وطبق أحكام الشرع وفرض الجزية على أهل الذمة وأجبرهم على استعمال علامات مميزة. (ص 48آ) ومات السلطان محمد خان في وقعة نويسان سنة ست عشر وسبعمائة، وكان عمره ستة وثلاثين عاما. وولي عرش السلطنة ابنه أبو سعيد بهادر. وقد قسم الممالك المحروسة والأقاليم السبعة بين أبناء أمير الأمراء جويان ، وقد وقع نار الغرام في قلب الملك على بغداد بنت الأمير جويان زوجة الشيخ حسن ايلخانى التي كانت بمدينة دلم بجهات دمشق. ولما توجه الملك إلى بغداد لقضاء فصل الشتاء زادت نار عشقه وبينما هو يترقب حلا لألمه ظهر الوزير الملقب بنصر الدين ونسب إلى الأمير جويان بحضور الملك أقبح النعوت وكاد الملك يصدق ما ادعاه الوزير ، وبلغ الخبر الأمير جويان فدبر له مكيدة للانتقام منه ، فاتهمه بوصف السلطان بالخذلان وعدم الاهتمام بالرعية كي يعزله ويأخذه معه إلى خراسان ويجد الفرصة لقتله. ولما غادر الملك بغداد إلى جهة السلطانية قتل الأمير دمشق ابن الأمير جوبان لبعض التهم التي ألصقها به بعض أرباب الغرض فحزن عليه الأمير جوبان فبدأ بوزيره ركن الدين فقتله ثم هاجم جيش الملك مع رجل شهير بقتله سبعين ألفا من الأسود اسمه جوسوار ، كما توجه إلى الشيخ علاء الدولة وشرح له حاله وطلب التوسط لدى الملك لتحقيق العدل والقصاص من قتلة ابنه . فذهب الشيخ إلى السلطان وبذل له النصح ولكن دون جدوى، ولما يئس الأمير جوبان بادر بالحرب وأخذ الثأر لكن أكثر الأمراء مالوا إلى جانب السلطان أبي سعيد فندم جوبان وعاد إلى خراسان ، ثم لجأ إلى الملك غياث الدين في هراة وكانت بينهما حقوق سابقة، لكن غياث الدين نفذ حكم السلطان فيه فقتله ونقل نعش الأمير جوبان إلى المدينة المنورة تنفيذا لوصيته. وبعد مقتله أرسل السلطان القاضي مبارك شاه إلى حسن إيلخانى ليطلب منه طلاق زوجته بغداد فطلقها ثلاثا خوفا على نفسه، فتزوجها السلطان بعد انقضاء عدتها ، وبعد ذلك مالت دولة أبي سعيد للأفول ولم يكن له والد أو أخ ، فعين بناء على نصيحة الوزير غياث الدين محمد أربا خان وهو ومن أولاد جنكيز خان وليا للعهد. وفي سنة ست وثلاثين وسبعمائة حيث بلغ أبو سعيد الثالثة والثلاثين من العمر واعتراه الضعف والمرض وأصيب بالصرع وأودع التيمارخانة (ص 49آ) واستطاع أربا خان أن يستقل بالعرش بعد محاربته بعض أمراء المغول، وبتدبير من زوجة أبي سعيد الثانية واتفاق مع والي بغداد تم نصب موسى خان وهو من سلالة جنكيز، وبعد قتال شديد قتل واستقل موسى خان بالملك وتعاقب الملوك بعد ذلك إلى أن دالت دولة آل جنكيز وهولاكو في بغداد سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة ، كما انقرضت دولتهم في إيران وأذربيجان سنة أربعين وسبعمائة <O></O>
(ص 49) ذكر حكومة الإيلخانيين في بغداد: <O></O>
يعتبر أق بغا ابن ايلخان ابن جلاير أول حكامهم ، فقد كان أميرا للأمراء في عهد كيخاتو خان عندما قتل في فتنة بايدو خان ، أما ابنه الأمير حسن فقد تزوج ابنة أرغون خان وصار أميرا على خراسان في عهد أبي سعيد، حيث توفي هناك ، وكان ابنه الشيخ حسن إيلخاني حاكما على بلاد الروم ، وقد جاء عدة مرات إلى العراق واشترك في كثير من المعارك . وكانت دلشاد خاتون زوجة أبي سعيد خان قد أنجبت منه السلطان أويس بهادر الذي حكم سبعة عشر عاما وفي عهده طغا نهر دجلة على بغداد ، كما تمرد عليه الأمير مرجان فتغلب عليه وعفا عنه بشفاعة أهل بغداد. توفي سنة سبع وخمسين وسبعمائة. <O></O>
(ص 50آ) فخلفه ابنه وولي عهده السلطان حسين الذي كان ميلا للهو وغافلا عن أمور الدولة ، وتمرد عليه رجاله عندما سافر إلى جهات تبريز ، فقتلوا نائبه وسلم أهل الحل والعقد حكومة بغداد للشيخ علي ، لكن السلطان حسين عاد إلى بغداد بعد أن انتصر على الشيخ علي بدعم من عادل آغا الذي كان حاكما على عراق العجم. لكن ظلمه للرعية جعل أهل الحل والعقد يعيدون الشيخ علي ، فلجأ إلى عادل آغا مرة أخرى وانتهت مدة سلطنته التي استمرت ثمانية أعوام، وتوفي عام أربعة وثمانين وسبعمائة. وفي التاريخ المذكور حكم مصر خاتمة سلاطين الأتراك الملك الصالح حاجي بن الملك الاشرف شعبان عاما ونصف وعزل لحداثة سنه ، فجاء بعده برقوق الأتابكي الشركسي فانتقل حكم مصر والشام وحلب إلى الشراكسة ، وكان على حكم بغداد الشيخ علي الذي أراد القضاء على السلطان أحمد فلما علم بذلك لجا إلى قره محمد بن قره يوسف التركماني (ص 50) فأمده المذكور بالجيش فاستطاع التغلب على قوات الشيخ علي ودخل بغداد وقضى على طورسون آغا الذي عينه عادل آغا ، واستقل بالحكم ، لكن عادل صمم على الانتقام فتحالف مع شاه شجاع خان حاكم شيراز، لكن شاه شجاع خان مال أخيرا إلى طرف السلطان أحمد خان. <O></O>
