الآنسة بريلMiss Brill
قصة قصيرة للكاتبة :- كاثرين مانسفيلد
By: Katherine Mansfield
ترجمة :- خلف سرحان القرشي
qkhalaf2@hotmail.com
---------------------------------------------------------
رغم أن الجو كان بديعا حيث تتناثر على السماء الزرقاء نتف ذهبية وكبيرة من الضياء أشبه ما تكون بنبيذ أبيض رُش فوق المنتزه- إلا أن الآنسة (بريل) كانت مسرورة كونها ارتدت معطفها الفراء. الهواء ساكن، ولكن بمجرد أن تفتح فمك، فإن رعشة تعتريك مثلها مثل تلك الرعشة التي تحسها عندما تهم بارتشاف جرعة من كأس من الماء المتجمد.
بين فينة وأخرى، تتهادى بعض أوراق الشجر التي تهب بها الرياح، آتية بها من لا مكان، من تحت أديم السماء. رفعت الآنسة (بريل) بيدها لتلامس معطفها! ذلك الشيء الصغير العزيز! شعرت بالمتعة في أن تتحسسه ثانية. لقد أخرجته من الخزانة ظهر ذلك اليوم، نفضت عنه المسحوق المضاد لعثة الملابس، فركته جيدا بالفرشاة مما جعل منظره يشيُّ بالحياة التي تأتلق الآن في عينيه الصغيرتين الباهتتين.
" ما الذي يحدث لي؟ "
هذا ما تخيلت (بريل) عيني المعطف الصغيرتين الحزينتين تقولانه.
" أوه. كم هو جميل أن ترى الآنسة (بريل) تلك العينين الصغيرتين للمعطف وقد أطبقتا عليها عبر الزغب الأحمر، لكن أنف المعطف لم يكن ثابتا كما ينبغي، ها.ها . لا بد أنه تعرض لضربة. يجب أن يعطى طرقة بطريقة ما. لا يهم ....حينما يأتي الوقت فإن قليلا من الشمع يوضع عليه كختم، فقط عندما يكون ضروريا.
"أ وه، أيها الفرس الحرون الصغير!"
نعم، هذا حقيقة ما شعرت به نحوه.
حقّا كان معطفها مثله مثل فرس حرون صغير يعبث بذيله عند أذنها اليسرى. بوسعها نزعه ووضعه على حضنها وتمسيده. رغبت بذلك. شعرت بوخز في يديها وذراعيها. ظنت أن ذلك من جراء مشيها.
عندما استنشقت بعض الهواء فإن شيئا مضيئا وحزينا ...لا ... ليس حزينا.. تماما... شيئا لطيفاً يتحرك في صدرها!
هناك الكثير من الناس في المنتزه ظهيرة ذلك اليوم، إنهم أكثر من الذين كانوا هنا الأحد الماضي. الفرقة الموسيقية تعزف أنغاما أعلى وأكثر ابتهاجا لأن الموسم قد بدأ. الفرقة تعزف كل أحد طيلة العام ولكن في غير الموسم، فالعزف مختلف. الفرقة حين ذاك أشبه ما تكون بشخص يعزف لتستمع إليه عائلته فقط. لا يهم كيف يكون العزف إذا لم يكن هناك غرباء يستمعون .أليس قائد الفرقة مرتديا معطفا جديدا؟ الآنسة (بريل) متأكدة من أنه جديد. القائد أشبه بمن يحك قدمه. إنه يرفرف بيديه مثل ديك يوشك أن يصيح . أعضاء الفرقة جالسون فوق تلك المنصة المستديرة الخضراء التي تعلوها قبة،ينفخون في الآلات، فتمتلئ وجناتهم وتتوهج وجوههم، يظهر ذلك جليا في منظر خدودهم ووجناتهم بينما هم يحملقون في النوتة التي أمامهم. حان الآن وقت العزف على آلة (الفلوت)، عُزِّفت مقطوعة قصيرة، سلسلة من النغمات الصافية. كانت واثقة من أنها ستعاد ثانية، وحدث هذا بالفعل.رفعت (بريل) رأسها وابتسمت.
شخصان فقط شاركاها الجلوس على المقعد الطويل المميز، رجل طاعن في السن، أنيق في مظهره، يرتدي معطفا من المخمل، يداه قابضتان على عصا مشي كبيرة تزينها بعض النقوش. وبرفقته امرأة مسنة، جلست بجانبه منتصبة القامة، وفوق مئزرها المطرز لفة صوف.
لم ينبسا ببنت شفة، وكان هذا محبطا للآنسة (بريل)، التواقة دوما للمحادثات. أصبحت في الحقيقة خبيرة تماما في استراق السمع بطريقة خفية لا تبدو معها إنها تسترق– هذا ما جال ببالها آنذاك – إنها خبيرة أيضا في الغوص في حياة الآخرين من خلال تلك اللحظات القليلة التي يتحدثون فيها وهم على مقربة منها!
اختلست نظرة إلى الزوجين العجوزين, لعلهما ينصرفان الآن. الأحد الماضي لم يكن ممتعا كما هو الحال عادة. أتى رجل إنجليزي عجوز، يعتمر قبعة مفزعة برفقة زوجته التي تنتعل حذاء له أزرار، وقضت معظم الوقت تتحدث عن الكيفية التي يفترض أن تضع بها النظارة التي تفكر في شرائها، كانت متأكدة من احتياجها لها ولكنها تؤثر عدم اقتنائها، لاعتقادها أنها سوف تنكسر ولن تبقى لها لتنتفع بها. كان الزوج صبورا جدا. اقترح عليها كل شيء؛ النوع المحاط بالذهب، النوع الذي يلف حول الأذنين، لبادة خفيفة داخل جسر النظارة الذي يوضع على الأنف. لا . لا شيء يعجبها. إزاء كل مقترح كانت تقول:" ستنزلق من على أنفي"! كادت الآنسة (بريل)أن تصيح عليها مؤنبة إياها.
كبار السن يجلسون عادة على المقاعد الطويلة، ثابتون مثل التماثيل. لا يهم ، فهناك دوما آخرون، بوسعها مراقبتهم، حيث يجيئون ويذهبون، أمام مساكب الزهور و منصة الفرقة. يَِقْدِمُون فرادى، أزواجا وجماعات، يتوقفون للحديث، يحيّ بعضهم بعضا، يشترون حفنات من الزهور من ذلك الشحاذ العجوز الذي ثبت صينية أزهاره على السياج. أطفال صغار يركضون بينهم، يأكلون ويضحكون، وثمة أطفال أصغر منهم سنا، يرتدون شرائط حريرية بيضاء تحت ذقونهم، وثمة أيضا بنات صغيرات، وفتيات فرنسيات كالدمى مكسوات بملابس مخملية مزركشة. فجأة يندفع طفل صغير مشاكس، يترنح مقتربا من الحفرة التي تحت الأشجار. يتوقف، يحملق، وسرعان ما يرتطم بالأرض ويظل مطروحا هناك إلى أن تهرع أمه الشابة الحريصة بخطى سريعة إلى نجدته وتشتمه, وكأنها دجاجة تلاحق صغارها.
