وصف القنيطرة عام 1563 ميلادية/971 هجرية
محمد زعل السلوم
فبنى في قرية القنيطرة "منزلا" للمترددين بين مصر والشام ، والزائرين القدس الشريف والمشهد الخليل وأبنائه الأنبياء العظام ، عليهم الصلاة والسلام. خلا أن آيات الدثور والبلى ، كانت تقرأ على صحائف أعمالها وتتلى ، ولم يبق منها إلا دمن وأطلال ، وأفياء من أثر حيطان وأظلال ، ورباط قديم ، كان المسافرون فيها على وجل عظيم ، لم يبق بها أنيس ، " إلا اليعافير وإلا العيس". فعمر أسافلها وأعاليها ، وجمع ساكنيها وأهاليها ، فصارت آهلة عامرة ، من بعد أن كانت برهج البلى غامرة ، ثم بنى بنية خالصة ، غير نية ولا ناقصة ، تصحح أعماله ، وتحصل آماله ، وتجمع له من الإخلاص ، السبائك الخلاص ، اقتداءا بمن سبل الخير وسنه ، وامتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم : " من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطا بنى الله له بيتا في الجنة " ، (جامعا) جامعا للمحاسن ، به هواء غير عفن وماء غير آسن ، فيه قبة ، كأنها للسماء قنة ، من وقف على سقفه ، يكاد يمس السماء بكفه ، عمدها لطاقاتها أوتاد ، له حرم كأنه ارم ذات العماد ، محرابه حاجب حوراء ، بلاطه صفحة قوراء ، إذا أزهرت قناديلها في الغياهب ، تراه السماء زينت بزينة الكواكب ، رخامه بالصفاء مرآة ، تجلى فيها وجوه المسرات ، قربها إذ قربها عيون ما لها من قرار ، واطمئنان القلوب بذكر الله أثناء الليل وأطراف النهار ، عندها منارة ، يقيم الدين عندها مناره ، طال واستقام ، فكان للحسن به قوام ، حسن مستقرا ومقاما ، ما قصر وما طال بل كان ذلك بين ذلك قواما ، عليها شرفة ، تحوي مجد السماء وشرفه ، له حرم تنبسط به الأرواح ،وتنتشر منه الأفراح ، مشرف منور ، مبلط مقور ، عنده بيوت رفيعة ، ذات قباب منيعة ، ينزل بها الواردون والصادرون ، ويبيت فيها المسافرون والمجاورون ، فيها أبواب وسرر عليها يتكؤون ، إذا نزل فيها المسافر ، من كل باد وحاضر ، يرى فيها دفئا ومنافع ، وطعاما يشبع كل جائع ، فينظر نفسه بعد معاناة بؤس وشقاء ، ومقاساة برد وشتاء ، في جنات النعيم ، بعد عذاب أليم.
وعندها (مكتب) لطيف ، يجمع أطفال الغني والضعيف ، يتلقون من كتاب الله سورا وأحزابا ، ويتعلمون للدرس والنفس حكما وآدابا. وفيها بيوت لطبخ الطعام ، وادخار الزاد والادام ، وفيها للثواب ، إسطبل للدواب. إلى غير ذلك من المباني النافعة والمغاني الرائعة ، فلما تم بالخبر بناؤها ، وعلا على أرضها سماؤها ، وقف (الجامع) المحفوف بالنور اللامع ، على كل مؤمن داع وسامع ، يصلي فيه لربه ، ويجلي به رين قلبه ، يتضرع إليه ويناجي ، باليوم المنير والليل ، الداجي ، ويتلو القرآن والأوراد ، سواء العاكف والباد.
