ترجمة معاني القرآن الكريم بين مفهومي الترجمة والتفسير

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ضيف

    ترجمة معاني القرآن الكريم بين مفهومي الترجمة والتفسير



    [align=right]
    بسم الله الرحمن الرحيم
    ترجمة معاني القرآن الكريم بين مفهومي الترجمة والتفسير.

    حديث الروح للأرواح يسري ::وتدركه القلوب بلا عناء ِ

    عندما سمعتُ قصيدة حديث الروح تشدو بها أم كلثوم، تعجبتُ كثيرا: كيف للشاعر الهندي محمد إقبال أن يكتب شعراً عربياً على هذا القدر من الفصاحة والبلاغة؟ وزاد عجبي بعدئذ وأنا أقرأ القصيدة- أو بالأحرى القصيدتين: شكوى وجواب الشكوى، كاملتين. زاد عجبي لمّا علمتُ أن هذا النص العربي الفاخر ما هو إلا ترجمة ٌ للنص الأصلي الذي كتبه الشاعر محمد إقبال باللغة الأردية. أنا لا أعرف اللغة الأردية ولكن من البديهي أن القصيدة العربية لا يمكن بحالٍ من الأحوال أن تكون ترجمةً حرفيةً للنص الأصلي؛ فالترجمة الحرفية لا يمكن أن تأتي نظماً مُحكماً متقناً هكذا.. فلابد أن الشيخ الصاوي شعلان،* مترجم هاتين القصيدتين، قد ترجم المعاني التي حملتها قصيدتا إقبال الأصليتان. وقد علمتُ أن هناك ترجمةً عربيةً أخرى للقصيدتين ولكنها في صورة نثرية قام بها الأستاذ محمد حسن الأعظمي، وأظن أن هذه الترجمة النثرية هي الأقرب حرْفياً للنص الأصلي.

    سُقتُ هذه المقدمة الطويلة كمثالٍ بارز لما أود الكتابةَ عنه: هل يمكن أن يوجد ترجمة حرفية للقرآن الكريم؟ أم أن كل الترجمات المتوفرة ما هي إلا قبسات لبعض المعاني التي يزخر بها القرآن الكريم؟ وهل ثمة ترجمة دقيقة لهذه المعاني؟
    من خلال مطالعتي لبعض الترجمات الإنجليزية "للقرآن" ، أستطيع أن أجزم أنها أبداً ليست ترجمة ً حرفية للقرآن الكريم؛ إذ لا يمكن بأي حال أن تُترجم ألفاظ القرآن ترجمةً حرفية لأن اللفظ الواحد يمكن أن يحمل أكثر من معنى. وليس باستطاعة أي مترجم ٍ مهما بلغت فصاحته ودقته ومعرفته باللغة العربية أن يحيط بمعنى ودلالة اللفظ القرآني فضلاً عن أن يأتي بمرادفه باللغة المترجم إليها. وعليه فإن الترجمات المتوفرة ما هي إلا محاولات لترجمة تفاسير مبسطة لمعاني القرآن الكريم.
    ومع كامل تقديري للجهود الرائعة التي بُذِلت في هذه الترجمات، فإنها- وكأي عملٍ بشَري- لم تخلُ من الأخطاء. ومرجع هذه الأخطاء - في رأيي المتواضع - هو عدم الإلمام التام بإحدى اللغتين، العربية أو المترجم إليها، أو كليهما معاً. فمثلاً إذا كان المترجم لغته الأم ليست العربية فهو غير قادر على فهم المعنى الدقيق للّفظ القرآني ومتشابهه فأنّى له أن يأتي بالمرادف في اللغة الأخرى؟ وبالمثل إذا كان المترجم عربياً فبالطبع هو لا يحيط بجميع مفردات اللغة التي سيترجم إليها ليأتي بأكثر المفردات دقةً في التعبير عن المعنى القرآني.
    . وأسوق هنا مثالاً واحداً بسيطاً:
    في الآية 13 من سورة البقرة، يقول الله عز وجل : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ۗ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِنْ لَا يَعْلَمُونَ)

    وبالنظر إلى ترجمة كلمة "الناس" نجد البعض قد ترجمها إلى the people والبعض الآخر the others وترجمة ثالثة إلى the mankind. الترجمة الأولى والثالثة ترجمة حرفية ولكنها لا تعطي المعنى الدقيق لكلمة الناس في سياق هذه الآية الكريمة والتي لا تعني الناس أو الجنس البشري في مطلق المعنى. والترجمة الثانية كانت ترجمة المعنى ولكنها أيضاً لم تكن دقيقة إذ أن ليس كل "الآخرين" مؤمنين. ولعل أفضل ترجمة لمعنى كلمة الناس في هذه الآية كانت ترجمة محسن خان وتقي الدين الهلالي حيث فسرت بين قوسين من هم هؤلاء الناس المقصودون في الآية:
    Believe as the people (followers of Muhammad Peace be upon him, Al-Ansar and Al-Muhajirun)

    ليس الهدف من مقالي هذا التشكيك في صحة الترجمات الموجودة لمعاني القرآن الكريم، جزى الله كل من شارك فيها خير الجزاء، وإنما قصدت- والله من وراء القصد- أن نعود لهذه الترجمات نصحح ما قد نجد من أخطاء ونضيف ما قد يحتاج إلى الإضافة. وعملٌ كهذا يحتاج إلى فريق عمل عالي الاختصاص في علوم اللغة وعلوم القرآن على أن يضم هذا الفريق لغويين متخصصين، لغتهم الأم هي اللغة التي سيترجم إليها. فهل من مُشمّرٍ لمثل هذا المشروع العظيم؟


    [/align]

يعمل...