أناس آخرون يجلسون على المقاعد الطويلة والكراسي الخضراء، ولكنهم دائما نفس الأشخاص الذين يأتون كل أحد. لا تكاد تميز أحدهم عن الآخر. السيدة (بريل) لاحظت أن هناك قاسما مشتركا يجمع بينهم، شيء ما مضحك يتعلق بمعظمهم. كانوا أشبه ما يكونون بالدمى، الصمت يستحوذ عليهم، غالبيتهم عجائز شاب فيهم الزمن، يحدقون بطريقة تجعلهم يبدون وكأنهم أتون للتو من غرف صغيرة حالكة الظلام أو حتى من خزائن مغلقة.
خلف القاعة المنصة، هناك الأشجار النحيلة تسقط أوراقها الصفراء، ومن خلال تلك الأشجار يظهر شريط من البحر وفي الخلف تظهر السماء الزرقاء محملة ببعض السحب المتشحة بعروق ذهبية.
(تـــم – تم – تايدل أم ! تايدل – أم - تم تا يايددلي أم تا).
هكذا عزفت الفرقة الموسيقية.
أتت فتاتان ترتديان الأحمر، وقابلهما جنديان في لباس أزرق. ضحكوا جميعا وأخذ كل منهما بذراع واحدة منهما ومضيا لحال سبيلهما. امرأتان قرويتان بقبعتي ريش مضحكتين مرتا بالجوار وهما تقودان حمارين جميلين بلوني الدخان. راهبة وقورة، شاحبة الوجه مرت مسرعة بالقرب منها. قدمت أيضا امرأة جميلة، سقطت منها حزمة من البنفسج، ثمة صبي صغير يركض ليلتقطها لها، أخذتها منه، وقذفت بها بعيدا كما لو أن تلك الحزمة قد سممت. يا إلهي! الآنسة (بريل) لا تدري عما إذا كان من الأجدى أن تعجب بذلك أم لا! الآن امرأة تعتمر قبعة نسائية من فراء القاقم(1) ورجل يرتدي ملابس رمادية يتقابلان وجها لوجه أمامها مباشرة.
كان طويلا، وقورا، تعلوه سيمياء الكبرياء، أما هي فكانت مرتدية القبعة الفراء التي ابتاعتها عندما كان شعرها فقط أصفر، أما الآن فكل ما فيها، شعرها، وجهها، وحتى عيناها بنفس لون الفراء الباهت، وكذلك يدها المندسة في قفازها المنظف, والتي ارتفعت لتربت على شفتيها وكأنها براثن حيوان صغيرة ضاربة إلى الصفرة. أوه. كانت المرأة مسرورة لرؤية الرجل. شعرت بالغبطة. كانت شبه متأكدة من لقائه ظهر ذلك اليوم.
وصفت المرأة كل الأماكن التي سافرت إليها هنا وهناك عبر البحار. أليس النهار فاتنا ؟ ألا يعتقد ذلك؟ لكنه هزّ رأسه،أشعل سيجارته، وببطء أخذ منها نفسا عميقا، ونفثه في وجهها. وبالرغم من أنها كانت مستمرة في حديثها وضحكها، ألا إنه رمى بعود الثقاب بعيدا ومشى. الآن قبعة فراء القاقم وحيدة؛ ابتسمت بمرح أكثر من ذي قبل، ولكن حتى الفرقة بدا إنها تعلم حقيقة شعورها، وعزفت بنعومة ولطف أكثر. وقرع الطبل.يا ترى ماذا الذي يجب عليها عمله؟ ما الذي سوف يحدث الآن؟ وبينما الآنسة (بريل) تتساءل، فقد عادت تلك المرأة لرفع يدها، كما لو أنها رأت شخصا أخر، أكثر لطفا، على مقربة منها، يهمهم . يترنم بمقطع من أغنية، وغيرت الفرقة شيئا من عزفها للمرة الثانية،يتم العزف الآن بشكل أسرع وبابتهاج أكثر من أي وقت مضى.
الزوجان اللذان كانا يجلسان بجانب الآنسة (بريل) على المقعد الطويل نهضا الآن وسارا مغادرين. كم هو مضحك ذلك الرجل العجوز ، ذو السالفين الطوليين، والذي كان يتمايل مع الموسيقى ويمشي متعرجا، حتى كاد أن يضرب من قبل أربع فتيات يمشين بمحاذاته.
آه. كم هو ممتع ذلك الشعور! كم استمتعت به!). كم أحبت ) الجلوس هنا لتشاهد كل شيء! الأمر أشبه بمسرحية. نعم إنه يشبه المسرحية تماما. من يسعه الاعتقاد أن السماء التي في الخلفية ليست سوى لوحة مرسومة. الآنسة (بريل) لم تكتشف ما الذي جعل الأمر كله على هذا المقدار من التشويق حتى أتى ذلك الكلب الأسمر الصغير يركض سريعا وبشكل مهيب نحو المنطقة التي أمامها. ومن ثم قلّل من سرعته تدريجيا وعاد من حيث أتى مثله مثل كلب مسرح تم تخديره.
لم يكونوا فقط مجرد متفرجين. لم يكونوا يشاهدون فقط بل كانوا يمثلون. حتى هي كان لديها دور تؤديه ولذلك تأتي من أجله كل يوم أحد. لا شك أن ثمة من سيفتقدها فيما لو غابت ذات مرة.حضورها جزء من المشهد.
كم هو غريب حقا أنها لم تفكر في الأمر على هذا النحو من ذي قبل، رغم أن ذلك هو الذي يفسر حرصها على بدء انطلاقتها أسبوعيا من منزلها وفي نفس الوقت، كما لو كانت حريصة على أن لا تتأخر عن الأداء .
ذلك يفسر أيضا لماذا تشعر بالخجل و الغرابة عندما تخبر طلبتها في مادة اللغة الإنجليزية كيف تقضي ظهيرات أيام الآحاد. لا عجب في أنها كادت أن تطلق ضحكة مدوية. إنها فوق خشبة المسرح. تفكر في السيد العاجز والذي تقرأ له الصحيفة أربع مرات ظهيرة كل أسبوع بينما هو نائم في الحديقة. ألفت منظر رأسه على مخدة القطن، ومنظر عينيه الغائرتين وفمه المفتوح وأنفه المقروص. لو قدر له الموت فقد لا تلحظ ذلك لعدة أسابيع، ولن تلق له بالا. ولكنه فجأة تذكر أن هناك صحيفة تقرأ له من قبل ممثلة. رفع رأسه التي اشتعلت شيبا، وارتعشت نقطتا ضوء عينيه الهرمتين:- " ممثلة" ،" ألست ممثلة؟". وبدأت الآنسة (بريل) تتلمس الصحيفة بيدها الصحيفة برقة كما لو كانت مخطوطة تحمل نص دورها في المسرحية، وقالت بلطف:- " نعم إنني ممثلة منذ زمن طويل".
