(حكاية من حكايات الأخوين غريم ترجمها إلى العربية عن النسخة الإنكليزية رامي الإبراهيم)
يُحكى أنّه كانَ لدى رجلٍ ثلاثَةُ أولاد و كانَ يُطلَقُ على أَصغرِهم اسمُ دملنغ و كانَ دملنغ هذا مَوضِع سُخريةٍ واحتقار في كل مناسبة للتندُّر و الاستهزاء. وفي أحد الأيام أَرادَ الابن الأَكبر أَن يذهبَ إلى الغابة لتقطيع الحطب، ولكن قبل أن يذهب أعطته أمُّه كعكةً لذيذةً و جميلة بالإضافة إلى قنينةٍ من الخمر لكي لا يعاني من الجوع والعطش بينما هو في الغابة.
ما إن دخلَ الابن الأكبر إلى الغابةِ حتَّى صادفَ رجُلاً عجوزاً قصيرَ القامةِ وأشيبَ الشَّعر. سارعَ الرَّجُل العجوز إلى تحيّتِه متمنياً له نهاراً سعيداً و قال له: " أرجو أن تُعطيني قطعةً من الكعك التي في جُعبتك وأن تسقيني جُرعةً من خمرك فإنني جائعٌ و عطشٌ إلى حدٍ كبيرٍ جداً".
" لكنّهُ إنْ أعطيتك كعكتي و خمري فلن يبقَ لي شيءٌ منهما، فلتذهب في حالِ سبيلك وتدعني و شأني!" أجابَ الولدُ البكرُ بدهاء.
و بالفعل فقد ترك الرّجلَ العجوز واقفاً و تابعَ طريقَهُ. لكن لم يُمضِ الابن البكر هذا وقتاً طويلاً بعد شُروعِه في قطع الحطب حتّى قام بِضربةٍ خاطئةٍ بحيثُ أصابت الفأس ذراعَه بدلاً من أن تُصيب جِذع الشجرة وكان عليه بالطَّبع أن يعود إلى المنزل ليقوم بتضميدها. كانت هذه الحادِثة من فعلِ الرَّجُل العجوز ذو الشَّعر الأشيب.
بعد تِلك الحادِثة بفترةٍ من الزَّمن ذهب الابن الثّاني إلى الغابة وأَعطته أُمَّه أيضاً ما كانت قد أَعطت سابقاً لأخيه الأكبر أي كعكةً وقنينةً من الخمر. وفي أثناء سيره في الغابة صادَفه الرَّجلُ العجوز الذي قابلَ أخاه من قبله وطلبَ ما طلبَ من أخِيه سابقاً: قطعةً من الكعك وبعض الخمر. لكنَّ الولد الثاني أجابَ بدهاءٍ أيضاً: " ما سوف أُعطيك إياه سينقُص مما عندي..فلتغرب عن وجهي!". و ترك الرَّجُلَ العجوزَ واقفاً وتابعَ طريقه. على أي حالٍ فإنّ أوان عقوبَتهِ لم يطُلْ فما إن قام ببعض الضَّربات بالفأس على جذع الشَّجرة حتّى أَصاب ساقَه وكان عليه أن يقفِل عائِداً إلى البيت.
بعد ذلك بفترةٍ وجيزة طلبَ دملنغ من والده أن يأذنَ لهُ بالذَّهاب إلى الغابةِ لتقطيع الحطب. أجابَ الوالدُ قائلاً: " لقد ذهبَ إِخوتك إلى هُناك وآذوا أنفسهم فلتدع الغابةَ وشأنها فأنت لا تعرف عنها شيئاً!".
لكنَّ دملنغ ألحَّ في رجائِه لوالده حتَّى قالَ لهُ في النهاية: " ما دمت مصراً، اذهب فسوف لن تتعلم و ترتدع حتى تؤذي نفسك "
أَعطتْه أمه قبل الذَّهاب كعكةً معجونةً بالماءِ و مطهوَّة في الرَّماد بالإضافة إلى قِنينةٍ من البيرة المُرَّة و الرديئة. عندما دخلَ دملنغ إلى الغابة قابله الرجلُ العجوز ذو الشَّعر الأشيب كما فعل مع أخويه وبادره التحيّة ثمَّ قال: " أَعطِني قِطعةً منَ الكعكةِ التي تحمِلُها وجُرعةً من القنينة التي بحوزتك..إنني جائعٌ وعطِشٌ جداً".
