بسم الله الرحمن الرحيم
أعود إليكم أيها الأخوة والأخوات الكرام لاستكمال موضوعنا السابق "قطع الذراع الطويلة 1-2" الذي نناقش من خلاله التغول الصهيوني عبر أقوى أسلحته، ألا وهو سلاح الطيران. ومدى قدرة البلدان العربية بإيجاد سبل لتعطيل هذا السلاح، أو تحييده على الأقل. وسنطرح نموذجا لهذه المسألة من خلال واقعة الهجوم على مفاعل تموز العراقي عام 1981، التي يعرضها هذا الفيلم الوثائقي النادر.
docuwiki
الفيلم الوثائقي من إنتاج عام 2006. وقدم على قناة أمريكية تسمى "القناة العسكرية". ورغم أن هذا العمل لا يتسم بالحياد أو التوازن بعرض وجهات النظر ويلجأ لتبني وجهة النظر الصهيونية من زاوية هذا العمل المتهور، إلا إنه من ناحية أخرى يعرض لنا تفاصيلا عديدة ربما لم تطرح من قبل، وكذلك مقابلات مع الطيارين الذين قاموا بالغارة. ورغم أن الفيلم يعرض الصلف والغرور الصهيوني وافتخاره بسلاحه ذو الذراع الطويلة، إلا إن هذا العامل بحد ذاته قد يفيدنا من ناحية معاينة مواطن القوة بالعدو لدراسة كيفية تجاوزها والتغلب عليها مستقبلا. وبالتالي لا أظن أن من غير الجيد طرح مثل هذه الأعمال ما دامت تقدم لنا شرحا عمليا عن نفسية العدو وتفسير أبعادها، بالإضافة إلى دراسة مكامن القوة العسكرية به وإيجاد السبل الكفيلة بالتغلب عليها أو تحييدها، وهذا الأمر سيتولاه الخبراء العسكريون بلا شك، فالحرب بيننا وبين الكيان الصهيوني قائمة لا محالة، وعلينا بهذا الإطار أن ندرك بعمق -كما اعتقد- عاملين مهمين:
الأول: إذا دخلنا بحرب وصراع مسلح شامل مع العدو الصهيوني، لا بد أن نتيقن أننا سنحارب أمريكا كذلك، وربما الغرب عموما. وعلينا أن نستعد لذلك خير استعداد، ولا نكرر خطأ حرب أكتوبر 1973 حين اقتربنا من نصر كاسح ولكننا اكتشفنا دعم أمريكا الكامل لإسرائيل، فتراجعنا.
الثاني: عدم قدرة الدول العربية على شن مثل هذه الحرب ما لم يتجسد تخطيط استراتيجي موحد لتحقيق نجاح مأمول بهذه الحرب. وضرورة تجاوز الخلافات مع الأقاليم المجاورة للعالم العربي حتى لا نقع بدوامة محاربة عدوين بوقت واحد، وهي المعادلة التي نجح بتطبيقها الكيان الصهيوني في حروبه مع العرب.
ولكن كل هذا يتطلب بطبيعة الحال تغييرا شاملا للأنظمة العربية الفاسدة والتي صنفت ضمن إطار "حقبة الاستعمار الثاني"، وعودة القرار والإرادة للشعوب التي ستعمل لا محالة على تخليص الوطن العربي من هذا التكبيل والهيمنة والتسلط التي يرزح تحتها.
