بسم الله الرحمن الرحيم
أقدم لكم أيها الأخوة والأخوات اليوم موضوعا يتناول قضية هامة وخطيرة ولا زلنا نعاني من آثارها وهمومها وشجونها وآلامها. وهي قضية يفترض أنها تجمع ولا تفرق. وسنرى أين أودت بها الأيام والدول. وسنناقشها من خلال طرح موضوع هذه المناظرة التلفزيونية التي قد تبدو بسيطة للوهلة الأولى إلا إنها تقدم لنا دلائل ومؤشرات هامة ومفيدة.
Norman.Finkelstein.
Vs.
Shlomo.Ben.Ami.
On.Democracy.Now
مناظرة
نورمان فينكلستين
مع
شلومو بن عامي
على الديمقراطية الآن
"مرحبا بكم بشبكة باسيفيكا"
"وهذه قناة الديمقراطية الآن"
وقناة الديمقراطية الآن أيها الأخوة ولأخوات هي قناة حوار وبرامج إخبارية وتحليلات سياسية ومناظرات أكاديمية متخصصة. وهي قناة نقابية مستقلة لا تخضع لأي توجهات حكومية أو القوى الاقتصادية أو السياسية المتنفذة بالولايات المتحدة والتي تتحكم بتوجيه معظم وسائل الإعلام والقنوات والشبكات والصحف الكبرى. والقناة تابعة لشبكة باسيفيكا الإذاعية والتلفزيونية. وما يجعل هذه القناة مستقلة بآرائها وتحليلاتها أنها تتلقى معظم تمويلاتها من المتبرعين الأفراد، خلافا لمعظم المؤسسات الإعلامية الأخرى بالولايات المتحدة الذين يتم تمويلهم من قبل الشركات والمجموعات التجارية الضخمة التي ترغب بالنفوذ السياسي فتلجأ للتحالف مع مجموعات الضغط والمنظمات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني (اللوبيات) فتقوم هذه القنوات الإعلامية بعرض ما تريده اللوبيات (ومن أهمها اللوبي الصهيوني) من قضايا وأمور. فضلا عن إن المنظمات اليهودية كانت لها الأسبقية بالسيطرة على الإعلام والسينما منذ ثلاثينات القرن الماضي، وهذا يفسر شن الحملات السينمائية شبه المنظمة لتشويه صورة الإنسان العربي عبر الكثير من الأفلام السينمائية. وكل هذا يكوّن شبكة هائلة من العلاقات والمصالح السياسية والاقتصادية والإعلامية متبادلة بين أطراف عديدة (ومنها اللوبي الصهيوني وقضيته الرئيسية خدمة إسرائيل وتكريس وجودها بالمنطقة). وبالتالي يصبح من الصعب جدا بعد كل هذه التراكمات وبعد كل هذه الأعوام أن يأتي من يريد كسر هذا الطوق ومحاولة عرض آراء متوازنة ومستقلة لا تخضع لمصالح اللوبيات ومجموعات الضغط التي من فسيفسائها يتشكل الموقف الرسمي للولايات المتحدة. ورغم أن قناة الديمقراطية الآن تبث من خلال إمكانيات محدودة وشبه متواضعة إلا إنها تلفت الانتباه بسبب توجهها المستقل خصوصا فيما يتعلق بسياستها التحريرية. تم إنشاء القناة عام 1996 على أيدي مجموعة من المحررين والإعلاميين من أبرزهم آيمي جودمان وخوان جونزاليس ولاري بينسكي وسالم موكّل وجولي دريزين وشريف عبد المقصود. وقد نالت القناة منذ تأسيسها عددا من الجوائز التقديرية الإعلامية منها جائزة George Polk Award عام 1998 عن برنامجها الوثائقي Drilling and Killing: Chevron and Nigeria's Oil Dictatorship، ثم نالت آيمي جودمان جائزة Right Livelihood Award عن دورها بتأسيس برامج القناة، وتعتبر هذه الجائزة بالأوساط الإعلامية "جائزة نوبل البديلة.
أطراف المناظرة:
د. شلومو بن عامي
*
ولد د. شلومو بن عامي في تطوان بالمغرب عام 1943. وهو من اليهود السفرديم وهاجر مع أبويه إلى الكيان الصهيوني عام 1955. ثم تلقى تعليمه بجامعة تل أبيب ثم أكمل تعليمه الأكاديمي بجامعة أوكسفورد بكلية سانت أنتوني، فحصل على الدكتوراة بالتاريخ. ثم عاد ليقوم بتدريس التاريخ في جامعة تل أبيب بمنتصف السبعينات إلى أن ترأس قسم التاريخ بالجامعة بالفترة 1982-1986. وكان مجال دراسته "التاريخ الأسباني" ومن أبرز دراساته كتابته لسيرة الديكتاتور الأسباني ميجيل بريمو دي ريفيرا (1923-1930) بالإضافة للعديد من الدراسات التاريخية الحديثة عن أسبانيا. دخل عالم السياسة بدءا من عام 1991 حيث عين قبلها سفيرا ثانيا لأسبانيا. وبعد فوز حزب العمل بقيادة إيهود باراك بالانتخابات العامة بالكيان الصهيوني تم اختيار شلومو بن عامي ليشغل كرسي وزارة الأمن الداخلي (بما يعادل وزارة الداخلية). ثم تم تكليفه بالقيام بأعمال وزارة الخارجية بعد استقالة ديفيد ليفي في أغسطس 2000 خلال محادثات السلام مع القادة الفلسطينيين في واشنطن. ثم تم تعيين بن عامي رسميا كوزير للخارجية في نوفمبر 2000 بالإضافة لحقيبة الأمن الداخلي. وبعد فوز حزب الليكود بالانتخابات بقيادة أرئيل شارون، رفض بن عامي العمل تحت حكومته واستقال من الكنيست في أغسطس 2002. حمّلت لجنة التحقيق الحكومية أور شلومو بن عامي مسؤولية سلوك الشرطة (العنيف) في أحداث الأقصى بسبتمبر عام 2000 ما أدى إلى استشهاد 13 فلسطينيا وأشعل شرارة الانتفاضة الثانية بنفس العام، وأوصت اللجنة بعدم توليه لأي حقيبة لوزارة الأمن الداخلي مستقبلا.