" ليسَ لديّ سوى كعكُ مَلةٍ وبيرةٌ مرةٌ ورديئة فإذا كان ذاك لا يسوؤُك دعنا نجلس سَويةً ونأكل".
وهكذا جلسَ الاثنان لتناولِ الطَّعام ولكن عندما كشفَ دملنغ عن كعكةِ المَلَّة التي لديه وجدَ كعكةً جيِّدةً وشهيّة وكذلك كانت البيرة الرديئة التي بحوزته قد تحولت إلى خمرٍ جيدة. أكلَ الاثنان و شرِبا وعندما أنهَيا الطّعام قالَ الرجلُ العجوز قصيرُ القامة: "بما أنَّك تتمتعُ بطيبةِ القلب و مستعدٌ لتقاسم ما لديك معَ الآخرين فسوفَ أُكافِئُك على ذلك وأمنحُكَ حظاً طيباً. يوجدُ هُناكَ شَجَرةٌ قديمة..اقطعها ولسوفَ تجدُ شيئاً بالقربِ من جُذورها". غادره الرَّجلُ العجوز بعد ذلك.
ذهبَ دملنغ بعدها وقطعَ الشَّجرة كما قالَ لهُ العجوز و بالفعل كانَ هُناك عندما سقطت الشجرة إوزةٌ تجلِس عندَ الجُّذور و كانت رِيشاتُ هذه الإوزة من الذهبِ الخالص.
حملَ دملنغ الإوزة و أخذها معهُ إلى خانٍ يقضي فيه الليل. كان لصاحبِ الخانِ ثَلاثُ بناتٍ. رأت البناتُ الإوزةَ وكُنَّ شديدات الفُضولِ لمعرفةِ أي نوعٍ منَ الطُّيور الجميلةِ كانت و رغِبن أشدَّ الرغبةِ في الحُصول على واحدةٍ من رِيَشِها الذَّهبية.
فكَّرت الابنة الكبيرة في أنّها ستنتهزُ في الحال أول فرصةٍ تسنحُ لنزع إحدى ريشاتِ الإوزة، وبالفعل حالما خرجَ دملنغ أسرعت إلى الإوزة وأمسكت بها من جَناحها لكنَّ يدها التصقت بالإوزة وبقيت على تلك الحال. جاءت الابنة الثانية بعد ذلك بقليل وهي تفكر بكيفية الحصول على ريشةٍ ذهبيةٍ لنفسها، لكن ما إن لامست يدها جسم أختها حتَّى التصقت يدها بسرعة وبقيت على تلك الحال. أتت الابنة الثالثة بعد ذلك وهي تضمر الرغبة ذاتها فكان أن صاحت بها أختاها أن تبتعد.
" فلتبتعدي من هنا بحق السماء!" صاحت الأختان مذعورتان. لكنها لم تفهم لم يجب عليها أن تبقَ بعيداً.
" طالما أنَّ الأُخريات هُناكً، فلماذا لا أكون أنا معهُم أيضاً؟ ".فكَّرت الابنة الثالثة واندفعت إليهنّ، لكن ما إن لامستْ أُختَها حتَّى التصَقت بها وظلَّت كذلك وكان على البنات الثلاث أنْ يقضين الليلَ معَ الإوزة.
وفي الصَّباح التَّالي حَملَ دملنغ الإوزَّة تحتَ إِبطه وانطلقَ في رِحلتِه مُجدداً غير مُكترثٍ بالبنات الثلاث الملتصقات بِبَعضِهنَّ البعض وبالإوزة. كُنَّ مُضطرَّاتٍ إلى الرَّكْضِ خَلفَهُ باستمرار و أينما اتَّجَه: يمين ويسار وفي كلِّ اتجَاه.