موقع المفاعل بعد تدميره
وعندما نعود لموضوع ترجمة هذا الفيلم الوثائقي، فلا بد أن نشرح -لا سيما للأخوة غير العراقيين- خلفيات البرنامج النووي العراقي وبدء التفكير به. ولكن قبل التطرق لهذا الأمر، لا بد أن نؤكد حقيقة هامة وهي حرية كل بلد بقراره في الحصول على جميع أنواع الطاقات السلمية ومنها الطاقة النووية، سواء إيران أو العراق أو أي بلد آخر. وقد أجريتُ حوارا بأحد المنتديات العربية مع زميل وهو الاستاذ الفاضل أعيان القيسي، وتفضل من جانبه بتقديم مشاركات بحثية موسعة حول بداية فكرة البرنامج النووي العراقي وتطوره إلى لحظة غارة الكيان الصهيوني على المفاعل المخصص للبرنامج "مفاعل تموز" وحتى إجهاز الطائرات الأمريكية عليه بحرب الخليج الثانية عام 1991. واترككم مع هذه المشاركات مع تحفظي لما قد يرد بها من انطباعات ذاتية لكاتبيها أو معلومات غير مثبتة بالدلائل القاطعة قد تخرجنا عن مسار الموضوع:
البرنامج النووي العراقي 1
البرنامج النووي العراقي 2
البرنامج النووي العراقي 3
والحقيقة، أنه من المؤسف أن يتعرض مشروع وطني كالبرنامج النووي العراقي للتدمير إثر حلقات صهيونية واضحة وواسعة من المخططات والتآمر والتصفيات. ولعل هذا الأمر يضعنا أمام حقيقة جلية ومفادها أن أنظمة الطغيان والاستبداد لن تستطيع، مهما بلغ بمتسلطيها القدرة العقلية الذكية أو إمساكها بزمام الإدارة بشكل قوي، أن تجلب التنمية والرخاء للمواطن العربي، ناهيك عن توفير الأمن القومي والاستراتيجي مهما بلغت قوتها العسكرية. وكما يقال، فاقد الشيء لا يعطيه. فمثل هذه الأنظمة حتى وإن هتفت بشعارات العروبة والقومية والتقدم فإنها لا تملك أن تسير نحو أي وجهة واضحة، لأنها -حسب رأيي المتواضع- لا تعبر بصورة شرعية سليمة عن آمال وأهداف الأمة. وقد ذكرنا بموضوع سابق أن الأنظمة العربية تدور بفلك الثالوث المدمر لحكم الدول وهو كالآتي:
ولا يشفع لأي نظام عربي التعافي من أحد أضلاع هذا الثالوث، لكي يكون نظاما شرعيا سليما يعبر عن مطالب شعبه وطموحاته بالحرية والكرامة والعدل والمساواة. فأنظمتنا العربية معظمها جاء عبر انقلابات عسكرية دموية، أو من خلال حكم عائلي متخلف يرفض التطور ومواكبة المباديء السليمة بالحكم. والنظام العراقي السابق الذي سقط بعد الغزو الأمريكي عام 2003، لا يختلف عن سمات مثل هذه الأنظمة، بينما النظام القائم حاليا في بغداد ليس بأفضل منه حالا فهو يفتقد للشرعية كون معظم المتسلقين به جاؤوا على ظهر الدبابات الأمريكية بالإضافة إلى أن الانتخابات التي يزعمون اجراءها مشبوهة وأقيمت على أشلاء من يرفضها. ولعلني أحاول ابداء أكبر قدر ممكن من الموضوعية حين افترض أنه لو سلمنا جدلا بأن ذلك النظام السابق غير مصاب بأعراض العاملين الثاني والثالث بالثالوث المذكور، إلا إن العامل الأول، وهو الاستئثار بالقرار السياسي، أودى لوحده بالبلاد إلى كوارث قومية كبرى كان آخرها غزو 2003 واحتلال البلاد على يد الغزاة. ويجب أن يكون هذا درسا قاسيا ومؤلما لنا كعرب بأن نتعلم من تجربتنا المريرة وأننا إذا لم نحسن من تدبير أمورنا فإن الأمم الأخرى واقفة بالمرصاد لنا لتستحل ما نمتلك ولتنهب ما نكتنز. فدعونا من تمجيد الطغاة أيًا كانوا، ودعونا لا نتباكى على نهاياتهم، فهذا من صنيع أيديهم.
الرئيس العراقي الراحل صدام حسين كنا نشعر نحوه بالعز والفخر والتمجيد ونكثر حين يتم ذكره من التهليل والتكبير قبيل الثاني من أغسطس/آب 1990. نعم، هكذا كنا. ولم تكن تجد شارعا بالكويت إلا يفتخر بشخصه. لكن قرارا واحدا منه أودى بالعراق والكويت بل بالأمة العربية جمعاء بدوامة سحيقة لم نخرج منها حتى الآن. يكفينا أن نذكر موبقة من موبقات تلك الأزمة وتمثلت بانتشار وتكريس كره العرب لبعضهم البعض أو توجسهم من بعض أو وقوع حزازيات فيما بينهم جراء طامة 1990، ومن ينفي ذلك فهو مكابر ويخادع نفسه. والكل يدرك بالعراق أن قرار غزو أو اجتياح الكويت كان فرديا بالمطلق ولم تستشر به الأمة ولم يأخذ به رأيها رغم أنه من أخطر القرارات على الإطلاق. ولن أتشعب بهذا الأمر كثيرا حتى لا نخرج عن مادة الموضوع كثيرا.
