الأجراس تدق في القرية
بقلم : إبراهم كامل أحمد
[align=justify]انتزعه من أحضان الغجرية قرع أجراس الكنيسة بعنف وإصرار . . ما زالت النجوم في مواقعها في ساحة السماء . . انضاف إلى إزعاج الأجراس خبط عسكري الحراسة على الباب الخشبي بعصبية وصياحه بفزع طفل تائه: "ياحضرة الضابط . . يا افندم".
لكز الحصان بمهارة الفارس المتمكن ليسرع صوب الكنيسة والعسكر والخفراء يجاهدون لاهثين للحاق به. "أية لعنة حلت بهذه القرية المنسية في حضن الجبل؟ . . لماذا تدق الأجراس بهذا العنف القاسي؟ . . ليست أجراس صلاة برنينها المتبتل!! وليس هذا أوان السيل الكاسح المغرق!! لعنة الله على الواسطة . . آه لو كان لي واسطة لما أبعدوني إلى هذا المنفي المقفر حيث ينفث الملل سمومه في الروح والجسد . . . ".
نغز الحصان مرة أخري بغيظ غاضب . . أجفل المسكين وكاد أن يسقطه من فوق ظهره . . زاد من إسراعه عواء ذئب مقبض مخيف يجاوبه عواء ذئاب في أماكن مختلفة ومتباعدة في قلب الليل . . تحسس مسدسه ليطمئن نفسه التي مسها الرعب الكامن في الظلمات . . التفت ليتأكد من أن العسكر والخفراء مازالوا يتبعونه..
تقدم شيخ الخفراء . . أمسك لجام الحصان ليوقف إندفاعه الجامح . . وجد العمدة يقف بجانب شيخ الجامع وشيخ الرهبان . . جاء رجال من القرية ليستطلعوا السر وراء هذا القرع العنيف للأجراس ومد يد المساعدة في دفع الكارثة التي حلت بالقرية والتي تعلن عنها الأجراس بدقاتها الزاعقة . . اقتحمت أنفه رائحة دخان المشاعل مختلطة برائحة حريق الفراشات وحشرات الليل التي تجذبها أضواء المشاعل فتأكلها النار الجائعة . . تحسر على رائحة عطر الغجرية الرخيص الممتزجة بعرقها . . ترى هل ستنتظره ؟ أم سيعود بها قوادها إلى خيام الخيش المتناثرة على حواشي القرية التي تجاور الجبل . . سنرى. .
اقترب من شيخ الرهبان . . حياه وعيناه تسألان بلهفة . . وضع شيخ الرهبان فمه على أذن الضابط كي يسمعه فهما في مركز ضجيج الأجراس . . "مظلوم ياحضرة الضابط . ." لدغته الدهشة ونهشه الإستغراب . . أكمل شيخ الرهبان ليبدد الحيرة المرتسمة على وجه الضابط" مظلوم قارع الأجراس وحفار القبور . . جن يا حضرة الضابط" . . رسم علامة الصليب . . عبثت الخمر بعقله . . شرب خمس زجاجات خمر ورمانا بها من برج الأجراس" . . نظر الضابط إلى شظايا الزجاج وبعين الشرطي اللاقطة للتفاصيل وإن دقت لاحظ أنها زجاجات خمر أجنبية غالية الثمن . . ارتفع مد عجبه وتلاطمت في نفسه أمواج غضب جهد أن يخفيه عن العيون المحيطة به المعلقة على قسمات وجهه . . تحسر في نفسه" أنا الضابط صاحب النجوم والسلطان أشرب " عرق البلح" وحفار القبور يرشف خمراً فاخرة لذة للشاربين . . ثلاث زجاجات فودكا روسية واثنتان ويسكي اسكتدلندي . . من أين أتى بهم ابن الليئمة؟ سيكون لي معه حديث طويل فيما بعد". . .
واصل شيخ الرهبان كلامه فانقطع حبل حديثه مع نفسه "والمصيبة الكبرى والخطيئة التي لا تغتفر أنه سرق خمر القربان . . الخمر المقدس . . دم المسيح" . . رسم علامة الصليب وملامحه تصرخ بالألم واستبشاع ما جناه "مظلوم" . . ازداد قرع الأجراس عنفاً وجنوناً . . زعق الضابط وقد تملكه الغضب واستولى عليه الهياج" إن لم يتوقف عن قرع الأجراس سأطلق عليه النار" . . قال شيخ الرهبان برجاء وقور" دعني أصعد إليه فأنا خبير بمدواه نفوس الخاطئين" أيده شيخ الجامع وهو يدعو الله مخلصاً أن ينهى هذه المحنة بسلام.
