أندلسيات
]د. فاروق مواسي
نفح من الطيب
جادني الدمع إذا الدمع شجا يا زمان المجد في الأندلس
لم يكن روضُك إلا أرجا يَعْرُبيًا عابقًا في النَّفَسِ
فتغنّتْ دمعتي في عَبَق وتلظى فرحي في الألمَِ
فأتاني الموجُ بعد الغَرَقِ ينقذ الوجدَ من المُضْطَرمِ
أيها الساقي نديمي قد لقـي في انكسار الكأس ذوبَ الأنجمِ
فكسانا الضوءُ أغلاسَ الدجى بخيالٍ بات كالمفترسِ
فإذا الخط تبقى ونجا وإذا العمران ضوء الغَلَسِ
1- قرطبة
في الجامع بين الأعمدة الحمراء البيضاء
كان (الداخل) يمضي للمحراب
صقرًا تعرفه كلّ سماء
فأصافح فيه العزة والكِبر
يبسم في إيمان
يتبدى في كل الأنحاء
و( الناصر ) يضفي أبهة ويسمي نفسه
في قرطبة خليفة
والحصن يقاوم كل عداء
( فالناصر ) يرفل بالألحان العربيّة
بجروح زُفت للأضواء
وهنا ( الحكم ) يفاخر
في مكتبة وَسِعت علما
يحضن كل عصافير الفن
كأحضان نساء
و(ابن شُهَيْدٍ ) يكتب عند الوادي
بتوابعه وزوابعه
يقرأها
وهو قرير العين
ويبز الأدباء
وابن الرُّشد بفلسفةٍ يتأمل
ينظر تمثاله
ويرى في التمثال
فصل مقال
سمّوه على قاعدته
( أفيروس )
ويطير أمامه
طير وفاء
يصحبه ( ابن الميمون )
ليدل الحيران إلى الأقواس
فإذا في الدرب
( ابن الزيدون ) يناغي ( ولادة)
يذكُرُها بالزهراء بشوقِ عبادة
وتمكن عاشقها من لثم الخد
وعتاب وعتاب
تتناءى بدلا من أن تدنو
تجفو بدلا من طيب اللقيا
فيحاذي المسجد يقرأ أحرفه الكوفية
يحمل جزءا من سفر ( العقد)
والعقد بضاعة أهلي
حتى يجلس في حلقات الجامع
مع صحب ظنوا أن الدهر
يجرح يأسو
والدهر قياس
فأعود لكي أتملى السقف
المصنوع من الذهب
ومن المرمر
وأشم عطور القمم الشماء
وأكاد أ صلي
حتى شيعت على بعدٍ ألوان الشوق الخضراء
تتمدد، تصْغُر فأخال
كيف أتاها الفاتح
يلبس تاج عِمامته
يركب فرسًا ومَضاء
عن بعد ألمحها الزهراء
فأقول سلامًا يا زهراء !
وسلامًا يا قرطبة الدين وقرطبة الآباء !
3- إشبيلية
هناك تبدو المئذنــه
حُشاشة من مسجد
فراق عمر أعلنه
والقصر من أمامها
مزخرفًا مُلَحَّنًا
( عبّادُ ) ظلوا للرؤى
رماحهم مسننـــه
رسَوا على شواطئ ( الكبير)
حروفهم ضياء
بلوعة السَّنا
وحبهم وفاء
رواية للأزمنــــه
وسرتُ نحو ( المعتمد )
حيث (اعتماد ) الجاريـــه
تجيز شعرًا رائقًا
يُطل صفوًا ذائقًا
عذوبة في الألسنــــه
فيجعل الأرض كما تشاء
بالحب حتى يُعلنه
يشدو ابن عمار الوزير
قصيدة الوادي الكبير
فيبتديها موقِنه
وينتهيها مُوهَــنــه
أسائل السُّكان والسُّياح
أسائل المجذوب والسكران
من منكم رأى ابن هاني؟
من منكم رأى ابن سَهْل؟
من منكم رأى الزبيدي؟
- معلم الفصاح -
أين ترى ( قلائد العقيان)
من منكم سقى الصباح
بالكأس حتى أدمنـــه؟
فيعرفون أنني ( موري)
ويصحبونني إلى بوابة ( الكازار)
ولا يعرفون يقرأون
فينظرون يُبهتون
حروفها التي تألقت
( الملك لله
القوة لله
القدرة لله
العزة لله )
ترتفع المئذنـــه
بالصمت محزنــــه
لتلتقيني في العلاء.
