HR. SYS 1/1
93/18
1871.12.14
الباب العالي- دائرة الصدارة صورة
سبق وأن أوضحت في بعض معروضاتي السابقة حول موضوع نجد أن جهلنا بأحوال وأوضاع تلك المناطق والعادات الجارية لدى سكانها يجعل سفري إلى هناك أمرا لابد منه للإطلاع على أحوالها وإبداء الرأي الصحيح والرد بالمعلومات اللازمة على كل سؤال . وفي الكتاب الذي جاء به سعادة القائد نافذ باشا وقدمه شخصيا إشارة إلى ضرورة التعجيل بالسفر إلى هناك ، وعلى الوجه الذي بينته برقيا فيما بعد، فقد تحركنا من بغداد في أواسط شعبان. هذا وإن كانت الفرقة العسكرية بنجد التي هي عبارة عن ستة طوابير مشاة وعدد من المدفعية والفرسان ،وثلاث قطعات من الضبطية المشاة والفرسان كافية، فبموجب قرار سابق بإبلاغ عدد الطوابير إلى ثمانية وسحب الطوابير المرسلة سابقا على مراحل واستبدالها بغيرها، اصطحبنا طابورين من العساكر النظامية ، كما تم تحميل المؤن والمهات التي تلزمهم وتلزم الفرقة العسكرية هناك إلى سفينتي لبنان والإسكندرية الحربيتين وسفينة بابل ، وأبحرنا بها جميعا إلى الكويت ومن هناك إلى الأحساء عن طريق مرسى عجير. وبالهمم والجهود المستمرة لنافذ باشا وسائر الأمراء والضباط فإن نظام وانتظام وراحة واطمئنان العساكر السلطانية على ما يرام ، خاصة وأنه في الفترة الأخيرة قام طابوران من الفرقة العسكرية مزودتان ببنادق ذات إبر بالتعرض لسبعة أو ثمانية آلاف من عربان العجمان والمرة وسائر الأشقياء الذين يتعاونون مع سعود الفيصل في مقاومة العساكر السلطانية،وحصلت بين الجانبين معركة قتل فيها حوالي ستمائة من الأشقياء وجرح أكثر رجالهم ولاذ البقية بالفرار .واستشهد من الجنود اثنان وجرح سبعة أو ثمانية. فزاد سرور العساكر السلطانية وارتفعت معنوياتهم وزادت شجاعتهم ، كما كان فرح الأهالي الذين ضاقت بهم سبل العيش بسبب اعتداءات العجمان والمرة كبيرا. وهواء الأحساء طيب ومعتدل في موسمي الصيف والشتاء ولا تتجاوز نسبة المرضى منهم واحدا في المائة . ولكن من المعتاد أن يظهر مرض الحمى في موسم الخريف وعلى مدى شهرين. لذلك فقد ظهر هذا المرض الآن وصار ربع أو ثلث أكثر الطوابير مصابا بهذا المرض ، وهذا ناشئ من الأماكن الرطبة. لذلك فإن الأماكن المرتفعة مثل قلعتي حزام وصاهود سالمة دوما بالتجربة، فتم نقل العساكر الموجودة إلى مثل تلك الأماكن كما أرسل المرضى بعد تزويدهم بتقارير طبية إلى العراق للنقاهة . وفي هذه الفترة تم استبدال جنود عام واحد وثمانين ، وأجري للجنود تدريب على الرمي في الصحراء بين الهفوف والمبرز. وبعد الإقامة في الأحساء مدة خمسة عشر يوما أنجز خلالها كثير من المصالح العسكرية والمدنية ، توجهنا برا إلى القطيف وأنجزنا فيها الأمور اللازمة ، وعدنا إلى بغداد في اليوم الثاني والستين من السفر. وكما أن عرض المعلومات المتعلقة بمواقع الأحساء والقطيف وأحوال الجنود فيها ذو أهمية كبيرةومن الأمور الضرورية، فإنه من الأهمية والضرورة بمكان البحث عن الأحوال الجغرافية لهذه المناطق المهملة منذ أمد ،وبيان أماكنها ومواقعها التي لايمكن أن تشبه أحوال وأوضاع الأماكن الأخرى من بلادنا.
ولضرورة التفصيل في ذلك ،مع عدم تصديع الرؤوس في مثل هذه الأمور المجردة بهذا التقرير فقد قدمنا تقريرا مفصلا فيها مرفقا بتقريرنا هذا يبين كل شيء عن هذه المناطق.