د. نورمان فينكلستين
ولد نورمان فينكلستين عام 1953 بالولايات المتحدة. وهو يهودي نجا والديه من محرقة الجيتو ومعسكر الاعتقال النازي أوشفيتز في بولندا قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية ما بين 1939-1944. أكمل فينكلستين دراسته الجامعية عام 1974 بجامعة بينجهامتون في نيويورك، ثم أعقبها بالدراسة بجامعة باريس بكلية Ecole Pratique des Hautes Etudes. ثم تابع دراساته للحصول على درجة الماجستير من جامعة برينستون في نيوجيرسي عام 1980 ثم حصل لاحقا على درجة الدكتوراة من نفس الجامعة وذلك بعد أن قدم أطروحة مثيرة للصدمة بالأوساط الأميركية تتناول "الصهيونية". وأصبح نورمان فينكلستين بعد ذلك استاذا أكاديميا يقوم بتدريس العلوم السياسية بالعديد من الجامعات والمعاهد الأكاديمية سواء في نيويورك أو شيكاجو أو غيرها من المدن الأمريكية. ود. نورمان فينكلستين رجل مثير للجدل داخل أمريكا، وهو يسير على خطى الاستاذ والمعلم الكبير نعوم تشومسكي (اليهودي أيضا)، وهذه الخطى ليست باليسيرة ولا السهلة فهي سير ضد تيار عاتي من الرياح وسباحة شاقة ضد أمواج معاكسة هائجة. وهذا مصير مصلحي الأمم العظمى حين تشذ قواها عن الحق وترتمي بأحضان الباطل وتغويها أهواء السيطرة والهيمنة على مقدرات المستضعفين بالأرض. هكذا كانت مسيرة نورمان فينكلستين ومن قبله الاستاذ والمعلم نعوم تشومسكي مليئة بمحاولات الطمس والتشويه والنيل من المستقبل الوظيفي وغلق الأبواب في محاولة لتشديد الضغوط على مثل هؤلاء العلماء المستقلين لتغيير آرائهم الحرة بعد أن يأس المفسدون من تقديم الإغراءات المادية والامتيازات المهنية لهم، وهذا يثبت أن لا خصومة لنا بهذا العصر مع اليهود إطلاقا، ولكننا يجب أن نتصدى للزيف والأباطيل التي يستغلها من يرتدي عباءة الدفاع عن اليهود من قوى الظلام والبطش العالمية. ونحن بهذا سندخل الاختبار الصعب بهذا الزمان: "من يميز الحق بالرجال ومن يميز الرجال بالحق".
وإن أراد الأخوة المشاهدون التمعن بتفاصيل أكبر عن نورمان فينكلستين فيمكن مشاهدة البرنامج الوثائقي الذي دبلجته الجزيرة عن هذا الرجل بعنوان يهودي ضد التيار الذي قام بتسجيله ورفعه الأخ أحمد الزعبي عبر هذا الرابط مـن هنــا واسم البرنامج الأصلي بلغته الإنجليزية American Radical.
موضوع المناظرة
في البداية وقبل شرح موضوع المناظرة أود أن أشير إلى إنني كنت أبحث عن مناظرة أخرى بالواقع بين د. شلومو بن عامي والسيد عمرو موسى أمين عام جامعة الدول العربية الحالي ووزير خارجية جمهورية مصر العربية الأسبق (أثناء المناظرة)، وجرت بإحدى الشبكات التلفزيونية الأمريكية. فلم أجد مثل هذه المناظرة التلفزيونية التي عرضت بوقت ما من عام 2000 تقريبا. إلا أن بحثي أثمر عن هذه المناظرة التي وجدتها عبر اليوتيوب أولا، ثم ساعدني الأخ العزيز أحمد الزعبي بالعثور على روابط ذات جودة عالية وكذلك نص كامل للمناظرة مكننا من قديم ترجمة مناسبة قدر الإمكان.
أما موضوع المناظرة التي جرت في فبراير عام 2006 (أي قبل عدوان الكيان الصهيوني على لبنان وعلى غزة) فيتناول مدى قدرة أحد مسؤولي هذا الكيان بالرد على منتقدي السياسات التي يتبناها كيانه الصهيوني بالمنطقة، وأسباب فشل محادثات السلام في كامب ديفيد وطابا عامي 2000 و2001 بين القيادة الفلسطينية وبين حكومة حزب العمل بزعامة إيهود باراك. وكانت الانتقادات تنصب بأمور خطيرة لا تخفى على أحد وتتمثل بالسياسات الاستيطانية المتتالية للحكومات الصهيونية سواء الليكودية منها أو العمالية. وكذلك الاستمرار باعتقال ما يزيد على 9 آلاف أسير فلسطيني وعربي وتعمل الحكومات الصهيونية على المساومة بهم بين كل وقت وحين (وهم من قلب الدنيا ولم يقعدها على جندي واحد أسير). ومما هو أخطر من هذا وذاك ويكشفه فينكلستين بالمناظرة أن الكيان الصهيوني هو الدولة الوحيدة بالعالم التي شرّعت قانونا يجيز استخدام التعذيب وهدم المنازل وغيرها من السياسات التخريبية الأخرى. كل هذا وأكثر سيشكل محور هذه المناظرة التي تم عرض نسخة منقحة منها لتستغرق مدة 55 دقيقة عبر هذه المادة المرئية التي سنعرضها لكم. بينما استغرقت المناظرة الكاملة مدة ساعتين تقريبا.
