الحضارة هي حرية الصمت!

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد زعل السلوم
    عضو منتسب
    • Oct 2009
    • 746

    الحضارة هي حرية الصمت!

    الحضارة هي حرية الصمت!
    جاءنا منذ خمسين عاما عالم أميركي اسمه روزن وقد تخصص في الأسنان. وقال إن الناس في بلاد السودان، وأواسط أفريقيا عموما، صوتهم هادئ، وأسنانهم سليمة، ولا يعرفون ارتفاع أو انخفاض الضغط. لماذا؟ قال: «ليست عندهم ضوضاء. فالضوضاء تؤدي إلى تسوس الأسنان».
    وقال «أن تكون في مصر مطربة مثل أم كلثوم، فهذه معجزة. فالضوضاء شديدة والهواء فاسد. لذلك، أن تظل حنجرة أم كلثوم بهذه القوة فهي حالة فريدة!».
    وفي فرنسا شكوى عامة من الضوضاء. أنا لم ألحظ ذلك لا الأمس ولا قبلها بسنوات. لكنهم يشكون من الضوضاء. سألوا العشرات، فقالوا: «أجهزة تنبيه السيارات، وصوت العربات وهي تنقل الخبز في ساعة مبكرة من الأفران إلى المحلات الصغيرة». وقالوا: «الجيران»، أي ضوضاء الجيران.. كلاب أو أطفال وراديوهات وتلفزيونات، رغم حرص الناس جميعا على ألا يكون لهم صوت مسموع، وإذا سمعه الجيران، فهمس.
    وقال عدد كبير من السيدات العاملات إن الضوضاء الحقيقية هي التي يسمعنها في الأتوبيسات: المناقشات والحوارات بصوت مرتفع. ولم ألحظ ذلك، لكني أستطيع أن أتصور ما يمكن أن يفعله ثلاثة أو أربعة من العرب - مصريين بصفة خاصة. إنهم إذا جلس واحد منهم إلى جوار السائق والثاني إلى جوار باب النزول فإنهما يتحاوران وتخترق عباراتهما كل المحاورات الهامسة داخل الأتوبيس!
    ويوم اكتسح الراديو (الترانزستور) أوروبا أعلنت فرنسا تحريمه في الحدائق العامة. والسبب هو: حرية الصمت. فكما أن من حقك أن تتكلم فمن حقي ألا أستمع إليك أو إلى أي أحد. قال الفيلسوف الألماني شوبنهور: «إن الحضارة ليست فقط حرية الكلام، وإنما حرية الصمت أيضا! أن تسكت، وأن تتأمل، وأن تدعني أفعل مثلك أيضا!».
    الآن أعرف معنى العذاب والبهدلة التي يلقاها السائح الفرنسي إذا شاء حظه وجاء إلى القاهرة. لذلك فهم يفضلون زيارة موتانا الفراعنة لأنهم قد سكتوا منذ ألوف السنين، وحريصون على أن يظلوا كذلك!
    سمير عطا الله
    الشرق الأوسط
يعمل...