أما عن الإدارة المدنية في هذه الأماكن فكما هو معلوم معاليكم ،فإنه بسبب هجوم سعود على أخيه عبد الله الفيصل وتغلبه عليه والتدخل الأجنبي في هذا الموضوع فإن عبد الله الفيصل قد استعان في العام الماضي بالدولة فطرد خصمه سعود .وصرف كثير من الجهود لتأييد مهمة ومأمورية عبد الله الفيصل ،ولدى وصول العساكر المرسل من بغداد إلى سواحل جزيرة العرب ، جاء عبد الله الفيصل مع أنصاره وتم الاتفاق على عودته مع الفرقة العسكرية، لكن العساكر السلطانية توجهت إلى القطيف بدلالة عبد الله الصباح قائمقام الكويت وأنصاره ، ومنها إلى الأحساء ، وإلى أن تمركزت في القلاع وتلك البقاع ،بقي عبد الله الفيصل في الرياض بحالة موحشة ضد اعتداءات أخيه سعود أحيانا والبدو المعارضين له أحيانا أخرى. وقد أرسلت له وكذلك القائد المشار اليه العديد من الرسائل، وحصل تردد في البداية وأخيرا اقترح عليه أن ترسل إليه العساكر لمرافقته عند القدوم . ولاستحالة استخدام مثل هذه الرجل الموحش في العمل الوظيفي فقد تعين اعلان عزله فورا . ولكن الإعلان في البداية عن أن مهمة العساكر هو التأييد والتأكيد على قائمقامية عبد الله ، ثم عزله غيابيا سيؤدي بكل تأكيد إلى نتائج سيئة ،خاصة بين العربان والعشائر الذين يراقبون الوضع عن كثب. لذلك فقد استمرت المحاولات لجلبه وإرضائه . لكنه غُلب في المعارك والاشتباكات الأخيرة بينه وبين سعود ، ولم يبق له مكان يأوي اليه فجاء فورا إلى الأحساء والتجأ إلى الفرقة العسكرية. ومع أنه نجا من الوقوع في قبضة خصمه، فقد كان مفهوما أن يفكر مرة أخرى في محاولة الاستقلال. لكننا حرصنا على ألا نكون نحن السبب في الإخلال بالوعد السابق ،فقد قبلنا بصفته القائمقام ولقي الاحترام الفائق وخصص له راتب شهري قدره ألف ومائتا ريال بالإضافة إلى المصاريف اليومية له ولأخيه محمد الفيصل وأتباعهما. ولجوء عبد الله إلى الفرقة العسكرية على هذه الصورة ضاعف من حنق وغيظ سعود، ومع أن أنصار عبد الله في الرياض طردوا سعود ،لكنه استغل غياب عبد الله فاستمال أنصاره من الحضر والبدو خارج الرياض، فظن سعود بأنه يمتلك القوة الكافية خاصة إذا أضفنا إليهم أكثر من سبعة أو ثمانية آلاف من عشائر العجمان والمرة التابعة له. فتوجه إلى الأماكن القريبة من الأحساء وهو يخطط للإغارة على الأحساء والقبض على عبد الله ومحاربة العساكر ونهب تلك المناطق. وعلى الوجه الذي ذكرناه سابقا فقد توجه إليه طابوران مزودان بالبنادق ذات الإبر ،فقتل من أنصاره أكثر من ستمائة وانهزم الباقون. وسر عبد الله بالضربة التي وجهت إلى سعود وبالتنكيل بأنصاره سرورا عظيما.
وهنأ الجنود المشتركين في العملية فردا فردا معربا لهم عن تقديره للشجاعة التي أبدوها في هذه العملية. كما أرسل إلى بغداد رسالة شكر بذلك ،ومع ذلك فإنه بعد أن تخلص من هجوم واعتداءات خصمه صار علماء الوهابية الذين يكفرون غيرهم من الناس في الرياض ويعملون على إضلال خلق الله يرسلون سيلا من الرسائل إلى المذكور في محاولة لتنفيره. وقبل وصولي إلى هناك بحوالي ثمانية أو عشرة أيام قام الموما اليه عبد الله ومعه محمد الفيصل الذي تخلص من سجن سعود بمساعدة العساكر السلطانية، وكذلك الأتباع الذين كانوا معه بمغادرة الأحساء والعودة إلى الرياض. وورد في الرسالة التي أرسلها الموما اليه بعد ذلك من الرياض إلى القائد المشار إليه، بأنه بالرغم نشر إعلانات قبل ثلاثة شهور ببيان ن ثبوت مظالم وتعديات آل الفيصل وأن قائمقاميتهم غير مقبولة من قبل الدولة ، وأنه بعد استعانته بالعساكر، وقدوم هذه العساكر وطردها لسعود والتأكيد على قائمقاميته وأن ذلك تم بسحب القوة العسكرية ، فإن نشر وإعلان ذلك على هذا الوجه قد أساء إلى سمعته وشرفه ، فاضطر للعودة إلى الرياض.وأنه على كل حال عبد مطيع لأمر وإرادة الدولة العلية . لكننا أوضحنا في رسالتنا إليه، بأنه ليس في نيتنا طرده أو طرد آل الفيصل من منصب القائمقامية كليا ، لكن أهالي مناطق الأحساء والقطيف اشتكوا من مظالمه ومن مظالم الموظفين الذين عينهم بمرارة وثبتت صحة شكواهم وأنه إذا أعيد هؤلاء إلى حكم الأحساء والقطيف فإن كافة الأهالي مستعدون للهجرة وأنهم أعربوا عن ذلك للموما اليه عبد الله بحضور القائد الباشا،وأن عليه بعد هذا ألا يطالب بحكم الأحساء وقطر والقطيف ويكتفي بحكم الرياض وملحقاتها ، وأنه في حال قدومه إلى الأحساء خلال خمسة عشر يوما فإن قائمقامية المحلات خارج الرياض والقطيف وقطر ستعاد إلى عهدته كما في السابق ، أو الإعلان عن عزله في حالة عدم قدومه خلال هده الفترة. ومع أن عدم قدومه مؤكد فقد اختير التريث والانتظار كيلا تبقى حجة لأحد ، ويعرف الناس سقوط حقه. ولم يرد الجواب خلال المدة المحددة ، ولكن جاء في الرسالة التي أرسلها مباشرة في تاريخ لاحق بأنه إذا أبقي منصب القائمقامية في عهدته بصورة مطلقة فسيكون بالخدمة ، وفي حالة عدم ذلك فقد طلب تعيين رجل آخر مكانه مع بيان أن جسمه المريض لايتحمل مشاغل هذا المنصب. ولكن باعتبار أنه من غير الممكن استخدام رجل توحش من مأمورية وخدمة الدولة وسافر، ولم يعد في الوقت المطلوب ،فإن تركه المكان ومغادرته إلى جهة أخرى بالرغم من مظاهر الاحترام والرعاية التي كان يلقاها ،أسقط حقه في هذا المنصب ، بالإضافة إلى أن ما بينه من التعلل بالمرض الجسماني يعتبر طلبا للاستقالة ، فصدر الإعلان بعزله فورا وترك إلى القائد المشار إليه أمر إرسال تعليمات إلى أربع وعشرين بلدة ومدينة وقرية وعشيرة كالرياض وجبل شمر وعنيزة وبريدة وغيرها بإسناد حكم تلك المناطق إلى شيوخها ريثما يعين قائمقام جديد.
