بسم الله الرحمن الرحيم
صدر مؤخرا عن دار شفق في دولة الكويت كتاب:
عاصفة في كوب شاي: فيزياء الحياة اليومية
ISBN: 9789921705
واضطلع بترجمة الكتاب ومراجعته عضوان من أعضاء الجمعية الدولية لمترجمي العربية:
الأستاذ دكتور عبد الحميد مظهر، كمراجع علمي ومدقق عام لأفكار الكتاب العلمية والاصطلاحية.
فيصل كريم الظفيري، كمترجم للكتاب.
يستعرض الكتاب تجارب فيزيائية متنوعة واجهتها المؤلفة وجعلتها أشبه بالمغامِرة التي تخوض مغامرات علمية مشوّقة لتعرض عبرها تفسيرات لأسئلة ومظاهر غريبة أصبحنا معتادين عليها دون أن نحاول إدراك العوامل التي أدت إليها. ولعلي أتذكّر عبارة حرصت على تسطيرها د. هيلين تشيرسكي بين جنبات الكتاب فتقول بين الحين والآخر"علينا ألا نسلم جدلا بهذا المظهر أو ذاك." أي أن على المرء فعلا أن يدرس حقائق الأشياء وأعماقها وألا يركن بسهولة حدوثها أو تكررها كشيء معتاد في حياتنا اليومية. وهذا جانب ذكي في حياة كل إنسان يفكر ويتأمل في كل ما يواجهه من مظاهر كونية.
كما يعلم أعضاء الجمعية الكرام أنني لست متخصصا في الفيزياء ولم يسبق لي دراسة مجال علمي من قبل، غير أن الأطروحة التي أناقشها في "كلمة المترجم" بالكتاب أن المترجم لا يجب أن يكون بالضرورة متخصصا في الموضوع الذي يترجمه، ولا المتخصص يجب أن يكون بالضرورة مترجما للموضوع الذي يتناوله. لن يدرك هذه المعادلة سوى من انخرط فيها من المترجمين أو المتخصصين، فالفكرة البسيطة التي أناقشها هنا أن العملية الترجمية برمتها إنما هي عمل جماعي يؤلف بين جهدي المترجم المتخصص، لا سيما عندما يضطلعان بترجمة الأعمال التخصصية كالعلوم والتقنيات والهندسة وما شابهها. وقد حدثني بعض علماء بارزين ومتخصصين في مجالاتهم أنهم أقدموا على محاولة ترجمة بعض الأعمال إلى العربية، فاكتشفوا أن المسألة ليست بتلك السهولة واليسر الذي تصوروه، إذ لا بد أن كثيرا منهم استسهلوا الترجمة و"أن كل من أتقن لغتين أجاد النقل بينهما" فوقعوا فخ عدم الإلمام بفكرة الترجمة وكونهما علما وفنا قائما بحد ذاته، فأسرّ لي بعضهم أنها "كانت تجربة سيئة ومؤلمة"!
وهكذا، شرعت والدكتور الفاضل عبد الحميد مظهر بنهج بسيط ومتين في الآن ذاته، ألا وهو مراجعة كل فصل على حدة وتصويب معيار نقل المصطلحات إلى العربية ثم اعتماد المنتج النهائي بعد اتفاقنا معا، واتخذنا في ذلك نهجا صارما (إلى درجة عدم الرضوخ إلى ما أصبح شائعا من استخدامات اصطلاحية فيزيائية، لجزم المراجع بعدم دقتها بوصف المعنى الحقيقي) والتواصل المستمر لخدمة هذا الغرض. ولا بد من ذكر ملاحظة شعرت بها وأنا أتعامل مع الدكتور عبد الحميد مظهر وهي تنظيمه لوقته تنظيما دقيقا وخلابا. فهو علاوة على تدريسه للمواد في الكلية التي يعمل فيها، وكتابته لكثير من الأعمال البحثية العلمية ومشاركته بتقارير وأبحاث أخرى، يجد متسعا لتقديم تأملاته وأفكاره في وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنه كرس وقتا ليس بقليل لمراجعة الترجمة وتصويبها وتنقيحها بدقة وانضباط وبالصرامة اللائقة التي يتطلبها أي إنتاج علمي رصين. فما شاء الله على الدكتور عبد الحميد وتبارك الرحمن. كما لا يفوتني أن أشكره على سعة صدره عليّ وعلى استفساراتي وملاحظاتي (السطحية أحيانا كثيرة) وشكوكي. ماذا نفعل؟ من يتورط بالترجمة يستحسن أن يمارس الشك دائما، لأنه في هذا المقام "فضيلة".
أختم هذا التقديم بما لا أحب أن أختم فيه. فقد واجهتني ظروف عصيبة أثناء ترجمة هذا العمل، إذ مرض والدي وأنا منكبّ على الترجمة ولم أتمكن من زيارته وهو على فراش المرض (أحيانا نخدع أنفسنا أن الشفاء قادم كالعادة). لكني لن أنسى ذلك ما حييت. رحمه الله وغفر له ورحم موتانا وموتاكم أجمعين وإنا لله وإنا إليه راجعون.
كما أحاطتني طوال الشهور الأربعة التي أتممت بها ترجمة الكتاب آلام جسمانية عديدة، منها اكتشاف إصابتي بخشونة الرقبة (ليس مرضا خطيرا وكثيرون مصابون بهذه الحالة المزمنة)، ثم أكمل ضرسي المتسوس "الحفلة" فأصابني بحالات صداع عدة، ولم أستطع التوجه لأي طبيب لمعالجة تلكما الحالتين حتى لا يتأخر جدول الترجمة اليومي. ويجدر بالمرء ألا يشتكي إلا لله عز وجل، لكن هذه طبيعة الإنسان: يشعر بالضعف والعجز. لكن ذلك يبيّن وجها من أوجه كفاح ممارس الترجمة وعدم يأسه من رحمة الله سبحانه.
أرجو الله أن أكون قد وُفقت في هذا التقديم، وأتمنى للقراء الكرام تجربة مفيدة بقراءة هذا الكتاب
تعليق