ما أسباب تخلفنا علميا ً (مترجم من التركية)

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عامر الهنيني
    عضو منتسب
    • Dec 2011
    • 21

    ما أسباب تخلفنا علميا ً (مترجم من التركية)

    ما أسباب تخلفنا علميا ً *
    أ.د. أحمد آق گوندوز
    ترجمه بتصرف: عامر الهنيني


    1. خصوصيات يجدر ألا تنسى:

    يقف الجهل وذات البين والفقر بمثابة عدونا الدائم حكومة وشعبا ً مع الأسف، وموضوع بحثنا هذ سيتناول الأسباب التي استوجبت جهلنا أو بعبارة أخرى عزوفنا عن العلم.

    يمكن دراسة وتقييم هذه المقدمة بطرائق عديدة و يمكن كذلك ترتيب الأسباب المعيقة للتعليم على سبيل المثال كالتالي:

    1. المعيقات الشخصية: مثل المشاكل الصحية، والمصاعب الناجمة عن سوء إدراك الزوجين أو أحدهما أو الأبناء لقيمة التحصيل العلمي، وعدم امتلاك الإمكانات المادية اللازمة للتحصيل العلمي وغيرها.

    2. المعيقات الاجتماعية: ومثال ذلك عدم اكتراث الحكومة والشعب بيئة ً ومحيطا ً لأهمية التعليم، وصرف الدولة والأفراد أنظارهم إلى المغنين والفنانين على حساب رجالات العلم، والجهل المدقع المرير بقيمة العلم حتى أن الأم تتباهى أمام خاطبي ابنتها بطلب أحد المعلمين يدها!

    3. المعيقات السياسية: ومثال ذلك غرابة أطوار رجال الدولة الذين لا يفقهون من التعليم شيئا ً والمتخرجين من مدارس تفاخر بتقديمها رجالا ً " من صنف واحد " للمجتمع، والقيود المفروضة على عملية البحث العلمي، والعقليات الرافضة لبعض أطروحات الدكتوراة لاحتواء عناوينها كلمة " إسلام "!

    وسيستمر التعليم مكبلا ً ما دامت المعوقات ماثلة وستجني الأمة ثمارها المرة. لن يسعنا هنا إفراد جميع هذه العوائق وتصنيفها كلا ً على حدة؛ لكن سنلفت النظر إلى بعض عوائق التعليم بعد التأكيد على حقيقتها في واقعنا.

    وأقول بأسى أن كلمة " عقلية العصور الوسطى " المستخدمة من قبل بعض شرائحنا التعليمية والسياسية خطأ ً تشير إلى حقبتين مختلفتين من منظور المسلمين وغير المسلمين، أي أن مدلول " القرون الوسطى " لدينا يناقض مدلوله لدى الغرب، فالتاريخ يرينا أن القرون الوسطى كانت عهد ظلام من الناحية العلمية في الغرب، لأن العلماء تعرضوا للتنكيل وَبالَ علمهم كما حصل للعالم الرائد " غاليليو" الذي نادى بحقيقة دوران الأرض. ولذلك من نكد الدنيا والجهل المدقع بالتاريخ استخدام بعض مثقفينا مفهوم " العصور الوسطى " بمعنى " عصور الظلام " فيشمل بذلك الأتراك والأمة الإسلامية خاصة بواسطة هذا القياس المجحف لتاريخنا بالتاريخ الأوروبي.

    كانت القرون الثلاثة الأولى ( حتى عام 1000م على الأقل) بالنسبة للمسلمين والأتراك حقبة مشرفة ومميزة فوق العادة أضاء الإسلام وعلماؤه فيها مشاعل العلم والعلوم في العالم أجمع، ولعل القرون الخمسة الأولى من عمر الإسلام أي حتى القرن الخامس عشر بل قل حتى منتصف القرن السادس عشر – على علاته- أشد العصور استنارة وتنويرا ً، فلو نحينا الغزو المغولي جانبا ً نجد أن العلماء المسلمين كانوا في طليعة الرواد علميا ً ليس في العالم الإسلامي فحسب بل في الدنيا بأسرها. أما الحقبة الممتدة منذ عام 1550م حتى القرن التاسع عشر فهي مع الأسف عصر ظلام، وبوسعنا القول إنها كانت " قروننا الوسطى ". وبذلك نصل إلى أن القرون الوسطى كانت عصر ظلام علمي دامس في أوروبا حيث كان أمثال كوبرنيك وغاليليو يحرَقون ويُعدَمون، بينما هي أشد العصور نورا ً واستنارة في العالم الإسلامي حيث خرج إلى الدنيا أمثال ابن سينا وفخر الدين الرازي والبيروني.

    2. بعض المعيقات للمسيرة العلمية الواجب القضاء عليها:

    سنقوم الآن بعرض مختصر للأسباب التي تقف عائقا ً في سبيل حركة العلم والتعليم بعدما مهدنا للموضوع كما ذكرنا آنفا ً:

    1. عدم تحقق الحرية العلمية والمهنية:

    إن الحرية العلمية هي السبب الأول والرئيس للتطور العلمي، والدولة المفتقرة لهكذا حرية لا تنشىء رجل علم بالمعنى الصحيح بل متملقا ً ذا اسم وصيت! إن العالِم كالنحلة، وإن الأبحاث العلمية صائبها ومخطئها التي قام بها العلماء السالفون ومصنفات وأبحاث المعاصرين – بغض النظر عن توافقها مع الرأي السياسي السائد من عدمه – مثل الورود التي تحتوي ألبابها على شتى أصناف الرحيق فيصنع منها العالم مختلف أنواع العسل. وللحصول على أصفى أنواع العسل، لا ينبغي محاولة حصر النحلة بصنف أو أصناف محددة من الأزهار، كما لا ينفع إشغالها أو صدها عن صنع العسل، وهكذا رجل العلم حريّ به أن يقف على كل مصدر، ويسترشف من كل زهرة رحيقها. إن الزهور لا يمكن تخديرها ومن يضق ذرعا ً بشهدها فعليه أن يكون حرّا ً في ألا ينهل منه عوض أن يوقف إنتاجها وخلاف ذلك يصبح هذا المنهل محذورا ً.