ذكر فتح تيمور لبغداد:<O></O>
بعد ان استولى تيمور على العراقين أرسل أمراءه لتسخير بغداد ، فأدرك السلطان أحمد أنه لا قبل له بهم ففر مع ألفين من فرسانه ولجأ إلى برقوق سلطان مصر. وفي سنة سبع وتسعين وسبعمائة عاد السلطان أحمد بجيش جرار ، فلم يقدر الأمير مسعود الذي كان واليا على بغداد من قبل تيمور ففر منها وعرج السلطان أحمد على ديار بكر ثم تقدم نحو بغداد يرافقه قره يوسف التركماني، واستقر في الحكم مرة أخرى. وعين الأمير فرج قائمقاما على بغداد وتوجه إلى الموصل حيث لقي قره يوسف وعقد معه اتفاقا لمقابلة تيمور ودخلا في حماية المرحوم بايزيد الصاعقة. (ص 51 آ) ونزل بلاء تيمور في قلعة بغداد، وأعمل القتل في عامة أهل البلد، وامتلأت مياه دجلة بجثث الشهداء الأبرياء كما خربت الجوامع والمدارس التي أنشأها العباسيون. وأرسل تيمور رسالة مع سفرائه إلى سلطان الروم بايزيد خان وطلب منه تسليم السلطان أحمد وقره يوسف ، وكان رفض طلبه سببا في توجهه إلى الروم وفتح أبواب الخصومة مع السلطان. ففي عام اثنين وثمانمائة أحكم تيمور سيطرته على بغداد وألحق بها الجزائر وعهد بحكمها إلى ابنه ميرزا بكر وتوجه إلى جهات الروم ، وفي هذه الأثناء عاد قره يوسف وعسكر عند حافة نهر العلقمي قرب بلدة الحلة ، لكن ميرزا أبو بكر والأمراء الآخرون سدوا الطريقين فأصبحت عراق العرب بكامله تحت تصرف تيمور. وبعد وقعة با يزيد الصاعقة لجأ السلطان أحمد وقره يوسف إلى مصر. ولما كانت بين تيمور وسلطان مصر معاهدة صلح قبض عليهما وأودعهما السجن. ولما ترك تيمور العرش ، تخلص الإثنان من السجن وجمعا الجمع وتوجها إلى بغداد للانتقام ، وبعد قتال مرير تمكنا من إخراج ميرزا أبي بكر من بغداد واستقر السلطان احمد في حكمه مرة أخرى، وفي هذه المرة بنى سور بغداد <O></O>
(ص 51) كما اتفق السلطان أحمد وقره يوسف على طرد أخي تيمور الأكبر ميرزا عمر وأباه أميرانشاه من أذربيجان ، وفي ميدان المعركة قتل أميرانشاه وفر الميرزا عمر . وكان لتيمور أربعة أبناء وهم : معين الدين شاه رخ وجلال الدين أميرانشاه ومعز الدين شيخ عمر وغياث الدين جهانكير حيث حكم أبناء وأحفاد كل واحد منهم جهة من جهات بلاد المسلمين ثم دالت دولهم بطرق مختلفة. أما العلاقات بين السلطان أحمد وقره يوسف فقد ساءت ، ووقعت الحرب بينهما في تبريز وقتل السلطان أحمد على يد المحاربين التركمان سنة ثلاث عشرة وثمانمائة ، وانتهت دولة الإيلخانيين <O></O>
ذكر حكومة قره يوسف الشهير بقره قيونلى. ذكرت كتب أخبار الملوك بان قره يوسف من القبائل واشتهر بتربية السلطان أحمد جلايري وبعد السلطان أحمد صار سلطانا على بغداد والبلاد التي كانت تتبع السلطان أحمد وعهد إلى ابنه الأمير شاه محمود بحكم بغداد فبقي حاكما عليها ثلاثة وعشرين عاما لكن أخاه الأمير أسبان خرج عليه ، فخاف على نفسه فلجأ إلى الموصل ، وعزم بعد ذلك على العودة إلى بغداد بجيش كثيف لكنه تقابل مع الأمير حاجي همداني فقتل، وصار أخوه الأمير شاه محمد متصرفا على بغداد ، لكن الأمير اسبان أخرجه من بغداد ، فصار هو حاكمها مدة اثني عشر عاما وتوفي فيها ودفن في برج الأولياء. ومات قره يوسف فجأة في بلدة أوجان ونهبت خزينته من قبل جيشه وبقيت جثته عارية في خيمته إلى أن دفن وكانت مدة حكومته عشر سنوات. وورثه ابنه الأكبر اسكندر ( ص 52) واتفق مع أخيه جهانشاه على مقاتلة شاه رخ ابن تيمور وتقابل الجيشان في الموضع المعروف بأرجيش وكان النصر حليف شاه رخ ، ثم انفصل الميرزا جهانشاه عن أخيه ودخل في خدمة شاه رخ ، فوعده شاه رخ بحكم ديار بكر وأذربيجان شرط أن يقتل أخاه الأمير اسكندر فامتثل لأمره فقتله سنة إحدى وأربعين وثمانمائة. وكانت مدة سلطنته عشر سنوات. وصار جهانشاه نائبا لشاه رخ في أذربيجان وديار بكر اثني عشر عاما، وبعد موت شاه رخ صار الحاكم الوحيد لبغداد والبصرة وفارس وكرمان بالإضافة إلى أذربيجان وديار بكر وبقي في الحكم اثنين وثلاثين عاما. ولما توفي باي سنقر بن شاهرخ ملك خراسان نشب الخلاف بين أبنائه فاستغل جهانشاه الفرصة فجمع جيشا جرارا وتوجه به نحو هراة فسمع بذلك أبو سعيد ميرزا محمد بن أميرانشاه بن تيمور فجمع الأوزبك والتتار وسار صوب خراسان (ص 53آ) فلم يقدر جهانشاه على المقاومة فتحصن في قلعة قريبة ، وطلب النجدة من ابنه بير بوداق حاكم شيراز. فأنجده خلال أسبوع باثني عشر ألف من الرجال ولما التقت بجيش أبي سعيد ، فأدرك جهانشاه ضعفه ، كما علم أن ابنه الآخر ميرزا حسن وجد تبريز خاليا من اسبان فدخلها واعلن الاستقلال بالملك عندئذ اضطر جهانشاه إلى عقد المصالحة مع السلطان أبي سعيد وتوجه نحو تبريز فحبس الميرزا حسن وعهد إلى ابنه بير بوداق بحكم عراق العرب، لكنه ابنه كان عاقا لأبيه فأرسل أبوه القوات فدخل بغداد وقتل ابنه بير بوداق. كما حارب جهانشاه خصمه حسن الطويل فقاد جيشا قوامه خمسين ألفا وهزمه. لكن حسن الطويل تحين الفرصة وقضى عليه سنة اثنين وسبعين وثمانمائة وانتقل الملك إلى حسن الطويل ودالت دولة القره قيون .<O></O>