أخذت الفرقة قسطا من الراحة، الآن استأنفت العزف، الذي يتسم الآن بالدفء والتفاؤل، رغم أن فيه شيء من ....، ترى ما هو ذلك الشيء، ليس حزنا، نعم ليس حزنا، شيء ما يولد لديك رغبة في الغناء. ارتفعت النغمة، ارتفعت أكثر، لقد شع الضياء. بدا للآنسة (بريل) أن الجميع عما قريب سيصدحون بالغناء كلهم، كل الصحبة، الرفاق، الفرقة وكذلك الزوار. الشباب منهم، الضاحكون منهم الذين كانوا يتحركون مع بعضهم البعض، كلهم بلا استثناء سيشرعون في الغناء،ومعهم أصوات الرجال التي يكون فيها عزم وتصميم.، والآخرون الذين على المنصة سوف يأتون ويغنون في مسايرة لطيفة؛ مسايرة بسيطة؛ مسايرة جميلة جدا تتحرك.....امتلأت عينا السيدة (بريل) بالدموع ونظرت مبتسمة لكل الأعضاء الآخرين لجماعة الفرقة المفترضة. نعم ، لقد فهمنا، لقد فهمنا. فكرت في ذلك... في الذي يكونوا قد فهموه وهي لا تدري عنه شيئا.
عند تلك اللحظة، قدم شاب يافع وفتاة، جلسا حيث كان العجوزان جالسين. كانا ير تديان ملابس جميلة جدا. بدا أنهما عاشقان لبعضهما. البطل والبطل وصلا للتو على يخت والده. الآنسة (بريل) مازالت تغني من غير صوت، ومازالت أيضا محتفظة بتلك الابتسامة المرتعدة، وبينما هي كذلك أرخت العنان لأذنيها لتستمع.
الفتاة تقول:
- لا. ليس الآن. ليس هنا! لا أستطيع.
ويسألها الشاب:
-ولكن ... لماذا؟ أبسبب ذلك الشيء القديم الغبي القابع هناك!
وأضاف:
- لا أدري لماذا تأتي دوما إلى هنا وحيدة تماما. من يا ترى يرغب فيها؟ لماذا لا تبقي خلقتها الغبية الحمقاء تلك في البيت.
وقالت الفتاة مقهقهة:
- كم هو مضحك معطف الفراء الذي ترتديه! إنه يشبه سمكة قدِّ بيضاء مقلية.
وفي همس غاضب قال الشاب:-
-دعكِِّ منها.
وأضاف:-
-والآن يا حبيبتي ألا تسمحين لي بـــ ......؟
-لا، ليس هنا، ليس الآن!
في طريق عودتها للمنزل، اعتادت (بريل) شراء قطعة من الكيك .إنها تجد في ذلك متعة كل أحد، أحيانا تجد في قطعتها حبة لوز، وأحيانا لا. إن ذلك يحدث فرقا كبيرا. إذا وجدت فيها حبة لوز، فتكون كمن جلب لبيته هدية صغيرة، شيئا سارا ليس موجودا هناك. كانت تسرع الخطى في أيام الآحاد التي تجد في قطعتها حبة اللوز, وتقدح عود الثقاب معدة إبريق الشاي على عجل..
غير أنها اليوم، مرت من عند المخبز، تجاوزته دون أن تتوقف عنده. تسلقت الدرج الموصل لبيتها، ودخلت الغرفة الصغيرة المظلمة، غرفتها التي تشبه الخزانة المغلقة وجلست على الفراش المحشو بالزغب. جلست هناك لوقت طويل. الصندوق الذي أخذت منه معطف الفراء كان ملقى على السرير. فكت مقبضه بسرعة، وبسرعة أيضا،ومن دون أن تنظر، ألقت بالمعطف داخله. وعندما أطبقت عليه الغطاء ، تهيأ لها أنها تسمع شيئا ما يصرخ!
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------
نبذة موجزة عن كاتبة القصة:-
(كاثرين مانسفيلد)
(كاثرين مانسفيلد) (1888-1923) كاتبة بريطانية، كتبت قصصًا رمزية قصيرةعن حياة الناس اليومية ومشاعرهم الداخلية. وتُشبَّه بالكاتب الروسي أنطون تشيخوف فيتملكها لناصية الكتابة في مجال القصص القصيرة. وتعد معظم كتاباتها دراسات عنالطفولة مستقاة من تجاربها الشخصية في سنواتها الأولى، عندما كانت في (ولنجتون) ب (نيوزيلندا). وقد اتخذت من نفسها ومن شخصية أخيها نماذج، أو رموزًا لشخصياتقصصها.. وقد عانت كثيرا من داء الدرن وقضت معظم وقتها بين المستشفيات والمصحات وقد قام زوج (مانسفيلد) بطبع ونشر قصائدها وخطاباتها وكتاب القصاصات الخاص بها بعد وفاتها متأثرة بمرضها العضال--------
قصة قصيرة للكاتبة :- كاثرين مانسفيلد
By: Katherine Mansfield
ترجمة :- خلف سرحان القرشي
qkhalaf2@hotmail.com
---------------------------------------------------------
رغم أن الجو كان بديعا حيث تتناثر على السماء الزرقاء نتف ذهبية وكبيرة من الضياء أشبه ما تكون بنبيذ أبيض رُش فوق المنتزه- إلا أن الآنسة (بريل) كانت مسرورة كونها ارتدت معطفها الفراء. الهواء ساكن، ولكن بمجرد أن تفتح فمك، فإن رعشة تعتريك مثلها مثل تلك الرعشة التي تحسها عندما تهم بارتشاف جرعة من كأس من الماء المتجمد.
بين فينة وأخرى، تتهادى بعض أوراق الشجر التي تهب بها الرياح، آتية بها من لا مكان، من تحت أديم السماء. رفعت الآنسة (بريل) بيدها لتلامس معطفها! ذلك الشيء الصغير العزيز! شعرت بالمتعة في أن تتحسسه ثانية. لقد أخرجته من الخزانة ظهر ذلك اليوم، نفضت عنه المسحوق المضاد لعثة الملابس، فركته جيدا بالفرشاة مما جعل منظره يشيُّ بالحياة التي تأتلق الآن في عينيه الصغيرتين الباهتتين.
" ما الذي يحدث لي؟ "
هذا ما تخيلت (بريل) عيني المعطف الصغيرتين الحزينتين تقولانه.
" أوه. كم هو جميل أن ترى الآنسة (بريل) تلك العينين الصغيرتين للمعطف وقد أطبقتا عليها عبر الزغب الأحمر، لكن أنف المعطف لم يكن ثابتا كما ينبغي، ها.ها . لا بد أنه تعرض لضربة. يجب أن يعطى طرقة بطريقة ما. لا يهم ....حينما يأتي الوقت فإن قليلا من الشمع يوضع عليه كختم، فقط عندما يكون ضروريا.