التقى بِهم خوري الأبرشية في مُنتصفِ الطَّريق بين الحُقول وقالَ حالما رأى الموكب: " أنتُنَّ أيّتُها البناتِ اللواتي لا تصلُحن لشيء! لماذا تركُضن خلفَ هذا الشَّاب عبر الحُقول؟! وهل من اللائِق أَن تفعلنَ ذلك..ألا تخجَلن؟! وعِندَ ذلكَ أمسكَ بالبنتِ الصُّغرى من يدها ليسحبها بَعيداً عن الرَّتل، ولكنَّ ما إنْ فعلَ ذلكَ حتَّى التصقَ إلى الرَّكب بِسرعةٍ وكانَ عليهِ أيضاً أنْ يركُضَ خلفَ الشَّاب. بعدَ ذلكَ بقليل مَرَّ بِهم القندلفت ورَأى سيِّدهُ يركُض خَلفَ الفتياتِ الثَّلاث. أُصِيبَ لَدى رؤيتهِ ذلكَ بالذُّهول وصاحَ بصوتٍ عال: " هيه.. يا صاحبَ الفضيلة..إلى أينَ أنتَ ذاهبٌ بتلكَ السُّرعة! لا تنسَ بأنَّه عِندنا تعميد في هذا اليوم!" وركضَ خَلفهُ ولكن ما إِن لامسَ كُمَّهُ حتَّى انضمَّ هو نفسه إلى الموكبِ أَيضاً. و بينما كانَ الأشخاصُ الخمسة يخُبُّونَ أحدهُم خلفَ الآخرِ مرَّ بهم فلاحانِ عائدانِ منَ الحُقول فكانَ أنْ صاحَ الخُوري مُستنجداً بِهم ليخلِّصوه وخادِمه من هذه المُصيبة. ما إن لمسَ الفلاحانِ القندلفتَ حتَّى انضمّا إلى الرّتل ليصيرَ المجموع سبعة أشخاصٍ يركُضونَ خلفَ دملنغ والإوزة من غيرِ قُدرةٍ على الخَلاص.
وصلَ بعدَ ذلكَ دملنغ إلى مدينةٍ يَحكُمها أحدُ الملوك، وكانَ لهذا الملكِ ابنةٌ جَديةٌ جِداً بحيثُ استعصى أَمرُ إضحاكها على الجميع. لذا فقد أَصدرَ هذا الملكُ مرسوماً ملكياً يقضي بتزويجِ ابنته لأيِّ شخصٍ قادرٍ على إضحاكِها أياً كان هذا الشَّخص. عِندما سمِعَ دملنغ بهذا ذهبَ مع إوزته والقطارُ البشري الذي يتبعهُ ومرَّ من أمامِ ابنةِ الملك التي انفجرت بالضَّحك حالما رأَت الأشخاصَ السبعة وهُم يركضونَ ويركضون أحدهم خلفَ الآخر وبدا مع ذلك أنَّها سوفَ لن تتوقف عن الضَّحكِ أيضاً.
طالبَ دُملنغ بعدَ ذلك بِحقِّهِ في الزواجِ من ابنَة الملك، لكنّ الملكَ لم يكُ راضياً عن اتخاذ دملنغ هذا صِهراً له لذلك فقد حاول إيجاد شتى الذرائع ليحولَ دونَ ذلك وقالَ بأنَّهُ على دملنغ أولاً إيجادُ شخصٍ قادرٍ على شُرب مَخزنٍ كاملٍ من الخمر. فكَّر دملنغ بالرجلِ العجوزِ قصيرِ القامةِ و الذي يستطيعُ مساعدته من دون شك. ذهبَ دملنغ إلى الغابةِ ووجدَ شخصاً جالساً في نفسِ المكانِ الذي قطعَ فيه الشجرة سابقاً و كانَ وجهُ الرجلِ حزيناً جداً. سألَ دملنغ الرجلَ عن سببِ غمِّه الشديدِ هذا فأجابَهُ الرَّجلَ بأنَّ لديهِ ظمأً شديداً لا يُصارُ إلى روائه؛ فلا الماء الباردُ ينفع ولا برميلٌ من الخمرِ الذي أفرغَه للتو يفي بالغرض و كُلُّ ذلكَ يبدو وكأنَّه نقطةُ ماءٍ تسقط على حَجرٍ حار.