ولما كان من أهم الأمور تقدير التوقعات على ضوء الأحوال الحاضرة وكيفية مواجهة هذه التوقعات ومعرفة كيفية تصرف الفرقة العسكرية ، فإنني لجأت إلى بيان رأيي القاصر في هذا الموضوع. ذلك بأن خلال سوق الفرقة العسكرية سابقا والتدابير والتحركات المتخذة والمنفذة قد تجاوزت حدود الطلب الذي تقدم به عبد الله الفيصل بطلب العون. أي أن عبد الله الفيصل طلب الجنود في حدود عدة طوابير لمجرد أن يظهر قوته أمام أخيه سعود ، ثم تعود القوات المرسلة من حيث أتت.لكن قدوم خمسة أو ستة طوابير برا وسيرها باتجاه القطيف والأحساء وتمركزها في القلاع هناك لم يكن في حسبان عبد الله ، لذلك فإن إيجاد الصعوبات ضد هذه التحركات، كما أن رغبة سعود في جمع أتباعه وإظهاره المقاومة والممانعة كانت متوقعة ،لكن القتال الذي وقع بينهما والتحرك السريع للفرقة العسكرية وانتهاء الأمر على هذا المنوال لم يفسح المجال لأن يتحقق ذلك التوقع. لكن هذه المقدمات بالإضافة إلى شكاوى الأهالي كانت تدل على أن حكم نجد سيخرج من يد آل الفيصل، وكان من المتوقع بعد ذلك أن يتفق الأخوان ويسيران أنصارهما نحو الأحساء . لكن هزيمة عبد الله ولجوءه إلى الأحساء ، ثم الهزيمة المنكرة التي مني بها سعود وهروبه إلى جهات قطر، جعل تلك التوقعات أمرا مستبعدا. إلا أن انفعال عبد الله وعودته بتلك الصورة إلى الرياض، وكون سعود -وإن انهزم - رجلا شديد الحرص وشجاعا ومع أنه جرح في المعارك وتلف ذراعيه في المعارك ، وبقي وحيدا، فإن لم ييأس بل حاول جمع الأنصار من حوله، بالإضافة إلى أن العربان يقدرون فيه الأصالة والشجاعة، وكون أكثر الأهالي في المناطق الداخلية من نجد يسدون حاجاتهم الضرورية من محصولات الأحساء والقطيف، فإن كثيرا من هؤلاء الناس الذين يعانون من الفقر والحاجة فقد يشتركون بالهجوم تحت ستار الغزو بنية الغصب والغارة ، ومهما كان اتحاد عبد الله وسعود مستحيلا فإنه من الممكن أن يقوم كل منهما بجمع الأنصار والهجوم على الأحساء والقطيف ، فيجب أخذ هذا الاحتمال بالحسبان خاصة في مواسم جمع المحاصيل . لذلك فقد اجتمعنا مع الباشا القائد لأخذ الاحتياطات اللازمة وإنشاء الأبراج والمخافر والقلاع لحماية مثل هذه المناطق.
إن إبعاد آل الفيصل من المناطق الداخلية من نجد كليا وجعل هذه المناطق تحت السيطرة بتوحيد الوظائف المتطلبة توحيدا كاملا، وطرد الخبثاء المعروفين بالعلماء الوهابيين الذين كانوا سببا مستقلا في خراب مثل هذه المنطقة الفسيحة ،وتصحيح رأي أهل العقائد فينا هناك يتطلب سوق قوة عسكرية .وإذا كانت للدولة القوة والإمكانات لتحقيق ذلك بعون الله ورعايته، فإن طريق الأحساء هو أقرب الطرق إلى الرياض ،هذا الطريق يستغرق سبعين ساعة ، في مكان واحد منه فقط بئر واحدة عمقها يتراوح بين ثلاثين وأربعين ذراعا.وليس هناك ماء إلا في هذه البئر.وقد تأكدنا بالمشاهدة الشخصية هذه المرة بأنه ليس بإمكان أي دابة السير فوق كل هذه الرمال إلا الجمل. ولنقل مياه الجنود المطلوب سوقهم إلى هناك وما يكفيهم من المؤن والذخائر مدة أربعة شهور يتطلب ألفا وخمسمائة ناقة لطابور من خمسمائة جندي. وعلى هذا الأساس هناك حاجة لخمسة أو ستة آلاف ناقة لحمل احتياجات ثلاثة أو أربعة طوابير من الجنود. والجمل الواحد هناك يباع بثلاثة أو أربعة أو خمسة ريالات على أكثر تقدير. كما أن العساكر اكتسبوا من ركوب مثل هذه الجمال وحمل أثقالهم عليها خبرة وملكة ومهارة ، فيسهل الأمر لتأمين ذلك. لكن الأمر الأساسي هو أن الأمر يتطلب بعد سوق الجنود إلى الرياض ،تأمين المواصلات والمخابرات على الطريق بين الأحساء والرياض.