أبي شيخ الرهبان الهرم أن يرافقه أحد . . صعد بمفرده . . الكل خائفون أن تزل قدم الشيخ الذي تآكلته السنون فيهوي إلى الأرض . . شيخ الجامع يدعو بضراعة والرهبان يستيغيثون بالمسيح وأم النور العذراء . . حين وصل الشيخ إلى قمة البرج مرت دقائق بطيئة ثقيلة قبل أن يتوقف قرع الأجراس العنيد . . كبر شيخ الجامع وحمد الله . . سبح الرهبان "هللويا" ليتمجد الله . . صفق الفلاحون وصفق الضابط معهم بعفوية روح القطيع حين رأوا شيخ الرهبان ينزل ممسكاً بيد مظلوم الذي تبعه كالحمل الوديع.
سأله الضباط بلهجة الحاكم الآمر ويده تهوي على قفاه فيتردد صدى الصفعة في السكون الذي خيم على المكان "لما فعلت ذلك ياابن اللئيمة؟" قال مظلوم وهو يرتجف كمن وقع في ماء الترعة في برد طوبة وينقل بصره الزائغ من وجه لآخر "أتاني سيد يلبس ثياباً ناصع بياضها ورائحته زكية . . يعرفني والمسيح . . ناداني باسمي . . تلطف بي وتبسط معي . . أعطاني الزجاجات الخمس . . وقال لي أشرب . . خمر سائغة لذة للشاربين . . شربت وهو يؤانسني . . سبحت صاعداً في العلو . . تركت الأرض . . ارتفعت مخلفاً ورائي القبور ورائحة الموت . . قال لي بعد أن أفرغت الزجاجات في جوفي "الآن اشرب الخمر المقدس وأقرع الأجراس وأيقظ الموتى الذين حفرت لهم القبور فاليوم يوم قيامتهم.. " نهنه مظلوم كخاطئة ترى الحجارة في أيدي المتحفزين لرجمها . . أنتفض وهو يحملق في أعماق الظلام وصرخ "لا تذهب . . لا تتركني وحدي . . لقد فعلت ما أمرتني به".
صاح شيخ الجامع "نعوذ بالله من الشيطان الرجيم إنه لبنى آدم عدو مبين" قال شيخ الرهبان بألم بين في أنفاسه "خدعك الشرير الكذاب ومرغك في وحل الخطيئة" . . غادر الضابط وتبعه الباقون وهم يتعوذون بالله والخوف تملأ رائحته الجو . . ترك الضابط مظلوم لشيخ الرهبان وقد أيقن أنه أمام قضية لا تصلح القوانين الدنيوية لمعالجتها . . انطلق بالحصان ممنياً نفسه أن يجد الغجرية في انتظاره.[/align]
بقلم : إبراهم كامل أحمد
[align=justify]انتزعه من أحضان الغجرية قرع أجراس الكنيسة بعنف وإصرار . . ما زالت النجوم في مواقعها في ساحة السماء . . انضاف إلى إزعاج الأجراس خبط عسكري الحراسة على الباب الخشبي بعصبية وصياحه بفزع طفل تائه: "ياحضرة الضابط . . يا افندم".
لكز الحصان بمهارة الفارس المتمكن ليسرع صوب الكنيسة والعسكر والخفراء يجاهدون لاهثين للحاق به. "أية لعنة حلت بهذه القرية المنسية في حضن الجبل؟ . . لماذا تدق الأجراس بهذا العنف القاسي؟ . . ليست أجراس صلاة برنينها المتبتل!! وليس هذا أوان السيل الكاسح المغرق!! لعنة الله على الواسطة . . آه لو كان لي واسطة لما أبعدوني إلى هذا المنفي المقفر حيث ينفث الملل سمومه في الروح والجسد . . . ".
نغز الحصان مرة أخري بغيظ غاضب . . أجفل المسكين وكاد أن يسقطه من فوق ظهره . . زاد من إسراعه عواء ذئب مقبض مخيف يجاوبه عواء ذئاب في أماكن مختلفة ومتباعدة في قلب الليل . . تحسس مسدسه ليطمئن نفسه التي مسها الرعب الكامن في الظلمات . . التفت ليتأكد من أن العسكر والخفراء مازالوا يتبعونه..
تقدم شيخ الخفراء . . أمسك لجام الحصان ليوقف إندفاعه الجامح . . وجد العمدة يقف بجانب شيخ الجامع وشيخ الرهبان . . جاء رجال من القرية ليستطلعوا السر وراء هذا القرع العنيف للأجراس ومد يد المساعدة في دفع الكارثة التي حلت بالقرية والتي تعلن عنها الأجراس بدقاتها الزاعقة . . اقتحمت أنفه رائحة دخان المشاعل مختلطة برائحة حريق الفراشات وحشرات الليل التي تجذبها أضواء المشاعل فتأكلها النار الجائعة . . تحسر على رائحة عطر الغجرية الرخيص الممتزجة بعرقها . . ترى هل ستنتظره ؟ أم سيعود بها قوادها إلى خيام الخيش المتناثرة على حواشي القرية التي تجاور الجبل . . سنرى. .
