المتنبي عابر الزمن آخر تحديث:الأحد ,25/07/2010
حسن مدن
هل يبدو المتنبي مثلاً أقرب إلى قرائه العرب اليوم أكثر من قرائه في عصره وفي العصور اللاحقة؟
المنطق يقول إنه بات اليوم مقروءاً أكثر بسبب مهم هو أن دواوينه تطبع في آلاف النسخ وهذا كان متعذراً في السابق، يوم لم تكن هناك مطابع، ناهيك عن دور النشر والتوزيع، وبالتالي فإنه يعرف بصورة أوسع مما كان عليه الحال في زمنه وفي ما تلاه من أزمنة .
لكن هذه المعرفة الأوسع له تيسّر كذلك اكتشافه من جديد مرة ومرات . قارئ اليوم المزود بأدوات معرفة جديدة وبذائقة جديدة يرى في المتنبي أشياء جديدة لم يكن بوسع مجايليه أن يروها، وهذه آية النص العظيم، الذي هو كالحجر الكريم الذي يزداد تألقاً مع الزمن، ولا يبلى .
وبهذا المعنى يبدو المتنبي شاعراً حديثاً أكثر من مئات من يقرضون الشعر اليوم، فحداثة النص أو عصريته لا تُحدد بزمن كتابته، وإنما بقدرته على عبور الزمن، أي بقدرته على أن يحيا ولا يموت .
ونحن هنا نتحدث عن المتنبي بصفته شاعراً بالعربية، بصفته شاعراً عربياً، ولنا أن نتخيل حال شعر المتنبي وهو ينقل إلى لغات أخرى، ألن تكون الترجمات نفسها متفاوتة العمق والمستوى أخذاً في الاعتبار ما يتيسر للمترجمين من أدوات ومعارف على مرّ الزمن؟
ثم إن الترجمة تؤسس في اللغة التي تُترجم إليها نصوص من لغات أخرى تراثاً ينبني عليه وفوقه تتراكم الخبرات والتجارب على شكل طبقات، لأن ما يسمى الأمانة في الترجمة ليس أكثر من “قدرة المؤلف على أن يفصح عن حنينه إلى ما يتمم لغته ويكمل نقصها” كما يذهب إلى ذلك أحد الدارسين .
هذه الأفكار ربما تقود إلى سؤال: أليست هناك حاجة لترجمات عربية جديدة لأعمال فلسفية أو فكرية أو إبداعية أجنبية سبقت ترجمتها؟ أليست العدة الفلسفية والفكرية وحتى الإبداعية في فضائنا اللغوي العربي اليوم أكثر مرونة وأوسع أفقاً وثراء مما كانت عليه، وهي بالتالي أكثر قابلية لاكتشاف مكامن بريق جديدة في الأحجار الكريمة؟
وهذا لا يعني أن الترجمات السابقة كانت سيئة، وإنما يعني أن اللغة من حيث كونها كائناً حياً تتطور وتتسع وتتغذى بمصطلحات وأفكار جديدة تجعلها أكثر مقدرة على تقديم الأفكار في اللغات الأخرى بصورة أفضل، فتبدو الترجمة الأحدث، إذا كان القائم بها مبدعاً، أكثر ثراء وعمقاً .
drhmadan@hotmail .com
حسن مدن
هل يبدو المتنبي مثلاً أقرب إلى قرائه العرب اليوم أكثر من قرائه في عصره وفي العصور اللاحقة؟
المنطق يقول إنه بات اليوم مقروءاً أكثر بسبب مهم هو أن دواوينه تطبع في آلاف النسخ وهذا كان متعذراً في السابق، يوم لم تكن هناك مطابع، ناهيك عن دور النشر والتوزيع، وبالتالي فإنه يعرف بصورة أوسع مما كان عليه الحال في زمنه وفي ما تلاه من أزمنة .
لكن هذه المعرفة الأوسع له تيسّر كذلك اكتشافه من جديد مرة ومرات . قارئ اليوم المزود بأدوات معرفة جديدة وبذائقة جديدة يرى في المتنبي أشياء جديدة لم يكن بوسع مجايليه أن يروها، وهذه آية النص العظيم، الذي هو كالحجر الكريم الذي يزداد تألقاً مع الزمن، ولا يبلى .
وبهذا المعنى يبدو المتنبي شاعراً حديثاً أكثر من مئات من يقرضون الشعر اليوم، فحداثة النص أو عصريته لا تُحدد بزمن كتابته، وإنما بقدرته على عبور الزمن، أي بقدرته على أن يحيا ولا يموت .
ونحن هنا نتحدث عن المتنبي بصفته شاعراً بالعربية، بصفته شاعراً عربياً، ولنا أن نتخيل حال شعر المتنبي وهو ينقل إلى لغات أخرى، ألن تكون الترجمات نفسها متفاوتة العمق والمستوى أخذاً في الاعتبار ما يتيسر للمترجمين من أدوات ومعارف على مرّ الزمن؟
ثم إن الترجمة تؤسس في اللغة التي تُترجم إليها نصوص من لغات أخرى تراثاً ينبني عليه وفوقه تتراكم الخبرات والتجارب على شكل طبقات، لأن ما يسمى الأمانة في الترجمة ليس أكثر من “قدرة المؤلف على أن يفصح عن حنينه إلى ما يتمم لغته ويكمل نقصها” كما يذهب إلى ذلك أحد الدارسين .
هذه الأفكار ربما تقود إلى سؤال: أليست هناك حاجة لترجمات عربية جديدة لأعمال فلسفية أو فكرية أو إبداعية أجنبية سبقت ترجمتها؟ أليست العدة الفلسفية والفكرية وحتى الإبداعية في فضائنا اللغوي العربي اليوم أكثر مرونة وأوسع أفقاً وثراء مما كانت عليه، وهي بالتالي أكثر قابلية لاكتشاف مكامن بريق جديدة في الأحجار الكريمة؟
وهذا لا يعني أن الترجمات السابقة كانت سيئة، وإنما يعني أن اللغة من حيث كونها كائناً حياً تتطور وتتسع وتتغذى بمصطلحات وأفكار جديدة تجعلها أكثر مقدرة على تقديم الأفكار في اللغات الأخرى بصورة أفضل، فتبدو الترجمة الأحدث، إذا كان القائم بها مبدعاً، أكثر ثراء وعمقاً .
drhmadan@hotmail .com