ذكر سلطنة أق قيونلى أبو النصر حسن بك بن علي بك ابن قره عثمان.<O></O>
(ص 53) يروى أن قره عثمان كان في خدمة الأمير تيمور وحاكما لبعض المناطق بديار بكر وتوفي في عهد شاهرخ فخلفه ابنه علي بك ، وبعد مدة توفي فخلفه ابنه الأمير حسن. وكانت العداوة بينهم وبين قره قيونلى لا تنتهي. وكان حسن الطويل يداري بير بوداق ابن جهانشاه ، وبعد بير بوداق ظهرت العداوة . فعلى اثر مقتل جهانشاه من قبل حسن الطويل وخلافة حسن علي لأبيه، قصد سلطان ما وراء النهر أبا سعيد تيمور لبيان حاله ونية حسن الطويل تجاهه فأمده أبو سعيد بسبعة وعشرين ألف مقاتل ، عندئذ اضطر حسن الطويل إلى تحسين معاملته ومجاملته وأرسل إليه الكثير من الهدايا لكن أبا سعيد رفض قبول هداياه ، عندئذ عرض أن يتنازل له عن بغداد والبصرة وفارس وكرمان وتبقى له أذربيجان وأن تقرأ الخطب باسم أبي سعيد. لكنه أبو سعيد رفض هذا العرض أيضا عندئذ جمع حسن الطويل اثني عشر ألف من رجال عشرته الأشداء فتغلب على أبي سعيد . (ص54آ) وقتل أبو سعيد بعد ذلك قصاصا على يد حسن الطويل لقتله أم رجل اسمه يادكار محمد وكان القصاص سنة أربع وسبعين وثمانمائة. وبعد ذلك تمكن حسن الطويل من حكم العراقين وما وراء النهر وكرمان، وقد انهزم سنة سبع وسبعين وثمانمائة أمام أبي الفتح السلطان محمد خان ورجع إلى تبريز ، وتوفي سنة اثنين وثمانين وثمانمائة، بعد أن حكم اثني عشر عاما. فخلفه ابنه الأكبر الميرزا خليل ، كما أصبح ابنه الأصغر الميرزا يعقوب واليا على ديار بكر ـ لكن الميرزا خليل كان سيء الطباع ، مما دعا أخاه الميرزا يعقوب لأن يقاتله ويستولي على ملكه سنة ثلاثة وثلاثين وثمانمائة. ويقال أن أمه دست له السم كما تناولته هي فماتا معا ، وبايع بعض أتباعه ابنه الميرزا باي سنقر وآخرون أخاه الميرزا مسيح ، فاحتكما للسيف، فقتل الميرزا مسيح واستقر باي سنقر على الملك. وفي القتال الذي حدث بينه وبين ابن عمه الميرزا رستم ابن مقصود ابن حسن الطويل تمكن رستم من السيطرة على أذربيجان وهرب بايسنقر( ص 54) وأخيرا قتل بايسنقر في معركة نشبت قرب قلعة اصطخر. وكان الملك أحمد ابن اوغورلى بعد موت عمه الميرزا يعقوب قد لجأ إلى السلطان بايزيد خان ملك الروم في قرمان فلقي التكريم ، وبعد ست سنوات توجه سرا إلى جهات أذربيجان، وخيم عند ماء أرس ، عندئذ أجمع أمراء العراق وأذربيجان على تسليم رستم إلى الملك أحمد فقتله واستقل بالملك، لكنه في الشهر السادس قتل على يد السلطان آينه سنة ثلاث وتسعمائة وخلفه السلطان مراد بن يعقوب، لكن ابن عمه الميرزا محمدي ابن يوسف زاحمه على الحكم ، فتوجه السلطان مراد إلى جهة شيراز واستقر الميرزا محمدي على عرش تيريز لكنه لم يمض وقت طويل حتى انتزع أخوه الميرزا ألوند تبريز أذربيجان منه ثم تصالحا على أن ألوند على ديار بكر وأذربيجان والسلطان مراد على العراقين وفارس.<O></O>
ظهور الشاه إسماعيل بن حيدر. صفي الدين أردبيلي الجد الأعلى للشاه إسماعيل كان شيخا لزاوية ، تلقى آداب الطريقة والسلوك بالواسطة من حجة الإسلام الغزالي وخلفه بعد موته ابنه صدر الدين مكين ، وبعد وفاته خلفه ابنه الشيخ علي وبعده الشيخ إبراهيم . ولما توفي الشيخ إبراهيم خلفه ابنه الشيخ جنيد ، وزاد عدد مريديه يوما فيوما ، وفي ذلك التاريخ عندما دانت بلاد العجم (ص 55آ) للأمير جهانشاه بن قره يوسف القره قيونلى خشي من خروجهم عليه فأخرج المرشد وأتباعه من أردبيل وأجلاهم عن المنطقة، فلما وصلوا إلى ديار بكر لقوا التكريم من حسن الطويل نكاية بالأمير جهانشاه فزوج أخته خديجة بيكم بجنيد وكريمته حليمه بيكم من حيدر . وبعد مدة ساق الحنين إلى الوطن الشيخ جنيد للعودة إلى أردبيل، وفي سنة تسعين وثمانمائة أنجبت له زوجته حليمة ولده إسماعيل ، ولما توفي الشيخ جنيد صار الشيخ حيدر مرشدا. ولتمميز أتباعه عن الآخرين ألبس مريديه تاجا بلون أحمر له اثنا عشر ضلعا تعبيرا عن محبتهم الأئمة الإثنا عشر. واشتهرت تلك الطائفة بعد ذلك بالقزلباش(ذوي الرؤوس الحمر) . وبعد أمد غزا أتباعه جرجستان وفي القتال بينهم وبين حاكم جرجستان وجيشه بطبرستان قتل الشيخ حيدر ، وعاد مريدوه إلى أردبيل وبايعوا ابنه الشيخ علي وحرضوه على الثأر لأبيه، ولما علم الميرزا يعقوب بن حسن الطويل بذلك أمر بحبس الشيخ علي وأخاه إبراهيم وأخاه الآخر إسماعيل وكان عمره