4- مالقة
- وبالقلعة العالية
مناظر : تأتي جنود
- كأن لذاك ملامح عمّي –
لنصر الأماني ،
وفاكهة تخلِسُ اللون من هسهسات السنين
فيخضرّ ضوءُ الثواني
فأذكر أمي،
وبحر يداعبه زورق
ويرتادُ يبحث عن لغتي
ويلقي صباباتِهِ في ندوب الأغاني
ويشعل همّي
- وبالقصبـــه
رششتُ العطور
على جرح حزني
فأسبل جفنه
فسلمت رَعشةَ شوقٍ
إلى حُلُمي
فأنكر حُزنه،
وعدت ببرقٍ، بريحٍ
بنفسجةٍ تتعرى
برائحة البرتقال
رأيت حدائق إحدى الأميرات
تكشف في لحظةٍ، ويلوح
سحاب الليالي وأرغنها يعزف الأغنيات
رأيت امتزاجَ الظلال بضوء يفوح
بنجوى، وَيضحك من يأسهِ
ويستلهم الهمهات برعب الجروح
فأصبو لترتيل جَدّي
ليدرك آفاق وجدي
أقول وداعًا -
5- على نجوة من مضيق جبل طارق
أودّ أن اصعد الجبل
لأرتقي قلعة ( طارق )
فهي من مخمل يبعث الدفء
بهجتهُ متوثبة
أودّ أن أخطو مع ظلّ ( طريف )
بصحبة أفواج من الآيات
البحر من ورائيه
و ( طارق ) يحرق السفن
حتما هنا، ربما هناك
والشمس تخثر الدماء
والريح تبتلع الدموع
وينتشي الزيتون
أيها البطل الذي أنكره ( موسى بن نصير )
فأنكر الخليفة موسى بن نصير
وأنكر بعضنا بعضا
حتى صرنا
موتًا ممتدًا
لهبًا ممتدًا
فأعادونا من نفس المضيق.
- أيها الجبل أشهد
أن حبي لمن يرقدون هنا
مثل حبي لبلادي
6 - قصر الحمراء
في غرناطة
ألسنة السياح تعيد ( الحمراء ) بكل لغات
المعموره
وأكاد أقول لكل الناس:
أني من أحفاد البانين
لكني قبل ( الحمراء)
جئت النصب التذكاري ( لإيزابيلا)
- طاردتي -
ومن القهر أخذنا صورة
جئت ( البيّازين)
ببيوت بيضاء تطل على الغجر
وتصافح قصر الحمرا كل صباح
ونزلت الفندق
- قيل هو الأول عند العرب -
ناديت لسان الدين ! لسان الدين!
أين بنو نصر؟ أين بنو الزير ؟
أأحطت بأخبار الأعلام المذكورين؟
أقرأت { ولا غالب إلاّ الله }
في كل مكان تتردد
لست على الغيب ضنين
فالنصر مبين
والعزم مكين
جمل أخرى تتردد
ونوافير أبي الحجاج لكل سبيل
وحدائق جنات عريف
تنشد عزًا والظلّ ظليل
وحفيدات الزهرات بقين
يتناجين حديث العشق الأبدي
أما أحفاد بني النصر مضوا
حتى آخرهم
فأبو عبد الله بكى مرة
والنافورة ظلت تبكي
وأسود سكنت دار رئاسة
تتثوثب في إيقاع
تزأر ماء
في طعم الماء نواح ممزوج بغناء
ونعاس دون غطاء
امض أبا عبدالله إلى سبته
وابك على ملك ما صنته
لما استنجدت بأعدائك
إني أمضي نحو القصر لأقرأ
ولسان الدين يفك الأحرف لي
فهنا أبيات للشاعر
أولها:
( تهدي النجوم الزهر لو نبتت بها...)
لكن لسان الدين
مضى يقرأ أبيات موشحِــهِ
أترنم
فإذا إسبانيـــه
لحظت طربي وغناءَه
رقصت ( فلا منكو )
أسرع من لمح البصر
عيناها ينبوع دُرر
فشربت نبيذًا من فمها
وشربت نبيذا من شفتين تذوبان صفاء
ومسحت بكفي وجنتها
حينئذ سَحَّ مطر
البدر على صفحة قلبي
هذي الحمراء مداخلها، ومساربها،
القلعة، قصر الأختين،
وقصر العدل،
هنا الحمام، هنا الأزهار هنا...
- ما أقسى التاريخ يدور كدولاب
يطحن يبني
يزرع يجني
والمصباح على سارية خضراء
ضَجَّ غناء
ملأ خريطة وجدي بالحلم المُشْرَع
بالزمن أعيده
أرفع هامة نخلة
رمقتني من بُعد فَدنوت
تطلق إذ تعرفني زغروده
- زغرودة أختي عند زواج أخي -
فألمَّ ندى
أتسلق جذع النخلة
تأخذ لي الزوجة صوره
احتضن النخلــــه
حتى تلد النخلة منّي
ولأول مرة
امرأتي ما غارت
7- عود على بدء
اسقني ذكر الهوى بالغَدَق ثم خذني صوب ابن العربي
علّه يهدي سُطوعَ الأفق وهو يهمــي في رياض الكتب
عد بنا مثنى قبيل الغرق ينتشي الماء بحسن السحب
فإذا ذكر الهوى طيبُ الرجا أتقاوى نفسًا في نفسِ
كلما أظلم ضوء بَلجا لا تزد ظلمًا على المقتبسِ
باقة الغربية