أخبار الحمقى والمغفلين في عالم المبدعين على الإنترنت
الحلقة الأولى
صحا أبو العُريف من نومه، وفرك عينيه بمفصلي سبابتيه، ثم سرحت يده اليسرى إلى زر تشغيل الحاسوب وهو بين النائم واليقظان فضغطته. وما هي إلا دقائق معدودة حتى كانت الشاشة تنتقل بين ألوان لا يعلم حصرها إلا الله، وكأن الجن قد تلبَّس بالحاسوب.
وكالعادة انفتحت صفحته الرئيسة المفضلة، وهي صفحة عالم الأدباء والمبدعين. وقبل أن يتفحص آخر الموضوعات أغلق عينيه واستفتح بقوله "أقسم بالله العظيم إن هذا اليوم سيكون يوم نكد على ..." وفي هذه اللحظة كان قد وصل إلى أسفل الصفحة، ففتح عينيه فوقعتا على اسم "الدكتور شرنوبي"، فنطق به.
"آآه! ياللأسف! كنت أرجو أن يكون الموضوع سياسياً. ولكن لا بأس، اليوم إذن هو يوم النكد الأدبي."
وليس مهماً أن أبا العُريف لا يعرف ألِف النقد الأدبي من كوز ذرتِه، ولكنه هاوٍ متمرس في شئون النكد عموماً، وقد غلبه شيطانه في سن مبكرة فأوهمه أن السفسطة هي أسرع طريق للإيقاع بالفرائس، وتعكير صفو حياة الناس.
فتح أبو العريف الموضوع وقرأ "لا يتوقف عمل (اللام) في العربية عند التعريف، بل يتعداه إلى الاختصاص والاستغراق. وقال سيبويه في قوله تعالى [الحمد لله] إن عمل (اللام) هنا ...." فاتسعت حدقتاه، وفغر فاه، وأخذ يهرش رأسه بأصبعه حتى تخال أنه قد مس بياض مخه، وبلغ حماره القنطرة. وأخذت نفسه تنازعه الرحيل قبل أن تزل قدمه بتعليق يكشف سوءته.
"هذا ليس أدباً. هذا نحو! ليتني تابعت حلقات الأستاذ قمحاوي "نحو الأمية" في الإذاعة! هل أرحل؟ ولكنني أقسمت بالله، وهذا قسم عظيم، وأنا رجل ملتزم. لا، لن أرحل. يجب أن أدلي بجردلي وسطلي، ولابد أن يذوق هذا النحوي البحويّ الطحوي عصا "الغلية" التي أحضرتها معي. لا، لا يمكن أن أتركه هكذا. من يظن نفسه؟ تقدمْ يا أبا العريف، تحرك أيها الحمار ولا تقف عند القنطرة، شي، شي، حاااا. ليس مهماً أن تفهم الموضوع. اكتب أي شيء تسمم به بدن الكاتب حتى الجيل العاشر. نعم، غلِّف الكلام حتى لا يفهم منك أحد شيئاً. توكَّل يا رجل، توكَّل، على بركة الله ..."
ولم يمر طويل وقت حتى ثارت ألمعية أبي العُريف، فضغط زر الرد، وأخذ يكتب: "اشكر الأستاذ شرنوبي على موضوعه كامل الدسم. ولكن هذا الموضوع غير قائم الزاوية، وتعتريه أوجه نقص حادة في جوانب عدة. فقد عارض ابن سيِّدة قول سيباويه الذي احتججت به على غير علم بمراده، وقال إن (اللام) إذا دخلت على معرَّف استحال اللفظ بها. وانقسم النحويون في هذه النقطة المفصلية إلى مدرستين. وقد مال البصريون إلى نصب الحمد ابتداءً على ستة أوجه. أما الكوفيون فاختاروا الجر على لغة مشهورة من لغات العرب. وعليه فقد سقطت مداخلتك في جملة من الأخطاء، وكان ينبغي عليك أن تعود إلى المراجع المعتمدة وأمهات الكتب لتستبين خطأك. مع خالص محبتي وودي وتقديري أيها العزيز الراقي".
وما أن انتهي من ضغط زر نشر التعليق حتى دخلت عليه أم ولده، وفلذة طحالة وكبده، أم العُريف وهي تحمل كوباً من الشيح. فقالت: "كيف أصبحت يا أعلم أهل زمانك؟ " فنظر إليها نظرة الساخط على حظه، وقال: "أصبحت على جميل سحنتك، لا حرمك الله من وجه حماتك". ثم تجادلا خمساً، وتعاركا تسعاً، وسكبت أم العريف فوق رأسه كوب الشيح، وانصرفت. وبينما هو يلعن حظه، وينظف نفسه إذ لمس إصبعه زر إعادة تحميل الصفحة، فوجد رداً من الدكتور شرنوبي يقول "الأستاذ أبو العريف: رأيتك تخلط الحابل بالنابل، وتأتي بأقوال لا يقول بها أحد من العالمين. فالمبتدأ إنما يكون مرفوعاً دائماً، ولا يصح فيه نصب ولا جر. ولا أعلم أحداً من الكوفيين أو البصريين قال بكلامك. فدلني على مصادرك حتى أنظر فيها. وأنت حين تقول "حمدٌ لله وثناءٌ عليه" فهذا ابتداءٌ، أما "حمداً لله وثناءً عليه" فتقوله حين يقع لك ما يوجب الحمد، هكذا قال أبو هلال العسكري في الفروق. وحديثي إنما هو عن وظائف (اللام) في العربية، فإذا بك تخرج عن الموضوع. واسمح لي أخي الكريم أن أقول إن الاسم الصحيح هو "ابن سِيده" وليس "ابن سيِّدة، ولعله خطأ طباعي. لك التحية".
