برغماتية الترجمة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • د. بدر عبدالله
    د. بدر عبدالله
    • Oct 2013
    • 19

    برغماتية الترجمة

    برغماتية الترجمة

    يعد مصطلح البرغماتية (pragmatics) من أكثر المصطلحات تداولا في اللغويات وعلم الترجمة والأدب كذلك. وقد ظهرت البرغماتية في علم الإشارات الذي وضع أساسه كل من الفيلسوف الأمريكي بيرس الذي أسماه (Semiotics) واللغوي المعروف سوسير الذي أطلق عليه (semiology) وذلك في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. يعنى علم الإشارات بدراسة الإشارات والنظم التواصلية وخصائصهما ووظيفتهما في المجتمع. والإشارة هي كل ما يحمل دال يشير إلى مدلول ، أي أنها تتكون من دال ومدلول. والإشارة قد تكون كلمة أو حركة يد أو الإشارات التي تستخدم في الحركة المرورية وغيرها الكثير. إذا ما قصرنا الحديث هنا على اللغة ، فان لسوسير تشبيه لطيف للكلمة ، فهو يقول أن الكلمة تشبه الورقة ، كما أن للورقة جهتان فللكلمة كذلك وجهان ، فإذا ما قمنا بعملية قطع للورقة فان كلا الجهتين ستتعرضان للقطع. وجهتا الكلمة هما الدال والمدلول. وبالمناسبة ، فهذا الفهم اللغوي لماهية الإشارة يتعارض مع مفهوم الإشارة في الفلسفة والمنطق (كارناب) اللذان يقدما الإشارة كمعبر مادي أحادي التكوين يشير إلى مادة أخرى.


    تدخل الإشارة ( الكلمة) في ثلاثة أنواع من العلاقات (حددها موريس) ، من بينها العلاقة البرغماتية التي تعني العلاقة بين الكلمات وبين من يستخدمها (سواء كان متحدثا أو مستمعا ، كاتبا أو قارئا) أي كل ما يتصل باستيعاب الكلام وتفسيره.
    من مثالم الأبحاث العلمية العربية في اغلب المجالات هو عدم الاهتمام بالنقل السليم للمصطلحات الأجنبية إلى اللغة العربية. هناك شروط معروفة لاشتقاق المصطلحات (بالتحديد تركيبة المصطلح) منها على سبيل المثال: ١) موافقته لقواعد اللغة ، ٢) إمكانية أن يشتق منه كلمات أخرى ، ٣) الوضوح الدلالي ، أي إمكانية تكوين تصور مبدئي عن المفهوم الذي يعبر عنه المصطلح عن طريق تركيبة المصطلح. إذا أخذنا على سبيل المثال مصطلح "البرغماتية" ، نجد انه ينقل إلى العربية باستخدام المصطلحات التالية : التداولية أو الذرائعية. أما هذا الأخير فاني أرى فيه تطرفا اشتقاقيا! فهو برأيي غير مناسب على الإطلاق. فيما يتعلق بالتداولية فهي لا تعكس بشكل واضح ماهية البرغماتية. ولهذا فإنني اعتقد انه من الأنسب استخدام مصطلح "البرغماتية" في اللسانيات إلى أن نجد مصطلحا مناسبا.


    فيما يتعلق بالبرغماتية في مجال علم الترجمة فهي تعرﱠف بشكل عام بالتأثير على متلقي النص المترجم. ولابد هنا أن نقف عند كلمة "التأثير". فلا يجب أن يفهم التأثير هنا بالمعنى المباشر للكلمة ، أي إثارة مشاعر معينة لدى الملتقي كالحزن أو الفرح أو التعاطف ، لأن هذا الأمر ليس من مهام المترجم ، بل من مهام كاتب النص الأصلي. فكاتب النص الأصلي قبل أن يبدأ بكتابة النص يضع له ما يسمي بوظيفة النص الأساسية (dominant function) التي تكون تأثيره المحتمل. وهي ، أي وظيفة النص ، تأتي تنفيذا لمقصد كاتب النص (intention) وبناءا على ذلك يقوم باستخدام الاستراتيجيات الكتابية التي تساعده في تحقيق مبتغاه. وهنا من حق الكاتب على المترجم ، أن يقوم ، أي المترجم ، بالمحافظة على مقصد الكاتب والتأثير المحتمل للنص . فإذا فشل النص في تحقيق أهدافه فان اللوم في هذه الحالة يقع على كاتب النص الأصلي وليس على المترجم. وجدير بالذكر ، أن التأثير المحتمل للنص ، وهو ما يطلق عليه التأثير البرغماتي أو التواصلي ، لا يقتصر فقط ، كما ذكر أنفا ، على مفهوم التأثير بالمعنى المباشر ولكنه يختلف باختلاف طبيعة النص. فالنص الأدبي يفترض به أن يؤثر على القارئ تأثيرا فنيا جماليا ، أما النص العلمي فانه يؤثر تأثيرا عقليا ، أي أنه مصدر للمعلومة. وهنا بالتحديد تكمن مهمة المترجم غير السهلة : وهي أن ينقل النص الأصلي بتأثيره البرغماتي (وهذا يتطلب تحليا دقيقا للنص) إلى المتلقي ثم يترك له حرية التعامل مع هذا النص. ونخلص هنا إلى نتيجة مفادها أن : المترجم ينقل التأثير ولا يؤثر! وقد يقع التأثير وقد لا يقع! ولهذا أطلق عليه "التأثير المحتمل".