حوالي أربع سنوات وأمهم خديجة بيكم بقلعة اصطخر ، وقد أطلق سراحهم رستم وحظي بتكريم حسن الطويل . وفي سنة ثمان وتسعين وثمانمائة زالت المحبة بينهم واستحكم الخلاف فقتل الشيخ علي وفر إسماعيل وإبراهيم إلى كيلان وأقاما في بلدة لاهجان بحماية حاكم البلدة الميرزا علي . وبعد عام ضاق صدرهم من إقامة إبراهيم في لاهجان . فترك لا هجان بعد أن سلم تاج أبيه لإسماعيل. وتذكر كتب التاريخ بأن إسماعيل تعلم مذهب الشيعة خلال إقامته في لاهجان ، وبعد أن صار شيخ الفن وهو صغير السن غادر لاهجان متوجها إلى أردبيل ، وأقام مدة في أردبيل وأذربيجان ريثما يعد مريدو أبيه وجده الجيش (ص 55) وفي حوالي سنة خمس وتسعمائة جمع جيشه وتوجه إلى صوب شيروان(جرجستان) وقتل ملك شيروان الذي قتل الشيخ حيدر ، ولما سمع الميرزا ألوند بما قام به إسماعيل استعد لمقاتلته في نخجوان، ولم علم إسماعيل بذلك توجه إلى هناك ، وانكسر الميرزا ألوند وفر إلى جهة أذربيجان ، وحاول جمع الجيش هناك لكنه فر إلى بغداد لما سمع بقدوم إسماعيل ومن هناك توجه إلى ديار بكر حيث مات فيها . وبعد أن انتهى إسماعيل من مشكلة الميرزا ألوند وجه جيشه نحو السلطان مراد بن يعقوب ، وانتصر عليه وقتله قرب همدان ، وبذلك دانت له بلاد فارس ، ثم سيطر على كاشان وعين حكاما على أكثر بلدان عراق العجم ، وفي سنة ثمان وتسعمائة تمكن من فتح كيلان ، كما انتصر على جيش علاء الدولة ذي القدر في ديار بكر الذي لجأ إليه السلطان مراد ، وبعد مقتل علاء الدولة من قبل السلطان سليم لجأ السلطان مراد إلى السلطان سليم خان الذي أكرم وفادته. وبعد أن تغلب الشاه إسماعيل على جيش ذي القدرية استولى على ديار بكر ، وعهد بحكمها إلى محمد خان . وكانت بغداد تحت حكم برناك عندما أرسل الشاه إسماعيل جيشا بقيادة لالا حسين للاستيلاء عليها (ص 56آ) ففر برناك إلى جهات حلب ودخل لالا حسين بغداد ، وعقب ذلك قدم الشاه إسماعيل وخرب مهاد كثير من أئمة الدين ومراقد المشايخ المعتبرين وقال كثرا من أهل السنة وأتقياء الأمة ثم توجه إلى النجف وكربلاء ، وأعاد إجراء ماء النهر في النجف وسماه بنهر الشاه ووقفه على خدام المشهدين الشريفين ، وفي التاريخ المذكور أمر بمباشرة بناء قبر الإمام موسى الكاظم رضي الله عنه ، وعهد إلى خادم بك أمير الديوان بحكم بغداد وعاد إلى جهات إيران . هذا إجمال ما جاء في كتاب جامع السير عن الشاه إسماعيل، أنه عندما قضى حسن الطويل على جهانشاه واستقل بالملك ، أرسل إلى بغداد جيشا لمقاتلة ألوند بك الذي كان واليا عليها من قبل جهانشاه ، لكن هذا الجيش انكسر أمام مقاومة ألوند بك مما اضطر حسن الطويل إلى التوجه بنفسه إلى بغداد وتمكن من القضاء على ألوند بك والاستيلاء على بغداد . وفي هذه الأثناء ظهر رجل من أقارب جهانشاه في جهات قره باغ الذي هاجم تبريز ونهب أموال وأرزاق حسن الطويل في تبريز ونكح أخته ، فلما سمع حسن الطويل بذلك أخذته الغيرة والحمية فتوجه إلى تلك الجهة وقتل ذلك الرجل وأراد قتل كريمته لكن أخت حسن الطويل منعته من ذلك لأنها لم تفعل ذلك برضاها ، وبعد مدة زوجها من الشيخ حيدر بن جنيد فأنجبت منه إسماعيل سنة اثنين وتسعين وثمانمائة. ولما مالت حياة حسن الطويل للأفول والغروب ، وخلفه ابنه يعقوب. عندئذ جمع الشيخ حيدر في أردبيل أعدادا وفيرة من مريديه بنية غزو جرجستان فأبلغ شيرانشاه حاكم جرجستان السلطان يعقوب بالأمر ، فعين السلطان يعقوب حفيده سليمان بك لدفع الشيخ حيدر، لكن حيدر قطع رأسه وأرسله إلى السلطان يعقوب عندئذ أمر يعقوب بقتل أولاد حيدر لكن اخت حسن الطويل منعته من ذلك ، فاكتفى بحبسهم في قلعة قهقهة، وبعد مدة أخرجوا من الحبس بتوسط بعض الناس فسكنوا جهات كيلان. ولما مات السلطان يعقوب وقع الخلاف بين أبنيه الميرزا ألوند والميرزا مراد وبتوسط من المصلحين فوض أمر المناطق الواقعة بين أذربيجان وديار بكر إلى الميرزا ألوند والعراق وفارس إلى الميرزا مراد. كما جمع الشاه اسماعيل بجمع مريده أبيه وجده وحوالي خمسة آلاف من العسكر وتوجه نحو الميرزا ألوند ولما سمع ألوند بذلك قابله بعشرين ألف مبارز ، وقتل الميرزا ألوند وسيطر الشاه اسماعيل على تبريز سنة ثمان وتسعمائة ثم تحرك نحو السلطان مراد فتقابلا في جهات همدان، ففر مراد ودخل في حماية حاكم بغداد فلما علم حاكم بغداد بقدوم الشاه اسماعيل فر ومعه مراد إلى جهات الشام وسيطر الشاه إسماعيل على بغداد ثم عاد إلى جهات إيران وفي سنة تسع عشر وتسعمائة ولد طهماس بن الشاه إسماعيل. ولما علم السلطان سليم خان سلطان بلاد الروم بالفظائع التي ارتكبها الشاه إسماعيل قررالقيام بحملة لرفع الظلم ودفعه سنة عشرين وتسعمائة فوصل إلى أرض