ولا بد أن أشير وبكل وضوح أننا يجب أن نحترم العقلية الصهيونية التي وصلت لهذا المستوى المتطور من التفوق واليد العليا سواء بالمجالات المادية الضرورية، أو حتى بالأشكال المعنوية للتعبير عما يريدونه ويهدفون إليه. أيها الأخوة والأخوات، إن المسؤولين الصهاينة لا يراوغون ولا يتجملون ولا يتشنجون لا سيما إن أتاهم من يعرف ويتقن أساليبهم تماما، ولعل هذا مرجعه إلى حالة القوة والصلف والغطرسة والغرور التي يتمتعون بها فيطبقون بذلك مقولة "من أمن العقوبة أساء الأدب". فالدكتور بن عامي رجل صريح تماما -ولا بد علينا أن نشكره على ذلك- فهو ذكر بالحرف الواحد "أنه لو كان فلسطينيا لما وافق على ما قدمه باراك وكلينتون في المفاوضات". وهذا إقرار ورد واضح على كل من يطبلون ويزمرون في الغرب أو في محيطنا -حيث الجهل والتجهيل- أن الفلسطينيين قد أضاعوا فرصة تاريخية لوضع حل للنزاع. فهذا حديث سطحي فعلا. ورغم أن اتفاقيات أوسلو كانت خطأ تاريخيا ارتكبه الزعيم الراحل ياسر عرفات رحمه الله، إلا إن هذا لم يشفع له بالنهاية عند الصهاينة واتهم الاتهام المعلب الجاهز أنه إرهابي، وقد أمعن بن عامي بصراحته واعتبر أوسلو "اتفاقية رخيصة حاول أن يبيعها (ياسر) عرفات" لهم. إلا أن فينكلستين أيقظ بن عامي من الأوهام التي يحاول نسجها ذرا للرماد بالعيون وذكره بأن إسحق رابين هو من لعب لعبة أوسلو وامتطاها لا سيما بعد حرب الخليج 1991 وهبوط أسهم منظمة التحرير بالمنطقة. فحاول رابين أن يستغل هذا الوضع لمصلحته بحيث أنه رغب بوجود "وكيل أو مقاول" يقوم بمهام قوات الاحتلال وينفذ رغباتها دون أن تتورط أو "تتسخ يداها" وليقمع التوجهات الديمقراطية للشعب الفلسطيني. وهو ما وقع فعلا خلال فترة معينة من التسعينات. ولكن "لعبة" أوسلو أودت بكل من رابين وعرفات وأدخلتهما بنفق مظلم شخصيا (ولا داعي لذكر مصير كل منهما بسبب هذه اللعبة) وأودت بالقضية الفلسطينية إلى وضع غير واضح بسبب ما تلا تلك الأحداث من اشتعال للانتفاضة الثانية بسبتمبر 2000 ثم وقوع تفجيرات نيويورك بسبتمبر من العام الذي تلاها. وبالإضافة لهذا، يعترف د. بن عامي بحقيقة تاريخية هامة وهي أن الصهاينة مارسوا سياسة التهجير والاقتلاع للفلسطينيين الذين كانوا يعيشون بأرض فلسطين وأردف قائلا: "هذا مؤسف فعلا، ولكن هكذا تقوم الدول والأمم"، ولعمري كدت أن أقف له مصفقا على كلمته التي عبر بها عن مكنونات صدره وأزاح عن كاهله عبء الإفصاح عن وطأة الجريمة التي ترفضها طبيعة الإنسان السوي، وهو بذلك رد ردًّ عمليا على الخزعبلات التي نشرتها جوان بيترز بكتابها الصادر عام 1984 بعنوان From Time Immemorial: The Origins of the Arab-Jewish Conflict over Palestine والذي فنده علميا د. فينكلستين، وكذلك على الأكاذيب الخيالية التي روج لها مارك توين التي تم دحضها بسهولة فيما بعد والواردة برسائل السفر التي قام بتجميعها بكتاب بعنوان The Innocents Abroad حيث ذكر أنه "وجد بفلسطين أرضا بلا شعب"، وهي لا تعدو كونها خيالات أدبية واهمة تم تلقفها والترويج لها بالولايات المتحدة، وهو ما تم تفنيده علميا وبحقائق لا تقبل الجدل من قبل الكثيرين لا سيما اليهود الشجعان المنصفين منهم أمثال الأكاديميين نعوم تشومسكي وآفي شلايم ونورمان فينكلستين. ومن جهة أخرى، لا يعترض شلومو بن عامي على أنهم من كان قد أوقف المفاوضات عام 2001 في طابا مع الفلسطينيين. والسبب أن الانتخابات العامة الإسرائيلية قد حانت آنذاك. ونحن نشير أن حكومة حزب العمل بقيادة إيهود باراك قد انتخبت عام 1999، في حين أن الانتخابات العامة التي يتحدث عنها بن عامي جرت في 2001. بمعنى أن هذه الحكومة التي قيل عنها أنها تتكون من تحالف أحزاب قوي قد انهارت قبل ثلاثة أعوام أو عامين من إتمام مدتها البرلمانية. وهذا لا يشير إلا إلى حقيقة لا مناص منها وهي أن الشعب الذي يحتل فلسطين لا يرغب بالسلام إطلاقا أو هو شعب لا يجرؤ على السلام أو التعايش السلمي بالمنطقة، وهذا يشير بوضوح أيضا إلى أن هذا الشعب القادم من الشتات لا يؤمن سوى أنه يعيش بقلعة عسكرية كبرى تسمى "إسرائيل" وأنها "قوة أقليمية عظمى نشأت بهذه المنطقة" حسب زعم بن عامي بالمناظرة، وهذا إعلان موقف صريح اتخذه شعب الكيان الصهيوني على مبادرة القادة العرب للسلام عام 2002 حيث ردوا عمليا عبر انتخاب أكبر الشخصيات كرها للعرب ألا وهو أرئيل شارون. فهل من يريد سلاما ينتخب شارونا؟! لكن القادة العرب الفطاحل يحاولون مداراة إحدى أمرين: إما قلة أو عدم حيلتهم أو أنهم أصبحوا لا يعبأون بالقضية الفلسطينية ومبادرة السلام هي آخر ما بجعبتهم.
