بسم الله الرحمن الرحيم
يعتبر الأرشيف العثماني مصدرا أساسيا للوثائق التاريخية في أكثر من إحدى وخمسين دولة كانت في يوم من الأيام منضوية تحت الراية العثمانية، بالإضافة إلى أنه يتضمن الكثير من الوثائق التاريخية التي تهم باقي دول العالم بصورة غير مباشرة. فقد دأب العثمانيون منذ بداية تأسيس الدولة في القرن الرابع عشر الميلادي على توثيق كل ما يتعلق بشئون الدولة الداخلية والخارجية بالإضافة إلى الحروب التي خاضتها هذه الدولة طوال حياتها التي استمرت أكثر من ستمائة عام.
ويقدر خبراء الأرشيف العثماني عدد الوثائق الموجودة في أقسام دار الوثائق المتعددة في كل من استنبول وانقرة بحوالي مائتين وخمسين مليون وثيقة. كما يقدرون ما يخص منها العالم العربي مباشرة بأكثر من ثمانين مليونا. وتشكل الوثائق المتعلقة بمنطقة الحجاز ونجد والخليج القسم الأكبر من الوثائق التي تخص العالم العربي. ولإعطاء فكرة مبسطة عن الكم الهائل لهذه الوثائق نقول بأن الحكومة التركية قدمت مؤخرا للسلطة الفلسطينية صورا للوثائق المتعلقة بفلسطين خلال فترة الحكم العثماني ، وبلغت عدد صفحات هذه الوثائق مائة وأربعين ألف صفحة. كما أن عدد الوثائق المتعلقة بأحداث جبل لبنان التي وقعت في أواخر النصف الأول من القرن التاسع عشر وامتدت أعواما طويلة يزيد على سبعة آلاف وثيقة وهكذا.
والأمر المهم في هذا الموضوع هو أن هذه الوثائق كلها كتبت باللغة العثمانية وهي مركبة من اللغات التركية والعربية والفارسية، كما أن اللغة العثمانية تعرضت للتغيير في مختلف مراحل عمر الدولة، فهناك اللغة العثمانية القديمة، والوثائق التي كتبت باللغة القديمة ترجع إلى فترة مابين القرن الرابع عشر والقرن السابع عشر الميلادي، أما ما كتب منها باللغة العثمانية الحديثة فترجع إلى الفترة التالية أي إلى القرن الثامن عشر وما بعد. ومن أهم الوثائق التي كتبت باللغة القديمة ما يتعلق منها بمنطقة الخليج، حيث أجرت الدولة في عهد السلطان سليمان القانوني إحصاء سكانيا وعقاريا وطوبوغرافيا بعد فتح تلك البلاد بأربع سنوات أي عام 1538 من الميلاد.
وإذا أخذنا بالاعتبار عدم وجود دولة تعتمد اللغة العثمانية في الوقت الحاضر عرفنا أنه سيأتي يوم لا نجد فيه أحدا يمكنه التعامل مع هذه اللغة بشقيها القديم والحديث، وهذا يعني أن الأبواب ستغلق أمامنا ونحرم من الاطلاع على قسم مهم من تاريخنا. لذلك فإن الحاجة ماسة إلى إعداد مترجمين من هذه اللغة إلى اللغة العربية، حيث لا يتجاوز عدد المترجمين العاملين في مجال ترجمة الوثائق العثمانية إلى اللغة العربية مباشرة في الوقت الحاضر عدد أصابع اليد الواحدة، وهم في مرحلة متقدمة من أعمارهم.
إن الأمر يحتاج إلى تأسيس مركز لتعليم اللغة العثمانية يختار طلابه ممن لهم إجادة للغة التركية بالإضافة إلى كون لغة الثقافة عندهم هي اللغة العربية. ويمكن لهذا المركز خلال فترة لا تتجاوز العام تدريب هؤلاء الطلاب على قراءة الوثائق وترجمتها بعد ذلك.
ويمكن أن تكون البداية مع عشرة طلاب، وتكون مدة الدراسة والتدريب ثمانية شهور، يبدأون بعد هذه المدة في ترجمة الوثائق، فيكونون نواة لتسيير أعمال المركز في الترجمة وتزويد مختلف مراكز الأبحاث التاريخية والثقافية في العالمين العربي والإسلامي بالوثائق المترجمة إذا طلبت منه ذلك.