    وقد بالغ بعض علماء الترجمة الذين قالوا بأنه يجب أن يتطابق تأثير النص الأصلي على متلقيه مع تأثير النص المترجم على قارئه. إن هذا الأمر في غاية الصعوبة ، لأنه حتى النص الأصلي الموجه لأبناء الوطن الواحد والثقافة الواحدة سيثير ردات فعل مختلفة. فمن باب أولى ألا تتطابق أراء أناس ينتمون إلى ثقافات مختلفة. وأنا هنا لا أنفي عدم إمكانية تطابق ردات فعل متلقي النص الأصلي والمترجم تماما ، قد يحصل هذا الأمر إذا تطابقت توجهاتهم الفكرية والشخصية.


    المقصود ببرغماتية الترجمة ، كما أرى ، هو : أن يكون متلقي (receptor) النص المترجم على نفس مستوى متلقي النص الأصلي من ناحية فهم النص ، أي يجب على المترجم أن يقوم بإيصال النص (بكامل محتوياته المعلوماتية و البلاغية والأسلوبية) إلى المتلقي بطريقة مفهومة وواضحة (باستخدام الوسائل الترجمية المختلفة) كما فهمه المتلقي الأصلي للنص. ولهذا أقترح أن يتم نقل مصطلح "البرغماتية" في مجال علم الترجمة إلى اللغة العربية باستخدام المصطلح التالي : " تكافؤ الاستيعاب".

    وختاما أقول ، إن الترجمة هي قواعد ونظريات ومعايير ومهارات ، أي أنها علم وليست "فنا وذوقا" فقط كما يقول بعض زملائنا المشتغلون بالأدب!
  • عبدالرحمن السليمان
    عضو مؤسس، أستاذ جامعي
    • May 2006
    • 5732

    #2
    [align=justify]أهلا وسهلا ومرحبا بالدكتور بدر عبدالله في الجمعية الدولية لمترجمي العربية، وأرجو أن يطيب لك المقام بيننا.

    وشكرا جزيلا على نشر هذه المقالة المثيرة للتأمل. ولي عودة إلى ما جاء فيها إن شاء الله.

    تحياتي الطيبة. [/align]

    تعليق

    • د. بدر عبدالله
      د. بدر عبدالله
      • Oct 2013
      • 19

      #3
      أخي الدكتور عبدالرحمن ، اسعد الله أوقاتك بكل خير

      اشكرك على مرورك و لطفك ، واتمنى ان شاء الله أن تكون هذه المقالة لبنة لمناقشات علمية ثرية.

      تعليق

      • عبدالرحمن السليمان
        عضو مؤسس، أستاذ جامعي
        • May 2006
        • 5732

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة د. بدر عبدالله مشاهدة المشاركة
        برغماتية الترجمة


        المقصود ببرغماتية الترجمة ، كما أرى ، هو : أن يكون متلقي (receptor) النص المترجم على نفس مستوى متلقي النص الأصلي من ناحية فهم النص ، أي يجب على المترجم أن يقوم بإيصال النص (بكامل محتوياته المعلوماتية و البلاغية والأسلوبية) إلى المتلقي بطريقة مفهومة وواضحة (باستخدام الوسائل الترجمية المختلفة) كما فهمه المتلقي الأصلي للنص. ولهذا أقترح أن يتم نقل مصطلح "البرغماتية" في مجال علم الترجمة إلى اللغة العربية باستخدام المصطلح التالي : " تكافؤ الاستيعاب".

        [align=justify]الأخ الكريم د. بدر عبدالله،

        السلام عليكم.

        مشكلة نقل (الوقع) كما يسميه نيدا – وهو ما تقصده بكلمة (تأثير) فيما أظن – في الترجمة عموما مشكلة لا تزال تواجه المترجم الأدبي والمترجم المتصدي لترجمة النصوص ذات الطابع الديني خصوصا النصوص التي تؤدي دورا مؤسساتيا في الثقافة المختلفة (ككتب الوحي وكتب كبار العلماء والأحبار والأدباء والشعراء). في هذا السياق نلاحظ أن ترجمة الأدب بأنواعه لا تكون إلا إلى اللغة الأم؛ وهذا مبدأ وقاعدة من قواعد علم الترجمة كما يدرس في جامعات العالم المتطورة. والسبب في ذلك عائد إلى طبيعة الترجمة الأدبية التي تمر عبر ثلاث مراحل:

        (1) مرحلة ترجمة العناصر اللغوية من لغة إلى أخرى؛
        (2) مرحلة نقل السياق الثقافي للنص من ثقافة إلى أخرى؛
        (3) مرحلة نقل الوقع/التأثير الذي يحدثه النص الأصلي على القارئ الأصلي بحيث تحدث الترجمة الوقع/التأثير ذاته على متلقيها.