    إن الآراء المتوافقة مع هذا التشخيص منذ أكثر من 70 عاما ً، والتقييمات التي توافق العلم تارة ولا تجانبه تارة لأكبر ضربة تلقتها الحرية العلمية في البلاد. لقد عوصرت تطورات مشابهة في الأنظمة الشمولية وفي تركيا مع الأسف قبل ثورة 1950م وما بعدها، ورغم زعم أكاديمية العلوم التركية ( TÜBA) (1) أنها استطاعت السير قدما ً بعجلة البحث العلمي بالتوافق مع الإمكانات الحالية للدولة إلا أنها تندرج في نفس الإطار، ولهذا السبب بالذات لم يسمع بها أحد في الأوساط العلمية العالمية، ومن الأمثلة الأليمة على ما نقوله هو مجلس التعليم العالي التركي (YÖK) (2) الذي يمارس الاحتكار العلمي بواسطة القوانين التأديبية التي تبناها حديثا ً.

    تنظم المادة 27 من دستور الجمهورية التركية الحرية العلمية في البلاد وذلك بنصها على أحقية تعلم العلوم والفنون، وتعليمها، وإشهارها، ونشرها، وإجراء جميع أنواع البحث العلمي فيها. لكن سوء تطبيق ما تضمنته الفقرة الثانية من هذه المادة ألغتها تلقائيا ً! إننا فقط نعرف رجالات العلم الذين لا يمنحون امرأة من هيئة التدريس درجة " أستاذ مشارك " * *بسبب ارتدائها خمارها على رأسها! إن أولئك الأشبه بطائر أبي منجل الأقرع ليسوا من كوكب آخر بل إنهم بين ظهرانينا وفي بلادنا ورؤيتهم لعمري أنحس ما قُدّر وكتب لشعبنا وتاريخنا العلمي.

    هلموا بنا نطلع على ما ورد في الدستور الأمريكي من تنظيم للحرية العلمية بلا أي قيد أو شرط: " إن الكونغرس مكلف بالعمل على النهوض بالعلوم والفنون النافعة عبر تأمين الوقت والإمكانات في نطاق آمن للكتاب والمخترعين لإجراء الأبحاث العلمية، والاحترام اللازم لمؤلفاتهم ومصنفاتهم العلمية والمهنية" (3). إن هذا لا يعني البتة أن العالم لا يجازى أو يقاضى إذا اقترف ما يستوجب العقاب قانونا ً.. لا أحد يدّعي ذلك.

    إن رجالات الدولة المناهضين للعلم المحرومين من نعمة المنطق السليم من خلال نظامهم الإداري الذي يديرون دفته ولا يرغبون برجال علم ابتغوا نشر نور العلم وفضح منطقهم السقيم على الملأ من خلال النظام الإدراي الذي يديره أولئك المناهضون وجمود نظرهم، رغم أن اسطوانتهم المشروخة السائدة في بلدنا تقول إن صدام الأفكار باسم الحق ولصالح الحقيقة – مع اتفاقها في الأساس والغاية – يعني تباين الوسائل في الوصول إلى الحق وهذا أمر مفيد نافع، وهذا يعني أيضا ً إظهار الحقيقة بكافة جوانبها وخدمة الحق والحقيقة.

    أود هنا أن أضرب مثلا ً بحادثة في بدايات العهد الجمهوري: في يوم الجمعة 24 ديسمبر 1937م كان من المفترض أن يبحث مصطفى كمال في مجلس الأمة مشروع قانون " مصرف البحرية Denizcilik Bankası " الذي استبدل اسمه بــ " Deniz Bank" . وكان أحد من تكلموا بشأن هذا المشروع المؤرخ والحقوقي التركي المشهور " صدري مقصودي عارصال " (4)، وقد كان إنسانا ً متنورا ً حقا ً لا يغفل عن الحيثيات العلمية في جميع جوانب حياته عدا عن أنه لم يكن " ظلاميا ً " كغيره. وخلال الطلب الذي قدمه بهذا الشأن لم يبد الأخير اعتراضا ً على فحوى القانون بل وقف على التسمية الجديدة لذلك المصرف قائلا ً: " إن اسم Deniz Bank لا يتفق وقواعد اللغة التركية، كما أن كلمة " بنك " غيرموجودة في هذه اللغة أصلا ً، واقترح تسمية المصرف باسم Deniz Bankası، فصوت النواب بالموافقة واعتمدت التسمية المقترحة. وفي هذه الأثناء اقترب بعض أصدقاء الأستاذ عارصال منه ولاموه على ذلك وبينوا له أن آتاتورك لن صاحب الاسم السابق، وكان عليه ألا يتقدم بهكذا اقتراح، لكن إجابته كانت حازمة رادعة: " وما الفائدة؟ إن شمس الحقيقة لا تغطى بغربال ".

    لكن بعض المتنورين " الظلاميين" زجوا بأنوفهم في هذا الأمر فاجتمعوا بآتاتورك مساء ذلك اليوم في مجلسه، وحينما استعلمهم عن آخر المستجدات أجابوا: " إن أحداثا ً مؤسفة جرت في مجلس الشعب أريد بها اجتثاث السياسة اللغوية للذات السامية "، فسألهم : " أما ردّ أحدكم على ذلك؟ " فصمتوا جميعا ً فاستشاط آتاتورك غضبا ً وأمر هؤلاء الظلاميين الثمانية وعلى رأسهم " فالح رفقي آتاي" (5) بالتصدي للأستاذ " صدري مقصودي " من خلال وسائل الإعلام السمعية والمكتوبة و حدّد مهامّهم فعرّضت الإذاعة في بثها منذ تلك الليلة وحتى الثانية صباحا ً برئيس جمهورية تتارستان في روسيا وبالمؤرخ والحقوقي المحترم " عارصال "، وهو بث من الانحطاط بمكان يعجز قلمنا عن اقتباس بعض ما جاء فيه. وقد تناولت إمّات الصحف هذا الحدث، ورسمت الكاريكاتورات وكأن باليونان قد غزت الأراضي التركية! ثم اعتمد الأعضاء المشروع الآتاتوركي على نقيضَ ما صنعوه قبلا ً من التصويت بالإجماع على اعتماد طلب الأستاذ المؤرخ، ثم اعتذر آتاتورك فيما بعد من الأستاذ " عارصال " ! ولكن ما الفائدة وقد ألمّ بالعلم ما ألمّ؟ هذا مثال من التاريخ الحديث على سوء فهم " الحرية العلمية ". وأنا إذ أبين هذه الحادثة أتخيل العناوين الأشدّ ألما ً وضراوة في صحفنا اليوم، ولا يكف هذا السؤال عن مراودة بالي: متى سترتقي بلادنا إلى المفهوم الحقيقي للحرية العلمية؟