ووقف (المكتب) على الصبيان ، و(العمارة) على الضيفان ، على الوجه المعتاد ، والأسلوب المرتاد ، ليتفلق من ليل عمله فجر ، يحتوي على أضواء ثواب وأنوار أجر ، ويكتسي من الرضاء ، بردا ، ومن الثواب ، بثياب ، والله تعالى هو الغني المغني الوهاب ، ولما علم وتيقن ، وظهر لديه وتبين ، لازال عمله يهديه الى مصالح العباد ، ومناهج المعاش والمعاد ، أن دوام هذه الأبنية الرفيعة ، والأمكنة المنيعة ، ودوام ما فيها من المنافع المعلومة ، والمباني المقسومة ، لا يمكن إلا بأوقاف دارة وأملاك نافعة غير ضارة ، بحيث يصرف مما يحصل منها من الريع والأجور ، عليها فتبقى ببقاء الإعصار والدهور ، ويحصل منها المعاليم للقوام ، والوظائف للخدام ، وما فضل يصرف لأولاده وأولاد أولاده الكرام ، أفرز من ماله ، وخالص مناله ، أملاكا عديدة ، قديمة وجديدة ،طارفة وتالدة ، باقية وخالدة ، دورا ودكاكين ، كروما وبساتين ، حمامات وطواحين ، قرى مزروعة ، ومزارع مذروعة ، بعد ما حصلها بمبايعات صحيحة شرعية ، ومعاقدات صحيحة مرعية ، على ما يشهد به الصكوك والحجج من قضاة الأنام ، وحكام الإسلام ، وصرف عليها أموالا وغررا ، وأفرغ لأجلها أكياسا وصررا ، كل ذلك طلبا لمرضاة ربه الكريم ، وهربا من عذابه الشديد وعقابه الأليم ، ( يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم )
وهذه تفاصيل تلك الأملاك ، نظمت نظم الدرر في الأسلاك ، ولنذكر أولا وصف (الجامع) وما يقربه من (العمارة) العامرة. وسائر الأبنية المتصلة به التي صب عليها سحب نعمه الهامرة ، ولنبين هيآتها بحقائقها ، ولنكشف عن حدودها وطرائقها.
أما (الجامع) المبارك ، المعمور بذكر الله تعالى وتبارك ، الواقع في قرية القنيطرة الكائنة في الناحية المعروفة بالشعراء فقد جعله الواقف –السابق ذكره الطيب ، الجاري على العالمين سحاب نواله الصيب ، جعله الله تعالى سبحانه ، مجمع الخيرات في الدنيا ديوانه ، وثقل في الآخرة من مبراته ميزانه ، -مشتملا على ساحة يدخل إليها من باب شرقي بالحسن موصوف منعوت ، مقنطر مبني بالحجر المنحوت ، من حديد ، صلب في الملبس شديد . ويعلوه (المكتب) برسم تعليم أطفال المسلمين على وجه الإصابة ، القرآن والكتابة ، ويشتمل على إيوان ومقعد ، وداخل به كانون فيه يوقد ، ويصعد إليه بسلم من حجر راص ، ويغلق عليه باب خاص . وبالساحة من جهة القبلة (الجامع) المذكور المرجح على جوامع الآفاق ، المشتمل على داخل ورواق ، فالداخل مشتمل على قبة معقودة بالمونة والآلات ، مرصص ظهرها من جميع الجهات ، مركب على أربع قناطر معقودة بالحجارة المنحوتة ، وتحت ذلك محراب مبني بالحجارة المنوعة المنقوشة المنعوتة ، ويمنة ذلك منبر وقبة كلاهما من نفس الخشب ، مدهونة محلاة كالقمر عليها هلال من نحاس مطلي بالذهب ، وبالجهة الشمالية سدة للقراء والمؤذنين ، معمولة من الخشب بأنواع النقش والتزيين ، مركبة على أعمدة من حجارة ، يقصر عن وصف حسنها العبارة ، وعن جانبي السدة حجرتان شرقية وغربية في قرن ، مقبوتان معقودتان بالحجارة والمون ، باطنها مجصص ، ظاهرها للإحكام مرصص ، وبداخل الجامع المشار إليه شبابيك من حديد ، مطلات على جنينة مستديرة حول هذا الجامع الفريد ، شرقا وغربا