"أ وه، أيها الفرس الحرون الصغير!"
نعم، هذا حقيقة ما شعرت به نحوه.
حقّا كان معطفها مثله مثل فرس حرون صغير يعبث بذيله عند أذنها اليسرى. بوسعها نزعه ووضعه على حضنها وتمسيده. رغبت بذلك. شعرت بوخز في يديها وذراعيها. ظنت أن ذلك من جراء مشيها.
عندما استنشقت بعض الهواء فإن شيئا مضيئا وحزينا ...لا ... ليس حزينا.. تماما... شيئا لطيفاً يتحرك في صدرها!
هناك الكثير من الناس في المنتزه ظهيرة ذلك اليوم، إنهم أكثر من الذين كانوا هنا الأحد الماضي. الفرقة الموسيقية تعزف أنغاما أعلى وأكثر ابتهاجا لأن الموسم قد بدأ. الفرقة تعزف كل أحد طيلة العام ولكن في غير الموسم، فالعزف مختلف. الفرقة حين ذاك أشبه ما تكون بشخص يعزف لتستمع إليه عائلته فقط. لا يهم كيف يكون العزف إذا لم يكن هناك غرباء يستمعون .أليس قائد الفرقة مرتديا معطفا جديدا؟ الآنسة (بريل) متأكدة من أنه جديد. القائد أشبه بمن يحك قدمه. إنه يرفرف بيديه مثل ديك يوشك أن يصيح . أعضاء الفرقة جالسون فوق تلك المنصة المستديرة الخضراء التي تعلوها قبة،ينفخون في الآلات، فتمتلئ وجناتهم وتتوهج وجوههم، يظهر ذلك جليا في منظر خدودهم ووجناتهم بينما هم يحملقون في النوتة التي أمامهم. حان الآن وقت العزف على آلة (الفلوت)، عُزِّفت مقطوعة قصيرة، سلسلة من النغمات الصافية. كانت واثقة من أنها ستعاد ثانية، وحدث هذا بالفعل.رفعت (بريل) رأسها وابتسمت.
شخصان فقط شاركاها الجلوس على المقعد الطويل المميز، رجل طاعن في السن، أنيق في مظهره، يرتدي معطفا من المخمل، يداه قابضتان على عصا مشي كبيرة تزينها بعض النقوش. وبرفقته امرأة مسنة، جلست بجانبه منتصبة القامة، وفوق مئزرها المطرز لفة صوف.
لم ينبسا ببنت شفة، وكان هذا محبطا للآنسة (بريل)، التواقة دوما للمحادثات. أصبحت في الحقيقة خبيرة تماما في استراق السمع بطريقة خفية لا تبدو معها إنها تسترق– هذا ما جال ببالها آنذاك – إنها خبيرة أيضا في الغوص في حياة الآخرين من خلال تلك اللحظات القليلة التي يتحدثون فيها وهم على مقربة منها!
اختلست نظرة إلى الزوجين العجوزين, لعلهما ينصرفان الآن. الأحد الماضي لم يكن ممتعا كما هو الحال عادة. أتى رجل إنجليزي عجوز، يعتمر قبعة مفزعة برفقة زوجته التي تنتعل حذاء له أزرار، وقضت معظم الوقت تتحدث عن الكيفية التي يفترض أن تضع بها النظارة التي تفكر في شرائها، كانت متأكدة من احتياجها لها ولكنها تؤثر عدم اقتنائها، لاعتقادها أنها سوف تنكسر ولن تبقى لها لتنتفع بها. كان الزوج صبورا جدا. اقترح عليها كل شيء؛ النوع المحاط بالذهب، النوع الذي يلف حول الأذنين، لبادة خفيفة داخل جسر النظارة الذي يوضع على الأنف. لا . لا شيء يعجبها. إزاء كل مقترح كانت تقول:" ستنزلق من على أنفي"! كادت الآنسة (بريل)أن تصيح عليها مؤنبة إياها.
كبار السن يجلسون عادة على المقاعد الطويلة، ثابتون مثل التماثيل. لا يهم ، فهناك دوما آخرون، بوسعها مراقبتهم، حيث يجيئون ويذهبون، أمام مساكب الزهور و منصة الفرقة. يَِقْدِمُون فرادى، أزواجا وجماعات، يتوقفون للحديث، يحيّ بعضهم بعضا، يشترون حفنات من الزهور من ذلك الشحاذ العجوز الذي ثبت صينية أزهاره على السياج. أطفال صغار يركضون بينهم، يأكلون ويضحكون، وثمة أطفال أصغر منهم سنا، يرتدون شرائط حريرية بيضاء تحت ذقونهم، وثمة أيضا بنات صغيرات، وفتيات فرنسيات كالدمى مكسوات بملابس مخملية مزركشة. فجأة يندفع طفل صغير مشاكس، يترنح مقتربا من الحفرة التي تحت الأشجار. يتوقف، يحملق، وسرعان ما يرتطم بالأرض ويظل مطروحا هناك إلى أن تهرع أمه الشابة الحريصة بخطى سريعة إلى نجدته وتشتمه, وكأنها دجاجة تلاحق صغارها.
أناس آخرون يجلسون على المقاعد الطويلة والكراسي الخضراء، ولكنهم دائما نفس الأشخاص الذين يأتون كل أحد. لا تكاد تميز أحدهم عن الآخر. السيدة (بريل) لاحظت أن هناك قاسما مشتركا يجمع بينهم، شيء ما مضحك يتعلق بمعظمهم. كانوا أشبه ما يكونون بالدمى، الصمت يستحوذ عليهم، غالبيتهم عجائز شاب فيهم الزمن، يحدقون بطريقة تجعلهم يبدون وكأنهم أتون للتو من غرف صغيرة حالكة الظلام أو حتى من خزائن مغلقة.
خلف القاعة المنصة، هناك الأشجار النحيلة تسقط أوراقها الصفراء، ومن خلال تلك الأشجار يظهر شريط من البحر وفي الخلف تظهر السماء الزرقاء محملة ببعض السحب المتشحة بعروق ذهبية.
(تـــم – تم – تايدل أم ! تايدل – أم - تم تا يايددلي أم تا).
هكذا عزفت الفرقة الموسيقية.
أتت فتاتان ترتديان الأحمر، وقابلهما جنديان في لباس أزرق. ضحكوا جميعا وأخذ كل منهما بذراع واحدة منهما ومضيا لحال سبيلهما. امرأتان قرويتان بقبعتي ريش مضحكتين مرتا بالجوار وهما تقودان حمارين جميلين بلوني الدخان. راهبة وقورة، شاحبة الوجه مرت مسرعة بالقرب منها. قدمت أيضا امرأة جميلة، سقطت منها حزمة من البنفسج، ثمة صبي صغير يركض ليلتقطها لها، أخذتها منه، وقذفت بها بعيدا كما لو أن تلك الحزمة قد سممت. يا إلهي! الآنسة (بريل) لا تدري عما إذا كان من الأجدى أن تعجب بذلك أم لا! الآن امرأة تعتمر قبعة نسائية من فراء القاقم(1) ورجل يرتدي ملابس رمادية يتقابلان وجها لوجه أمامها مباشرة.