" في هذهِ الحالة أنا من يستطيعُ مساعدتك، فقطْ تعالَ معي و سوفَ تكون راضياً" قالَ دملنغ و قادهُ إلى مخزنِ الخمرِ الخَّاص بالملك وهُناك انحنى الرَّجُل على البراميل الضَّخمةِ وأخذَ يشربُ ويشرب حتى شَعرَ بالألمِ في حَقويه وقبلَ أن ينتهي النهار كانَ الرجلُ قد أفرغَ البراميلَ تماماً. بعد ذلك طالبَ دملنغ مجدداً بحقهِ في عروسهِ ولكنَّ الملك شعرَ بالحُنق الشديد وكانَ من الصعبِ عليه إِعطاءُ ابنتهِ لشخصٍ قبيحٍ يناديه الجميع " دملنغ " فاشترط أمراً آخر وهو أن يأتيه دملنغ بمن يقدر على أكلِ جبلٍ من أرغفة الخبز المكومة بمفرده.
لم يُفكِّر دملنغ بالأمرِ كَثيراً لكنّه ذهبَ مُباشرةً إلى الغابة حيثُ وجدَ في نفسِ مكانِ الشَّجرةِ رجُلاً حزينَ الملامِح، مُتجهِّم الوجهِ وقد شدَّ الوثاقَ على نَفسه بِحزامٍ وكانَ يقول " لقد تناولتُ منَ الخُبزِ كُلَّ ما أنتجَه الفُرن، لكنَّ ذلك لا يفعل شيئاً مع الجوع الشَّديد الذي أشعُرُ به. لا أزال أشعرُ وكأنَّ معدتي فارغة، وما لم أمُت مِنَ الجوع فإنَّه يتوجَّب عليَّ ربطُ نفسي". شعرَ دملنغ بالسعادة لدى سماعه ذلك وأشارَ على الرجلِ بالذهابِ معه حيثُ ستمتلئ مَعدته. وبالفعل ذهبَ به إلى قصر الملك حيثُ لقيا جبلاً من الخُبز استُخدِم من أجله كلُّ حفنةِ طحينٍ وجِدت في المملكة. وقفَ الرَّ جلُ أمامَ كومَةِ الخبزِ وشَرع يأكلُ ولم ينته النهارُ إلا وكانَ جبلُ الخبزِ ذاك قد اختفى تماماً.
طالبَ دملنغ للمرةِ الثالثة بحقِّه في عروسِه لكنَّ الملكَ عارضَ وحاولَ مُجدداً إِيجادَ مخرجٍ آخر فاشترطَ على دملنغ إحضارَ سفينةٍ أو مركبٍ يستطيعُ السيرَ في الماءِ وعلى اليابسة.
" حالما تعودُ إلينا مُبحراً بسفينتكَ تلك تكون ابنتي زوجةً لك! " قالَ الملك. ذهبَ دملنغ مباشرةً إلى الغابة وهناكَ وجدَ العجوزَ الذي سبقَ وأعطاهُ الكعكة. قالَ العجوز عِندما طالعهُ دملنغ بالقِصَّة وأخبرهُ بطلبِه:" سوفَ أُساعدك بذلك وأُعطيك السَّفينة وسأقوم بذلك لأنَّك كنتَ ذات يومٍ طيباً معي وأطعمتني من طعامك وسقيتني من شَرابك".
وبالفعل منحَ الرَّجلُ العجوز دملنغ سفينةً قادرةً على السيرِ في الماءِ واليابسة على حدٍ سواء. لدى رؤيةُ الملك ذلك لمْ يكُنْ قادراً على تعطيلِ زواج دملنغ من ابنته أكثرَ من ذلك. وهكذا احتفلوا بالزفاف وصارَ دملنغ صِهرَ الملك. ورِثَ دملنغ عَرشَ الملك بعدَ وفاتِهِ وعاشَ لفترةٍ طويلةٍ مع زوجتهِ بسعادةٍ وهناء.
...