وقبلة ، على أسلوب لم يعمل مثله قبله ، وتشتمل الجنينة المذكورة على غراس ، مختلف الأنواع والأجناس ، وبها بركة يجري اليها الماء من دولاب الحمام ، وشرب الغراس من ذلك الماء على الدوام ، ويغلق على الجامع باب خاص بمصراعين ، مطبوعين مصنوعين ، ويعلوه تاريخ مكتوب فوق عتبته العليا ، يفهم منه عام البناء لفظا ومعنى ، وهي له ، حدود عام احدى وسبعين وتسعمائة ، والرواق اللامع ، في شمال الجامع ، وهو قسمان شرقي وغربي يفصل بينهما ممشى مبلط رائع ، يتوصل منه إلى باب الجامع ، ويشتمل على خمس قباب معقودة بالحجارة والمون ، مرصصات من ظاهرها على نهج متقن وأسلوب حسن ، راكبات على عضادتين وأربعة أعمدة من حجارة زرزورية ، بقناطر معقودة بالحجارة الملونة المنحوتة المجلية ،وبالقسيم الغربي من الرواق المذكور باب يصعد منه الى منارة ، في درج من حجارة ، مبنية بالآلات والمون ، على إحكام تام حسن ، وتجاه الرواق عين ماء نابعة ، مبنية على هيئة بركة رائعة ، ومبلط ما حولها باللاطون النفيس ، المحكم الجص والتأسيس ، وبالجانب الشرقي رواقان مقبوان معقودان بالحجارة والمون المنعوتة ، مرصصان على العضائد النفيسات المنحوتة ، وبطرف الجانب الشرقي إلى جهة الشمال ، باب يتوصل منه الى المكان الخال ، المعد لقضاء الحاجة على العادة ، وتجديد الطهارة للعبادة ، بداخله ست مرتفقات ، يرتفق بها ذوو الحاجات والضرورات ، وبظاهر الجدار الشرقي عشرة حوانيت ، بعضائد وقبو من الحجر النحيت ، تفتح منها الأغلاق ، إلى جهة حوش القلعة والإشراق ، وبظاهر جدار الميضآت سبيل ماء يجري معينا ، أصبح للشاردين والواردين معينا ، وسقوف المرتفقات والحوانيت ، قبو معقود من الحجارة المحكمة التثبيت ، وهو مرصص الظاهر ، ومركب على تسع قناطر ، و به خمس حجرات على سنن ، مقبوات بالحجارة والمون ، مرصصة الظاهر يغلق كل واحدة منها باب رصين ، معدة لنزول الواردين والمسافرين ، وبالجهة الشرقية رواق مقبو مرصص الظاهر ، مركب على ثماني قناطر ، و بها باب يتوصل منه إلى الكيلار. وباب ثان يتوصل منه الى مطبخ لطعام ذوي الأسفار ، وباب ثالث يتوصل منه إلى فرن . وبقرب ذلك خارج الرواق ، مخزن برسم الغلال يغلق عليه باب منه اليه الاستطراق ، مقبو جميع ذلك ، مرصص كباقي ما هنالك ، وبكل ذلك منافع وحقوق شرعية ، معتبرة محررة ورعية ، وبالجهة الغربية من جهة القبلة مكان لسكنى الخدام ، مشتمل على أربع عشرة حجرة للمعينين لخدمة ذلك المقام ، أربع قبليات ، وخمس شرقيات ، وخمس غربيات ، وعلو ذلك قبو معمول من الحجارة والمون ، نمط بديع وأسلوب حسن ، وبالمكان المذكور باب غربي مجدد يفتح إلى (حمام) بجهة الشمال ، وهو الموعود بذكره الكائن على هذا النمط وهذا المثال ، فله باب إلى جهة الشمال يفتح ، وله حوش مختص به ممدود به النظر يسرح ، ويتوصل من الباب إلى مسلخ به بركة ماء ناهدة ، بمصاطب مستديرة يعلو ذلك قبة كبيرة كاملة المحاسن قاعدة ، راكبة على أربع قناطر من الحجر المنحوت ، الكامل الأوصاف المنعوت ، ويتوصل من المسلخ إلى وسطاني وأمكنة ، وبيت حرارات ومقاصير وأجرنة ، تسعة معدودة ، وقبابه عشر موصوفة محدودة ، بها من الزجاج جامات ، عليها للحسن إمارات وعلامات ، وأرضه مفروشة