لكننا عموما إن تأملنا هذه المناظرة جيدا يتكشف لنا أن الظفر بمثل هذه المناظرات المستقلة وعدمه بالنسبة للمسؤولين الصهاينة سـيـّان. لأن دوائر النفوذ الكبرى والمؤثرة بالولايات المتحدة تلعب لصالحهم مهما فعلوا ومهما كانت تجاوزاتهم. وبالتالي فإن الإنسان المنطقي سيشعر مباشرة أن المشكلة ليست مع الكيان الصهيوني بل مع من يقويه ويسنده ويثبت من أركانه مهما اقترف من جرائم وكوارث ضد البشرية. وهذا ما ذكره د. فينكلستين علانية بأن الفلسطينيون والإسرائيليون لو أجروا محادثاتهم بمكن آخر غير الولايات المتحدة فإنهم يكونون قد خرجوا من مكان "اللامعقول وانعدام التوازن". وهذا يدل على أن التسليم بأن الحل يكمن بأيدي أمريكا لا يعد سوى كونه وهما كبيرا أو يقال لتحقيق مصالح شعوبية ضيقة أو لتثبيت أنظمة قمعية أكل عليها الدهر وشرب. آخر من يرغب بحل هذا الصراع هي الولايات المتحدة لأسباب عديدة ومعقدة وقد تبدو لنا وحتى للأمريكيين أنفسهم صعبة الفهم، إلا إنه واقع مرير نصطدم به. والمرارة لا تنبع من معارضة أو تعطيل الولايات المتحدة للحل، بل من عدم اتخاذنا لاستراتيجية واضحة المعالم تهدف للضغط على كل من يعارض الحل أو حسمه، وهذه الاستراتيجية ليست بالضرورة استخدام القوة المسلحة. بل هناك أدوات فعالة كثيرة أخرى باستطاعتها أن تشكل عاملا ضاغطا على القوى المهيمنة لحل الصراع حلا عادلا كما أشعلوه هم عبر إثارة اليهود وبيع الأوهام لهم رغبة بالتخلص مما سمي بالمشكلة اليهودية بأوروبا. ولعلنا قد جربنا بفترة معينة أحد هذه الأدوات وهي قطع الإمدادات النفطية عن الغرب، وانكشفت حينها الأقنعة عن خطط لغزو ساحل الخليج العربي النفطي كما ذكر هنري كيسنجر صراحة بأحد كتبه وتم الترويج لذلك في الكونجرس والبنتاجون. ولكننا للأسف لا نحسن قراءة التاريخ لا القريب منه ولا البعيد. فكيف قضى شعب جنوب أفريقيا على نظام بريتوريا العنصري؟ أليس بالعصيان المدني والمقاطعة؟ وكيف انتصرت فيتنام على الغرب؟ أليس بالكلمة الواحدة والمقاومة؟ وكيف نجح المهاتما غاندي بالقضاء على الوجود البريطاني بالهند دون أن يطلق رصاصة واحدة؟ أليس بسلاح المقاطعة والعصيان؟ وقال كلمته الشهيرة "ابدأ بالاستقلال بنفسك أنت ولا تنتظر الاستقلال يأتي من غيرك" فرمى الملح الإنجليزي وسار حافي القدمين هو وشعبه ليستخرج الملح من ماء البحر فكانت مسيرة الملح الشهيرة، ثم حرق ملابسه الإنجليزية والأوروبية وأخذ يغزل ملابس هندية أصيلة، فأصبح المغزال رمزا يوضع بقلب العلم الهندي. فمتى نوحد منظورنا ونسير إلى الملح الذي يطهر أرواحنا؟ وكيف نصنع الملابس التي تستر عيوب أنانيتنا؟
أقدم لكم أيها الأخوة والأخوات اليوم موضوعا يتناول قضية هامة وخطيرة ولا زلنا نعاني من آثارها وهمومها وشجونها وآلامها. وهي قضية يفترض أنها تجمع ولا تفرق. وسنرى أين أودت بها الأيام والدول. وسنناقشها من خلال طرح موضوع هذه المناظرة التلفزيونية التي قد تبدو بسيطة للوهلة الأولى إلا إنها تقدم لنا دلائل ومؤشرات هامة ومفيدة.
Norman.Finkelstein.
Vs.
Shlomo.Ben.Ami.
