مفردات مسيئة لفلسطين باسمها آخر تحديث:الاثنين ,26/07/2010
عبد الاله بلقزيز
يبدو بعض الكلام في وصف جريمة الحصار الصهيوني لغزة قريباً من اقتراف الخطيئة في حق شعب فلسطين ووحدة نسيجه الوطني والاجتماعي، وفي جملة بعض ذلك الكلام الخطير مفردات مشبوهة من قبيل “شعب غزة” . فنحن نقرأ العبارة هذه لعشرات المرات في اليوم الواحد: في المقالات الصحافية، وفي التقارير الإخبارية، وتطرق أسماعنا في كل ساعة في نشرات الأخبار المبثوثة من الفضائيات، ونطالعها مُثْبَتَة على لافتات تجوب الشوارع أثناء مظاهرات المساندة ومسيراتها . . . إلخ . وشيئاً فشيئاً، تختفي عبارة الشعب الفلسطيني لتحلّ محلّها عبارة “شعب غزة” . ومع كرور الأيام، وتواتر اللفظة المشبوهة، قد ينشأ جيل جديد يعتاد عليها فلا يعرف من قضية فلسطين سوى مظلومية “شعب غزة” .
يقترف الخطيئة فريقان من الفلسطينيين والعرب: أولهما يريد بالعبارة تمييزاً بين أهالي غزة الذين يطحنهم الحصار الصهيوني القاتل وبين سلطة (“غير مشروعة” و”انقلابية”) “تُتَاجِر” بمعاناتهم ولا يصيبها نصيبٌ من تلك المعاناة . . . إلخ . وثانيهما يريد بها التشديد على الكيان السياسيّ القائم في غزة، وتلميع صورة السلطة فيه، من طريق الإيحاء بأنها وحدها التي تخوض معركة مع “إسرائيل” وتتلقى العقاب على رفضها للتسوية . والفريقان معاً - على اختلاف بينهما في السياسة والخيارات - يتفقان في تزوير المعنى الوطني العميق لقضية فلسطين .
لقد أنجب الانشقاق السياسي والجغرافي الفلسطيني انشقاقاً لغويَّاً، أعني في مفردات السياسة والعمل الوطني، فانتقلت عدواه إلى خطاب عربيّ بَدَا منقسماً في تعريف قضية فلسطين وشعبها حيث كان عليه أن يكون موحَّداً أكثر من ذي قبل، ولو من باب استيعاب الانقسام الفلسطيني . ثم ما لبثت تجزئة الشعب بمثل هذه المفردات النكراء أن قَوِيَ شأنها واشتد صوتها الفلسطيني الأصل يخفق أو يذوب في مصهر الضجيج العربي المساند . وإذا كان الفريق الفلسطيني الذي راقَه التعبير، إمّا لأنه يُمَاهِي بينه والشعب وإما أنه يشدّد على خصوصية غزة، لم يصحِّح هذا الانحراف الخطير في التعريف ولا نبَّهَ أحداً عليه، فإن للفريق الفلسطيني الثاني - على ما في خياراته السياسية من سوء - بعض التفوُّق المعنوي في هذا الشأن، فهو - على الأقل - ما ارتكب خطيئة الحديث عن “شعب الضفة الغربية” كما فعل الأول مخترعاً “شعبه” الخاص .
يكاد المرء منّا، وهو يتسمّع إلى عبارة “شعب غزة” تتردّد في المسيرات وعلى ألسنة فرسان الفضائيات من “مثقفين” وإعلاميين وبعض خطباء منابر السياسة ومساجد الله، أن مستعمليها مغفَّلون وأنْ لا وعي سياسيَّاً لهم، أو - في أقل الظن - أن رنين عبارة الشعب يأخذهم إلى مثل هذا الارتكاب من دون حسبان عقابيله . وليس يتمنى المرء، في مثل هذه الحال، سوى أن يكون الأمر غفلة وقلّة حساب، وإلا فإن حَمْلَه على القصدية شأن خطير ومخيف، وهو ما نستبعده ونرجو أن يكون كذلك: مستبعداً . وفي الحالين، تكون النتيجة واحدة: التبرُّع للكيان الصهيوني بما يدعم مخططه الشيطاني لتجزئة الشعب والقضية إلى شعوب وقضايا وجبهات ومسارات، على نحو نجاحه في تجزئة الصراع العربي الصهيوني إلى صراعات مع دول وشعوب وجبهات ومسارات مختلفة . ومَن يُدْرينا أن يكون هناك من ينتظر فرصة قطف ثمار هذا كلّه على صعيد السياسة الدولية، فيدفع نحو تجزئة القضية والشعب في الأمم المتحدة ومجلس الأمن والقرار الدولي، فنصحو يوماً على قرارات تقرّر مصير غزة بمعزل عن الضفة أو العكس .