        وهذا لا يتأتى إلا لمترجم متمكن تمكنا كليا من اللغة المنقول إليها، ومطلعا اطلاعا شاملا على ثقافة اللغة المنقول إليها، ومطلعا اطلاعا واسعا على الأنواع الأدبية والمذاهب الفكرية السائدة فيها. إن أية ترجمة لعمل أدبي أو ديني لا تمر عبر هذه المراحل الثلاث هي ترجمة تسيء إلى العمل الأدبي المنقول إساءة كبيرة لأن نقل الوقع أو التأثير الذي يمارسه النص الأصلي على متلقي النص الأصلي إلى متلقي الترجمة غير ممكن دون المرور عبر هذه المراحل الثلاث. والمرور عبر هذه المراحل الثلاث يتطلب من المترجم إعمال كل تقنيات الترجمة واستراتيجياتها ومنها منهج التكافؤ البراغماتي الذي نلجأ للتوفيق بين عناصر لغوية ونصية مختلفة قد لا يؤدي عدم التوفيق بينها إلى تحقيق ترجمة وظائفية.

        نعم، الترجمة علم وصنعة وصناعة. فهي علم له نظرياته المتطورة، وهي صنعة تحتاج إلى العلم النظري وتبقى قاصرة بدونه، وهي صناعة متطورة لها تكنولوجيا متطورة مخصوصة بها.

        تحياتي الطيبة.[/align]

        تعليق

        • د. بدر عبدالله
          د. بدر عبدالله
          • Oct 2013
          • 19

          #5
          أخي الدكتور عبدالرحمن ، اسعد الله أوقاتك بكل خير

          لك الشكر الجزيل لاثرائك الموضوع بتعقيبات مهمة و دقيقة ، فهكذا تتطور العلوم ، فما أحوجنا لنقاشات علمية متعمقة ومفيدة للجميع من طلاب وباحثين . وهنا يحضرني قول الشاعر : وأعظم مايكون الشوق يوما اذا دنت الخيام من الخيام
          أما أنا فأقول : وأعظم مايكون العلم يوما اذا دنت العقول من العقول

          أما مايتعلق بالموضوع فأقول مستعينا بالله : فيما يتعلق بنايدا فاني اعتقد أن رأيه المتعلق بوجوب نقل التأثير بل وحتى تطابق التأثير فيه من المغالاة الشئ الكثير ، ومرد هذا التركيز على الجانب التأثيري أن نايدا عمل فترات طويلة في مجال ترجمة الانجيل ، وقد كان يريد أن يكون للنصوص التي يترجمها اثر في القارئ ، ولتحقيق هذا الهدف فانه كان لايرى غضاضة في استبدال بعض عبارات النص الاصلي و مفاهيمه بعبارات تكون مقبولة لقارئ نص الترجمة و مطابقة لنمطه الثقافي!! هذه الطريقة ستؤدي بلا شك الى التأثير في متلقي الترجمة ، ولكنه تأثير "مشوه" لأن القارئ لم يتأثر بالنص الأصلي ، وهو الأساس ، ولكنه تأثر بالعبارات المستبدلة في نص الترجمة ، فضلا عن أن هذه الطريقة تعطي تصور مغلوط عن نص المصدر.

          اعتقد أن التأثير لا يجب ان يكون من ضمن أهداف المترجم ، بل من اهداف كاتب النص الأصلي . مهمة المترجم هي : نقل النص الأصلي بكامل مكوناته بما في ذلك المكون البرغماتي الى القارئ ، ثم يترك للقارئ حرية التعامل مع النص .

          برغماتية الترجمة حسب ما أراها هي : تكافؤ الاستيعاب وليست تكافؤ التأثير للاسباب التالية :
          1- التأثير هو أمر محتمل ، أي انه قد يقع و قد لا يقع.
          2- لايخفى على شريف علمكم أن النص عندما يترجم يكتسب في احيان كثيرة وظيفة جديدة تختلف عن وظيفة النص الأصلي ، وبالتالي تكون طبيعة التأثير مختلفة .
          3- النص الموجه لأبناء الوطن الواحد والثقافة الواحدة يثير ردات فعل مختلفة ، فمن باب أولى ألا تتطابق أراء أناس ينتمون إلى ثقافات مختلفة.


          هذا ماتيسر ايراده ، والشكر مرة اخرى لك اخي الكريم على ما تفضلت به .

          تعليق

          يعمل...
          X