عن الزر الذ يتحكم بحياتنا وينسينا اننا نكبسه فنراه هو الذي يكبسنا كتبت موضوعي هذا
كبسة زر
::::: هدى الدهان
<!-- detail --><!-- cartouche -->بكبسة زر تغير محطة من بين مئات المحطات التي تتقلب بين أصابعك، واحدة تلو الأخرى، وكلّك امتعاض مما يعرض أمامك، ولا تجرؤ على الانتقاد، فسبق أن سمعت الجواب الشافي: " إذا لم يعجبك ما ترى وأزعج أذنيك ما تسمع لا تنتقد؛ ببساطة غير المحطة " بكبسة زر، فبالتالي غيرنا وخرسنا.
وبكبسة زر تفتح الحاسوب؛ وبكبسة زر تغلق عالمك الحقيقي لتدخل عالمك الافتراضي وتصول وتجول ربما في مواقع تخجل منها صباحا عندما تتذكر (للاحتفاظ على الأقل باحترامك لنفسك ) الوقت الذي أمضيته في تصفح صور ومواضيع كنت قبل ساعات تعدها تافهة وسخيفة أو ربما محرم.
وتستطيع أن تدخل متخفيا إلى مواقع فيها أصدقاؤك فتراهم ولا يرونك ومن ثم يزعجونك، فآخر ما تحتاجه الآن هو سؤال "كيف الحال؟" في عالم المُحال هذا.
تهرب من الزيارة الودية لبيت الصديق إلى حجة السؤال عنه بالهاتف، ثم تجد مخرجا أفضل هو بطاقة صغيرة على بريده الإلكتروني وينتهي الأمر، فقد أديت واجبك وعلى الأقل تذكرته. وبكبسة زر تخرج من هذا العالم وبأخرى تغلق الحاسوب كله.
وإذا كنا لا نمتلك رفاهية الخدم وإعطاء الأوامر لأناس حقيقيين فبكبسة زر نغسل الملابس، وبأخرى نعصر البرتقالة، وبأخرى نضرم النار لفنجان قهوة.
اعتدنا ضربة الإصبع ونسينا اللسان والقلم. اعتدنا إعطاء الأوامر دون التفكير في أدنى الاحتمالات لرفض الآخر أو لأسباب رفضه فليس من حقه حتى التفكير. نسينا النقاش والإقناع بهدوء.
تناسينا جرح الكلمة حين نطلقها وكأن الذي أمامنا كالحاسوب يسمع الشتيمة ولا يُحسها لو أطلقتها عليه حين يخرج لك ساعته الرملية مطالبا إياك بالانتظار حتى يستكمل فتح البرنامج ويطول انتظارك.
نسينا أن أمامنا إنساناً ربما يزلّ بكلمة في ساعة غضب أو يصرخ ليفجر كبتا طفولياً، وواجبنا تهدئته أو الاستماع إليه، أو في أدنى ظروف الاحتمال أن نترك ساحة المعركة له وحده ونلوذ بسقف آخر.
نسينا أنه ليس هناك محطات تلفاز ترى علامات القرف أو الملل على وجوهنا ونحن نصفعها الواحدة تلو الأخرى ونقلب ما بينها ولا نختار أيا منها، فلا يوجد ما يرقى إلى أذهاننا، أو ربما لنا الحق، فقد نكون في حال نحن بحاجة فيها إلى مواساة وما نراه يحتاج لأن نبكي منه وعليه.
أنسانا الزر قلب الآخر، ورغباته ورفضه وحبه الحقيقي وعيوبه كأي بشر وآلامه كأي إنسان يحس ويبكي.
ولا يقتصر الحال على العرب، ففي أحد البرامج الأجنبية تناولوا موضوع رد بعض الرجال على زوجاتهم بالرسالة النصية للسؤال عن حاله حيث يكتفي بالحرف K ، أي أن حضرته استثقل أن يكتب لها حرفين (Ok). هل لأن الرجل لا يحب الثرثرة؟ مشغول ؟ ربما.أين الخاتم؟ وأين الورود؟ أين الاحتضان والاطمئنان؟ أين التفهم والنقاش وحرية رأي الآخر؟ لماذا إما راضخ لنا أو متمرد علينا؟
ربما لولا هذه الأزرار لأحسسنا بفراغ فظيع في حياتنا، هذا لأننا لم نملأها بشيء بقدرها. حين يعطل احدها نحتار، وأول همنا واهتماماتنا هو إصلاحه مهما كلف الأمر من مال. ماذا عن الإنسان، الآخر حين يتألم؟ حين يمرض؟ حين يتدلل ليستميل المزيد من الاهتمام؟ في هذه الحالات يكون حالماً متبطراً إذا كان رجلاً، ونقاقة نكدية مملة إذا كانت امرأة.
أصبح الزر هو الملك والسبابة هي الصولجان. نأمر بها ونشير بها دالين الآخر على ما نريد، أو ملقين الأوامر، أو متوعدينه بـ ... وبـ .... وبـ ...
انتهى اليوم. لنكبس الزر ونطفئ الضوء.