فضغط أبو العريف زر الرد بانفعال شديد، وكتب: "الأستاذ شرنوبي، في زماننا هذا يوجد الكثيرين من المرضى بحرف الدال. وأعجب ثم أعجب ثم أعجب من قولك "ابن سِيده"، كيف فات عليك وأنت دكتور جهبذ هذا الأمر؟ هل أم المذكور سيِّدة أم رجل؟ هل سمعتم عن إنسان كانت أمه رجلاً؟ ما هذا يا دكتور؟ وإذا كنت تجهل هذه الحقيقة البسيطة فكيف لك أن تتحدث في أمر خطير من أمور اللغة؟ هذا والله هو العجب العجاب! ثم من هو العسكري هذا الذي ذكرته؟ كنت أتوقع منك أن تستشهد بقول لواء أو عميد، أو حتى نقيب، لكن أن تقول "العسكري"، فهذا من المضحكات المبكيات.
ثم أجد ردك الذي يجافي العقل والمنطق والحقيقة فتقول إنك لا تعلم من الكوفيين أو البصريين مَن قال بكلامي. هذا كلامي يا أستاذ. فليس الكوفيون والبصريون بأعلم مني. ويبدو لي من كلامك أنك تعادي العراق وأهله. فهل أنت مع الغزو الأمريكي أم ضده؟ لماذا تشجع التدخل الإيراني في العراق؟ هل أنت من أنصار مقتدى الصدر وجيش المهدي؟ أفصح عن هويتك حتى أعرف مع أي شخص أتحدث. عجبت والله ممن يستخدمون الأسماء المستعارة، ويتخفون خلفها. أنت وأمثالك أشباح هلاميون. هل ليست لديك الشجاعة للكتابة باسمك؟ وهذه الصورة التي تضعها ليست صورتك.
أطلب من إدارة هذا الموقع المحترم إغلاق هذا الموضوع، وطرد كل من تسول له نفسه التعدي على عالم المبدعين النقي الطاهر. ولست أدري كيف يسكت مدير الموقع على هذا العبث. اطردوا هذا البائس الرعديد."
وكالعادة انفتحت صفحته الرئيسة المفضلة، وهي صفحة عالم الأدباء والمبدعين. وقبل أن يتفحص آخر الموضوعات أغلق عينيه واستفتح بقوله "أقسم بالله العظيم إن هذا اليوم سيكون يوم نكد على ..." وفي هذه اللحظة كان قد وصل إلى أسفل الصفحة، ففتح عينيه فوقعتا على اسم "الدكتور شرنوبي"، فنطق به.
"آآه! ياللأسف! كنت أرجو أن يكون الموضوع سياسياً. ولكن لا بأس، اليوم إذن هو يوم النكد الأدبي."
وليس مهماً أن أبا العُريف لا يعرف ألِف النقد الأدبي من كوز ذرتِه، ولكنه هاوٍ متمرس في شئون النكد عموماً، وقد غلبه شيطانه في سن مبكرة فأوهمه أن السفسطة هي أسرع طريق للإيقاع بالفرائس، وتعكير صفو حياة الناس.
فتح أبو العريف الموضوع وقرأ "لا يتوقف عمل (اللام) في العربية عند التعريف، بل يتعداه إلى الاختصاص والاستغراق. وقال سيبويه في قوله تعالى [الحمد لله] إن عمل (اللام) هنا ...." فاتسعت حدقتاه، وفغر فاه، وأخذ يهرش رأسه بأصبعه حتى تخال أنه قد مس بياض مخه، وبلغ حماره القنطرة. وأخذت نفسه تنازعه الرحيل قبل أن تزل قدمه بتعليق يكشف سوءته.
"هذا ليس أدباً. هذا نحو! ليتني تابعت حلقات الأستاذ قمحاوي "نحو الأمية" في الإذاعة! هل أرحل؟ ولكنني أقسمت بالله، وهذا قسم عظيم، وأنا رجل ملتزم. لا، لن أرحل. يجب أن أدلي بجردلي وسطلي، ولابد أن يذوق هذا النحوي البحويّ الطحوي عصا "الغلية" التي أحضرتها معي. لا، لا يمكن أن أتركه هكذا. من يظن نفسه؟ تقدمْ يا أبا العريف، تحرك أيها الحمار ولا تقف عند القنطرة، شي، شي، حاااا. ليس مهماً أن تفهم الموضوع. اكتب أي شيء تسمم به بدن الكاتب حتى الجيل العاشر. نعم، غلِّف الكلام حتى لا يفهم منك أحد شيئاً. توكَّل يا رجل، توكَّل، على بركة الله ..."