رابط الكاية على موقع الحوار المتمدن: رامي الابراهيم - الإوزة الذهبية
يُحكى أنّه كانَ لدى رجلٍ ثلاثَةُ أولاد و كانَ يُطلَقُ على أَصغرِهم اسمُ دملنغ و كانَ دملنغ هذا مَوضِع سُخريةٍ واحتقار في كل مناسبة للتندُّر و الاستهزاء. وفي أحد الأيام أَرادَ الابن الأَكبر أَن يذهبَ إلى الغابة لتقطيع الحطب، ولكن قبل أن يذهب أعطته أمُّه كعكةً لذيذةً و جميلة بالإضافة إلى قنينةٍ من الخمر لكي لا يعاني من الجوع والعطش بينما هو في الغابة.
ما إن دخلَ الابن الأكبر إلى الغابةِ حتَّى صادفَ رجُلاً عجوزاً قصيرَ القامةِ وأشيبَ الشَّعر. سارعَ الرَّجُل العجوز إلى تحيّتِه متمنياً له نهاراً سعيداً و قال له: " أرجو أن تُعطيني قطعةً من الكعك التي في جُعبتك وأن تسقيني جُرعةً من خمرك فإنني جائعٌ و عطشٌ إلى حدٍ كبيرٍ جداً".
" لكنّهُ إنْ أعطيتك كعكتي و خمري فلن يبقَ لي شيءٌ منهما، فلتذهب في حالِ سبيلك وتدعني و شأني!" أجابَ الولدُ البكرُ بدهاء.
و بالفعل فقد ترك الرّجلَ العجوز واقفاً و تابعَ طريقَهُ. لكن لم يُمضِ الابن البكر هذا وقتاً طويلاً بعد شُروعِه في قطع الحطب حتّى قام بِضربةٍ خاطئةٍ بحيثُ أصابت الفأس ذراعَه بدلاً من أن تُصيب جِذع الشجرة وكان عليه بالطَّبع أن يعود إلى المنزل ليقوم بتضميدها. كانت هذه الحادِثة من فعلِ الرَّجُل العجوز ذو الشَّعر الأشيب.
بعد تِلك الحادِثة بفترةٍ من الزَّمن ذهب الابن الثّاني إلى الغابة وأَعطته أُمَّه أيضاً ما كانت قد أَعطت سابقاً لأخيه الأكبر أي كعكةً وقنينةً من الخمر. وفي أثناء سيره في الغابة صادَفه الرَّجلُ العجوز الذي قابلَ أخاه من قبله وطلبَ ما طلبَ من أخِيه سابقاً: قطعةً من الكعك وبعض الخمر. لكنَّ الولد الثاني أجابَ بدهاءٍ أيضاً: " ما سوف أُعطيك إياه سينقُص مما عندي..فلتغرب عن وجهي!". و ترك الرَّجُلَ العجوزَ واقفاً وتابعَ طريقه. على أي حالٍ فإنّ أوان عقوبَتهِ لم يطُلْ فما إن قام ببعض الضَّربات بالفأس على جذع الشَّجرة حتّى أَصاب ساقَه وكان عليه أن يقفِل عائِداً إلى البيت.
بعد ذلك بفترةٍ وجيزة طلبَ دملنغ من والده أن يأذنَ لهُ بالذَّهاب إلى الغابةِ لتقطيع الحطب. أجابَ الوالدُ قائلاً: " لقد ذهبَ إِخوتك إلى هُناك وآذوا أنفسهم فلتدع الغابةَ وشأنها فأنت لا تعرف عنها شيئاً!".
لكنَّ دملنغ ألحَّ في رجائِه لوالده حتَّى قالَ لهُ في النهاية: " ما دمت مصراً، اذهب فسوف لن تتعلم و ترتدع حتى تؤذي نفسك "
أَعطتْه أمه قبل الذَّهاب كعكةً معجونةً بالماءِ و مطهوَّة في الرَّماد بالإضافة إلى قِنينةٍ من البيرة المُرَّة و الرديئة. عندما دخلَ دملنغ إلى الغابة قابله الرجلُ العجوز ذو الشَّعر الأشيب كما فعل مع أخويه وبادره التحيّة ثمَّ قال: " أَعطِني قِطعةً منَ الكعكةِ التي تحمِلُها وجُرعةً من القنينة التي بحوزتك..إنني جائعٌ وعطِشٌ جداً".