من البلاط بأنواع ، حسنه لا شبهة فيه ولا نزاع ، وله واقميم معقود ذو أصل متين ، وأساس مبني عليه قدرتان من النحاس و به دولاب من خشب ومدار رصين ، لاستخراج الماء من بئر هناك به ماء معين ، ثم يصب إلى خزانة الحمام وبركته ، والى السبيل المذكور من جهته ، ويغلق على الاقميم المرصوص ، باب مخصوص ، ويعلوه بيت الحمامي له منافع مرعية ، ومرافق وحقوق شرعية ، ويحيط بجميع ما ذكر ووصف أعلاه ، حدود أربعة ، فمن القبلة : الطريق وتمامه الخان القديم ، الذي جدد بناءه الجناب الكريم ، حضرة مولانا الباشا الواقف المشار إليه ، أجزل الله ثوابه وأجرى الخير على يديه ، ومن الشرق : (حوش القلعة) المنصورة الخاقانية ، لازالت محروسة بعين عناية رب البرية ، وفيه (الباب المسلسل) المذكور أعلاه هنالك ، ومن الشمال : الطريق. ومن الغرب : كذلك ، وفيه (الباب الصغير) المجدد المذكر أعلاه ، بلغ الله باني ذلك كله مراده وما يتمناه.
المراجع :
1-كتاب الوقف من الصفحة 16 وحتى 23.
كتاب ( وثائق عثمانية حول الجولان ) جمعها وعلق عليها تيسير خلف من الصفحة 21 وحتى 27.
محمد زعل السلوم
فبنى في قرية القنيطرة "منزلا" للمترددين بين مصر والشام ، والزائرين القدس الشريف والمشهد الخليل وأبنائه الأنبياء العظام ، عليهم الصلاة والسلام. خلا أن آيات الدثور والبلى ، كانت تقرأ على صحائف أعمالها وتتلى ، ولم يبق منها إلا دمن وأطلال ، وأفياء من أثر حيطان وأظلال ، ورباط قديم ، كان المسافرون فيها على وجل عظيم ، لم يبق بها أنيس ، " إلا اليعافير وإلا العيس". فعمر أسافلها وأعاليها ، وجمع ساكنيها وأهاليها ، فصارت آهلة عامرة ، من بعد أن كانت برهج البلى غامرة ، ثم بنى بنية خالصة ، غير نية ولا ناقصة ، تصحح أعماله ، وتحصل آماله ، وتجمع له من الإخلاص ، السبائك الخلاص ، اقتداءا بمن سبل الخير وسنه ، وامتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم : " من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطا بنى الله له بيتا في الجنة " ، (جامعا) جامعا للمحاسن ، به هواء غير عفن وماء غير آسن ، فيه قبة ، كأنها للسماء قنة ، من وقف على سقفه ، يكاد يمس السماء بكفه ، عمدها لطاقاتها أوتاد ، له حرم كأنه ارم ذات العماد ، محرابه حاجب حوراء ، بلاطه صفحة قوراء ، إذا أزهرت قناديلها في الغياهب ، تراه السماء زينت بزينة الكواكب ، رخامه بالصفاء مرآة ، تجلى فيها وجوه المسرات ، قربها إذ قربها عيون ما لها من قرار ، واطمئنان القلوب بذكر الله أثناء الليل وأطراف النهار ، عندها منارة ، يقيم الدين عندها مناره ، طال واستقام ، فكان للحسن به قوام ، حسن مستقرا ومقاما ، ما قصر وما طال بل كان ذلك بين ذلك قواما ، عليها شرفة ، تحوي مجد السماء وشرفه ، له حرم تنبسط به الأرواح ،وتنتشر منه الأفراح ، مشرف منور ، مبلط مقور ، عنده بيوت رفيعة ، ذات قباب منيعة ، ينزل بها الواردون والصادرون ، ويبيت فيها المسافرون والمجاورون ، فيها أبواب وسرر عليها يتكؤون ، إذا نزل فيها المسافر ، من كل باد وحاضر ، يرى فيها دفئا ومنافع ، وطعاما يشبع كل جائع ، فينظر نفسه بعد معاناة بؤس وشقاء ، ومقاساة برد وشتاء ، في جنات النعيم ، بعد عذاب أليم.