إيران ومعه حوالي مائة ألف مقاتل. وبعد أن اختفى الشاه إسماعيل مدة شهر ظهر مرة أخرى ووقعت بينهما معركة جالدران وقتل في هذه المعركة كثير من رجال الشاه بينهم جكام ديار بكر وكردستان وفر الشاه إسماعيل حتى وصل تبريز ومن هناك إلى دركزين ، وتوجه السلطان سليم بعد ذلك إلى تبريز ففتحها ونصب خيامه هناك وأرسل حوالي ألف من أرباب الصناعات والفنون إلى ديار الروم وقرر قضاء فصل الشتاء في قره باغ لكن النفاق ظهر بتدبير من أرباب الحل والعقد (ص 57 آ) واتفق الانكشارية على العودة إلى ديار الروم فعاد السلطان إلى طرف الروم وبعد ذلك قام السلطان بفتح ديار بكر وحلب والشام ومصر وتشرف بلقب خادم الحرمين الشريفين. وفي سنة ست وعشرين وتسعمائة توفي السلطان سليم وخلفه ابنه الأكبر السلطان سليمان وفي سنة ثلاثين وتسعمائة توفي الشاه إسماعيل فخلفه ابنه الشاه طهماس . <O></O>
ذكر حكومة ذو الفقار: ذو الفقار بن نخود سلطان أخي أمير خان وإبراهيم خان كان معروفا بالشجاعة والسخاء قتل عمه حاكم بغداد وأولاد عمه واستقل بحكم بغداد ، أعلن ولاءه لسلطان الروم سليمان خان وضرب السكة وقرأ الخطبة باسمه ولما وصل الخبر إلى الشاه طهماس توجه إلى بغداد وقاومه ذو الفقار بشجاعة لكن أخواه علي بك وأحمد بك خاناه (ص 57) بعد أن وعدهما الشاه المنحوس بالإحسان فقتلا أخاهما غدرا. <O></O>
ذكر نسل السلطان سليمان خان: هو من نسب عثمان بك الغازي وينتهي نسب آل عثمان إلى يافث بن نوح . وجاء في تاريخ صولاق زاده أن ضبط نسب عثمان خان على النحو التالي: عثمان خان ابن أرطغرل غازي ابن سليمان شاه ابن قبا ألب ابن قزل بوغا ابن باي تيمور ابن قتلغ ابن طغرا ابن قراتلو بن ساقور … وينتهي نسبه إلى يافث بن نوح عليه السلام. ويروى أن قبيلة قاي خان الجد الأعلى للسلسلة العثمانية رحلت من بلاد ما وراء النهر بسبب عدم الأمان ونزلت قرب مرو في إقليم خراسان لكنهم لم يجدو الأمن الذي ينشدونه(ص 58آ) فرحلوا إلى المنطقة المعروفة بأخلاط على حدود أرمينية ولما وصلت فتنة جنكيز خان إلى تلك الجهات توجهت القبيلة مع قائدهم سليمان شاه بن قبا ألب إلى ديار الروم وبينما كانوا يعبرون من معبر جعبر غرق سليمان شاه في نهر الفرات فدفن قبالة قلعة جعبر ورجع اثنان من أبنائه الأربعة إلى وطنهما الأصلي بينما سار دوندار المعروف بأرطغرل وديندار مع القوم في بلاد الروم ونزلوا في المحل المعروف بسورملى جقور فأرسل أرطغرل أكبر أبنائه إلى السلطان السلجوقي علاء الدين لتقديم الولاء وطلب المأوى والمسكن. فرحب السلطان علاء الدين بقدومهم فعين لهم قرجه طاغ قرب أنقرة وبلدة سكوت مشتى وجبال طومالج لتكون مرعى. ولما كان الغازي أرطغرل متوجها إلى تلك الأماكن مع خمسمائة من رجاله وجد السلطان علاء الدين في مقاتلة التتار وقد بدا على جيش علاء الدين الضعف والانكسار فظاهره أرطغرل فانهزم العدو، وبذلك حصل القرب بينه وبين علاء الدين .<O></O>
وهناك رواية أخرى بأن جد العثمانيين قايى خان هاجر مع فرقة من القبائل التركية إلى إيران ومنها إلى أرمينية وجهات أخلاط وبعد حط الرحال في تلك الديار مدة مائة وسبعين عاما. ولما ظهرت فتنة جنكيز خان عام ست عشرة وستمائة جمع سليمان شاه وهو من أولاد قايى خان قبيلته وغادر أرزنجان في طريق عودته إلى وطنه الأصلي لكنه غرق في الفرات عند معبر قلعة جعبر فدفن قرب القلعة فعاد ابنه الغازي أرطغرل مع خمسمائة من قبيلته إلى ديار الروم ، ودخل في خدمة السلطان علاء الدين حاكم ديار الروم وفي تلك الأثناء ساعد السلطان علاء الدين في حربه ضد التتار ، فمنحه السلطان علاء الدين أرضا في نواحي أنقرة وعين له مشتى ومرعى ، ولما توفي أرطغرل خلفه ابنه عثمان الغازي. وفي سنة ثمان وثمانين وستمائة كرمه السلطان علاء الدين بإعطائه اللواء (ص 58) ولما تسلط الأعداء على ممالك السلاجقة عام سبعة وتسعين وستمائة أذن السلطان علاء الدين للغازي عثمان بتخليص المسلمين من قهر وظلم الأعداء فاستطاع بسط سلطنته على البلاد التي خلصها وأول ما ضربت السكة وقرئت الخطبة باسمه في قره حصار. وذكرت كتب التاريخ أنه تمكن من فتح كثير من القلاع وفي سنة ست وعشرين وسبعمائة توفي الغازي عثمان ودفن في بروسه. ودامت سلطنته سبع سنوات وعاش سبعين عاما.<O></O>