On.Democracy.Now
مناظرة
نورمان فينكلستين
مع
شلومو بن عامي
على الديمقراطية الآن
"مرحبا بكم بشبكة باسيفيكا"
"وهذه قناة الديمقراطية الآن"
وقناة الديمقراطية الآن أيها الأخوة ولأخوات هي قناة حوار وبرامج إخبارية وتحليلات سياسية ومناظرات أكاديمية متخصصة. وهي قناة نقابية مستقلة لا تخضع لأي توجهات حكومية أو القوى الاقتصادية أو السياسية المتنفذة بالولايات المتحدة والتي تتحكم بتوجيه معظم وسائل الإعلام والقنوات والشبكات والصحف الكبرى. والقناة تابعة لشبكة باسيفيكا الإذاعية والتلفزيونية. وما يجعل هذه القناة مستقلة بآرائها وتحليلاتها أنها تتلقى معظم تمويلاتها من المتبرعين الأفراد، خلافا لمعظم المؤسسات الإعلامية الأخرى بالولايات المتحدة الذين يتم تمويلهم من قبل الشركات والمجموعات التجارية الضخمة التي ترغب بالنفوذ السياسي فتلجأ للتحالف مع مجموعات الضغط والمنظمات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني (اللوبيات) فتقوم هذه القنوات الإعلامية بعرض ما تريده اللوبيات (ومن أهمها اللوبي الصهيوني) من قضايا وأمور. فضلا عن إن المنظمات اليهودية كانت لها الأسبقية بالسيطرة على الإعلام والسينما منذ ثلاثينات القرن الماضي، وهذا يفسر شن الحملات السينمائية شبه المنظمة لتشويه صورة الإنسان العربي عبر الكثير من الأفلام السينمائية. وكل هذا يكوّن شبكة هائلة من العلاقات والمصالح السياسية والاقتصادية والإعلامية متبادلة بين أطراف عديدة (ومنها اللوبي الصهيوني وقضيته الرئيسية خدمة إسرائيل وتكريس وجودها بالمنطقة). وبالتالي يصبح من الصعب جدا بعد كل هذه التراكمات وبعد كل هذه الأعوام أن يأتي من يريد كسر هذا الطوق ومحاولة عرض آراء متوازنة ومستقلة لا تخضع لمصالح اللوبيات ومجموعات الضغط التي من فسيفسائها يتشكل الموقف الرسمي للولايات المتحدة. ورغم أن قناة الديمقراطية الآن تبث من خلال إمكانيات محدودة وشبه متواضعة إلا إنها تلفت الانتباه بسبب توجهها المستقل خصوصا فيما يتعلق بسياستها التحريرية. تم إنشاء القناة عام 1996 على أيدي مجموعة من المحررين والإعلاميين من أبرزهم آيمي جودمان وخوان جونزاليس ولاري بينسكي وسالم موكّل وجولي دريزين وشريف عبد المقصود. وقد نالت القناة منذ تأسيسها عددا من الجوائز التقديرية الإعلامية منها جائزة George Polk Award عام 1998 عن برنامجها الوثائقي Drilling and Killing: Chevron and Nigeria's Oil Dictatorship، ثم نالت آيمي جودمان جائزة Right Livelihood Award عن دورها بتأسيس برامج القناة، وتعتبر هذه الجائزة بالأوساط الإعلامية "جائزة نوبل البديلة.
أطراف المناظرة:
د. شلومو بن عامي
*
ولد د. شلومو بن عامي في تطوان بالمغرب عام 1943. وهو من اليهود السفرديم وهاجر مع أبويه إلى الكيان الصهيوني عام 1955. ثم تلقى تعليمه بجامعة تل أبيب ثم أكمل تعليمه الأكاديمي بجامعة أوكسفورد بكلية سانت أنتوني، فحصل على الدكتوراة بالتاريخ. ثم عاد ليقوم بتدريس التاريخ في جامعة تل أبيب بمنتصف السبعينات إلى أن ترأس قسم التاريخ بالجامعة بالفترة 1982-1986. وكان مجال دراسته "التاريخ الأسباني" ومن أبرز دراساته كتابته لسيرة الديكتاتور الأسباني ميجيل بريمو دي ريفيرا (1923-1930) بالإضافة للعديد من الدراسات التاريخية الحديثة عن أسبانيا. دخل عالم السياسة بدءا من عام 1991 حيث عين قبلها سفيرا ثانيا لأسبانيا. وبعد فوز حزب العمل بقيادة إيهود باراك بالانتخابات العامة بالكيان الصهيوني تم اختيار شلومو بن عامي ليشغل كرسي وزارة الأمن الداخلي (بما يعادل وزارة الداخلية). ثم تم تكليفه بالقيام بأعمال وزارة الخارجية بعد استقالة ديفيد ليفي في أغسطس 2000 خلال محادثات السلام مع القادة الفلسطينيين في واشنطن. ثم تم تعيين بن عامي رسميا كوزير للخارجية في نوفمبر 2000 بالإضافة لحقيبة الأمن الداخلي. وبعد فوز حزب الليكود بالانتخابات بقيادة أرئيل شارون، رفض بن عامي العمل تحت حكومته واستقال من الكنيست في أغسطس 2002. حمّلت لجنة التحقيق الحكومية أور شلومو بن عامي مسؤولية سلوك الشرطة (العنيف) في أحداث الأقصى بسبتمبر عام 2000 ما أدى إلى استشهاد 13 فلسطينيا وأشعل شرارة الانتفاضة الثانية بنفس العام، وأوصت اللجنة بعدم توليه لأي حقيبة لوزارة الأمن الداخلي مستقبلا.