كان طويلا، وقورا، تعلوه سيمياء الكبرياء، أما هي فكانت مرتدية القبعة الفراء التي ابتاعتها عندما كان شعرها فقط أصفر، أما الآن فكل ما فيها، شعرها، وجهها، وحتى عيناها بنفس لون الفراء الباهت، وكذلك يدها المندسة في قفازها المنظف, والتي ارتفعت لتربت على شفتيها وكأنها براثن حيوان صغيرة ضاربة إلى الصفرة. أوه. كانت المرأة مسرورة لرؤية الرجل. شعرت بالغبطة. كانت شبه متأكدة من لقائه ظهر ذلك اليوم.
وصفت المرأة كل الأماكن التي سافرت إليها هنا وهناك عبر البحار. أليس النهار فاتنا ؟ ألا يعتقد ذلك؟ لكنه هزّ رأسه،أشعل سيجارته، وببطء أخذ منها نفسا عميقا، ونفثه في وجهها. وبالرغم من أنها كانت مستمرة في حديثها وضحكها، ألا إنه رمى بعود الثقاب بعيدا ومشى. الآن قبعة فراء القاقم وحيدة؛ ابتسمت بمرح أكثر من ذي قبل، ولكن حتى الفرقة بدا إنها تعلم حقيقة شعورها، وعزفت بنعومة ولطف أكثر. وقرع الطبل.يا ترى ماذا الذي يجب عليها عمله؟ ما الذي سوف يحدث الآن؟ وبينما الآنسة (بريل) تتساءل، فقد عادت تلك المرأة لرفع يدها، كما لو أنها رأت شخصا أخر، أكثر لطفا، على مقربة منها، يهمهم . يترنم بمقطع من أغنية، وغيرت الفرقة شيئا من عزفها للمرة الثانية،يتم العزف الآن بشكل أسرع وبابتهاج أكثر من أي وقت مضى.
الزوجان اللذان كانا يجلسان بجانب الآنسة (بريل) على المقعد الطويل نهضا الآن وسارا مغادرين. كم هو مضحك ذلك الرجل العجوز ، ذو السالفين الطوليين، والذي كان يتمايل مع الموسيقى ويمشي متعرجا، حتى كاد أن يضرب من قبل أربع فتيات يمشين بمحاذاته.
آه. كم هو ممتع ذلك الشعور! كم استمتعت به!). كم أحبت ) الجلوس هنا لتشاهد كل شيء! الأمر أشبه بمسرحية. نعم إنه يشبه المسرحية تماما. من يسعه الاعتقاد أن السماء التي في الخلفية ليست سوى لوحة مرسومة. الآنسة (بريل) لم تكتشف ما الذي جعل الأمر كله على هذا المقدار من التشويق حتى أتى ذلك الكلب الأسمر الصغير يركض سريعا وبشكل مهيب نحو المنطقة التي أمامها. ومن ثم قلّل من سرعته تدريجيا وعاد من حيث أتى مثله مثل كلب مسرح تم تخديره.
لم يكونوا فقط مجرد متفرجين. لم يكونوا يشاهدون فقط بل كانوا يمثلون. حتى هي كان لديها دور تؤديه ولذلك تأتي من أجله كل يوم أحد. لا شك أن ثمة من سيفتقدها فيما لو غابت ذات مرة.حضورها جزء من المشهد.
كم هو غريب حقا أنها لم تفكر في الأمر على هذا النحو من ذي قبل، رغم أن ذلك هو الذي يفسر حرصها على بدء انطلاقتها أسبوعيا من منزلها وفي نفس الوقت، كما لو كانت حريصة على أن لا تتأخر عن الأداء .
ذلك يفسر أيضا لماذا تشعر بالخجل و الغرابة عندما تخبر طلبتها في مادة اللغة الإنجليزية كيف تقضي ظهيرات أيام الآحاد. لا عجب في أنها كادت أن تطلق ضحكة مدوية. إنها فوق خشبة المسرح. تفكر في السيد العاجز والذي تقرأ له الصحيفة أربع مرات ظهيرة كل أسبوع بينما هو نائم في الحديقة. ألفت منظر رأسه على مخدة القطن، ومنظر عينيه الغائرتين وفمه المفتوح وأنفه المقروص. لو قدر له الموت فقد لا تلحظ ذلك لعدة أسابيع، ولن تلق له بالا. ولكنه فجأة تذكر أن هناك صحيفة تقرأ له من قبل ممثلة. رفع رأسه التي اشتعلت شيبا، وارتعشت نقطتا ضوء عينيه الهرمتين:- " ممثلة" ،" ألست ممثلة؟". وبدأت الآنسة (بريل) تتلمس الصحيفة بيدها الصحيفة برقة كما لو كانت مخطوطة تحمل نص دورها في المسرحية، وقالت بلطف:- " نعم إنني ممثلة منذ زمن طويل".
أخذت الفرقة قسطا من الراحة، الآن استأنفت العزف، الذي يتسم الآن بالدفء والتفاؤل، رغم أن فيه شيء من ....، ترى ما هو ذلك الشيء، ليس حزنا، نعم ليس حزنا، شيء ما يولد لديك رغبة في الغناء. ارتفعت النغمة، ارتفعت أكثر، لقد شع الضياء. بدا للآنسة (بريل) أن الجميع عما قريب سيصدحون بالغناء كلهم، كل الصحبة، الرفاق، الفرقة وكذلك الزوار. الشباب منهم، الضاحكون منهم الذين كانوا يتحركون مع بعضهم البعض، كلهم بلا استثناء سيشرعون في الغناء،ومعهم أصوات الرجال التي يكون فيها عزم وتصميم.، والآخرون الذين على المنصة سوف يأتون ويغنون في مسايرة لطيفة؛ مسايرة بسيطة؛ مسايرة جميلة جدا تتحرك.....امتلأت عينا السيدة (بريل) بالدموع ونظرت مبتسمة لكل الأعضاء الآخرين لجماعة الفرقة المفترضة. نعم ، لقد فهمنا، لقد فهمنا. فكرت في ذلك... في الذي يكونوا قد فهموه وهي لا تدري عنه شيئا.
عند تلك اللحظة، قدم شاب يافع وفتاة، جلسا حيث كان العجوزان جالسين. كانا ير تديان ملابس جميلة جدا. بدا أنهما عاشقان لبعضهما. البطل والبطل وصلا للتو على يخت والده. الآنسة (بريل) مازالت تغني من غير صوت، ومازالت أيضا محتفظة بتلك الابتسامة المرتعدة، وبينما هي كذلك أرخت العنان لأذنيها لتستمع.
الفتاة تقول:
- لا. ليس الآن. ليس هنا! لا أستطيع.