    2. ازدياد رجالات العلم غير المؤهلين:

    إن أحد العوائق الماثلة في وجه العلم والتعليم وقوعهما تحت وطأة من ليس أهلا ً لهما، مما أعقب نتائج مريرة في تاريخنا خاصة. إن من أعملوا معاولهم في الدولة العثمانية وطمسوا معالم مدارسها - بارتقائهم سلم أسمى المناصب العلمية من خلال النفوذ وانتسابهم إلى عائلات ذات حسب ونسب- كانوا من أطلق عليهم تسمية " علماء المهد " (6)، وهي ظاهرة ما زالت مستمرة إلى يومنا هذا مع الأسف. فدنوّهم من أهل السياسة كان السبب في منح المئات درجة " بروفيسور " قبل عام 1950م ونفي مئات العلماء خارج البلاد قبل ذلك التاريخ وبعيد انقلاب 1960م أيضا ً لا لشيء إلا لالتزام هؤلاء العلماء جادة الحق والصواب. إن هذا الوضع يفضي إلى الإحساس بأن هؤلاء لم ينالوا رتبهم العلمية اجتهادا ً بل ربما زَلْفهم من السياسيين كان سِبَة ذلك وجعل ذوي القابلية الحقيقيين لخوض غمار العلم يرغبون عنه. والآن وعام يفصل بيننا وبين الألفية الجديد نجد القانون التأديبي الجديد لمجلس التعليم العالي الصادر سنة 1998م و قبله القانون رقم 1402 الصادر في حقبة انقلاب 12 أيلول/ سبتمبر 1980م تحت خير مثال على ما أنف ذكره .

    لقد عبّر رسول الله – صلى الله عليه وسلم- عن هؤلاء العلماء عديمي الكفاءة والاستغلاليين بمصطلح " علماء السوء" فقال – عليه السلام – وكأنه يصف متصورا ً زماننا: " يخرج في آخر الزمان قوم رؤوسا ً جهّالا ً يُفتون الناس فيُضلِلون ويضلّون" (7)، وفي حديث آخر: " آفة الدين ثلاثة: فقيه فاجر، وإمام جائر، ومجتهد جاهل " (8).

    إن عزوف ذوي القابلية في مجال ما عنه وتشبثهم بما هم ليسوا له أهلا ً لخرق كبير لنواميس الطبيعة التي وضعها الله – تعالى – لأن الأصل أن يلج القابل لتعلم علم أو صنعة ما مجاله ويندمج فيه كلية، كما عليه احترام أصول علمه ومهنته ومراعاة أبسط أسس المعرفة فينتج عن ذلك ما عُرف قديما ً بالفناء في العلم والصنعة. ورغم أن هذا هو الأصل المتفق مع قوانين الخليقة فإن من يقتحم مهنة علمية بالوساطة وغيرها أو يُزَجّ به بغية مصلحة أو منفعة فسيطوعها لما يوافق هواه فيسحقها وأصولها وقواعدها سحقا ً، ويشوه معالمها، وذلك لأن ما جُبِل عليه من ميول يصطدم بمتطلبات وقواعد مسلكه.

    إن تمعنّا عن كثب في هذه الحقيقة المرة التي لا يمكن نسيانها أو إغفالها على ضوء مجريات أحداث الحياة العلمية في تركيا فسنرى أن الكثير من رجالات العلم لديهم نزعة وميل نحو السلطة والتعالي على الناس وازدرائهم مما لا يؤهلهم لحيازة هذا اللقب، فهم أجدر بأن يكونوا " آغاوات إقطاع " أو أصحاب مناصب بصدرون الأوامر والتعليمات على أن يكونوا علماء. وحينما يمتهن هؤلاء مهنة التعليم يسخرون طبيعتهم المتعالية المتغطرسة على حساب الآخرين ويلتمسون من علمهم وسيلة لظلم الغير والاستهانة بهم في الوقت الذي عليهم أن يفوا بواجباتهم وعملهم في تشويق طلابهم للعلم ومعاليه، وإرشاد الناس بمعرفتهم سبل الصواب، وإسداء النصح لمن يتصدى للحركة العلمية، واللين في المعاملة وهذا أساسي.

    إن هذه العوامل والأسباب هي التي جعلت الألقاب والرتب العلمية يحوزها من لا يستأهلها في أواخر العهد العثماني ومعظم فترات العهد الجمهوري فتخلفت تركيا عن اليونان وتفوقت عليها هذه في مواكبة المعرفة والتقنية العالمية. والشاهد الحي على ذلك هم أصحاب درجة " أستاذ " الذين ابتغوا غاية ً إنظار طلابهم 6 سنوات على الأقل من أجل إنهاء مرحلة الدكتوراة على أكمل وجه، وعمداء الكليات المستأسدون على غيرهم كرجال درك بدلا ً من قضاء وقتهم في إجراء الأبحاث العلمية في جامعاتهم، فأنى لهؤلاء أن يصونوا كرامة العلم وعزته ويحثوا الناس على النهل من قواميس المعرفة والحقيقة؟! ومنذ انقلابي 1960 و 12 أيلول/ سبتمبر 1980م أصبحت ظاهرة " فَتْوَنة" رجال العلم وإهدارهم لقيمه وروحه في بلدنا أحد أبرز العوائق التي تتصدى لمسيرة الحركة العلمية فيه. ويحضرني هنا جملة قالها أ. د. محمد عبد السلام (9) الحائز على جائزة نوبل في علم الطبيعة (الفيزياء) عام 1979م: " إن العالم الإسلامي جنة راسمي الخطط الحكومية والبيروقراطيين" ، كما ذكر بمرارة أننا محرومون من العلماء الحقيقيين المجددين.