خريط للمفاعل
والأمر الواضح للعيان أن مسألة طريقة إدارة البرنامج النووي العراقي تندرج كذلك تحت عامل الاستئثار بالقرار السياسي وعدم استشارة الأمة بالطرق الديمقراطية بأفضل السبل بكيفية إدارة هذا الملف. فكما يشير الاستاذ أعيان القيسي أن الرئيس السابق صدام حسين ارتكب خطأ فادحا بتصريحه لإحدى الصحف أن البرنامج النووي سينتج قنبلة نووية عربية بالمستقبل، مما فتح الأبصار والمؤامرات الصهيونية على المشروع. ولعلي أضيف على ذلك أمرا واضحا ولا يحتاج لتفسير، وهو أنه، هل يعقل أن يلجأ لفرنسا بالذات لكي تزوده بتقنيات تطوير وإنشاء المفاعل النووي العراقي؟ من لديه اطلاع بسيط على الملفات التاريخية سيكتشف أن من قدم للكيان الصهيوني كل التقنيات النووية الموجودة بمفاعلها في ديمونة ليس أمريكا ولا بريطانيا ولا الاتحاد السوفييتي، بل فرنسا وذلك بمنتصف الخمسينات تقريبا. فكيف يذهب المرء لعدو من أعدائه ليطلب منه الحصول على ذات التقنية المدمرة كما فعلت فرنسا حينما قدمتها للصهاينة نكاية بالعرب الذين سعوا لاستقلال الجزائر. وهل تكفي علاقة صدام حسين الشخصية بجاك شيراك للتصديق بأن المشروع سينفذه الفرنسيون بدقة وبأمانة؟ إذن فمصير الأمة معلق بهذه العلاقة المريبة والتي تنامت خلف الأسوار طمعا بأموال الشعب العراقي التي دفعت دون رقابة أو مساءلة أو محاسبة. ثم هل يعقل ألا يكون لمثل هذا المشروع المكلف والخطير نوع من أنواع التأمين حتى لا تذهب أموال الشعب هباء منثورا؟ على حد علمي لم أجد معلومة بهذا الشأن. ولكن من يستأثر بالقرار السياسي للأمة لا يؤمن بدور المحاسبة والرقابة الشعبية على المال العام. ونحن نتحدث هنا عن فترة الرخاء الاقتصادي بالعراق، أي ما بين عام 1974 و1982 وقبل أن تشتد وطأة الحرب العراقية الإيرانية. ولكن بعد ذلك التاريخ لم يكن هناك من داعي للتأسف على المال العام، فقد ضاع ما هو أغلى من كنوز الدنيا وأموالها ألا وهم خيرة شباب العراق بالحروب الكارثية، وزهقت الكثير من أرواح أطفال البلد جراء الحصار الطويل، بكل أسف وألم.