د. نورمان فينكلستين
ولد نورمان فينكلستين عام 1953 بالولايات المتحدة. وهو يهودي نجا والديه من محرقة الجيتو ومعسكر الاعتقال النازي أوشفيتز في بولندا قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية ما بين 1939-1944. أكمل فينكلستين دراسته الجامعية عام 1974 بجامعة بينجهامتون في نيويورك، ثم أعقبها بالدراسة بجامعة باريس بكلية Ecole Pratique des Hautes Etudes. ثم تابع دراساته للحصول على درجة الماجستير من جامعة برينستون في نيوجيرسي عام 1980 ثم حصل لاحقا على درجة الدكتوراة من نفس الجامعة وذلك بعد أن قدم أطروحة مثيرة للصدمة بالأوساط الأميركية تتناول "الصهيونية". وأصبح نورمان فينكلستين بعد ذلك استاذا أكاديميا يقوم بتدريس العلوم السياسية بالعديد من الجامعات والمعاهد الأكاديمية سواء في نيويورك أو شيكاجو أو غيرها من المدن الأمريكية. ود. نورمان فينكلستين رجل مثير للجدل داخل أمريكا، وهو يسير على خطى الاستاذ والمعلم الكبير نعوم تشومسكي (اليهودي أيضا)، وهذه الخطى ليست باليسيرة ولا السهلة فهي سير ضد تيار عاتي من الرياح وسباحة شاقة ضد أمواج معاكسة هائجة. وهذا مصير مصلحي الأمم العظمى حين تشذ قواها عن الحق وترتمي بأحضان الباطل وتغويها أهواء السيطرة والهيمنة على مقدرات المستضعفين بالأرض. هكذا كانت مسيرة نورمان فينكلستين ومن قبله الاستاذ والمعلم نعوم تشومسكي مليئة بمحاولات الطمس والتشويه والنيل من المستقبل الوظيفي وغلق الأبواب في محاولة لتشديد الضغوط على مثل هؤلاء العلماء المستقلين لتغيير آرائهم الحرة بعد أن يأس المفسدون من تقديم الإغراءات المادية والامتيازات المهنية لهم، وهذا يثبت أن لا خصومة لنا بهذا العصر مع اليهود إطلاقا، ولكننا يجب أن نتصدى للزيف والأباطيل التي يستغلها من يرتدي عباءة الدفاع عن اليهود من قوى الظلام والبطش العالمية. ونحن بهذا سندخل الاختبار الصعب بهذا الزمان: "من يميز الحق بالرجال ومن يميز الرجال بالحق".
وإن أراد الأخوة المشاهدون التمعن بتفاصيل أكبر عن نورمان فينكلستين فيمكن مشاهدة البرنامج الوثائقي الذي دبلجته الجزيرة عن هذا الرجل بعنوان يهودي ضد التيار الذي قام بتسجيله ورفعه الأخ أحمد الزعبي عبر هذا الرابط مـن هنــا واسم البرنامج الأصلي بلغته الإنجليزية American Radical.
موضوع المناظرة
في البداية وقبل شرح موضوع المناظرة أود أن أشير إلى إنني كنت أبحث عن مناظرة أخرى بالواقع بين د. شلومو بن عامي والسيد عمرو موسى أمين عام جامعة الدول العربية الحالي ووزير خارجية جمهورية مصر العربية الأسبق (أثناء المناظرة)، وجرت بإحدى الشبكات التلفزيونية الأمريكية. فلم أجد مثل هذه المناظرة التلفزيونية التي عرضت بوقت ما من عام 2000 تقريبا. إلا أن بحثي أثمر عن هذه المناظرة التي وجدتها عبر اليوتيوب أولا، ثم ساعدني الأخ العزيز أحمد الزعبي بالعثور على روابط ذات جودة عالية وكذلك نص كامل للمناظرة مكننا من قديم ترجمة مناسبة قدر الإمكان.
أما موضوع المناظرة التي جرت في فبراير عام 2006 (أي قبل عدوان الكيان الصهيوني على لبنان وعلى غزة) فيتناول مدى قدرة أحد مسؤولي هذا الكيان بالرد على منتقدي السياسات التي يتبناها كيانه الصهيوني بالمنطقة، وأسباب فشل محادثات السلام في كامب ديفيد وطابا عامي 2000 و2001 بين القيادة الفلسطينية وبين حكومة حزب العمل بزعامة إيهود باراك. وكانت الانتقادات تنصب بأمور خطيرة لا تخفى على أحد وتتمثل بالسياسات الاستيطانية المتتالية للحكومات الصهيونية سواء الليكودية منها أو العمالية. وكذلك الاستمرار باعتقال ما يزيد على 9 آلاف أسير فلسطيني وعربي وتعمل الحكومات الصهيونية على المساومة بهم بين كل وقت وحين (وهم من قلب الدنيا ولم يقعدها على جندي واحد أسير). ومما هو أخطر من هذا وذاك ويكشفه فينكلستين بالمناظرة أن الكيان الصهيوني هو الدولة الوحيدة بالعالم التي شرّعت قانونا يجيز استخدام التعذيب وهدم المنازل وغيرها من السياسات التخريبية الأخرى. كل هذا وأكثر سيشكل محور هذه المناظرة التي تم عرض نسخة منقحة منها لتستغرق مدة 55 دقيقة عبر هذه المادة المرئية التي سنعرضها لكم. بينما استغرقت المناظرة الكاملة مدة ساعتين تقريبا.