على هذه الثرثرة الجوفاء أن تتوقف فَيُدرِك الخائضون فيها أنهم إنما يسيئون إلى وحدة الشعب الفلسطيني بما يقولون . ليس في فلسطين “شعب غزة” ولا يحزنون، وإنما فيها شعب واحد يقيم أبناؤه بين غزة والضفة الغربية والجليل والمثلث والنقب ويفصل بينهم التمزيق الصهيوني لوحدة الجغرافيا السياسية الفلسطينية والانقسام السياسي بين سلطتي غزة ورام الله .
وفي فلسطين الصغرى (الضفة والقطاع) سلطتان وشعب واحد . لا يجوز قسمة الشعب على السلطتين تحت أيّ ظرف . إذا كانت السلطة الواحدة (سلطة أوسلو غير الوطنية وغير الشرعية) قد انقسمت على نفسها وباتت سلطتين، وإذا كانت الحركة الوطنية قد انقسمت إلى قبيلتين سياسيتين (“فتح” و”حماس”) تعتركان على فتات مائدة “اتفاق أوسلو” المشؤوم، فإن وحدة الشعب - والقضية - مقدّسة، ومن يعبث بها ابتغاء مرضاة حِزبه وجمهوره فكأنما ينفّذ - بيدٍ فلسطينية - مشروعاً “إسرائيلياً” . أما المردّدون لعبارات تقسيمية مشبوهة مثل “شعب غزة”، فعليهم أن يرحموا هذا الشعب المكلوم بالاحتلال والانقسام والظلم، وعلى الذين يصوغون لهم مثل هذه الشعارات المشبوهة في شوارع المدن العربية أن يحكّموا عقولهم وضمائرهم فلا يتَّجروا سياسياً بقضية شعب هي الأقدس في تاريخ العرب والمسلمين .
عبد الاله بلقزيز
يبدو بعض الكلام في وصف جريمة الحصار الصهيوني لغزة قريباً من اقتراف الخطيئة في حق شعب فلسطين ووحدة نسيجه الوطني والاجتماعي، وفي جملة بعض ذلك الكلام الخطير مفردات مشبوهة من قبيل “شعب غزة” . فنحن نقرأ العبارة هذه لعشرات المرات في اليوم الواحد: في المقالات الصحافية، وفي التقارير الإخبارية، وتطرق أسماعنا في كل ساعة في نشرات الأخبار المبثوثة من الفضائيات، ونطالعها مُثْبَتَة على لافتات تجوب الشوارع أثناء مظاهرات المساندة ومسيراتها . . . إلخ . وشيئاً فشيئاً، تختفي عبارة الشعب الفلسطيني لتحلّ محلّها عبارة “شعب غزة” . ومع كرور الأيام، وتواتر اللفظة المشبوهة، قد ينشأ جيل جديد يعتاد عليها فلا يعرف من قضية فلسطين سوى مظلومية “شعب غزة” .
يقترف الخطيئة فريقان من الفلسطينيين والعرب: أولهما يريد بالعبارة تمييزاً بين أهالي غزة الذين يطحنهم الحصار الصهيوني القاتل وبين سلطة (“غير مشروعة” و”انقلابية”) “تُتَاجِر” بمعاناتهم ولا يصيبها نصيبٌ من تلك المعاناة . . . إلخ . وثانيهما يريد بها التشديد على الكيان السياسيّ القائم في غزة، وتلميع صورة السلطة فيه، من طريق الإيحاء بأنها وحدها التي تخوض معركة مع “إسرائيل” وتتلقى العقاب على رفضها للتسوية . والفريقان معاً - على اختلاف بينهما في السياسة والخيارات - يتفقان في تزوير المعنى الوطني العميق لقضية فلسطين .
