صانع السلاطين
بقلم : إبراهيم كامل أحمد
[align=justify]جلس كعادته كل يوم في ركن الورد من حديقته وقت المغيب.. أصابعه تتحسس برفق الجواهر النفيسة التي تملأ طبقاً من الفضة تزينه نقوش متشابكة متداخلة من الذهب.. بانت النشوة الحالمة علي وجهه كعازف يطربه ما يعزف من نغمات شجية.. شعاع الشمس الذهبي يعانق ضياء الماس.. الياقوت.. الزمرد.. قوس قزح من بريق ألوان تعجز الكلمات عن وصفه يتراقص علي تغريد البلابل المنتشية بعبير الورد.. وقع أقدام ثقيلة.. قعقعة سلاح.. نعيب غراب موحش يعلن عن مصيبة قادمة.. قام عن مقعده.. نثر الجواهر كمن يبذر حباً.. طوح بالطبق فسقط وسط دغل من شجيرات الحديقة.. عاد إلي الجلوس.. رسم علي وجهه تعبير التائه في حلم.. بدا قائد الشرطة غريقاً في حرجه.. نهض وتقدم الجند يمشي واثق الخطي وكأنه كان يتوقع قدومهم.
أحس بغضب السلطان يلفح وجهه وهو يقترب من مجلسه.. وقف هادئاً تطل من عينيه نظرة بلهاء وعلي شفتيه ابتسامة حمقاء.. زعق السلطان بلوعة طفل تخطف لعبته : " تريد أن تخلعني يا جوهري ؟! " .. ظل الجوهري معتصماً بالصمت.. قال السلطان بغل بين : " قلت له تسلطن وعلى نفقة البيعة " .. لم يرد الجوهري.. حدث السلطان نفسه بعجز حرص أن يداريه : " آه.. لو كنت أقدر أن أنتزع قلبه بيدي وأسحقه بقدمي.. آه لكني لا أستطيع أن أمس شعرة من رأسه وإلا فتحت علي نفسي أبواب الجحيم " .. سدد الجوهري نظراته البلهاء نحو عيني السلطان وقال بنبرة باردة تثير الغيظ : " تعلم يا مولاي كم أحبك.. وأنت أدري الناس بما فعلت لأجلسك علي الكرسي.. هذا اتهام ظالم يا مولاي ولدته محاولة للوقيعة بيني وبين جلا لتكم " .. انفجر غضب السلطان وتناثر في جو المجلس : " أتحسبني أبله يا جوهري ؟ وأن كلامك يمكن أن يخدعني ! " زفر بحرقة : " لقد أقر من أردت أن تسلطنه بكل شيء " .. عاجله الجوهري والسخرية تقطر من كلماته : " يا مولاي العذاب ينطق الحجر فيقر بما لم يفعل " .. بهت السلطان.. فتح فاه.. لم يتكلم.. الكلمات تعصاه.. استجمع شظايا نفسه.. قال متظاهراً بالثبات وأنه ما يزال صاحب الأمر " حسناً.. لقد حرمت من أردت أن تسلطنه بدلاً مني من حياته " .. واصل بتشف فاحت رائحته فملأت المكان.. أما أنت فسأحرمك مما هو أغلي من حياتك.. من مالك يا جوهري " .. أشار إلي قائد الشرطة فاقترب.. همس في أذنه : " ضعه في زنزانة الشاعر.. أحسنوا معاملته.. وفروا له أشهي الطعام وألذ الشراب.. سجلوا ما يدور بينه وبين الشاعر من أحاديث " .. اقتاد قائد الشرطة الجوهري برفق.. مشي غير مبال وفي عينيه النظرة البلهاء وعلي شفتيه الإبتسامة الحمقاء.[/align]