ولا بد أن أشير وبكل وضوح أننا يجب أن نحترم العقلية الصهيونية التي وصلت لهذا المستوى المتطور من التفوق واليد العليا سواء بالمجالات المادية الضرورية، أو حتى بالأشكال المعنوية للتعبير عما يريدونه ويهدفون إليه. أيها الأخوة والأخوات، إن المسؤولين الصهاينة لا يراوغون ولا يتجملون ولا يتشنجون لا سيما إن أتاهم من يعرف ويتقن أساليبهم تماما، ولعل هذا مرجعه إلى حالة القوة والصلف والغطرسة والغرور التي يتمتعون بها فيطبقون بذلك مقولة "من أمن العقوبة أساء الأدب". فالدكتور بن عامي رجل صريح تماما -ولا بد علينا أن نشكره على ذلك- فهو ذكر بالحرف الواحد "أنه لو كان فلسطينيا لما وافق على ما قدمه باراك وكلينتون في المفاوضات". وهذا إقرار ورد واضح على كل من يطبلون ويزمرون في الغرب أو في محيطنا -حيث الجهل والتجهيل- أن الفلسطينيين قد أضاعوا فرصة تاريخية لوضع حل للنزاع. فهذا حديث سطحي فعلا. ورغم أن اتفاقيات أوسلو كانت خطأ تاريخيا ارتكبه الزعيم الراحل ياسر عرفات رحمه الله، إلا إن هذا لم يشفع له بالنهاية عند الصهاينة واتهم الاتهام المعلب الجاهز أنه إرهابي، وقد أمعن بن عامي بصراحته واعتبر أوسلو "اتفاقية رخيصة حاول أن يبيعها (ياسر) عرفات" لهم. إلا أن فينكلستين أيقظ بن عامي من الأوهام التي يحاول نسجها ذرا للرماد بالعيون وذكره بأن إسحق رابين هو من لعب لعبة أوسلو وامتطاها لا سيما بعد حرب الخليج 1991 وهبوط أسهم منظمة التحرير بالمنطقة. فحاول رابين أن يستغل هذا الوضع لمصلحته بحيث أنه رغب بوجود "وكيل أو مقاول" يقوم بمهام قوات الاحتلال وينفذ رغباتها دون أن تتورط أو "تتسخ يداها" وليقمع التوجهات الديمقراطية للشعب الفلسطيني. وهو ما وقع فعلا خلال فترة معينة من التسعينات. ولكن "لعبة" أوسلو أودت بكل من رابين وعرفات وأدخلتهما بنفق مظلم شخصيا (ولا داعي لذكر مصير كل منهما بسبب هذه اللعبة) وأودت بالقضية الفلسطينية إلى وضع غير واضح بسبب ما تلا تلك الأحداث من اشتعال للانتفاضة الثانية بسبتمبر 2000 ثم وقوع تفجيرات نيويورك بسبتمبر من العام الذي تلاها. وبالإضافة لهذا، يعترف د. بن عامي بحقيقة تاريخية هامة وهي أن الصهاينة مارسوا سياسة التهجير والاقتلاع للفلسطينيين الذين كانوا يعيشون بأرض فلسطين وأردف قائلا: "هذا مؤسف فعلا، ولكن هكذا تقوم الدول والأمم"، ولعمري كدت أن أقف له مصفقا على كلمته التي عبر بها عن مكنونات صدره وأزاح عن كاهله عبء الإفصاح عن وطأة الجريمة التي ترفضها طبيعة الإنسان السوي، وهو بذلك رد ردًّ عمليا على الخزعبلات التي نشرتها جوان بيترز بكتابها الصادر عام 1984 بعنوان From Time Immemorial: The Origins of the Arab-Jewish Conflict over Palestine والذي فنده علميا د. فينكلستين، وكذلك على الأكاذيب الخيالية التي روج لها مارك توين التي تم دحضها بسهولة فيما بعد والواردة برسائل السفر التي قام بتجميعها بكتاب بعنوان The Innocents Abroad حيث ذكر أنه "وجد بفلسطين أرضا بلا شعب"، وهي لا تعدو كونها خيالات أدبية واهمة تم تلقفها والترويج لها بالولايات المتحدة، وهو ما تم تفنيده علميا وبحقائق لا تقبل الجدل من قبل الكثيرين لا سيما اليهود الشجعان المنصفين منهم أمثال الأكاديميين نعوم تشومسكي وآفي شلايم ونورمان فينكلستين. ومن جهة أخرى، لا يعترض شلومو بن عامي على أنهم من كان قد أوقف المفاوضات عام 2001 في طابا مع الفلسطينيين. والسبب أن الانتخابات العامة الإسرائيلية قد حانت آنذاك. ونحن نشير أن حكومة حزب العمل بقيادة إيهود باراك قد انتخبت عام 1999، في حين أن الانتخابات العامة التي يتحدث عنها بن عامي جرت في 2001. بمعنى أن هذه الحكومة التي قيل عنها أنها تتكون من تحالف أحزاب قوي قد انهارت قبل ثلاثة أعوام أو عامين من إتمام مدتها البرلمانية. وهذا لا يشير إلا إلى حقيقة لا مناص منها وهي أن الشعب الذي يحتل فلسطين لا يرغب بالسلام إطلاقا أو هو شعب لا يجرؤ على السلام أو التعايش السلمي بالمنطقة، وهذا يشير بوضوح أيضا إلى أن هذا الشعب القادم من الشتات لا يؤمن سوى أنه يعيش بقلعة عسكرية كبرى تسمى "إسرائيل" وأنها "قوة أقليمية عظمى نشأت بهذه المنطقة" حسب زعم بن عامي بالمناظرة، وهذا إعلان موقف صريح اتخذه شعب الكيان الصهيوني على مبادرة القادة العرب للسلام عام 2002 حيث ردوا عمليا عبر انتخاب أكبر الشخصيات كرها للعرب ألا وهو أرئيل شارون. فهل من يريد سلاما ينتخب شارونا؟! لكن القادة العرب الفطاحل يحاولون مداراة إحدى أمرين: إما قلة أو عدم حيلتهم أو أنهم أصبحوا لا يعبأون بالقضية الفلسطينية ومبادرة السلام هي آخر ما بجعبتهم.