ويحتاج مركز الدراسة والتدريب على ترجمة الوثائق العثمانية إلى مقر يكون في جدة أو اي مدينة أخرى داخل المملكة، وإلى أجهزة حاسبات تتناسب مع عدد العاملين والمتدربين في المركز، وادوات مكتبية أخرى. كما يحتاج إلى مدرسي تقوية باللغة التركية ليكون الطلاب جاهزين لقراءة وفهم اللغة العثمانية فهما صحيحا.
إن هذا المشروع المهم يحتاج إلى دعم مادي ومعنوي كي ينجح، وسيكون له مردوده المادي إلى جانب قيمته المعنوية. فهناك العديد من مشاريع الترجمة تنتظر من يقوم بها، منها مشروع ترجمة دفاتر الصرر الهمايونية، التي تتضمن أسماء وعناوين مئات الآلاف من أسماء الأشخاص والقبائل والأماكن بداخل الحرمين وما حولهما. ويبلغ عدد دفاتر الصرر الهمايونية حوالي أربعين ألف دفتر. وإنجاز هذا المشروع يعني إظهار البنية الاجتماعية والاقتصادية لمنطقة الحرمين وبلاد الحجاز بشكل عام في فترات مهمة من التاريخ. ومنها مشروع جمع الوثائق العثمانية المكتوبة باللغة العربية، حيث تؤكد المصادر الموثقة بأن هناك عدد كبيرا من الوثائق في الأرشيف العثماني كتبت باللغة العربية، وهي إما عبارة عن شكوى أو طلب أو رد على استفسار أو مراسلات بين شيوخ القبائل وأمرائها وبين المسئولين العثمانيين. فالحصول على صور هذه الوثائق ميسر، والحكومة التركية تشجع على التعامل مع هذه الوثائق والحصول على صورها.
أردت بهذه السطور تقديم فكرة بسيطة عن أهمية هذا المشروع، آملا أن يلقى الدعم المطلوب لإنجازه وإنجاحه.
كمال احمد خوجة
خبير ومترجم الوثائق العثمانية
يعتبر الأرشيف العثماني مصدرا أساسيا للوثائق التاريخية في أكثر من إحدى وخمسين دولة كانت في يوم من الأيام منضوية تحت الراية العثمانية، بالإضافة إلى أنه يتضمن الكثير من الوثائق التاريخية التي تهم باقي دول العالم بصورة غير مباشرة. فقد دأب العثمانيون منذ بداية تأسيس الدولة في القرن الرابع عشر الميلادي على توثيق كل ما يتعلق بشئون الدولة الداخلية والخارجية بالإضافة إلى الحروب التي خاضتها هذه الدولة طوال حياتها التي استمرت أكثر من ستمائة عام.
ويقدر خبراء الأرشيف العثماني عدد الوثائق الموجودة في أقسام دار الوثائق المتعددة في كل من استنبول وانقرة بحوالي مائتين وخمسين مليون وثيقة. كما يقدرون ما يخص منها العالم العربي مباشرة بأكثر من ثمانين مليونا. وتشكل الوثائق المتعلقة بمنطقة الحجاز ونجد والخليج القسم الأكبر من الوثائق التي تخص العالم العربي. ولإعطاء فكرة مبسطة عن الكم الهائل لهذه الوثائق نقول بأن الحكومة التركية قدمت مؤخرا للسلطة الفلسطينية صورا للوثائق المتعلقة بفلسطين خلال فترة الحكم العثماني ، وبلغت عدد صفحات هذه الوثائق مائة وأربعين ألف صفحة. كما أن عدد الوثائق المتعلقة بأحداث جبل لبنان التي وقعت في أواخر النصف الأول من القرن التاسع عشر وامتدت أعواما طويلة يزيد على سبعة آلاف وثيقة وهكذا.