وإذا لم يتحقق هذا الأمر فلا يخلو أن يكون إرسالهم إلى هناك محذورا وخطرا. ويستنبط من أهل الخبرة ومتابعات القادمين إلى الحج من ذلك أن المياه متوفرة على طول الطريق بين الرياض ومكة المكرمة ، فسلوك هذا الطريق يفي بالغرض ، كما أن السفر إلى الرياض من العراق عن طريق جبل شمر أسلم وأهون من طريق الأحساء ، وحتى طريق الأحساء يمكن سلوكه حين الحاجة أيضا . ولكن من المصلحة اتخاذ القرار في هذا الطريق أول الأمر.
والمكان الذي يقع في الجهة الشرقية من الأحساء ويعرف بقطر ، منطقة ناتئة نحو البحر بين عمان والبحرين . وسكانها كثيرو العدد ،لكن أراضيها تفتقر إلى المياه فليس فيها مزروعات مثل مزروعات الأحساء والقطيف، لذلك فإن عموم الناس هناك يشتغلون بتجارة السمك وصيد اللؤلؤ ويملكون من أجل ذلك أكثر من ثلاثة آلاف زورق وسفينة. وقد تأكد أن المحل المذكور من ملحقات الأحساء وورد في تعليمات القائد المشار إليه ضبط وإدارة هذه المنطقة إلى جانب القطيف والأحساء .وشيخ المحل المذكور وحاكمه محمد ابن ثاني ترك الحكم بسبب شيخوخته إلى ابنه قاسم ابن ثاني وبناء على طلب الاثنين أرسل القائد المشار إليه أربع رايات لرفعها فوق القلاع والأماكن الرسمية هناك . وتم رفع الرايات فوق هذه الأماكن باحتفال رسمي، وسبب ذلك أن الموظفين الإنجليز الذين عينتهم حكومة الهند بدأوا بإقامة علاقات مع البحرين بحجة أنها حكومة مستقلة ثم تحولت هذه العلاقات إلى حماية.كما أقاموا في جهات مسقط وعمان لونا قريبا من هذا اللون وقربوها من مثل هذا الوضع ، وإن كانوا لا يقولون شيئا عن قطر وهي تقع في وسط هذه الأماكن ، فإنهم يحاولون ذلك، وكانوا منذ سنوات يأخذون من قطر ضريبة تقدر بتسعة آلاف ريال للشيخ عيسى الذي نصبوه حاكما على البحرين. وورد خبر إرسال سفينة إنجليزية هذه المرة بطلب الضريبة من شيوخها ، فردوا عليهم قائلين:" نحن تحت هذه الراية، ولا نعترف بأية راية سوى هذه الراية " مشيرين إلى الراية العثمانية . وعادت السفينة الإنجليزية من حيث أتت . وقد تم سؤال القنصل الإنجليزي ببغداد بصورة رسمية وكتابية عن سبب إرسال السفينة الإنجليزية إلى قطر وطلب الضريبة بالرغم من أن قطر من ملحقات الأحساء ومن ممالك الدولة العلية ، فسأل القنصل بدوره الحكومة الهندية وجاء الرد أن الموظفين الإنجليز لم يتدخلوا في شئون قطر وأن طلبهم الضريبة لا أصل له. فلم تبق أية مشكلة من هذه الناحية. ولكن وكما بينت في عريضتي الأخرى، فإن سعود الفيصل وكذلك سائر الأشقياء الذين يقومون بتحركات ضد الحكومة، يؤمنون المأكولات والتجهيزات من هناك بتشجيع من البحرين ولما كانت المسافة بين قطر والبحرين ضيقة، وأن ما يرسل إلى هناك تمر من الجزيرة إلى سواحل قطر ، فإن سعود الفيصل وشيوخ العجمان والمرة ومن بقي على قيد الحياة بعد الهزيمة المنكرة في المعارك الأخيرة فروا إلى جهات قطر ، فأخذوا المؤن والتجهيزات المرسلة من البحرين ، ثم أرسلوا سفهاءهم لغصب بعض الأغنام والمواشي في محاولة منهم للتضييق على شيوخ قطر وأهلها بسبب تبعيتهم وطاعتهم للحكومة السنية،وقطعوا عنهم مياه الشرب. ومع أن أهالي قطر قادرون على تأديب أمثال هؤلاء وضرب وتأديب البحرين معهم لكن بعض أهالي قطر صاروا يميلون إليهم بسبب علاقات الزواج والقربى بينهم.
لذلك تكررت طلبات الموما إليه قاسم وأبيه بإرسال بعض الجنود إلى هناك ، وورد كتاب جديد منهم حين وصولي إلى الأحساء ، وجاء في هذا الكتاب التأكيد على ضرورة المحافظة على السكان والأهالي ، والإذن لهم بالهجرة بمناسبة الحج إذا لم تكن هناك إمكانية حمايتهم . وبناء على هذا الطلب تم سوق طابور من العساكر السلطانية بالسفينة الحربية الإسكندرية والسفينة أنور وأسندت قيادتهم إلى القائمقام عمر بك وزود بالتعليمات اللازمة وكان من المقرر حسب التعليمات طرد الأشقياء من هناك وإعادة الأمن والهدوء بين الأهالي وعودة الطابور خلال ثلاثين أو أربعين يوما.