" ليسَ لديّ سوى كعكُ مَلةٍ وبيرةٌ مرةٌ ورديئة فإذا كان ذاك لا يسوؤُك دعنا نجلس سَويةً ونأكل".
وهكذا جلسَ الاثنان لتناولِ الطَّعام ولكن عندما كشفَ دملنغ عن كعكةِ المَلَّة التي لديه وجدَ كعكةً جيِّدةً وشهيّة وكذلك كانت البيرة الرديئة التي بحوزته قد تحولت إلى خمرٍ جيدة. أكلَ الاثنان و شرِبا وعندما أنهَيا الطّعام قالَ الرجلُ العجوز قصيرُ القامة: "بما أنَّك تتمتعُ بطيبةِ القلب و مستعدٌ لتقاسم ما لديك معَ الآخرين فسوفَ أُكافِئُك على ذلك وأمنحُكَ حظاً طيباً. يوجدُ هُناكَ شَجَرةٌ قديمة..اقطعها ولسوفَ تجدُ شيئاً بالقربِ من جُذورها". غادره الرَّجلُ العجوز بعد ذلك.
ذهبَ دملنغ بعدها وقطعَ الشَّجرة كما قالَ لهُ العجوز و بالفعل كانَ هُناك عندما سقطت الشجرة إوزةٌ تجلِس عندَ الجُّذور و كانت رِيشاتُ هذه الإوزة من الذهبِ الخالص.
حملَ دملنغ الإوزة و أخذها معهُ إلى خانٍ يقضي فيه الليل. كان لصاحبِ الخانِ ثَلاثُ بناتٍ. رأت البناتُ الإوزةَ وكُنَّ شديدات الفُضولِ لمعرفةِ أي نوعٍ منَ الطُّيور الجميلةِ كانت و رغِبن أشدَّ الرغبةِ في الحُصول على واحدةٍ من رِيَشِها الذَّهبية.
فكَّرت الابنة الكبيرة في أنّها ستنتهزُ في الحال أول فرصةٍ تسنحُ لنزع إحدى ريشاتِ الإوزة، وبالفعل حالما خرجَ دملنغ أسرعت إلى الإوزة وأمسكت بها من جَناحها لكنَّ يدها التصقت بالإوزة وبقيت على تلك الحال. جاءت الابنة الثانية بعد ذلك بقليل وهي تفكر بكيفية الحصول على ريشةٍ ذهبيةٍ لنفسها، لكن ما إن لامست يدها جسم أختها حتَّى التصقت يدها بسرعة وبقيت على تلك الحال. أتت الابنة الثالثة بعد ذلك وهي تضمر الرغبة ذاتها فكان أن صاحت بها أختاها أن تبتعد.
" فلتبتعدي من هنا بحق السماء!" صاحت الأختان مذعورتان. لكنها لم تفهم لم يجب عليها أن تبقَ بعيداً.
" طالما أنَّ الأُخريات هُناكً، فلماذا لا أكون أنا معهُم أيضاً؟ ".فكَّرت الابنة الثالثة واندفعت إليهنّ، لكن ما إن لامستْ أُختَها حتَّى التصَقت بها وظلَّت كذلك وكان على البنات الثلاث أنْ يقضين الليلَ معَ الإوزة.
وفي الصَّباح التَّالي حَملَ دملنغ الإوزَّة تحتَ إِبطه وانطلقَ في رِحلتِه مُجدداً غير مُكترثٍ بالبنات الثلاث الملتصقات بِبَعضِهنَّ البعض وبالإوزة. كُنَّ مُضطرَّاتٍ إلى الرَّكْضِ خَلفَهُ باستمرار و أينما اتَّجَه: يمين ويسار وفي كلِّ اتجَاه.