<FONT face="Simplified Arabic">وخلفه ابنه الأكبر الغازي اورخان الذي استأنف الفتوحات وتمكن من فتح كثير من القلاع وبنى كثيرا من الجوامع ودور العجزة والفقراء، وتوفي سنة إحدى وستين وسبعمائة. وكان عمره واحدا وثمانين عاما وحكم خمسة وثلاثين عاما. وخلفه ابنه السلطان الغزي مراد خداوندكار الذي فتح كثيرا من القلاع والمدن وقتل غدرا . عاش خمسة وستين عاما وحكم واحدا وثلاثين عاما، وخلفه ابنه بايزيد الصاعقة الذي فتح أيضا كثيرا من الممالك (ص59). وحدث أن لجأ إليه السلطان أحمد جلايرى حاكم بغداد وتبريز وقره يوسف حاكم أذربيجان هربا من تيمور مما تسببا في العداوة بينهما واحتدم القتال بين الجيشين قرب أنقرة ووقع با يزيد الصاعقة أسيرا في يد العدو وتوفي با يزيد الصاعقة حزينا عام خمسة وثمانمائة وخلفه ابنه السلطان محمد خان جلبي الذي اتخذ من أدرنه مقرار لسلطنته وفتح كثيرا من المدن والقلاع وبنى كثيرا من الجوامع والمدارس والأوقاف. (ص 60آ)ومن أعماله البدء بإرسال الصرة إلى فقراء الحرمين الشريفين. توفي في أدرنة عن عمر يناهز اثنين وثلاثين عاما وحكم ثمانية أعوام . وخافه ابنه السلطان مراد الذي استأنف الفتوحات وفي سنة سبع وأربعين وثمانمائة أجلس ابنه السلطان محمد مكانه واختلى مع عدد من مقربيه في مغنيسا ، لكن طمع الأعداء في ملكه جعله يعود إلى الملك ويقاتل الأعداء حتى أجلاهم. توفي سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة بعد أن بلغ تسعة وأربعين عاما ، وحكم ثلاثين عاما. وعاد ابنه السلطان أبو الفتح محمد خان إلى الحكم للمرة الثانية وكل همه وفكره منصب على فتح استنبول وبدأ اعتبارا من سنة ست وخمسين وثمانمائة بجمع الجيوش لفتح البلدان. (ص 60) توفي سنة ست وثمانين وثمانمائة عن عمر يناهز ثلاثة وخمسين عاما بعد أن حكم ستة وثلاثين عاما . وخلفه في الحكم السلطان با يزيد الثاني الذي قضى على فتنة الانكشارية ثم تنازل عن العرش لابنه السلطان أحمد لكن الخلاف ظهر بين أبناء بايزيد فاضطر للتدخل وسلم الحكم للسلطان سليم. وتوجه إلى ديمتوقه وفي الطريق مات مسموما(ص 61آ) عام ثمانية عشرة وتسعمائة عن عمر يناهز سبعة وسبعين عاما وكانت مدة حكمه اثنين وثلاثين عاما. أما السلطان سليم خان فقد توجه بعد أن أدب الشاه إسماعيل إلى ديار مصر حيث تقابل مع قانصو الغوري آخر ملوك الشراكسة في مصر سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة في موقعة دابق وهي من أعمال حلب فقتل قانصو الغوري ودانت للسلطان سليم حلب والشام ومصر وتشرف بلقب خادم الحرمين الشريفين كما فتح كثيرا من القلاع والحصون في ديار الشام والأناضول ومصر وضبط مكة المكرمة والمدينة المنورة شرفهما الله . توفي سنة ست وعشرين وتسعمائة عن عمر يناهز واحدا وخمسين عاما وكانت مدة حكمه تسعة أعوام، وخلفه السلطان سليمان خان الذي أكمل فتوحات كثير من القلاع والمدن (ص 61)ووسع حدود بلاد الإسلام، كما دعاه تكلو اولامه بك حاكم أذربيجان للقيام بحملة على ديار العجم بالإضافة إلى بلوغه خبر قيام الشاه طهماس بالاستيلاء على بغداد وقتل حاكمها الأمير ذو الفقار الذي كان قد أعلن ولائه للسلطان سليمان خان. وفي ربيع الآخر من سنة أربعين وتسعمائة أرسل الوزير الأعظم إبراهيم باشا إلى حلب للقيام باستعدادات الحملة وفي ربيع ذلك العام تحرك السردار الأكرم نحو تبريز، وفتح في طريقه بعض القلاع وقاتل الروافض ، وبعد ذلك توجه السلطان بجيوشه نحو ديار العجم حتى وصل أذربيجان وبعد لقاء السردار الأكرم بالسلطان لم يستطع شاه العجم المقاومة فهرب أمام جيوش السلطان . عندئذ قرر السلطان التوجه نحو بغداد ، فوقع الرعب في قلب تكلو محمد خان . وأرسل أولامه بك رسائل النصح إلى محمد خان بتسليم بغداد إلى السلطان فيها الترغيب والترهيب لكن الخان المذكور رفض النصح واستعد للحرب وبينما هو على هذه الحالة وصل ابن تكلو غزالي إلى بغداد وأخبر الخان بقدوم السلطان وسلمه رسالة من الشاه يطلب فيها تخليص نفسه بالفرار إلى إيران ، لكن أكثر الناس في قبيلة تكلو رفضوا الفرار إلى إيران، وظهر خلاف شديد بينهم، فقرر الخان الفرار مع ألف من أتباعه. وفي هذه الأثناء وصل رجب ده ده نديم الشاه إلى بغداد ومعه رسالة من الشاه يطلب فيها محمد خان .(ص62آ)ولما بلغ الروافض خبر وصول حضرة السلطان مع جيشه إلى حدود قله وخانقين كرروا النصح لجماعة تكلو بالخروج من المدينة ولكن دون جدوى. وقرر حوالي ثلاثة آلاف من الرجال الأشداء من طائفة تكلو المقاومة فتحصنوا في المدرسة الستنصرية عند الجسر ، وعندما أراد الخان التوجه لتحويل بيوت هذه الطائفة إلى بيوت الحزن وتخريبها منعه سيد محمد كمونه ، وأخيرا اضطر الخان للميل إلى جهة السلطان بعد أن أعلن ندمه على الميل إلى جهة الشاه. وقرر إرسال مفاتيح بغداد إلى السلطان مع عدد من رجال تكلو ولما علم السلطان بذلك أرسل القائد إبراهيم باشا إلى بغداد وقرر المسير بنفسه بعد يومين ، وهكذا دانت له قلعة بغداد، كان ذلك عام 941 . وقد أقام في بغداد حوالي ستة شهور، وقدمت الحلة وشهربان وغيرهما من القلاع عروض الطاعة وكذلك