من أخطر آثار الترجمة على لغتنا العربية أنها أضحت بمثابة باب خلفي تتسلل منه عوامل اللحن والخطأ، لكن ذلك الخطر يتفاقم إذ نجد أن هذه الأخطاء التي تدس في خزانة اللغة العربية تتخذ نفس شكل جواهرها اللفظية، بل وربما تبدو ذات بريق ألمع، فيقحم المترجم على اللغة الرائقة متشابهات تجعل غير ذي الاختصاص يحسب أن هذه الألفاظ أو التراكيب عربية أصيلة.
فشيوع استخدام الألفاظ الهجينة والتراكيب الغريبة ينخر في جسد اللغة ويؤدي إلى تآكلها رويداً رويداً، إذ تتراجع الألفاظ الأصيلة الرصينة وتتوارى بينما يفسح المجال للألفاظ والتراكيب الأعجمية والتي بتنا نراها مكوناً واضحاً في لغة الحياة اليومية، ومن أخطر الآثار السلبية التي ضربت بها الترجمة جذع لغتنا العربية أنها أسهمت في اختفاء الفروق اللغوية، وطمست ملامح التباين بين الألفاظ، فاستحال الترادف الذي كان أحد فضائل العربية وأهم ميزاتها مغبةً ورزئاً عظيماً، فامتزجت معاني الألفاظ وغابت محدداتها، وأصبح العموم هو السائد في المحتوى اللغوي. لذا فإنه من المؤسف أن سلب التراجمة الضعاف اللغة واحدة من أهم سماتها ألا وهي سمة الدقة.
إن القول بأن الترجمة قد تحمل إلى معين لغتنا العربية ما يشوبه لا يعني أن هذه هي القاعدة العامة، أو أن الترجمة تسعى إلى ذلك، وإنما يمكننا القول إن هناك ثلاثة مستويات من الترجمة وفقاً لمستوى استخدام اللغة الهدف (المترجم إليها). أول هذه المستويات هو مستوى اللغة الفصيحة السليمة، وفيه يلتزم المترجم بكل قواعد اللغة نحْواً وصَرْفاً وإِمْلاءً، فلا يزج بأعجمي اللفظ أو مستهجن الأسلوب إلى محتوى لغتنا العربية. أما المستوى الثاني فهو مستوى يختلط فيه الصواب بالخطأ عن دون قصد في غالب الأحيان، فيختلط على المتلقي الأمر ولا يسعه إلا أن يرجح صحة ما حملته إليه الترجمة، سواء على مستوى اللفظ أو التركيب أو الاصطلاح، فيعمد إلى تكرار ما جاءت به الترجمة واستخدامه في ممارساته اللغوية، وبالتالي يشيع الخطأ لنصطدم بإشكالية "الخطأ الشائع أم الصواب المهجور" والتي يحسمها مبدأ "لا يصح إلا الصحيح"، فلو تركنا للخطأ الشائع مجالاً كي يتسلط ويتجبر ويحجب الصواب، لزالت لغتنا وحادت عن أصولها واجتثت من جذورها. بينما المستوى الثالث فهو المستوى الرديء الذي يغلب الخطأ فيه على الصواب ويمكن تمييزه بسهولة، لكن اللهجات واستخدام اللغة العامية يدعمان هذا المستوى ويمرران جحافل الألفاظ الأجنبية والتراكيب السقيمة بليل إلى المحتوى اللغوي الكلي.
خلال إشرافي على العديد من فرق المترجمين ضمن مشروعات تختلف في لغاتها ومجالاتها، وجدت أن هناك مسالب يتشارك فيها غالبية المترجمين؛ منها ما يتعلق بعدم القدرة على تمييز المعنى الوظيفي لصيغة الكلمة، فيخلطون بين الاسم والفعل، ويغيب عن ترجماتهم الالتزام بأحكام المعرب والمبني، وترتيب بنية الجملة، والتقديم والتأخير، بل إن بعضهم ذهب إلى عدم التمييز بين ضمير الهاء وتاء التأنيث. والسبب الرئيس في ذلك هو ضعف المحتوى التدريسي الذي تلقوه خلال المرحلة الجامعية التي وضعت حاجزاً بين ما درسوه في المرحلة ما قبل الجامعية وما انكبوا عليه من دراسة اللغة الأجنبية، فأضاع انهماكهم في حفظ اللغة الأجنبية، ما حفظوه ودرسوه من قواعد لغتهم العربية التي يتكلمونها.
إن كثيراً من المترجمين لا يُدركون أن لكل لغة أسلوبها الخاص في صياغة تراكيبها وجملها، فيقصرون دورهم على نقل معاني الكلمات وفق نسق وأسلوب اللغة المنقول منها (النص المصدر)، فيدخلون على العربية أساليب تخالف المنطق والعقل، ومن أوضح الأمثلة على ذلك التركيب (لعب دوراً) فيقول المترجم مثلاً: لعب الجيش دوراً عظيما في نصرة القضية.. فكيف يقترن اللعب بعظيم الدور؟! بينما الصواب أن يقول مثلا: قام الجيش بدور عظيم... كذا فإن بعضهم لا ينتبه إلى أن من سمات العربية الإيجاز والقصد، فنجدهم يتعمدون الإسهاب غير المبرر، فتضج ترجماتهم بالحشو الزائد مثل قولهم: (عضه بأسنانه) وكأن العض يمكن أن يكون بغير الأسنان، ومن الغريب أيضاً أن نجد البعض يخالف المنطق اللغوي، فنجده يستخدم تراكيب تدل على عكس المعنى، ومن ذلك قول: (استقلّ زيد السّيارة)، وصحتها (استقلّت السيارة زيداً) أي رفعته وحملته، أو قول (غطّى المراسل الحدث)، وصحته: ( ذكر أو تابع أو نقل المراسل الحدث) لأن "غطى" تعني: "أخفى".