موضوع منشور في مجلة عود الند- مجلة ثقافية ادبية
كبسة زر
::::: هدى الدهان
<!-- detail --><!-- cartouche -->بكبسة زر تغير محطة من بين مئات المحطات التي تتقلب بين أصابعك، واحدة تلو الأخرى، وكلّك امتعاض مما يعرض أمامك، ولا تجرؤ على الانتقاد، فسبق أن سمعت الجواب الشافي: " إذا لم يعجبك ما ترى وأزعج أذنيك ما تسمع لا تنتقد؛ ببساطة غير المحطة " بكبسة زر، فبالتالي غيرنا وخرسنا.
وبكبسة زر تفتح الحاسوب؛ وبكبسة زر تغلق عالمك الحقيقي لتدخل عالمك الافتراضي وتصول وتجول ربما في مواقع تخجل منها صباحا عندما تتذكر (للاحتفاظ على الأقل باحترامك لنفسك ) الوقت الذي أمضيته في تصفح صور ومواضيع كنت قبل ساعات تعدها تافهة وسخيفة أو ربما محرم.
وتستطيع أن تدخل متخفيا إلى مواقع فيها أصدقاؤك فتراهم ولا يرونك ومن ثم يزعجونك، فآخر ما تحتاجه الآن هو سؤال "كيف الحال؟" في عالم المُحال هذا.
تهرب من الزيارة الودية لبيت الصديق إلى حجة السؤال عنه بالهاتف، ثم تجد مخرجا أفضل هو بطاقة صغيرة على بريده الإلكتروني وينتهي الأمر، فقد أديت واجبك وعلى الأقل تذكرته. وبكبسة زر تخرج من هذا العالم وبأخرى تغلق الحاسوب كله.
وإذا كنا لا نمتلك رفاهية الخدم وإعطاء الأوامر لأناس حقيقيين فبكبسة زر نغسل الملابس، وبأخرى نعصر البرتقالة، وبأخرى نضرم النار لفنجان قهوة.
اعتدنا ضربة الإصبع ونسينا اللسان والقلم. اعتدنا إعطاء الأوامر دون التفكير في أدنى الاحتمالات لرفض الآخر أو لأسباب رفضه فليس من حقه حتى التفكير. نسينا النقاش والإقناع بهدوء.
تناسينا جرح الكلمة حين نطلقها وكأن الذي أمامنا كالحاسوب يسمع الشتيمة ولا يُحسها لو أطلقتها عليه حين يخرج لك ساعته الرملية مطالبا إياك بالانتظار حتى يستكمل فتح البرنامج ويطول انتظارك.
نسينا أن أمامنا إنساناً ربما يزلّ بكلمة في ساعة غضب أو يصرخ ليفجر كبتا طفولياً، وواجبنا تهدئته أو الاستماع إليه، أو في أدنى ظروف الاحتمال أن نترك ساحة المعركة له وحده ونلوذ بسقف آخر.
نسينا أنه ليس هناك محطات تلفاز ترى علامات القرف أو الملل على وجوهنا ونحن نصفعها الواحدة تلو الأخرى ونقلب ما بينها ولا نختار أيا منها، فلا يوجد ما يرقى إلى أذهاننا، أو ربما لنا الحق، فقد نكون في حال نحن بحاجة فيها إلى مواساة وما نراه يحتاج لأن نبكي منه وعليه.
أنسانا الزر قلب الآخر، ورغباته ورفضه وحبه الحقيقي وعيوبه كأي بشر وآلامه كأي إنسان يحس ويبكي.
ولا يقتصر الحال على العرب، ففي أحد البرامج الأجنبية تناولوا موضوع رد بعض الرجال على زوجاتهم بالرسالة النصية للسؤال عن حاله حيث يكتفي بالحرف K ، أي أن حضرته استثقل أن يكتب لها حرفين (Ok). هل لأن الرجل لا يحب الثرثرة؟ مشغول ؟ ربما.أين الخاتم؟ وأين الورود؟ أين الاحتضان والاطمئنان؟ أين التفهم والنقاش وحرية رأي الآخر؟ لماذا إما راضخ لنا أو متمرد علينا؟
ربما لولا هذه الأزرار لأحسسنا بفراغ فظيع في حياتنا، هذا لأننا لم نملأها بشيء بقدرها. حين يعطل احدها نحتار، وأول همنا واهتماماتنا هو إصلاحه مهما كلف الأمر من مال. ماذا عن الإنسان، الآخر حين يتألم؟ حين يمرض؟ حين يتدلل ليستميل المزيد من الاهتمام؟ في هذه الحالات يكون حالماً متبطراً إذا كان رجلاً، ونقاقة نكدية مملة إذا كانت امرأة.
أصبح الزر هو الملك والسبابة هي الصولجان. نأمر بها ونشير بها دالين الآخر على ما نريد، أو ملقين الأوامر، أو متوعدينه بـ ... وبـ .... وبـ ...
انتهى اليوم. لنكبس الزر ونطفئ الضوء.
موضوع منشور في مجلة عود الند- مجلة ثقافية ادبية