    تشكل نسبة الأساتذة أصحاب الذين نالوا درجة الأستاذية عبر المصالح الشخصية والذين لا يجيدون قراءة كتاب بطريقة صحيحة نسبة كبيرة في بلادنا! وأنا لا أنسى أن جامعتي حوت أكثر من 10 متقدمين لنيل درجة " أستاذ مشارك " حينما كنت أستاذا ً مساعدا ً فيها، ولم يتمكنوا من أداء امتحان لغة خاص بهذه الدرجة وحينما أتممت مرحلة الأستاذية (الماستر) ثم نلت الدكتوراة خضت معهم هذا الامتحان فنجحت وأصبحت أستاذا ً مشاركا ً، وبقي هؤلاء على حالهم، ثم صدر قانون ظهر على أثره بين عشية وضحاها حوالي 2000 أستاذ (بروفيسور) منهم زملائي العشرة الذين خاضوا هذه المغامرة فأصبح معظمهم رؤساء جامعات أو عميدي كليات، وأنا إذ أقول ذلك أرجو أن يلتمس لي زملائي العذر وأتمنى على شعبي أن لا يغطيه اليأس بدثاره.

    لا أنسى أيضا ً أساتذة الحقوق الأكفاء أمثال صلحي دونمزار(10) أو فوزي فوزي أوغلو (11) الذين أمتعونا بمحاضراتهم، وارتشفنا حلاوة علومهم أثناء الاستماع إليهم، بينما لم يستطع الأساتذة الذين نالوا درجتهم العلمية " بسرعة الصاروخ " أن يفرضوا أنفسهم على طلابهم رغم استعمالهم كافة أساليب الاستبداد. إن هذه الأحداث غيض من فيض مما يشهده الكثير الكثير في بلادنا ومن بينهم أنا شخصيا ً.

    ولا عجب إن رأينا ذوي القابلية والمؤهلين حقا ً للعلم والتعليم يهجرون الساحة لصالح الآغاوات والمستبدين بل والأشقياء! وإن كان هؤلاء ممن قصدهم رسول الله – عليه الصلاة والسلام- بتعبير " علماء السوء" فينبغي التنويه بذلك. ومما يستوجب التذكير به أن الدولة العثمانية خلال فترة رقيها ابتكرت أصول " الملازمة " وجعلت الأهلية أساسا ً علميا ً وتعليميا ً. ونظام التعليم الذي تطبقه الولايات المتحدة اليوم هو عين النظام الذي طبقه العثمانيون في الفترات المبكرة من قيام دولتهم.

    3. تطويع العلم لملائمة السياسة والنيل من عزته:

    إن من الضروريّ في أي دولة أن يكون بين رجالات الدولة و بين رجالات العلم عشاق الحق والحقيقة تواصل وتوازن بالغ الجدية في سبيل بلوغ وتأمين السعادة والأمن والرخاء للشعب، فإن انقطعنت أواصر التواصل أو رجحت كفة الميزان لطرف دون آخر فليس متوقعا ً بلوغ هذه الدولة ما تصبو إليه من السُّعاد والرفاه المادي والمعنوي.

    إن المصر والوطن كالجسد عقله العلم وروحه المعرفة وقوامه وبدنه السياسة والإدارة، وعندما بحصل التوازن بين هذين العنصرين تلوح آيات المدنية والرقي والرفاه، وأبرز الأمثلة على من قاموا بهذه الموازنة بنجاح الأوائل من خلفاء بني العباس وبني أمية في الأندلس وبني عثمان؛ فموقف المولى الكوراني (12)– الذي أبى الوزارة وقضاء العسكر في عهد السلطان محمد الفاتح بل رفض انضمام السلطان لتكيته – طيلة الفترة التي مكث فيها في قصر الفاتح وفي تكيته الخاصة ومدرسته لخير مثال يضرب في حسن إدراك إمكانية حفظ التوازن بين العلماء والأمراء، بل نجد هذا التوازن منصوصا ً عليه في أحد الدساتير العثمانية (قانون نامه) كالتالي: " على القضاة إعمال الحكم الشرعي وإنفاذه. أما الشؤون المتعلقة بنظام البلاد وإدارة العباد فتؤول إلى وكلاء الدولة الحكام بالسيف والسياسة ". ومنه أطلق السالفون على رجال الدولة "أرباب السيف " وعلى العلماء " أرباب القلم ".

    إن مسؤولية الحفاظ على التوازن المذكور ملقاة على عاتق العلماء فوجب أن يعلموا أن أسمى رتبة وأشرف منزلة ينالها المرء العلم، والعالم الذي خلب جنانه الحق والحقيقة وعرفهما لا يسعه إلا اتباع الحق، ولا يقدم أي مصلحة عليه وهذا ما تستوجبه مكانة الحق السامية. وللأهمية نفيد بأن الذين يضحّون بقدر الحق وشرف العلم في سبيل منصب لا يساوي حطام الدنيا أو مصالح زائلة ما بلغوا ما يصبون إليه في هذه الدنيا واستحالوا اليوم نسيا ً منسيا ً. والشيء الوحيد الذي لا يغفله الناس هو ذكرهم ببغض وازدراء على مدى التاريخ فضلا ً عما سوف ينالهم في الآخرة. وهذا ما تمثل في القساوسة الذين لزموا كتمان الحق الذي يعلمونه أي نبوة محمد – صلى الله عليه وسلم- ورسالته مؤثرين ما يهديه ملك بيزنطة من الذهب والفضة كل عام، فما الذي حافظ عليه هؤلاء على ألسن الناس سوى ذمّ القرآن لهم؟! فقد قال الله – تعالى- معرّضا ً بهم: " زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالبَنِينَ وَالقَنَاطِيرِ المُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالخَيْلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ المَآبِ " (13)