لقد أنجب الانشقاق السياسي والجغرافي الفلسطيني انشقاقاً لغويَّاً، أعني في مفردات السياسة والعمل الوطني، فانتقلت عدواه إلى خطاب عربيّ بَدَا منقسماً في تعريف قضية فلسطين وشعبها حيث كان عليه أن يكون موحَّداً أكثر من ذي قبل، ولو من باب استيعاب الانقسام الفلسطيني . ثم ما لبثت تجزئة الشعب بمثل هذه المفردات النكراء أن قَوِيَ شأنها واشتد صوتها الفلسطيني الأصل يخفق أو يذوب في مصهر الضجيج العربي المساند . وإذا كان الفريق الفلسطيني الذي راقَه التعبير، إمّا لأنه يُمَاهِي بينه والشعب وإما أنه يشدّد على خصوصية غزة، لم يصحِّح هذا الانحراف الخطير في التعريف ولا نبَّهَ أحداً عليه، فإن للفريق الفلسطيني الثاني - على ما في خياراته السياسية من سوء - بعض التفوُّق المعنوي في هذا الشأن، فهو - على الأقل - ما ارتكب خطيئة الحديث عن “شعب الضفة الغربية” كما فعل الأول مخترعاً “شعبه” الخاص .
يكاد المرء منّا، وهو يتسمّع إلى عبارة “شعب غزة” تتردّد في المسيرات وعلى ألسنة فرسان الفضائيات من “مثقفين” وإعلاميين وبعض خطباء منابر السياسة ومساجد الله، أن مستعمليها مغفَّلون وأنْ لا وعي سياسيَّاً لهم، أو - في أقل الظن - أن رنين عبارة الشعب يأخذهم إلى مثل هذا الارتكاب من دون حسبان عقابيله . وليس يتمنى المرء، في مثل هذه الحال، سوى أن يكون الأمر غفلة وقلّة حساب، وإلا فإن حَمْلَه على القصدية شأن خطير ومخيف، وهو ما نستبعده ونرجو أن يكون كذلك: مستبعداً . وفي الحالين، تكون النتيجة واحدة: التبرُّع للكيان الصهيوني بما يدعم مخططه الشيطاني لتجزئة الشعب والقضية إلى شعوب وقضايا وجبهات ومسارات، على نحو نجاحه في تجزئة الصراع العربي الصهيوني إلى صراعات مع دول وشعوب وجبهات ومسارات مختلفة . ومَن يُدْرينا أن يكون هناك من ينتظر فرصة قطف ثمار هذا كلّه على صعيد السياسة الدولية، فيدفع نحو تجزئة القضية والشعب في الأمم المتحدة ومجلس الأمن والقرار الدولي، فنصحو يوماً على قرارات تقرّر مصير غزة بمعزل عن الضفة أو العكس .
على هذه الثرثرة الجوفاء أن تتوقف فَيُدرِك الخائضون فيها أنهم إنما يسيئون إلى وحدة الشعب الفلسطيني بما يقولون . ليس في فلسطين “شعب غزة” ولا يحزنون، وإنما فيها شعب واحد يقيم أبناؤه بين غزة والضفة الغربية والجليل والمثلث والنقب ويفصل بينهم التمزيق الصهيوني لوحدة الجغرافيا السياسية الفلسطينية والانقسام السياسي بين سلطتي غزة ورام الله .
وفي فلسطين الصغرى (الضفة والقطاع) سلطتان وشعب واحد . لا يجوز قسمة الشعب على السلطتين تحت أيّ ظرف . إذا كانت السلطة الواحدة (سلطة أوسلو غير الوطنية وغير الشرعية) قد انقسمت على نفسها وباتت سلطتين، وإذا كانت الحركة الوطنية قد انقسمت إلى قبيلتين سياسيتين (“فتح” و”حماس”) تعتركان على فتات مائدة “اتفاق أوسلو” المشؤوم، فإن وحدة الشعب - والقضية - مقدّسة، ومن يعبث بها ابتغاء مرضاة حِزبه وجمهوره فكأنما ينفّذ - بيدٍ فلسطينية - مشروعاً “إسرائيلياً” . أما المردّدون لعبارات تقسيمية مشبوهة مثل “شعب غزة”، فعليهم أن يرحموا هذا الشعب المكلوم بالاحتلال والانقسام والظلم، وعلى الذين يصوغون لهم مثل هذه الشعارات المشبوهة في شوارع المدن العربية أن يحكّموا عقولهم وضمائرهم فلا يتَّجروا سياسياً بقضية شعب هي الأقدس في تاريخ العرب والمسلمين .
تعليق