ترقيّة البيادق<sup>(</sup>*<sup>)</sup>
في لعبة الشطرنج الممتعة عملية نادرة الحدوث يمكن أن تحصل للبيدق، تلك القطعة الضعيفة و التي لها خط سير واحد، إلى الأمام فقط، فإذا وصلت إلى الصف الثامن من الرقعة أمكنها الارتقاء إلى رتبة أخرى أعلى و تسمى هذه العملية:"الفرزنة" و نقول:"قد تفرزن البيدق" أي صار وزيرا، أو غيرها من قطع اللعبة وذلك حسب احتياجات اللاعب، و يمكن نظريا أن يكون على رقعة الشطرنج ثمانية وزراء أو تسعة في اللون الواحد إن قدرنا أن البيادق الثمانية يمكنها الترقية إلى رتبة وزير ما دامت تملك حظوظا متكافئة، و في لعبة الشطرنج تمارس الديمقراطية في أوسع معانيها (!) ثم أليست الديمقراطية لعبة ؟و تُختار قطعةُ الوزير عادة في "الفرزنة" لأنها أقوى القطع وأغلاها بعد الملك طبعا، فهي تساوي عشرة بيادق، فالبيدق إذن هو وحدة القياس ؛ و يمكن ترقية البيدق الضعيف إلى قطعة أخرى كالفيل أو الحصان أو الرخ (القلعة) و ذلك حسب الحاجة، حاجة اللاعب المتمرس ؛ و قد يصير عند اللاعب الواحد ثلاثة وزراء و أربعة فيلة و أربعة أحصنة و أربعة رخاخ، و هذا كله نظريا طبعا، أما في الواقع و على الرقعة فلا يحصل هذا أبدا لأن البيادق تهلك أثناء تقدمها ؛ و إن المتمعن في لعبة الشطرنج يلاحظ لا محالة عند تتويج البيدق وزيرا أو تحويله فيلا أو حصانا أو رخا بعد وصوله إلى الصف الثامن بعد جهد جهيد و مشاق و أهوال، فإنه بمجرد بلوغه تلك المرتبة سيتصرف (؟!!!) كالقطعة الأصلية تماما، فيلبس شخصيتها و يتحلى بصفاتها و يعمل عملها، فتزداد اللعبة صعوبة فمتعة.
هذا في الشطرنج ومع قطع صماء عمياء تُحرَّك و تُسيَّر و يُلعب بها أما عند البشر فإن البيادق لما تَرتقي أو تُرقَّى، و هذا هو الصحيح الواقع، فإنها تبقى بيادق صماء عمياء تلبس لبوس الشخصيات المهمة و تتمتع بامتيازات المناصب العالية، لكنها في جوهرها مجرد أحجار على رقعة الشطرنج الكبيرة، الخريطة "الجيوبوليتيك"، تُحرَّك و تُسيَّر و يُلعب بها ثم تهزم بالشاه مات ! و في هذا عبرة لمن أراد أن يعتبر فيتخلص من بيدقيته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
<sup>(</sup>*<sup>)</sup> هذه المقالة من محفوظاتي الصحفية القديمة، نشرتها على صفحات جريدة "الفجر" الجزائرية، العدد 183 ليوم الخميس 24 صفر 1422 الموافق 17 مايو 2001، في ركن "قيم اجتماعية" الذي كنت أكتبه ثلاث مرات في الأسبوع وكنت أعدت نشرتها عام 2014 في بعض المواقع الأدبية العربية.
تعليق