وما يثير الاستغراب والدهشة أن الطائرات الصهيونية لم تتعرض كما ذكرت المصادر -والفيلم كذلك- لأي مقاومة أو اعتراض في الأجواء السعودية رغم حصول المملكة آنذاك على أسطول حديث من طائرات الإيواكس الاستطلاعية. ولا أعلم ما هي فائدة مثل هذه الطائرات باهظة الثمن إذا لم تعترض أو تشوش على أي طائرات دخيلة ومعادية على حدودها. فهل هي مثلا مجرد ديكور أو للزينة فقط؟ أما بالعراق، فكان الوضع أدهى وأمر. فيقول الطيارون الصهاينة أنهم كمن ذهب في نزهة. أما أحد كبرائهم الذين علموهم "الطيران" الجنرال عاموس يادلين فقال بالحرف "أنه شعر بالمفاجأة من عدم وجود أي اعتراض لنا بالعراق، وأشعر بخيبة الأمل لذلك". فالطيارون الصهاينة لم يواجهوا لا طائرات ميج ولا حتى تشويش راداري أو الكتروني. ومن المثير للاستياء أن يقدم الرئيس السابق صدام حسين على إعدام 14 ضابط وجندي لهذا التقصير، فهو قد اختزل الخلل الهائل بالمنظومة الدفاعية بهؤلاء الجنود المساكين. بينما أن الاختراق الأكبر والأفدح واضح وضوح الشمس، فالصهاينة كانوا يعرفون بدقة مواعيد تبديل نوبات العمل من نوبة النهار إلى الليل وهي تحدث ما بين الساعة 17:35 إلى 18:00 بمساء ذلك اليوم الصيفي المشؤوم. ويعلمون كذلك أن الخبراء الفرنسيين لا يتواجدون يوم الأحد وهو يوم تنفيذ العملية. وهكذا فإن الاختراق ضارب أطنابه ليس بالعراق فحسب بل بجميع الدول العربية من قبل الأجهزة الجاسوسية الصهيونية سيئة الصيت. ولكن احتواءها ليس من الصعوبة بمكان فيما لو كانت لنا أنظمة ديمقراطية تحرص على الإنسان وحريته وكرامته، أما بحالة الأنظمة المستبدة فإن خيانتها مثل شرب كوب الماء، فالخائن سيقول حينها أنه سيخون النظام وليس الدولة!
وقفة إجلال تحيةً للشهيد
لا بد أن نذكر هنا تحية إجلال وتقدير للشهيد البطل د. يحيى المشد الذي اعترف الفيلم الوثائقي الذي نعرضه اليوم أنه رفض جميع الاغراءات التي قدمت له من مال ونساء ومركز مقابل ما يؤمن به كعالم عربي أصيل. وأتذكر أنني قرأت مقالات مطولة عن مآثره بجريدة الأنباء الكويتية بالفترة من عام 1987 إلى 1988، وما زالت ذكرى هذا الشهيد ماثلة بمخيلتي حتى الآن، فهو رمز للصمود وعدم الرضوخ لقوى الظلام، بناءً الحق وليس من أجل الباطل. وكما ذكر بحث الاستاذ أعيان القيسي، فإن من قتل العالم الشهيد هم أفراد الموساد الجبناء، ولكن النظام العراقي السابق يتحمل مسؤولية اختراقه واكتشاف موقعه للجواسيس الصهاينة، فضلا عن عدم توفير حماية مناسبة له في فرنسا، والنظام العراقي يعلم أنها تعج بالجواسيس اليهود ومن والاهم. وبهذا الأسلوب الرديء لن نربح أية حرب مقبلة، بل ولاحتى "خناقة شارع".
عن ترجمة
تعتبر هذه الترجمة السماعية ضمن مجموعة أفلام وحلقات وثائقية كنت قد وعدت بترجمتها سماعيا وشاركني ببعضها عدد من زملائي الكرام ومنها مثلا مؤامرة إغراق السفينة ليبرتي والدماء والنفط: الشرق الأوسط بالحرب العالمية الأولى ثم سلسلة إيران والغرب ثم سلسلة صراع الحضارات ثم برنامج هل ستقصف إسرائيل إيران؟ وأخيرا غارة على المفاعل. وبهذا فإنني أعلن استأذنكم بعدم خوض ترجمات سماعية بالمرحلة المقبلة لكي آخذ فرصة لالتقاط الأنفاس. ولكن سأقتحم بإذن الله سلسلة أخرى قريبا وهي Getting Our Way وتتحدث عن الدبلوماسية البريطانية وقواعدها وتطورها التاريخي، وآمل أن تنال رضاكم واستحسانكم بإذنه تعالى. وأتمنى كذلك أن تكون كل الأعمال الوثائقية المترجمة قد أصابت شيئا من الفائدة لدى الأخوة المشاهدين عموما.
