نعم أنا متخلف .. ولكني لست كافرًا
==قال قائل: نزل الشيخ من سيارته الألمانية، ركب الأسانسير الفرنسي، فتح بابه الإيطالي، رش قليلاً من عطره الهندي بسبب رائحة المريدين المزعجة، أدار مكيفه الكوري،رفع كم جلبابه التايواني، نظر في ساعته السويسرية، تذكر أن عليه الاتصال بخادمه البنغالي ومربية أولاده الأندونيسية، تحدث قليلاً من جواله الفنلندي، وضع أمامه ميكرفوناً هولندياً، أخرج قلماً صينياً غالياً، فتح أجندته السويدية؛ وقال: إياكم وربطات العنق - إنها رمز للغرب الكفرة.==
==قال قائل: نزل الشيخ من سيارته الألمانية، ركب الأسانسير الفرنسي، فتح بابه الإيطالي، رش قليلاً من عطره الهندي بسبب رائحة المريدين المزعجة، أدار مكيفه الكوري،رفع كم جلبابه التايواني، نظر في ساعته السويسرية، تذكر أن عليه الاتصال بخادمه البنغالي ومربية أولاده الأندونيسية، تحدث قليلاً من جواله الفنلندي، وضع أمامه ميكرفوناً هولندياً، أخرج قلماً صينياً غالياً، فتح أجندته السويدية؛ وقال: إياكم وربطات العنق - إنها رمز للغرب الكفرة.==
وأقول مستعينًا بالله: هذا منطق مقلوب؛ لأن التهكم على ربطة العنق -بغض النظر عن صحته أو خطئه؛ فكثير من علماء الإسلام يلبسون ربطة العنق- يعني أنه ما دام كل هؤلاء يتقدمون تكنولوجيا أنه ينبغي أن أتشبه بهم حتى في غير التكنولوجيا (رابطة العنق ليست تكنولوجيا في ذاتها)، وهذا لا يقول به عاقل؛ وإلا ساغ أن يأكل المسلم الخنزير لأن النصارى يأكلونه، ويشرب الخمر لأن غير المسلم يشربه، ويعبد البقر لأن الهندوس يعبدونه، ويحلل البغاء لأن الفرنسيون يحللونه، ويتعاطى الحشيش لأن الهولنديين جعلوه قانونيا، ويلحد في الله لأن الصينيين ملحدون ... إلخ. فهؤلاء وغيرهم تقدموا في مجالات وتخلفوا في مجالات أخرى، والمسلم لا ينبغي أن يتبع غيره في كل شيء لمجرد أنه تقدم في جانب تخلف هو عنه فيه. والواقع أن الذي ينجيك من عذاب الله ليس اختراعاتك، وإنما ما فعلته في سبيل الله. فإن كانت اختراعاتك في سبيل الله بعد إيمانك به فأنت من السعداء إن شاء الله. أما من يفعل الأعاجيب وهو لا يؤمن بالله فليس له عند الله يوم يلقاه شيئًا بنص القرآن والحديث. فالكافر بالله إذا عمل حسنةً في الدنيا أُطعِم بها طُعْمَةً في الدنيا أيضًا حتى يأتي الله وقد استوفى أجر جميع ما عمل لغيره. وفي دين الله فإن من شروط قبول العمل الإيمان بالله على مراد الله، وليس على مراد المرء. فالأخسرون أعمالاً هم "الذين ضل سعيُهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا".
أما مسألة أن المسلمين تخلفوا عن ركب الحضارة فهذه حقيقة، وعليهم أضعاف ما على غيرهم من المسؤولية، لا جدال في ذلك. ولكن من الحقائق أيضًا أن التقدم العلمي والحضاري أشبه بسباق التتابع، يعني يسلم كلُّ عدَّاء بلغ منه التعب مبلغه الرايةَ لمن يركض بها بعده، وقد فعل المسلمون ذلك عبر قرون حين كان العالم يعيش في قمة التخلف. ثم جاء دور عدَّاء آخر التقط الراية وركض بها ليبلغ طورًا آخر من أطوار التقدم الحياتي. والآن نحن في دورة أخرى من دورات الحضارة، وتخلف المسلمين لقرون لا يعني تخلفهم للأبد، بل نهضتهم قادمة بإذن الله شاء من شاء وأبى من أبى. هذه سنة الله في خلقه، ويشهد بصحتها التاريخ وتجارب الحياة الثابتة صحتها. لعلنا لا نكون ذلك الجيل الذي يحققها، لعلنا لا نكون ذلك الجيل الذي يراها، ولكننا ترس صغير في عجلة كبيرة. ورغم كل هذا فلا يعني أي تقدم أن ينسلخ المسلم عن دينه، أو مظهر من مظاهره. ولنتذكر أنه لا يوجد في دين الله قشور، بل كل دين الله لباب.