والأمر المهم في هذا الموضوع هو أن هذه الوثائق كلها كتبت باللغة العثمانية وهي مركبة من اللغات التركية والعربية والفارسية، كما أن اللغة العثمانية تعرضت للتغيير في مختلف مراحل عمر الدولة، فهناك اللغة العثمانية القديمة، والوثائق التي كتبت باللغة القديمة ترجع إلى فترة مابين القرن الرابع عشر والقرن السابع عشر الميلادي، أما ما كتب منها باللغة العثمانية الحديثة فترجع إلى الفترة التالية أي إلى القرن الثامن عشر وما بعد. ومن أهم الوثائق التي كتبت باللغة القديمة ما يتعلق منها بمنطقة الخليج، حيث أجرت الدولة في عهد السلطان سليمان القانوني إحصاء سكانيا وعقاريا وطوبوغرافيا بعد فتح تلك البلاد بأربع سنوات أي عام 1538 من الميلاد.
وإذا أخذنا بالاعتبار عدم وجود دولة تعتمد اللغة العثمانية في الوقت الحاضر عرفنا أنه سيأتي يوم لا نجد فيه أحدا يمكنه التعامل مع هذه اللغة بشقيها القديم والحديث، وهذا يعني أن الأبواب ستغلق أمامنا ونحرم من الاطلاع على قسم مهم من تاريخنا. لذلك فإن الحاجة ماسة إلى إعداد مترجمين من هذه اللغة إلى اللغة العربية، حيث لا يتجاوز عدد المترجمين العاملين في مجال ترجمة الوثائق العثمانية إلى اللغة العربية مباشرة في الوقت الحاضر عدد أصابع اليد الواحدة، وهم في مرحلة متقدمة من أعمارهم.
إن الأمر يحتاج إلى تأسيس مركز لتعليم اللغة العثمانية يختار طلابه ممن لهم إجادة للغة التركية بالإضافة إلى كون لغة الثقافة عندهم هي اللغة العربية. ويمكن لهذا المركز خلال فترة لا تتجاوز العام تدريب هؤلاء الطلاب على قراءة الوثائق وترجمتها بعد ذلك.
ويمكن أن تكون البداية مع عشرة طلاب، وتكون مدة الدراسة والتدريب ثمانية شهور، يبدأون بعد هذه المدة في ترجمة الوثائق، فيكونون نواة لتسيير أعمال المركز في الترجمة وتزويد مختلف مراكز الأبحاث التاريخية والثقافية في العالمين العربي والإسلامي بالوثائق المترجمة إذا طلبت منه ذلك.
ويحتاج مركز الدراسة والتدريب على ترجمة الوثائق العثمانية إلى مقر يكون في جدة أو اي مدينة أخرى داخل المملكة، وإلى أجهزة حاسبات تتناسب مع عدد العاملين والمتدربين في المركز، وادوات مكتبية أخرى. كما يحتاج إلى مدرسي تقوية باللغة التركية ليكون الطلاب جاهزين لقراءة وفهم اللغة العثمانية فهما صحيحا.
إن هذا المشروع المهم يحتاج إلى دعم مادي ومعنوي كي ينجح، وسيكون له مردوده المادي إلى جانب قيمته المعنوية. فهناك العديد من مشاريع الترجمة تنتظر من يقوم بها، منها مشروع ترجمة دفاتر الصرر الهمايونية، التي تتضمن أسماء وعناوين مئات الآلاف من أسماء الأشخاص والقبائل والأماكن بداخل الحرمين وما حولهما. ويبلغ عدد دفاتر الصرر الهمايونية حوالي أربعين ألف دفتر. وإنجاز هذا المشروع يعني إظهار البنية الاجتماعية والاقتصادية لمنطقة الحرمين وبلاد الحجاز بشكل عام في فترات مهمة من التاريخ. ومنها مشروع جمع الوثائق العثمانية المكتوبة باللغة العربية، حيث تؤكد المصادر الموثقة بأن هناك عدد كبيرا من الوثائق في الأرشيف العثماني كتبت باللغة العربية، وهي إما عبارة عن شكوى أو طلب أو رد على استفسار أو مراسلات بين شيوخ القبائل وأمرائها وبين المسئولين العثمانيين. فالحصول على صور هذه الوثائق ميسر، والحكومة التركية تشجع على التعامل مع هذه الوثائق والحصول على صورها.
أردت بهذه السطور تقديم فكرة بسيطة عن أهمية هذا المشروع، آملا أن يلقى الدعم المطلوب لإنجازه وإنجاحه.
كمال احمد خوجة
خبير ومترجم الوثائق العثمانية
تعليق