التقى بِهم خوري الأبرشية في مُنتصفِ الطَّريق بين الحُقول وقالَ حالما رأى الموكب: " أنتُنَّ أيّتُها البناتِ اللواتي لا تصلُحن لشيء! لماذا تركُضن خلفَ هذا الشَّاب عبر الحُقول؟! وهل من اللائِق أَن تفعلنَ ذلك..ألا تخجَلن؟! وعِندَ ذلكَ أمسكَ بالبنتِ الصُّغرى من يدها ليسحبها بَعيداً عن الرَّتل، ولكنَّ ما إنْ فعلَ ذلكَ حتَّى التصقَ إلى الرَّكب بِسرعةٍ وكانَ عليهِ أيضاً أنْ يركُضَ خلفَ الشَّاب. بعدَ ذلكَ بقليل مَرَّ بِهم القندلفت ورَأى سيِّدهُ يركُض خَلفَ الفتياتِ الثَّلاث. أُصِيبَ لَدى رؤيتهِ ذلكَ بالذُّهول وصاحَ بصوتٍ عال: " هيه.. يا صاحبَ الفضيلة..إلى أينَ أنتَ ذاهبٌ بتلكَ السُّرعة! لا تنسَ بأنَّه عِندنا تعميد في هذا اليوم!" وركضَ خَلفهُ ولكن ما إِن لامسَ كُمَّهُ حتَّى انضمَّ هو نفسه إلى الموكبِ أَيضاً. و بينما كانَ الأشخاصُ الخمسة يخُبُّونَ أحدهُم خلفَ الآخرِ مرَّ بهم فلاحانِ عائدانِ منَ الحُقول فكانَ أنْ صاحَ الخُوري مُستنجداً بِهم ليخلِّصوه وخادِمه من هذه المُصيبة. ما إن لمسَ الفلاحانِ القندلفتَ حتَّى انضمّا إلى الرّتل ليصيرَ المجموع سبعة أشخاصٍ يركُضونَ خلفَ دملنغ والإوزة من غيرِ قُدرةٍ على الخَلاص.
وصلَ بعدَ ذلكَ دملنغ إلى مدينةٍ يَحكُمها أحدُ الملوك، وكانَ لهذا الملكِ ابنةٌ جَديةٌ جِداً بحيثُ استعصى أَمرُ إضحاكها على الجميع. لذا فقد أَصدرَ هذا الملكُ مرسوماً ملكياً يقضي بتزويجِ ابنته لأيِّ شخصٍ قادرٍ على إضحاكِها أياً كان هذا الشَّخص. عِندما سمِعَ دملنغ بهذا ذهبَ مع إوزته والقطارُ البشري الذي يتبعهُ ومرَّ من أمامِ ابنةِ الملك التي انفجرت بالضَّحك حالما رأَت الأشخاصَ السبعة وهُم يركضونَ ويركضون أحدهم خلفَ الآخر وبدا مع ذلك أنَّها سوفَ لن تتوقف عن الضَّحكِ أيضاً.
طالبَ دُملنغ بعدَ ذلك بِحقِّهِ في الزواجِ من ابنَة الملك، لكنّ الملكَ لم يكُ راضياً عن اتخاذ دملنغ هذا صِهراً له لذلك فقد حاول إيجاد شتى الذرائع ليحولَ دونَ ذلك وقالَ بأنَّهُ على دملنغ أولاً إيجادُ شخصٍ قادرٍ على شُرب مَخزنٍ كاملٍ من الخمر. فكَّر دملنغ بالرجلِ العجوزِ قصيرِ القامةِ و الذي يستطيعُ مساعدته من دون شك. ذهبَ دملنغ إلى الغابةِ ووجدَ شخصاً جالساً في نفسِ المكانِ الذي قطعَ فيه الشجرة سابقاً و كانَ وجهُ الرجلِ حزيناً جداً. سألَ دملنغ الرجلَ عن سببِ غمِّه الشديدِ هذا فأجابَهُ الرَّجلَ بأنَّ لديهِ ظمأً شديداً لا يُصارُ إلى روائه؛ فلا الماء الباردُ ينفع ولا برميلٌ من الخمرِ الذي أفرغَه للتو يفي بالغرض و كُلُّ ذلكَ يبدو وكأنَّه نقطةُ ماءٍ تسقط على حَجرٍ حار.