اقترب من شيخ الرهبان . . حياه وعيناه تسألان بلهفة . . وضع شيخ الرهبان فمه على أذن الضابط كي يسمعه فهما في مركز ضجيج الأجراس . . "مظلوم ياحضرة الضابط . ." لدغته الدهشة ونهشه الإستغراب . . أكمل شيخ الرهبان ليبدد الحيرة المرتسمة على وجه الضابط" مظلوم قارع الأجراس وحفار القبور . . جن يا حضرة الضابط" . . رسم علامة الصليب . . عبثت الخمر بعقله . . شرب خمس زجاجات خمر ورمانا بها من برج الأجراس" . . نظر الضابط إلى شظايا الزجاج وبعين الشرطي اللاقطة للتفاصيل وإن دقت لاحظ أنها زجاجات خمر أجنبية غالية الثمن . . ارتفع مد عجبه وتلاطمت في نفسه أمواج غضب جهد أن يخفيه عن العيون المحيطة به المعلقة على قسمات وجهه . . تحسر في نفسه" أنا الضابط صاحب النجوم والسلطان أشرب " عرق البلح" وحفار القبور يرشف خمراً فاخرة لذة للشاربين . . ثلاث زجاجات فودكا روسية واثنتان ويسكي اسكتدلندي . . من أين أتى بهم ابن الليئمة؟ سيكون لي معه حديث طويل فيما بعد". . .
واصل شيخ الرهبان كلامه فانقطع حبل حديثه مع نفسه "والمصيبة الكبرى والخطيئة التي لا تغتفر أنه سرق خمر القربان . . الخمر المقدس . . دم المسيح" . . رسم علامة الصليب وملامحه تصرخ بالألم واستبشاع ما جناه "مظلوم" . . ازداد قرع الأجراس عنفاً وجنوناً . . زعق الضابط وقد تملكه الغضب واستولى عليه الهياج" إن لم يتوقف عن قرع الأجراس سأطلق عليه النار" . . قال شيخ الرهبان برجاء وقور" دعني أصعد إليه فأنا خبير بمدواه نفوس الخاطئين" أيده شيخ الجامع وهو يدعو الله مخلصاً أن ينهى هذه المحنة بسلام.
أبي شيخ الرهبان الهرم أن يرافقه أحد . . صعد بمفرده . . الكل خائفون أن تزل قدم الشيخ الذي تآكلته السنون فيهوي إلى الأرض . . شيخ الجامع يدعو بضراعة والرهبان يستيغيثون بالمسيح وأم النور العذراء . . حين وصل الشيخ إلى قمة البرج مرت دقائق بطيئة ثقيلة قبل أن يتوقف قرع الأجراس العنيد . . كبر شيخ الجامع وحمد الله . . سبح الرهبان "هللويا" ليتمجد الله . . صفق الفلاحون وصفق الضابط معهم بعفوية روح القطيع حين رأوا شيخ الرهبان ينزل ممسكاً بيد مظلوم الذي تبعه كالحمل الوديع.
سأله الضباط بلهجة الحاكم الآمر ويده تهوي على قفاه فيتردد صدى الصفعة في السكون الذي خيم على المكان "لما فعلت ذلك ياابن اللئيمة؟" قال مظلوم وهو يرتجف كمن وقع في ماء الترعة في برد طوبة وينقل بصره الزائغ من وجه لآخر "أتاني سيد يلبس ثياباً ناصع بياضها ورائحته زكية . . يعرفني والمسيح . . ناداني باسمي . . تلطف بي وتبسط معي . . أعطاني الزجاجات الخمس . . وقال لي أشرب . . خمر سائغة لذة للشاربين . . شربت وهو يؤانسني . . سبحت صاعداً في العلو . . تركت الأرض . . ارتفعت مخلفاً ورائي القبور ورائحة الموت . . قال لي بعد أن أفرغت الزجاجات في جوفي "الآن اشرب الخمر المقدس وأقرع الأجراس وأيقظ الموتى الذين حفرت لهم القبور فاليوم يوم قيامتهم.. " نهنه مظلوم كخاطئة ترى الحجارة في أيدي المتحفزين لرجمها . . أنتفض وهو يحملق في أعماق الظلام وصرخ "لا تذهب . . لا تتركني وحدي . . لقد فعلت ما أمرتني به".
صاح شيخ الجامع "نعوذ بالله من الشيطان الرجيم إنه لبنى آدم عدو مبين" قال شيخ الرهبان بألم بين في أنفاسه "خدعك الشرير الكذاب ومرغك في وحل الخطيئة" . . غادر الضابط وتبعه الباقون وهم يتعوذون بالله والخوف تملأ رائحته الجو . . ترك الضابط مظلوم لشيخ الرهبان وقد أيقن أنه أمام قضية لا تصلح القوانين الدنيوية لمعالجتها . . انطلق بالحصان ممنياً نفسه أن يجد الغجرية في انتظاره.[/align]