فشيوع استخدام الألفاظ الهجينة والتراكيب الغريبة ينخر في جسد اللغة ويؤدي إلى تآكلها رويداً رويداً، إذ تتراجع الألفاظ الأصيلة الرصينة وتتوارى بينما يفسح المجال للألفاظ والتراكيب الأعجمية والتي بتنا نراها مكوناً واضحاً في لغة الحياة اليومية، ومن أخطر الآثار السلبية التي ضربت بها الترجمة جذع لغتنا العربية أنها أسهمت في اختفاء الفروق اللغوية، وطمست ملامح التباين بين الألفاظ، فاستحال الترادف الذي كان أحد فضائل العربية وأهم ميزاتها مغبةً ورزئاً عظيماً، فامتزجت معاني الألفاظ وغابت محدداتها، وأصبح العموم هو السائد في المحتوى اللغوي. لذا فإنه من المؤسف أن سلب التراجمة الضعاف اللغة واحدة من أهم سماتها ألا وهي سمة الدقة.
إن القول بأن الترجمة قد تحمل إلى معين لغتنا العربية ما يشوبه لا يعني أن هذه هي القاعدة العامة، أو أن الترجمة تسعى إلى ذلك، وإنما يمكننا القول إن هناك ثلاثة مستويات من الترجمة وفقاً لمستوى استخدام اللغة الهدف (المترجم إليها). أول هذه المستويات هو مستوى اللغة الفصيحة السليمة، وفيه يلتزم المترجم بكل قواعد اللغة نحْواً وصَرْفاً وإِمْلاءً، فلا يزج بأعجمي اللفظ أو مستهجن الأسلوب إلى محتوى لغتنا العربية. أما المستوى الثاني فهو مستوى يختلط فيه الصواب بالخطأ عن دون قصد في غالب الأحيان، فيختلط على المتلقي الأمر ولا يسعه إلا أن يرجح صحة ما حملته إليه الترجمة، سواء على مستوى اللفظ أو التركيب أو الاصطلاح، فيعمد إلى تكرار ما جاءت به الترجمة واستخدامه في ممارساته اللغوية، وبالتالي يشيع الخطأ لنصطدم بإشكالية "الخطأ الشائع أم الصواب المهجور" والتي يحسمها مبدأ "لا يصح إلا الصحيح"، فلو تركنا للخطأ الشائع مجالاً كي يتسلط ويتجبر ويحجب الصواب، لزالت لغتنا وحادت عن أصولها واجتثت من جذورها. بينما المستوى الثالث فهو المستوى الرديء الذي يغلب الخطأ فيه على الصواب ويمكن تمييزه بسهولة، لكن اللهجات واستخدام اللغة العامية يدعمان هذا المستوى ويمرران جحافل الألفاظ الأجنبية والتراكيب السقيمة بليل إلى المحتوى اللغوي الكلي.
خلال إشرافي على العديد من فرق المترجمين ضمن مشروعات تختلف في لغاتها ومجالاتها، وجدت أن هناك مسالب يتشارك فيها غالبية المترجمين؛ منها ما يتعلق بعدم القدرة على تمييز المعنى الوظيفي لصيغة الكلمة، فيخلطون بين الاسم والفعل، ويغيب عن ترجماتهم الالتزام بأحكام المعرب والمبني، وترتيب بنية الجملة، والتقديم والتأخير، بل إن بعضهم ذهب إلى عدم التمييز بين ضمير الهاء وتاء التأنيث. والسبب الرئيس في ذلك هو ضعف المحتوى التدريسي الذي تلقوه خلال المرحلة الجامعية التي وضعت حاجزاً بين ما درسوه في المرحلة ما قبل الجامعية وما انكبوا عليه من دراسة اللغة الأجنبية، فأضاع انهماكهم في حفظ اللغة الأجنبية، ما حفظوه ودرسوه من قواعد لغتهم العربية التي يتكلمونها.
إن كثيراً من المترجمين لا يُدركون أن لكل لغة أسلوبها الخاص في صياغة تراكيبها وجملها، فيقصرون دورهم على نقل معاني الكلمات وفق نسق وأسلوب اللغة المنقول منها (النص المصدر)، فيدخلون على العربية أساليب تخالف المنطق والعقل، ومن أوضح الأمثلة على ذلك التركيب (لعب دوراً) فيقول المترجم مثلاً: لعب الجيش دوراً عظيما في نصرة القضية.. فكيف يقترن اللعب بعظيم الدور؟! بينما الصواب أن يقول مثلا: قام الجيش بدور عظيم... كذا فإن بعضهم لا ينتبه إلى أن من سمات العربية الإيجاز والقصد، فنجدهم يتعمدون الإسهاب غير المبرر، فتضج ترجماتهم بالحشو الزائد مثل قولهم: (عضه بأسنانه) وكأن العض يمكن أن يكون بغير الأسنان، ومن الغريب أيضاً أن نجد البعض يخالف المنطق اللغوي، فنجده يستخدم تراكيب تدل على عكس المعنى، ومن ذلك قول: (استقلّ زيد السّيارة)، وصحتها (استقلّت السيارة زيداً) أي رفعته وحملته، أو قول (غطّى المراسل الحدث)، وصحته: ( ذكر أو تابع أو نقل المراسل الحدث) لأن "غطى" تعني: "أخفى".
تعليق