التورنت
من هنا
رابط ملف الترجمة
من هنا
الفيلم الوثائقي مترجما على اليوتيوب
وتقبلوا من مترجم العمل أطيب تحية
فيصل كريم
أعود إليكم أيها الأخوة والأخوات الكرام لاستكمال موضوعنا السابق "قطع الذراع الطويلة 1-2" الذي نناقش من خلاله التغول الصهيوني عبر أقوى أسلحته، ألا وهو سلاح الطيران. ومدى قدرة البلدان العربية بإيجاد سبل لتعطيل هذا السلاح، أو تحييده على الأقل. وسنطرح نموذجا لهذه المسألة من خلال واقعة الهجوم على مفاعل تموز العراقي عام 1981، التي يعرضها هذا الفيلم الوثائقي النادر.
docuwiki
الفيلم الوثائقي من إنتاج عام 2006. وقدم على قناة أمريكية تسمى "القناة العسكرية". ورغم أن هذا العمل لا يتسم بالحياد أو التوازن بعرض وجهات النظر ويلجأ لتبني وجهة النظر الصهيونية من زاوية هذا العمل المتهور، إلا إنه من ناحية أخرى يعرض لنا تفاصيلا عديدة ربما لم تطرح من قبل، وكذلك مقابلات مع الطيارين الذين قاموا بالغارة. ورغم أن الفيلم يعرض الصلف والغرور الصهيوني وافتخاره بسلاحه ذو الذراع الطويلة، إلا إن هذا العامل بحد ذاته قد يفيدنا من ناحية معاينة مواطن القوة بالعدو لدراسة كيفية تجاوزها والتغلب عليها مستقبلا. وبالتالي لا أظن أن من غير الجيد طرح مثل هذه الأعمال ما دامت تقدم لنا شرحا عمليا عن نفسية العدو وتفسير أبعادها، بالإضافة إلى دراسة مكامن القوة العسكرية به وإيجاد السبل الكفيلة بالتغلب عليها أو تحييدها، وهذا الأمر سيتولاه الخبراء العسكريون بلا شك، فالحرب بيننا وبين الكيان الصهيوني قائمة لا محالة، وعلينا بهذا الإطار أن ندرك بعمق -كما اعتقد- عاملين مهمين:
الأول: إذا دخلنا بحرب وصراع مسلح شامل مع العدو الصهيوني، لا بد أن نتيقن أننا سنحارب أمريكا كذلك، وربما الغرب عموما. وعلينا أن نستعد لذلك خير استعداد، ولا نكرر خطأ حرب أكتوبر 1973 حين اقتربنا من نصر كاسح ولكننا اكتشفنا دعم أمريكا الكامل لإسرائيل، فتراجعنا.
الثاني: عدم قدرة الدول العربية على شن مثل هذه الحرب ما لم يتجسد تخطيط استراتيجي موحد لتحقيق نجاح مأمول بهذه الحرب. وضرورة تجاوز الخلافات مع الأقاليم المجاورة للعالم العربي حتى لا نقع بدوامة محاربة عدوين بوقت واحد، وهي المعادلة التي نجح بتطبيقها الكيان الصهيوني في حروبه مع العرب.
ولكن كل هذا يتطلب بطبيعة الحال تغييرا شاملا للأنظمة العربية الفاسدة والتي صنفت ضمن إطار "حقبة الاستعمار الثاني"، وعودة القرار والإرادة للشعوب التي ستعمل لا محالة على تخليص الوطن العربي من هذا التكبيل والهيمنة والتسلط التي يرزح تحتها.