ولم يمر طويل وقت حتى ثارت ألمعية أبي العُريف، فضغط زر الرد، وأخذ يكتب: "اشكر الأستاذ شرنوبي على موضوعه كامل الدسم. ولكن هذا الموضوع غير قائم الزاوية، وتعتريه أوجه نقص حادة في جوانب عدة. فقد عارض ابن سيِّدة قول سيباويه الذي احتججت به على غير علم بمراده، وقال إن (اللام) إذا دخلت على معرَّف استحال اللفظ بها. وانقسم النحويون في هذه النقطة المفصلية إلى مدرستين. وقد مال البصريون إلى نصب الحمد ابتداءً على ستة أوجه. أما الكوفيون فاختاروا الجر على لغة مشهورة من لغات العرب. وعليه فقد سقطت مداخلتك في جملة من الأخطاء، وكان ينبغي عليك أن تعود إلى المراجع المعتمدة وأمهات الكتب لتستبين خطأك. مع خالص محبتي وودي وتقديري أيها العزيز الراقي".
وما أن انتهي من ضغط زر نشر التعليق حتى دخلت عليه أم ولده، وفلذة طحالة وكبده، أم العُريف وهي تحمل كوباً من الشيح. فقالت: "كيف أصبحت يا أعلم أهل زمانك؟ " فنظر إليها نظرة الساخط على حظه، وقال: "أصبحت على جميل سحنتك، لا حرمك الله من وجه حماتك". ثم تجادلا خمساً، وتعاركا تسعاً، وسكبت أم العريف فوق رأسه كوب الشيح، وانصرفت. وبينما هو يلعن حظه، وينظف نفسه إذ لمس إصبعه زر إعادة تحميل الصفحة، فوجد رداً من الدكتور شرنوبي يقول "الأستاذ أبو العريف: رأيتك تخلط الحابل بالنابل، وتأتي بأقوال لا يقول بها أحد من العالمين. فالمبتدأ إنما يكون مرفوعاً دائماً، ولا يصح فيه نصب ولا جر. ولا أعلم أحداً من الكوفيين أو البصريين قال بكلامك. فدلني على مصادرك حتى أنظر فيها. وأنت حين تقول "حمدٌ لله وثناءٌ عليه" فهذا ابتداءٌ، أما "حمداً لله وثناءً عليه" فتقوله حين يقع لك ما يوجب الحمد، هكذا قال أبو هلال العسكري في الفروق. وحديثي إنما هو عن وظائف (اللام) في العربية، فإذا بك تخرج عن الموضوع. واسمح لي أخي الكريم أن أقول إن الاسم الصحيح هو "ابن سِيده" وليس "ابن سيِّدة، ولعله خطأ طباعي. لك التحية".
فضغط أبو العريف زر الرد بانفعال شديد، وكتب: "الأستاذ شرنوبي، في زماننا هذا يوجد الكثيرين من المرضى بحرف الدال. وأعجب ثم أعجب ثم أعجب من قولك "ابن سِيده"، كيف فات عليك وأنت دكتور جهبذ هذا الأمر؟ هل أم المذكور سيِّدة أم رجل؟ هل سمعتم عن إنسان كانت أمه رجلاً؟ ما هذا يا دكتور؟ وإذا كنت تجهل هذه الحقيقة البسيطة فكيف لك أن تتحدث في أمر خطير من أمور اللغة؟ هذا والله هو العجب العجاب! ثم من هو العسكري هذا الذي ذكرته؟ كنت أتوقع منك أن تستشهد بقول لواء أو عميد، أو حتى نقيب، لكن أن تقول "العسكري"، فهذا من المضحكات المبكيات.
ثم أجد ردك الذي يجافي العقل والمنطق والحقيقة فتقول إنك لا تعلم من الكوفيين أو البصريين مَن قال بكلامي. هذا كلامي يا أستاذ. فليس الكوفيون والبصريون بأعلم مني. ويبدو لي من كلامك أنك تعادي العراق وأهله. فهل أنت مع الغزو الأمريكي أم ضده؟ لماذا تشجع التدخل الإيراني في العراق؟ هل أنت من أنصار مقتدى الصدر وجيش المهدي؟ أفصح عن هويتك حتى أعرف مع أي شخص أتحدث. عجبت والله ممن يستخدمون الأسماء المستعارة، ويتخفون خلفها. أنت وأمثالك أشباح هلاميون. هل ليست لديك الشجاعة للكتابة باسمك؟ وهذه الصورة التي تضعها ليست صورتك.
أطلب من إدارة هذا الموقع المحترم إغلاق هذا الموضوع، وطرد كل من تسول له نفسه التعدي على عالم المبدعين النقي الطاهر. ولست أدري كيف يسكت مدير الموقع على هذا العبث. اطردوا هذا البائس الرعديد."
تعليق