    أما الذين يؤثرون شرف العلم وعزته ومصلحة الحق السامية فوق كل مصلحة ومنفعة دنيوية فقد بشرهم القرآن الكريم بأن كرامتهم وقدرهم سيبقيان إلى يوم الدين وسيكافؤهم الله – عز وجل – في الآخرة بموجب قوله: " وَسَنَزِيدُ المُحْسِنِينَ " (14) مهما ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وحطت أنظار الناس من قدرهم. ولنأخذ مثلا ً عالمين عظيمين عاصرا العصر العباسي الأول وهما الإمام أبوحنيفة وابن أبي ليلى (15)، فإن افترضنا إجراء استفتاء لمليار وربع المليار مسلم الآن فهل يا ترى ستكون نسبة الجاهلين بالإمام أبي حنيفة أو العالمين بابن أبي ليلى تتجاوز 10% ؟ إن هذا البون الشاسع ينبع من كون الإمام أبي حنيفة لم يفرط بالحق الذي عرفه أمام الدنيا بينما مهما عظم قدر أبي ليلى وحسنت استقامته، فاحتمال تنازلاته أمام حكام عصره أدى إلى هذا الفرق العظيم بينه وبين الإمام أبي حنيفة. وقس على ذلك الإمام أحمد بن حنبل والإمام ربّاني (16) والإمام السرخسي (17) الذي تعتبرمصنفاته إلى يومنا هذا من إمّات كتب الأصول الشرعية. وشاهد آخر على هذه الحقيقة في عصرنا هذا بديع الزمان النورسي الذي لم يفرط أو يتنازل بدوره، ولا يزال يعتلى عرشه عزيزا ً في قلوب الأتراك المسلمين خاصة والعالم الإسلامي عامة بينما باء بالذلة والصغار أعداؤه الذين سعوا خلال ستين عاما ً إلى طمس قدره وعزيز مقامه رغم تسخيرهم كافة الدول مجتمعة بشتى إمكاناتها وتجنيد كافة أهل الضلالة والافتراءات المختلفة لهذا الغرض طيلة هذه المدة.

    حينما تتناهى إلى المسامع كلمة " صون كرامة العلم وهيبته" تتبادر إلى الذهن على الفور هذه الظاهرة المحيرة ألا وهي قضاء رجالات العلم أوقاتهم عند أبواب أصحاب الدولة أملا ً في منصب ومقام، وبسبب هذه المصالح الدنيوية يخرسون عن قول كلمة الحق، ولا يدافعون عنه؛ في حين أن المفترض والواجب هو فناء رجال الدولة عند أبواب أهل العلم لعزة العلم وشموخه وحاجتهم هم إليه! إليكم هذه النكتة البليغة المعنى المفسرة لهذه الظاهرة: " سأل وزير كسرى أنوشروان أحد ملوك الفرس العادلين العالم العظيم بزرگمهر: إن مقام العلم فوق الإمارة، فلماذا يظهر العلماء عند أبواب ذوي السلطان بينما أولئك لا يفعلون الأمر عينه؟ فأجابه العالم الحكيم: هذا من علم العلماء وجهل أرباب السلطان!

    أي أن أصحاب السلطة من الجهل بمكان لا يجعلهم يقدّرون قيمة العلم فلا يطرقون أبواب العلماء بحثا ً عنه، بينما العلماء لمعرفتهم الغزيرة يدركون قيمة المال عند السلاطين فلا يبارحون أبوابهم! وهكذا أراد العالم الحكيم أن يفسر ويوضح مدى هوان حال العلماء لذاك السياسي بظرافة ولطافة " (18)

    وإليكم مثالا ً آخر: في عهد السلطان الرائع سليمان القانوني حصلت حادثة جديرة كتابتها بمداد من ذهب كونها تفصح بجلاء عن مدى عزة العلم والاعتصام بحبل الحق دون سواه. بطلا هذه الواقعة هما شيخ الإسلام آنذاك أبو السعود أفندي (19) والخليفة سليمان القانوني. أما سببها الرئيس فمستأجروا الدكاكين التابعة لوقف آيا صوفيه؛ فمن الناحية الفقهية الشرعية تحدّد قيمة بدائل الإيجار في الأوقاف سنويا ً، وترفع قيمة بدل الإيجار عن القيمة الحالية بمقدار أجر المثل، فلو افترضنا أن زيدا ً اكترى دكانا ً تابعا ً للوقف المذكور بمبلغ 10 آلاف آقجة وارتفعت قيمة بدل الإيجار الحالي بعد حَولٍ إلى 11 ألف آقجة فله الخيار في أداء هذا المبلغ أو ترك الدكان لعمرو المستأجر الجديد. وهذا ما كان ينطبق على قسم من دكاكين وقف آيا صوفية، وقد راجع المستأجرون السلطان في هذا الأمر واحتجوا لديه بأن إيرادات الأوقاف تفوق معدل الإنفاق، وعليه فالوقف في غنى كبير عن الزيادة في قيمة بدائل الإيجار، بل ولكونهم مسلمين محتاجين حبذا لو قلت هذه القيمة حتى لا يضيرهم هذا في معاشهم. فما كان من السلطان إلا أن أصدر مرسوما ً أمر بموجبه ألا تزيد قيم بدل أجرة الدكاكين الوقفية في آيا صوفية في هذا العام نظرا ً لفيض إيرادات الأوقاف ولشكوى المستأجرين وحنقهم من هذه الزيادة، ثم أتى بأبي السعود أفندي من أجل تعميم هذا الفرمان فقرأه ثمّ ردّ قائلا ً: " الجواب: لا يجوز؛ فما لا يجوز شرعا ً لا يجوّزه أمر السلطان لأن الحرام لا يتصير حلالا ً "!

    وها هوذا رئيس بلدية استانبول " رجب طيب اردوغان " قد صدر ضده حكم قضائي (20) فأين أولئك البائسون الذين يتشدقون بكونهم أصحاب الأستاذية في الحقوق؟ وها هو ذا منع ارتداء الفتيات والنساء لخمارهن لا رادع له فأين العلماء الذين يفتدون الحقّ بالسياسة؟ إن نشدنا التخلف العلمي فحري بنا أن نفتش عنه في كرامة وعزة العلم وأهله المهدورتين لا فيما سوى ذلك.