موقع المفاعل بعد تدميره
وعندما نعود لموضوع ترجمة هذا الفيلم الوثائقي، فلا بد أن نشرح -لا سيما للأخوة غير العراقيين- خلفيات البرنامج النووي العراقي وبدء التفكير به. ولكن قبل التطرق لهذا الأمر، لا بد أن نؤكد حقيقة هامة وهي حرية كل بلد بقراره في الحصول على جميع أنواع الطاقات السلمية ومنها الطاقة النووية، سواء إيران أو العراق أو أي بلد آخر. وقد أجريتُ حوارا بأحد المنتديات العربية مع زميل وهو الاستاذ الفاضل أعيان القيسي، وتفضل من جانبه بتقديم مشاركات بحثية موسعة حول بداية فكرة البرنامج النووي العراقي وتطوره إلى لحظة غارة الكيان الصهيوني على المفاعل المخصص للبرنامج "مفاعل تموز" وحتى إجهاز الطائرات الأمريكية عليه بحرب الخليج الثانية عام 1991. واترككم مع هذه المشاركات مع تحفظي لما قد يرد بها من انطباعات ذاتية لكاتبيها أو معلومات غير مثبتة بالدلائل القاطعة قد تخرجنا عن مسار الموضوع:
البرنامج النووي العراقي 1
البرنامج النووي العراقي 2
البرنامج النووي العراقي 3
والحقيقة، أنه من المؤسف أن يتعرض مشروع وطني كالبرنامج النووي العراقي للتدمير إثر حلقات صهيونية واضحة وواسعة من المخططات والتآمر والتصفيات. ولعل هذا الأمر يضعنا أمام حقيقة جلية ومفادها أن أنظمة الطغيان والاستبداد لن تستطيع، مهما بلغ بمتسلطيها القدرة العقلية الذكية أو إمساكها بزمام الإدارة بشكل قوي، أن تجلب التنمية والرخاء للمواطن العربي، ناهيك عن توفير الأمن القومي والاستراتيجي مهما بلغت قوتها العسكرية. وكما يقال، فاقد الشيء لا يعطيه. فمثل هذه الأنظمة حتى وإن هتفت بشعارات العروبة والقومية والتقدم فإنها لا تملك أن تسير نحو أي وجهة واضحة، لأنها -حسب رأيي المتواضع- لا تعبر بصورة شرعية سليمة عن آمال وأهداف الأمة. وقد ذكرنا بموضوع سابق أن الأنظمة العربية تدور بفلك الثالوث المدمر لحكم الدول وهو كالآتي:
1- استئثار قلة قليلة لا تعبر عن آمال الأمة بالقرار السياسي ولا تعتبر الشعب مرجعا لها.
2- سوء توزيع الثروة ما بين الشعب، إن لم نقل نهبها أو سفحها على ملذات أهل السلطة.
3- التبعية للأجنبي وللقوى الأقليمية أو العظمى والبحث عن الشرعية منها حصرا.
2- سوء توزيع الثروة ما بين الشعب، إن لم نقل نهبها أو سفحها على ملذات أهل السلطة.
3- التبعية للأجنبي وللقوى الأقليمية أو العظمى والبحث عن الشرعية منها حصرا.
ولا يشفع لأي نظام عربي التعافي من أحد أضلاع هذا الثالوث، لكي يكون نظاما شرعيا سليما يعبر عن مطالب شعبه وطموحاته بالحرية والكرامة والعدل والمساواة. فأنظمتنا العربية معظمها جاء عبر انقلابات عسكرية دموية، أو من خلال حكم عائلي متخلف يرفض التطور ومواكبة المباديء السليمة بالحكم. والنظام العراقي السابق الذي سقط بعد الغزو الأمريكي عام 2003، لا يختلف عن سمات مثل هذه الأنظمة، بينما النظام القائم حاليا في بغداد ليس بأفضل منه حالا فهو يفتقد للشرعية كون معظم المتسلقين به جاؤوا على ظهر الدبابات الأمريكية بالإضافة إلى أن الانتخابات التي يزعمون اجراءها مشبوهة وأقيمت على أشلاء من يرفضها. ولعلني أحاول ابداء أكبر قدر ممكن من الموضوعية حين افترض أنه لو سلمنا جدلا بأن ذلك النظام السابق غير مصاب بأعراض العاملين الثاني والثالث بالثالوث المذكور، إلا إن العامل الأول، وهو الاستئثار بالقرار السياسي، أودى لوحده بالبلاد إلى كوارث قومية كبرى كان آخرها غزو 2003 واحتلال البلاد على يد الغزاة. ويجب أن يكون هذا درسا قاسيا ومؤلما لنا كعرب بأن نتعلم من تجربتنا المريرة وأننا إذا لم نحسن من تدبير أمورنا فإن الأمم الأخرى واقفة بالمرصاد لنا لتستحل ما نمتلك ولتنهب ما نكتنز. فدعونا من تمجيد الطغاة أيًا كانوا، ودعونا لا نتباكى على نهاياتهم، فهذا من صنيع أيديهم.