ولما كانت عريضتي هذه لا تحتمل التفصيلات والآراء المتعلقة بالأمور المالية والوظائف المتطلبة لمنطقتي الأحساء والقطيف فإن محتوياتها عرضت في تقرير آخر مستقل .والأمر لحضرة ولي الأمر. !شوال 88 و!كانون الأول 87 ( ديسمبر 1871)
والي بغداد مدحت
93/18
1871.12.14
الباب العالي- دائرة الصدارة صورة
سبق وأن أوضحت في بعض معروضاتي السابقة حول موضوع نجد أن جهلنا بأحوال وأوضاع تلك المناطق والعادات الجارية لدى سكانها يجعل سفري إلى هناك أمرا لابد منه للإطلاع على أحوالها وإبداء الرأي الصحيح والرد بالمعلومات اللازمة على كل سؤال . وفي الكتاب الذي جاء به سعادة القائد نافذ باشا وقدمه شخصيا إشارة إلى ضرورة التعجيل بالسفر إلى هناك ، وعلى الوجه الذي بينته برقيا فيما بعد، فقد تحركنا من بغداد في أواسط شعبان. هذا وإن كانت الفرقة العسكرية بنجد التي هي عبارة عن ستة طوابير مشاة وعدد من المدفعية والفرسان ،وثلاث قطعات من الضبطية المشاة والفرسان كافية، فبموجب قرار سابق بإبلاغ عدد الطوابير إلى ثمانية وسحب الطوابير المرسلة سابقا على مراحل واستبدالها بغيرها، اصطحبنا طابورين من العساكر النظامية ، كما تم تحميل المؤن والمهات التي تلزمهم وتلزم الفرقة العسكرية هناك إلى سفينتي لبنان والإسكندرية الحربيتين وسفينة بابل ، وأبحرنا بها جميعا إلى الكويت ومن هناك إلى الأحساء عن طريق مرسى عجير. وبالهمم والجهود المستمرة لنافذ باشا وسائر الأمراء والضباط فإن نظام وانتظام وراحة واطمئنان العساكر السلطانية على ما يرام ، خاصة وأنه في الفترة الأخيرة قام طابوران من الفرقة العسكرية مزودتان ببنادق ذات إبر بالتعرض لسبعة أو ثمانية آلاف من عربان العجمان والمرة وسائر الأشقياء الذين يتعاونون مع سعود الفيصل في مقاومة العساكر السلطانية،وحصلت بين الجانبين معركة قتل فيها حوالي ستمائة من الأشقياء وجرح أكثر رجالهم ولاذ البقية بالفرار .واستشهد من الجنود اثنان وجرح سبعة أو ثمانية. فزاد سرور العساكر السلطانية وارتفعت معنوياتهم وزادت شجاعتهم ، كما كان فرح الأهالي الذين ضاقت بهم سبل العيش بسبب اعتداءات العجمان والمرة كبيرا. وهواء الأحساء طيب ومعتدل في موسمي الصيف والشتاء ولا تتجاوز نسبة المرضى منهم واحدا في المائة . ولكن من المعتاد أن يظهر مرض الحمى في موسم الخريف وعلى مدى شهرين. لذلك فقد ظهر هذا المرض الآن وصار ربع أو ثلث أكثر الطوابير مصابا بهذا المرض ، وهذا ناشئ من الأماكن الرطبة. لذلك فإن الأماكن المرتفعة مثل قلعتي حزام وصاهود سالمة دوما بالتجربة، فتم نقل العساكر الموجودة إلى مثل تلك الأماكن كما أرسل المرضى بعد تزويدهم بتقارير طبية إلى العراق للنقاهة . وفي هذه الفترة تم استبدال جنود عام واحد وثمانين ، وأجري للجنود تدريب على الرمي في الصحراء بين الهفوف والمبرز. وبعد الإقامة في الأحساء مدة خمسة عشر يوما أنجز خلالها كثير من المصالح العسكرية والمدنية ، توجهنا برا إلى القطيف وأنجزنا فيها الأمور اللازمة ، وعدنا إلى بغداد في اليوم الثاني والستين من السفر. وكما أن عرض المعلومات المتعلقة بمواقع الأحساء والقطيف وأحوال الجنود فيها ذو أهمية كبيرةومن الأمور الضرورية، فإنه من الأهمية والضرورة بمكان البحث عن الأحوال الجغرافية لهذه المناطق المهملة منذ أمد ،وبيان أماكنها ومواقعها التي لايمكن أن تشبه أحوال وأوضاع الأماكن الأخرى من بلادنا.
ولضرورة التفصيل في ذلك ،مع عدم تصديع الرؤوس في مثل هذه الأمور المجردة بهذا التقرير فقد قدمنا تقريرا مفصلا فيها مرفقا بتقريرنا هذا يبين كل شيء عن هذه المناطق.