    4. التعليم بغية الانتفاع المادي:

    يجب أن نضع في أذهاننا دوما ً أن العلم ليس من أجل المال والكسب المادي لأن الغاية منه رضى الله – تعالى- وخدمة البشرية وتحصيل ما فيه من اللذة المعنوية. وأنا شخصيا ً أوصي طلابي أن يقطعوا تعليمهم فورا ً ويبيعوا البطاطس في الطرقات إن أرادوا تحصيل العلم لأهداف مادية. أجل.. بل أتفق أيضا ًمع مقولة الإمام الشافعي – رضي الله عنه- : " أنا ضامن لرزق طالب العلم " (21) لأن العلم عزيز لا يوقع بصاحبه في شرك الذل والمهانة لكنه لا ينبغي أن يكون لعرض دنيوي أو من أجل المال. وأهم الأسباب الكامنة وراء قلة إنتاج الجامعات التركية انضمام البعض لهيئات التدريس بسبب الطمع في المعاشات الشهرية المغرية أو بسبب عدم توفر أية وظيفة أخرى لهم سوى التدريس والتعليم! وإن أخذنا بعض أصحاب الرتب العسكرية الراقية كعقيد مثلا ً بعد فترة من انتسابهم إلى سلك التدريس فسنرى أن مؤسسات كهذه لا تنتج علما ً.

    5. عدم توفر الأرضيات والوسائط لإجراء الأبحاث العلمية في البلاد:

    أرى مع الأسف أن المثل التركي: " كم آلت ايله اولماز كمالات " – أي لا يحصل الإتقان والكمال بكم الآلات- ينطبق على ما يجري على الساحة العلمية الآن فمخطىء جدا ً من يدّعي أن الجامعة التي مكتبتها منذ تأسست لا ترقى لمستوى مدرسة متوسطة، وتلجأ إلى التجارة كي يتسنى لرجل العلم استخدام تسهيلات الشابكة (الإنترنت) أرضية خصبة لعمل أبحاث علمية جادة.

    6. وقوع العلم وأهله في براثن الشكليات والمظاهر:

    إن السبب الكامن وراء هدم المدارس العثمانية كان غلبة وسيادة التلقي الآلي للعلوم على التلقي الهادف ذي الغاية البيّنة بينما كانت العلوم العليا تجعل النية أساسا ً لنيلها. إن هذه الظاهرة ما تزال آثارها اليوم ذات تأثير؛ فالغارقون في لجج مبادىء سطحية ليست سوى قشور تحبو عقولهم حبوا ً نحو إدراك الغاية السديدة والقصد السليم من وراء طلب العلم.

    ختاما ً واختصارا ً ما من شيء إلا وقد يصبح للعقبات عرضة، وعلى كل من يترشح ليكون رجل علم يوما ً ما أن يعرف ويدرك أن الحواجز والمعيقات أمام مسيرة الحركة العلمية وتطورها ليست واحدا ً بل ألوفا ً، ومع ذلك لا يعلو ولا يسمو على منزلة العلم وسموق قدره سام ٍ. وثمة في الأصل مسببات مهمة أخرى لتراجعنا على الصعيد العلمي لا يسعنا المقام هنا عرضها ومناقشتها.



    رابط الموضوع الأصلي: http://www.osmanli.org.tr/osmanlidaegitim-7-207.html
  • عامر الهنيني
    عضو منتسب
    • Dec 2011
    • 21

    #2
    ملاحظات المترجم

    ملاحظات المترجم

    * كتب الكاتب هذا الموضوع على أغلب الظن سنة 1998م وتمت إضافته إلى الموقع الإلكتروني لوقف الأبحاث العثمانية www.osmanli.org.tr بتاريخ 3 أكتوبر 2002م.

    ** استخدمت في ترجمتي المصطلحات الآتية بالترتيب التصاعدي:

    أستاذ مساعد........................Asistan
    أستاذ مشارك (محاضر)......... Doçent
    أستاذ............................... Profesör

    (1) TÜBA اختصار لـ Türk Bilimler Akademisi.

    (2) YÖK اختصار لـ Yüksek Öğretim Kurulu .

    (3) جاء في دستور الولايات المتحدة الأمريكية- المجلد السابع تحت بند" صلاحيات الكونغرس الشرعية" :
    " على الكونغرس أن يعمل على الارتقاء بالعلوم والفنون النافعة بتأمين الحق الحصري للكتاب والمخترعين في كتاباتهم واختراعاتهم الشخصية لفترات محدودة " والأصل بالإنكليزية كما يلي:

    The congress shall have to:… promote the Progress of Science and useful Arts, by securing for limited Times to Authors and Inventors the exclusive Right to their respective Writings and Discoveries. (US Constitution- Congress- Power of Congress- VII Volume)

    (4) صدري مقصودي عارصال Sadri Maksudi Arsal (1879-1957م): هو صدر الدين نظام الدينوفيتش مقصودوف، أستاذ وعالم حقوقي مثقف ورجل دولة تركي من أصول تتارية روسية. ولد في طاشصو قرب قازان عاصمة تتارستان. ترأس المجلس القومي في بلده سنة 1917م وبعد حله على أثر الثورة البلشفية رحل إلى أوروبا الغربية حيث تخرج من كلية الحقوق في جامعة السوربون في باريس وعمل محاضرا ً لتاريخ الأتراك فيها، ثم انتقل إلى تركيا في حقبة تأسيس الجمهورية في أواسط العشرينات من القرن المنصرم بدعوة من مؤسسها مصطفى كمال آتاتورك وله مجهودات عديدة في مجال الحقوق في تلك المرحلة، وكان أحد مؤسسي كلية الحقوق في جامعة أنقرة.

    (5) فالح رفقي آتاي Falih Rıfkı Atay (1894-1971م): صحافي وكاتب ونائب في مجلس الأمة التركي (1923-1950م) وهو من أبرز صحافيي حقبة الجمهورية. و لد في استانبول وتوفي فيها. والداه وفدا إليها من سقاريا الأناضولية، وتخرج من كلية الآداب في دار الفنون في استانبول سنة 1912م كتب في عدد من المجلات ثم في جريدة " طنين " وكان متأثرا ً بالقومية التركية في كتاباته. كان ضابط احتياط في الحرب العالمية الأولى وعمل في الشام كاتبا ً لجمال باشا قائد الفيلق العثماني الرابع وأحد أقطاب الاتحاد والترقي، ولفالح رفقي كتاب يروي فيه مشاهداته في الشام وفلسطين بعنوان " النار والشمس Ateş ve Güneş". كان ثالث ثلاثة أسسوا صحيفة المساء " Akşam". تعرف على مصطفى كمال (آتاتورك) بعد تحرير إزمير من اليونانيين وكسب صداقته ولازم الأخير حتى مماته وكان أحد المقربين منه ومن مناصري المبادىء الكمالية ومن المطلعين على دقائق الأحداث في عهد تأسيس الجمهورية وترك وراءه مجموعة كبيرة من المؤلفات كصحافي وأديب.