الرئيس العراقي الراحل صدام حسين كنا نشعر نحوه بالعز والفخر والتمجيد ونكثر حين يتم ذكره من التهليل والتكبير قبيل الثاني من أغسطس/آب 1990. نعم، هكذا كنا. ولم تكن تجد شارعا بالكويت إلا يفتخر بشخصه. لكن قرارا واحدا منه أودى بالعراق والكويت بل بالأمة العربية جمعاء بدوامة سحيقة لم نخرج منها حتى الآن. يكفينا أن نذكر موبقة من موبقات تلك الأزمة وتمثلت بانتشار وتكريس كره العرب لبعضهم البعض أو توجسهم من بعض أو وقوع حزازيات فيما بينهم جراء طامة 1990، ومن ينفي ذلك فهو مكابر ويخادع نفسه. والكل يدرك بالعراق أن قرار غزو أو اجتياح الكويت كان فرديا بالمطلق ولم تستشر به الأمة ولم يأخذ به رأيها رغم أنه من أخطر القرارات على الإطلاق. ولن أتشعب بهذا الأمر كثيرا حتى لا نخرج عن مادة الموضوع كثيرا.
خريط للمفاعل
والأمر الواضح للعيان أن مسألة طريقة إدارة البرنامج النووي العراقي تندرج كذلك تحت عامل الاستئثار بالقرار السياسي وعدم استشارة الأمة بالطرق الديمقراطية بأفضل السبل بكيفية إدارة هذا الملف. فكما يشير الاستاذ أعيان القيسي أن الرئيس السابق صدام حسين ارتكب خطأ فادحا بتصريحه لإحدى الصحف أن البرنامج النووي سينتج قنبلة نووية عربية بالمستقبل، مما فتح الأبصار والمؤامرات الصهيونية على المشروع. ولعلي أضيف على ذلك أمرا واضحا ولا يحتاج لتفسير، وهو أنه، هل يعقل أن يلجأ لفرنسا بالذات لكي تزوده بتقنيات تطوير وإنشاء المفاعل النووي العراقي؟ من لديه اطلاع بسيط على الملفات التاريخية سيكتشف أن من قدم للكيان الصهيوني كل التقنيات النووية الموجودة بمفاعلها في ديمونة ليس أمريكا ولا بريطانيا ولا الاتحاد السوفييتي، بل فرنسا وذلك بمنتصف الخمسينات تقريبا. فكيف يذهب المرء لعدو من أعدائه ليطلب منه الحصول على ذات التقنية المدمرة كما فعلت فرنسا حينما قدمتها للصهاينة نكاية بالعرب الذين سعوا لاستقلال الجزائر. وهل تكفي علاقة صدام حسين الشخصية بجاك شيراك للتصديق بأن المشروع سينفذه الفرنسيون بدقة وبأمانة؟ إذن فمصير الأمة معلق بهذه العلاقة المريبة والتي تنامت خلف الأسوار طمعا بأموال الشعب العراقي التي دفعت دون رقابة أو مساءلة أو محاسبة. ثم هل يعقل ألا يكون لمثل هذا المشروع المكلف والخطير نوع من أنواع التأمين حتى لا تذهب أموال الشعب هباء منثورا؟ على حد علمي لم أجد معلومة بهذا الشأن. ولكن من يستأثر بالقرار السياسي للأمة لا يؤمن بدور المحاسبة والرقابة الشعبية على المال العام. ونحن نتحدث هنا عن فترة الرخاء الاقتصادي بالعراق، أي ما بين عام 1974 و1982 وقبل أن تشتد وطأة الحرب العراقية الإيرانية. ولكن بعد ذلك التاريخ لم يكن هناك من داعي للتأسف على المال العام، فقد ضاع ما هو أغلى من كنوز الدنيا وأموالها ألا وهم خيرة شباب العراق بالحروب الكارثية، وزهقت الكثير من أرواح أطفال البلد جراء الحصار الطويل، بكل أسف وألم.