لرستان وواسط والجزائر والبصرة وقطيفة ، كما قدم راشد حاكم البصرة والأمير مانع حاكم المشعشع فروض الطاعة . وفي سنة خمس وأربعين وتسعمائة وصل كل من الوزيران راشد مانع بين مغامس حاكم البصرة ومير محمد إلى سدة السعادة وقدما مفاتيح القلاع الواقعة في ولايتيهما إلى الركاب الهمايوني فلقيا التكريم. وصارت بغداد محسودة من المدن الأخرى على إقامة السلطان فيها. واحتفى الأهالي بالسلطان احتفاء عظيما، أما الجيش الهمايوني فقد أقام في ظاهر الأعظمية ومنعوا من دخول المدينة وإيقاع الضرر بأي واحد من الأهالي. واطمأن الناس وأخلدوا إلى الراحة . وقد نظم الشاعر فضولي البغدادي قصائد في مدح السلطان. وقام السلطان بزيارة مرقد الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان ووقف له الأوقاف وعين له الخدام. كما زار مرقد كل من الإمامين موسى الكاظم ومحمد الجواد وخصص من خزينة بغداد رواتب للقائمين عليهما كما أمر بإتمام الجامع الذي باشر ببنائه الشاه إسماعيل ولم يتمه. وفي يوم الثامن والعشرين من جمادى الأولى من العام المذكور توجه السلطان إلى كربلاء والنجف لزيارة العتبات العليا. فزار مرقد سيد الشهداء ، ثم أمر بجر مياه الفرات إلى كربلاء لتأمين مياه الشرب للأهالي. كما جعل أطراف ضريح الإمام حدائق وجنات. ثم توجه إلى النجف الأشرف لزيارة قبر الإمام علي ووزع العطايا لأهل البلدة (ص 63آ) ثم عاد إلى بغداد وعين سليمان باشا حاكما على بغداد وفي اليوم الثاني من رمضان من السنة المذكورة تحرك باتجاه أذربيجان، فلجأ طهماس إلى الجبال، وفتح السلطان تبريز صلحا، ثم توجه إلى طرف الروم. ولما علم السلطان بنقض راشد حاكم البصرة العهد بعد أن قدم الولاء والطاعة له خلال إقامته في بغداد كلف الوزير إلياس باشا والي بغداد بالتنكيل به فجمع الرجال وأدوات الحرب وخلال سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة سار باتجاه البصرة . وفي الطريق زار روضة فاتح خيبر ، ثم قضى على شيخ آل قشعم الذي سار نحو طريق البغي وأكمل طريقه نحو البصرة ، ولما أدرك حاكم البصرة عدم قدرته على المقاومة فر من هناك دخل القائد الولاية المذكورة حامدا لله على ألطافه وانشغل بضبط الأمور، كما أدخل لواء واسط ونواحي الجزائر في ربقة الطاعة .وبعد ذلك انفصل الباشا المذكور من منصب ولاية بغداد، فتم تعيين صولاق فرحاد باشا مكانه الذي خلفه ابنه محمد باشا من بعده . وفي سنة أربع وخمسين وتسعمائة قدم الميرزا القاص أخو الشاه طهماس إلى السلطان سليمان فلقي منه التكريم ، وتوجهت قوات السلطان إلى بلاد إيران مرة أخرى ، وكان داب الشاه أن يتوارى إلى التلال والجبال ونزل السلطان في تبريز، وهناك علم السلطان بأن قلعة وان التي تعتبر مفتاح ملك إيران أصبحت تحت تصرف الروافض فتوجه إلى هناك (ص 63) وحاصر القلعة وأدرك الروافض ألا قبل له بجنود السلطان فألقوا السلاح وطلبوا الأمان وتم ضبط الأمور في القلعة المذكورة ثم عاد السلطان إلى مقر السلطنة . واستأذن الميرزا القاص الذي مر ذكره لقضاء أيام الشتاء في بغداد فوصلها بإذن السلطان وبعد عدة أيام انحرف عن الطريق المستقيم ولجأ إلى جبال الأكراد فوقع في فخ أخيه الشاه طهماس. وفي سنة ست وخمسين وتسعمائة من الهجرة وصل خبر تمرد الأعراب في ولاية البصرة وجزائر البصرة إلى الآستانة ، عين تمرد علي باشا محافظ بغداد قائدا للجيش وعين محمد باشا بالتجي والي سيواس مع مقدار من عساكر الإنكشارية لمحافظة بغداد وتحرك القائد مع قواته برا وبحرا حتى وصل إلى صحراء واسط حيث ضرب خيامه وكان في استقباله أمير اللواء علي كمال بك ثم انضم إلى قواته وتوجهت القوات مع السفن الحربية نحو قلعة المدينة التي هي ملجأ ابن عليان حاكم الجزائر، فخرج الأعراب وعلت قعقعة السيوف والخناجر وتفوقت السفن السلطانية على سفن العربان . وفي تلك الليلة حاول العربان إنهاك الجيش مستغلين ظلام الليل لكنهم حرموا من ذلك وفي الصباح عاد القتال وشن أسود سلطان ديار الروم الهجوم فاضطر الأمير المحصور في القلعة إلى الفرار وعادت مقاليد الأمور في القلعة إلى الباشا سنة سبع وخمسين وتسعمائة ، وبقي بعض العربان في الأطراف على التمرد والبغي فأمر القائد ببناء القلاع والحصون في بعض الأماكن وعاد إلى بغداد. وبعد ذلك انفصل الباشا المشار إليه من حكم بغداد فخلفه بهرام باشا ويقال بأنه كان متبعا لأهواء نفسه وآكلا للرشوة ، وبعد مدة أعيد علي باشا الذي كان على النقيض منه إلى حكم بغداد . وكان السلطان سليمان عندما وصل إلى شهر زور وهو في طريقه لفتح بغداد قدم بكه حاكم القلعة المذكورة الطاعة للسلطان ، وعربونا لذلك أدخل ابنه الأكبر مأمون في خدمة السلطان ، وعندما