وعندها (مكتب) لطيف ، يجمع أطفال الغني والضعيف ، يتلقون من كتاب الله سورا وأحزابا ، ويتعلمون للدرس والنفس حكما وآدابا. وفيها بيوت لطبخ الطعام ، وادخار الزاد والادام ، وفيها للثواب ، إسطبل للدواب. إلى غير ذلك من المباني النافعة والمغاني الرائعة ، فلما تم بالخبر بناؤها ، وعلا على أرضها سماؤها ، وقف (الجامع) المحفوف بالنور اللامع ، على كل مؤمن داع وسامع ، يصلي فيه لربه ، ويجلي به رين قلبه ، يتضرع إليه ويناجي ، باليوم المنير والليل ، الداجي ، ويتلو القرآن والأوراد ، سواء العاكف والباد.
ووقف (المكتب) على الصبيان ، و(العمارة) على الضيفان ، على الوجه المعتاد ، والأسلوب المرتاد ، ليتفلق من ليل عمله فجر ، يحتوي على أضواء ثواب وأنوار أجر ، ويكتسي من الرضاء ، بردا ، ومن الثواب ، بثياب ، والله تعالى هو الغني المغني الوهاب ، ولما علم وتيقن ، وظهر لديه وتبين ، لازال عمله يهديه الى مصالح العباد ، ومناهج المعاش والمعاد ، أن دوام هذه الأبنية الرفيعة ، والأمكنة المنيعة ، ودوام ما فيها من المنافع المعلومة ، والمباني المقسومة ، لا يمكن إلا بأوقاف دارة وأملاك نافعة غير ضارة ، بحيث يصرف مما يحصل منها من الريع والأجور ، عليها فتبقى ببقاء الإعصار والدهور ، ويحصل منها المعاليم للقوام ، والوظائف للخدام ، وما فضل يصرف لأولاده وأولاد أولاده الكرام ، أفرز من ماله ، وخالص مناله ، أملاكا عديدة ، قديمة وجديدة ،طارفة وتالدة ، باقية وخالدة ، دورا ودكاكين ، كروما وبساتين ، حمامات وطواحين ، قرى مزروعة ، ومزارع مذروعة ، بعد ما حصلها بمبايعات صحيحة شرعية ، ومعاقدات صحيحة مرعية ، على ما يشهد به الصكوك والحجج من قضاة الأنام ، وحكام الإسلام ، وصرف عليها أموالا وغررا ، وأفرغ لأجلها أكياسا وصررا ، كل ذلك طلبا لمرضاة ربه الكريم ، وهربا من عذابه الشديد وعقابه الأليم ، ( يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم )
وهذه تفاصيل تلك الأملاك ، نظمت نظم الدرر في الأسلاك ، ولنذكر أولا وصف (الجامع) وما يقربه من (العمارة) العامرة. وسائر الأبنية المتصلة به التي صب عليها سحب نعمه الهامرة ، ولنبين هيآتها بحقائقها ، ولنكشف عن حدودها وطرائقها.