لكننا عموما إن تأملنا هذه المناظرة جيدا يتكشف لنا أن الظفر بمثل هذه المناظرات المستقلة وعدمه بالنسبة للمسؤولين الصهاينة سـيـّان. لأن دوائر النفوذ الكبرى والمؤثرة بالولايات المتحدة تلعب لصالحهم مهما فعلوا ومهما كانت تجاوزاتهم. وبالتالي فإن الإنسان المنطقي سيشعر مباشرة أن المشكلة ليست مع الكيان الصهيوني بل مع من يقويه ويسنده ويثبت من أركانه مهما اقترف من جرائم وكوارث ضد البشرية. وهذا ما ذكره د. فينكلستين علانية بأن الفلسطينيون والإسرائيليون لو أجروا محادثاتهم بمكن آخر غير الولايات المتحدة فإنهم يكونون قد خرجوا من مكان "اللامعقول وانعدام التوازن". وهذا يدل على أن التسليم بأن الحل يكمن بأيدي أمريكا لا يعد سوى كونه وهما كبيرا أو يقال لتحقيق مصالح شعوبية ضيقة أو لتثبيت أنظمة قمعية أكل عليها الدهر وشرب. آخر من يرغب بحل هذا الصراع هي الولايات المتحدة لأسباب عديدة ومعقدة وقد تبدو لنا وحتى للأمريكيين أنفسهم صعبة الفهم، إلا إنه واقع مرير نصطدم به. والمرارة لا تنبع من معارضة أو تعطيل الولايات المتحدة للحل، بل من عدم اتخاذنا لاستراتيجية واضحة المعالم تهدف للضغط على كل من يعارض الحل أو حسمه، وهذه الاستراتيجية ليست بالضرورة استخدام القوة المسلحة. بل هناك أدوات فعالة كثيرة أخرى باستطاعتها أن تشكل عاملا ضاغطا على القوى المهيمنة لحل الصراع حلا عادلا كما أشعلوه هم عبر إثارة اليهود وبيع الأوهام لهم رغبة بالتخلص مما سمي بالمشكلة اليهودية بأوروبا. ولعلنا قد جربنا بفترة معينة أحد هذه الأدوات وهي قطع الإمدادات النفطية عن الغرب، وانكشفت حينها الأقنعة عن خطط لغزو ساحل الخليج العربي النفطي كما ذكر هنري كيسنجر صراحة بأحد كتبه وتم الترويج لذلك في الكونجرس والبنتاجون. ولكننا للأسف لا نحسن قراءة التاريخ لا القريب منه ولا البعيد. فكيف قضى شعب جنوب أفريقيا على نظام بريتوريا العنصري؟ أليس بالعصيان المدني والمقاطعة؟ وكيف انتصرت فيتنام على الغرب؟ أليس بالكلمة الواحدة والمقاومة؟ وكيف نجح المهاتما غاندي بالقضاء على الوجود البريطاني بالهند دون أن يطلق رصاصة واحدة؟ أليس بسلاح المقاطعة والعصيان؟ وقال كلمته الشهيرة "ابدأ بالاستقلال بنفسك أنت ولا تنتظر الاستقلال يأتي من غيرك" فرمى الملح الإنجليزي وسار حافي القدمين هو وشعبه ليستخرج الملح من ماء البحر فكانت مسيرة الملح الشهيرة، ثم حرق ملابسه الإنجليزية والأوروبية وأخذ يغزل ملابس هندية أصيلة، فأصبح المغزال رمزا يوضع بقلب العلم الهندي. فمتى نوحد منظورنا ونسير إلى الملح الذي يطهر أرواحنا؟ وكيف نصنع الملابس التي تستر عيوب أنانيتنا؟
تفاصيل نسخة المناظرة:
اسم النسخة: Norman.Finkelstein.vs.Shlomo.Ben.Ami.On.Democracy. Now
حجم النسخة: 475 ميجا
مدة النسخة: 55 دقيقة
عدد الإطارات: 29.97
مشاهدة المناظرة على اليوتيوب:
http://www.youtube.com/watch?v=LngN8...ayer_embedded#!
ويمكن كذلك تنزيل النسخة التي تحتوي على نشرة إخبارية
لا صلة لها بالمناظرة ويوجد على الترجمة تعديل لها
رابط تحميل مباشر بجودة عالية
(2 جيجا و830 ميجا) مع نشرة أخبار جانبية
من هنا
رابط تحميل مباشر بجودة متوسطة
(245 ميجا) مع نشرة أخبار جانبية
من هنا
ولمن يودون الاستفاضة بموضوع الخلفية التاريخية
للصراع العربي الصهيوني،
يرجى قراءة المشاركة التالية --->
-----------------
ويمكن كذلك تنزيل النسخة التي تحتوي على نشرة إخبارية
لا صلة لها بالمناظرة ويوجد على الترجمة تعديل لها
رابط تحميل مباشر بجودة عالية
(2 جيجا و830 ميجا) مع نشرة أخبار جانبية
من هنا
رابط تحميل مباشر بجودة متوسطة
(245 ميجا) مع نشرة أخبار جانبية
من هنا
ولمن يودون الاستفاضة بموضوع الخلفية التاريخية
للصراع العربي الصهيوني،
يرجى قراءة المشاركة التالية --->
-----------------
* أعتذر عن نشر صور لأحد مسؤولي الكيان الصهيوني
تعليق