أما عن الإدارة المدنية في هذه الأماكن فكما هو معلوم معاليكم ،فإنه بسبب هجوم سعود على أخيه عبد الله الفيصل وتغلبه عليه والتدخل الأجنبي في هذا الموضوع فإن عبد الله الفيصل قد استعان في العام الماضي بالدولة فطرد خصمه سعود .وصرف كثير من الجهود لتأييد مهمة ومأمورية عبد الله الفيصل ،ولدى وصول العساكر المرسل من بغداد إلى سواحل جزيرة العرب ، جاء عبد الله الفيصل مع أنصاره وتم الاتفاق على عودته مع الفرقة العسكرية، لكن العساكر السلطانية توجهت إلى القطيف بدلالة عبد الله الصباح قائمقام الكويت وأنصاره ، ومنها إلى الأحساء ، وإلى أن تمركزت في القلاع وتلك البقاع ،بقي عبد الله الفيصل في الرياض بحالة موحشة ضد اعتداءات أخيه سعود أحيانا والبدو المعارضين له أحيانا أخرى. وقد أرسلت له وكذلك القائد المشار اليه العديد من الرسائل، وحصل تردد في البداية وأخيرا اقترح عليه أن ترسل إليه العساكر لمرافقته عند القدوم . ولاستحالة استخدام مثل هذه الرجل الموحش في العمل الوظيفي فقد تعين اعلان عزله فورا . ولكن الإعلان في البداية عن أن مهمة العساكر هو التأييد والتأكيد على قائمقامية عبد الله ، ثم عزله غيابيا سيؤدي بكل تأكيد إلى نتائج سيئة ،خاصة بين العربان والعشائر الذين يراقبون الوضع عن كثب. لذلك فقد استمرت المحاولات لجلبه وإرضائه . لكنه غُلب في المعارك والاشتباكات الأخيرة بينه وبين سعود ، ولم يبق له مكان يأوي اليه فجاء فورا إلى الأحساء والتجأ إلى الفرقة العسكرية. ومع أنه نجا من الوقوع في قبضة خصمه، فقد كان مفهوما أن يفكر مرة أخرى في محاولة الاستقلال. لكننا حرصنا على ألا نكون نحن السبب في الإخلال بالوعد السابق ،فقد قبلنا بصفته القائمقام ولقي الاحترام الفائق وخصص له راتب شهري قدره ألف ومائتا ريال بالإضافة إلى المصاريف اليومية له ولأخيه محمد الفيصل وأتباعهما. ولجوء عبد الله إلى الفرقة العسكرية على هذه الصورة ضاعف من حنق وغيظ سعود، ومع أن أنصار عبد الله في الرياض طردوا سعود ،لكنه استغل غياب عبد الله فاستمال أنصاره من الحضر والبدو خارج الرياض، فظن سعود بأنه يمتلك القوة الكافية خاصة إذا أضفنا إليهم أكثر من سبعة أو ثمانية آلاف من عشائر العجمان والمرة التابعة له. فتوجه إلى الأماكن القريبة من الأحساء وهو يخطط للإغارة على الأحساء والقبض على عبد الله ومحاربة العساكر ونهب تلك المناطق. وعلى الوجه الذي ذكرناه سابقا فقد توجه إليه طابوران مزودان بالبنادق ذات الإبر ،فقتل من أنصاره أكثر من ستمائة وانهزم الباقون. وسر عبد الله بالضربة التي وجهت إلى سعود وبالتنكيل بأنصاره سرورا عظيما.
وهنأ الجنود المشتركين في العملية فردا فردا معربا لهم عن تقديره للشجاعة التي أبدوها في هذه العملية. كما أرسل إلى بغداد رسالة شكر بذلك ،ومع ذلك فإنه بعد أن تخلص من هجوم واعتداءات خصمه صار علماء الوهابية الذين يكفرون غيرهم من الناس في الرياض ويعملون على إضلال خلق الله يرسلون سيلا من الرسائل إلى المذكور في محاولة لتنفيره. وقبل وصولي إلى هناك بحوالي ثمانية أو عشرة أيام قام الموما اليه عبد الله ومعه محمد الفيصل الذي تخلص من سجن سعود بمساعدة العساكر السلطانية، وكذلك الأتباع الذين كانوا معه بمغادرة الأحساء والعودة إلى الرياض. وورد في الرسالة التي أرسلها الموما اليه بعد ذلك من الرياض إلى القائد المشار إليه، بأنه بالرغم نشر إعلانات قبل ثلاثة شهور ببيان ن ثبوت مظالم وتعديات آل الفيصل وأن قائمقاميتهم غير مقبولة من قبل الدولة ، وأنه بعد استعانته بالعساكر، وقدوم هذه العساكر وطردها لسعود والتأكيد على قائمقاميته وأن ذلك تم بسحب القوة العسكرية ، فإن نشر وإعلان ذلك على هذا الوجه قد أساء إلى سمعته وشرفه ، فاضطر للعودة إلى الرياض.وأنه على كل حال عبد مطيع لأمر وإرادة الدولة العلية . لكننا أوضحنا في رسالتنا إليه، بأنه ليس في نيتنا طرده أو طرد آل الفيصل من منصب القائمقامية كليا ، لكن أهالي مناطق الأحساء والقطيف اشتكوا من مظالمه ومن مظالم الموظفين الذين عينهم بمرارة وثبتت صحة شكواهم وأنه إذا أعيد هؤلاء إلى حكم الأحساء والقطيف فإن كافة الأهالي مستعدون للهجرة وأنهم أعربوا عن ذلك للموما اليه عبد الله بحضور القائد الباشا،وأن عليه بعد هذا ألا يطالب بحكم الأحساء وقطر والقطيف ويكتفي بحكم الرياض وملحقاتها ، وأنه في حال قدومه إلى الأحساء خلال خمسة عشر يوما فإن قائمقامية المحلات خارج الرياض والقطيف وقطر ستعاد إلى عهدته كما في السابق ، أو الإعلان عن عزله في حالة عدم قدومه خلال هده الفترة. ومع أن عدم قدومه مؤكد فقد اختير التريث والانتظار كيلا تبقى حجة لأحد ، ويعرف الناس سقوط حقه. ولم يرد الجواب خلال المدة المحددة ، ولكن جاء في الرسالة التي أرسلها مباشرة في تاريخ لاحق بأنه إذا أبقي منصب القائمقامية في عهدته بصورة مطلقة فسيكون بالخدمة ، وفي حالة عدم ذلك فقد طلب تعيين رجل آخر مكانه مع بيان أن جسمه المريض لايتحمل مشاغل هذا المنصب. ولكن باعتبار أنه من غير الممكن استخدام رجل توحش من مأمورية وخدمة الدولة وسافر، ولم يعد في الوقت المطلوب ،فإن تركه المكان ومغادرته إلى جهة أخرى بالرغم من مظاهر الاحترام والرعاية التي كان يلقاها ،أسقط حقه في هذا المنصب ، بالإضافة إلى أن ما بينه من التعلل بالمرض الجسماني يعتبر طلبا للاستقالة ، فصدر الإعلان بعزله فورا وترك إلى القائد المشار إليه أمر إرسال تعليمات إلى أربع وعشرين بلدة ومدينة وقرية وعشيرة كالرياض وجبل شمر وعنيزة وبريدة وغيرها بإسناد حكم تلك المناطق إلى شيوخها ريثما يعين قائمقام جديد.