أما (الجامع) المبارك ، المعمور بذكر الله تعالى وتبارك ، الواقع في قرية القنيطرة الكائنة في الناحية المعروفة بالشعراء فقد جعله الواقف –السابق ذكره الطيب ، الجاري على العالمين سحاب نواله الصيب ، جعله الله تعالى سبحانه ، مجمع الخيرات في الدنيا ديوانه ، وثقل في الآخرة من مبراته ميزانه ، -مشتملا على ساحة يدخل إليها من باب شرقي بالحسن موصوف منعوت ، مقنطر مبني بالحجر المنحوت ، من حديد ، صلب في الملبس شديد . ويعلوه (المكتب) برسم تعليم أطفال المسلمين على وجه الإصابة ، القرآن والكتابة ، ويشتمل على إيوان ومقعد ، وداخل به كانون فيه يوقد ، ويصعد إليه بسلم من حجر راص ، ويغلق عليه باب خاص . وبالساحة من جهة القبلة (الجامع) المذكور المرجح على جوامع الآفاق ، المشتمل على داخل ورواق ، فالداخل مشتمل على قبة معقودة بالمونة والآلات ، مرصص ظهرها من جميع الجهات ، مركب على أربع قناطر معقودة بالحجارة المنحوتة ، وتحت ذلك محراب مبني بالحجارة المنوعة المنقوشة المنعوتة ، ويمنة ذلك منبر وقبة كلاهما من نفس الخشب ، مدهونة محلاة كالقمر عليها هلال من نحاس مطلي بالذهب ، وبالجهة الشمالية سدة للقراء والمؤذنين ، معمولة من الخشب بأنواع النقش والتزيين ، مركبة على أعمدة من حجارة ، يقصر عن وصف حسنها العبارة ، وعن جانبي السدة حجرتان شرقية وغربية في قرن ، مقبوتان معقودتان بالحجارة والمون ، باطنها مجصص ، ظاهرها للإحكام مرصص ، وبداخل الجامع المشار إليه شبابيك من حديد ، مطلات على جنينة مستديرة حول هذا الجامع الفريد ، شرقا وغربا وقبلة ، على أسلوب لم يعمل مثله قبله ، وتشتمل الجنينة المذكورة على غراس ، مختلف الأنواع والأجناس ، وبها بركة يجري اليها الماء من دولاب الحمام ، وشرب الغراس من ذلك الماء على الدوام ، ويغلق على الجامع باب خاص بمصراعين ، مطبوعين مصنوعين ، ويعلوه تاريخ مكتوب فوق عتبته العليا ، يفهم منه عام البناء لفظا ومعنى ، وهي له ، حدود عام احدى وسبعين وتسعمائة ، والرواق اللامع ، في شمال الجامع ، وهو قسمان شرقي وغربي يفصل بينهما ممشى مبلط رائع ، يتوصل منه إلى باب الجامع ، ويشتمل على خمس قباب معقودة بالحجارة والمون ، مرصصات من ظاهرها على نهج متقن وأسلوب حسن ، راكبات على عضادتين وأربعة أعمدة من حجارة زرزورية ، بقناطر معقودة بالحجارة الملونة المنحوتة المجلية ،وبالقسيم الغربي من الرواق المذكور باب يصعد منه الى منارة ، في درج من حجارة ، مبنية بالآلات والمون ، على إحكام تام حسن ، وتجاه الرواق عين ماء نابعة ، مبنية على هيئة بركة رائعة ، ومبلط ما حولها باللاطون النفيس ، المحكم الجص والتأسيس ، وبالجانب الشرقي رواقان مقبوان معقودان بالحجارة والمون المنعوتة ، مرصصان على العضائد النفيسات المنحوتة ، وبطرف الجانب الشرقي إلى جهة الشمال ، باب يتوصل منه الى المكان الخال ، المعد لقضاء الحاجة على العادة ، وتجديد الطهارة للعبادة ، بداخله ست مرتفقات ، يرتفق