ويسألها الشاب:
-ولكن ... لماذا؟ أبسبب ذلك الشيء القديم الغبي القابع هناك!
وأضاف:
- لا أدري لماذا تأتي دوما إلى هنا وحيدة تماما. من يا ترى يرغب فيها؟ لماذا لا تبقي خلقتها الغبية الحمقاء تلك في البيت.
وقالت الفتاة مقهقهة:
- كم هو مضحك معطف الفراء الذي ترتديه! إنه يشبه سمكة قدِّ بيضاء مقلية.
وفي همس غاضب قال الشاب:-
-دعكِِّ منها.
وأضاف:-
-والآن يا حبيبتي ألا تسمحين لي بـــ ......؟
-لا، ليس هنا، ليس الآن!
في طريق عودتها للمنزل، اعتادت (بريل) شراء قطعة من الكيك .إنها تجد في ذلك متعة كل أحد، أحيانا تجد في قطعتها حبة لوز، وأحيانا لا. إن ذلك يحدث فرقا كبيرا. إذا وجدت فيها حبة لوز، فتكون كمن جلب لبيته هدية صغيرة، شيئا سارا ليس موجودا هناك. كانت تسرع الخطى في أيام الآحاد التي تجد في قطعتها حبة اللوز, وتقدح عود الثقاب معدة إبريق الشاي على عجل..
غير أنها اليوم، مرت من عند المخبز، تجاوزته دون أن تتوقف عنده. تسلقت الدرج الموصل لبيتها، ودخلت الغرفة الصغيرة المظلمة، غرفتها التي تشبه الخزانة المغلقة وجلست على الفراش المحشو بالزغب. جلست هناك لوقت طويل. الصندوق الذي أخذت منه معطف الفراء كان ملقى على السرير. فكت مقبضه بسرعة، وبسرعة أيضا،ومن دون أن تنظر، ألقت بالمعطف داخله. وعندما أطبقت عليه الغطاء ، تهيأ لها أنها تسمع شيئا ما يصرخ!
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------
نبذة موجزة عن كاتبة القصة:-
(كاثرين مانسفيلد)
(كاثرين مانسفيلد) (1888-1923) كاتبة بريطانية، كتبت قصصًا رمزية قصيرةعن حياة الناس اليومية ومشاعرهم الداخلية. وتُشبَّه بالكاتب الروسي أنطون تشيخوف فيتملكها لناصية الكتابة في مجال القصص القصيرة. وتعد معظم كتاباتها دراسات عنالطفولة مستقاة من تجاربها الشخصية في سنواتها الأولى، عندما كانت في (ولنجتون) ب (نيوزيلندا). وقد اتخذت من نفسها ومن شخصية أخيها نماذج، أو رموزًا لشخصياتقصصها.. وقد عانت كثيرا من داء الدرن وقضت معظم وقتها بين المستشفيات والمصحات وقد قام زوج (مانسفيلد) بطبع ونشر قصائدها وخطاباتها وكتاب القصاصات الخاص بها بعد وفاتها متأثرة بمرضها العضال--------
Miss Brill
Although it was so brilliantly fine - the blue sky powdered with gold and great spots of light like white wine splashed over the Jardins Publiques - Miss Brill was glad that she had decided on her fur. The air was motionless, but when you opened your mouth there was just a faint chill, like a chill from a glass of iced water before you sip, and now and again a leaf came drifting - from nowhere, from the sky. Miss Brill put up her hand and touched her fur. Dear little thing! It was nice to feel it again. She had taken it out of its box that afternoon, shaken out the moth-powder, given it a good brush, and rubbed the life back into the dim little eyes. "What has been happening to me?" said the sad little eyes. Oh, how sweet it was to see them snap at her again from the red eiderdown! ... But the nose, which was of some black composition, wasn't at all firm. It must have had a knock, somehow. Never mind - a little dab of black sealing-wax when the time came - when it was absolutely necessary ... Little rogue! Yes, she really felt like that about it. Little rogue biting its tail just by her left ear. She could have taken it off and laid it on her lap and stroked it. She felt a tingling in her hands and arms, but that came from walking, she supposed. And when she breathed, something light and sad - no, not sad, exactly - something gentle seemed to move in her bosom.
There were a number of people out this afternoon, far more than last Sunday. And the band sounded louder and gayer. That was because the Season had begun. For although the band played all the year round on Sundays, out of season it was never the same. It was like some one playing with only the family to listen; it didn't care how it played if there weren't any strangers present. Wasn't the conductor wearing a new coat, too? She was sure it was new. He scraped with his foot and flapped his arms like a rooster about to crow, and the bandsmen sitting in the green rotunda blew out their cheeks and glared at the music. Now there came a little "flutey" bit - very pretty! - a little chain of bright drops. She was sure it would be repeated. It was; she lifted her head and smiled.
Only two people shared her "special" seat: a fine old man in a velvet coat, his hands clasped over a huge carved walking-stick, and a big old woman, sitting upright, with a roll of knitting on her embroidered apron. They did not speak. This was disappointing, for Miss Brill always looked forward to the conversation. She had become really quite expert, she thought, at listening as though she didn't listen, at sitting in other people's lives just for a minute while they talked round her.
She glanced, sideways, at the old couple. Perhaps they would go soon. Last Sunday, too, hadn't been as interesting as usual. An Englishman and his wife, he wearing a dreadful Panama hat and she button boots. And she'd gone on the whole time about how she ought to wear spectacles; she knew she needed them; but that it was no good getting any; they'd be sure to break and they'd never keep on. And he'd been so patient. He'd suggested everything - gold rims, the kind that curved round your ears, little pads inside the bridge. No, nothing would please her. "They'll always be sliding down my nose!" Miss Brill had wanted to shake her.
The old people sat on the bench, still as statues. Never mind, there was always the crowd to watch. To and fro, in front of the flower-beds and the band rotunda, the couples and groups paraded, stopped to talk, to greet, to buy a handful of flowers from the old beggar who had his tray fixed to the railings. Little children ran among them, swooping and laughing; little boys with big white silk bows under their chins, little girls, little French dolls, dressed up in velvet and lace. And sometimes a tiny staggerer came suddenly rocking into the open from under the trees, stopped, stared, as suddenly sat down "flop," until its small high-stepping mother, like a young hen, rushed scolding to its rescue. Other people sat on the benches and green chairs, but they were nearly always the same, Sunday after Sunday, and - Miss Brill had often noticed - there was something funny about nearly all of them. They were odd, silent, nearly all old, and from the way they stared they looked as though they'd just come from dark little rooms or even - even cupboards!
Behind the rotunda the slender trees with yellow leaves down drooping, and through them just a line of sea, and beyond the blue sky with gold-veined clouds.
Tum-tum-tum tiddle-um! tiddle-um! tum tiddley-um tum ta! blew the band.