" في هذهِ الحالة أنا من يستطيعُ مساعدتك، فقطْ تعالَ معي و سوفَ تكون راضياً" قالَ دملنغ و قادهُ إلى مخزنِ الخمرِ الخَّاص بالملك وهُناك انحنى الرَّجُل على البراميل الضَّخمةِ وأخذَ يشربُ ويشرب حتى شَعرَ بالألمِ في حَقويه وقبلَ أن ينتهي النهار كانَ الرجلُ قد أفرغَ البراميلَ تماماً. بعد ذلك طالبَ دملنغ مجدداً بحقهِ في عروسهِ ولكنَّ الملك شعرَ بالحُنق الشديد وكانَ من الصعبِ عليه إِعطاءُ ابنتهِ لشخصٍ قبيحٍ يناديه الجميع " دملنغ " فاشترط أمراً آخر وهو أن يأتيه دملنغ بمن يقدر على أكلِ جبلٍ من أرغفة الخبز المكومة بمفرده.
لم يُفكِّر دملنغ بالأمرِ كَثيراً لكنّه ذهبَ مُباشرةً إلى الغابة حيثُ وجدَ في نفسِ مكانِ الشَّجرةِ رجُلاً حزينَ الملامِح، مُتجهِّم الوجهِ وقد شدَّ الوثاقَ على نَفسه بِحزامٍ وكانَ يقول " لقد تناولتُ منَ الخُبزِ كُلَّ ما أنتجَه الفُرن، لكنَّ ذلك لا يفعل شيئاً مع الجوع الشَّديد الذي أشعُرُ به. لا أزال أشعرُ وكأنَّ معدتي فارغة، وما لم أمُت مِنَ الجوع فإنَّه يتوجَّب عليَّ ربطُ نفسي". شعرَ دملنغ بالسعادة لدى سماعه ذلك وأشارَ على الرجلِ بالذهابِ معه حيثُ ستمتلئ مَعدته. وبالفعل ذهبَ به إلى قصر الملك حيثُ لقيا جبلاً من الخُبز استُخدِم من أجله كلُّ حفنةِ طحينٍ وجِدت في المملكة. وقفَ الرَّ جلُ أمامَ كومَةِ الخبزِ وشَرع يأكلُ ولم ينته النهارُ إلا وكانَ جبلُ الخبزِ ذاك قد اختفى تماماً.
طالبَ دملنغ للمرةِ الثالثة بحقِّه في عروسِه لكنَّ الملكَ عارضَ وحاولَ مُجدداً إِيجادَ مخرجٍ آخر فاشترطَ على دملنغ إحضارَ سفينةٍ أو مركبٍ يستطيعُ السيرَ في الماءِ وعلى اليابسة.
" حالما تعودُ إلينا مُبحراً بسفينتكَ تلك تكون ابنتي زوجةً لك! " قالَ الملك. ذهبَ دملنغ مباشرةً إلى الغابة وهناكَ وجدَ العجوزَ الذي سبقَ وأعطاهُ الكعكة. قالَ العجوز عِندما طالعهُ دملنغ بالقِصَّة وأخبرهُ بطلبِه:" سوفَ أُساعدك بذلك وأُعطيك السَّفينة وسأقوم بذلك لأنَّك كنتَ ذات يومٍ طيباً معي وأطعمتني من طعامك وسقيتني من شَرابك".
وبالفعل منحَ الرَّجلُ العجوز دملنغ سفينةً قادرةً على السيرِ في الماءِ واليابسة على حدٍ سواء. لدى رؤيةُ الملك ذلك لمْ يكُنْ قادراً على تعطيلِ زواج دملنغ من ابنته أكثرَ من ذلك. وهكذا احتفلوا بالزفاف وصارَ دملنغ صِهرَ الملك. ورِثَ دملنغ عَرشَ الملك بعدَ وفاتِهِ وعاشَ لفترةٍ طويلةٍ مع زوجتهِ بسعادةٍ وهناء.
...
رابط الكاية على موقع الحوار المتمدن: رامي الابراهيم - الإوزة الذهبية