سلمت بغداد لواليها سليمان باشا صار مأمون أميرا للعديد من الألوية ثم تقاعد بعد أن صار أميرا على الحلة فكانت شهر زور من الممالك المحروسة ،وكانت القلعة المذكورة تسمى بقلعة الظالم فهي قوية ومحاطة بالجبال وصعبة المنال وكان الأكراد فيها في عداد البهائم وفي سنة تسع وخمسين وتسعمائة وصلت إلى السلطان رسالة من علي باشا والي بغداد بأن الروافض والأكراد استولوا على القلعة وساموا الرعايا والبرايا الذين يعيشون تحت حماية السلطان العذاب ، فعين محمد باشا أمير أمراء سيواس السابق على بغداد ، كما عين عثمان باشا أمير أمراء حلب قائدا على رجال القوة الانكشارية وعساكر العديد من الولايات ليتوجه إلى شهر زور بجيش جرار ولما أصبح محمد باشا حاكما على بغداد جمع أنواع المدافع وسائر آلات الحرب وتوجه صوب عثمان باشا ولما لحق به قرب شهر زور تحركت قوات بغداد مع أمراء الأكراد وضربوا الخيام حول القلعة ولما طال الأمر ولم تفتح القلعة (ص 63)قرر القائد بناء قلعة مقابلها وباشر البناء لكن المنية عاجلته فعاد الجيش مع نعش القائد إلى بغداد ولما وصلت رسالة والي بغداد محمد باشا بهذا الخبر عين السلطان الباشا المشار إليه قائدا وأمره بالاستيلاء على القلعة المذكورة وعين سهيل بك أمير لواء رماحية قائمقاما لبغداد ، وتوجهت القوات نحو تلك القلعة وضربت الخيام قرب الموقع المعروف بالدفلة المقطوعة وبعد انتظار عدة أيام أرسل رسائل نصح إلى حاكم شهرزور الرافضي مع بكر بك من أمراء الأكراد مع مساعد القائد وكان حرم هذا الحاكم قد وقعت أسيرة في وقعة عثمان باشا ، فأعاد له حرمه ، وعرفانا بالجميل قرر الدخول في طاعة السلطان وصالح القائد وأخرج أمواله وأرزاقه من القلعة وسلمها سنة إحدى وستين وتسعمائة. فصارت شهر زور من مضافات الممالك المحروسة وتبعا لذلك فتحت قلعة نقود وقلعة باسكة وقلعة شميران وقلعة فرنجة وأعلن أوغورلو بك والأمير السابق مع ألفين من الأسر الرافضة تبعيتهم للدولة العلية وسلمت أيضا عدد من مفاتيح القلاع إلى السلطان . وبعد أن عين لشهر زور مقدارا من العساكر والمستحفظين توجه الباشا صوب همدان . وفي هذه الأثناء قرر السلطان الذي كان في صحراء نخجوان العودة إلى دار السلطنة . ولما بلغه خبر عزم الشاه طهماس على التوجه إلى بغداد أمر الباشا المشار إليه بالعودة على جناح السرعة إلى بغداد، فوصلها. وخلفه بعد ذلك خضر باشا وكان إنسانا نظيفا ومعتدلا. ثم خلفه اسكندر باشا الذين عيت أيضا قائدا للجيش في جهات البصرة الذي كانت له خدمات مستحسنة في تلك الجهات. وبالرغم من الشيخوخة لدى السلطان سليمان فقد اقتضى الأمر أن يقوم بنفسه بغزو المجر .وفي ليلة فتح قلعة سكتوار توفي السلطان عن عمر يناهز أربعة وسبعين عاما ودام حكمه ثمانية وأربعين عاما . وقد أخفى الصدر الأعظم محمد باشا خبر الوفاة كيلا يكون له أثر سيء في النفوس . ولما وصل الخبر الأليم إلى السلطان سليم خان توجه إلى المعسكر ولم يكن السلطان سليمان قد دفن بعد عندما وصل السلطان سليم، حيث حضر صلاة الجنازة كل من كان هناك ثم أرسل الجثمان إلى استنبول حيث أقيمت صلاة الجنازة مرة أخرى . وعلى النحو الذي ذكر سابقا فإن ابن عليان الذي دخل في الطاعة رغما عنه لم يستطع تحمل التكاليف الشاقة التي حملها له ولعشائره في جهات البصرة ولاة بغداد والبصرة ، وجاءت الأخبار بأنه خرج عن الطاعة سنة خمس وسبعين وتسعمائة وصار يوقع مع عشائره أضرارا بالممالك المحروسة. فتم تجنيد ألفين من انكشارية السلطان وعدد كاف من عناصر المدفعية والعربات وعين اسكندر باشا والي بغداد قائدا وكلف ولاة شهر زور والبصرة وبعض من أمراء الأكراد بإعادته إلى عصا الطاعة وقد كان. وبعد ذلك عين مراد باشا واليا على بغداد ، فبنى في ميدان بغداد جامعا كتب الشاعر الفضلي ابن فضولي شعرا في تأريخ بنائه. (ص65) ثم جاء بعده علي باشا الصوفي ، ثم حسين باشا البتور ويذكر أنه رافع البدعة وجامع الطرفين ، وجاء بعده عبد الرحمن باشا المعروف بتصلته وخشونته وسمي بين الناس بعدو الرحمن ، وخلفه علي باشا الدرويش الذي كان واليا على البصرة والحسا قبل أن يولى بغداد. ومرض السلطان وتوفي عن عمر يناهز اثنين وخمسين عاما ودام حكمه ثمانية أعوام ، وخلفه على عرش السلطنة السلطان مراد خان . وفي سنة أربع وثمانين وتسعمائة مات طهماس شاه العجم مسموما ، فخلفه الميرزا اسماعيل الذي كان رهين قلعة ألموت . وفي أيام الخير هذه عين السلطان علي باشا ألوند زاده واليا على بغداد ، فقام بأمر السلطان ببناء قبة فوق ضريح شهيد كربلاء حسين رضي الله عنه سنة 99وبنى عددا آخر من الجوامع (ص 66آ) وفي سنة خمس وتسعين وتسعمائة صار الوزير المكرم يوسف باشا و
تعليق