Two young girls in red came by and two young soldiers in blue met them, and they laughed and paired and went off arm-in-arm. Two peasant women with funny straw hats passed, gravely, leading beautiful smoke-coloured donkeys. A cold, pale nun hurried by. A beautiful woman came along and dropped her bunch of violets, and a little boy ran after to hand them to her, and she took them and threw them away as if they'd been poisoned. Dear me! Miss Brill didn't know whether to admire that or not! And now an ermine toque and a gentleman in grey met just in front of her. He was tall, stiff, dignified, and she was wearing the ermine toque she'd bought when her hair was yellow. Now everything, her hair, her face, even her eyes, was the same colour as the shabby ermine, and her hand, in its cleaned glove, lifted to dab her lips, was a tiny yellowish paw. Oh, she was so pleased to see him - delighted! She rather thought they were going to meet that afternoon. She described where she'd been - everywhere, here, there, along by the sea. The day was so charming - didn't he agree? And wouldn't he, perhaps? ... But he shook his head, lighted a cigarette, slowly breathed a great deep puff into her face, and even while she was still talking and laughing, flicked the match away and walked on. The ermine toque was alone; she smiled more brightly than ever. But even the band seemed to know what she was feeling and played more softly, played tenderly, and the drum beat, "The Brute! The Brute!" over and over. What would she do? What was going to happen now? But as Miss Brill wondered, the ermine toque turned, raised her hand as though she'd seen some one else, much nicer, just over there, and pattered away. And the band changed again and played more quickly, more gayly than ever, and the old couple on Miss Brill's seat got up and marched away, and such a funny old man with long whiskers hobbled along in time to the music and was nearly knocked over by four girls walking abreast.
Oh, how fascinating it was! How she enjoyed it! How she loved sitting here, watching it all! It was like a play. It was exactly like a play. Who could believe the sky at the back wasn't painted? But it wasn't till a little brown dog trotted on solemn and then slowly trotted off, like a little "theatre" dog, a little dog that had been drugged, that Miss Brill discovered what it was that made it so exciting. They were all on the stage. They weren't only the audience, not only looking on; they were acting. Even she had a part and came every Sunday. No doubt somebody would have noticed if she hadn't been there; she was part of the performance after all. How strange she'd never thought of it like that before! And yet it explained why she made such a point of starting from home at just the same time each week - so as not to be late for the performance - and it also explained why she had quite a queer, shy feeling at telling her English pupils how she spent her Sunday afternoons. No wonder! Miss Brill nearly laughed out loud. She was on the stage. She thought of the old invalid gentleman to whom she read the newspaper four afternoons a week while he slept in the garden. She had got quite used to the frail head on the cotton pillow, the hollowed eyes, the open mouth and the high pinched nose. If he'd been dead she mightn't have noticed for weeks; she wouldn't have minded. But suddenly he knew he was having the paper read to him by an actress! "An actress!" The old head lifted; two points of light quivered in the old eyes. "An actress - are ye?" And Miss Brill smoothed the newspaper as though it were the manuscript of her part and said gently; "Yes, I have been an actress for a long time."
The band had been having a rest. Now they started again. And what they played was warm, sunny, yet there was just a faint chill - a something, what was it? - not sadness - no, not sadness - a something that made you want to sing. The tune lifted, lifted, the light shone; and it seemed to Miss Brill that in another moment all of them, all the whole company, would begin singing. The young ones, the laughing ones who were moving together, they would begin, and the men's voices, very resolute and brave, would join them. And then she too, she too, and the others on the benches - they would come in with a kind of accompaniment - something low, that scarcely rose or fell, something so beautiful - moving ... And Miss Brill's eyes filled with tears and she looked smiling at all the other members of the company. Yes, we understand, we understand, she thought - though what they understood she didn't know.
Just at that moment a boy and girl came and sat down where the old couple had been. They were beautifully dressed; they were in love. The hero and heroine, of course, just arrived from his father's yacht. And still soundlessly singing, still with that trembling smile, Miss Brill prepared to listen.
"No, not now," said the girl. "Not here, I can't."
"But why? Because of that stupid old thing at the end there?" asked the boy. "Why does she come here at all - who wants her? Why doesn't she keep her silly old mug at home?"
"It's her fu-ur which is so funny," giggled the girl. "It's exactly like a fried whiting."
"Ah, be off with you!" said the boy in an angry whisper. Then: "Tell me, ma petite chere--"
"No, not here," said the girl. "Not yet."
On her way home she usually bought a slice of honey-cake at the baker's. It was her Sunday treat. Sometimes there was an almond in her slice, sometimes not. It made a great difference. If there was an almond it was like carrying home a tiny present - a surprise - something that might very well not have been there. She hurried on the almond Sundays and struck the match for the kettle in quite a dashing way.
But to-day she passed the baker's by, climbed the stairs, went into the little dark room - her room like a cupboard - and sat down on the red eiderdown. She sat there for a long time. The box that the fur came out of was on the bed. She unclasped the necklet quickly; quickly, without looking, laid it inside. But when she put the lid on she thought she heard something crying.
Although it was so brilliantly fine - the blue sky powdered with gold and great spots of light like white wine splashed over the Jardins Publiques - Miss Brill was glad that she had decided on her fur. The air was motionless, but when you opened your mouth there was just a faint chill, like a chill from a glass of iced water before you sip, and now and again a leaf came drifting - from nowhere, from the sky. Miss Brill put up her hand and touched her fur. Dear little thing! It was nice to feel it again. She had taken it out of its box that afternoon, shaken out the moth-powder, given it a good brush, and rubbed the life back into the dim little eyes. "What has been happening to me?" said the sad little eyes. Oh, how sweet it was to see them snap at her again from the red eiderdown! ... But the nose, which was of some black composition, wasn't at all firm. It must have had a knock, somehow. Never mind - a little dab of black sealing-wax when the time came - when it was absolutely necessary ... Little rogue! Yes, she really felt like that about it. Little rogue biting its tail just by her left ear. She could have taken it off and laid it on her lap and stroked it. She felt a tingling in her hands and arms, but that came from walking, she supposed. And when she breathed, something light and sad - no, not sad, exactly - something gentle seemed to move in her bosom.
There were a number of people out this afternoon, far more than last Sunday. And the band sounded louder and gayer. That was because the Season had begun. For although the band played all the year round on Sundays, out of season it was never the same. It was like some one playing with only the family to listen; it didn't care how it played if there weren't any strangers present. Wasn't the conductor wearing a new coat, too? She was sure it was new. He scraped with his foot and flapped his arms like a rooster about to crow, and the bandsmen sitting in the green rotunda blew out their cheeks and glared at the music. Now there came a little "flutey" bit - very pretty! - a little chain of bright drops. She was sure it would be repeated. It was; she lifted her head and smiled.
Only two people shared her "special" seat: a fine old man in a velvet coat, his hands clasped over a huge carved walking-stick, and a big old woman, sitting upright, with a roll of knitting on her embroidered apron. They did not speak. This was disappointing, for Miss Brill always looked forward to the conversation. She had become really quite expert, she thought, at listening as though she didn't listen, at sitting in other people's lives just for a minute while they talked round her.