    (6) علماء المهد هم أبناء العلماء الذين يرثون صيت آبائهم وعلمهم في أحيان كثيرة. وكانوا ينالون نفس الاستحقاقات والحظوة من الدولة والمجتمع فقط لكونهم أبناء أولئك العلماء حتى لو لم يكونوا على نفس مستوى واجتهاد آبائهم علما ً وتقوى.

    (7) ورد هذا الحديث بهذا اللفظ في " كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال " للمتقي الهنديّ نقلا ً عن المعجم الأوسط للطبراني، وراويه أبو هريرة – رضي الله عنه-. أما في الصحيحين فراويه عبد الله بن عمرو بن العاص ولفظه في البخاري: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ً ينتزعه من العباد ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق عالما ً ، اتخذ الناس رؤوسا ً جهالا ً ، فسئلوا ، فأفتوا بغير علم ، فضلوا وأضلوا"، ولفظه في مسلم: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ًينتزعه من الناس . ولكن يقبض العلم بقبض العلماء . حتى إذا لم يترك عالما ً، اتخذ الناس رؤوسا ً جهالا ً ، فسئلوا فأفتوا بغير علم . فضلوا وأضلوا".

    (8) أورده الإمام السيوطي في " الجامع الصغير من حديث البشير النذير " والألباني في " السلسلة الضعيفة " عن ابن عباس – رضي الله عنهما- والحديث موضوع.

    (9) محمد عبد السلام (1926- 1996م): عالم فيزيائي باكستاني قادياني الديانة نال جائزة نوبل في الفيزياء عام 1979م.

    (10) صلحي دونمزار Sulhi Dönmezer (1918- 2004م ): حقوقي وأكاديمي تركي مشهور. ولد في استانبول سنة 1918 ونال من جامعتها شهادة الحقوق سنة 1934م و ونال أعلى درجة علمية في الأستاذية (Professor Ordinarius) عام 1957م. عمل في سلك القضاء والتدريس الأكاديمي في جامعة استانبول وحاضر في العديد من الجامعات في تركيا وخارجها. كان له نشاط وحضور فعال في الفعاليات واللجان الحقوقية في تركيا وترك أثرا ً بارزا ً من خلال علمه وخبرته في مجاله.

    (11) فوزي فوزي أوغلو Fevzi Fevzioğlu: لم أقف على نبذة تعريفية عنه.

    (12) المولى الكوراني Molla Gürani (1410-1488م): بالعثمانية " ملا گوراني ". رابع من تولى مشيخة الإسلام في الدولة العثمانية (1480-1488م). كتب محمد علي شاهين في مجلة الغرباء في 2/10/2011م: " شهاب الدين أحمد بن إسماعيل بن عثمان الكوراني. إمام مفسر، أستاذ السلطان محمد الفاتح، كردي الأصل من أهل شهرزور، فاق في المعقولات والأصلين والمنطق ومهر في النحو والبيان وبرع في الفقه، قرأ ببلاده ثم ارتحل الى القاهرة وتفقه بها وقرأ هناك القراءات العشر بطريق الاتقان والإحكام، وقرأ الحديث والتفسير، وأجازه علماء عصره في العلوم المذكورة كلها، وأجازه ابن حجر أيضا في الحديث وشهد له بأنه قرأ الحديث سيما صحيح البخاري رواية ودراية ودرّس هو بالقاهرة درسا عاما خاصا بالفحول، وشهدوا له بالفضيلة التامة " ا. هـ.

    ثم درّس بالشام وقصد استانبول بطلب من أحد العلماء وهناك تعرف على السلطان مراد الثاني وأعجب بعلمه وعينه في مدرسة جده الغازي مراد الأول ثم تعين في مدرسة السلطان بايزيد الصاعقة. تولى مهمة المؤدب الصارم لولي العهد – السلطان الفاتح فيما بعد- محمد الثاني وفي عهد الأخير تولى قضاء الجيش وعمل في التدريس ثم قاضيا ً لبورصة ثم تولى مشيخة الإسلام حتى وفاته في استانبول. أمر بإنشاء 4 جوامع بالإضافة إلى دار الحديث التي تعنى بالحديث الشريف. كان جريئا ً لا يهاب السلاطين وله مواقف عديدة مع السلطان محمد الفاتح كرفضه استوزاره ورفضه مرة دخول السلطان تكيته كي ينبه السلطان إلى وخامة الغرور بعد فتح القسطنطينية رغم كونه بشارة الرسول – صلى الله عليه وسلم-. له مصنفات وآثار عديدة في التفسير والحديث والقراءات والعروض منها: " غاية الأماني في تفسير السبع المثاني"، و "الكوثر الجاري على رياض البخاري " (شرح صحيح البخاري) وغيرها.

    (13) آل عمران -14

    (14) البقرة- 58

    (15) ابن أبي ليلى (الابن) (؟7-148هـ): محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي. أخذ العلم عن جمع من التابعين. تولى قضاء الكوفة وكان من ألمع وأبرع فقهاء عصره ونظيرا ً لأبي حنيفة في الفقه. روى الحديث ولكن ضعّف لسوء حفظه وفحش خطئه وعلل البعض ذلك لانشغاله بالقضاء. و في رواية عن القاضي أبي يوسف : ما ولي القضاء أحد أفقه في دين الله، ولا أقرأ لكتاب الله، ولا أقول حقا بالله، ولا أعف عن الأموال من ابن أبي ليلى.

    (16) الإمام رباني (1564- 1624م): الشيخ أحمد السرهندي الفاروقي الحنفي الهندي. ولد في سرهند في إقليم البنجاب في الهند في حقبة حكم المغول. حفظ القرآن الكريم وعكف على تعلم اللغة العربية في صغره، ورحل لطلب العلم في الهند وخارجها في الحرمين الشريفين ووقف على أهم العلوم العقلية والنقلية وهو ابن 17 سنة. أجازه والده في الطريقتين القادرية والجشتية وأجازه الشيخ محمد الباقي بالله النقشبندي في دهلي في الطريقة النقشبندية . عمل بالتدريس والقضاء وأهم مصنفاته المكتوبات الربانية الثلاث. يوصف بأنه مجدد الألف الثاني، وقد اعترض على مشروع الإمبراطور المغولي أكبر الذي يهدف إلى صهر الأديان في بوتقة دين واحد جامع محتجا ً بأن كل ما يخرج عن شرع الله – تعالى- فهو باطل، كما كان ممن خرجوا على فلسفة وحدة الوجود الدخيلة على التصوف.