وما يثير الاستغراب والدهشة أن الطائرات الصهيونية لم تتعرض كما ذكرت المصادر -والفيلم كذلك- لأي مقاومة أو اعتراض في الأجواء السعودية رغم حصول المملكة آنذاك على أسطول حديث من طائرات الإيواكس الاستطلاعية. ولا أعلم ما هي فائدة مثل هذه الطائرات باهظة الثمن إذا لم تعترض أو تشوش على أي طائرات دخيلة ومعادية على حدودها. فهل هي مثلا مجرد ديكور أو للزينة فقط؟ أما بالعراق، فكان الوضع أدهى وأمر. فيقول الطيارون الصهاينة أنهم كمن ذهب في نزهة. أما أحد كبرائهم الذين علموهم "الطيران" الجنرال عاموس يادلين فقال بالحرف "أنه شعر بالمفاجأة من عدم وجود أي اعتراض لنا بالعراق، وأشعر بخيبة الأمل لذلك". فالطيارون الصهاينة لم يواجهوا لا طائرات ميج ولا حتى تشويش راداري أو الكتروني. ومن المثير للاستياء أن يقدم الرئيس السابق صدام حسين على إعدام 14 ضابط وجندي لهذا التقصير، فهو قد اختزل الخلل الهائل بالمنظومة الدفاعية بهؤلاء الجنود المساكين. بينما أن الاختراق الأكبر والأفدح واضح وضوح الشمس، فالصهاينة كانوا يعرفون بدقة مواعيد تبديل نوبات العمل من نوبة النهار إلى الليل وهي تحدث ما بين الساعة 17:35 إلى 18:00 بمساء ذلك اليوم الصيفي المشؤوم. ويعلمون كذلك أن الخبراء الفرنسيين لا يتواجدون يوم الأحد وهو يوم تنفيذ العملية. وهكذا فإن الاختراق ضارب أطنابه ليس بالعراق فحسب بل بجميع الدول العربية من قبل الأجهزة الجاسوسية الصهيونية سيئة الصيت. ولكن احتواءها ليس من الصعوبة بمكان فيما لو كانت لنا أنظمة ديمقراطية تحرص على الإنسان وحريته وكرامته، أما بحالة الأنظمة المستبدة فإن خيانتها مثل شرب كوب الماء، فالخائن سيقول حينها أنه سيخون النظام وليس الدولة!
وقفة إجلال تحيةً للشهيد
لا بد أن نذكر هنا تحية إجلال وتقدير للشهيد البطل د. يحيى المشد الذي اعترف الفيلم الوثائقي الذي نعرضه اليوم أنه رفض جميع الاغراءات التي قدمت له من مال ونساء ومركز مقابل ما يؤمن به كعالم عربي أصيل. وأتذكر أنني قرأت مقالات مطولة عن مآثره بجريدة الأنباء الكويتية بالفترة من عام 1987 إلى 1988، وما زالت ذكرى هذا الشهيد ماثلة بمخيلتي حتى الآن، فهو رمز للصمود وعدم الرضوخ لقوى الظلام، بناءً الحق وليس من أجل الباطل. وكما ذكر بحث الاستاذ أعيان القيسي، فإن من قتل العالم الشهيد هم أفراد الموساد الجبناء، ولكن النظام العراقي السابق يتحمل مسؤولية اختراقه واكتشاف موقعه للجواسيس الصهاينة، فضلا عن عدم توفير حماية مناسبة له في فرنسا، والنظام العراقي يعلم أنها تعج بالجواسيس اليهود ومن والاهم. وبهذا الأسلوب الرديء لن نربح أية حرب مقبلة، بل ولاحتى "خناقة شارع".
عن ترجمة
تعتبر هذه الترجمة السماعية ضمن مجموعة أفلام وحلقات وثائقية كنت قد وعدت بترجمتها سماعيا وشاركني ببعضها عدد من زملائي الكرام ومنها مثلا مؤامرة إغراق السفينة ليبرتي والدماء والنفط: الشرق الأوسط بالحرب العالمية الأولى ثم سلسلة إيران والغرب ثم سلسلة صراع الحضارات ثم برنامج هل ستقصف إسرائيل إيران؟ وأخيرا غارة على المفاعل. وبهذا فإنني أعلن استأذنكم بعدم خوض ترجمات سماعية بالمرحلة المقبلة لكي آخذ فرصة لالتقاط الأنفاس. ولكن سأقتحم بإذن الله سلسلة أخرى قريبا وهي Getting Our Way وتتحدث عن الدبلوماسية البريطانية وقواعدها وتطورها التاريخي، وآمل أن تنال رضاكم واستحسانكم بإذنه تعالى. وأتمنى كذلك أن تكون كل الأعمال الوثائقية المترجمة قد أصابت شيئا من الفائدة لدى الأخوة المشاهدين عموما.
التورنت
من هنا
رابط ملف الترجمة
من هنا
الفيلم الوثائقي مترجما على اليوتيوب
وتقبلوا من مترجم العمل أطيب تحية
فيصل كريم
تعليق