She glanced, sideways, at the old couple. Perhaps they would go soon. Last Sunday, too, hadn't been as interesting as usual. An Englishman and his wife, he wearing a dreadful Panama hat and she button boots. And she'd gone on the whole time about how she ought to wear spectacles; she knew she needed them; but that it was no good getting any; they'd be sure to break and they'd never keep on. And he'd been so patient. He'd suggested everything - gold rims, the kind that curved round your ears, little pads inside the bridge. No, nothing would please her. "They'll always be sliding down my nose!" Miss Brill had wanted to shake her.
The old people sat on the bench, still as statues. Never mind, there was always the crowd to watch. To and fro, in front of the flower-beds and the band rotunda, the couples and groups paraded, stopped to talk, to greet, to buy a handful of flowers from the old beggar who had his tray fixed to the railings. Little children ran among them, swooping and laughing; little boys with big white silk bows under their chins, little girls, little French dolls, dressed up in velvet and lace. And sometimes a tiny staggerer came suddenly rocking into the open from under the trees, stopped, stared, as suddenly sat down "flop," until its small high-stepping mother, like a young hen, rushed scolding to its rescue. Other people sat on the benches and green chairs, but they were nearly always the same, Sunday after Sunday, and - Miss Brill had often noticed - there was something funny about nearly all of them. They were odd, silent, nearly all old, and from the way they stared they looked as though they'd just come from dark little rooms or even - even cupboards!
Behind the rotunda the slender trees with yellow leaves down drooping, and through them just a line of sea, and beyond the blue sky with gold-veined clouds.
Tum-tum-tum tiddle-um! tiddle-um! tum tiddley-um tum ta! blew the band.
Two young girls in red came by and two young soldiers in blue met them, and they laughed and paired and went off arm-in-arm. Two peasant women with funny straw hats passed, gravely, leading beautiful smoke-coloured donkeys. A cold, pale nun hurried by. A beautiful woman came along and dropped her bunch of violets, and a little boy ran after to hand them to her, and she took them and threw them away as if they'd been poisoned. Dear me! Miss Brill didn't know whether to admire that or not! And now an ermine toque and a gentleman in grey met just in front of her. He was tall, stiff, dignified, and she was wearing the ermine toque she'd bought when her hair was yellow. Now everything, her hair, her face, even her eyes, was the same colour as the shabby ermine, and her hand, in its cleaned glove, lifted to dab her lips, was a tiny yellowish paw. Oh, she was so pleased to see him - delighted! She rather thought they were going to meet that afternoon. She described where she'd been - everywhere, here, there, along by the sea. The day was so charming - didn't he agree? And wouldn't he, perhaps? ... But he shook his head, lighted a cigarette, slowly breathed a great deep puff into her face, and even while she was still talking and laughing, flicked the match away and walked on. The ermine toque was alone; she smiled more brightly than ever. But even the band seemed to know what she was feeling and played more softly, played tenderly, and the drum beat, "The Brute! The Brute!" over and over. What would she do? What was going to happen now? But as Miss Brill wondered, the ermine toque turned, raised her hand as though she'd seen some one else, much nicer, just over there, and pattered away. And the band changed again and played more quickly, more gayly than ever, and the old couple on Miss Brill's seat got up and marched away, and such a funny old man with long whiskers hobbled along in time to the music and was nearly knocked over by four girls walking abreast.
Oh, how fascinating it was! How she enjoyed it! How she loved sitting here, watching it all! It was like a play. It was exactly like a play. Who could believe the sky at the back wasn't painted? But it wasn't till a little brown dog trotted on solemn and then slowly trotted off, like a little "theatre" dog, a little dog that had been drugged, that Miss Brill discovered what it was that made it so exciting. They were all on the stage. They weren't only the audience, not only looking on; they were acting. Even she had a part and came every Sunday. No doubt somebody would have noticed if she hadn't been there; she was part of the performance after all. How strange she'd never thought of it like that before! And yet it explained why she made such a point of starting from home at just the same time each week - so as not to be late for the performance - and it also explained why she had quite a queer, shy feeling at telling her English pupils how she spent her Sunday afternoons. No wonder! Miss Brill nearly laughed out loud. She was on the stage. She thought of the old invalid gentleman to whom she read the newspaper four afternoons a week while he slept in the garden. She had got quite used to the frail head on the cotton pillow, the hollowed eyes, the open mouth and the high pinched nose. If he'd been dead she mightn't have noticed for weeks; she wouldn't have minded. But suddenly he knew he was having the paper read to him by an actress! "An actress!" The old head lifted; two points of light quivered in the old eyes. "An actress - are ye?" And Miss Brill smoothed the newspaper as though it were the manuscript of her part and said gently; "Yes, I have been an actress for a long time."
The band had been having a rest. Now they started again. And what they played was warm, sunny, yet there was just a faint chill - a something, what was it? - not sadness - no, not sadness - a something that made you want to sing. The tune lifted, lifted, the light shone; and it seemed to Miss Brill that in another moment all of them, all the whole company, would begin singing. The young ones, the laughing ones who were moving together, they would begin, and the men's voices, very resolute and brave, would join them. And then she too, she too, and the others on the benches - they would come in with a kind of accompaniment - something low, that scarcely rose or fell, something so beautiful - moving ... And Miss Brill's eyes filled with tears and she looked smiling at all the other members of the company. Yes, we understand, we understand, she thought - though what they understood she didn't know.
Just at that moment a boy and girl came and sat down where the old couple had been. They were beautifully dressed; they were in love. The hero and heroine, of course, just arrived from his father's yacht. And still soundlessly singing, still with that trembling smile, Miss Brill prepared to listen.
"No, not now," said the girl. "Not here, I can't."
"But why? Because of that stupid old thing at the end there?" asked the boy. "Why does she come here at all - who wants her? Why doesn't she keep her silly old mug at home?"
"It's her fu-ur which is so funny," giggled the girl. "It's exactly like a fried whiting."
"Ah, be off with you!" said the boy in an angry whisper. Then: "Tell me, ma petite chere--"
"No, not here," said the girl. "Not yet."
On her way home she usually bought a slice of honey-cake at the baker's. It was her Sunday treat. Sometimes there was an almond in her slice, sometimes not. It made a great difference. If there was an almond it was like carrying home a tiny present - a surprise - something that might very well not have been there. She hurried on the almond Sundays and struck the match for the kettle in quite a dashing way.
But to-day she passed the baker's by, climbed the stairs, went into the little dark room - her room like a cupboard - and sat down on the red eiderdown. She sat there for a long time. The box that the fur came out of was on the bed. She unclasped the necklet quickly; quickly, without looking, laid it inside. But when she put the lid on she thought she heard something crying.
.
-------------------------------------------------------------------------------------------------------<o>></o>>
-------------------------------------------------------------------------------------------------------<o>></o>>
تعليق