    (17) الإمام السرخسي (... - 483هـ ): جاء في الموسوعة العربية العالمية: " محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي. فقيه أصولي حنفي. ينسب إلى سرخس ـ بلدة قديمة من بلاد خراسان. أخذ الفقه والأصول عن شمس الأئمة الحلواني. وبلغ منزلة رفيعة. عده ابن كمال باشا من المجتهدين في المسائل. كان عالمًا عاملاً ناصحًا للحكام. سجنه الخاقان بسبب نصحه له. ولم يقعده السجن عن تعليم تلاميذه؛ فقد أملى كتاب المبسوط ـ وهو أكبر كتاب في الفقة الحنفي مطبوع في ثلاثين جزءاً ـ وهو سجين في الجبّ، كما أملى شرح السير الكبير لمحمد بن الحسن، وله شرح مختصر الطحاوي، وله في أصول الفقه كتاب من أكبر كتب الأصول عند الحنفية، ويعرف بأصول السرخسي" ا.هـ.

    (18) بديع الزمان النورسي، كتاب اللمعات، اللمعة 135

    (19) أبو السعود أفندي (1490-1574م): أو خوجه چلبي. هو محمد بن محيي الدين محمد چلبي العمادي ولعله يعود بأصله إلى العمادية الكردية في شمال العراق. من أجل علماء الخلافة العثمانية وشاعر. كان خامس عشر شيخ إسلام في تاريخ الدولة العثمانية (1545- 1574م). ولد في إسكيليب التابعة لإقليم چوروم في الأناضول. تولى القضاء في الآستانة وبورصة والروم إيلي في ثلاثينات القرن السادس عشر، ثم تولى مشيخة الإسلام في عهد السلطان الخليفة سليمان القانوني سنة 1545م واستمر حتى وفاته في عهد الخليفة السلطان سليم الثاني. هو صاحب فتاوى حاسمة في الفترة التي وصلت دولة الخلافة العثمانية تقريبا ً وقد أعد الدستور العثماني الخاص بالسلطان سليمان القانوني استنادا ً على الفقه الحنفي المعروف باسم (قانون نامۀ آل عثمان Kanunname-i Al-i Osman) وهو صاحب التفسير الشهير (إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم).

    (20) سنة 1998م أصدرت محكمة أمن الدولة في دياربكر على رجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا حاليا ً حكما ً بالحبس لمدة 10 أشهر بتهمة الإثارة العامة الصريحة للعداوة والكراهية من خلال الاختلاف الديني والعرقي بدأ تنفيذه في يوليو من عام 1999م مع تخفيف الحكم إلى 6 أشهر لاحقا ًوذلك أثناء توليه منصب رئاسة بلدية استانبول بسبب إلقائه خطابا ً في اجتماع خاص في سيئرت في شرق الأناضول عام 1997م ذكر فيه أبيات شعر إسلامية الفحوى مما دعا إلى اعتباره مناهضة للعلمانية والمبادىء الكمالية.

    (21) هذه المقولة للإمام الشافعي لم أعثر على أصلها لكنها وردت هكذا في ملحق قسطموني من ملاحق رسائل النور للشيخ بديع الزمان النورسي ص 201 : " وهناك رواية عن الإمام الشافعي رضي الله عنه أنه قال: أنا ضامن رزق طالب العلم الخالص؛ لأن في رزقهم بركة وسعة. ولما كانت الحقيقة هي هذه وان طلاب رسائل النور قد اظهروا الأهلية التامة لعنوان طالب العلم في هذا الزمان، فلا ينبغي التخلي عن خدمة رسائل النور تجاه هذا القحط والجوع المنتشر. مع إدراك أن أفضل علاج لهذا هو الشكر والقناعة والارتباط بصفة الطالب لرسائل النور، وعدم ترك الخدمة بحجة الضرورة لهاثاً وراء متطلبات العيش " ا.هـ.

    تعليق

    • عامر الهنيني
      عضو منتسب
      • Dec 2011
      • 21

      #3
      السلام عليكم ورحمة الله،

      هذا الموضوع كنت قد ترجمته ونشرته في منتديات واتا الحضارية للمرة الأولى في السنين الأولى من الألفية الثانية، والآن بعد أن قمت بمراجعته وتنقيحه وعمل هامش للملاحظات والتعريف المختصر لمعظم الشخصيات التي ورد ذكرها في الموضوع أعيد نشره في هذه المنتديات الغراء على أمل الاستفادة والإفادة إن شاء الله.

      الموضوع على أية حال كتب قبل بضعة سنوات من ارتقاء حزب العدالة والتنمية للحكم في تركيا، ولا ريب أن هناك الكثير من الأمور التي أشار إليها الأستاذ القدير " أحمد آق گوندوز " قد طالتها يد التغيير إما سلبا ً وإما إيجابا ً بعد ما يقارب 9 سنوات من الحكم. وليس المقصود تسليط الضوء على ظاهرة التراجع العلمي والأكاديمي في بلد بعينه فقط بل أتحدث عن ظاهرة حاضرة ملموسة مشاهدة في العالم العربي خاصة والإسلامي عامة؛ أشاهدها أنا شخصيا ً وألحظ مجرياتها وآثارها الوخيمة من خلال المجتمع الذي عشت وأعيش فيه، وهي ظاهرة ما زالت تلقي بواسع ظلالها، ونحن في النهاية أمة واحدة وجسد واحد. وأشد على أيدي من يهمه هذا الموضوع ويعلق عليه أن تكون الآراء الكريمة والردود مفيدة وتكاملية في جميع جوانبه ونسأل الله أن يصلح أحوالنا وجميع شأننا إنه على كل شيء قدير.

      المخلص،
      عامر

      تعليق

      يعمل...