بها ذوو الحاجات والضرورات ، وبظاهر الجدار الشرقي عشرة حوانيت ، بعضائد وقبو من الحجر النحيت ، تفتح منها الأغلاق ، إلى جهة حوش القلعة والإشراق ، وبظاهر جدار الميضآت سبيل ماء يجري معينا ، أصبح للشاردين والواردين معينا ، وسقوف المرتفقات والحوانيت ، قبو معقود من الحجارة المحكمة التثبيت ، وهو مرصص الظاهر ، ومركب على تسع قناطر ، و به خمس حجرات على سنن ، مقبوات بالحجارة والمون ، مرصصة الظاهر يغلق كل واحدة منها باب رصين ، معدة لنزول الواردين والمسافرين ، وبالجهة الشرقية رواق مقبو مرصص الظاهر ، مركب على ثماني قناطر ، و بها باب يتوصل منه إلى الكيلار. وباب ثان يتوصل منه الى مطبخ لطعام ذوي الأسفار ، وباب ثالث يتوصل منه إلى فرن . وبقرب ذلك خارج الرواق ، مخزن برسم الغلال يغلق عليه باب منه اليه الاستطراق ، مقبو جميع ذلك ، مرصص كباقي ما هنالك ، وبكل ذلك منافع وحقوق شرعية ، معتبرة محررة ورعية ، وبالجهة الغربية من جهة القبلة مكان لسكنى الخدام ، مشتمل على أربع عشرة حجرة للمعينين لخدمة ذلك المقام ، أربع قبليات ، وخمس شرقيات ، وخمس غربيات ، وعلو ذلك قبو معمول من الحجارة والمون ، نمط بديع وأسلوب حسن ، وبالمكان المذكور باب غربي مجدد يفتح إلى (حمام) بجهة الشمال ، وهو الموعود بذكره الكائن على هذا النمط وهذا المثال ، فله باب إلى جهة الشمال يفتح ، وله حوش مختص به ممدود به النظر يسرح ، ويتوصل من الباب إلى مسلخ به بركة ماء ناهدة ، بمصاطب مستديرة يعلو ذلك قبة كبيرة كاملة المحاسن قاعدة ، راكبة على أربع قناطر من الحجر المنحوت ، الكامل الأوصاف المنعوت ، ويتوصل من المسلخ إلى وسطاني وأمكنة ، وبيت حرارات ومقاصير وأجرنة ، تسعة معدودة ، وقبابه عشر موصوفة محدودة ، بها من الزجاج جامات ، عليها للحسن إمارات وعلامات ، وأرضه مفروشة من البلاط بأنواع ، حسنه لا شبهة فيه ولا نزاع ، وله واقميم معقود ذو أصل متين ، وأساس مبني عليه قدرتان من النحاس و به دولاب من خشب ومدار رصين ، لاستخراج الماء من بئر هناك به ماء معين ، ثم يصب إلى خزانة الحمام وبركته ، والى السبيل المذكور من جهته ، ويغلق على الاقميم المرصوص ، باب مخصوص ، ويعلوه بيت الحمامي له منافع مرعية ، ومرافق وحقوق شرعية ، ويحيط بجميع ما ذكر ووصف أعلاه ، حدود أربعة ، فمن القبلة : الطريق وتمامه الخان القديم ، الذي جدد بناءه الجناب الكريم ، حضرة مولانا الباشا الواقف المشار إليه ، أجزل الله ثوابه وأجرى الخير على يديه ، ومن الشرق : (حوش القلعة) المنصورة الخاقانية ، لازالت محروسة بعين عناية رب البرية ، وفيه (الباب المسلسل) المذكور أعلاه هنالك ، ومن الشمال : الطريق. ومن الغرب : كذلك ، وفيه (الباب الصغير) المجدد المذكر أعلاه ، بلغ الله باني ذلك كله مراده وما يتمناه.
المراجع :
1-كتاب الوقف من الصفحة 16 وحتى 23.
كتاب ( وثائق عثمانية حول الجولان ) جمعها وعلق عليها تيسير خلف من الصفحة 21 وحتى 27.
تعليق