ولما كان من أهم الأمور تقدير التوقعات على ضوء الأحوال الحاضرة وكيفية مواجهة هذه التوقعات ومعرفة كيفية تصرف الفرقة العسكرية ، فإنني لجأت إلى بيان رأيي القاصر في هذا الموضوع. ذلك بأن خلال سوق الفرقة العسكرية سابقا والتدابير والتحركات المتخذة والمنفذة قد تجاوزت حدود الطلب الذي تقدم به عبد الله الفيصل بطلب العون. أي أن عبد الله الفيصل طلب الجنود في حدود عدة طوابير لمجرد أن يظهر قوته أمام أخيه سعود ، ثم تعود القوات المرسلة من حيث أتت.لكن قدوم خمسة أو ستة طوابير برا وسيرها باتجاه القطيف والأحساء وتمركزها في القلاع هناك لم يكن في حسبان عبد الله ، لذلك فإن إيجاد الصعوبات ضد هذه التحركات، كما أن رغبة سعود في جمع أتباعه وإظهاره المقاومة والممانعة كانت متوقعة ،لكن القتال الذي وقع بينهما والتحرك السريع للفرقة العسكرية وانتهاء الأمر على هذا المنوال لم يفسح المجال لأن يتحقق ذلك التوقع. لكن هذه المقدمات بالإضافة إلى شكاوى الأهالي كانت تدل على أن حكم نجد سيخرج من يد آل الفيصل، وكان من المتوقع بعد ذلك أن يتفق الأخوان ويسيران أنصارهما نحو الأحساء . لكن هزيمة عبد الله ولجوءه إلى الأحساء ، ثم الهزيمة المنكرة التي مني بها سعود وهروبه إلى جهات قطر، جعل تلك التوقعات أمرا مستبعدا. إلا أن انفعال عبد الله وعودته بتلك الصورة إلى الرياض، وكون سعود -وإن انهزم - رجلا شديد الحرص وشجاعا ومع أنه جرح في المعارك وتلف ذراعيه في المعارك ، وبقي وحيدا، فإن لم ييأس بل حاول جمع الأنصار من حوله، بالإضافة إلى أن العربان يقدرون فيه الأصالة والشجاعة، وكون أكثر الأهالي في المناطق الداخلية من نجد يسدون حاجاتهم الضرورية من محصولات الأحساء والقطيف، فإن كثيرا من هؤلاء الناس الذين يعانون من الفقر والحاجة فقد يشتركون بالهجوم تحت ستار الغزو بنية الغصب والغارة ، ومهما كان اتحاد عبد الله وسعود مستحيلا فإنه من الممكن أن يقوم كل منهما بجمع الأنصار والهجوم على الأحساء والقطيف ، فيجب أخذ هذا الاحتمال بالحسبان خاصة في مواسم جمع المحاصيل . لذلك فقد اجتمعنا مع الباشا القائد لأخذ الاحتياطات اللازمة وإنشاء الأبراج والمخافر والقلاع لحماية مثل هذه المناطق.
إن إبعاد آل الفيصل من المناطق الداخلية من نجد كليا وجعل هذه المناطق تحت السيطرة بتوحيد الوظائف المتطلبة توحيدا كاملا، وطرد الخبثاء المعروفين بالعلماء الوهابيين الذين كانوا سببا مستقلا في خراب مثل هذه المنطقة الفسيحة ،وتصحيح رأي أهل العقائد فينا هناك يتطلب سوق قوة عسكرية .وإذا كانت للدولة القوة والإمكانات لتحقيق ذلك بعون الله ورعايته، فإن طريق الأحساء هو أقرب الطرق إلى الرياض ،هذا الطريق يستغرق سبعين ساعة ، في مكان واحد منه فقط بئر واحدة عمقها يتراوح بين ثلاثين وأربعين ذراعا.وليس هناك ماء إلا في هذه البئر.وقد تأكدنا بالمشاهدة الشخصية هذه المرة بأنه ليس بإمكان أي دابة السير فوق كل هذه الرمال إلا الجمل. ولنقل مياه الجنود المطلوب سوقهم إلى هناك وما يكفيهم من المؤن والذخائر مدة أربعة شهور يتطلب ألفا وخمسمائة ناقة لطابور من خمسمائة جندي. وعلى هذا الأساس هناك حاجة لخمسة أو ستة آلاف ناقة لحمل احتياجات ثلاثة أو أربعة طوابير من الجنود. والجمل الواحد هناك يباع بثلاثة أو أربعة أو خمسة ريالات على أكثر تقدير. كما أن العساكر اكتسبوا من ركوب مثل هذه الجمال وحمل أثقالهم عليها خبرة وملكة ومهارة ، فيسهل الأمر لتأمين ذلك. لكن الأمر الأساسي هو أن الأمر يتطلب بعد سوق الجنود إلى الرياض ،تأمين المواصلات والمخابرات على الطريق بين الأحساء والرياض.
وإذا لم يتحقق هذا الأمر فلا يخلو أن يكون إرسالهم إلى هناك محذورا وخطرا. ويستنبط من أهل الخبرة ومتابعات القادمين إلى الحج من ذلك أن المياه متوفرة على طول الطريق بين الرياض ومكة المكرمة ، فسلوك هذا الطريق يفي بالغرض ، كما أن السفر إلى الرياض من العراق عن طريق جبل شمر أسلم وأهون من طريق الأحساء ، وحتى طريق الأحساء يمكن سلوكه حين الحاجة أيضا . ولكن من المصلحة اتخاذ القرار في هذا الطريق أول الأمر.
والمكان الذي يقع في الجهة الشرقية من الأحساء ويعرف بقطر ، منطقة ناتئة نحو البحر بين عمان والبحرين . وسكانها كثيرو العدد ،لكن أراضيها تفتقر إلى المياه فليس فيها مزروعات مثل مزروعات الأحساء والقطيف، لذلك فإن عموم الناس هناك يشتغلون بتجارة السمك وصيد اللؤلؤ ويملكون من أجل ذلك أكثر من ثلاثة آلاف زورق وسفينة. وقد تأكد أن المحل المذكور من ملحقات الأحساء وورد في تعليمات القائد المشار إليه ضبط وإدارة هذه المنطقة إلى جانب القطيف والأحساء .وشيخ المحل المذكور وحاكمه محمد ابن ثاني ترك الحكم بسبب شيخوخته إلى ابنه قاسم ابن ثاني وبناء على طلب الاثنين أرسل القائد المشار إليه أربع رايات لرفعها فوق القلاع والأماكن الرسمية هناك . وتم رفع الرايات فوق هذه الأماكن باحتفال رسمي، وسبب ذلك أن الموظفين الإنجليز الذين عينتهم حكومة الهند بدأوا بإقامة علاقات مع البحرين بحجة أنها حكومة مستقلة ثم تحولت هذه العلاقات إلى حماية.كما أقاموا في جهات مسقط وعمان لونا قريبا من هذا اللون وقربوها من مثل هذا الوضع ، وإن كانوا لا يقولون شيئا عن قطر وهي تقع في وسط هذه الأماكن ، فإنهم يحاولون ذلك، وكانوا منذ سنوات يأخذون من قطر ضريبة تقدر بتسعة آلاف ريال للشيخ عيسى الذي نصبوه حاكما على البحرين. وورد خبر إرسال سفينة إنجليزية هذه المرة بطلب الضريبة من شيوخها ، فردوا عليهم قائلين:" نحن تحت هذه الراية، ولا نعترف بأية راية سوى هذه الراية " مشيرين إلى الراية العثمانية . وعادت السفينة الإنجليزية من حيث أتت . وقد تم سؤال القنصل الإنجليزي ببغداد بصورة رسمية وكتابية عن سبب إرسال السفينة الإنجليزية إلى قطر وطلب الضريبة بالرغم من أن قطر من ملحقات الأحساء ومن ممالك الدولة العلية ، فسأل القنصل بدوره الحكومة الهندية وجاء الرد أن الموظفين الإنجليز لم يتدخلوا في شئون قطر وأن طلبهم الضريبة لا أصل له. فلم تبق أية مشكلة من هذه الناحية. ولكن وكما بينت في عريضتي الأخرى، فإن سعود الفيصل وكذلك سائر الأشقياء الذين يقومون بتحركات ضد الحكومة، يؤمنون المأكولات والتجهيزات من هناك بتشجيع من البحرين ولما كانت المسافة بين قطر والبحرين ضيقة، وأن ما يرسل إلى هناك تمر من الجزيرة إلى سواحل قطر ، فإن سعود الفيصل وشيوخ العجمان والمرة ومن بقي على قيد الحياة بعد الهزيمة المنكرة في المعارك الأخيرة فروا إلى جهات قطر ، فأخذوا المؤن والتجهيزات المرسلة من البحرين ، ثم أرسلوا سفهاءهم لغصب بعض الأغنام والمواشي في محاولة منهم للتضييق على شيوخ قطر وأهلها بسبب تبعيتهم وطاعتهم للحكومة السنية،وقطعوا عنهم مياه الشرب. ومع أن أهالي قطر قادرون على تأديب أمثال هؤلاء وضرب وتأديب البحرين معهم لكن بعض أهالي قطر صاروا يميلون إليهم بسبب علاقات الزواج والقربى بينهم.
لذلك تكررت طلبات الموما إليه قاسم وأبيه بإرسال بعض الجنود إلى هناك ، وورد كتاب جديد منهم حين وصولي إلى الأحساء ، وجاء في هذا الكتاب التأكيد على ضرورة المحافظة على السكان والأهالي ، والإذن لهم بالهجرة بمناسبة الحج إذا لم تكن هناك إمكانية حمايتهم . وبناء على هذا الطلب تم سوق طابور من العساكر السلطانية بالسفينة الحربية الإسكندرية والسفينة أنور وأسندت قيادتهم إلى القائمقام عمر بك وزود بالتعليمات اللازمة وكان من المقرر حسب التعليمات طرد الأشقياء من هناك وإعادة الأمن والهدوء بين الأهالي وعودة الطابور خلال ثلاثين أو أربعين يوما.
ولما كانت عريضتي هذه لا تحتمل التفصيلات والآراء المتعلقة بالأمور المالية والوظائف المتطلبة لمنطقتي الأحساء والقطيف فإن محتوياتها عرضت في تقرير آخر مستقل .والأمر لحضرة ولي الأمر. !شوال 88 و!كانون الأول 87 ( ديسمبر 1871)
والي بغداد مدحت
تعليق